تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 109 و 110 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٤٣٠

٢١ ـ تحرير المجلّة : الشيخ محمّد الحسين كاشف الغطاء (ت ١٣٧٣ هـ) ، قم ، ط ٣ ، ١٤١٦ هـ.

٢٢ ـ التراتيب الإدارية : محمّد عبدالحيّ الكتّاني ، تحقيق : عبدالله الخالدي ، نشر : دارالأرقم ، بيروت ، لبنان.

٢٣ ـ ترجمة الإمام علي عليه‌السلام من تاريخ دمشق : تحقيق : المحمودي ، نشر : مؤسّسة المحمودي للتحقيق والنشر ، بيروت ، ط١ ، ١٤٠٠هـ.

٢٤ ـ تركة النبيّ (صلى الله عليه وآله) : للإمام حمّاد بن إسحاق الأزدي ، تحقيق : د. أكرم ضياء العمري ، ١٤٠٤ هـ.

٢٥ ـ التعدّي على الأوقاف في العراق : حسين بركة الشامي ، إصدار : جامعة الإمام الصادق عليه‌السلام ، بغداد ، ط١ ، ١٤٢٧هـ.

٢٦ ـ تفسير القمّي : علي بن إبراهيم القمي (ت ٣٢٩هـ) ، نشر : مؤسّسة دار الكتاب ، ط٢ ، ١٤٠٤ هـ.

٢٧ ـ تفسير مجمع البيان : الفضل بن الحسن الطبرسي (ت ٥٤٨ هـ) ، نشر : دار المعرفة ، بيروت ، ط١ ، ١٤٠٦هـ.

٢٨ ـ التهذيب : محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : السيّد حسن الخرسان ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط٤ ، ١٣٩٢ هـ.

٢٩ ـ الجواهر ، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام : الشيخ محمّد حسن بن باقرالنجفي (ت١٢٦٦هـ) ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٧ ، ١٤٠١هـ.

٣٠ ـ الحدائق الناضرة : الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (ت ١١٨٦ هـ) ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ، قم ، ١٤٠٤هـ.

٣١ ـ الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكرالسيوطي (ت ٩١١هـ) ، تحقيق : محمّد عبدالقادر أحمد عطا ، نشر : دار الاعتصام ، القاهرة.

٣٠١

٣٢ ـ الدروس الشرعية : الشهيد الأوّل ، محمّد بن مكّي (ت ٧٨٦ هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ١٤١٤هـ.

٣٣ ـ دعائم الإسلام : النعمان بن محمّد المغربي (ت ٣٦٣ هـ) ، تحقيق : آصف فيضي ، نشر : دار المعارف ، القاهرة ، ط٢ ، ١٣٨٥ هـ.

٣٤ ـ ربيع الأبرار : محمود بن عمر الزمخشري (ت ٥٣٨هـ) ، نشر : مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، ط١ ، ١٤١٢هـ.

٣٥ ـ روضة المتّقين : المجلسي ، محمّد تقي ، نشر : بنياد فرهنگي إسلامي ، قم ، ط١ ، قم ١٣٩٨هـ.

٣٦ ـ سبل السلام : محمّد بن إسماعيل الصنعاني (ت ١١٨٢هـ) ، تحقيق : محمّد عبدالقادر عطا ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط١ ، ١٤٠٨هـ.

٣٧ ـ السرائر : ابن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، ط٢ ، ١٤١٠هـ.

٣٨ ـ السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي : ابن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨ هـ) ، نشر : جامعة المدرّسين ، قم ، ١٤١٠ هـ.

٣٩ ـ سنن أبي داود : محمّد بن عيسى الترمذي (ت ٢٧٩ هـ) ، تحقيق : أحمد محمّدشاكر ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٣٥٧هـ.

٤٠ ـ السنن الكبرى : للإمام أبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، تحقيق : د. عبدالفتاح البنداري وسيّد كسروي ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط١ ، ١٤١١هـ.

٤١ ـ السيرة الحلبية : علي بن إبراهيم الحلبي الشافعي (ت ١٠٤٤هـ) ، نشر : المكتبة الإسلامية ، بيروت.

٤٢ ـ السيرة النبوية : ابن هشام (ت ٢١٨ هـ) ، تحقيق : مصطفى السقّا وإبراهيم الأبياري ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٣ ، ١٤٢١هـ.

٣٠٢

٤٣ ـ السيرة النبوية : أبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت ٧٧٤هـ) ، تحقيق : مصطفى عبدالواحد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٤٤ ـ السيرة النبوية : محمّد بن إسحاق بن يسار (ت ١٥١هـ) ، تحقيق : سهيل زكار ، نشر : إسماعيليان ، قم ، ١٤١٠هـ.

