دراسات الأصول في أصول الفقه - ج ١

الشيخ علي أصغر المعصومي الشاهرودي

دراسات الأصول في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي أصغر المعصومي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-339-3
الصفحات: ٦٠٨

قابلا للانطباق على هذا المصاديق والأفراد المركّبة من المقولات المختلفة (١).

ثمّ إنّه قدس‌سره أورد على نفسه بأنّ الالتزام بالتشكيك في الوجود وفي بعض الماهيّات كالسواد والبياض ونحوهما من الألوان يلزمه الالتزام بدخول الشيء في الوجود أو الماهية عند وجوده ، وبعدم دخوله فيه عند عدمه ، فإنّ المعنى الواحد على القول بالتشكيك يصدق على الواجد والفاقد والناقص والتامّ ، فالوجود يصدق على وجود الواجب ، ووجود الممكن على عرض عريض ، وكذلك السواد يصدق على الضعيف والشديد ، فلتكن الصلاة أيضا صادقة على التامّ والناقص والواجد والفاقد على نحو التشكيك.

وأجاب عنه بأنّ التشكيك في حقيقة الوجود لا ندرك حقيقته ، بل هو أمر فوق إدراك البشر ، ولا يعلم إلّا بالكشف والمجاهدة ، كما صرّح به أهله. وأمّا التشكيك في الماهيّات فهو وإن كان أمرا معقولا ، إلّا أنّه لا يجري في كلّ ماهيّة بل يختصّ بالماهيّات البسيطة التي يكون ما به الاشتراك فيها عين ما به الامتياز كالسواد والبياض ونحوهما من الألوان. وأمّا الماهيّات التي تكون مركّبة من جنس وفصل ومادّة وصورة كالإنسان ونحوه فلا يعقل فيها التشكيك. وعليه فلا يعقل التشكيك في حقيقة الصلاة ، لأنّها على الفرض مركّبة من أركان ومقولات عديدة ، فلا يعقل أن تكون بقية الأجزاء والشرائط داخلة فيها مرّة وخارجة عنها مرّة اخرى لتصدق الصلاة على الزائد والناقص.

وأمّا الثاني فأورد عليه بأنّ الأركان أيضا تختلف باختلاف الأشخاص من القادر والعاجز والغريق والمصدوم ونحو ذلك ، فلا بدّ حينئذ من تصوير جامع بين مراتب الأركان ، فيعود الإشكال.

__________________

(١) أجود التقريرات : ٤٢.

٣٦١

وذلك بتقريب أنّ الشارع جعل الركوع والسجود بعرضها العريض ركنا ، فهما يختلفان باختلاف الحالات من الاختيار والاضطرار ، وأدنى مراتبهما الإشارة والإيماء ، فحينئذ لا بدّ من تصوير جامع بين تلك المراتب ليوضع اللفظ بإزاء ذلك الجامع ، فإذن يعود الإشكال. ومن جميع ما ذكرناه ينقدح أنّ ما أفاده قدس‌سره لا يرجع عند التفكّر والتعقّل إلى مفهوم متصوّر ، هذا.

وبالجملة ، فقد أورد صاحب الكفاية قدس‌سره على المحقّق القمّي قدس‌سره إيرادا ثالثا لا بدّ من التعرّض له ليتّضح الحال ، وكيف كان ، فإنّه قال : إنّا نقطع بأنّ لفظ الصلاة لم يوضع بإزاء الأركان منحصرا فقط ، إذ من الضروري الواضح أنّها تصدق على الفرد الفاقد لبعض الأركان إذا كان ذلك الفرد واجدا لبقيّة الأجزاء والشرائط ، ولا تصدق على الفرد الواجد لجميع الأركان إذا كان ذلك الفرد فاقدا لتمام البقيّة ، فلا يصحّ إذا دعوى وضعها لجميع الأركان ، فإنّه لا يدور صدق الصلاة مدارها وجودا وعدما كما هو واضح لا يخفى (١).

هذا تمام الكلام في ما اورد على المحقّق القمّي.

ولكنّ الإنصاف بالنظر الصحيح صحّة ما أفاده المحقّق القمّي قدس‌سره من دون أن يرد عليه شيء من هذه الإيرادات المتقدّمة ، وذلك من جهة أنّهما خلطا بين المركّبات الواقعية والمركّبات الاعتبارية في الإيراد الأوّل ؛ إذ من المعلوم أنّ الماهيّات الاعتبارية تباين الماهيّات الواقعيّة في الوجود والعدم ؛ إذ الماهيّات الواقعية يدور أمرها بين الوجود والعدم ، ومن الواضحات الأوّلية أنّ أيّ ماهية من الماهيات الواقعية إذا لاحظتها إمّا أن تكون موجودة في الخارج ، وإمّا أن تكون معدومة ، بخلاف الماهيّات الاعتبارية ، فإنّها في مرحلة الاعتبار يكون

__________________

(١) كفاية الاصول : ٤٠.

٣٦٢

قوامها بيد المعتبر ، فللمعتبر أن يعتبر الصلاة اسما في وعاء الوضع لخصوص الأركان منحصرا فقط خاصّة ، والحال أنّ الأركان في حدّ ذاتها إنّما تكون من سنخ المقولات والماهيّات المتأصّلة التي يدور أمرها بين الوجود والعدم ، كالتكبيرة التي تكون من مقولة كيف المسموع ، والركوع الذي يكون من سنخ مقولة الوضع ، وهكذا السجود وغيرها من الأركان ؛ ولأجل ذلك يصحّ أن يعتبر المعتبر ماهية اعتبارية تكون هي المركّبة من الماهيّات المتأصّلة المتعدّدة نظير الصلاة والحجّ.

