نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

الولاية ، ورأيت في بعض ما صنفه الطبري في صحة خبر يوم الغدير أنّ اسم الكتاب « الردّ على الحرقوصية » يعني : الحنبلية ، لأن أحمد بن حنبل من ولد حرقوص بن زهير الخارجي ، وقيل : إنّما سماه الطبري بهذا الاسم لأنّ البر بهاري الحنبلي تعرّض للطعن في شيء مما يتعلّق بخبر يوم غدير خم » (١).

ذكر من قال ذلك

هذا ، وقد أثبت كتاب الطبري هذا جماعة من كبار حفّاظ أهل السنّة وعلمائهم :

١ ) الذهبي

فقد قال محمد بن إسماعيل الأمير : « قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة من كنت مولاه : ألّف محمد بن جرير فيه كتابا ، ـ قال الذهبي ـ وقفت عليه فاندهشت لكثرة طرقه » (٢).

٢ ) ابن كثير

وستأتي ترجمته في محلها ، قال بترجمة الطبري : « وقد رأيت كتابا جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين ، وكتابا جمع فيه طرق حديث الطير » (٣).

٣ ) ياقوت الحموي

ترجم له ابن حجر العسقلاني [ لسان الميزان ٦ / ٢٣٩ ] بقوله « ياقوت الرومي الكاتب الحموي ، قال ابن النجار : كان ذكيا حسن الفهم ، ورحل في

__________________

(١) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، للسيد ابن طاوس : ٣٨.

(٢) الروضة الندية : شرح التحفة العلوية : ٥٧.

(٣) التاريخ لابن كثير ١١ / ١٤٧.

٨١

طلب النسب إلى البلاد والشام ومصر والبحرين وخراسان ، وسمع الحديث وصنّف معجم البلدان ومعجم الأدباء ... مات بحلب سنة ٦٢٦ » * : « وكان قد قال بعض الشيوخ ببغداد بتكذيب غدير خم وقال : إنّ علي بن أبي طالب كان باليمن في الوقت الذي كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ بغدير خم ، وقال هذا الإنسان في قصيدة مزدوجة يصف فيها بلدا منزلا منزلا أبياتا يلوّح فيها الى معنى حديث غدير ، قال :

ثمّ مررنا بغدير خمّ

كم قائل فيه بزور جمّ

على عليّ والنبيّ الاميّ

وبلغ أبا جعفر ذلك فابتدأ بالكلام في فضائل عليّ وذكر طريق حديث خمّ » (١).

٤ ) ابن حجر العسقلاني

قال بترجمة مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ : « قلت : ولم يجاوز المؤلّف ما ذكر ابن عبد البرّ وفيه مقنع ، ولكنه ذكر حديث الموالاة عن نفر سمّاهم فقط ، وقد جمعه ابن جرير الطبري في مؤلّف فيه أضعاف من ذكر وصحّحه ، واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة ، فأخرجه من حديث سبعين صحابيا أو أكثر » (٢).

ترجمة الطبري

وإن شئت أن تعرف ما لابن جرير الطبري من مكانة مرموقة لدى القوم

__________________

(١) معجم الأدباء ٦ / ٤٥٥.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٣٩.

٨٢

فضع يدك على أيّ معجم من معاجم الرجال شئت ، تجد هناك المدح البليغ والثناء العظيم ، وغاية التجليل والتكريم لابن جرير الطبري ، وهذا بعض مصادر ترجمته :

١ ـ معجم الأدباء ١٨ / ٤٠.

٢ ـ الأنساب ـ الطبري.

٣ ـ تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٧٨.

٤ ـ وفيات الأعيان ٤ / ١٩١.

٥ ـ العبر ـ حوادث سنة ٣١٠.

٦ ـ مرآة الجنان ـ حوادث سنة ٣١٠.

٧ ـ طبقات السبكي ٢ / ١٣٥.

٨ ـ تتمة المختصر في أخبار البشر ـ حوادث سنة ٣١٠.

٩ ـ لسان الميزان ٥ / ١٠٠.

١٠ ـ طبقات الحفاظ / ٣٠٧.

١١ ـ تذكرة الحفاظ / ٧١٠.

١٢ ـ ميزان الاعتدال ٣ / ٤٩٨.

١٣ ـ تاريخ بغداد ٢ / ١٦٢.

