نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

قال فيه شيئا فمني عليه ألف لعنة » (١).

ولا ريب في سقوط الملعون عن درجة الاعتبار ...

٣. نسبة أبي حاتم كتابا للبخاري إلى نفسه

ومما يذكر عن أبي حاتم الرازي أنه نسب كتابا لمحمد بن إسماعيل البخاري إلى نفسه ، فقد قال السبكي ما نصه :

« وقال أبو حامد الحاكم في الكنى : عبد الله بن الديلمي أبو بسر ، وقال البخاري ومسلم فيه : أبو بشر ـ بشين معجمة ـ. قال الحاكم : وكلاهما أخطأ في علمي ، إنما هو أبو يسر ، وخليق أن يكون محمد بن إسماعيل مع جلالته ومعرفته بالحديث اشتبه عليه ، فما نقله مسلم في كتابه تابعه على زلته. ومن تأمل كتاب مسلم في الأسماء والكنى علم أنه منقول من كتاب محمد بن إسماعيل حذو القذّة بالقذّة ، حتى لا يزيد عليه فيه إلاّ ما يسهل عدّه ، وتجلد في نقله حق الجلادة إذ لم ينسبه إلى قائله.

وكتاب محمّد بن اسماعيل في التاريخ كتاب لم يسبق اليه ، ومن ألّف بعده شيئا في التاريخ أو الأسماء أو الكنى لم يستغن عنه ، فمنهم من نسبه إلى نفسه مثل أبي زرعة وأبي حاتم ومسلم ، ومنهم من حكاه عنه ، فالله يرحمه فإنه الذي أصّل الأصول » (٢).

وهذا الّذي صنع أبو حاتم من أشنع الأشياء وأقبحها ، قال الشيخ سالم السّنهوري ـ الّذي ترجم له المحبي في خلاصة الأثر ٢ / ٢٠٤ ـ : « وألزم العزو غالبا إلاّ فيما أنقله من شروح الشيخ بهرام والتوضيح وابن عبد السّلام وابن عرفة ، فلا أعزو لها غالبا إلاّ ما كان غريبا ، أو ذكره في غير موضعه ، أو لغرض من

__________________

(١) طبقات الشافعية للسبكي ٢ / ٢٢٥ ترجمة البخاري.

(٢) طبقات السبكي ١ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

٣٤١

الأغراض.

وقد ذكر ابن جماعة الشافعي في منسكه الكبير أنّه صحّ عن سفيان الثوري أنّه قال : إنّ نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصّدق في العلم وشكره ، فإنّ السكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره » (١).

٤. المعارضة برواية ابنه

ثم إن ما نسبه الرازي إلى أبي حاتم معارض برواية ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم الحافظ نزول آية التبليغ في يوم الغدير في مولانا أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، قال الحافظ السيوطي :

« وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية ـ ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) ـ على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يوم غدير خم في علي بن أبي طالب » (٢).

__________________

(١) تيسير الملك الجليل لجمع الشروح وحواشي الشيخ خليل ـ خطبة الكتاب : ٣.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٢ / ٢٩٨.

٣٤٢

رد الرازي على نفسه

وبعد ... فقد اعترف الفخر الرازي بأن « من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة عليّ » ، فحديث الغدير ـ باعتراف الرازي ـ من مرويات أهل السنة ، وهم يجعلونه من فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ...

وللرازي كلمات أخرى في هذا المضمار كذلك سننقلها.

وهلاّ كان من المناسب أن تكون كلماته هذه نصب عينيه ، لئلاّ ينكر صحة حديث الغدير ، وحتى لا يتشبث بتعنّت هذا وتعصب ذاك لمناقشته.

وإليك نصوص عبارات الفخر الرازي في كتبه المختلفة :

قال في نهاية العقول :

« ثم إن سلّمنا صحة أصل الحديث ، ولكن لا نسلّم صحة تلك المقدّمة وهي قوله ـ عليه‌السلام ـ ألست أولى بكم من أنفسكم.