وكيف كان ، فقد مثّلنا لهذا السنخ من الاعتبار والوضع في الدورة السابقة بلفظ (الدار) من باب التوضيح وسهولة التناول ، إذ من الواضح أنّ باني الدار ومعمار العمارة يلاحظ كلمة (الدار) فيعتبرها اسما في مقام الوضع والاعتبار للجدران والحوض والقبّة ، ولكن لا على نحو الانحصار ، بل على نحو الأعمّ من ذلك ، بحيث لو زاد فيها أشياء اخرى أيضا يصحّ انطباق لفظ الدار عليها وإطلاقها عليها بعنوان الحقيقة والمسمّى الواقعي الحقيقي.

كما إذا بنى دارا ذات طبقات متعدّدة بحيث تكون كلّ طبقة مشتملة على المطبخ والحمّام والبيوتات مع ما لها من التزيينات الحديثة والقديمة.

نعم ، لا تصدق الدار على مجرّد الحيطان والفضاء ، بل لا بدّ في صدق كلمة الدار بعد إحداث الباب والحيطان لا أقلّ من بناء قبّة واحدة فيها ، وأمّا بالنسبة إلى الزيادة فلا تضرّ بصدق الدار بلت ما بلت ، إذ من البديهي بالضرورة من الوجدان صحّة إطلاق الدار على الدار التي هي مشتملة على الأزيد من الطبقات وما لها من المتعلّقات.

فإذا عرفت ذلك من أنّ كلمة لفظ الدار تكون لا بشرط من حيث الزيادة في عالم الصدق والانطباق ، فاعلم أنّه لا مانع من أن يكون لفظ (الصلاة) في عالم

٣٦٣

الوضع والاعتبار عند المعتبر والوضع حين الوضع والاعتبار من سنخ وضع لفظ الدار مخصوصا لخصوص الأركان من حيث القلّة ، وأمّا بلحاظ الكثرة فإنّما اعتبرها المعتبر لا بشرط. فإذن لا تصدق ولا تنطبق عند فقدان بعض الأركان ، ولكنّها تصدق وتنطبق مع زيادة عنوان الحقيقة بلا مجاز ولا عناية.

وبالجملة ، فإنّ وضع لفظ (الصلاة) إنّما يكون من قبيل وضع لفظ (الدار) إذ كما أنّ باني الدار إنّما اعتبر لفظ الدار اسما لخصوص (الدار) مقيّدة بوجود الحيطان والباب وغرفة فيها من حيث القلّة ، ولا بشرط من حيث الزيادة فكذلك يكون الأمر في الوضع بالنسبة إلى لفظ (الصلاة) في اعتبار الشارع ؛ إذ المعتبر ـ أي الشارع ـ له أن يعتبر لفظ الصلاة اسما لخصوص الأركان مقيّدا بعدم النقيصة في شيء منها ، ولكن لا بشرط من حيث الزيادة ، بحيث يكون مثل الشرائط والأجزاء داخلة في حقيقة الصلاة حتّى يصحّ إطلاق الصلاة على الجامع لجميع الشرائط والأجزاء من باب الحقيقة إطلاقا حقيقيا بلا مجاز ولا عناية.

وأمّا اختلاف الأركان فلا يضرّ بذلك ، لأنّ الشارع الواضع عند الاعتبار والوضع لم يعتبر لفظ (الصلاة) اسما لخصوص أركان مخصوصة مختصّة بحال الاختيار ، بل إنّما اعتبره لطبيعي الأركان على البدل في عرضه العريض في طول تبادل الأحوال في الأشخاص والأزمان ، من حيث الاختيار والاضطرار ، والمرض والصحّة ، والخوف والخطر من الهدم والغرق ، بحيث يكون كلّ واحد واحد منها بما له من التشخّصات من المصاديق الحقيقيّة لطبيعي الصلاة في ما له من الأركان الخاصّة الاختياريّة والاضطراريّة ، مع ما لها من الركن باختلاف الأحوال والأشخاص ، في أنّها داخلة تحت تحقّق المسمّى بأيّ وجه اتّفق في كيان الصلاة على البدل.

فيكون المصداق في مثل الإيماء والإشارة نظير صدق الحلوى على المطبوخ

٣٦٤

من أشياء مختلفة على نحو البدل ؛ إذ لا ينبغي الشكّ في أنّ الواضع وضع كلمة (الحلوى) اسما لما يطبخ حلوى من الأشياء التي يمكن أن يطبخ منها الحلوى على البدل ، فكما أنّ الحلوى تصدق على المطبوخ من الزعفران ، كذلك تصدق على المطبوخ من غير الزعفران على البدل ؛ لأنّ المطبوخ من غير الزعفران أيضا مصداق من مصاديق مفهوم الحلوى ، وهذا واضح بلا خفاء.

وبالجملة ، فقد تقدّم جوابنا عن الإيراد الأوّل ، وقد علمت أنّ فيه خلطا بين المركّبات الحقيقية والمركّبات الاعتبارية ، فإنّ المركّبات الحقيقيّة التي تتركّب من جنس وفصل ومادّة وصورة ، ولكلّ واحد من الجزءين جهة افتقار واختيار بالإضافة إلى الآخر ، لا يعقل فيها تبديل الأجزاء بغيرها ، ولا الاختلاف فيها كمّا وكيفا ، فإذا كان شيء واحد جنسا أو فصلا لماهيّة فلا يعقل أن يكون جنسا وفصلا لها مرّة ، ولا يكون كذلك مرّة اخرى ، ضرورة أنّ بانتفائه تنعدم تلك الماهية لا محالة.

مثلا إنّ الحيوان جنس للإنسان ، فلا يعقل أن يكون جنسا له في حال أو زمان ، ولا يكون جنسا له في حال أو زمان آخر ، وهكذا إلى آخر الفصول والأجناس.

فما ذكره قدس‌سره تامّ في المركّبات الحقيقيّة لا مناص منه ولا فرار عنه.