٤٥ ـ شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد المعتزلي (ت ٦٥٦هـ) ، تحقيق : محمّد أبوالفضل ، نشر : دار الجيل ، بيروت ، ط١ ، ١٤٠٧.

٤٦ ـ صحيح مسلم : مسلم بن الحجّاج النيسابوري (ت ٢٦١ هـ) ، تحقيق : محمّد ابن فؤاد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٢ ، ١٣٩٢هـ.

٤٧ ـ الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) : السيّد جعفر مرتضى العاملي ، نشر : المركز الإسلامي للدراسات ، بيروت ، ط٥ ، ١٤٢٨هـ.

٤٨ ـ الطبقات الكبرى : أبي عبدالله محمّد بن سعد الزهري (ت ٢٣٠هـ) ، نشر : داربيروت ، بيروت ، ١٤٠٥هـ.

٤٩ ـ فتح الباري : أحمد بن علي بن حجر (ت ٨٥٢هـ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبدالباقي ، نشر : المطبعة السلفية.

٥٠ ـ فتوح البلدان : البلاذري ، أحمد بن يحيى ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٣٩٨هـ.

٥١ ـ عمدة عيون صحاح الأخبار : يحيى بن الحسن الأسدي ابن البطريق ، تحقيق : مالك المحمودي وإبراهيم البهادري ، قم ، ١٤١٢هـ.

٥٢ ـ الفقه على المذاهب الخمسة : الشيخ محمّد جواد مغنية (ت ١٣٩٩ هـ) ، تحقيق : سامي الغريري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، قم ، ط١ ، ١٤٢٢ هـ.

٥٣ ـ قواعد الأحكام : العلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف (ت ٧٢٦ هـ) ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي قم ، ١٤١٣هـ.

٣٠٣

٥٤ ـ الكافي : محمّد بن يعقوب الكليني (ت ٣٢٩ هـ) ، تحقيق : علي أكبر غفّاري ، نشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، ط٣ ، ١٣٨٨هـ.

٥٥ ـ الكامل في اللغة والأدب : لأبي العبّاس المبرّد نشر : دار النهضة ، القاهرة.

٥٦ ـ كتاب البيع : الإمام الخميني ، تحقيق : مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني ، العروج ، قم ، ط١ ، ١٤٢٦.

٥٧ ـ كشف المحجّة لثمرة المهجة : للسيّد علي بن طاووس (ت ٦٦٤هـ) ، نشر : المطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، ١٣٧٠هـ.

٥٨ ـ لسان العرب : جمال الدين محمّد بن مكرم الأنصاري (ت ٧٧١هـ) ، تصحيح : محمّد عبدالوهّاب ومحمّد صادق العبيدي ، نشر : دار إحياء التراث ، ومؤسّسة التاريخ العربي ، ط٣ ، ١٤١٩هـ.

٥٩ ـ مجلّة الهداية الإسلامية : ج٤ ، م٩ ، شوال ١٣٥٥هـ.

٦٠ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي (ت٧٠٨هـ) ، نشر : دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط٣ ، ١٤٠٢ هـ.

٦١ ـ محاضرات في الوقف : الشيخ محمّد أبو زهرة ، نشر : دار الفكر العربي ، القاهرة ، ط٢ ، ١٩٧١م.

٦٢ ـ المحلّى بالآثار : ابن حزم الأندلسي (ت ٤٥٦ هـ) ، تحقيق : د. عبد الغفّار سليمان ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤٠٨هـ.

٦٣ ـ مستدرك الوسائل : المحدّث النوري (ت ١٣٢٠ هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم ، ط١ ، ١٤٠٨هـ.

٦٤ ـ مسند أبي عوانه : أبي عوانة ، يعقوب بن إسحاق الإسفرائني (ت ٣١٦هـ) ، تحقيق : أيمن بن عارف الدمشقي ، نشر : دار المعرفة بيروت ، ١٤١٩ هـ.

٦٥ ـ مسند أحمد : أحمد بن محمّد بن حنبل (ت ٢٤١ هـ) ، نشر : دار صادر ، بيروت.

٣٠٤

٦٦ ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : أحمد بن محمّد الفيّومي (ت٧٧٠هـ) ، نشر : دار الفكر ، بيروت.

٦٧ ـ معجم البلدان : ياقوت بن عبدالله الحموي ، نشر : دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٣٨٨هـ.

٦٨ ـ المغازي : محمّد بن عمر الواقدي (ت ٢٠٧ هـ) ، نشر : إسماعيليان ، طهران ، إيران.

٦٩ ـ المغني : ابن قدّامة المقدسي (ت ٦٢٠ هـ) ، تحقيق : عبدالفتّاح الحلو ، نشر : هجر للطباعة والنشر القاهرة ، ١٤١٠ هـ.

