دراسات الأصول في أصول الفقه - ج ١

الشيخ علي أصغر المعصومي الشاهرودي

دراسات الأصول في أصول الفقه - ج ١

المؤلف:

الشيخ علي أصغر المعصومي الشاهرودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مطبعة القدس
الطبعة: ١
ISBN: 964-371-339-3
الصفحات: ٦٠٨

العمل ، إذ المكلّف الملتفت إلى ثبوت الأحكام في الدين والشريعة لا ينفكّ وجدانا عن احتمال العذاب والعقاب ، فلا جرم يأمره العقل بلزوم تحصيل الأمن والمؤمّن من ذلك العقاب المنجّز.

فبما أنّ طريقه منحصر بالبحث عن المسائل الاصوليّة المهمّة التي يكون الرجوع إليها هو المناص ، فإذن إنّ حلّ المشكل يوجب علينا الاهتمام بها بما تقدّم من حكم العقل ، وتلك المهمّات لها مدارك مشكلة ليس لكلّ أحد التمكّن من الاطّلاع عليها ، فيكون ذلك وظيفة المجتهدين دون غيرهم ، فلا بدّ لهم من البحث في تعيينها وتنقيح موارد جريانها عند العمل بالوظيفة من ناحيتها لنفس المجتهد وغيره من المقلّدين الذين يريدون تحصيل الأمن في ذلك المقام.

٢١
٢٢

الأمر الثاني

في تعريف علم الاصول

وقد انتهى كلامنا إلى بيان الأمر الثاني من الامور التي ينبغي التنبيه عليها في المقام ، وهو عبارة عن تعرّض لتعريف علم الاصول كما تعرّض له صاحب الكفاية قدس‌سره.

وعلى كلّ حال علم الاصول : هو عبارة عن العلم بالقواعد التي هي واقعة بنفسها في طريق استنباط الأحكام الشرعية الكليّة الإلهيّة من دون احتياج إلى ضميمة كبرى أو صغرى اصولية اخرى إليها. وعليه فلا يخفى عليك أنّ هذا التعريف ينتهي إلى الأمرين اللذين تدور المسائل الاصوليّة مدارهما من الوجود والعدم.

الأمر الأوّل : أن تكون استفادة الأحكام الشرعيّة الإلهيّة من تلك المسائل من باب الاستنباط والتوسيط ، لا من باب تطبيق مضامينها بنفسها على مصاديقها ، نظير تطبيق الطبيعي على مصاديقه وأفراده.

ولا يذهب عليك أنّ اعتبار هذا الوجه في تعريف علم الاصول هو الاحتراز

٢٣

من دخول القواعد الفقهيّة فيه ، لأنّها قواعد فقهيّة تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهيّة ، ولكن لا من باب الاستنباط والاستخراج والتوسيط ، بل من باب التطبيق ، وهي من هذه الجهة خارجة عن تعريف علم الاصول.

ولكنّ التعريف بهذا البيان ربما يكون محلّ ورود الإشكال ، إذ اعتبار ذلك القيد في التعريف مستلزم لخروج عدّة من المباحث الاصوليّة المهمّة عن علم الاصول ، نظير مباحث الاصول العمليّة الشرعيّة والعقليّة ، ومثل الظنّ الانسدادي بناء على الحكومة.

وذلك من ناحية أنّ الاولى منها لا تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلّي ؛ إذ جريانها في مواردها ليس إلّا من باب تطبيق مضامينها على مصاديقها وأفرادها ، لا من باب استنباط الأحكام الشرعيّة منها وتوسيطها لإثباتها.

وأمّا الأخيرتين منها ، لعدم انتهائهما إلى إثبات الحكم الشرعي أصلا وأبدا لا واقعا وظاهرا.

وبعبارة أوضح : إنّ الأمر في المقام يدور مدار المحذورين ؛ إذ اعتبار هذا القيد في التعريف يستلزم خروج هذه المسائل عن هذا العلم ، فلا يكون جامعا ، وعلى فرض عدم اعتباره يستلزم دخول القواعد الفقهيّة فيها ، فلا يكون مانعا ، لدخول الأغيار. فلا مناص من أن نلتزم بأحد هذين المحذورين ، إمّا بأن نلتزم باعتبار هذا الشرط وإن كان سببا لخروج هذه المسائل عن كونها مسائل اصوليّة ، أو بأن نلتزم بعدم اعتباره حتّى تكون القواعد الفقهيّة داخلة في التعريف.

ولكنّ الحقّ في الجواب أنّ هذا الإشكال وارد لا مناص عنه بناء على لزوم كون المراد بالاستنباط المأخوذ في التعريف من الأركان في إثبات الحكم الشرعي الحقيقي بالعلم أو العلمي ؛ إذ بناء على كونه ركنا بالعلم والعلمي لا يمكن الفرار عن هذا الإشكال بوجه من الوجوه أصلا وأبدا.

