نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٦

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

٤. المعارضة بتصحيح الأئمّة

على أنّ ترك ابن أبي داود حديث الغدير أو قدحه فيه ، معارض برواية أكابر أئمة أهل السنة إياه ، وتصريحهم بصحته ، وتنصيصهم على ثبوته وتواتره عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ...

فهو حديث مجمع على صحّته ، ولا اعتبار بقول شاذّ خارج عن هذا الإجماع ...

٥. المعارضة برواية أبي داود

ومن رواة حديث الغدير : أبو داود ( والد أبي بكر ابن أبي داود ) فقد قال الحافظ النسائي ما نصه :

« أخبرني أبو داود قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عبد الملك بن أبي عيينة ، قال : أخبرنا الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن بريدة ، قال : خرجت مع علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ إلى اليمن فرأيت منه جفوة ، فقدمت على النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ، فذكرت عليا ـ رضي‌الله‌عنه ـ فتنقصته ، فجعل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ يتغيّر وجهه فقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت : بلى يا رسول الله. قال : من كنت مولاه فعلي مولاه » (١).

فما ذكره ابن أبي داود ـ لو ثبت ـ معارض برواية أبيه للحديث ، ومن المسلّم به تقدم والده عليه علما وحفظا وثقة ...

ومن هنا يظهر ما في نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود السجستاني ، كما عن ابن حجر المكي في ( الصواعق ) وكمال الدين الجهرمي في ( البراهين القاطعة ) ونور الدين الحلبي في ( السيرة ) وعبد الحق الدهلوي في ( شرح المشكاة )

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين علي / ٩٤.

٣٢١

والسهارنبوري في ( المرافض ) ... فإنها نسبة باطلة لا أساس لها من الصّحة ...

٦. قال أبو داود : ابني عبد الله كذّاب

ثم إنّ أبا بكر ابن أبي داود قد تكلّم فيه جماعة من كبار الأئمّة والحفاظ المشاهير وغيرهم ... منهم :

ابن صاعد

وابراهيم الاصفهاني

والبغوي وابن أبي عاصم

وابن مندة والأخرم

وابن الجارود والقطّان

والطّبري وابن الفرات

وعلي بن عيسى الوزير

وقال أبوه : « ابني عبد الله كذّاب ».

وقد كفانا ما قال أبوه ...

وإليك النص الكامل لما جاء بترجمته على لسان الحافظ الذهبي حيث قال : « أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، الامام العلاّمة الحافظ شيخ بغداد ، أبو بكر السجستاني صاحب التصانيف ، ولد بسجستان في سنة ٢٣٠ ، روى عن خلق كثير بخراسان والحجاز والعراق ومصر والشام وأصبهان وفارس ، وكان من بحور العلم ، بحيث أن بعضهم فضّله على أبيه. صنّف السنن ، والمصاحف ، وشريعة القاري ، والناسخ والمنسوخ ، والبعث وأشياء. حدّث عنه خلق كثير

٣٢٢

منهم : ابن حبان ، وأبو أحمد الحاكم ، وأبو عمر ابن حيويه وابن المظفر ، وابن شاهين ، والدارقطني وآخرون.

قال الحاكم أبو عبد الله : سمعت ابن أبي داود يقول : حدّثت من حفظي بإصفهان بستة وثلاثين ألفا ، ألزموني الوهم فيها في سبعة أحاديث ، فلمّا انصرفت وجدت في كتابي خمسة منها على ما كنت حدثتهم به.

قال الحافظ أبو محمد الخلاّل : كان ابن أبي داود إمام أهل العراق ، ومن نصب له السلطان المنبر ، وقد كان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه ، ولم يبلغوا في الجلالة والإتقان ما بلغ هو.