٧٠ ـ ملحقات العروة الوثقى : السيّد كاظم اليزدي (ت ١٣٣٧ هـ) ، نشر : مكتبة الداوري ، قم.

٧١ ـ مناقب آل أبي طالب : محمّد بن علي بن شهرآشوب (ت ٥٨٨ هـ) ، نشر : المطبعة العلمية ، قم.

٧٢ ـ من لا يحضره الفقيه : الشيخ الصدوق (ت ١٣٨١هـ) ، تحقيق : علي أكبر غفّاري ، نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، ط٣ ، ١٤١٤هـ.

٧٣ ـ موسوعة التاريخ الإسلامي : الشيخ محمّد هادي اليوسفي ، نشر : مجمع الفكرالإسلامي ، قم ، ١٤٢٣ هـ.

٧٤ ـ نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخبار : الشيخ محمّد بن علي الشوكاني (ت١٢٢٥هـ) ، نشر : دار الجيل ، بيروت ، ١٩٧٣م.

٧٥ ـ وسائل الشيعة : الحرّ العاملي ، محمّد بن الحسن (ت ١١٠٤هـ) ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث ، قم ، ط٢ ، ١٤١٦هـ.

٧٦ ـ الوسيلة الى نيل الفضيلة : محمّد بن عليّ بن حمزة الطوسي (ت ٥٦٠ هـ) ، تحقيق محمّد الحسّون ، نشر : مكتبة السيّد المرعشي ، قم ، ١٤٠٨ هـ.

٣٠٥

٧٧ ـ وفا الوفا بأخبار دار المصطفى : علي بن أحمد السمهودي ، تحقيق : محمّد محيي الدين عبدالحميد ، نشر : دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط٤ ، ١٤٠٤هـ.

٧٨ ـ وفاة الصدّيقة : السيّد عبدالرزّاق المقرّم (ت ١٣٩١ هـ) ، تحقيق : صلاح المنجد ، نشر : دار السعادة ، ط١ ، ١٩٥٩م.

٧٩ ـ الوقف وأحكامه : محمّد جعفر شمس الدين ، دار الهادي ، ط١ ، ١٤٢٦هـ.

٣٠٦

مع الشريف الرضي في ديوانه

(١)

المرحوم الشيخ محمّد عليّ اليعقوبي

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة :

ليس في نيّتنا كتابة ترجمة حياة والدنا المرحوم الشيخ اليعقوبي ومسيرته الخطابية والعلمية والتاريخية والأدبية ، أو نتحدّث عن صلاته الوثيقة بالعلماء الأعلام الذين أجازوه بالرواية عنهم ، وعن مساجلاته ومطارحاته مع العديد من رجال الفكر والأدب في العالمين العربي والإسلامي ، فقد أغنتنا عن ذلك كتب المعاجم والتراجم الحديثة التي كتبت عنه في حياته وبعد وفاته ، ونوَّهت بقابليّاته في مجالات الخطابة والتاريخ ، وعمق البحث ودقّة التحقيق والتنقيب ، ولا البحث عن مؤلّفاته وآثاره

٣٠٧

المطبوعة والمخطوطة ، ولكنّنا سنتحدّث ـ ولو بإيجاز ـ عن موضوع (صندوق اليعقوبي) المعروف في الأوساط العلمية والتاريخية والأدبية في داخل العراق وخارجه والحافل بالمخطوطات النفيسة والآثار النادرة ، ليتعرّف عليه الجيل الجديد من الكتّاب والأدباء والباحثين ، كما تعرّف عليه الجيل الذي عاصره.

وتعود قصّة معرفة الأوساط العلمية والأدبية بـ : (صندوق اليعقوبي) إلى عام ١٩٣٨م ، فقد ذكر الأستاذ الكبير جعفر الخليلي في الجزء الثاني من كتابه هكذا عرفتهم عند حديثه عن معرفته بالشيخ اليعقوبي : أنّ الأستاذ توفيق الفكيكي صاحب كتاب الراعي والرعية قال : عندما كنت حاكماً في كربلاء سمعت كثيراً عن نوادر الخزانة اليعقوبية لصاحبها الأستاذ الكبير والشاعر المطبوع الشيخ محمّد علي اليعقوبي ، وبما في (صندوقه) من النفائس الأدبية ، وأكثرها خطّية قديمة وحديثة ، ودفعني حبّ الإطّلاع أن أنزل عليه ضيفاً ، وبعد التماس كثير أطلعني على ذخائر صندوقه ، فرأيت من الواجب في حينه التنويه عن تلك الآثار النادرة.