٢٤

ولكنّ التحقيق أنّ ذلك الركن بهذه المثابة ليس هو بمراد بالبداهة والضرورة ، بل المراد به يكون مفهوما جامعا بينه وبين غيره من الأدلّة ، ويمكننا التعبير عنه بالإثبات الجامع بين أن يكون وجدانيا أو شرعيّا أو تنجيزيا أو تعذيريّا ؛ إذ بمعنى العامّ من الركن كلّ ذلك ركن في العمل بالوظيفة ، كما لا يخفى.

ولو كان المراد من الركن منهم المعنى الجامع الذي بيّناه فلا واقع لهذا الإشكال بوجه من الوجوه أصلا وأبدا كما تقدّم.

وببركة هذا البيان بان الفرق بين المسائل الاصوليّة والقواعد الفقهية ، إذ الأحكام المترتّبة على القواعد سواء كانت من ناحية الشبهات الموضوعيّة ، كقاعدة الفراغ واليد والحلّية وأمثالها ، أم كانت شاملة للشبهات الحكميّة أيضا ، مثل قاعدتي لا ضرر ولا حرج بناء على جريانهما في موارد الضرر أو الحرج النوعي ، وهكذا قاعدتي : ما يضمن وما لا يضمن ونظائرهما ، إنّما هي من باب تطبيق مضامينها على مصاديقها في الخارج بالنسبة إلى أفرادها ، من دون أن تكون من باب الاستخراج والاستنباط والتوسيط ، مع أنّ أخذ النتيجة في الشبهات الموضوعيّة منها جزئية شخصية.

هذا تمام الكلام في بيان ورود الإشكال والجواب عنه.

ولكنّ الحقّ الذي لا بدّ من الاعتقاد به في المقام أنّه لا شيء من القواعد الفقهية جارية في الشبهات الحكميّة.

على أنّ قاعدتي نفي الضرر والحرج غير جاريتين في موارد الضرر أو الحرج النوعي ، وقاعدة ما يضمن من الأصل والأساس متضمّنة لثبوت الضمان باليد عند عدم إلغاء المالك احترام ماله ، وخاصّية القواعد الفقهيّة إنتاج أحكام جزئيّة وشخصيّة بالبداهة والواقع لا محالة.

وكيف كان في نهاية الشوط : إنّ النتيجة في موارد جريان القواعد الفقهيّة من

٢٥

ناحية عدم وفور هذا الشرط فيها خارجة عن المسائل الاصولية بلا مجال ريب وشكّ فيها.

وملخّص الكلام في المقام : على هذا الأساس عليك أن تميّز كلّ مسألة تجعل أمامك أنّها مسألة اصوليّة أو فقهيّة ، لا كما ذهب واختار المحقّق النائيني رحمة الله عليه (١) من أنّ النتيجة الحاصلة من المسألة الفقهية قاعدة كانت أو غير قاعدة تلقى إلى المكلّف العامي الجاهل الغير المتمكّن من الاستنباط وتعيين الوظيفة عند العمل والامتثال. فيقال له : كلّما دخل الظهر وحضر وقت الصلاة وكنت مع الشرائط وجدانا فعليك وجوب إتيان الصلاة ، فيأخذ في الموضوع تمام قيود الحكم الواقعي فيلقي المكلّف المتذكّر لجميع تلك القيود المأخوذة في الحكم الواقعي في مقام الامتثال.

ومن الواضح أنّه ليس الأمر كذلك في مقام أخذ النتيجة عن المسألة الاصوليّة ، فإنّها بنفسها لا يمكن أن تلقى إلى العامي الجاهل غير المتمكّن على الاستخراج والاستنباط ، بل إعمالها وأخذ النتيجة منها مختصّ بالمجتهد جامع الشرائط المتبحّر فقط دون غيره ؛ إذ غيره من طبقة العوام لا حظّ لهم في ذلك. نعم ، لهم الحظّ من الحكم المستنبط من هذه المسائل الاصوليّة لا هي نفسها ، فصارت النتيجة في نهاية الكلام في هذا المبحث أنّ الملقى إلى المكلّف من تلك المسائل الاصوليّة منحصر في الحكم المستنبط منها ، لا نفس المسائل ، فخذ واغتنم.

فلا يخفى عليك أنّ ما أفاده قدّس الله نفسه الزكية في المقام وإن كان تماما بالنسبة إلى نفس المسائل الاصولية ؛ إذ إعمالها عند مواردها وتحصيل النتيجة

__________________

(١) فوائد الاصول ٤ : ٣٠٩.

٢٦

منها مختصّ بالمجتهدين فقط بالقطع والقين دون غيرهم كما أفاد ، إذ لا حظّ لغيرهم فيها.