وأمّا المركّبات الاعتبارية التي تتركّب من أمرين مختلفين أو أزيد وليس بين الجزءين جهة اتّحاد حقيقة ولا افتقار ولا ارتباط ، بل كلّ واحد منهما موجود مستقلّ على حياله ومباين للآخر في التحصّل والفعليّة ، والوحدة العارضة عليها اعتبارية ، لاستحالة التركّب الحقيقي بين أمرين أو امور متحصّلة بالفعل ، فلا يتمّ فيها ما أفاده قدس‌سره ولا مانع من كون شيء واحد داخلا فيها عند وجوده ، وخارجا عنها عند عدمه. وقد تقدّم مثال ذلك في الدورة السابقة في ضمن لفظ الدار ، فإنّه

٣٦٥

موضوع لمعنى مركّب ، وهو ما اشتمل على حيطان ساحة وغرفة وهي أجزاؤها الرئيسية والمقوّمة لصدق عنوانها ، فحينئذ إن كان لها سرداب أو بئر أو حوض أو نحو ذلك فهو من أجزائها وداخلة في مسمّى لفظها ، وإلّا فلا.

فإجمال القضية أنّ الواضع لاحظ في مقام تسمية لفظ (الدار) معنى مركّبا من أجزاء معيّنة خاصّة ، وهي الحيطان والساحة والغرفة ، فهي أركانها ، ولم يلحظ فيها موادّ معينة وشكلا خاصّا من الأشكال الهندسية. وأمّا بالإضافة إلى الزائد عنها فهي مأخوذة لا بشرط بمعنى أنّ الزائد على تقدير وجوده داخل في المسمّى ، وعلى تقدير عدمه خارج عنه ، فالموضوع له معنى وسيع يصدق على القليل والكثير ، والزائد والناقص على نهج واحد ، كصدق الطبيعي على أفراده ومصاديقه.

ويكون من هذا السنخ لفظ القباء والعباء بالإضافة إلى البطانة ونحوها ، فإنّها عند وجودها داخلة في المسمّى ، وعند عدمها خارجة عنه وغير ضائرة بصدقه.

ومن هذا القبيل أيضا الكلمة والكلام ، فإنّ الكلمة موضوعة للمركّب من حرفين فصاعدا ، فإن زيد عليها حرف أو أزيد فهو داخل في معناها وإلّا فلا ، والكلام موضوع للمركّب من كلمتين فما زاد ، فيصدق على المركّب منهما ومن الزائد على نحو واحد وهكذا.

وبعبارة اخرى : إنّ المركّبات الاعتبارية على نحوين :

أحدهما : ما لوحظ فيه كثرة معيّنة من جانب القلّة والكثرة وله حدّ خاصّ من الطرفين كالأعداد ، فإنّ الخمسة مثلا مركّبة من أعداد معيّنة بحيث لو زاد عليها واحد أو نقص بطل الصدق لا محالة.

وثانيها : ما لوحظ فيه أجزاء معيّنة من جانب القلّة فقط ، وله حدّ خاصّ من هذا الطرف ، وأمّا من جانب الكثرة ودخول الزائد فقد أخذ لا بشرط ، وذلك مثل

٣٦٦

الكلمة والكلام والدار وأمثال ذلك ، فإنّ فيها ما اخذ مقوّما للمركّب ، وما اخذ المركّب بالإضافة إليه لا بشرط ، ومن الظاهر أنّ اعتبار اللابشرطيّة في المفهوم والمعنى كما يمكن أن يكون باعتبار الصدق الخارجي ، كذلك يمكن أن يكون باعتبار دخول الزائد في المركّب ، كما أنّه لا مانع من أن يكون المقوّم للمركّب الاعتباري أحد امور على سبيل البدل. وقد مثّلنا لذلك في الدورة السابقة بلفظ الحلوى ، فإنّه موضوع للمركّب المطبوخ من سكّر وغيره ، سواء كان ذلك الغير دقيق أرز ، أو حنطة أو نحو ذلك.

ولمّا كانت الصلاة من المركّبات الاعتبارية فإنّك عرفت أنّها مركّبة من مقولات متعدّدة كمقولة الوضع ، ومقولة الكيف المسموع ونحوهما. وقد برهن في محلّه أنّ المقولات أجناس عاليات ومتباينات بالذات والحقيقة ، فلا تندرج تحت مقولة واحدة ، لاستحالة تحقّق الاتّحاد الحقيقي بين مقولتين ، بل لا يمكن بين أفراد مقولة واحدة ، فما ظنّك بالمقولات المتعدّدة ، فلا مانع من الالتزام بكونها موضوعة للأركان فصاعدا. خذ واغتنم فإنّه دقيق وحقيق.

والوجه في ذلك أنّ معنى كلّ مركّب اعتباري لا بدّ أن يعرف من قبل مخترعه ، سواء كان ذلك المخترع هو الشارع المقدّس أم غيره ، وعليه فقد استفدنا من النصوص الكثيرة أنّ حقيقة الصلاة التي يدور صدق عنوان (الصلاة) مدارها وجودا وعدما عبارة عن التكبيرة ، والركوع ، والسجود ، والطهارة من الحدث ، على ما سنتكلّم فيها عن قريب بحول الله تعالى وقوّته.

وأمّا بقيّة الأجزاء والشرائط فهي عند وجودها داخلة في المسمّى ، وعند عدمها خارجة عنه وغير مضرّة بصدقه ، وهذا معنى كون الأركان مأخوذة لا بشرط بالقياس إلى دخول الزائد ، وقد عرفت أنّه لا مانع من الالتزام بذلك في الماهيات الاعتبارية ، وكم له من الأمثال.

٣٦٧

وإن شئت فقل : إنّ المركّبات الاعتبارية أمرها سعة وضيقا بيد معتبرها ، فقد يعتبر التركيب بين أمرين أو امور بشرط لا ، كما في الأعداد ، وقد يعتبر التركيب بين أمرين أو أزيد لا بشرط بالإضافة إلى دخول الزائد ، كما هو الحال في كثير من تلك المركّبات. فالصلاة من هذا القبيل حيث إنّها موضوعة للأركان فصاعدا. وممّا يدلّ على ذلك هو إطلاقها على جميع مراتبها المختلفة كمّا وكيفا على نهج ونسق واحد ، بلا لحاظ عناية في شيء منها ، فلو كانت الصلاة موضوعة للأركان بشرط لا لم يصحّ إطلاقها على الواجد التامّ الأجزاء والشرائط بلا عناية ، مع أنّا نرى وجدانا عدم الفرق بين إطلاقها على الواجد وإطلاقها على الفاقد كما تقدّم مفصّلا أصلا وأبدا.