وبيانه : إن الطرق التي ذكرتموها في تصحيح أصل الحديث لا يمكن دعوى التواتر فيها ، ولا يمكن أيضا دعوى إطباق الأمة على قبولها ، لأن من خالف الشيعة إنما يروون أصل الحديث للاحتجاج به على فضيلة علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ ولا يروون هذه المقدّمة ».

٣٤٣

كما صرّح فيه بأنّ الأمّة روت هذا الحديث.

وقال في أربعينه ما نصه.

« وأمّا الشبهة الثانية عشر ـ وهي التمسك

بقوله عليه‌السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه

. فجوابها من وجوه :

الأول : أنه خبر واحد.

قوله : الأمّة اتفقت على صحته ، لأن منهم من تمسّك به في فضل [ تفضيل ] علي ، ومنهم من تمسّك به في إمامته.

قلنا : تدعي أن كلّ الأمّة قبلوه قبول القطع أو قبول الظن.

الأول : ممنوع وهو نفس المطلوب.

والثاني : مسلّم وهو لا ينفعكم في مطلوبكم ... » (١).

وقال في تفسيره ـ في الأقوال في شأن نزول آية التبليغ :

« العاشر ـ نزلت هذه الآية في فضل علي ، ولمّا نزلت هذه الآية أخذ بيده فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فلقيه عمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

وهو قول ابن عباس ، والبراء بن عازب ، ومحمد بن علي » (٢).

__________________

(١) الأربعين / ٤٦٢.

(٢) تفسير الرازي ١٢ / ٤٩.

٣٤٤

(٧)

تفنيد المعارضة بحديث

« قريش والأنصار ... مواليّ دون الناس ... »

٣٤٥
٣٤٦

وقد عارض الفخر الرازي حديث الغدير بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار مواليّ دون الناس كلّهم ، ليس لهم موالي دون الله ورسوله ».

ولكن هذه المعارضة باطلة لوجوه :

١. إنه من أخبار المخالفين

إن هذا الحديث من أخبار أهل السنة ، قد انفردوا بروايته ، فلا حجية له عند أهل الحق الشيعة الامامية حتى يقابل به حديث الغدير.

بل إن التمسّك والاستدلال بأحاديث أهل السنة لا يفيد لافحام الشيعة مطلقا ، ولا يجوز للمناظر أن يلزم خصمه إلاّ بما رواه قومه في كتبهم المعتبرة وبأسانيدهم المعتمدة ، ولذا ترى ( الدهلوي ) يدّعى في مقدمة ( تحفته ) الالتزام بأن لا يستدل إلاّ بكتب الشيعة ، ليتمّ له مراده ويثبت مرامه في الاحتجاج معهم.

٢. ليس من الأحاديث المشتهرة

بل ليس هذا الحديث من الأحاديث المتفق على روايتها لدى أهل السنة

٣٤٧

أنفسهم أيضا ، فلم يرد في كتبهم إلاّ قليلا ، بل لم يرو في جميع صحاحهم ، وقد أوضح ابن الأثير أنه مما تفرد به الشيخان (١).

٣. هو خبر واحد عن أبي هريرة

ثم هو من أخبار الآحاد ، إذ لم يخرجه الشيخان عن غير أبي هريرة ، وهذا لا يصلح لأن يذكر في مقابلة حديث رواه أكثر من مائة نفس من أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ومنهم أبو هريرة نفسه ...

٤. حديث الغدير برواية أبي هريرة

فقد روى أبو هريرة حديث الغدير واعترف بصحته وسماعه إيّاه من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في غدير خم ...

قال الخوارزمي : « قال الأصبغ : دخلت على معاوية وهو جالس على نطع من الأدم متكيا على وسادتين خضراوتين عن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذو الكلاع ، وعن يساره أخوه عتبة وابن عامر وابن كريز والوليد بن عقبة وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد وشرحبيل بن السمط ، وبين يديه أبو هريرة وأبو الدرداء والنعمان بن بشير وأبو أمامة الباهلي.