أبو ذر الهروي : أنبأ أبو حفص ابن شاهين ، قال : أملى علينا ابن أبي داود وما رأيت بيده كتابا ، إنما كان يملي حفظا ، فكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد دونه بدرجة ابنه أبو يعمر بيده كتاب فيقول له : حديث كذا ، فيسرده من حفظه حتى يأتي على المجلس ، قرأ علينا يوما حديث الفنون من حفظه ، فقام أبو تمام النرسي وقال : لله درّك ما رأيت مثلك إلاّ أن يكون إبراهيم الحربي فقال : كلّما كان يحفظ إبراهيم فأنا أحفظه ، وأنا أعرف النجوم وما كان هو يعرفها.

أبو بكر الخطيب : كان فقيها عالما حافظا.

قلت : وكان رئيسا عزيز النفس مدلا بنفسه سامحه الله.

قال أبو حفص ابن شاهين : أراد الوزير علي بن عيسى أن يصلح بين ابن أبي داود وابن صاعد فجمعهما وحضر أبو عمر القاضي ، فقال الوزير : يا أبا بكر أبو محمد أكبر منك فلو قمت إليه ، فقال : لا أفعل. فقال الوزير : أنت شيخ زيف ، فقال : الشيخ الزيف الكذّاب على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال الوزير : من الكذاب؟ قال : هذا ، ثمّ قام وقال : تتوهم أني أذل لك لأجل رزقي وأنه يصل على يدك؟ والله لا آخذ من يدك شيئا ، قال : فكان الخليفة المقتدر يزن رزقه بيده ويبعث به في طبق على يد الخادم.

قال أبو أحمد الحاكم سمعت أبا بكر يقول : قلت لأبي زرعة الرازي : ألق

٣٢٣

عليّ حديثا غريبا من حديث مالك ، فألقى عليّ حديث وهب بن كيسان عن أسماء لا تحصى فيحصى عليك ، رواه عن عبد الرحمن بن شيبة وهو ضعيف ، فقلت : نحب أن نكتبه عن أحمد بن صالح ، عن عبد الله بن نافع ، عن مالك ، فغضب أبو زرعة وشكاني إلى أبي وقال : أنظر ما يقول لي أبو بكر.

ويروى بإسناد منقطع أن أحمد بن صالح كان يمنع المرد من حضور مجلسه ، فأحب أبو داود أن يسمع ابنه منه ، فشدّ على وجهه لحية وحضر ، فعرف الشيخ فقال : أمثلي يعمل معه هذا؟ فقال أبو داود : لا تنكر علي واجمع ابني مع الكبار ، فإن لم يقاومهم بالمعرفة فأحرمه السماع. حدث بها القاسم ابن السمرقندي ، حدثنا يوسف بن الحسن التفكري ، سمعت الحسن بن علي بن بندار الزّنجاني ، قال : كان أحمد بن صالح يمنع المرد من التحديث تنزّها ، فذكرها وزاد : فاجتمع طائفة فغلبهم الابن بفهمه ، ولم يرو له أحمد بعدها شيئا ، وحصل له الجزء الأول فأنا أرويه.

قلت : بل أكثر عنه.

قال أبو عبد الرحمن السلمي : سألت الدارقطني عن ابن أبي داود فقال : ثقة كثير الخطأ في الكلام على الحديث.

وقد ذكر أبو أحمد ابن عدي أبا بكر في كامله وقال : لو لا أنا شرطنا أنّ كلّ من تكلّم فيه ذكرناه لما ذكرت ابن أبي داود ، قال : وقد تكلّم فيه : أبوه وابراهيم بن اورمة ، ونسب في الابتداء إلى شيء من النصب ، ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط ، ثم ردّه الوزير علي بن عيسى فحدّث وأظهر فضائل علي ـ رضي‌الله‌عنه ثم تحنبل فصار شيخا فيهم ، وهو مقبول عند أصحاب الحديث ، وأما كلام أبيه فيه فلا أدري أيش تبين له منه. وسمعت عبدان يقول : سمعت أبا داود يقول : من البلاء أن عبد الله يطلب القضاء.

ابن عدي : أنبأ علي بن عبد الله الداهري ، سمعت أحمد بن محمد بن عمرو كركره ، سمعت علي بن الحسين الجنيد ، سمعت أبا داود يقول : ابني عبد الله

٣٢٤

كذّاب.