فتلخّص من جميع ذلك أنّ دخول شيء واحد في ماهيّة مركّبة مرّة وخروجه عنها مرّة اخرى إنّما هو من المحالات في الماهيّات الحقيقية دون المركّبات الاعتبارية.

وعلى ذلك انقدح الجواب عن الإيراد الثاني أيضا ، فإنّ لفظ الصلاة موضوع لمعنى ومفهوم وسيع جامع لجميع مراتب الأركان على اختلافها كمّا وكيفا ، وله عرض عريض وميدان وسيع ، فباعتباره يصدق على الناقص والتامّ والقليل والكثير على نحو واحد كصدق كلمة الدار على جميع أفرادها المختلفة زيادة ونقيصة كمّا وكيفا ، إذن لا نحتاج إلى تصوير جامع بين الأركان ليعود الإشكال المتقدّم علينا.

وبعبارة واضحة : فإنّ الأركان وإن كانت تختلف باختلاف حالات المكلّفين كما أفاد شيخنا الاستاذ قدس‌سره (١) ، إلّا أنّه غير مضرّ بما ذكرناه من أنّ لفظ (الصلاة)

__________________

(١) فوائد الاصول ١ : ٧٥.

٣٦٨

موضوع بإزاء الأركان بعرضها العريض وبميدانها الشامل ، ولا يجب علينا تصوير الجامع بين مراتبها المتفاوتة ، فإنّه موضوع لها كذلك على سبيل البدل ، وقد علمت أنّه لا مانع من أن يكون مقوّم المركّب الاعتباري أحد الامور على سبيل البدل.

ومن ذلك ينقدح أنّ ما بيّناه غير مبنيّ على جواز التشكيك في الماهيّات أو في الوجود فإنّه سواء قلنا به في الماهيّات أو الوجود أم لم نقل ، فما ذكرناه أمر محقّق على طبق المرتكزات العرفية في أكثر المركّبات الاعتبارية.

ولأجل ذلك ينقدح بطلان ما ذكر ثانيا من أنّ لفظ الصلاة يصدق على الفاقد لبعض الأركان ، فيما إذا كان واجدا لسائر الأجزاء والشرائط ، ووجه الانقداح والظهور هو عبارة عمّا علمت من أنّ الروايات الكثيرة قد دلّت على أنّ حقيقة الصلاة التي هي مشكّلة لكيانها ، وتتحقّق بها ، ويكون قوام الصلاة بها في مرحلة التحقّق ليس إلّا التكبيرة والركوع والسجود والطهارة من الحدث ، ولا يخفى عليك أنّ المراد منها أعمّ من المائيّة والترابية ، كما لا يذهب عليك أنّ المراد من الركوع والسجود أعمّ من الاختيارية أو الوظيفة الاضطرارية من المرضى والمضطرّين حسب ما تقدّم.

والمتحصّل أنّه لا مانع من الالتزام بأنّ الموضوع له هو خصوص الأركان من دون أن يرد على ذلك شيء من الإشكالات المتقدّمة.

ومن جميع ما ذكرناه في المقام ظهر جواب صاحب الكفاية ؛ إذ لا شكّ في صدق الصلاة على الفاقد للأجزاء والشرائط عند تحقّق الأركان ، وذلك مثل ما إذا أتى المكلّف بالأركان في الصلاة خاصّة دون باقي الأجزاء والشرائط كالحمد والسورة والأذكار والتشهّد كما إذا تركها نسيانا ؛ إذ لا شكّ في عدم وجوب الإعادة على المصلّي إذا أخلّ بغير الأركان من الأجزاء والشرائط عن نسيان

٣٦٩

لقوله عليه‌السلام : «لا تعاد الصلاة إلّا من خمس» بخلاف النقيصة أو زيادة الركن ، فإنّه لا بدّ من إعادة الصلاة على القول بأنّ زيادة الركن مخلّ بصحّة الصلاة.

وأمّا عدم ذكر التكبيرة في حديث «لا تعاد» لعلّه كان من جهة أنّ التكبيرة إنّما تكون باب افتتاح الصلاة ، فمن لم يأت بالتكبيرة لم يدخل في الصلاة حتّى يصحّ أن يقال له : أعد الصلاة ، بل الصحيح لمثل هذا الشخص أن يقال له : أقم ، لأنّه لم يدخل في الصلاة حتّى أبطلها بعد الدخول فيها ليصحّ أن يقال : إنّك أبطلت الصلاة فأعدها ، بل إنّه بترك التكبيرة غير داخل في الصلاة ، بل ما دخل فيها كانت سرابا لا صلاة. ولأجل ذلك لا يوجب عدم ذكر التكبيرة في سياق الأركان في حديث «لا تعاد» خروجها عن الركنيّة ، بل إنّها يقينا تكون من الأركان ، هذا مع أنّ الأخبار الصحيحة تدلّ على كون التكبيرة من الأركان للصلاة في سياق سائر الأركان التي ذكرت في لسان حديث «لا تعاد».

وسيأتي الكلام في التسليم بأنّه ركن في الصلاة أو لا ؟ والحاصل أنّ لفظة الصلاة لا مانع بأن تكون موضوعة للأركان على نحو لا بشرط عن الزيادة ، بحيث كان إطلاقها مع اجتماع سائر الأجزاء والشرائط من باب الحقيقة وصدق المسمّى ، بمعنى أنّها إذا تحقّقت في الخارج عند الامتثال مع الأركان في ضمن تمام الأجزاء والشرائط ، كصلاة المختار الذاكر غير الناسي ، فهي أيضا تكون داخلة تحت عنوان المسمّى وطبيعي الصلاة ، كالدار التي تكون داخلة في مسمّى الدار إذا كانت مشتملة على أزيد من خمس غرف وبيوت من الحمّام والسرداب والمطبخ ، وكلفظ القصيدة التي موضوعة لحدّ خاصّ من حيث القلّة ، بخلاف الزيادة فإنّها موضوعة في طرف القلّة مثل العشرة أبيات ، وأنّها من حيث الزيادة لا بشرط ، فتصدق على القصيدة التي تشتمل على أزيد من تسعين بيتا ، بل على الأزيد من ذلك إلى المائتين من باب صدق الاسم على المسمّى ، والطبيعي على

٣٧٠

المصاديق والأفراد على نهج الحقيقة دون المجاز.

