تراثنا ـ العددان [ 103 و 104 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العددان [ 103 و 104 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٥٠

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الثالث والرابع [١٠٣ ـ ١٠٤]

السنة السادسة والعشرون

محتـويات العـدد

* نصّ قديم في علوم القرآن

...................................................... السيّد حسن الموسوي البروجردي ٧

* حياة شيخ الشرف العُبَيْدُلي

.............................................................. السيّد حسين الحائري ٧٢

* المنهج التاريخي في كتابي ابن المطهّر وابن داود في علم الرجال (٣).

........................................................... سامي حمود الحاج جاسم ٩٣

* مناهج الفقهاء في المدرسة الإمامية (٢)

............................................................ السـيّد زهير الأعرجي ١٧١

٢

رجب ـ ذو الحجّة

١٤٣١ هـ

* مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (٧).

...................................................... السـيّد حيدر وتوت الحسيني ٢٢٣

* من ذخائر التراث :

* شرح هيهات ما ذلك الظنّ بك للشيخ محمّد التنكابني المتوفّى ١٣٠٢ أو ١٣١٠ هـ.

.............................. تحقيق : م. م سعاد بديع مطير ، د. مشتاق كاظم جمعة ٢٦٣

* القصيدة المسيحيّة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام ، للملاّ مسيحا المتوفّى ١١٢٧ هـ.

....................................................... تحقيق : سعد ناصر النجّار ٢٩٩

* من أنباء التراث.

.................................................................... هيـئة التحرير ٣٢٩

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (شرح هيهات ما ذلك الظنّ بك) للشيخ محمّد التنكابُني المتوفّى ١٣٠٢ أو ١٣١٠ هـ. والمنشورة في هذا العدد.

٣
٤

٥
٦

نصّ قديم في علوم القرآن

دراسة وتحليل

السـيّد حسن الموسوي البروجردي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.

هناك نصّ في علوم القرآن هو في الأساس رواية واحدة منسوبة إلى أمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه في معارف القرآن ، وقد رواه جمع من المحدّثين والمفسّرين من علماء الإماميّة المتقدّمين والمتأخّرين ، مبثوثاً ومفرّقاً على أبواب في مصنّفاتهم.

والعلوم والمعارف القرآنيّة التي تضمّنها هذا النصّ ـ على سعتها وكثرة مضامينها من أوّل الكتاب إلى آخره ـ هي نصٌّ واحد.

تنبع أهمّيته من أنّ متنه يعدّ من أقدم ما صُنِّف ـ في الإسلامـ في موضوعه ووصل إلينا.

وأشار إلى ذلك العلاّمة الخبير السيّد حسن الصدر (ت ١٣٥٤ هـ) ، في

٧

كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ـ في باب تقدّم الشيعة في تصنيف علوم القرآن ـ إذ قال ما نصّه : «وهو [أي : هذا النصّ] في كتاب نرويه عنه [أي : عن الإمام أميرالمؤمنين عليه‌السلام] من عدّة طرق ، موجود بأيدينا إلى اليوم ... وهو الأصل لكلّ مَن كتب في أنواع علوم القرآن ، ومِن هنا تقدّمض شِت الشيعة في كلّ علوم القرآن على غيرهم ، وفازوا بذلك فوزاً عظيماً ، من طريق أئمّتهم أهل البيتعليهم‌السلام» (١).

أضف إلى ذلك أنّ تعدّد نسخ النصّ(٢) يؤكّد أهمّيته وتداوله بين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) تأسيس الشيعة : ٣١٨.

(٢) من أجل اتّحاد نصّي كتاب سعد بن عبد الله وكتاب تفسير النعماني جملةً وتفصيلاً عددناالنصّ المروي في نسختي رواية سعد الأشعري متّحد مع النصّ المروي عن ابن زينب النعماني ، وإليك فهرساً ببعض نسخ نصّ النعماني وهي قرابة خمسين نسخة ، نذكر نماذج منها :

* نسخة استنسخها عبد الرشيد بن نور الدين الشوشتري (أُستاذ السيّد نعمة الله الجزائري) ، في القرن الحادي عشر ، وهي موجودة في مركز الإحياء كما في فهرسها ١ : ٢٨٨/ ١٩٨.