ولكنّ الإنصاف أنّ ما أفاده قدس‌سره بالقياس إلى المسائل الفقهيّة بعيد عن التصديق على إطلاقه ؛ إذ ربّ مسألة من المسائل الفقهيّة حالها حال المسائل الاصوليّة لا مجال فيها لغير المجتهد من التعرّض لها وأخذ النتيجة منها ، نظير الحكم باستحباب العمل البالغ عليه الثواب إذا قلنا بأنّ إخبار من بلغ تدلّ على الاستحباب لا الإرشاد إلى حجّية خبر الضعيف ، إذ من الواضحات عدم إمكان إلقاء ذلك المورد إلى العامي ؛ إذ ليس من شأنه الورود في تشخيص تلك المسألة ، لعدم قدرته على التشخيص في مواردها عن الروايات الواردة في هذا المقام وتطبيق الأخبار الواردة عليها.

ويكون نظير ذلك قاعدة نفوذ الصلح والشرط في مواردهما باعتبار كونهما موافقين للكتاب أو السنّة أو غير مخالفين لهما ؛ إذ تشخيص موافقة الصلح أو الشرط عند مواردها موافقا للكتاب أو السنّة أو مخالفين لهما خارجة عن تحت قدرة عوام الناس.

وهكذا قاعدتي ما يضمن وما لا يضمن ، لأنّ تمييز وتشخيص مواردهما وتطبيقهما عليها خارجة عن تحت قدرة العامي ، إذ تشخيص مواردها والبلوغ إلى صغرياتها عند تطبيق القاعدة عليها لا يمكن لغير المجتهد.

بل ربّ مسألة فقهيّة في الشبهات الموضوعيّة تدخل في هذا الباب من حيث التشخيص كبعض فروع العلم الإجمالي ؛ إذ العامي غير متمكّن من تشخيص وظيفته بالنسبة إليها ، كما إذا فرضنا علم المصلّي إجمالا بعد الفراغ من صلاتي الظهر والعصر بنقصان ركعة من أحدهما ، ولا يدري أنّها من الظهر أو العصر ، ومن الواضحات الغير القابلة للإنكار أنّ حلّ هذه المشكلة وأمثاله خارج عن قدرة

٢٧

العامي ، وليس له شأن تشخيص وظيفته عند الامتثال في مقام العمل بها ، بل هو نفسه يرجع إلى المجتهد بلا شكّ ولا ريب لحلّ مشكله.

وفي نهاية الشوط : إنّ هذه المسألة وأمثالها خارج عن تمكّن العامي وليس له شأنيّة تعيين الوظيفة عند العمل والامتثال ، ولا مناص له إلّا المراجعة إلى المرجع.

شبهة ودفع

الشبهة تتعلّق بمسألة البراءة والاحتياط الشرعيّين ؛ إذ توهّم بأنّ مسألة البراءة والاحتياط خارجتان عن تعريف علم الاصول ، لعدم وجدانهما الشرط المتقدّم المأخوذ في تعريف علم الاصول ، وذلك من جهة أنّ الحكم المستفاد منهما ليس من باب الاستخراج والاستنباط في مواردهما ، بل إنّما هو من باب التطبيق فقط من دون ارتباط بالاستخراج والاستنباط ، وقد عرفت بما تقدّم أنّ المعتبر في كون المسألة اصوليّة محدودة بحدّ وهو أن يكون وقوعها في طريق إثبات الحكم من باب الاستنباط دون التطبيق والانطباق.

ولكنّ الدفع قد بان لك بما تقدّم منّا عند تشريح الاستنباط بأنّ المراد بالاستنباط في هذه المقامات ليس مختصّا بخصوص الإثبات الحقيقي ، بل المراد منه هو الأعمّ منه ومن الإثبات التنجيزي والتعذيري ، ولقد مرّ عليك آنفا أنّهما مثبتان للتنجيز والتعذير في ميدان الابتلاء بالأحكام الإلهيّة الواقعيّة ، ومن البديهيّ أنّ هذا السنخ من الإثبات ملحق بالاستنباط ، ويصحّ إطلاق الاستنباط بالحقيقة لا بالعناية والمجاز عند المحاورة ؛ إذ المفهوم الظاهر منه عند العرف هو الأعمّ الجامع دون خصوص حصّة خاصّة حقيقيّة.

ولو سلّمنا وتنزّلنا عمّا ذكرنا في بيان المفهوم من الاستنباط عند العرف ،

٢٨

واعترفنا أنّ وقوعهما في إثبات طريق الحكم لا يرتبط بالاستنباط ، بل هو من باب التطبيق والانطباق نظير انطباق الطبيعي على أفراده ومصاديقه ، فلا نعترف بخروجهما عن مسائل هذا العلم ، إذ هما مختصّتان بخصوصيّة بها تمتازان عن القواعد الفقهيّة ، وهي كونهما ممّا ينتهي إليه أمر المجتهد عند الإفتاء بعد عدم وجدان دليل الاجتهاد ، وبعد اليأس عن الظفر به حتّى الإطلاق والعموم. وهذا لا يقاس بتلك القواعد الفقهية ، فإنّها ليست واجدة لها ، بل هي عند الحقيقة أحكام كلّية إلهية استخرجت واستنبطت من أدلّتها لمتعلّقاتها وموضوعاتها ، وهي تنطبق على مواردها بلا لحاظ خصوصيّة فيها أصلا وأبدا ، كاليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي وأمثاله ، فصار الامتياز والفرق بينهما وبين القواعد الفقهيّة كالشمس في رابعة النهار ، ولأجل ذلك دخلتا في علم الاصول عند أهله. هذا تمام الكلام في بيان الجهة الاولى.