تعداد أركان الصلاة

هنا كلام في بيان تعداد الأركان التي هي دخيلة في حقيقة كيان الصلاة ومسمّاها بحيث لو فقد واحد منها ، فمسمّى الصلاة لم يكن متحقّقا ، حتّى إذا ترك نسيانا فضلا عن إذا تركت جميعها ، فضلا عن العمد ؛ لأنّها تكون دخيلة في قوام مسمّى الصلاة عند اعتبار الوضع ، فيكون بها قوام الصلاة ، فبفقدان واحدة منها تنعدم الصلاة وتبطل ، لأنّها اخذت بعنوان الركن في مسمّى الصلاة في نظر الشارع ؛ إذ لعلّ من الضروري المسلّم أنّ الركوع والسجود من الأجزاء ، والطهور من الحدث الأعمّ من المائية والترابية من الشرائط التي عدّت من الأركان في الصلاة من بين سائر الأجزاء والشرائط بالقطع واليقين ، لقوله عليه‌السلام : ثلثها الركوع وثلثها السجود وثلثها الطهور (١).

وأمّا التكبيرة فقد دلّت على ركنيّتها روايات خاصّة مذكورة في بابها (٢) ، فيكون الإخلال بها ولو نسيانا موجبا لبطلان الصلاة ، لأنّها كالركوع والسجود والطهور دخيلة في المسمّى ومفهوم أصل الصلاة بالحقيقة والوضع عند الشارع والواضع.

وأمّا القبلة فهي وإن كانت داخلة في المستثنى في متن حديث «لا تعاد» لأنّها تكون مأخوذة في سياق الأركان في متن حديث «لا تعاد» فتكون من الخمسة المستثناة كالركوع والسجود والطهور ، ولكنّ الحقّ المحقّق أنّها ليست

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة : الجزء السادس ، الباب ٩ ، من أبواب الركوع ، الحديث ١.

(٢) راجع وسائل الشيعة : الجزء السادس ، الباب الثاني من أبواب تكبيرة الإحرام.

٣٧١

من الأركان ، لجواز الصلاة إلى غير القبلة ، كما إذا وقعت بين المشرق والمغرب وكالصلاة النافلة ، ومثل ما إذا وقعت إلى غير القبلة نسيانا.

وأمّا التسليم فإنّه وإن ورد في لسان عدّة روايات مبيّنة لماهيّة الصلاة في أنّ «أوّلها التكبيرة وآخرها التسليم» (١) الظاهرة في ركنيّته ، إلّا أنّه داخل في المستثنى منه في متن حديث «لا تعاد».

ولأجل ذلك ذهب شيخنا الاستاذ قدس‌سره إلى ركنيّته ، لأنّ بإتيانه تتمّ ويخرج المصلّي من الصلاة بعد إتيانه ، فيكون ركنا مقوّما للخروج عنها.

وفيه أنّه قد عرفت سكوت حديث «لا تعاد» عنه ، ولأجل ذلك كان الإخلال به في الصلاة عن نسيان لا يضرّ بصحّتها. ومن هنا فإنّ المنافي لو اتّفق قبل التسليم غير واقع في الصلاة ، حتّى يكون مضرّا بصحّتها ، لأنّ التسليم ليس بركن فيها ، فيكون المنافي غير واقع في الصلاة ، كما إذا كان الفصل الذي يقع عن نسيان طويلا موجبا لبطلانها ، وذلك مثل ما إذا نظر المصلّي في أثناء الصلاة إلى صفحة كاملة من الجواهر قبل التسليم ، بخلاف ما إذا لم يكن موجبا لبطلانها كالسكوت اليسير في أثنائها ، فإنّه ليس بمبطل ، فلا بدّ من إتيان التسليم بعده ليخرج عن الصلاة.

وأمّا الموالاة فلا يبعد أن تكون ركنا في الصلاة عند المتشرّعة ، إذ لا خفاء أنّ المصلّي إذا كبّر وبعد ربع ساعة شرع بقراءة الحمد ، وهكذا بالنسبة إلى إتيان بقية الأجزاء فإنّ العرف يحكم ببطلان صلاته بلا ترديد بالقطع واليقين. فانقدح أنّ الموالاة تعدّ من الأركان شرطا في اتّصاف الصلاة بالصحّة ، بل لا بدّ أن يكون الترتيب أيضا كذلك.

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة : الجزء السادس ، الباب الأوّل من أبواب التسليم.

٣٧٢

وبالجملة ، فإنّ ملخّص الكلام في بيان تعداد الأركان الدخيلة في مسمّى الصلاة حسب ما يستفاد من النصوص الكثيرة يتلخّص في أربعة أركان ، وهي عبارة عن التكبيرة والركوع والسجود والطهارة.

