السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦
مروياتهما على مرويّات الأئمّة الآخرين ، قول لا يعتد به ولا يقتدى ، بل هو من تحكّماتهم الصرفة ، كيف لا وأن الأصحيّة من تلقاء عدالة الرواة وقوة ضبطهم ، وإذا كان رواة غيرهم عادلين ضابطين ، فهما وغيرهما على السواء ، لا سبيل للحكم بمزيتهما على غيرهما ، إلاّ تحكّما ، والتحكّم لا يلتفت اليه. فافهم » (١).
__________________
(١) فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت ٢ / ١٢٣ هامش المس؟؟؟.
أحاديث من الصحيحين في الميزان
هذا ، وإنّ في كتابي البخاري ومسلم ، أحاديث كثيرة تكلّم فيها أئمّة الحديث وكبار الحفّاظ الثقات ... ونحن ننقل هنا نصوص طائفة من تلك الأحاديث بأسانيدها ، وكلمات أعلام الحديث المحقّقين حولها ، على سبيل التمثيل ... لا الحصر ... لنقف على حقيقة ما اشتهر بينهم من تلقيّ أهل السنّة أحاديث الكتابين بالقبول ، وما قيل من تقديم مرويّاتهما على مرويّات غيرهما ... ونرى أن ذلك ـ في الحقيقة ـ ليس إلاّ تحكّما صرفا ، وبهتا واضحا ، ودعوى فارغة ...
الحديث الأول
أخرج البخاري في كتاب الطب قائلا : « حدثنا سيدان بن مضارب أبو محمد الباهلي قال : حدثنا أبو معشر يوسف بن يزيد البراء ، قال : حدثني عبيد الله ابن الأخنس أبو مالك ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : إنّ نفرا من أصحاب رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مرّوا بماء [ و ] فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل السماء ، فقال : هل فيكم من راق؟ إن في الماء رجلا لديغا أو سليما.
فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ ، فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك [ و ] قالوا : أخذت على كتاب الله أجرا ، حتى قدموا المدينة ، فقالوا : يا رسول الله! أخذ على كتاب الله أجرا ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : إنّ أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله » (١).
ابن الجوزي وهذا الحديث
وقد أورده الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات قائلا : « قال ابن عدي : روى عمرو بن المحرم البصري ، عن ثابت الحفار ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : سألت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن كسب المعلّمين فقال : إنّ أحقّ ما أخذ عليه الأجر كتاب الله.
قال ابن عدي : لعمرو أحاديث مناكير ، وثابت لا يعرف ، والحديث منكر » (٢).
ترجمة ابن الجوزي
وقد ترجم ابن خلكان لابن الجوزي بقوله : « الفقيه الحنبلي الواعظ ، الملقب جمال الدين الحافظ ، كان علامة عصره وإمام وقته في الحديث وصناعة الحفظ ، صنّف في فنون عديدة ، منها : زاد المسير في علم التفسير ، أربعة أجزاء أتى فيه بأشياء غريبة ، وله في الحديث تصانيف كثيرة ، وله المنتظم في التاريخ وهو كبير ، وله الموضوعات في أربعة أجزاء ذكر فيها كل حديث موضوع ، وله تلقيح فهوم الأثر على وضع كتاب المعارف لابن قتيبة » (٣).
وترجم له الحافظ الذهبي بقوله : « وابو الفرج ابن الجوزي ، الحافظ الكبير
__________________
(١) صحيح البخاري ٧ / ١٧٠.
(٢) الموضوعات ١ / ٢٢٩.
(٣) وفيات الأعيان ٢ / ٣٢١.
جمال الدين الحنبلي الواعظ المتقن ، صاحب التصانيف الكبيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك » (١).
وقال الحافظ السيوطي ما ملخّصه : « ابن الجوزي الامام العلاّمة الحافظ عالم العراق وواعظ الآفاق ، صاحب التصانيف السائرة في فنون ، قال الذهبي في التاريخ الكبير : لا يوصف ابن الجوزي بالحفظ عندنا باعتبار الصنعة بل باعتبار كثرة اطّلاعه وجمعه » (٢).
ووصفه الخوارزمي بـ : « إمام أئمة التحقيق » (٣).
واليافعي عند الذب عن أحمد بن حنبل بـ « الإمام » (٤).