* نسخة استنسخها المحدّث الشهير محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، في ذي القعدة سنة ١٠٦٣ هـ ، وهي موجودة في مكتبة المهدوي في طهران كما في نشريه نسخه هاى خطى ٢ : ١٢٣.

* نسخة استنسخها العلاّمة محمّد ابن الفيض الكاشاني المعروف بعلم الهدى ، في سنة ١٠٧١ هـ ، وهي موجودة في مكتبة الوطنيّة في تبريز كما في فهرسها٢ : ٧٣٣.

* نسخة استنسخها عبد اللطيف الهاشمي العباسي الجزائري (من أعلام القرن ١٢) ، في ١٠ رجب سنة ١٠٨٤ هـ ، وهي موجودة في مركز الإحياء كما في فهرسها ٣ : ١٤٠١/٣٠٠١.

* نسخة استنسخها العلاّمة محمّد طاهر بن محمّد صالح الحسيني المازندراني ، في ١شعبان سنة ١٢٥٣ هـ ، وهي موجودة في مكتبة جامعة طهران كما في فهرسها ١٠ : ١٨٥١/ ٢٩٥٦.

٨

الأعلام ، فمن الملاحظ أنّ من لاحظ النسخ الواصلة إلينا من النصّ يرى أنّ بعضها بخطوط أو توقيعات أعلام المحدّثين والفقهاء فإنّها تشير إلى تعدّد الأيدي التي تناولته وإلى شيوعه في الحواضر والحوزات العلميّة التي تناقلته.

كما يعدّ هذا النصّ مصداقاً حيّاً لمسألة (رواية الحديث بالمعنى) ؛ فإنّ ماورد في النصّ برواية الثلاثة(١) يعدّ معنىً واحداً بألفاظ مختلفة ، كما سيمرّ عليك في فقرات مقالتنا هذه.

محتوى النصّ :

النصّ يشتمل على عدّة مباحث تتضمّن مواضيع مختلفة متعدّدة ، تمثّل بمجموعها ما يندرج تحت عنوان : علوم القرآن ، محورها آيات الذكر الحكيم ؛ فهو يذكر لكلّ نوع من هذه العلوم ما يكون دليلا عليه من آيات القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نسخة استنسخها العلاّمة عزيز الله بن إسماعيل الخرقاني (من أعلام القرن ١٣) ، في١٥ شعبان سنة ١٢٦٣ هـ ، وهي موجودة في مكتبة السيّد المرعشي كما في فهرسها ٦ : ٦٥/ ٢٠٥٦.

* نسخة استنسخها العلاّمة محمّد باقر بن محمّد جعفر البهاري الهمداني ، في ١٤جمادى الأُولى سنة ١٣٠٣ هـ ، وهي موجودة في مكتبة السيّد المرعشي في قم كما في فهرسها ٣١ : ٢٦٠ / ١٢٣٦٦.

* نسخة استنسخها العلاّمة عبد الحسين المحلاتي (من أعلام القرن ١٤) ، في ٢١شوّال سنة ١٣١٦ هـ ، وهي موجودة في مكتبة السيّد الگلپايگاني في قم كما في فهرسها٤ : ١٩٩٨/ ٣٦٦٧.

(١) ملحوظة : إذا قلنا في مقالتنا هذه «النصوص الثلاثة» مرادنا : نصّ الأشعري والقمّي والنعماني للكتاب ، وإذا قلنا «برواية الثلاثة» أي : الأشعري والقمّي والنعماني للنصّ ؛ فلاحظ.

٩

كما اشتمل على هذه المطالب :

آيات من الترغيب ، والترهيب ، والجدل ، والقصص ، والمَثَل.

الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والخاصّ والعامّ ، والتنزيل والتأويل.

ثمّ الاحتجاجات في القرآن الكريم ، على : الملحدين ، وعَبَدة الأوثان ، والثنوية ، والزنادقة .. وما شابه ذلك من مواضيع عقائديّة.