أمّا التكبير : فقد دلّت نصوص كثيرة على أنّ التكبيرة ابتداء الصلاة وبها افتتاحها ، ومن الواضحات أنّ هذه الرواية ناطقة بلسان عربي مبين أنّ الصلاة بدون التكبيرة لم تكن متحقّقة ، بمعنى أنّ المصلّي إذا أتى بالقراءة من دون أن يكبّر لم يتلبّس بالصلاة ولا يصدق أنّه دخل فيها. ولأجل ذلك ينقدح أنّ عدم ذكر التكبيرة في حديث «لا تعاد» إنّما هو من جهة أنّ الدخول في الصلاة لا يصدق بدونها حتّى يصدق على الإتيان بها الإعادة ، كما تقدّم ، فإنّها عرفا وجود ثان للشيء بعد وجوده أوّلا. وبعبارة اخرى : إنّ المستظهر من هذه الروايات هو أنّ الصلاة عبارة عن عمليّة خاصّة لا يتمكّن المصلّي من الدخول فيها من غير باب التكبيرة وباب افتتاحها منحصر بها فقط ، ولأجل ذلك ورد في بعض الروايات : لا صلاة بغير افتتاح ، ومن هنا لو دخل المصلّي بدونها نسيانا أو جهلا ، فلا يكون مشمولا لحديث «لا تعاد».

وأمّا الركوع والسجود والطهور كما تقدّم آنفا فهي من الأركان القطعيّة ، لدلالة صحيحة أو حسنة الحلبي بابن هاشم على أنّ الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث منها الطهور ، وثلث منها الركوع ، وثلث منها السجود (١) ، الحديث. فإنّها قد حصرت الصلاة بهذه الثلاثة ، ولكن لا بدّ من رفع اليد عن ظاهر هذا الحصر بما دلّت عليه الروايات بالنصوصية من أنّ التكبيرة أيضا ركن ومقوّم لها كما عرفت.

وقد بقي الكلام في التسليم هل هو ركن أيضا كما استدلّ على ذلك بالروايات

__________________

(١) وسائل الشيعة : الجزء السادس ، الباب ٩ من أبواب الركوع ، الحديث ١.

٣٧٣

المتعدّدة الدالّة على أنّ اختتام الصلاة بالتسليم (١) ، فهي ناطقة على أنّ الصلاة لا تتحقّق بدون التسليم خلافا لجماعة ، منهم صاحب العروة المرحوم السيّد حيث ذهب إلى أنّه ليس بركن ، وهذا هو الأقوى ، ويدلّنا على ذلك أنّه لم يذكر في حديث «لا تعاد» ، ولأجل ذلك لو لم يأت المصلّي به في الصلاة نسيانا لم تجب عليه الإعادة في الوقت فضلا عن القضاء في خارجه ، وعلى كلّ حال لو قلنا بعدم كون التسليم من الأركان كانت التسليمة أيضا خارجة عن مسمّى الصلاة.

فصار المتحمّل من جميع ما تلونا عليك امور :

الأوّل : أنّ الصلاة موضوع للأركان فصاعدا ، حسب مرتكز العرف بالقياس إلى حال العرف في عدّة موارد من المركّبات الاعتبارية.

الثاني : إنّ اللفظ موضوع للأركان بمراتبها العريضة على سبيل البدل لا الجامع بينها ، فأنّ الجامع غير معقول كما عرفت ، ولا لمرتبة خاصّة منها ، وذلك من جهة أنّ إطلاق اللفظ على جميع مراتبها على نهج واحد ، هذا ، وقد تقدّم أنّه لا بأس بكون المقوّم للمركّب الاعتباري أحد امور على نحو البدل.

الثالث : أنّ الأركان على ما نطقت به الروايات عبارة عن التكبيرة والركوع والسجود والطهارة ، والمراد الأعمّ من المائية والترابية ، كما أنّ المراد من الركوع والسجود أعمّ ممّا هو وظيفة المختار أو المضطرّ ، ولكن مع ذلك كلّه يعتبر في صدق الصلاة كما تقدّم الموالاة ، بل الترتيب أيضا ، وأمّا الزائد عليها فعند الوجود داخل فيها دون العدم.

الرابع : أنّ دخول شيء واحد في مركّب تارة ، وخروجه اخرى ممّا لا بأس به

__________________

(١) وسائل الشيعة : الجزء السادس ، الباب الأوّل من أبواب التسليم.

٣٧٤

في المركّبات الاعتبارية ، بل هو على طبق الفهم العرفي على ما هو الظاهر المتقدّم مفصّلا من دون أيّ خفاء فيه.

وقد انتهى كلامنا إلى بيان ما ذهب إليه بعض آخر من الاصوليين بأنّ الجامع الذي يكون هو الموضوع له لفظ (الصلاة) عبارة عن معظم الأجزاء على قول الأعمّي.

وبالجملة ، فإنّ الوجه الثاني من وجوه تصوير الجامع ـ على ما قيل ـ يتلخّص في أنّ لفظ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء ، فصدق المسمّى يدور مدار المعظم من حيث الوجود والعدم. وهذا المسلك منسوب إلى المشهور عند شيخنا العلّامة الأنصاري قدس‌سره ، خلافا لصاحب الكفاية قدس‌سره حيث أورد على الشيخ بوجهين :

الأوّل : أنّ هذا القول مستلزم لأن يكون استعمال لفظ (الصلاة) في الجامع لجميع الأجزاء والشرائط مجازا ؛ لأنّه يكون من سنخ استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكلّ ، وذلك يكون من قبيل استعمال المجازي دون الحقيقي ، والأعمّي لا يقول بالمجاز في مثل ذلك الاستعمال ، بل إنّما يقول بالحقيقة دون المجاز.

الثاني : أنّه عليه يتبادل ما هو المعتبر في المسمّى ، فكان شيء واحد داخلا فيه تارة وخارجا عنه اخرى ، وذلك موجب للإجمال والإهمال ، فيدور الأمر بين أن يكون هو الخارج أو غيره عند اجتماع تمام الأجزاء ، وهو كما ترى تضحك منه الثكلى سيّما إذا لوحظ هذا مع ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش في أنفسها بحسب الحالات من المرض والصحّة والسفر والحضر والاختيار والاضطرار.