الأمر الثاني : أن يكون وقوعها في طريق إثبات الحكم في حدّ ذاته بنفسها من دون مسيس حاجة إلى ضمّ كبرى اصوليّة اخرى ، فبذلك الشرط بان أنّ المسألة الاصوليّة حدّها ذلك ، أي بأن تتّصف بذلك لا غير ، فيكون المعيار في اعتبار ذلك الشرط في تعريف علم الاصول هو عدم دخول مسائل الغير فيه كمسائل علم النحو والصرف واللغة والرجال والمنطق ونحوها ؛ فإنّها وإن كانت دخيلة في استخراج واستنباط الأحكام الشرعيّة واستنتاجها عن الأدلّة ؛ إذ من الواضح أنّ فهم الحكم الشرعي من تلك المسائل الاصوليّة متوقّف على عرفان مسائل علم النحو وقواعده من ناحية الإعراب والبناء ، وعلم الصرف ومعرفة أحكامه من حيث الصحّة والاعتلال ، وكذلك علم اللغة من ناحية معرفة معاني الألفاظ وما هي مستعملة فيه ، وهكذا علم الرجال لتنقيح أسانيد الأحاديث

٢٩

وتشخيص صحيحها من سقيمها وجيّدها من رديئها ، وعلى علم المنطق ، إذ نحتاج بأن نعرف صحّة الاستدلال وعدمه ، ولكن كلّ ذلك بالمقدار اللازم الذي يبتني الاستنباط عليه ، لا بنحو الإحاطة التامّة بأن يكون العارف بها هو الأديب بل بمقدار رفع الحاجة ؛ إذ الإنسان لو لم يكن عارفا بهذه العلوم كذلك ـ أو كان عارفا ببعضها دون البعض الآخر ـ لا يتمكّن من الاستنباط.

ولكنّ الإنصاف أنّ دخالتها فيه لا يكون في حدّ ذاتها بنفسها مستقلّة من دون الاحتياج إلى ضمّ كبرى اخرى إليها ، بل هي محتاجة إلى ضمّ الكبرى الاصوليّة إليها في أخذ النتيجة ، بحيث لو لا تلك الضميمة لا يمكن استنتاج نتيجة شرعيّة منها أصلا وأبدا ؛ إذ من البديهيات الضروريّة عدم ترتّب أثر شرعي على مجرّد العلم بوثاقة الراوي في غياب انضمام كبرى اصوليّة إليه ، وهي عبارة عن إثبات كلّية حجّية الروايات الموثّقة ، هكذا وهلمّ جرّا.

وقد عرفت ممّا ذكرناه امتياز المسائل الاصوليّة عن مسائل سائر العلوم بالوضوح والإشراق ؛ إذ تلك المسائل من العلوم المتقدّم ذكرها آنفا وإن كانت واقعة في طريق الاستخراج والاستنباط كما تقدّم ، إلّا أنّها لا في حدّ نفسها بل تكون في نهاية الاحتياج إلى انضمام تلك الكبرى الاصوليّة إليها ، وأين هذا عن مسائل علم الاصول ؛ إذ عرفت أنّها تقع في قياس الاستنباط في حدّ نفسها عند تحقّق صغرياتها ، على نحو لو انضمّت الصغريات إلى الكبريات لا تنفكّ عن النتيجة الفقهيّة ، من دون أيّ احتياج إلى انضمام كبرى اصوليّة اخرى إليها.

وبذلك البيان انقدح أنّ مرتبة علم الاصول فوق مرتبة سائر العلوم ودون مرتبة علم الفقه ، فيكون في الحدّ الأوسط بينهما.

ومن بياننا هذا انقدح لك أنّ مباحث المشتقّ والصحيح والأعمّ ، وجملة من مباحث الخاصّ والعامّ ـ نظير مبحث وضع أداة العموم ـ كلّها غير داخلة في

٣٠

مسائل علم الاصول ، لعدم تحقّق هذا الشرط فيها ؛ إذ من البدهي أنّ الكلام في هذه المسائل إنّما يكون في جانب وضع الألفاظ المفردة مادّة في بعضها ، ومن حيث الهيئة كما في بعضها الآخر. ومن الواضح البيّن عدم ترتّب آثار شرعيّة على وضعها فقط ؛ إذ من البديهيات عدم ترتّب أيّ أثر على وضع المشتقّ الصحيح لخصوص المتلبّس بالمبدإ بالفعل ، أو للجامع بينه وبين المنقضي عنه المبدأ. ويكون من هذا القبيل بحث وضع أسامي العبادات أو المعاملات لخصوص الصحيح منها أو للأعمّ منها ومن الفاسد ، كما أنّ الأمر يكون كذلك في وضع الأدوات للعموم بدون انضمام المسائل الاصوليّة إليها.