وأضاف الأستاذ الخليلي قائلاً :

وكان الفكيكي الصديق الوحيد الذي مكّنه اليعقوبي من الاطلاع بنفسه على ما كان يكتنز ويدّخر من نصوص ووثائق تاريخية وأدبية ودواوين شعرية ، انحصر وجودها عند اليعقوبي ، وكان الفكيكي يحثّه على التفرّغ لإخراج هذه الكنوز ونشرها ولو بمقالات يكتبها في الصحف.

٣٠٨

فكلّمني الفكيكي في أن يكتب شيئاً في جريدتي الهاتف عن (صندوق اليعقوبي) ، ويكشف غطاءه ، لعلّ في ذلك شيئاً من الحافز الذي يحمله على إخراج بعض ذخائره ونشرها في مقالات إذا لم يتسنّ له إخراجها في كتب.

وأردف الأستاذ الخليلي قائلاً :

وكثرت التعليقات حول (الصندوق) في الهاتف وحكم الشيخ جعفر النقدي (وكان أديباً وقاضياً في حينه) بوجوب فتح الصندوق ، ونشر مافيه على الملأ ، وقد أفاد قرّاءه الأدباء بنشر تلك المقالات والتعليقات والدعابات ، وكان منها تعليق شعري لليعقوبي نفسه عن الفكيكي ، وعن دعوته لكسر صندوقه فقال :

قالوا أذاع الذي ما زلت تخبؤه

(توفيق) قلت لهم من حسن توفيقي

وجاء يبحث عن (صندوق) مكتبتي

وإن في الصدر عندي ألف صندوق

وقد صدق اليعقوبي ـ والقول للخليلي ـ فإنَّ في صدره ألف صندوق ، ومنذ ذلك اليوم انكشف غطاء الصندوق ، وطلع اليعقوبي على قرّاء الهاتف بعدد من المقالات عن بعض الشعراء الذين أغفل ذكرهم التاريخ ، والذين لم يستطع أحد أن يعرفهم لولا اليعقوبي ، الذي انحصرت عنده وحده أخبارهم وآثارهم.

٣٠٩

وقد خلّف الشيخ اليعقوبي خلال حياته مجموعة من آثاره ومؤلّفاته التي تشهد بتتبّعه العلمي والأدبي ، وتعمّقه في البحث والتحقيق والتنقيب ، وقدأصدر في حياته العديد من دواوين الشعراء بعد أن بذل جهوداً مضنية في تحقيقها وتنسيقها والتعليق عليها وسرد الحوادث التأريخية فيها ومنها ـ على سبيل الحصر لا التفصيل ـ المقصورة العليّة في السيرة العلوية ، عنوان المصائب في مقتل الإمام علي (ع) ، الذخائر ، البابليات ، الجعفريات ، ديوان شعره ، ديوان جهاد المغرب العربي ، ديوان الشيخ عبد الحسين شكر ، ديوان الشيخ عباس الملا علي ، ديوان الشيخ يعقوب الحاج جعفر (والد المؤلف) ديوان الشيخ محمّد حسن أبي المحاسن الكربلائي ، ديوان الشيخ صالح الكوّاز ، ديوان الحاج حسن القيّم ، ونقد كتاب شعراء الحلة وقد أصدرنا عام ٢٠٠٣م كتابه نقد كتاب شعراء الغري بعد تحقيقه والتقديم له.

أمّا آثاره المخطوطة فهي جامع براثا ، مؤخذات وتعليقات على كلّ من : معجم البلدان للحموي ، وفيات الأعيان لابن خلكان ، أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين العاملي ، عبقرية الشريف الرضي للدكتور زكي مبارك ، ديوان مهيار الديلمي ، ديوان سبط بن التعاويذي ، ديوان الصاحب بن عباد ، ديوان دعبل الخزاعي ، ديوان السيّد محمّد سعيد الحبوبي ، ديوان الشيخ كاظم الأزري ، ديوان الشيخ صالح التميمي ، ديوان شعره ـ الجزء الثاني ـ مع الشريف الرضي في ديوانه ، وغيرها ممّا لا مجال لحصرها الآن

٣١٠

وقد نظمنا لها فهارس بأسماء مؤلّفيها والقائمين بخطّها وتاريخها ومواضيعها لغرض تسهيل مراجعة الأدباء والباحثين لها والإستفادة منها خدمة للعلم والتأريخ والأدب.

وقد وردت تفاصيل وافية عن هذه الآثار المطبوعة والمخطوطة في العديد من كتب التراجم ومنها كتاب لمحات من حياة الشيخ اليعقوبي الذي أصدرته جمعية الرابطة الأدبية في الذكرى الأربعينية لوفاته.