كما اعتمده كبار علمائهم في الحديث والكلام ، فقد اعتمده ابن تيمية في مواضع في كتابه ، منها في ردّ حديث ردّ الشمس ، وحديث : أنت أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني.
وابن روزبهان في ردّ حديث النور.
وابن حجر المكي في تكلّمه على حديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها.
و ( الدهلوي ) في رد حديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها.
والمولوي حيدر علي في ( إزالة الغين ) معبّرا عنه بـ « سند المحدثين والمنقدين ».
الحديث الثاني
وهو الحديث الذي أورده الحافظ ابن حزم عن البخاري ، وأبطله سندا
__________________
(١) العبر ـ حوادث سنة ٥٩٧.
(٢) طبقات الحفاظ / ٤٧٧.
(٣) جامع مسانيد أبي حنيفة : ٢٨.
(٤) مرآة الجنان ، حوادث سنة ٥٩٧.
ودلالة ، وهذا نص كلامه في كتابه ( المحلى ) :
« ومن طريق البخاري : قال هشام بن عمار ، نا صدقة بن خالد نا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، نا عطية بن قيس الكابلي ، نا عبد الرحمن بن غنم الأشعري ، حدثني أبو عامر وأبو مالك الأشعري ـ والله ما كذبني ـ أنه سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ـ يقول : ليكونن من أمتي قوم يستحلّون الخزّ والخنزير والخمر والمعازف.
وهذا منقطع ، لم يتصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد ، ولا يصح في هذا الباب شيء أبدا ، وكل ما فيه موضوع ».
ترجمة الحافظ ابن حزم
والحافظ ابن حزم ـ وإن كان ممقوتا لدى كثير من علمائهم ولا سيّما المعاصرين له منهم ـ مذكور في معاجم التراجم وكتب الرجال مع التعظيم والإجلال ... فقد ذكره الحافظ الذهبي بقوله :
« وأبو محمد ابن حزم ، العلامة ، صاحب المصنفات ، مات مشرّدا عن بلده من قبل الدولة ، ببادية بقرية له ، ليومين بقيا من شعبان عن اثنتين وسبعين سنة.
وكان إليه المنتهى في الذّكاء وحدّة الذهن ، وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنحل والعربية والآداب والمنطق والشعر ، مع الصدق والأمانة والديانة والحشمة والسؤدد والرئاسة والثروة وكثرة الكتب. قال الغزالي : وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لابي محمد بن حزم ، يدل على عظم حفظه وسيلان ذهنه. وقال ابن صاعد في تاريخه : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة ، مع توسّعه في علم اللّسان والبلاغة والشعر والسّير والأخبار ، أخبرني ابنه الفضل أنّه اجتمع عنده من تأليفه نحو أربعمائة مجلد » (١).
وقال السيوطي : « ابن حزم ، الامامة العلامة ، الحافظ الفقيه ، أبو محمد ،
__________________
(١) العبر في خبر من غبر ، حوادث سنة ٤٥٦.
كان أولا شافعيا ، ثم تحوّل ظاهريا ، وكان صاحب فنون وورع وزهد ، وإليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم ، أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام وأوسعهم معرفة ، مع توسّعه في علوم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار ... » (١).
وقال الشيخ محي الدين ابن عربي : « رأيت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وقد عانق أبا محمد ابن حزم المحدّث ، فغاب الواحد في الآخر ، فلم يزالا واحدا هو ورسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ، فهذا غاية الوصلة وهو المعبّر عنه بالاتحاد » (٢).
وقد وصفه الأدفوي بـ « الحافظ » واعتمده في مسألة ضرب العود (٣).
وذكر ( الدهلوي ) : ان ابن حزم من علماء أهل السنة الذين يدفعون المطاعن عن أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ (٤).
وسيأتي : أن ابن تيمية يعتمد على كلام ابن حزم في حصر فضائل الامام ـ عليهالسلام ـ في الأحاديث التالية :
أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.
و: سأعطين الرّاية غدا رجلا ...
و: إنّ عليّا لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق.
وسيأتي أيضا : أن ابن حزم يذهب إلى القول بوضع سائر الأحاديث التي يتمسك بها الامامية في إثبات إمامة علي ـ عليهالسلام ـ ، ... كما نقل عنه ابن تيمية القدح في حديث الغدير.