قال ابن صاعد : كفانا ما قال فيه أبوه.

ابن عدي : سمعت موسى بن القاسم بن الأسلت يقول : حدثني أبو بكر : سمعت إبراهيم الاصفهاني يقول : أبو بكر بن أبي داود كذّاب.

ابن عدي : سمعت أبا القاسم البغوي ـ وقد كتب اليه أبو بكر بن أبي داود رقعة يسأله عن لفظ حديث لجدّه ، فلما قرأ رقعته قال : أنت والله منسلخ من العلم.

قال : وسمعت محمد بن الضحاك بن عمرو بن أبي عاصم يقول : أشهد على محمد بن يحيى بن مندة بين يدي الله تعالى أنه قال : أشهد على أبي بكر بن أبي داود بين يدي الله أنه قال : روى الزهري عن عروة قال : حفيت أظافير فلان من كثرة ما كان يتسلّق على أزواج النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ.

قلت : هذا باطل وإفك مبين ، واين إسناده إلى الزهري؟ ثم هو مرسل ، ثم لا يسمع قول العدو في عدوه ، وما أعتقده أن هذا صدر عن عروة أصلا ، وابن أبي داود إن كان حكى هذا فهو خفيف الرأس ، ولقد بقي بينه وبين ضرب العنق شبر ، لكونه تفوّه بمثل هذا البهتان ، فقام معه وشدّ متنه رئيس أصبهان محمد بن عبد الله بن حفص الهمداني الذكواني وخلّصه من أبي ليلى أمير أصبهان ، وكان انتدب له بعض العلوية خصما ونسبت إلى أبي بكر المقالة ، وأقام عليه الشهادة محمد بن يحيى بن مندة الحافظ ، ومحمد بن العباس الأخرم ، وأحمد بن علي بن الجارود ، واشتد الخطب ، وأمر أبو ليلى بقتله ، فوثب الذكواني وجرح الشهود مع جلالتهم ، فنسب ابن مندة إلى العقوق ، ونسب أحمد الى أنه يأكل الربا ، وتكلم في آخر ، وكان الهمداني الذكواني كبير الشأن ، فقام وأخذ بيد أبي بكر وخرج به من الموت ، فكان أبو بكر يدعو له طول حياته ويدعو على أولئك الشهود. حكاها أبو نعيم الحافظ ثم قال : فاستجيب له فيهم منهم من احترق ، ومنهم من خلط وفقد عقله.

٣٢٥

قال أحمد بن يوسف الأزرق : سمعت أبا بكر بن أبي داود يقول : كل الناس مني في حل إلاّ من رماني ببغض علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال الحافظ ابن عدي : كان في الابتداء ينسب إلى شيء من النصب ، فنفاه ابن الفرات من بغداد فردّه ابن عيسى فحدّث وأظهر فضائل علي ، ثم تحنبل فصار شيخا فيهم.

قلت : كان شهما قوي النفس ، وقع بينه وبين ابن جرير وابن صاعد وبين الوزير الذي قرّبه » (١).

أقول : في هذه الترجمة فوائد :

الأولى : أن ابن أبي داود كان مدلا بنفسه ومتكبرا ، شيخا زيفا ... وهذه صفات ذميمة كما لا يخفى على ناظر كتاب ( إحياء علوم الدين ) وغيره.

الثانية : أنه كان ناصبيا معاديا لأمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، وقد روى حديثا لا يرويه إلاّ من كان كذلك.

الثالثة : أنه كان كثير الخطأ في الكلام على الحديث ، كما قال الحافظ الدار قطني ، وقد نقله عنه الذهبي في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ) أيضا.

الرابعة : أنه قد تكلّم فيه جماعة من كبار الأئمّة منهم أبوه.

الخامسة : أنه كان كذّابا كما قال أبوه وابراهيم الاصفهاني.

السادسة : أنه كان مسلخا من العلم كما قال البغوي.