فلما قرأ الكتاب قال : إنّ عليّا لا يدفع إلينا قتلة عثمان.

فقلت له : يا معاوية لا تعتل بدم عثمان ، فإنك تطلب الملك والسلطان ، ولو كنت أردت نصرته حيا ، ولكنك تربصت به لتجعل ذلك سببا إلى وصولك إلى الملك. فغضب.

فأردت أن يزيد غضبه فقلت لأبي هريرة : يا صاحب رسول الله! إني أحلّفك بالله الذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب والشهادة ، وبحق حبيبه المصطفى

__________________

(١) جامع الأصول ١٠ / ١٣٦.

٣٤٨

عليه‌السلام ـ إلاّ أخبرتني أشهدت غدير خم؟

فقال : بلى شهدته.

قلت : فما سمعته يقول في علي؟

قال : سمعته يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

قلت له : فإذن أنت واليت عدوه وعاديت وليه.

فتنفس أبو هريرة الصّعداء وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون.

فتغيّر معاوية عن حاله وغضب وقال : كف عن كلامك ... » (١).

٥. أبو هريرة كذّاب

هذا كله بناء على توثيق أبي هريرة ، ولكن أبا هريرة لم يكن ثقة في حديثه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لدى كبار الصحابة ومن دونهم ...

فمن الصّحابة الّذين كذّبوه : أمير المؤمنين عليّ ، وعمر بن الخطّاب وعثمان ابن عفّان ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة بنت أبي بكر ... كما لا يخفى على من راجع كتاب ( الردّ على من قال بتناقض الحديث لابن قتيبة ) و ( عين الإصابة فيما استدركته عائشة على الصحابة للسيوطي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغير ذلك.

بل رووا عن أبي هريرة نفسه قوله مخاطبا لأصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : « الا إنكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ... » راجع ( الجمع بين الصّحيحين ) و ( المفاتيح في شرح المصابيح ) وغيره من الشروح.

بل ثبت أنّ عمر نهاه عن التحديث قائلا له : « لتتركنّ الحديث عن رسول الله أو لألحقنّك بأرض دوس » ، وقد روي هذا الكلام بلفظ آخر والمعنى واحد

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب ، لأخطب خطباء خوارزم ١٣٤ ـ ١٣٥.

٣٤٩

... أنظر ( الأصول للسّرخسي ) و ( التاريخ لابن كثير ) وغيرهما.

وأمّا قصّة عزل عمر إيّاه عن البحرين فمشهورة ، وممّن رواها بالتفصيل :

١ ـ ابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ـ جار الله الزمخشري في الفائق في غريب الحديث.

٣ ـ ياقوت الحموي في معجم البلدان.

٤ ـ ابن كثير الدمشقي في تاريخه.

ومن التابعين والفقهاء الذين كذّبوه وصرّحوا بعدم الثقة به : « أبو حنيفة » فقد رووا عنه قوله : « أترك قولي بقول الصّحابة إلاّ ثلاثة منهم : أبو هريرة ، وأنس ابن مالك وسمرة بن جندب » راجع ( روضة العلماء للزندويستي ) و ( كتائب أعلام الأخيار للكفوي ) وغيرهما.

ومنهم : عيسى بن أبان الفقيه الحنفي ، فقد ذكر عنه الزندويستي قوله : « أقلّد أقاويل جميع الصحابة إلاّ ثلاثة منهم : أبو هريرة ووابصة بن معبد ، وأبو سنابل بن بعك ».

ومنهم : جماعة من الحنفية ، كذّبوا أبا هريرة في حديث المصراة كما في ( المحلّى لابن حزم ) و ( فتح الباري لابن حجر ) وغيرهما.