فابن حزم عندهم ، من كبار الحفّاظ الذين يعتمدون على كلامهم في
__________________
(١) طبقات الحفّاظ / ٤٣٦.
(٢) الفتوحات ، الباب ٢٢٣ : ٢ / ٥١٩.
(٣) الإمتاع في أحكام السماع ، في مسألة ضرب العود.
(٤) التحفة الاثنا عشرية ، باب الامامة : ١٧٣.
كتبهم ، إلاّ أن كثيرا منهم مقتوه لآراء له بعيدة عن الصواب ومخالفة للمشهور بين جمهور العلماء ، ولذلك نهوا الناس عن اتباعه وتقليده والأخذ بأقواله ...
الحديث الثالث
ما أخرجه البخاري قائلا : « حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن يزيد ، عن عراك ، عن عروة : أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ خطب عائشة إلى أبي بكر ، فقال له أبو بكر : إنما أنا أخوك. فقال : أنت أخي في دين الله وكتابه ، وهي لي حلال » (١).
مغلطاي وهذا الحديث
وقد تكلّم الحافظ مغلطاي بن قليج في صحة هذا الحديث ، قال الحافظ ابن حجر ما نصه :
« وقال مغلطاي : في صحة هذا الحديث نظر ، لأن الخلة لأبي بكر إنما كانت بالمدينة ، وخطبة عائشة كانت بمكة ، فكيف يلتئم قول : إنما أنا أخوك؟
وأيضا : فالنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ما باشر الخطبة بنفسه ، كما أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عائشة أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أرسل خولة بنت حكيم إلى أبي بكر يخطب عائشة ، فقال لها أبو بكر : هل تصلح له ، إنما هي بنت أخيه؟ فرجعت فذكرت ذلك للنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فقال : ارجعي فقولي له : أنت أخي في الإسلام ، وابنتك تصلح لي ، فأتت أبا بكر فذكرت ذلك له ، فقال : ادعي رسول الله ، فجاء فأنكحه » (٢).
__________________
(١) صحيح البخاري ٧ / ٦.
(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١١ / ٢٦.
ترجمة الحافظ مغلطاي
وقد ذكر الحافظ السيوطي الحافظ مغلطاي وترجم له قائلا : « مغلطاي بن قليج بن عبد الله ، الحنفي الامام الحافظ علاء الدين ، ولد سنة ٦٨٩ ، وسمع من الدبوسي والختني [ وخلائق ] ، ووليّ تدريس الحديث بالظّاهرية بعد ابن سيد الناس وغيرها ، وله مآخذ على المحدّثين وأهل اللغة. قال العراقي : كان عارفا بالأنساب معرفة جيّدة ، وأما غيرها من متعلّقات الحديث فله بها خبرة متوسّطة.
وتصانيفه أكثر من مائة ، منها شرح البخاري وشرح ابن ماجة لم يكمل ، وقد شرعت في إتمامه ، وشرح ابن أبي داود لم يتم ، وجمع أوهام التهذيب وأوهام الأطراف ، وذيل على التهذيب ، وذيل على المؤتلف والمختلف لابن نقطة ، والزّهر الباسم في السّيرة ، ورتّب المبهمات على الأبواب ، ورتّب بيان الواهي [ الوهم ] لابن القطان ، وخرّج رواية [ زوائد ] ابن حبّان على الصحيحين. مات في رابع عشر في شعبان سنة ٧٦٢ » (١).
وقال أيضا : « مغلطاي بن قليج الحنفي الامام الحافظ علاء الدّين ، ولد سنة ٦٨٩ ، وكان حافظا عارفا بفنون الحديث علاّمة في الأنساب ، وله أكثر من مائة تصنيف ... » (٢).
وكذا قال الزرقاني المالكي حيث ذكره (٣).
وقال ابن قطلوبغا بترجمته : « مغلطاي بن قليج علاء الدين البكحري ، إمام وقته وحافظ عصره ... » (٤).
أقول : وردّ الحافظ ابن حجر كلام الحافظ مغلطاي بقوله : « قلت :
__________________
(١) طبقات الحفاظ : ٥٣٤.
(٢) حسن المحاضرة ١ / ٣٥٩.
(٣) شرح المواهب اللدنية ١ / ١٢٧.