وبعبارة أوضح : أنّه لا ينبغي الريب في اختلاف الصلاة باختلاف حالات

٣٧٥

المكلّفين من السفر والحضر والاختيار والاضطرار وأمثال ذلك ، كما أنّه لا ينبغي الريب في اختلافها في ذاتها ونفسها باختلاف أصنافها من حيث الكمّ والكيف. وعليه فمعظم الأجزاء يختلف من هاتين الجهتين ، فيلزم دخول شيء واحد فيه مرّة وخروجه عنه تارة اخرى ، بل عند اجتماع تمام الأجزاء لا تعيّن لما هو الداخل عمّا ليس بداخل ، فإنّ نسبة كلّ جزء إلى المركّب على حدّ سواء ، بل لا واقع له حينئذ ، فيكون من قبيل المهملات والمجملات الغير المعيّنة ؛ إذ جعل عدّة خاصّة من معظم الأجزاء دون غيرها ترجيح بلا مرجّح ، فيكون المركّب حينئذ من قبيل الفرد المهمل المجمل المردّد الذي لا واقع له أصلا وأبدا.

ولكنّ الإنصاف أنّ هذا الإشكال مندفع بما ذكرناه في دفع الإشكال المتقدّم ، وذلك من جهة أنّ فرض لفظ (الصلاة) موضوعا لمعظم الأجزاء على نحو لا بشرطيّة بعنوان الاسم لها من قبل الشارع لا ينافي استعماله في الكلّ بعنوان الحقيقة كإطلاق الطبيعي على مصاديقه وأفراده ، إذ المفروض أنّ الصلاة عند اجتماع الأجزاء ـ مضافا إلى معظم الأجزاء أيضا ـ داخلة في المسمّى في نظر الشارع ، فيكون الاستعمال في الكلّ مع جميع الأجزاء كالاستعمال في خصوص معظم الأجزاء من باب الحقيقة بلا شكّ وريب.

وبهذا البيان انقدح عدم ورود الإشكال الثاني ، إذ المفروض أنّ الموضوع مشخّص معيّن معلوم من دون أيّ ترديد وتردّد وإجمال في الماهيّة بهذا التقريب ، إذ الجامع إنّما هو عبارة عن معظم الأجزاء على نحو لا بشرطية من حيث الزيادة ، بمعنى أنّ المسمّى والماهيّة مقيّد من حيث القلّة بمعظم الأجزاء ، وأمّا من حيث الزيادة فمطلق في لحاظ الواضع ، فعند اجتماع جميع الأجزاء يكون المسمّى مجموع المركّب من جميع الأجزاء والشرائط. فإذن لا يبقى مجال إشكال الإجمال في تصوّر المسمّى والجامع من ماهية الصلاة ، بل الموضوع له

٣٧٦

والمسمّى والماهيّة معلوم مشخّص في نهاية الوضوح والإشراق.

فكأنّ هذا القائل استخرج أنّ الجامع ليس إلّا معظم الأجزاء من موارد الاستعمالات العرفيّة ، نظير ما ذكره المحقّق القمّي قدس‌سره في استخراج تصوّر الجامع في خصوص الأركان من حيث القلّة دون الزيادة بمسلك الأعمّي ، فيكون الموضوع له في طرف القلّة محدودا بالأركان ، وفي طرف الكثرة مطلقا بلا شرط في الاستعمالات العرفيّة ، فيكون الأمر كذلك عند من تصوّر أنّ الجامع ليس إلّا معظم الأجزاء من حيث القلّة ؛ لأنّ استعمال لفظ (الصلاة) عند العرف في المعظم كاشف عن أنّها موضوعة لمعظم الأجزاء مع اجتماع جميع الأجزاء والشرائط ، دون الأقلّ عن المعظم ، فإنّه غير داخل في المفهوم والمسمّى. فعلى هذا لا مجال للإيراد بأنّ الاستعمالات العرفية متفرّعات لوضع هذه الألفاظ لمعظم الأجزاء ، فكيف يمكن كشف الوضع لمعظم الأجزاء من الاستعمالات العرفيّة.

وملخّص الجواب عبارة عمّا ذكرناه في دفع الوجه الأوّل من أنّ الموضوع له قد اعتبر لا بشرط بالإضافة إلى الزائد الذي قد لا يصحّ الجواب عن الإيراد الأوّل ؛ إذ معظم الأجزاء التي اخذت مقوّما للمركّب مأخوذ في نظر الواضع لا بشرط بالقياس إلى بقيّة الأجزاء فهي داخلة في الماهية والمسمّى عند وجودها وخارجة عنه عند عدمها.

وبهذا البيان انقدح الجواب عن الإيراد الثاني أيضا فإنّه عند اجتماع تمام الأجزاء فالمفهوم والمسمّى هو تمام الأجزاء لا خصوص بعضها ، ليقال : إنّه مردّد بين هذا وغير هذا أو ذاك.

ولك أن تقول : إنّ اللفظ لم يوضع بإزاء مفهوم معظم الأجزاء وإلّا لترادف اللفظان وهو باطل بالوجدان ، بل إنّما هو موضوع بإزاء واقع ذلك المفهوم

٣٧٧

ومعنونه ، وهو يختلف باختلاف المركّب نفسه ، فمن باب المثال إنّ معظم أجزاء صلاة الغداة بحسب الكمّ غير معظم أجزاء صلاة العشاء ، فلو كان المعظم لصلاة الصبح أربعة أجزاء مثلا ، فلا جرم كان المعظم لصلاة المغرب ستّة أجزاء ، وهكذا.

وعلى هذا التقريب فاللفظ موضوع بإزاء المعظم على سبيل وضعه للأركان ، بمعنى أنّ المقوّم للمركّب أحد امور على نحو البدل ، فقد يكون المقوّم أربعة أجزاء وقد يكون أقلّ ، وقد يكون أزيد كالخمسة ، وهكذا. وقد تقدّم أنّه لا مانع من الذهاب إلى ذلك والالتزام به في المركّبات الاعتبارية ، وكم له من نظير فيها ، بل هو على وفق الارتكاز كما عرفت.