ومنهم : محمد بن الحسن الشيباني ... كما في ( المحلى ) في مسألة أن البائع أحق بالمتاع إذا أفلس ...

٦. وجوه القدح في أبي هريرة

هذا بالاضافة إلى وجوه أخرى من القدح والطعن في أبي هريرة ، وهي أمور يكفي كل منها لسقوطه عن درجة الاعتبار ، أو يفيد فسقه بوضوح ، وإليك بعضها :

ألف ـ كان يلعب بالشطرنج : قال الدميري : « وروى الصعلوكي تجويزه ـ أي الشطرنج ـ عن عمر بن الخطاب والحسن البصري والقاسم بن محمد وأبي

٣٥٠

قلابة وأبي مجلز وعطا والزهري وربيعة بن عبد الرحمن وأبي زناد ، رحمهم‌الله.

والمروي عن أبي هريرة من اللعب به مشهور في كتب الفقه » (١).

وقال ابن الأثير : « وفي حديث بعضهم ، قال : رأيت أبا هريرة يلعب بالسدر والسدر لعبة يقامر بها ... » (٢).

وكذا قال محمد طاهر الكجراتي الفتني (٣).

ولا ريب في أنّ الشطرنج حرام. وقال ابن تيمية :

« مذهب جمهور العلماء أن الشطرنج حرام ، وقد ثبت عن علي بن أبي طالب مرّ بقوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون.

وكذلك النهي عنها معروف عن أبي موسى وابن عباس وابن عمر وغيرهم من الصحابة.

وتنازعوا في [ أنّ ] أيّهما أشدّ تحريما الشطرنج أو النرد ، فقال مالك : الشطرنج أشد من النرد. وهذا منقول عن ابن عمر ، وهذا لأنّها تشغل القلب بالفكر الذي يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة أكثر من النرد. وقال أبو حنيفة وأحمد : النرد أشد » (٤).

ب ـ كان مخلّطا : قال ابن كثير الدمشقي : « وقال مسلم بن الحجاج : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ثنا مروان الدمشقي ، عن الليث بن سعد ، حدثني بكير بن الأشج ، قال : قال لنا بشر بن سعيد : اتقوا الله وتحفّظوا من الحديث ، فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث حديث رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن كعب وحديث كعب عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

وفي رواية : يجعل ما قاله كعب عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ،

__________________

(١) حياة الحيوان : « الهر ».

(٢) النهاية في غريب الحديث : « السدر ».

(٣) مجمع البحار : « السدر ».

(٤) منهاج السنة ٢ / ٩٨.

٣٥١

وما قاله رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن كعب ، فاتقوا الله وتحفّظوا في الحديث » (١).

ج ـ كان مدلّسا : قال ابن كثير : « وقال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : أبو هريرة كان يدلّس. أي : يروي ما سمعه من كعب وما سمعه من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولا يبين ، [ يميّز ] هذا من هذا. ذكره ابن عساكر.

وكان شعبة يشير بهذا إلى حديثه : من أصبح جنبا فلا صيام له. فإنّه لمّا حوقق عليه ، قال : أخبرنيه مخبر ولم أسمعه من رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ » (٢).

د ـ كان متروكا : قال ابن كثير : « وقال شريك ، عن مغيرة ، عن ابراهيم قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة.

وروى الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : ما كانوا يأخذون من كل حديث أبي هريرة.

قال الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئا ، وما كانوا يأخذون من حديثه إلاّ ما كان من حديث صفة جنة أو نار أو حديث على عمل صالح أو نهي عن شيء جاء القرآن به ».

قال ابن كثير : « وقد انتصر ابن عساكر لأبي هريرة وردّ هذا الذي قاله إبراهيم النخعي ، وقد قال ما قاله ابراهيم طائفة من الكوفيين والجمهور على خلافهم. وقد كان أبو هريرة من الصّدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم » (٣).