١٤ ـ طبقات القراء ٢ / ١٠٦.

١٥ ـ شذرات الذهب ٢ / ٢٦٠.

وسنترجم له بالتفصيل في هذا الكتاب إن شاء الله ، ونكتفي هنا بذكر عبارتين فقط :

قال ابن تيمية في كلام له في الردّ على الامامية : « ولا يشكّ أنّ رجوع مثل : مالك وابن أبي ذؤيب وابن الماجشون والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى وشريك وأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وزفر والحسن بن زياد واللؤلؤي والشافعي والبويطي والمزني وأحمد بن حنبل وأبي داود السجستاني وابراهيم

٨٣

الحربي والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي وأبي بكر ابن خزيمة ومحمد بن جرير الطبري ومحمد بن نصر المروزي وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم ، مثل أن يعلموا سنّة النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الثابتة عنه ، ويجتهدوا في تحقيق مناط الاحكام وتنقيحها وتخريجها ، خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريّين وأمثالهما ، فإنّ الواحد من هؤلاء أعلم بدين الله ورسوله من العسكريّين أنفسهما ، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا أحدهما ، بل هو الواجب عليه ، فكيف إذا كان نقلا عنهما من مثل الرافضة ، والواجب على مثل العسكريّين وأمثالهما أن يتعلّموا من الواحد من هؤلاء » (١).

أقول : ونحن لا يسعنا إلاّ أن نقول : ( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ) (٢).

وقال السيوطي في ( التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة ) : « وممن يصلح أن يعدّ على رأس الثلاثمائة : الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، وعجبت كيف لم يعدّوه ، وهو أجلّ من ابن شريح وأوسع علوما ، وبلغ مرتبة الاجتهاد المطلق المستقل ، ودوّن لنفسه مذهبا مستقلا ، وله أتباع قلّدوه وأفتوا وقضوا بمذهبه ويسمّون الجريرية.

وكان إماما في كل علم من القراءة والتفسير والحديث والفقه والأصول وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم والعربية والتاريخ ، قال النّوويّ : أجمعت الأمّة على أنه لم يصنّف مثل تفسيره. قال الخطيب : كان أئمة العلماء تحكم بقوله وترجع اليه ، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره ، قال ابن خزيمة : ما أعلم على الأرض أعلم من ابن جرير ، وقد أراد الخليفة المقتدر بالله مرّة أن يكتب كتاب وقف تكون شروطه متفقا عليها بين العلماء ، فقيل له :

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٢٧.

(٢) سورة الكهف : ٥.

٨٤

لا يقدر على استحضار هذا إلاّ محمد بن جرير ، فطلبه عند ذلك فكتبها. مات في شوال سنة عشر وثلاثمائة ».

هذا شأن الطبري صاحب التفسير والتاريخ ، وراوي حديث الغدير بطرقه في كتاب ( الموالاة ).

٨٥

٤

تصنيف الحسكاني في طرق حديث الغدير

وصنّف أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني كتابا ، أثبت فيه حديث الغدير وجمع طرقه ، فقد قال السيد ابن طاوس ـ رحمه‌الله ـ :

« ومن ذلك : ما رواه أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني في كتاب سماه : كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة » (١).

وقال : « وصنف في حديث الغدير الحاكم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني كتاب سمّاه : كتاب دعاء الهداة إلى أداء حقّ الموالاة ، اثنا عشر كرّاسا مجلدا » (٢).

ترجمة الحسكاني

وقد ترجم الحافظ السيوطي للقاضي الحسكاني بقوله : « الحسكاني القاضي المحدّث أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حسكان القرشي العامري النيسابوري ، ويعرف بابن الحذّاء ، شيخ متقن ذو عناية تامة بعلم الحديث ، عمّر وعلا أسناده وصنف في الأبواب ، وجمع ، وحدث عن جدّه والحاكم

__________________

(١) الإقبال : ٤٥٣.

(٢) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف.

٨٦

وأبي طاهر بن محمش ، وتفقه بالقاضي أبي العلاء صاعد. أملى مجلسا صحح فيه رد الشمس لعلي ، وهو يدل على خبرته بالحديث ، وتشيع ، مات بعد الأربعمائة وسبعين » (١).

أقول : ليس التشيع بقادح في وثاقة الرجل ، إذ قد عرفت من كلام ابن حجر الحافظ أن التشيع ليس إلاّ محبّة علي ـ عليه‌السلام ـ.