بل الحقّ الذي لا بدّ من الالتزام به هو أنّها من المسائل اللغوية ، وحيث سقطت عن علم الفقه دوّنت في علم الاصول.

والحاصل أنّ النتيجة الحاصلة عمّا أفدنا في المقام هي لزوم اعتبار هذين الأمرين في مسائل علم الاصول :

الأوّل : لزوم كون وقوعها في طريق إثبات الحكم من باب الاستخراج والاستنباط لا من باب التطبيق والانطباق ، وذلك وجه الامتياز بينها وبين القواعد الفقهيّة.

والثاني : لا بدّ أن يكون وقوعها في حدّ ذاتها بلا مسيس الحاجة إلى ضمّ شيء آخر إليها ، وبهما تبيّن امتيازها عن مسائل سائر العلوم المتقدّمة ، فخذ واغتنم.

ثلاث شبهات ودفعها

وقد انتهى كلامنا في المقام إلى بيان الشبهات الواردة هنا ودفعها.

أنّ مسألة اجتماع الأمر والنهي ، على فرض لزوم اعتبار

٣١

الشرط الثاني ، غير داخلة في مسائل علم الاصول ؛ إذ على مسلك من ذهب إلى استحالة الاجتماع وخروجه عن حدّ الإمكان تصبح المسألة بلا ثمرة مترتّبة عليها في الشرع المقدّس سوى القطع بعدم فعليّة كلا الحكمين ، فعند ذلك فلا بدّ لنا من التماس ضمّ مسألة اخرى ، وهي عبارة عن إجراء قواعد باب التعارض التي يكون المقام من مصاديقها وصغرياتها عند من يقول بامتناع الاجتماع ، وذلك ليس من شئون المسائل الاصوليّة بمقتضى الشرط المتقدّم ذكره كما عرفت.

ولكنّ الإنصاف هذه الشبهة مندفعة ، إذ يكفي في كون المسألة اصوليّة وقوعها في طريق الاستخراج والاستنباط عند تعيين الوظيفة في مقام العمل والامتثال بأحد طرفيها ، وإن كانت لا تقع كذلك بالنسبة إلى طرفها الآخر. وذلك يكفينا في أخذ النتيجة ، إذ لو لم يكن ذلك كافيا في اتّصاف كون المسألة اصولية لخرجت جلّ مسائل هذا العلم عن كونها اصوليّة وعن تعريف علم الاصول ، بمقتضى لزوم اعتبار الشرط المتقدّم. منها : مسألة حجّية خبر الواحد ، فإنّه على القول بعدم الحجّية لا ثمر له ليترتّب عليها أثر في الشرع المقدّس أصلا وأبدا. ومنها : مسألة حجّية ظواهر الكتاب عند من يقول بعدم حجّيتها ، إلى غيرها من أمثال تلك المسائل.

وبالجملة ، قد انقدح أنّ الملاك في كون المسألة اصوليّة منحصر في وقوعها في طريق الاستنباط في حدّ ذاتها ، وإن كان باعتبار أحد طرفيها في قبال ما ليس له ذلك الشأن.

وهذه الخصوصيّة والخاصّة نظير بقيّة مسائل العلوم ملازمة لاعتبار الاعتبار ، ولكنّ الإنصاف أنّ الشبهة مندفعة ، إذ المسألة هنا واجدة للملاك ، لترتّب الأثر الشرعي عليها عند من يقول بالجواز ، وهو عبارة عن صحّة العبادة. نعم ، لا ثمرة

٣٢

لها على القول بالامتناع.

الشبهة الثانية : وهي عبارة عن توهّم خروج مسألة الضدّ عن تعريف علم الاصول ، لعدم تحقّق ذلك الشرط فيها ؛ إذ من البديهي عدم ترتّب أثر شرعي على نفس ثبوت الملازمة بين وجوب شيء وحرمة ضدّه حتّى تكون المسألة اصوليّة.

وإنّما الكلام في حرمة الضدّ ، فمن الواضح أنّها وإن كانت ثابتة بثبوت الملازمة ، ولكنّها حرمة غيريّة غير قابلة التنجيز ، لكي تصلح أن تكون نتيجة فقهيّة للمسألة الاصوليّة.

وقد انقدح ممّا ذكرناه في المقام بطلان الضدّ ، فهو لا يترتّب على هذه الملازمة بلا ضمّ كبرى اصوليّة اخرى ، وهي عبارة عن ثبوت الملازمة بين حرمة العبادة وفسادها.

ولكنّ الحقّ والإنصاف أنّها مندفعة بما مرّ منّا في الجواب عن الشبهة الاولى.