رواة النصّ :

النصّ المروي ـ الموجود منه في الجملةـ نسب إلى عدّة من أعاظم مشايخ الشيعة ؛ وذلك لروايتهم له ، ونحن في دراستنا هذه نبيّن نسبة الكتاب وعدمها إلى كلّ من هؤلاء العدّة ، فدونكها :

وصلت إلينا أسماء خمسة من أولئك المشايخ قد نسبت إليهم روايته ؛ هذا مع اختلافهم في بعض ألفاظه وترتيبه ، وهم كلّ من :

١) شيخ الطائفة أبي القاسم سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمّي (ت ٢٩٩ أو ٣٠٠ أو ٣٠١ هـ).

٢) الشيخ الثقة الجليل ، علي بن إبراهيم بن هاشم القمي صاحب التفسير المشهور (المتوفّى حدود ٣٠٧ هـ).

٣) الشيخ الحافظ ، العلاّمة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي السبيعي الشهير بابن عقدة (ت ٣٣٣ هـ).

٤) الشيخ الثقة الأجلّ أبي عبد الله محمّد بن إبراهيم النعماني المعروف بابن زينب أو الكاتب النعماني (المتوفّى حدود ٣٦٠ هـ).

٥) السيّد الشريف ، المرتضى ، علم الهدى ، علي بن الحسين الموسوي

١٠

البغدادي (ت ٤٣٦ هـ)(١).

وستأتي إليك مصادر قولنا هذا تباعاً.

أمّا الأوّل : رواية سعد الأشعري :

ذكر النجاشي (ت ٤٥٠ هـ) في فهرسته عند تعداده لكتب سعد الأشعري كتاباً له اسمه : ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه(٢).

وتبعه في ذلك إسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين(٣).

والسيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة(٤).

والشيخ الطهراني في الذريعة(٥).

ويظهر من كتاب بحار الأنوار أنّه وصلت نسخة من هذا الكتاب في القرن الحادي عشر إلى العلاّمة المجلسي (ت ١١١٠ هـ) فنقل من أوّله سطوراً في موسوعته الحديثيّة بحار الأنوار ـ مع التصريح بذلك كما نقل عنه في أكثر من موضع ، فقال عنه :

أوّلاً ـ بعد أن نقل رواية النعماني بكاملها المشهورة بالمحكم والمتشابه ـ مانصّه :

«وجدت رسالة قديمة مفتتحها هكذا : حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي رحمه‌الله ، قال : حدّثني سعد

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) انظر : تأسيس الشيعة : ٣٣٤ ، أعيان الشيعة ١ ق ١ : ٣٢١ ، الذريعة ٢٤ : ٨ و ٤ : ٢٧٦ ، تدوين السُنّة الشريفة : ١٣٧.

(٢) الفهرست للنجاشي : ١٧٧/ ٤٦٧.

(٣) إيضاح المكنون ٢ : ٦١٥ ، هدية العارفين ١ : ٣٨٤.

(٤) أعيان الشيعة ٧ : ٢٢٥.

(٥) الذريعة ٢٤ : ٨/ ٤٦.

١١

الأشعري القمّي أبو القاسم رحمه‌الله ، وهو مصنّفه : الحمد لله ذي النعماء والآلاء ...»(١).

وثانياً ـ عندما أورد بابين كاملين من هذا الكتاب ما نصّه :

«ووجدت في رسالة قديمة سنده هكذا : جعفر بن محمّدبن قولويه ، عن سعد الأشعري القمّي أبي القاسم رحمه‌الله ، وهو مصنّفه : روى مشايخنا ، عن أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ..»(٢).

وثالثاً في فصل مصادر كتابه ما نصّه :

وكتاب ناسخ القران ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه للشيخ الثقة الجليل القدر سعد بن عبد الله الأشعري رواه عنه جعفر بن محمّد ابن قولويه ..»(٣).

ورابعاً في فصل توثيق مصادره ما نصّه :

«وكتابا التفسير أي تفسير سعد وتفسير النعماني راوياهما معتبران مشهوران ومضامينهما متوافقتان موافقتان لسائر الأخبار ، وأخذ منهما علي بن إبراهيم وغيره من العلماء الأخيار ، وعدّ النجاشي من كتب سعد بن عبد الله كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ، وذكر أسانيد صحيحةً إلى كتبه»(٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٩٣ : ٩٧.