(٤) طبقات الحنفية ـ تاج التراجم : ٧٧.
اعتراضه الثاني يردّ اعتراضه الأول ... » لو سلّم لا يضرّ بما نحن بصدده ، كما لا يخفى.
الحديث الرابع
ما أخرجه البخاري حول شفاعة الخليل ابراهيم ـ عليهالسلام ـ لأبيه من كتاب التفسير ، قائلا :
« حدّثنا إسماعيل ، قال : حدّثنا أخي ، عن ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة عن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب إنك وعدتني ألاّ تخزيني يوم يبعثون ، فيقول الله : إنّي حرّمت الجنة على الكافرين » (١).
الحافظ الاسماعيلي وهذا الحديث
وقد طعن الحافظ الاسماعيلي في صحة هذا الحديث ... قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بشرحه : « وقد استشكل الاسماعيلي هذا الحديث من أصله وطعن في صحته ، فقال بعد أن أخرجه : هذا خبر في صحته نظر ، من جهة أنّ ابراهيم عالم [ علم ] أن الله لا يخلف الميعاد ، فكيف يجعل ما يأتيه [ صار لأبيه ] خزيا [ له ] مع علمه بذلك؟
وقال غيره : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : ( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ).
ثم جعل ابن حجر يرد على هذا الاشكال مصححا الحديث (٢) ، ولكن ذلك
__________________
(١) صحيح البخاري ٦ / ١٣٩.
(٢) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري ٨ / ٤٠٦.
لا ينافي ما نحن بصدده ، كما تقدم.
ترجمة الحافظ الاسماعيلي
وقد ترجم السمعاني للحافظ الاسماعيلي ، فقال ما ملخصه : « إمام أهل جرجان والمرجوع اليه في الحديث والفقه ، رحل إلى العراق والحجاز وصنّف التّصانيف ، وهو أشهر من أن يذكر ، وكذلك أولاده وأحفاده ، وله وجوه في المذهب مذكورة منظورة ، وروى عنه الأئمّة والحفّاظ.
ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال : الامام أبو بكر الاسماعيلي ، واحد عصره ، وشيخ الفقهاء والمحدّثين ، وأجلّهم في الرئاسة والمروءة والسّخاء ، بلا خلاف بين عقلاء الفريقين من أهل العلم فيه ، وقد كان أقام بنيسابور لسماع الحديث غير مرّة ، وقدمها وهو رئيس جرجان.
وحكى حمزة بن يوسف السهمي ، عن أبي الحسن الدارقطني ، قال : كنت عزمت غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الاسماعيلي فلم أرزق ، وكان الحسن بن علي الحافظ المعروف بابن غلام الزهري بالبصرة يقول : كان الواجب للشيخ أبي بكر أن يصنّف سننا ويختار على حسب اجتهاده ، فإنّه كان يقدر عليه ، لكثرة ما كان كتبه ولغزارة علمه وفهمه وجلالته ، وما كان له أن يتبع كتاب البخاري ، فإنّه كان أجل من أن يتّبع غيره.
قال السّهمي : وكان أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ يحكي جودة قراءته وقال : كان مقدّما في جميع المجالس ، وكان إذا حضر مجلسا لا يقرأ غيره. وكان أبو القاسم البغوي يقول : ما رأيت أقرأ من أبي بكر الجرجاني » (١).
وقال اليافعي : « وفيها الامام الجامع الحبر النافع ، ذو التصانيف الكبار في الفقه والأخبار ، أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني ، الحافظ الفقيه
__________________
(١) الأنساب ـ الاسماعيلي.
الشافعي المعروف بالجرجاني. وكان حجة كثير العلم حسن الدين » (١).
وبمثله قال الحافظ الذهبي (٢).
الحديث الخامس
وهو ما أخرجه البخاري في كتاب الصلح ، حيث قال : « حدثنا مسدد ، ثنا معتمر ، قال : سمعت أبي أنّ أنسا قال : قيل للنبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لو أتيت عبد الله بن أبي ، فانطلق إليه النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وركب حمارا ، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة ، فلما أتاه النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قال : إليك عني ، والله لقد آذاني نتن حمارك. فقال رجل من الأنصار منهم : والله لحمار رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتما ، فغضب لكلّ واحد منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما ).