وبالجملة : يكفي في كون المسألة اصوليّة ترتّب نتيجة فقهيّة على واحد من طرفيها ، وإن بقي بالنسبة إلى الطرف الآخر بلا نتيجة. ومن المعلوم أنّه يترتّب على هذه المسألة أثر شرعي على القول بعدم الملازمة ، وهو عبارة عن صحّة الضدّ العبادي ، وإن أصبح بلا أثر على القول الآخر.

الشبهة الثالثة : وهي عبارة عن خروج مسألة مقدّمة الواجب عن مسائل علم الاصول بناء على اعتبار ذلك الشرط في تعريف علم الاصول ، إذ البحث عن وجوبها الفقهي لا ربط له بالمقام ، لأنّ البحث فيها ـ كما التزم به بعض المحقّقين من المتأخّرين ـ عن ثبوت الملازمة العقليّة بين وجوب ذي المقدّمة ووجوب مقدّمته ، وعدم ثبوتها.

بل إنّما حدث الإشكال من ناحية عدم ترتّب شرعي عليها بنفسها ، ومن

٣٣

ناحية عدم تحقّق ذلك الشرط المتقدّم فيها.

بيان ذلك أنّ وجوب المقدّمة وإن كان لا ينفكّ عن وجوب ذيها على القول بالملازمة ، ولكنّ الحقّ عدم صلاحيّته أن يكون من الأثر المترتّب على المسألة الاصولية ؛ إذ وجوده وعدمه يكون كالحجر في جنب الإنسان من هذه الناحية عند حكم العقل بلزوم إتيان المقدّمة ، ولا نرى هنا شيئا غيره حتّى يكون هو الأثر القابل للترتّب عليها ليدخل بذلك في مسألتنا الاصوليّة.

فلا يخفى عليك أنّ هذه النتيجة تندفع بالقطع واليقين عند تعرّضنا لهذه المسألة في مقامها ومحلّها ، من أنّ لمسألة وجوب مقدّمة الواجب ثمرة مهمّة لا بدّ أن لا تغيب عن النظر في قبال وجوب ذي المقدّمة وتكون هي المترتّبة عليها ، وبذلك تدخل المسألة في المسائل الاصوليّة.

ونطلب من الله التوفيق لتفصيل الكلام عند البحث عنها في محلّها ، وعليك الانتظار وعلينا البيان بتوفيق من الله المنّان.

٣٤

الأمر الثالث

في بيان موضوع العلم ،

وعوارضه الذاتيّة ، وتمايز العلوم

الأمر الثالث : وهو عبارة عن التعرّض لبيان موضوع العلم ، وما له من العوارض الذاتيّة ، وتنقيح البحث في بيان تمايز العلوم ، ليكون الطالب لذلك في نشاط من الطلب.

وبالجملة : وقد انتهى كلامنا إلى بيان الأمر الثالث ، وهو متضمّن لتوضيح تعريف موضوع العلم ، وتنقيح عوارضه الذاتيّة ، وتشريح بيان ما يكون محلّ البحث والخلاف في تمايز العلوم.

فلا بدّ لنا من التكلّم في جهات مختلفة بتوفيق الملك المنّان.

الجهة الاولى : لا يخفى عليك أنّ أهل الفلسفة العالية ذكروا في تعريف موضوع كلّ علم بأنّه عبارة عن البحث عن عوارضه الذاتيّة.

بعبارة اخرى : إنّ أهل المنطق والحكمة عرّفوا موضوع كلّ علم بما يبحث

٣٥

عن عوارضه الذاتية ، وذهبوا إلى أنّ غرض الذاتي هو ما يعرض الشيء أوّلا وبالذات.

الجهة الثانية : إنّما وقع الكلام والاختلاف بين الأعلام في بيان مدرك ما اختار المشهور ، من لزوم فرض موضوع واحد في كلّ علم من العلوم ، حتّى يبحث عن عوارضه الذاتيّة.

الجهة الثالثة : هي عبارة عن وقوع الخلاف بينهم في وجه لزوم ما التزموا به ، من أنّ البحث في كلّ علم لا بدّ أن يكون عن العوارض الذاتيّة للموضوع أوّلا وبالذات.

الجهة الرابعة : كلامهم في بيان تمايز العلوم بعضها عن البعض الآخر ، هل يكون بالموضوع أو بالمحمول ، أو لا بهما ، بل يكون بالأغراض الحاصلة منها في نهاية الشوط بعد البحث في تلك المسائل ؟

وملخّص الكلام في تنقيح بيان الجهة الاولى عبارة عن أنّ كلّ علم يبحث عنه في العلوم ، إنّما يكون بلحاظ الوصول إلى الغرض والهدف الذي يترتّب على ذلك العلم ، بما له من القضايا والمسائل المختلفة المتباينة.