ومنها كتاب الشيخ محمّد علي اليعقوبي دراسة في تراثه الفكري لمؤلّفه حفيده الأستاذ حمّود محسن اليعقوبي الذي تمكّن من الإطلاع على تلك الآثار واستنساخ بعضها وتصويرها ونشرها في كتابه ، وكتب بدقّة وتفصيل عمّا تضمّنته في شتّى المواضيع.

ومن المستحسن أن نبيّن للقرّاء الكرام بأنّنا لا نريد التحدّث عن حياة السيّد الشريف الرضي وتفاصيلها وتحليلها ، فهو علم من الأعلام وشاعر فذّ معروف في اللغة العربية ويتردّد اسمه حتّى في اللغات الأوربية ، ولم تخل كتب المعاجم والتراجم القديمة والحديثة من ترجمة حياته وسيرته وشاعريته ، وهو أشعر شعراء عصره على الإطلاق ، وطبّقت شهرته الآفاق ، وشاعريّته قائمة بذاتها لا تحتاج إلى دليل ، فهو غنيٌّ عن التعريف ، وهو الذي قال الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر فيه وفي أخيه السيّد المرتضى علم الهدى : «المرتضى أعلم أهل زمانه لولا الرضي ، والرضي أشعر أهل زمانه لولاالمرتضى فكلاهما عالمان شاعران».

٣١١

ونحن نعتقد بأنّ روّاد العلم والثقافة والأدباء والباحثين سيجدون عندقراءتهم ومراجعاتهم بتدبّر ورويّة هذه المقالة (مع الشريف الرضي في ديوانه) بأنّهم ينفذون بمشاعرهم إلى عصر السيّد الشريف ، وكأنّهم حاضرون بأجسادهم وأرواحهم في (مجلس ديوانه) وهم يشاهدون هيبته ووقاره ، ويتمتّعوا بسيرته وشاعريّته الفيّاضة وخاصّة (حسينيّاته وحجازيّاته) ، ويتعرّفون على ما انتحل من قصائده المثبّتة بديوانه ونسبت لغيره وما نسب إليه من القصائد وهي لغيره من الشعراء ومثبّتة في دواوينهم وفي كتب الأدب والتراجم ، وما أخذه السيّد الشريف من المعاني ممّن سبقه من الشعراء ، وما أخذه منه بعض الشعراء المتأخّرين عن عصره.

وهذا ـ حسب اعتقادنا ـ وحسبما سيحكم به القرّاء الكرام ، لم يتطرّق إليه أحد قبل الشيخ اليعقوبي من المؤلّفين والنقّاد والباحثين ، الذين كتبوا دراسات مستفيضة عن السيّد الرضي ، وتحدّثوا بإسهاب عن شخصيّته الفذّة من جوانبها المتعدّدة المترامية الأطراف ، ولم يتسنَّ لهم سوى تراجم تفصيلية لحياته ، وذكر نماذج من شعره وتحليله وشرحه والتعليق عليه.

وقد ارتأينا ونحن الآن بصدد نشر هذه المقالة للشيخ اليعقوبي (مع الشريف الرضي في ديوانه) وإخراجها إلى النور ، أن لا نكتب نحن عن قابليّاته الخطابية والتأريخية والأدبية والنقدية ، وإنّما تركنا الحديث عن ذلك ولو بصورة وجيزة ونزر يسير ـ إلى فطاحل العلماء والأدباء والباحثين الذين أوردوا ما كتبوه عنه في مؤلّفاتهم ومعاجمهم ، أو الذين شاركوا

٣١٢

بقصائدهم ومقالاتهم وأبحاثهم في الاحتفال الأربعيني المهيب الذي انعقد له في (جامع الهندي) بالنجف الأشرف ، وما نشرت لهم ما جادت به قرائحهم أو ما كتبته أقلامهم مجلة الإيمان بعددها الخاصّ بالشيخ اليعقوبي وبعدد صفحاته التي ناهزت الأربعمائة صفحة والصادر عام ١٣٨٦هـ ـ ١٩٦٦م ، وكان صاحبها ومديرها المسؤول نجله المرحوم الخطيب الأديب الشيخ موسى اليعقوبي قد حاول ببذل جهود مضنية لإخراج هذه المقالة وطبعها في حياته في كتاب ، ولكنَّ رحيله إلى جوار ربّه حال دون ما تمنّاه وعاقه عمّا توخّاه.

ونحن نورد الآن ـ كما ذكرنا آنفاً ـ النزر اليسير من كتاباتهم وأبحاثهم فيمايخصّ قابليّات الشيخ اليعقوبي ـ عدى جوانب حياته وسيرته المتعدّدة ـ في الكشف عن أوثق المصادر النادرة والآثار النفيسة ، ودقّته في كتابة التراجم وضبط تحقيقها ، وتعمّقه في البحث والتنقيب.