[ قال أبو عبد الله : هذا مما انتخبت من مسدد قبل أن يجلس ويحدث ] » (٣).
ابن بطال وهذا الحديث
وقد أبطل الامام ابن بطال هذا الحديث ، فقد قال البدر الزركشي ما نصه : « فبلغنا أنها نزلت : وان طائفتان. قال ابن بطال : يستحيل نزولها في قصة عبد الله بن أبي والصحابة ، لأن أصحاب عبد الله ليسوا بمؤمنين وقد تعصّبوا بعد الإسلام في قصة الافك ، وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن
__________________
(١) مرآة الجنان ، حوادث سنة ٣٧١.
(٢) العبر ، حوادث سنة ٣٧١.
(٣) صحيح البخاري ٣ / ٢٣٩.
زيد ـ رضي الله عنهما ـ : أن النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ مر في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين ، وعبدة الأوثان واليهود ، وفيهم عبد الله بن أبي ، وذكر الحديث.
فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه ، وإنّما نزلت في قوم من الأوس والخزرج اختلفوا في حق فاقتتلوا بالعصي والنعال » (١).
ترجمة الزركشي
وقد ترجم الحافظ ابن حجر للبدر الزركشي بقوله : « هو محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي ، ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة ، بتقديم المهملة على الموحدة كما رأيت بخطه في الحديث. وقرأ على جمال الدين الأسنوي وتخرّج به في الفقه ، وسمع من ابن كثير ، وأخذ عن الأذرعي وغيره ، وأقبل على التصنيف ، فكتب بخطه ما لا يحصى لنفسه ولغيره.
ومن تصانيفه : تخريج أحاديث الرافعي في خمس مجلدات ، وخادم الرافعي في عشرين مجلدا ، والتنقيح ، وشرع في شرح كبير على البخاري لخصه من شرح ابن الملقن وزاد فيه كثيرا ، وشرح جمع الجوامع في مجلّدين ، وشرح المنهاج في عشرة ، ومختصره في مجلدين ، والتجريد في أصول الفقه في ثلاث مجلدات ، وغير ذلك. وتخرّج به جماعة. وكان مقبلا على شأنه ، منجمعا عن الناس ، وكان يقول الشعر الوسط.
مات في ثلاث رجب سنة أربعين وتسعين بتقديم المثناة الفوقية وسبعمائة ، رحمة الله تعالى عليه. انتهى » (٢).
وهكذا ترجم له مخاطبنا ( الدهلوي ) (٣).
__________________
(١) التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح : ١٣٣.
(٢) أنباء الغمر ٣ / ١٣٨.
(٣) بستان المحدثين : ٩٩.
الحديث السادس
وهو ما أخرجه البخاري في كتاب التفسير ، حيث قال :
« حدثنا عبيد بن اسماعيل ، عن أبي أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : لمّا توفّي عبد الله بن أبي ، جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فسأله أن يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه فأعطاه ثم سأله أن يصلّي عليه. فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ، فقال : يا رسول الله تصلّي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ، فقال رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ إنّما خيّرني الله فقال : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) وسأزيده على السبعين. قال : إنّه منافق.
قال : فصلّى عليه رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ [ قال : ] فأنزل الله : ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (١).
فأخرجه البخاري في الباب مرة أخرى عن ابن عباس (٢).
وأخرجه في باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين بإسناد آخر ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس ، عن عمر (٣).
كبار الأئمّة وهذا الحديث
ولقد طعن في صحة هذا الحديث ، جماعة من أئمّة علماء أهل السنة ، وهم :
__________________
(١) صحيح البخاري ٦ / ٨٥.
(٢) نفس المصدر ٦ / ٨٥.
(٣) نفس المصدر ٢ / ١٢١.
الامام أبو بكر الباقلاني.
الامام إمام الحرمين الجويني.
الامام أبو حامد الغزالي الطوسي.
الامام الداودي.
وقد ذكر طعن هؤلاء الأئمّة ـ في صحة هذا الحديث المخرج في البخاري ثلاث مرّات ـ الحافظ ابن حجر في شرحه ، حيث قال ما نصه :
« واستشكل فهم التخيير من الآية ، حتى أقدم جماعة من الأكابر على الطعن في صحة هذا الحديث ، مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين وسائر الذين خرّجوا الصحيح على تصحيحه ، وذلك ينادي على منكري صحته بعدم معرفة الحديث وقلّة الاطلاع على طرقه.