__________________

(١) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ مع اختلاف.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩.

(٣) تاريخ ابن كثير ٨ / ١٠٩ ـ ١١٠.

٣٥٢

هـ ـ كان يلقي نفسه بين الصبيان : قال ابن قتيبة : « روى عفان ، عن حمّاد ابن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، قال : كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة ، فيركب حمارا قد شدّ عليه برذعه وفي رأسه حبل من ليف ، فيسير فيلقى الرجل فيقول : الطريق الطريق ، قد جاء الأمير.

وربما أتى الصبيان وهم يلعبون باللّيل لعبة الغراب ، فلا يشعرون بشيء حتى يلقي نفسه بينهم ويضرب برجليه فيفزع الصبيان فيتفرقون [ فيفرون ]. وربما دعاني إلى عشائه بالليل فيقول : [ أ ] دع العراق للأمير ، فأنظر فإذا هو ثريد بزيت » (١).

وقال ابن كثير : « وقال حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع : كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة ، فيركب الحمار ويلقى الرجل فيقول : الطريق ، قد جاء الأمير ـ يعني نفسه ـ ، وكان يمرّ بالصبيان وهم يلعبون بالليل لعبة الغراب وهو أمير ، فلا يشعرون إلاّ وقد ألقى نفسه بينهم ويضرب برجليه ، كأنه مجنون ، يريد بذلك أن يضحكهم ، فيفزع الصبيان منه ويفرّون عنه هاهنا وهاهنا يتضاحكون » (٢).

و ـ كان يعجبه أكل المضيرة عند معاوية : قال جار الله محمود الزمخشري : « أبو رافع : كان أبو هريرة ربّما دعاني إلى عشائه فيقول : أدع العراق للأمير ، فأنظر فإذا هو ثريد ، وكان يقول : التمر أمان من القولنج ، وشرب العسل على الرّيق أمان من الفالج ، وأكل السفرجل يحسّن اللون والولد ، وأكل الرمان يصلح الكبد ، والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب والنصب ، والكرفس يقوي المعدة ويطيّب النكهة ، والعدس يرقّ القلب ويذرف الدمعة ، والقرع يزيد في اللب ويرق البشر ، وأطيب اللحم الكتف وحواشي فقار الظهر.

__________________

(١) المعارف ٢٧٨.

(٢) تاريخ ابن كثير ٨ / ١١٣.

٣٥٣

وكان يديم الهريسة والفالوذجة ويقول : هما مادة الولد. وكان تعجبه المضيرة كثيرا فيأكلها مع معاوية. وإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فإذا قيل له قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب ، والصلاة خلف علي أفضل ، فكان يقال له : شيخ المضيرة » (١).

وقال الزمخشري أيضا : « كان أبو هريرة يقول : أللهم ارزقني ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا نثورا » (٢).

أقول : وكلّ هذا يدل على شره أبي هريرة وجشعه وميله إلى الدنيا وأهلها ولذاتها ، وهذه الخصال لا تجتمع مع الزهادة والورع والعدالة.

ز ـ كان يعادي عليا ويوالي عدوه : والشواهد على ذلك كثيرة جدا ...

٧. نظرات في سند الحديث

وبعد ، فإنّ من شرط المعارضة صلاحيّة الحديث الذي يقصد جعله معارضا من جميع الجهات لهذا الغرض. ومع الغض عن الوجوه المذكورة حول هذا الحديث المزعوم ، فإنّ هذا الحديث مخدوش في نفسه من حيث السند ، ونحن نوضّح ذلك فيما يلي :

١ ـ في طريق الحديث : « سفيان الثوري ».

إنّ في طريق هذا الحديث « سفيان الثوري » ، قال البخاري : « حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة ، قال : قال النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : قريش والأنصار وجهينة ومزينة واسلم وغفار وأشجع مواليّ ، ليس لهم مولى دون الله ورسوله » (٣).