على أن محمد بن يوسف الشامي ، صاحب السيرة الشامية ـ وهو تلميذ السيوطي * وقد ترجم له مع الإطراء والثناء عليه في ( لواقح الأنوار للشعراني ) و ( الرسالة المستطرفة / ١١٣ ) و ( كفاية المتطلع للدهان ) و ( شذرات الذهب ٨ / ٢٥٠ ) و ( أصول الحديث للدهلوي ) وغيرها * قد نفى عن الحسكاني التشيع ... فقد قال محمد أمين بن محمد معين السندي بعد كلام له في إثبات عصمة أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام :

« وممّا يجب أن أنبه عليه : إنّ هذا الكلام في عصمة الأئمّة إنّما جرينا فيها على جري الشيخ الأكبر قدس‌سره فيها في المهدي ـ رضي الله تعالى عنه ـ من حيث أن مقصودنا منه أن قوله صلّى الله تعالى عليه وسلم فيه : « يقفو أثري لا يخطأ » لما دل عند الشيخ على عصمته ، فحديث الثقلين يدل على عصمة الأئمّة الطاهرين ـ رضي الله تعالى عنهم ـ بما مر تبيانه ، وليست عقدة الأنامل على أن العصمة الثابتة في الأنبياء ـ عليهم‌السلام ـ توجد في غيرهم ، وإنّما اعتقد في أهل الولاية قاطبة العصمة بمعنى الحفظ وعدم صدور الذنب لا استحالة صدوره ، والأئمّة الطاهرون أقدم من الكلّ في ذلك ، وبذلك يطلق عليهم الأئمّة المعصومين.

فمن رماني من هذا المبحث باتّباع مذهب غير السنيّة مما يعلم الله سبحانه براءتي منه ، فعليه إثم فريته والله خصمه ، وكيف لا أخاف الاتّهام من هذا

__________________

(١) طبقات الحفاظ ٤٤٣ وفيه : عبيد الله بن أحمد بن محمد بن ...

٨٧

الكلام ، وقد خاف شيخ أرباب السير في ( السيرة الشامية ) من الكلام على طرق حديث الشمس بدعائه صلّى الله تعالى عليه وسلّم ـ لصلاة علي ـ رضي الله تعالى عنه ـ وتوثيق رجالها أن يرمى بالتشيع ، حيث رأى الحافظ الحسكاني في ذلك سلفا له ، ولننقل ذلك بعين كلامه ، قال ـ رحمه‌الله تعالى ـ لمّا فرغ من توثيق رجال سنده :

« ليحذر من يقف على كلامي هذا هنا أن يظنّ بي أني أميل الى التشيع ، الله تعالى يعلم أن الأمر ليس كذلك ». ( قال ) : والحامل على هذا الكلام ( يعني قوله :

ليحذر ... الى آخره ) : أن الذهبي ذكر في ترجمة الحسكاني أنه كان يميل الى التشيع ، لأنه أملى جزءا في طرق حديث ردّ الشمس ( قال ) : وهذا الرجل ( يعني الحسكاني ) ترجمه تلميذه الحافظ عبد الغافر في ذيله تاريخ نيسابور ، فلم يصفه بذلك ، بل أثنى عليه ثناء حسنا ، وكذلك غيره من المؤرخين ، فنسأل الله تعالى السلامة بن الخوض في أعراض الناس بما لا نعلم وبما نعلم ، والله تعالى أعلم. انتهى.

أقول : وهذا الجرح في الحافظ الحسكاني ، إنما نشأ من كمال عصبيّة الجارح وانحرافه من مناهج العدل والإنصاف ، وإلاّ فالحافظ في خدمة الحديث بذل جهده في تصحيح الحديث وجمع طرقه وأسناده ، وأثبت بذلك معجزة من أعظم علامات النبوة وأكملها ، بما يقر بصحته عين كل من يؤمن بالله تعالى ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم. وكيف يتّهم وينسب إلى التشيع بملابسة القضية لعلي ـ رضي‌الله‌عنه ـ؟ ولو صحّح حافظ حديثا متمحضا في فضله لا يتّهم بذلك ، ولو كان كذلك لترك أحاديث فضائل أهل البيت رأسا. ومن مثل هذه المؤاخذة الباطلة طعن كثير من المشايخ العظام ، ومولع هذا الفن الشريف إذا صح عنده حديث في أدنى شيء من العادات كاد أن يتّخذ لذلك طعاما فرحا بصحة قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم ـ عنده ، وأين هذا من ذاك؟ ولما اطّلع هذا الفقير على صحته كأنّه ازداد سمنا من سرور ذلك ولذته ، أقر الله سبحانه وتعالى عيوننا بأمثاله ،

٨٨

والحمد لله رب العالمين » (١).