فبما أنّ هذا الغرض الحاصل واحد ، فلا بدّ من أن يكون ذلك الموضوع من العلم واحدا ، حتّى لا يكون الواحد صادرا عن كثير ؛ إذ يستحيل عندهم أن يكون الواحد بما هو واحد صادرا عن غير واحد ؛ ولذا يقولون : الواحد لا يصدر إلّا عن الواحد. وهذه القاعدة وقعت مورد قبول عندهم حتّى تمسّكوا بها في كلّ واحد من موضوعات المعلوم المتعدّدة. فهذا غاية ما نتمكّن أن نقول في بيان ما قيل أو

٣٦

يقال في مدرك وحدة الموضوع في جامع كلّ علم.

وبعبارة أوضح : إنّ نهاية ما يكون هو المعتمد عندهم في الالتزام بلزوم وحدة الموضوع في العلم عبارة عن وحدة الغرض الحاصل من ذلك العلم ، فبما أنّه واحد وحيد فلا بدّ من أن يكون الموضوع واحدا وحيدا ، حتّى لا يكون المتكثّر موجبا لصدور الواحد ؛ إذ الواحد لا يصدر إلّا من الواحد. ومن البديهيّات الواضحة أنّ الغرض من أيّ علم من العلوم أمر واحد بسيط.

فمن باب المثال إنّ الغرض الحاصل من علم الاصول ليس إلّا الاقتدار على الاستنباط ، وهكذا صون اللسان في المقال عن الخطأ الحاصل من علم النحو ، وصون الفكر عن الخطأ في الاستنتاج الحاصل عن علم المنطق. وحيث إنّ ذلك الغرض الوحداني يترتّب على مجموع تلك القضايا المتباينة بما لها من المتعلّقات والمحمولات التي جمعها تدوين علم واحد بما له من الاسم الخاصّ ، كعلم الاصول ، والنحو ، والمنطق ، وأمثالها من العلوم المدوّنة التي هي مسمّاة باسم خاصّ مختصّ به ، فغير ممكن أن يكون هو مؤثّرا بما لها من المسائل في ذلك ، بل يستحيل أن يكون المؤثّر فيه هذه القضايا بهذه الصفة. ولا مناص من الالتزام بتأثير الكثير بما هو كثير في الواحد بما هو واحد الذي لا يمكن أن يتأثّر إلّا من واحد دون الكثير.

فبذلك المحذور نستكشف أنّ المؤثّر الحقيقي ليس تلك القضايا المتشتّتة ، بل إنّما المؤثّر فيه ليس إلّا الجامع الذاتي الوحداني بينها ، فيكون هو الموضوع الوحداني في ذلك الميدان تمسّكا بقاعدة مسلّمة عندهم بأنّ الواحد لا يمكن أن يصدر إلّا من واحد من سنخه ، فيكون في الحقيقة هو موضوع العلم فقط.

بعبارة اخرى : إنّ الدليل والبرهان على اقتضاء وحدة الغرض لوحدة القضايا موضوعا ومحمولا ليس إلّا أنّ الامور المتباينة لا يمكن أن تكون في مظانّ

٣٧

تحقّق أثر واحد ، بل هي لا تؤثّر أثرا واحدا ، وفاقا لجلّ الفلاسفة والحكماء بل كلّهم.

هذا تمام الكلام في تقريب مقالتهم في المقام.

ولكنّ الحقّ والإنصاف أنّ هذا البرهان من أصله لا يخلو عن البطلان ، ولو أغمضنا عن ذلك الإيراد وسلّمناه فلا يخفى عليك أنّ مكانه خارج عن الفواعل الإراديّة ، وإنّما يتمشّى في العلل الطبيعيّة دون الفواعل الإرادية ، على أنّ الغرض الذي يترتّب على مسائل العلوم من حيث الوحدات مختلف ؛ إذ قد يكون واحدا شخصيا كما أنّه قد يكون واحدا نوعيّا ، بل قد يكون واحدا عنوانيّا ، ومن الواضحات أنّ تلك الوحدات غير جارية في سياق واحد بالنسبة إلى ذلك البرهان.

وعلى كلّ حال لا تكشف وحدة الغرض وجود جامع أصيل ماهوي وحداني من بين تلك المسائل والقضايا المختلفة المتشتّتة.

إذ على الأوّل بأن يكون الواحد شخصيّا ، فلا ينبغي الريب في كون ترتّبه إنّما يكون على مجموع المسائل من حيث المجموع ، لا مجموع كلّ مسألة مسألة بحدّ ذاتها مستقلّا بحيالها.

فمن البديهي عند ذلك أنّ المؤثّر فيه إنّما المجموع من حيث المجموع بما هو هو ، فيكون لبّ المطلب بحسب الحقيقة أنّ كلّ مسألة جزء السبب لا السبب بتمامه وكماله ، مثل ما يترتّب من الغرض الوحداني على المركّبات الاعتباريّة في الشرعيّات من الصلاة والحجّ ونحوهما ، أو الامور العرفيّة ، إذ المؤثّر فيه ليس إلّا أجزاء المركّب بما هو ، لا كلّ جزء جزء منه.