__________________

(١) ربيع الأبرار ٢ / ٧٠٠.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٨٠.

(٣) صحيح البخاري ٤ / ٢٢٠.

٣٥٤

وقال مسلم : « حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا أبي ، حدثنا سفيان عن سعد بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة ... » (١).

اعتراض الثوري على إمام أهل البيت

ولم تكن بين « الثوري » و « الامام الصادق عليه‌السلام » أية صلة من صلات المودة والمحبة ، بل لقد اعترض على الامام عليه‌السلام في أبسط الأشياء وهو الامام المعصوم من الزلل والمأمون من الفتن ، هو من أهل بيت دلّ الكتاب والسنّة على عصمتهم ووجوب متابعتهم ومحبتهم ...

وقد روي اعتراض الثوري على سادس أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام إذ دخل عليه فرأى عليه جبّة من خز فقال : « ليس هذا من لباسك » ، ولم يعلم المسكين أن الامام عليه‌السلام كان قد لبس تحته ثوبا من شعر خشن. أما الامام فكان يعلم أن الثوري كان قد لبس تحت جبته الخشنة قميصا أرق من بياض البيض « فخجل سفيان » ثم قال له : « يا ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرنا ونضرك ».

هذا هو الثوري الصوفي الزاهد!؟ وهذه سيرته مع إمام أئمّة الدنيا علما وعملا ... ونحن لا نعتمد على رواية هكذا انسان ولا نستدل بحديثه إلاّ من باب الإلزام ...

وقد روى قصته مع الامام الصادق عليه‌السلام جمع من علماء أهل السنة الأعلام ، قال الشعراني بترجمة الامام : « ودخل عليه الثوري ـ رضي‌الله‌عنه ـ فرأى عليه جبة من خز ، فقال له : إنكم من بيت النبوة تلبسون هذا؟ فقال : ما تدري؟ أدخل يدك ، فإذا تحته مسح من شعر خشن. ثم قال : يا ثوري أرني ما تحت جبّتك ، فوجد تحتها قميصا أرق من بياض البيض. فخجل سفيان. ثم قال : يا

__________________

(١) صحيح مسلم ٧ / ١٧٨.

٣٥٥

ثوري لا تكثر الدخول علينا تضرّنا ونضرّك » (١).

وروى أبو نعيم الحافظ والحافظ الذهبي (٢) وابن طلحة (٣) ـ واللفظ للأول ـ : « حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي ، ثنا محمد بن أحمد بن مكرم الضبي ، ثنا علي بن عبد الحميد ، ثنا موسى بن مسعود ، ثنا سفيان الثوري ، قال : دخلت على جعفر بن محمد وعليه جبّة خز [ دكناء ] وكساء خز أندجاني [ ايراجاني ] ، فجعلت أنظر إليه تعجبا [ معجبا ] فقال لي : يا ثوري مالك تنظر إلينا ، لعلك تعجبت مما ترى [ رأيت ]؟ قال : قلت : يا ابن رسول الله! ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك. فقال لي : يا ثوري كان ذلك زمانا مقفرا مقترا ، وكانوا يعملون على قدر إقفاره وإقتاره.

وهذا زمان قد أسبل [ أقبل ] كل شيء فيه عز اليه. ثم حسر عن ردن جبته فإذا تحتها [ جبة ] صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن. فقال لي : يا ثوري لبسنا هذا لله ، وهذا لكم. فما كان لله [ تعالى ] أخفيناه وما كان لكم أبديناه » (٤).

وروى أبو نعيم أيضا : « حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن العباس ، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، حدثني مالك بن أنس ، عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، قال : لما قال سفيان الثوري : لا أقوم حتى تحدثني. قال جعفر [ قال له ] : أما إني أحدّثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان ... » (٥).

وروى سبط ابن الجوزي : « أخبرنا أبو اليمن اللغوي ، أنبأ القزاز ، أنبأ

__________________

(١) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ١ / ٣٢.