ترجمة عبد الغافر

ولنترجم للحافظ عبد الغافر تلميذ الحافظ الحسكاني ومادحه ... فقد ذكره ابن خلّكان بقوله : « أبو الحسن عبد الغافر إسماعيل ... الحافظ ، كان إماما في الحديث والعربية ، وقرأ القرآن الكريم ، ولقّن الاعتقاد بالفارسية وهو ابن خمس سنين ، وتفقّه على إمام الحرمين أبي المعالي الجويني صاحب نهاية المطلب في المذهب ، والخلاف ، ولازمه مدة أربع سنين وهو سبط الامام أبي القاسم عبد الكريم القشيري المقدّم ذكره ، وسمع عليه الحديث ... كانت ولادته في شهر ربيع الآخر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة ، وتوفّي في سنة تسع وعشرين وخمسمائة بنيسابور ، رحمه‌الله تعالى » (٢).

وبمثل هذا ترجم له كل من الذهبي واليافعي والأسنوي (٣).

وذكره ابن قاضي شهبة الأسدي بقوله : « الحافظ العالم الفقيه البارع أبو الحسن الفارسي النيسابوري ، ذو الفنون والمصنفات ». وقال في آخر كلامه : « قال الذهبي : كان إماما ، حافظا ، محدثا ، لغويا ، أديبا ، كاملا ، فصيحا ، مفوهّا » (٤).

هذا وكأن ( الدهلوي ) لم يقف على ما تقدم ، ولا سيّما ما ذكره صاحب دراسات اللبيب ـ وهو في طبقته ومن تلامذة والده ـ فحكم على رواية الحسكاني الموافقة لرواية الحافظ الثعلبي في التفسير وابن حجر المكي في صواعقه : بأنها تحريف للقرآن ، وذلك حيث قال :

__________________

(١) دراسات اللبيب : ٢٤٦ ـ ٢٤٨.

(٢) وفيات الأعيان ٣ / ٢٢٥.

(٣) العبر ، حوادث ٥٢٩ ، مرآة الجنان حوادث ٥٢٩ ، طبقات الشافعية ٢ / ٢٧٥.

(٤) طبقات الشافعية ٢ / ٢٧٤. هذا وللحافظ أبي الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ترجمة في تذكرة الحفاظ / ١٢٧٦ ، طبقات السبكي ٤ / ٢٥٥ ، شذرات الذهب ٤ / ٩٣ ، تاريخ ابن كثير ١٢ / ٢٣٥.

٨٩

« وأخرج الحسكاني بإسناده عن الأصبغ بن نباته ، أنه سأل أمير المؤمنين عن قوله تعالى : ( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) (١) ، فقال : ويحك يا أصبغ! أولئك نحن ، نقف بين الجنة والنار فنعرف من نصرنا بسيماه وندخله الجنة ونعرف من عادانا بسيماه وندخله النار.

وكل هذه الرواية تحريف ، فانه ذكر في حقهم صريحا طمعهم في دخول الجنّة وخوفهم من دخول النار ، وهذا لا يناسب شأن الأئمة المهديين » (٢).

أقول : ومن أراد الاطلاع على تفصيل وجوه قلع هذه الشبهة الركيكة فعليه بكتاب ( مصارع الأفهام ) للعلامة السيد محمد قلي ، أحله دار السلام.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤٦.

(٢) هامش التحفة الاثنا عشرية ، الباب الحادي عشر.