قال ابن المنير : مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام ، حتى أنكر القاضي أبو بكر صحة الحديث وقال : لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصلح أن الرسول قاله. انتهى.
ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب : هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها.
وقال إمام الحرمين في مختصره : هذا الحديث غير مخرّج في صحيح. وقال في البرهان : لا يصحّحه أهل الحديث.
وقال الغزالي في المستصفى : الأظهر أن هذا الحديث غير صحيح.
وقال الداودي الشارح : هذا الحديث غير محفوظ.
والسبب في إنكارهم صحته ، ما تقرر عندهم ممّا قدّمناه ، وهو الذي فهمه عمر ـ رضياللهعنه ـ من حمل « أو » على التسوية لما يقتضيه سياق القصة وحمل السبعين على المبالغة ... » (١).
وقال شهاب الدين القسطلاني ، بعد أن نقل كلمات الأئمّة المذكورين :
__________________
(١) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ٨ / ٢٧١.
« وهذا عجيب من هؤلاء الأئمّة ، كيف باحوا بذلك وطعنوا فيه مع كثرة طرقه واتفاق الشيخين على تصحيحه ، بل وسائر الذين خرّجوا في الصحيح وأخرجه النسائي وابن ماجة » (١).
أقول : وقد صرّح الغزالي في مبحث المفهوم بعد كلام طويل ، بأن هذا الحديث كذب قطعا ، وإليك نصّ ما قال : « وأما الشافعي فلم ير التخصيص باللّقب مفهوما ، ولكنّه قال بمفهوم التخصيص بالصّفة والزّمان والمكان والعدد ، وأمثلته لا تخفى ، وضبط القاضي مذهبه بالتخصيص بالصّفة وادّعى اندراج جميع الأقسام تحته ، إذ الفعل لا يناسب المكان والزمان إلاّ لوقوعه فيه وهو كالصفة له. وتمسّك أصحابنا في نصرة مذهب الشافعي بطريقتين مزيّفتين ... الثانية : قولهم : لا بعد في اقتباس العلم من أمور توافرت الصّور فيها على التطابق ، وان كان نقلة الصّور آحادا انحطّوا عن مبلغ التواتر ، كالقطع بشجاعة علي وسماحة حاتم ، وآحاد وقائعها لم ينقلها إلينا إلاّ آحاد الرجال ، وادّعوا مثل ذلك من الصّحابة في المفهوم ، وعدّوا وقائع ... وقوله ـ عليهالسلام ـ في قوله تعالى : ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) ، لأزيدنّ على السبعين.
وهذا مزيّف ... على أنّ ما نقل في آية الاستغفار كذب قطعا ، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة ، فلا يظنّ برسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم الذهول عنه ... » (٢).
الحديث السابع
وهو ما رواه البخاري بعد حديث عن ابن مسعود ، وهذا نصّه :
« حدّثنا محمد بن كثير ، عن سفيان ، قال حدثنا منصور والأعمش ، عن ابن
__________________
(١) إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٧ / ١٤٨.
(٢) المنخول في علم الأصول ٢٠٩ ـ ٢١٢.
أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : أتيت ابن مسعود فقال : إنّ قريشا أبطئوا عن الإسلام ، فدعا عليهم النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ، فجاءه أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمر بصلة الرحم ، إنّ قومك قد هلكوا فادع الله ، فقرأ : ( فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ). الآية. ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله تعالى : ( يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ ) الآية. ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى : ( يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى ) يوم بدر.
قال : « وزاد أسباط عن منصور : فدعا رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ فسقوا الغيث ، فأطبقت عليهم سبعا ، وشكا الناس كثرة المطر. فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانحدرت السحابة عن رأسه ، فسقوا الناس حولهم » (١).
كبار الأئمّة وهذا الحديث
وقد أبطل وغلّط جماعة من كبار أئمّتهم هذه الزيادة عن أسباط وهم :
الامام العلامة قاضي القضاة بدر الدين العيني شارح البخاري.
والامام الداودي.
والامام أبو عبد الملك والامام الدمياطي.
والامام الكرماني.