فقد قال العلاّمة الإمام المصلح الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء في تصديره للجزء الأوّل من كتاب البابليات للشيخ اليعقوبي عام ١٣٧٠هـ ـ ١٩٥١م ما نصّه :

«وكم كنت أتمنّى وأودّ أن يبعث الله جلّ شأنه من يتصدّى لنوابغ أدباء الفيحاء ، ومن برز فيها من الشعراء ، فيجمع في مؤلّف واحد شتاتهم وينشر رفاتهم ويحيي مرّة ثانية أمواتهم ، حتّى قيّض الله لهذه المهمّة صاحب الهمّة ، خيرة الخطباء وذخيرة الأدباء ، الأستاذ الألمعي الشيخ محمّد

٣١٣

علي اليعقوبي ، فهو ابن بجدتها وفارس حلبتها وعرابة رايتها(١) ، وفي كتابه هذا قدأتحف المكتبة العربية بتحفة هي خير ما أنتجه هذا العصر من نوعه ، وسيبقى أثراً خالداً تشكره عليه الأجيال الآتية كما شكرته الأجيال الماضية والقرون الخالية».

وقال أيضاً في إجازته له بالرواية : «الخطيب الأديب زين المنابر وعين أولي البصائر وجامع أخبار الأوائل والأواخر الشيخ محمّد علي اليعقوبي».

وجاء في رسالة بعث بها إليه من لبنان العلاّمة الجليل الشيخ محمّد جوادمغنية طالباً منه تزويده ببعض المصادر ليجعلها مادّة لأحد مؤلّفاته عام ١٩٥٥م ولا زالت الرسالة محفوظة لدينا بخطّه : «ولمّا أعوزتني المصادر ، وأعلم أنّكم المرجع في مثل هذا الأمر ، أكتب إليكم راجياً أن تختاروا لي قسماً صالحاً من شعر الشعراء النجفيّين في هذا الموضوع يكون مادّة له ، وهوسبحانه المسؤول أن يحفظكم للإسلام والمسلمين».

وورد في كتاب معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام مج٣ ص ١٣٦٧ ط٢ عام ١٤١٣هـ ـ ١٩٩٢م للدكتور الشيخ محمّد هادي الأميني عن الشيخ اليعقوبي قوله :

__________________

(١) عرابة بن أوس الأنصاري من سادات المدينة وأجوادها أسلم صغيراً وتوفّي بالمدينة سنة ٦٠هـ وفيه يقول الشمّاخ المرِّي :

إذا ما راية رفعت لمجد

تلقّاها عرابة باليمين

٣١٤

«قاموس الأدب ولسان العرب ، وأحد أمراء الشعر والخطابة والتحقيق والتتبع ، وعلاّمة في التأريخ ، نشرت له في الصحف دراسات قيّمة وبحوث تأريخية ومواضيع أدبية ، ولديه خزانة كتب عامرة بالنفائس ، والشيء الكثير من التراث العربي الأدبي ، والدواوين الخطيّة النادرة».

وقال الأستاذ عبد القادر البرّاك ضمن كلمته التي نعى فيها الشيخ اليعقوبي ونشرها في جريدته البلد البغدادية في اليوم الثاني لرحيله إلى جوارربّه :

«وهو في حقول البحث والتنقيب وإحياء آثار السلف ، كان العامل الدائب الذي جمع من المخطوطات في (صندوقه) المعروف كلَّ ما عزّ وندر ، فكان المصدر الذي استقى منه الكتاب والباحثون ما كتبوه وحقّقوه عن آثار فكرية وأدبية غبر عليها الزمن ، وقد توفّرت لديه جملة صالحة من كتب الأدب ودواوين الشعر ، فحقّقها التحقيق الوافي ، وأخرجها مهذّبة منقّحة تعجب الرائين والقارئين».

وقال الأستاذ الكبير جعفر الخليلي في ج٢ من كتابه هكذا عرفتهم ص١٦١ ـ ١٦٤ :

«وكما عرف الشيخ محمّد علي اليعقوبي شاعراً أديباً وخطيباً مصقعاً ، فقدعرف مؤرّخاً محقّقاً يتتبّع النصوص الأدبية ويأخذها من مصادرها ، وقد ولدهذا الميل فيه وهو ناشي في الحلّة يتولّى ثقافته أبوه الشيخ يعقوب الحلّي ويوجّهه السيّد محمّد القزويني ، وقد دفعته هذه الملكة بأن يستكتب

٣١٥

الكثير من رجال العلم والأدب ، ويجمع أخبارهم وآثارهم العلمية والأدبية ، وأغلبها مكتوب بخطوطهم ، حتّى انحصرت عنده مصادر ذات قيمة تاريخية كبيرة ، يعود الفضل لجمعها وتحقيقها وشرحها إليه وحده ، وقد كان حريصاً عليها كلَّ الحرص ، فلا يعير منها شيئاً لأحد ، ولا يمكّن الأيدي أن تلعب بها ، ولكنّه كان سخيّاً كلَّ السخاء في مساعدة المتتبّعين والمحقّقين ، فيمكّنهم من التتبّع فيما كان يمليه عليهم مما يستخرجه من دفاتره المخطوطة ، وما يستظهره من محفوظاته.