٩٠

٥

تصنيف أبي سعيد السجستاني مصنفا في

طرق حديث الغدير

وصنف أبو سعيد مسعود السجستاني كتابا مفردا في طرق حديث الغدير ... قال السيد ابن طاوس ـ رحمه‌الله تعالى ـ : « اعلم أن نص النبي صلّى الله عليه وسلّم ـ على مولانا علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ يوم الغدير بالإمامة لا يحتاج إلى كشف وبيان لأهل العلم والإمامة والدراية ، وإنما نذكر تنبيها على بعض من رواه ، ليقصده من شاء ويقف على معناه :

فمن ذلك : ما صنّفه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته ، المتفق عند أهل المعرفة على صحة ما يرويه لأهل البيت وأمانته ، صنف كتابا سماه كتاب دراية حديث الولاية ، وهو سبعة عشر جزء ، روى فيه حديث نص النبي بتلك المناقب والمراتب على مولانا علي بن أبي طالب عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة » (١).

__________________

(١) الإقبال : ٤٥٣.

٩١

وقال أيضا : « قد وقفت على كتاب صنّفه أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني سمّاه كتاب دراية حديث الولاية ، وهو سبعة عشر جزء ما وقفت على مثله ، وهذا مسعود بن ناصر من أوثق رجال الأربعة المذاهب ، وقد كشف عن حديث يوم الغدير ونص النبي على علي بن أبي طالب بالخلافة بعده ، رواه عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة منهم ست نساء ، ومن عرف ما تضمّنه كتاب دراية حديث الولاية ما يشك في أن الذين تقدموا على علي بن أبي طالب عاندوا ومالوا إلى طلب الرئاسة.

وعدد أسانيد كتاب دراية الولاية ألف وثلاثمائة إسناد » (١).

ترجمة أبي سعيد السجستاني

وأبو سعيد السجستاني من كبار حفاظ أهل السنة ... قال السمعاني : « أبو سعيد مسعود بن ناصر بن أبي زيد السجزي الركاب : كان حافظا متقنا فاضلا رحل إلى خراسان والجبال والعراقين والحجاز ، وأكثر من الحديث وجمع الجمع ، روى لنا عنه جماعة كثيرة بمرو ونيسابور وأصبهان ، وتوفي سنة سبعة وسبعين وأربعمائة » (٢).

وقال الذهبي : « ومسعود بن ناصر السجزي ، أبو سعيد الركاب الحافظ رحل وصنّف وحدّث عن أبي حسان المزكّى وعلي بن بشرى وطبقتهما ، ورحل إلى بغداد وأصبهان ، قال الدقاق : لم أر أجود إتقانا ولا أحسن ضبطا منه : توفي بنيسابور في جمادى الأولى » (٣).

وقال اليافعي في حوادث سنة ٤٧٧ : « وفيها الحافظ أبو سعيد مسعود بن ناصر السجزي ، رحل وصنّف وحدّث عن جماعة ، قال الدقاق : لم أر أجود إتقانا

__________________

(١) الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد ابن طاوس : ٣٨.

(٢) الأنساب ـ السجستاني.

(٣) العبر ـ حوادث سنة ٤٧٧.

٩٢

ولا أحسن ضبطا منه » (١).

ترجمة الدقاق

ولنذكر ترجمة السيوطي للدقاق المادح لأبي سعيد ، قال : « الدقاق الحافظ المفيد الرّحال ، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن محمد الأصبهاني ، ولد سنة بضع وثلاثين وأربعمائة وسمع وأكثر ، وأملى بسرخس ، وكان صالحا يقرئ ، متعففا ، صاحب سنّة واتّباع.

قال الحافظ إسماعيل بن محمد : ما أعرف أحدا أحفظ لغرائب الأحاديث وغرائب الأسانيد منه ، مات ليلة الجمعة سادس شوال سنة ٥١٤ » (٢).

__________________

(١) مرآة الجنان ، حوادث سنة ٤٧٧. وانظر : تذكرة الحفاظ / ١٢١٦ ، شذرات الذهب ٣ / ٣٥٧ ، طبقات الحفاظ : ٤٤٧.

(٢) طبقات الحفاظ : ٤٥٦. وفيه بدل « يقرى » : « فقيرا ». وتاريخ الوفاة فيه : ٥١٦.

٩٣

٦

تصنيف الحافظ الذهبي في جمع

طرق حديث الغدير

وصنف الحافظ شمس الدين الذهبي كتابا مفردا في طرق حديث الغدير وصرّح بأن له طرقا جيدة ... جاء ذلك في ( مفتاح كنز دراية المجموع ) حيث قال : « وقال الخطيب البغدادي : كان الحاكم ثقة وكان يميل الى التشيع ، جمع أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم ، منها حديث الطير ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنكرها عليه أصحاب الحديث ولم يلتفتوا إلى قوله.