(٢) بحار الأنوار ٩٢ : ٦٠/٤٧.

(٣) بحار الأنوار ١ : ١٥.

(٤) بحار الأنوار ١ : ٣٢.

١٢

وعثرت أنا على نسختين مخطوطتين برواية سعد هذا(١) ؛ مبتدأهما وتمامهما موافق لما في البحار ، إذ جاء في أوّلهما :

«حدّثنا جعفر بن محمّد بن قولويه الحمّال(٢) القمّي ، قال : حدّثنا سعد الأشعري القمّي أبو القاسم رحمه الله ، وهو مصنّفه : الحمد لله ذي النعماء والآلاء ...».

ولا يخفى أنّ الهاء في مصنّفه تعود إلى كتاب سعد الأشعري القمّي ؛ إذ الضمير يعود إلى الأقرب ، مضافاً إلى أنّه لم يذكر في مصنّفات ابن قولويه كتاب بهذا الموضوع ، كما أنّه ليس من المعقول أن يروي ابن قولويه كتابه الذي ألّفه بنفسه عن شخص آخر ، وهذا ممّا لا غبار عليه.

وهناك سؤال : هل العنوان المذكور في فهرست النجاشي هو عين كتابنا هذا أم لا؟

والجواب : أنّ هذا العنوان قريب جدّاً من العناوين المنسوبة لشقيق كتابنا هذا في المحتوى والمنسوب إلى الكاتب النعماني أو الشريف المرتضى ، المطبوع باسم : المحكم والمتشابه(٣) والآيات الناسخة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الأُولى موجودة في مكتبة العلاّمة المحقّق السيّد محمّد علي الروضاتي الإصفهاني ـ حفظه الله من كلّ سوء عليها خطّ العلاّمة المجلسي ، وقد تفضّل بها علينا مشكوراً ، والثانية : موجودة في مكتبة آية الله العلاّمة السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي رحمه‌الله ، وهي بخطّ العلاّمة محمّد باقر البهاري الهمداني ، وقد حصلنا على مصوّرتها عن طريق زميلنا الحجّة الشيخ أبو الفضل حافظيان البابلي ـبلغه الله ما يتمنّاهـ.

(٢) قوله : (الحمّال) ورد في نسخة مكتبة السيّد الروضاتي فقط ، والصواب أنّه (الجمّال) بالجيم المعجمة كما سيأتي بيان ذلك.

(٣) طبع بهذا العنوان في سنة ١٣١٢ هـ على الحجر بخطّ محمّد تقي ، وأخيراً محقّقاً في مشهد المقدّسة في مجمع البحوث الإسلاميّة.

١٣

والمنسوخة(١) ، وكذا المعروف بعناوين أُخر شبيهة بهذين العنوانين كـ : محكم القرآن ومتشابهه(٢) ، التنزيل والتأويل ، أصناف آيات القرآن وأنواعها وتفسير بعض آياتها برواية النعماني(٣) ... وغيرها من التعابير المشابهة.

وذلك أنّه لمّا كان ديدن أصحابنا القدماء حين التدوين والكتابة عدم تسمية مؤلّفاتهم بعنوان خاصّ ، عرفت هذه المدوّنات عندهم بالكتاب أو النسخة أو الأصل ، وكذلك كتابنا هذا إذ هو من هذا القبيل ؛ حيث لم يكن له عنوان خاصّ ، فأدرج أصحاب الفهارس والمخطوطات اسم هذا الكتاب حين ذكرهم له بعناوين تتناسب مع ما يحتويه.

فإذا لاحظت العنوان (ناسخ القرآن ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه) الذي ذكره النجاشي تجده يُنبىء عن محتوى كتابنا هذا كما في العناوين الموجودة لشقيقه المذكورة آنفاً ، ولكنّ أكثر هذه العناوين كانت ناظرة إلى بعض المواضيع المهمّة الخاصّة بهذا الكتاب حيث إنّ فيه فنوناً جمّة من علوم القرآن كالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والتأويل والتنزيل .. فعنوان النجاشي المذكور هو كالعناوين المذكورة لكتاب النعماني ، حيث يخبرنا عن الجانبين المهمّين الرئيسيّين لكتاب سعد وهما الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه.