والشاهد على ذلك أنّه بانتفاء أحد الأجزاء ينتفي الغرض من أصله ، فمن الواضحات الأظهر من الشمس أنّ مثل هذه الوحدة من الغرض غير كاشفة عن

٣٨

وجود موضوع جامع وحداني بين تلك القضايا بالقطع واليقين ، من ناحية قاعدة استحالة صدور الواحد عن الكثير.

فأصبحت النتيجة ـ بما أوضحناه ـ أنّ الاستناد في ذلك المورد إنّما يكون استناد معلول واحد وحداني شخصي إلى علّة كذلك ، لا إلى علل متكثّرة ، فبدون ترديد وريب إنّ مقامنا كذلك ، أي يكون من هذا القبيل ؛ إذ المؤثّر في الغرض الذي يترتّب على مجموع القضايا والواحد ليس إلّا المجموع من حيث المجموع ، لا كلّ واحد واحد منها مستقلا.

فبذلك البيان انقدح لك أنّ سببيّة المجموع سببيّة واحدة منفردة شخصيّة ، فيكون الاستناد من باب الاستناد إلى الواحد ، لا من باب استناد الواحد إلى الكثير حتّى تشكل علينا بأنّ الواحد لا بدّ من أن يصدر من الواحد ، فإذن بان لك أنّ المورد في الحقيقة يدخل في باب استناد معلول واحد شخصي إلى علّته الفاردة الشخصية لا غير.

فتلخّص من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ الطريق إلى استكشاف وجود موضوع جامع ذاتي من بين تلك المسائل مسدود بلا أيّ شكّ وريب.

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الأوّل ، فخذ واغتنم.

وقد انتهى كلامنا إلى بيان الأمر الثاني ، وهو عبارة عمّا إذا كان الغرض الحاصل من تلك القضايا كلّيا له أفراد ومصاديق ، بحيث يترتّب كلّ فرد منها على واحدة من تلك المسائل في حدّ ذاتها مستقلّا ، كما أنّ ذلك هو الحقّ عندنا ، فالمسألة ليست بمشكلة ، بل إنّما تكون واضحة كالشمس في رابعة النهار ، إذ من البديهي أنّه على ذلك المسلك يتعدّد الغرض بتعدّد المسائل والقضايا والقواعد ، فتكون كلّ مسألة مؤثّرة في عرض نفسها بحيالها بما لها من غرض خاصّ يطلب منها في ذلك العلم من العلوم المتعدّدة ، من دون أيّ ربط بغرض آخر من

٣٩

الأغراض المطلوبة من مسألة اخرى.

فلا بأس بذكر تمثيل في المقام ليتّضح لك الحال في ذلك المجال ، فاعلم أنّ الاقتدار على الاستنباط الذي لا ينفكّ عن مباحث الألفاظ لا ربط له بالاقتدار الحاصل من مباحث الحجج والأمارات ، بل إنّه يباين ذلك الاقتدار.

وبعبارة أوضح : إنّ الاقتدار على الاستنباط الذي يترتّب على مباحث الألفاظ ليس كسنخ الاقتدار على الاستنباط المترتّب على مباحث الاستلزامات العقليّة ، بل بينهما مباينة. كما أنّهما يباينان ما يترتّب على مباحث الحجج والأمارات بما لها من الأغراض بالقطع واليقين ، إذ الاقتدار على الاستنباط المتحصّل من المباحث العقلية في حدّ التباين مع ما يترتّب على مباحث الحجج والأمارات ، فإنّ الاقتدار على الاستنباط المتحصّل من مباحث الاستلزامات القليّة اقتدار خاصّ على استنباط الأحكام الشرعيّة على نحو البتّ والحتم والجزم ، بخلاف الاقتدار الحاصل من مسائل الحجج والأمارات ، وهكذا إلى آخر مسائل علم الاصول.

والحاصل : إذا كان الأمر بهذا المنوال فلا طريق إلى إثبات جامع ذاتي وحدانيّ بين تلك المسائل وبين موضوعاتها ، إذ البرهان المذكور إذا تمّ فإنّما يتمّ في الواحد الشخصيّ الحقيقي البسيط فيما إذا لم يكن ذا جهتين أو ذو جهات ، فأين هذا من الواحد النوعي الذي ليس بواحد بحسب الحقيقة.

وقد تلخّص من جميع ما ذكرناه في المقام أنّ الأمر إذا كان كذلك فلا يبقى لنا طريق إلى إثبات جامع ذاتي وحدانيّ بين موضوعات هذه المسائل ؛ إذ البرهان المذكور لو تمّ فإنّما يتمّ في الواحد الشخصيّ البسيط على النحو الذي لا تكون له جهتان ولا جهات متعدّدة ، فضلا عن كونه واحدا نوعيّا وأنّه ليس بواحد من الأصل والأساس بالوضوح والإشراق.

٤٠