قال الحافظ الذهبي : ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة ، بل فيه أحاديث موضوعة شان المستدرك بإخراجها فيه ، وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدا ، قد أفردتها بمصنف بمجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل ، وأمّا حديث من كنت مولاه فعلي مولاه ، فله طرق جيّدة وقد أفردت ذلك أيضا » (١).

__________________

(١) مفتاح كنز دراية المجموع من درر المجلّد المسموع : ١٠٧.

٩٤

أقول : والجدير بالذكر هنا أن ( الدهلوي ) أسقط من عبارة الذهبي هذه ـ حيث نقلها ـ تصريح الذهبي بتصنيفه كتابا في طرق حديث الغدير ، فقد جاء في ( بستان المحدثين ) له ، المنحول من كتاب ( مفتاح كنز دراية المجموع ) بترجمة الحاكم ما هذا تعريبه : « قال الخطيب البغدادي : كان الحاكم ثقة وكان يميل الى التشيع ، وقال بعض العلماء بالنسبة الى تشيّعه أنه كان يقول بتفضيل علي على عثمان ، وهو مذهب جماعة من الاسلاف ، والله أعلم.

ولقد أنكر عليه جماعة من أجلة العلماء كثيرا من أحاديث المستدرك التي حكم بصحتها وزعم أنها صحاح على شرط الشيخين ، منها : حديث الطير وهو من مناقب المرتضى المشهورة المعروفة ، ومن هنا قال الذهبي : لا يحلّ لأحد أن يغترّ بتصحيح الحاكم ما لم يلاحظ تعقيباتي عليه. وقال أيضا : في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة ، بل فيه أحاديث موضوعة شان المستدرك بإخراجها فيه. وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّا قد أفردتها بمصنف بمجموعها يوجب أنّ الحديث له أصل » (١).

فحيا الله أمانة ( الدهلوي ) وديانته ، وخدمته للحديث وأهله!!

__________________

(١) بستان المحدثين ـ ترجمة الحاكم : ٣٤.

٩٥

٧

تصنيف بعض العلماء في طرق حديث الغدير

وصنف بعض العلماء كتابا كبيرا في طرق حديث الغدير ، وهو يزيد على ثمانية وعشرين مجلدا ، على ما نقل الحسين بن جبر عن ابن شهرآشوب * الذي ترجم له في ( الوافي بالوفيات ٤ / ١٦٤ ) و ( البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة / ٢٤٠ ) و ( بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ١ / ١٨١ ) * حيث قال « قال جدي شهرآشوب : سمعت أبا المعالي الجويني يتعجّب ويقول : شاهدت مجلدا ببغداد في يد صحاف فيه روايات هذا الخبر مكتوبا عليه : المجلدة الثامنة والعشرون من طرق قوله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، يتلوه المجلدة التاسعة والعشرون » (١).

وحكاه الحافظ القندوزي الحنفي عن الجويني كذلك (٢).

أقول : فأي حديث أكثر تواترا من هذا الحديث الذي استغرقت طرقه هذه المجلدات الكثيرة عن أكثر من مائة صحابي!؟

__________________

(١) نخب المناقب : ٩٢.

(٢) ينابيع المودة : ٣٦.

٩٦

ترجمة أبي المعالي الجويني

وأبو المعالي الجويني ، الذي شاهد هذا الكتاب العظيم ، من كبار مهرة فن الحديث وفحول التحقيق وفطاحل الأئمة ، ترجم له :

ابن خلكان : وفيات الأعيان ٢ / ٣٤١.

اليافعي : مرآة الجنان حوادث ٤٧٨.

الذهبي : العبر حوادث ٤٧٨.

الأسنوي : طبقات الشافعية ١ / ٤٠٩.

الأسدي : طبقات الشافعية ١ / ٢١٨.

ابن الجوزي : المنتظم حوادث سنة ٤٧٨.

ابن كثير : التاريخ حوادث سنة ٤٧٨.

ابن العماد : شذرات الذهب حوادث سنة ٤٧٨.

السبكي : طبقات الشافعية ٥ / ١٦٥.