(٢) تذهيب التهذيب ـ مخطوط.

(٣) مطالب السئول : ٥٦.

(٤) حلية الأولياء ٣ / ١٩٣.

(٥) المصدر ٣ / ١٩٣.

٣٥٦

الخطيب ، أنبأ أبو بكر البرقاني ، أنبأ أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي ، عن محمد بن أبي القاسم السمناني ، عن الخليل بن محمد الثقفي ، عن عيسى بن جعفر القاضي ، عن أبي حازم المدني ، قال : كنت عند جعفر بن محمد ، فجاء سفيان الثوري ، فقال له جعفر : أنت رجل يطلبك السلطان وأنا أتّقي السلطان. فقال سفيان : حدثني حتى أقوم ... » (١).

وروى ابن الصباغ المالكي (٢) والعيدروس (٣) ـ واللفظ للأول ـ :

« قال ابن أبي حازم : كنت عند جعفر الصادق إذ جاء الآذن فقال : سفيان الثوري بالباب. فقال : ائذن له. فدخل فقال له جعفر : يا سفيان! إنك رجل يطلبك السلطان في أكثر الأحيان وتحضر عنده ، وأنا أتّقي السلطان ، فاخرج عني غير مطرود ... ».

كان الثوري يدلّس

ومما ذكروا عن « الثوري » أنه كان يدلس عن الضعفاء ، قال الذهبي بترجمته :

« سفيان بن سعيد الحجة الثبت المتفق عليه ، مع أنه كان يدلّس عن الضعفاء ، ولكن كان له نقد وذوق ، ولا عبرة بقول من قال : كان يدلّس ويكتب عن الكذّابين » (٤).

وقال ابن حجر الحافظ : « وقال ابن المبارك : حدثته ـ يعني الثوري ـ بحديث ، فجئته وهو يدلّسه ، فلما رآني استحيا وقال : نرويه عنك » (٥).

__________________

(١) تذكرة خواص الأمة : ٣٤٢.

(٢) الفصول المهمة في معرفة الأئمة : ٢٢٣.

(٣) العقد النبوي والسر المصطفوي : ٧٢.

(٤) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٢ / ١٦٩.

(٥) تهذيب التهذيب : ترجمته ٤ / ١١٥.

٣٥٧

وقال :

« سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رءوس الطبقة السابعة ، وكان ربما دلّس. مات سنة إحدى وستين وله أربع وستّون » (١).

وذكره ابراهيم بن محمد سبط ابن العجمي المكي في المدلّسين قائلا : « سفيان الثوري مشهور به » (٢).

وقال السيوطي بشرح قول النووي : « النوع الثامن عشر ـ في التدليس. وهو قسمان ، الأول تدليس الاسناد ، يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه قائلا : قال فلان أو عن فلان. ونحوه. وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفا أو صغيرا تحسينا للحديث ».

قال السيوطي بشرح قوله : « وربما لم يسقط » ...

« وهذا من زوائد المصنّف على ابن الصلاح وهو قسم آخر من التدليس يسمى تدليس التسوية ، سماه بذلك ابن القطان ، وهو شر أقسامه ، لأنّ الثقة الأول قد لا يكون معروفا بالتدليس ويجده الواقف على المسند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة ، فيحكم له بالصحة وفيه غرور شديد ...

قال الخطيب : وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا. قال العلائي : وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقا وأشرّها ، قال العراقي : وهو قادح فيمن تعمّد فعله ، وقال شيخ الإسلام : لا شك أنه جرح وإن وصف به الثوري والأعمش ، فالاعتذار أنهما لا يفعلانه إلاّ في حق من يكون ثقة عندهما ضعيفا عند غيرهما » (٣).

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ / ٣١١.

(٢) التبيين لأسماء المدلسين.