ترجمة ابن صاعد

وابن صاعد البغدادي القائل : « كفانا ما قال فيه أبوه » من كبار الحفّاظ الثقات ، وقد أنثى عليه كلّ من ترجم له ، فقد قال الحافظ الذهبي في حوادث سنة ٣١٨ :

« وفيها يحيى بن محمد بن صاعد ، الحافظ الحجة ، أبو محمد البغدادي مولى

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٢٩.

٣٢٦

بني هاشم ، في ذي القعدة وله تسعون سنة ، عني بالأثر وجمع وصنّف وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز ، وروى عن مطين وطبقته.

وقال أبو علي النيسابوري : لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد في فهمه ، والفهم عندنا أجلّ من الحفظ ، وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ » (١).

وقال أيضا :

« حافظ بغداد يحيى بن محمد بن صاعد ، وله تسعون سنة ، قال أبو علي النيسابوري : هو عندنا فوق ابن أبي داود في الفهم والحفظ » (٢).

وكذا قال اليافعي في تاريخه ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ) في حوادث السنّة المذكورة.

ترجمة إبراهيم الاصفهاني

وإبراهيم الاصفهاني الذي قال : « أبو بكر بن أبي داود كذّاب » من كبار الحفاظ كذلك ، قال السمعاني :

« وأمّا أبو إسحاق إبراهيم بن أورمة بن سادس بن فروخ الحافظ الاصفهاني كان حافظا مكثرا من الحديث ، وكان يتعبّد ببغداد ...

روى عنه : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، وإسماعيل بن أحمد ابن أصيب ، ومحمد بن يحيى وغيرهم وتوفي ببغداد سنة ٢٧١. » (٣).

وقال الذهبي في حوادث سنة ٢٦٦ :

« وفيها مات إبراهيم بن أورمة أبو إسحاق الاصفهاني الحافظ أحد أذكياء

__________________

(١) العبر : حوادث سنة ٣١٨.

(٢) دول الإسلام : حوادث سنة ٣١٨.

(٣) الأنساب : الاصبهاني.

٣٢٧

المحدثين ... » (١).

وقال الذهبي أيضا :

« ابراهيم بن أورمة الإمام الحافظ البارع أبو إسحاق الاصبهاني مفيد الجماعة ببغداد ... قال الدارقطني : هو ثقة حافظ نبيل. وقال أبو الحسين ابن المنادي : ما رأينا في معناه مثله ، وكان ينتخب على عباس الدوري. وقال أبو نعيم الحافظ : فاق إبراهيم أورمة أهل عصره في المعرفة والحفظ ، وأقام بالعراق يكتبون عنه مدة بقائه.

قلت : لم ينتشر حديثه ، لأنّه مات قبل محل الرواية ... » (٢).

وهكذا ترجم له كلّ من :

الحافظ السيوطي في ( طبقات الحفاظ ).

واليافعي في ( مرآة الجنان وعبرة اليقظان ).

ترجمة البغوي

والبغوي الذي قال لما قرأ رقعة ابن أبي داود إليه : « أنت والله منسلخ من العلم » من كبار الحفاظ كذلك ، قال السمعاني بترجمته ما ملخصه :

« وكان محدث العراق في عصره ، عمّر العمر الطويل حتى رحل الناس إليه وكتبوا عنه ، وكان ثقة مكثرا ، فهما عارفا بالحديث ، سمع أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وعلي بن الجعد وخلف بن هشام ومحمد بن عبد الوهاب الحارثي.

روى عنه : يحيى بن محمد بن صاعد ، وعلي بن إسحاق البحري ، وابن قانع ، وحبيب بن الحسن القزاز ، وأبو بكر الجعابي ، وابن حبان ، وابن عدي وأبو بكر الاسماعيلي ، وأبو القاسم الطبراني ، وابن المقرئ ، والدارقطني ، ومحمد بن

__________________

(١) العبر : حوادث سنة ٢٦٦.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ / ١٤٥.