فقد قال العيني بشرح هذا الحديث : « هذا تعليق ـ يعني زاد أسباط بن نصر ، عن ابن أبي الضحى ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ـ قد وصله البيهقي من رواية علي بن ثابت ، عن أسباط بن نصر ، عن ابن أبي الضحى ، عن مسروق عن ابن مسعود ، قال : لمّا رأى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من الناس
__________________
(١) صحيح البخاري ٢ / ١٣٧.
إدبارا ، فذكر نحو الذي قبله ، وزاد : فجاءه أبو سفيان وأناس من أهل مكّة ، فقالوا : يا محمد إنّك تزعم أنك بعثت رحمة ، وإنّ قومك قد هلكوا ، فادع الله لهم. فدعا رسول الله ـ عليهالسلام ـ فسقوا الغيث. الحديث.
وأسباط ـ بفتح الهمزة وسكون السّين المهملة بعدها الباء الموحّدة وفي آخره الطاء المهملة ـ قال صاحب التّوضيح : أسباط هذا هو : ابن محمد بن عبد الرحمن القاصّ أبو محمد القرشي مولاهم الكوفي ، ضعّفه الكوفيون ، وقال النّسائي ، ليس به بأس ، وثقّه ابن معين.
وقيل : هو ابن نصر وهو الصحيح ، وهو أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف ، ويقال : أبو نصر الكوفي ، وثقّه ابن معين ، وتوقّف فيه أحمد ، وقال النّسائي : ليس بالقوي.
واعترض على البخاري زيادة أسباط هذا ، فقال الداودي : أدخل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط.
وقال أبو عبد الملك : الذي زاده أسباط وهم واختلاط ، لأنّه ركّب سند عبد الله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله : فدعا رسول الله ـ عليهالسلام ـ فسقوا الغيث ... إلى آخره.
وكذا قال الحافظ شرف الدّين الدّمياطي وقال : هذا حديث عبد الله بن مسعود وكان بمكة ، وليس فيه هذا.
والعجب من البخاري كيف أورد هذا وكان مخالفا لما رواه الثقات.
وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله : لا مانع أن يقع ذلك مرّتين. وفيه نظر لا يخفى.
وقال الكرماني : قلت : قصة قريش والتماس أبي سفيان كان في مكة ، لا في المدينة. قلت : القصة مكيّة إلاّ القدر الذي زاد أسباط ، فإنه وقع في المدينة » (١).
__________________
(١) عمدة القاري ـ شرح صحيح البخاري ٧ / ٤٦.
ترجمة العيني
ونكتفي بترجمة الحافظ جلال الدين السيوطي للبدر العيني ، حيث قال :
« محمود بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود الغسّاني ، الحنفيّ العلامة ، قاضي القضاة بدر الدين العيني ، ولد في رمضان سنة ثلاثين وستّين وسبعمائة بعين تاب ، ونشأ بها وتفقّه واشتغل بالفنون وبرع ومهر وانتفع في النحو وأصول الفقه والمعاني وغيرها بالعلامة جبريل بن صالح البغدادي ، وأخذ عن الجمال يوسف الملطي والعلاء السّيرافي ، ودخل معه القاهرة ، وسمع مسند أبي حنيفة للحارثي على الشرف بن الكويك ، ووليّ نظر الحسبة بالقاهرة مرارا ، ثم نظر الأحباس ، ثم قضاء الحنفيّة ، ودرّس الحديث بالمؤيّدية ، وتقدّم عند السلطان الأشرف برسياي.
وكان إماما عالما علامة ، عارفا بالعربية والتصريف ، وغيرهما ، حافظا للّغة كثير الاستعمال لحواشيها ، سريع الكتابة ، عمّر مدرسة بقرب الجامع الأزهر ووقف بها كتبه ... » (١).
عمدة القاري
وذكر الكاتب الجلبي كتابه بقوله : « ومن الشروح المشهورة أيضا : شرح العلامة بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني الحنفيّ المتوفى سنة خمس وخمسين وثمانمائة ، وهو شرح كبير أيضا في عشرة أجزاء وأزيد ، وسمّاه عمدة القاري ...