(٣) تدريب الراوي بشرح تقريب النواوي ١ / ٢٢٤.

٣٥٨

وقال علي القاري في ( نزهة النظر ) : « قال الشيخ شمس الدين محمد الجزري ... وربما لم يسقط المدّلس شيخه ، لكن يسقط من بعده رجلا ضعيفا وصغير السن يحسّن الحديث بذلك ، وكان الأعمش والثوري وابن عيينة وابن إسحاق وغيرهم يفعلون هذا النوع ... ».

حرمة التدليس وشناعته

ولقد علم مما سلف « أن التدليس قادح في من تعمّد فعله » و « أنّه جرح ». وقال القاري بعد كلامه المتقدم نقله : « وهذا القسم من التدليس مكروه جدا ، فاعله مذموم عند أكثر العلماء ، ومن عرف به فهو مجروح عند جماعة لا تقبل روايته ، بيّن السماع أو لم يبيّنه ».

وكذا قال ابن جماعة الكناني ...

وقال السيوطي بعد تقسيم التدليس :

« أما القسم الأول فمكروه جدّا ذمه أكثر العلماء ، وبالغ شعبة في ذمه فقال : لئن أزني أحب إليّ من أن أدلّس. وقال : التدليس أخو الكذب » (١).

وقال السيوطي أيضا : « ( ثم قال فريق منهم ) من أهل الحديث والفقهاء ( من عرف به ) يعني بتدليس الاسناد ( صار مجروحا ) مردود الرواية ( مطلقا ) وان بيّن السماع » (٢).

أقول : فيجب التوقف في روايات الثوري ، بل مفاد بعض الكلمات سقوطها مطلقا.

٢ ـ نسبة البخاري الحديث إلى يعقوب بن إبراهيم

واعلم أن البخاري نسب رواية هذا الحديث إلى يعقوب بن إبراهيم أيضا ،

__________________

(١) تدريب الراوي ١ / ٢٢٨.

(٢) المصدر نفسه ١ / ٢٢٩.

٣٥٩

فإنّه قال :

« حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن سعد.

أبو عبد الله : وقال يعقوب بن ابراهيم : حدثنا أبي ، عن أبيه ، قال : حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله » (١).

ولكن أبا مسعود الدمشقي كذّب هذه النسبة ، وأفاد بأن رواية يعقوب تخالف رواية سفيان ، لأن يعقوب إنما رواه عن أبيه ، عن صالح بن كيسان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة بلفظ : غفار وأسلم ومزينة ومن كان من جهينة خير عند الله من أسد وطي وغطفان ، كذا أخرجه مسلم (٢).

هذا بالاضافة إلى ما جاء بترجمة إبراهيم بن سعد ـ والد يعقوب ـ من تكلّم جماعة فيه ، فقد قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :

« وذكر ابن عدي في الكامل عن عبد الله بن أحمد ، سمعت أبي يقول : ذكر عند يحيى بن سعيد عقيل وإبراهيم بن سعد ، فجعل كأنه يضعّفهما. يقول :

عقيل وابراهيم! ثم قال أبي : أيش ينفع هذا ، هؤلاء ثقات لم يجدهما [ يخبرهما ] يحيى.

وعن أبي داود السجستاني : سمعت أحمد ، سئل عن حديث إبراهيم بن سعد عن أبيه ، عن أنس مرفوعا : الأئمّة من قريش ، فقال : ليس هذا في كتب إبراهيم ابن سعد ، لا ينبغي أن يكون له أصل.

قلت : رواه جماعة عن إبراهيم.

ونقل الخطيب : أن إبراهيم كان يجيز الغناء بالعود ووليّ قضاء المدينة.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ / ٢١٨.

(٢) أطراف الصحيحين ـ مخطوط. وأبو مسعود الدمشقي : ابراهيم بن محمد بن عبيد الحافظ. توجد ترجمته في طبقات الحفاظ / ٤٢٦.

٣٦٠