٣٢٨

المظفر ، وخلق كثير سوى هؤلاء.

قال أبو الحسن الدارقطني : كان أبو القاسم ابن منيع قل ما يتكلّم على الحديث فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في الساج.

وكانت ولادته سنة ٢١٣. ومات سنة ٣١٧ » (١).

وقال الذهبي في حوادث سنة ٣١٧ ما ملخصه :

« وكان محدثا حافظا مجودا مصنفا ، انتهى إليه علو الاسناد في الدنيا » (٢).

وقال الذهبي أيضا في حوادث السنة المذكورة.

« وفيها مات مسند الدنيا المعمّر الحافظ المصنف ، أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي ببغداد ليلة الفطر ، وعمر مائة وأربع سنين » (٣).

وقال السيوطي : « البغوي الحافظ الكبير الثقة ، مسند العالم ، أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز بن المرزبان البغوي الأصل البغدادي ، ابن بنت أحمد ابن منيع ، ولد في رمضان سنة ٢١٣ ، وسمع ابن الجعد ، وأحمد ، وابن المديني وخلقا ، وصنف : معجم الصحابة ، والجعديات. وطال عمره وتفرّد في الدنيا.

قال ابن أبي حاتم : أبو القاسم يدخل في الصحيح. وقال الدارقطني : كان قلّ أن يتكلّم على الحديث ، فإذا تكلّم كان كلامه كالمسمار في الساج ، ثقة جليل إمام ، أقل المشايخ خطأ. وقال الخطيب : حافظ عارف.

توفي ليلة عيد الفطر سنة ٣١٧ عن مائة وثلاث سنين » (٤).

__________________

(١) الأنساب ـ البغوي.

(٢) العبر ـ حوادث سنة ٣١٧.

(٣) دول الإسلام ـ حوادث سنة ٣١٧. ٢ / ٨٦. ١٣ / ٣٦٤. ١٣ / ٣٦١. ١٣ / ٣٦٩.

(٤) طبقات الحفاظ / ٣١٢ ، وتاريخ الوفاة فيه : ٢١٤. وفيه بدل « الخطيب » ، « الخليلي ».

٣٢٩

الشهود على روايته الحديث الموضوع

وأمّا قصة الحديث الذي ذكره الذهبي ثم قال : « هذا باطل وإفك مبين » والذي كاد ابن أبي داود يقتل بسببه ، فإن المقصود من « فلان » فيه ، هو « أمير المؤمنين علي عليه‌السلام »!! وقد شهد على تفوّه ابن أبي داود بهذا الإفك المبين والبهتان العظيم ثلاثة من كبار الحفاظ :

١ ـ محمد بن يحيى بن مندة.

٢ ـ محمد بن العباس أبو جعفر الأخرم.

٣ ـ أحمد بن علي بن الجارود.

ترجمة ابن مندة

وابن مندة ذكره الحافظ الذهبي في حوادث سنة ٣٠١ قائلا : « وفيها محمد ابن يحيى بن مندة الحافظ الإمام أبو عبد الله الاصفهاني جد الحافظ الكبير محمد ابن إسحاق بن مندة ، روى عن لوين وأبي كريب وخلق.

قال أبو الشيخ : كاد أستاذ شيوخنا وإمامهم. وقيل : إنه كان يجاري أحمد ابن الفرات الرازي وينازعه » (١).

وكذا قال اليافعي بترجمته من تاريخه (٢).

وقال الصلاح الصفدي : « محمد بن يحيى بن مندة ـ الحافظ المشهور أبو عبد الله صاحب تاريخ أصبهان ، كان أحد الحفاظ الثقات ، وهو من أهل بيت كبير خرج منهم جماعة من العلماء لم يكونوا عبديين ، وإنما أم الحافظ أبي عبد الله المذكور كانت من عبد ياليل ... » (٣)

__________________

(١) العبر ـ حوادث سنة ٣٠١.

(٢) مرآة الجنان : حوادث سنة ٣٠١.

(٣) الوافي بالوفيات ٥ / ١٨٩.