ولنقتصر على ترجمته من اليافعي :

« وفيها الامام الحفيل السيد الجليل ، المجمع على إمامته ، المتفق على غزارة مادته وتفننه في العلوم ، من الأصول والفروع والأدب وغير ذلك ، الإمام الناقد ، المحقق البارع ، النجيب المدقق ، أستاذ الفقهاء والمتكلمين ، وفحل النجباء والمناظرين ، المقرّ له بالنجابة والبراعة ، والبلاغة والبداعة ، وتحقيق التصانيف وملاحتها وحسن العبارة وفصاحتها ، والتقدم في الفقه ، والأصلين ، النجيب ابن النجيب ، إمام الحرمين ، حامل راية المفاخر وعلم العلماء الأكابر ، أبو المعالي عبد الملك ابن ركن الإسلام ابن محمد ، إمام الحرمين ، فخر الإسلام ، إمام الأئمّة ومفتي الأنام ، المجمع على إمامته شرقا وغربا ، المقرّ بفضله السراة والحراة عجما وعربا ، ربّاه حجر الإمامة ، وحرّك ساعد السعادة مهده ، وأرضعه ثدي العلم والورع إلى أن ترعرع فيه ويفع.

٩٧

أخذ من العربية وما يتعلق بها أوفر حظ ونصيب ، وزاد فيها على كلّ أديب ، من التوسع في العبارة بعلوها ما لم يعهد من غيره ، حتى أنسى سحبان وفاق فيه الاقران ، وأعجز الفصحاء اللد وجاوز الوصف والحد ، وكان يذكر دروسا يقع كل واحد منها في أطباق وأوراق ، لا يتلعثم في كلمة ولا يحتاج إلى استدراك عثرة ، يمر فيها كالبرق الخاطف ويصوت كالرعد القاصف ، لا يلحقه المبرزون ولا يدرك شأوه المتشدقون المتفيهقون ، وما يوجد من كثير من العبارات البالغة كنه الفصاحة ، غيض من غيض ما كان على لسانه ، وغرفة من أمواج ما كان يعهد من بيانه.

تفقّه في صباه على والده ركن الإسلام ... ثمّ خلفه من بعد وفاته وأتى على جميع مصنفاته فقلبها ظهرا لبطن وتصرف فيها ، خرّج المسائل بعضها على بعض ، ودرّس سنين ، ولم يرض في شبابه تقليد والده وأصحابه ، حتى أخذ في التحقيق وجدّ واجتهد في المذهب والخلاف ومجالس النظر حتى ظهرت نجابته ، ولاح على أيّامه همة أبيه وفراسته ، وسلك طريق المباحثة وجمع الطرق بالمطالعة والمناظرة ، حتى أربى على المتقدمين وأنسى مصنفات الأوّلين ، وسعى في دين الله سعيا يبقى أثره إلى يوم الدين ... » الى آخر الترجمة الحافلة (١).

__________________

(١) مرآة الجنان ـ حوادث سنة ٤٧٨.

أقول : وممن ألّف في حديث الغدير من أعلام أهل السنة :

١ ـ أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي المتوفى سنة ٣٥١ ، عدّه العلامة الأميني من رواة القرن الرابع وقال : ممن ألّف في الحديث ، ثم لم يعده في المؤلفين.

٢ ـ الحافظ العراقي زين الدين عبد الرحيم بن الحسين الشافعي المتوفى سنة ٨٠٦ ، ترجم له ابن فهد المكي في ذيل تذكرة الحفاظ / ٢٣١ ، وذكر هذا الكتاب في مؤلفاته.

٣ ـ أبو بكر محمد بن عمر البغدادي ، المعروف بالجعابي ، المتوفى سنة ٣٥٥ ، والمترجم له في تذكرة الحفاظ وتاريخ بغداد وطبقات الحفاظ / ٣٧٥ ، له كتاب : « من روى حديث غدير خم » عدّه أبو العباس النجّاشي من كتبه في فهرسته ٢٨١.

٤ ـ الحافظ الدار قطني علي بن عمر البغدادي المتوفى سنة ٣٨٥ ، قال الكنجي في كفاية الطالب

٩٨

__________________

عند ذكر حديث الغدير : أجمع الحافظ الدار قطني طرقه في جزء.

٥ ـ شمس الدين محمد بن محمد المعروف بابن الجزري الدمشقي الشافعي المتوفى سنة ٨٣٣.

أفرد رسالة في اثبات تواتر حديث الغدير وأسماها « أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب » وقد عدّها في تآليفه السخاوي في ترجمته في الضوء اللامع. )

٩٩
١٠٠