فإذا سلّمنا ذلك ظهر لنا أنّ أقدم العناوين الموجودة للكتاب هو العنوان

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) كذا على نسخة من الكتاب في مكتبة السيّد المرعشي ، وطبع محقّقاً بهذا العنوان في بيروت مؤسّسة البلاغ ودار سلوني في سنة ١٤٢١ هـ.

(٢) كذا على نسخة الشيخ الحرّ العاملي من تفسير النعماني.

(٣) كذا عنونه العلاّمة المجلسي في بحاره.

١٤

الموجود عند النجاشي (المتوفّى ٤٥٠ هـ) وقد نسبه إلى سعد الأشعري.

ومن خلال ما سمّاه النجاشي وما ذكره المجلسي في النصوص التي مرّت عليك آنفاً ، ظهر أنّ هذا الكتاب الذي وصل إلينا هو من تأليفات سعد الأشعري ، لا سيّما إذا ما عرفنا أنّ موضوع الكتاب يوافق اسم الكتاب ـ ناسخ القرآنـ المذكور لسعدنا الأشعري.

وعلى هذا فإنّ جميع العناوين المختلفة المذكورة لهذا الكتاب في مصنّفات العلماء هي أسماء متعدّدة لكتابنا هذا ؛ وإليك مسمّياته التي ذكروها :

١ ـ بيان أنواع القرآن(١).

٢ ـ تفسير سعد بن عبدالله(٢).

٣ ـ رسالة سعد بن عبدالله في أنواع آيات القرآن(٣).

٤ ـ ما رواه سعد بن عبدالله في رسالته في أنواع آيات القرآن(٤).

إشكاليّة على طريق رواية كتاب سعد الأشعري :

سلف ذِكْرنا لطريق رواية الكتاب وأنّ جعفر بن قولويه رواه عن سعد الأشعري ؛ مع العلم بأنّ جعفراً لم يرو عن سعد كما نصّ عليه النجاشي ؛ حيث قال في ترجمة سعد :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٣٨٧.

(٢) بحار الأنوار ٨٤ : ٧١ وعنه مستدرك الوسائل للمحدّث النوري ٣ : ١٧٣/٣٢٩٥ وتفسيرآلاء الرحمن للبلاغي ١ : ٦٧.

(٣) بحار الأنوار ٥٣ : ١١٧ و ٩٢ : ٤٠ في أوّل الباب السابع من كتاب القرآن ؛ قائلا : «وفيه : رسالة سعد بن عبدالله الأشعري القمّي في أنواع آيات القرآن أيضاً».

(٤) الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة للحرّ العاملي : ٢٧٨ ..

١٥

«قال الحسين بن عبيد الله ـ رحمه الله ـ : جئت بالمنتخبات (من كتب سعد) إلى أبي القاسم ابن قولويه ـ رحمه الله ـ أقرأها عليه فقلت : حدّثك سعد؟ فقال : لا ، بل حدّثني أبي وأخي عنه وأنا لم أسمع من سعد إلاّ حديثين»(١).

وقال مرّة أُخرى في ترجمة جعفر :

«روى عن أبيه وأخيه عن سعد وقال : ما سمعت من سعد إلاّ أربعة أحاديث»(٢).

وكذلك الروايات الموجودة لابن قولويه عن سعد في كتب الأصحاب هي كلّها بروايته عن أبيه أو أخيه عن سعد(٣).

هذا ؛ وليس المهمّ هنا اختلاف العبارتين للنجاشي في رواية ابن قولويه عن سعد (حديثين أو أربعة أحاديث)(٤) فإنّ المهمّ في هذا المقام أصل روايته عن سعد وإشكاليّة أنّ نسختَينا من الكتاب هما برواية ابن قولويه عن سعد بلا واسطة كما مرّ آنفاً.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) رجال النجاشي : ١٧٨/ ٤٦٧.

(٢) رجال النجاشي : ١٢٣/ ٣١٨.