وأمّا الزائد عن المعظم فعند وجوده يدخل في الموضوع له والمسمّى ، وعند عدمه يخرج عنه ، فالموضوع له حينئذ هو مفهوم وسيع جامع لجميع شتاته ومتفرّقاته ، لا خصوص المعظم في حدّ خاصّ بالنسبة إلى صلاة خاصّة بشرط لا ، ولا مرتبة خاصّة منه. ولأجل ذلك يصدق على القليل والكثير والزائد والناقص والصبح والعصر على نهج واحد ونسق فارد ، نظير لفظ (الكلام) فإنّه موضوع في لغة العرب لما تركّب من حرفين فصاعدا ، فالحرفان مقوّمان لصدق عنوان الكلام في لغة العرب ، وأمّا الزائد عليهما من حرف أو حرفين أو أزيد فعند وجوده داخل في المفهوم والموضوع له وعند عدمه خارج عنه.

وقد انقدح من جميع ما ذكرناه في المقام أنّه لا بأس بهذا الوجه كالوجه المتقدّم أيضا ، مع صرف النظر عن الوجه الأوّل بأن يكون اللفظ موضوعا للمعظم لا بشرط ، هذا مع اعتبار الموالاة والترتيب أيضا في المفهوم والمسمّى ، إذ بدونهما لا ينطبق ولا يصدق على المعظم عنوان الصلاة.

الوجه الثالث : ربما يقال : إنّ لفظ (الصلاة) موضوع للمعنى الذي يدركه

٣٧٨

العرف ، بمعنى أنّ أمر التسمية يدور مدار الصدق العرفي ، فيكون لفظ الصلاة موضوعا للمفهوم من المعنى الذي يدور مدار التسمية عرفا.

ولكنّ قد انقدح ممّا بيّناه آنفا أنّ هذا الوجه يكون مرجعه إلى الوجه الثاني عند التأمّل والدقّة ؛ إذ المراد منه بحسب التحليل يتلخّص في أنّ الكاشف عن وجود المسمّى منحصر في العرف ، بمعنى أنّ الكاشف عن وجود المسمّى ليس إلّا الفهم العرفي ، فإنّه هو الطريق الوحيد الموصل في مقام الإثبات إلى سعة المعنى أو ضيقه في مقام الثبوت والواقع ، فبما أنّ لفظ الصلاة يصدق عند العرف على معظم أجزائها ولا يصدق على غير المعظم منها ، نستكشف عن أنّه موضوع بإزاء المعظم على النهج المتقدّم آنفا. فمن باب المثال إنّ لفظ (الماء) في لغة العرب موضوع لمعنى في الواقع ونفس الأمر ، ولكنّ الكاشف في مقام الاستعمال والإثبات عن مقدار سعته وضيقه ليس إلّا الصدق العرفي ، فلو رأينا إطلاق العرف لفظ الماء على ماء الكبريت نستكشف من أنّه موضوع لمعنى وسيع في الواقع من قبل الواضع.

وبالجملة ، فإنّ المعيار والمتّبع في إثبات سعة المفهوم والمسمّى أو ضيقه من حيث المعنى منحصر في الصدق العرفي ، فإذا رأيت إطلاق لفظ الماء على ماء الكبريت عند العرف من غير نكير ، فهذا آية سعة المعنى ، وإذا كان ذلك الإطلاق مواجها لإنكار العرف فهذه آية ضيق المعنى.

فتحصّلت النتيجة من جميع تلك التفاصيل المتقدّمة في الأمور التالية :

الأوّل : عدم صحّة توهّم الاشتراك في وضع ألفاظ العبادات كما تقدّم مفصّلا.

الثاني : بطلان توهّم كون الوضع فيها عامّا والموضوع له خاصّا.

الثالث : عدم إمكان تعقّل جامع ذاتي مقولي للقائل بالصحيح.

الرابع : إمكان وتعقّل تصوير جامع عنواني على مسلك الصحيحي ، ولكنّه

٣٧٩

ليس بموضوع له كما تقدّم.

الخامس : جواز تصوير جامع مقولي ذاتي بين الأعمّ من الصحيحة والفاسدة.

فلبّ النتيجة على ضوء التحقيق المتقدّم ينقدح في امور خمسة ، وقد عرفت أنّ ألفاظ العبادات مثل الصلاة ونحوها موضوعة للجامع بين الأفراد الصحيحة والفاسدة من دون أن تكون منحصرة في خصوص الصحيحة من حيث الوضع.

وبذلك انقدح أنّه لا مجال للنزاع في مقام الإثبات من أنّ الألفاظ موضوعة للصحيح أو للأعمّ ؛ إذ النزاع في هذا المقام متفرّع على إمكان تعقّل وتصوير الجامع على كلا القولين معا ، فإذا لم يمكن تصويره إلّا على أحدهما فلا يبقى مجال له أصلا وأبدا.

فإذن لا مناص إلّا بالالتزام بالقول الأعمّ بالحصر والانحصار على أنّ الموجود والمرتكز في الأذهان العرفية والمتشرّعة هو إطلاق لفظ الصلاة على نسق واحد في جميع أفرادها ، من الصحيحة والفاسدة بالضرورة من الوجدان ، من دون أيّ لحاظ عناية مجازية في شيء منها ، بل بعنوان الحقيقة ؛ إذ من الواضحات الضروريّة عند المتشرّعة أنّهم يستعملون هذا اللفظ في الجميع متعمّدين على عدم ذكر القرينة المجازية أو شيء من لحاظ عناية بالنسبة إلى الأفراد الفاسدة ، فلو كان اللفظ موضوعا لخصوص الصحيح منها فلا محالة كان استعماله في الفرد الفاسد متوقّفا على لحاظ العناية من القرينة المجازية ، ولا يذهب عليك أنّ الأمر مستقرّ على خلاف ذلك في جميع الإطلاقات والاستعمالات ، بل في جميع الأفراد الصحيحة والفاسدة يكون بمنوال واحد ونهج فارد.

فالناظر الدقيق لا يرى أيّ فرق بين قولنا : فلان صلّى صلاة صحيحة ، أو : أنّ هذه الصلاة صحيحة ، وبين قولنا : فلان صلّى صلاة فاسدة ، أو أنّ تلك الصلاة

٣٨٠