وكثيرون أولئك الذين استعانوا به من العراق أو الأقطار العربية والإسلامية في مشكلاتهم التأريخية أو أطروحاتهم الإسلامية والأدبية فأفادوا منه.

وهناك مزية أخرى خصّت الشيخ اليعقوبي في تبحّره في اللغة ، وإحاطته التامّة بتاريخ الإسلام وإلمامه الواسع بالأدب العربي ، حتّى لقد كاد أن يستوعب الكامل للمبرّد كلّه عن ظهر قلب وحتّى لقد حفظ مغني اللبيب ذاك في تأريخ الأدب وهذا في قواعد اللغة».

وجاء في كتاب الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره ـ مع ديوانه المخطوط ـ ص ٢٥ ـ ٣٢ الصادر عام ١٩٩٥م وهو من منشورات (مركز البحوث العربية الإسلامية) في كندا للدكتور السيّد عبد الصاحب الموسوي ما نصّه :

«وإذا كان بعض من أرّخ أحداث أمّتنا الإسلامية والعربية قد خرج

٣١٦

علينا بدراسات سطحية جانبت الدقّة وحسن التمحيص ، أو خضعت لعواطف وميول شخصية على حساب الحقيقة والواقع ، فإنّ شاعرنا الباحث المؤرّخ يعدّ من أولئك القلّة الذين تميَّزوا بعمق البحث وأصالته وبسعة الأفق ، ودقّة الملاحظة».

وبعد أن استعرض بعض النماذج من ملاحظات الشيخ اليعقوبي ومؤاخذاته على قسم من كتب التراجم والمعاجم ـ نقلاً عن كتابه البابليات ـ تبياناً لسعة إطلاعه ، وإيضاحاً لدقة بحثه وتمحيصه ، أردف الدكتور الموسوي قائلاً :

«ولا يسع قاري البابليات إلاّ أن يعترف لليعقوبي بالأناة والدقّة في البحث ، فهو محقّق صبور حين يكشف عن هفوات السابقين ، كما هو محقّق متثبّت حين يردّد في كتابته كلمات مثل (شاهدت ـ سمعت ـ حدّثني ـ أطلعني) وفوق ذلك كلّه نراه حريصاً على التنقيب بين الآثار الدارسة ، للتأكّد من ميلاد أو وفاة بعض الذين يعنى بترجمة حياتهم ، وهذا يشير إلى طول باعه وسعة اطلاعه في الأدب وتاريخه ...

والآن وبعد أن أوردنا آنفاً ما كتب وما قيل عن الشيخ اليعقوبي في بعض كتب الأدب والتراجم في حياته وبعد رحيله إلى جوار ربّه ـ بخصوص تضلّعه في الأدب وتأريخه وتتبّعه في مجالات البحث والتأليف والتحقيق والتنقيب ـ نستعرض قسماً ممّا نشر في العدد الخاصّ من مجلّة الإيمان الصادر عام ١٣٨٦هـ ـ ١٩٦٦م من المقالات والأبحاث المتعلّقة بهذا

٣١٧

الشأن من قبل أقطاب العلم والتاريخ وأعلام الفكر والأدب.

قال العلاّمة الدكتور السيّد محمّد بحر العلوم ضمن كلمته الإفتتاحية للعدد الخاصّ من مجلّة الإيمان :

«الفقيد الجليل أديب كبير وموسوعيٌّ عامٌّ ، يمكن أن ندّعي بأنّه أحاط بأغلب كتب الأدب وتاريخه ـ القديمة منها خاصّة ـ مع تفهّم وإدراك واسعين ، وتتبّع لدواوين العرب وشعرائهم ، مع حفظ وتحقيق لعصورهم وبيئاتهم التي عاشوها ، الأمر الذي ميَّزه عن غيره بميّزات خاصّة أفردته عن سائر الأدباء وأعطته حقّ الأولوية فيهم ، وقد انعكس كلّ هذا على آثاره الأدبية التي أصدرها طيلة حياته ، والتي حملت ـ بفخر واعتزاز ـ الكثير من تحقيقاته الواسعة ، وملاحظاته القيّمة ، ممّا زادت من قيمتها وأهمّيتها العلمية والأدبية».