٣٣٠

وترجم له السيوطي في طبقاته ووصفه بالحافظ الرحّال (١).

ترجمة الأخرم

وقال السيوطي بترجمة أبي جعفر الأخرم :

« ابن الأخرم الحافظ الامام أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب الاصبهاني ثقة محدّث حافظ. مات سنة ٣٠١ » (٢).

وقال الذهبي في حوادث السنة المذكورة :

« وفيها الحافظ أبو جعفر محمد بن العباس بن الأخرم الاصفهاني الفقيه ، روى عن أبي كريب وخلق » (٣).

الطبري وابن أبي داود

وكما ثبت نصب ابن أبي داود وعداوته لأمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ من كلام هؤلاء الأعلام وشهادتهم ، كذلك ثبت من كلام محمد بن جرير الطبري فقد قال الحافظ الذهبي ما نصه : « وقال محمد بن عبد الله القطّان : كنت عند محمد بن جرير ، فقال رجل : ابن أبي داود يقرأ على الناس فضائل علي ـ رضي‌الله‌عنه ـ فقال ابن جرير : تكبيرة من حارس » (٤).

وذكر الذهبي كلام الطبري هذا في ( سير أعلام النبلاء ) أيضا إلاّ أنّه تعقّبه هناك بقوله : « قلت : لا يسمع هذا من ابن جرير للعداوة الواقعة بين الشيخين ».

أقول : ولكن ابن جرير ـ صاحب المذهب المستقل والامام المعتمد لدى أهل السنة قاطبة ، حتى لقد فضّله وقدّمه ابن تيمية في منهاجه على الإمامين

__________________

(١) طبقات الحفاظ : ٣١٣.

(٢) طبقات الحفاظ : ٣١٥.

(٣) العبر ـ حوادث سنة ٣٠٢.

(٤) ميزان الاعتدال ٢ / ٤٣٣.

٣٣١

العسكريين عليهما‌السلام ، كما قد اعتمد عليه الذهبي نفسه في أمور مهمة جدا ـ أجل من أن يطعن في رجل وينسبه إلى أمر فظيع ومذهب شنيع تبعا لهواه وبدافع العداوة والبغضاء.

دفاع الذهبي

ثم إن الذهبي شكك في تكلّم أبي داود في ابنه وحاول توجيهه ، فقال بعد كلامه السابق :

« قلت : لعل قول أبيه فيه ـ إن صح ـ أراد الكذب في لهجته لا في الحديث وأنه حجة فيما ينقله ، أو كان يكذب ويورّي في كلامه. ومن زعم أنه لا يكذب فهو أرعن ، نسأل الله تعالى السلامة من عثرة السيئات.

ثم إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى ... ».

أقول : لكن هذا التشكيك مندفع بما نقله هو في ( ميزان الاعتدال ) عن ابن عدي وابن صاعد.

وأما تأويله ، فنقول : إن لم يكن ابن أبي داود كاذبا في حديثه وفيما ينقله ـ على ما زعم ـ فإنّ مجرد كذبه في لهجته يكفي لاثبات فسقه وعدم جواز الاعتماد على روايته.

ثم إن التورية ، إن كانت جائزة فالقول بأنّه « كذب » غير صحيح ، وإن لم تكن جائزة فلا جدوى لهذا التأويل ، إذ تكون التورية والكذب حينئذ على حد سواء.

وأمّا قوله : « ثمّ إنه شاخ وارعوى ولزم الصدق والتقى » فاعتراف منه بكونه « كاذبا » ومرتكبا لهذه الصفة القبيحة والذنب الكبير ...

هذا ، وكأن الذهبي قد شعر بعدم ترتب فائدة على هذه التأولات ، فلم يذكرها بترجمة ابن أبي داود في ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال ).

كما لم يتعرّض الحافظ ابن حجر في ( لسان الميزان ) للذبّ عن ابن أبي داود

٣٣٢

بهذه الوجوه السخيفة.