وقد استمدّ فيه من فتح الباري بحيث ينقل منه الورقة بكمالها ، وكان يستعيره من البرهان ابن خضر بإذن مصنّفه له ، وتعقّبه في مواضع وطوّله بما تعمّد
__________________
(١) بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة ٢ / ٢٧٥. وتوجد ترجمته في : الضوء اللامع ١٠ / ١٣١ ـ ١٣٥ ، البدر الطالع ٢ / ٢٩٤ ، حسن المحاضرة ١ / ٧٧٠ ، شذرات الذهب ٧ / ٢٨٧ ، نظم العقيان / ١٧٤ ـ ١٧٥ ، وغيرها ، توفي سنة ٨٥٥.
الحافظ ابن حجر حذفه من سياق الحديث بتمامه ، وإفراد كلّ من تراجم الرواة بكلام وتباين الأنساب واللّغات والاعراب والمعاني والبيان ، واستنباط الفوائد من الحديث والأسئلة والأجوبة.
وحكى أنّ بعض الفضلاء ذكر لابن حجر ترجيح شرح العيني بما اشتمل عليه من البديع وغيره ، فقال بديهة : هذا شيء نقله من شرح ركن الدين ، وقد كنت وقفت عليه قبله ، ولكن تركت النقل منه لكونه لم يتمّ ...
وبالجملة ، فإنّ شرحه حافل كامل في معناه ، لكن لم ينتشر كانتشار فتح الباري في حياة مؤلّفه وهلمّ جرّا » (١).
الحافظ ابن حجر وهذا الحديث
أقول : وبالرغم من كثرة محاولة الحافظ ابن حجر العسقلاني الدّفاع عن مرويات صحيح البخاري ومساعدة مؤلّفه ، فإنه لم يجد بدّا هنا من الاعتراف بأنّ هذا الحديث منكر ، وإنكار الحديث يساوق القدح فيه كما ذكر ( الدّهلوي ) في كلامه على حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ...
أمّا إنكار الحافظ ابن حجر هذه الزّيادة ، فقد جاء بترجمة أسباط بن نصر الهمداني :
« أسباط بن نصر الهمداني أبو يوسف ... قال حرب : قلت لأحمد كيف حديثه؟ قال : ما أدري ، وكأنّه ضعّفه. وقال أبو حاتم : سمعت أبا نعيم يضعّفه وقال : أحاديثه عامّتها سقط مقلوب الأسانيد ، وقال النّسائي : ليس بالقوي.
قلت : علّق له البخاري حديثا في الاستسقاء ، وقد وصله الإمام أحمد والبيهقي في السنن الكبير ، وهو حديث منكر أوضحته في التعليق.
وقال البخاري في تاريخه الأوسط : صدوق. وذكره ابن حبّان في الثقات.
__________________
(١) كشف الظنون ١ / ٥٤٨.
وسيأتي في ترجمة مسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه إخراجه لحديث أسباط هذا. وقال الساجي في الضعفاء : روى أحاديث لا يتابع عليها عن سماك بن حرب. وقال ابن معين : ليس بشيء ، وقال مرّة : ثقة. وقال موسى بن هارون : لم يكن به بأس » (١).
الحديث الثامن
وهو حديث « تكثر لكم الأحاديث من بعدي ، فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى ، فما وافقه فاقبلوه ، وما خالفه فردّوه ».
وقد أخرجه البخاري في صحيحه.
التفتازاني وهذا الحديث
قال التفتازاني « بأنه خبر واحد » وأضاف بأنه « قد طعن فيه المحدثون » ... وهذا نصّ كلامه :
« قوله : وإنما يرد خبر الواحد في معارضة الكتاب ، لأنّه مقدّم لكونه قطعيا متواتر النظم ، لا شبهة في متنه ولا في سنده ، لكنّ الخلاف إنما هو في عمومات الكتاب وظواهره ، فمن يجعلها ظنيّة يعتبر بخبر الواحد إذا كان على شرائط عملا بالدليلين ، ومن يجعل العامّ قطعيا ، فلا يعمل بخبر الواحد في معارضته ، ضرورة أنّ الظنّي يضمحلّ بالقطعي ، فلا ينسخ الكتاب به ولا يزاد عليه أيضا ، لأنه بمنزلة النسخ.
واستدل على ذلك بقوله ـ عليهالسلام ـ تكثر لكم الأحاديث من بعدي فإذا روي لكم حديث فأعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافقه فاقبلوه وما خالفه
__________________
(١) تهذيب التهذيب ١ / ٢١٢.