وجاء في كلمة الأستاذ الدكتور عبد الرزّاق محي الدين ـ نائب رئيس المجمع العلمي العراقي في حينه والتي ألقاها في الاحتفال المهيب المقام لتأبينه بمناسبة الذكرى الأربعينية لوفاته قوله :

«لقد التقت في شخصية العلاّمة اليعقوبي شخصيّات ، كلّ واحدة منها تكفي أن تقيم لصاحبها وجوداً ، وأن تعليه وتضعه في المكان المرموق ، واجتمع له من المواهب ما لو تفرّد بها لأغنته عن سواها حين تذكر مواهب الرجال وحين يصنّف الأعلام البارزون بحسب ما لهم من مواهب وفضائل واختصاص.

٣١٨

وكان نسّابة للآثار الشعرية ، يمسك بالمجموعة الغُفل فينسب القصائد فيها إلى أصحابها من مختلف العصور ، ويأخذ على المؤلّفين والباحثين ما وقعوا فيه من تجاوز في نسبة القصائد إلى غير أصحابها ، والأبيات والمقطعات إلى غير قائليها.

وكذلك أمره في ضبط تواريخ الرجال والحوادث ، ولعلّه في هذه الصفة أيضاً فذاَ متفرّداً بين من عرفت من المعاصرين».

وقال فيه العلاّمة السيّد هادي فيّاض ـ رئيس جمعية منتدى النشر في عصره ـ ضمن كلمة له :

«ولم يكن الشيخ اليعقوبي الخطيب المجدّد فحسب ، بل تعدَّى ذلك إلى المحقّق الثبت ، والأديب البارع ، وكانت له في المجالات العلمية والأدبية طاقات فائقة ، كانت مصدر نشاطه في النشر والتأليف والإصلاح والبناء والتطوير.

وكان لتحقيقاته التاريخية وضبطه الأدبي ما يشير إلى أنّ التحقيق فنٌّ لم يكن سهل الإنقياد إلاّ لذوي الاستعداد والمواهب ، ولمن يطفح (صندوقه) بمكتبات ثقافية تتعدّى حدود الأديب إلى مرحلة العالم المحيط المدرك».

وأردف العلاّمة (فيّاض) واصفاً ما شاهده من الشيخ اليعقوبي في إحدى المناسبات :

«وإنّي إن نسيت فلا أنسى له (ره) موقفاً أدبيّاً لا يزال أثره الكبير في

٣١٩

نفسي وصداه العظيم في أذني ، حيث البراعة الأدبية غير المحدودة ، بما فيهامراعاة القاعدة البلاغية المعروفة (ملاحظة مقتضى الحال) فقد اعتاد منتدى النشر أن يقيم احتفالاً تأبينياً لسيد الشهداء عليه‌السلاميشترك به عدد من العلماء والأدباء ، وصادف أن حضر الحفل (وفد مصريّ) من شخصيّات مرموقة في عالمي العلم والأدب ، فقد فوجىء الشيخ اليعقوبي ـ بطلب من الجمعية ـ بأن يختم الحفل بشيء من ذكر واقعة الطفّ ، فاستهلّ كلامه بعدّة أبيات للمرحوم السيّد حيدر الحلّي في رثاء سيّد الشهداء أنشدها بطريقته الخاصّة في إنشاد الشعر ، ثمّ أعقب ذلك بشرح الأبيات وتحليلها ، ثم بالمقارنة بينها وبين ما قاله غيره من القدامى والمتأخّرين في المناسبة نفسها ، مع ملاحظة الوزن والقافية ، ولم يكتف بذلك بل تعدَّى إلى المقارنة بينها وبين ما قاله غيره من جاهليّين ومخضرمين وأمويّين وعباسيّين في شخصيات أخرى لها في نفوس أولئك الشعراء مكانة ـ تشبه عندهم ـ ما للحسين عليه‌السلام من قدسية وتعظيم في نفس السيّد الحلّي وغيره من فحول شعراء الشيعة ، مراعياً في النماذج التي ذكرها نفس الرويِّ والقافية ، ممّا أدهش به الحاضرين من نجفيّين ومصريّين ، حيث تجلَّت له سلامة التعبير وسعة الإطّلاع ، وإحاطة بالتأريخ ، وإمكانية عظيمة في الأدب والإرتجال ، فكان فيما قاله مثلاً أعلى للأدب النجفي والحسيني معاً ، كما كان هو في الحفل مسك الختام».

وقال الأديب الشاعر المجدّد صالح الجعفري أحد أبرز مؤسّسي

٣٢٠