والجدير بالذكر اعتراف الذهبي برداءة بعض عبارات ابن أبي داود ، ونحوسة بعض كلماته بالنسبة إلى فضيلة من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهو « حديث الطير » ... فقد قال في ( سير أعلام النبلاء ).

« قال أبو أحمد ابن عدي : سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول : سألت ابن أبي داود عن حديث الطير فقال : إن صح حديث الطير ، فنبوة النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ باطلة ، لأنّه حكى عن حاجب النبي صلّى الله عليه وسلّم خيانة ـ يعني أنسا ـ وحاجب النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يكون خائنا.

قلت : هذه عبارة ردية وكلام نحس ، بل نبوة محمد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ حق قطعي إن صح خبر الطير وإن لا يصح ، وما وجه الارتباط؟

هذا أنس قد خدم النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قبل جريان القلم ، فيجوز أن تكون قصة الطائر في تلك المدة ، فرضنا أنه كان محتلما ، ما هو بمعصوم من الخيانة ، بل فعل هذه الخيانة متأوّلا ، ثم إنه حبس عليا عن الدخول كما قيل ، فكان ما ذا؟ والدعوة النبوية قد نفذت واستجيبت ، فلو حبسه أو ردّه مرّات ما بقي يتصوّر أن يدخل ويأكل مع المصطفى سواه ، أللهمّ أن يكون النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قصد بقوله : « ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي » عددا من الخيار يصدق على مجموعهم أنهم أحبّ الناس إلى الله ، فنقول : الصدّيقون والأنبياء ، فيقال : فمن أحب الأنبياء كلهم إلى الله تعالى؟ فنقول : محمد وإبراهيم وموسى ، والخطب في ذلك يسير.

وأبو لبابة ـ مع جلالته ـ بدت منه خيانة ، حيث أشار لبني قريظة الى خيانة وتاب الله عليه. وحاطب بدت منه خيانة فكاتب قريشا بأمر يخفي به نبي الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من غزوهم. وغفر الله لحاطب مع عظم فعله رضي‌الله‌عنه.

وحديث الطّير ـ على ضعفه ـ فله طرق جمة ، وقد أفردتها في جزء ولم يثبت ،

٣٣٣

ولا أنا بالمعتقد بطلانه ، وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله ، وله على خطئه أجر واحد ، وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ ولا يغلط ولا يسهو ، والرجل فمن كبار علماء الإسلام ، ومن أوثق الحافظ ـ رحمه‌الله تعالى.

قال ابنه عبد الأعلى : توفي أبي وله ست وثمانون سنة وأشهر ».

تكملة

وقد روى ابن أبي داود حديثا موضوعا في فضائل السور وهو يعلم أنّه موضوع ، قال ابن الجوزي بعد أن ذكره وبيّن كونه موضوعا :

« وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف فرّقه ـ يعني هذا الحديث ـ على كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنّه حديث محال.

ولكن شره بذلك جمهور المحدّثين ، فإنّ من عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل ، وهذا قبيح منهم ، لأنّه قد صحّ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين » (١).

وقال السيوطي : « وإنّما عجبت من أبي بكر ابن أبي داود كيف أورده في كتابه الذي صنّفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنّه حديث محال مصنوع بلا شك ، ولكن إنما حمله على ذلك الشره » (٢).

أقول : وكأنّ السيوطي استحيا من أن يذكر الحديث الذي ذكره ابن الجوزي في ذيل كلامه ، فاكتفى بهذا القدر في التشنيع على ابن أبي داود.

ولكن الأحاديث في ذم رواية الأكاذيب مع العلم بكذبها كثيرة ، قال مسلم ابن الحجاج :

« ودلّت السنة على نفي رواية المنكر من الأخبار ، كنحو دلالة القرآن على

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٢٤٠.

(٢) اللئالئ المصنوعة ١ / ٢٢٧.

٣٣٤

نفي خبر الفاسق ، وهو الأثر المشهور عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.

وأيضا فيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ :

كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكلّ ما سمع » (١).

وقال النووي ـ بشرح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ « من كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار » ـ :

« فيه تحريم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعا أو غلب على ظنه وضعه. فمن روى حديثا علم أو ظنّ وضعه فهو داخل في هذا الوعيد ، مدرج [ مندرج ] في جملة الكاذبين على رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ويدل عليه أيضا الحديث السابق : من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين » (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٧.

(٢) المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج ١ / ١٠٠.

٣٣٥
٣٣٦

(٦)

عدم رواية أبي حاتم حديث الغدير

٣٣٧
٣٣٨

وأمّا تمسك الرازي بعدم إخراج أبي حاتم حديث الغدير ، أو قدحه فيه ، فالجواب عنه بوجوه :

١. أبو حاتم متعنت

إن قدح أبي حاتم في حديث الغدير ـ إن ثبت ـ دليل آخر من أدلة تعنّته في الرجال ، وبرهان على عداوته لأمير المؤمنين ـ عليه الصلاة والسلام ـ وتعصّبه الشّديد تجاه فضائله ومناقبه الثابتة بالتواتر ...

ولقد نص على تعنّت أبي حاتم ، وأنه كان كثير الجرح في الرواة بدون تورّع وبغير دليل ، جميع علماء الرجال وأئمّة الجرح والتعديل ... وإليك بعض الشواهد على ذلك :

قال الذهبي بترجمة أبي حاتم : « إذا وثّق أبو حاتم رجلا فتمسك بقوله ، فإنه لا يوثق إلاّ رجلا صحيح الحديث ، وإذا ليّن رجلا أو قال فيه : لا نحتج به فلا ، توقّف حتى ترى ما قال غيره فيه ، وإن وثّقه أحد فلا تبن على تجريح أبي حاتم ، فإنه متعنّت في الرجال ، قد قال في طائفة من رجال الصحاح : ليس بحجة ، ليس بقوي ، أو نحو ذلك » (١).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٦٠.

٣٣٩

وقال الذهبي بترجمة أبي زرعة الرازي : « يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل يبين عليه الورع والخبرة ، بخلاف رفيقه أبي حاتم فإنّه جراح » (١).

وقال الذهبي بترجمة أبي ثور الكلبي : « إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي ، أحد الفقهاء الأعلام ، وثّقه النسائي والناس ، وأما أبو حاتم فتعنت وقال : يتكلّم بالرأي فيخطئ ويصيب ، ليس محلّه محلّ المستمعين في الحديث. فهذا غلو من أبي حاتم سامحه الله.

وقد سمع أبو ثور من سفيان بن عيينة ، وتفقه على الشافعي وغيره ، وقد روي عن أحمد بن حنبل أنه قال : هو عندي في مسلاخ سفيان الثوري.

قلت : مات سنة ٢٤٠ ببغداد وقد شاخ » (٢).

٢. أبو حاتم ممّن قدح في البخاري

لقد تقدّم سابقا أنّ أبا حاتم الرازي من جملة المحدّثين الذين طعنوا وقدحوا في محمّد بن إسماعيل البخاري وكتابه المعروف بالصّحيح ، فمن العجيب ذكر الرازي إيّاه فيمن قدح في حديث الغدير ، لا سيّما مع ثبوت كونه جرّاحا متعنّتا ، وأنّه كان كثير الجرح والقدح في الرجال من غير دليل.

وإذا كان جمهور أهل السنة لا يعبئون بقدحه في البخاري ، فإن الشيعة والمنصفين من العلماء لا يعبئون بقدحه في هذا الحديث ، ولا يصغون إلى اعتماد الفخر الرازي على ذلك ، فإنه ليس إلاّ تعنتا وتعصبا مقيتا ...

بل لقد نقل عن بعضهم اللعنة على من تكلّم في البخاري فقد قال السبكي : « وقال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف : محمد بن إسماعيل أعلم بالحديث من إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وغيرهما بعشرين درجة ، ومن

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٨١.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٢٩.

٣٤٠