(٣) الاستبصار ١ : ١٢/ ١٩ و ١٩/ ٤١ و ٢٠/ ٤٤ و ٢٧/ ٧١ و ٣٠ / ٧٨ و ٣١/ ٨٣ و ٥١/ ١٤٦ و ٦٠/ ١٧٨ و ٧٩/ ٢٤٥ و ٨٥/ ٢٦٩ و ٩٠/ ٢٨٨ و ١٥٠/ ٥١٧ و ١٨٥/ ٦٤٨ و ٢٠٧/٧٢٧ و ٢٢٨/ ٨١٠ و ٢٣٨/ ٨٥١ و ٢٣٩/ ٨٥٣ و ٢٤١/ ٨٦٠ و ٢٤٣/ ٨٦٥ و ٢٧٣/٩٩٠ و ٢٨٩/ ١٠٥٨ و ٣٢٢/ ١٢٠٤ و ٣٤١/ ١٢٨٤ و ٣٨٠/ ١٤٣٨ و ٣٨٠/ ١٤٤١ و ٣٩٢/ ١٤٩٧ ... هذه الموارد الموجودة في الجزء الأوّل من كتاب الاستبصار فقط وهناك المئات من المواضع في الأجزاء الأُخر منه ومن كتاب تهذيب الأحكام .. وغيره من المصادر.

(٤) وحريّ بالذكر أنّه قد يعدّ حديث واحد فيه قطعتين بعنوان حديث ، حديثين وبهذا نقدرنجمع بين نصّي النجاشي.

١٦

قبل أن أبدأ ببيان الجواب ألفت نظر القارئين الألباء إلى نقطة في غاية الأهمّية لمعرفة جوابنا بالدقّة ، وهي : لا يخفى أنّ التراث المخطوط ـ عامّةً في جميع علومه وفنونهـ قد التصقت به في الماضي على يد ناقليه وناسخيه تصحيفات وشوائب كثيرة جدّاً خصوصاً في كتب الأحاديث المسندة في رجاله وأسانيده ؛ أهمّها في ذلك :

* السقط ؛ وذلك لسقط اسم راو أو أكثر من السند بيد النسّاخ.

* الزيادة ؛ وذلك لإضافة اسم راو في السند أو أكثر بيد الناقل.

* التصحيف ؛ وذلك كتصحيف اسم راو في السند لعدم علم الناقل به.

* التداخل في رجال السند ؛ وذلك لاندماج اسم في السند باسم آخر وتوحيدهما تحت اسم واحد ، ومعظم ذلك يقع من تغيير (عن) إلى (بن).

وحري بالذكر أنّ هذه المشاكل وغيرها في نصوص التراث قد وردت عند تدوينها وتصنيفها إلى سنة الألف من الهجرة ، ثمّ زادت زيادة ملحوظة خلال القرون الأربعة الأخيرة عند نسخ التراث وتنظيمه على نحو آخر ، وقد انتشرت ـوللأسف رقعة هذه الأغلاط وآثارها السيّئة على يد كثير من الباحثين والمحقّقين.

ولا تزال هذه السقطات والتصحيفات تنقل على علاّتها في كتب المتأخّرين ، وبعض المعاصرين لم يتوجّهوا إليها وسكتوا عن بيان شوائبها لعدم إلمامهم بها فتسامحوا في مراجعة النصوص وملاحظتها بدون تحقيق كاف فيما كانوا ينقلون ويأخذون من مواد الكتب والمراجع التي تحتوي على نصوص كانت في الأصل والمنشأ صحيحة ، ولكن أخلّ ناقلوها أثناء نقلهاعن مصادرها السالمة وبأسماء رواتها المحفوظة ، فزادوا بعداً عن الواقع وأسّسوا عليها نتائج بعيدة عن الحقيقة.

١٧

الجواب عن هذه الإشكالية :

فنقول في الجواب عن الإشكاليّة في سند كتابنا هذا :

ورد اسم الراوي (جعفر ابن قولويه) في نسخة الروضاتي بهذا الشكل : «جعفر ابن محمّد بن قولويه الحمّال القمّي».

وجاء في هذا الاسم واللقب نكتة غريبة جدّاً لم ترد في أيّ كتاب من الكتب الرجاليّة والفهارسيّة ولا في أسانيد الروايات ، وهي تلقيب جعفر هذا بـ : (الحمّال).

فتلقيبه بـ : (الحمّال) منحصرة بهذا الإسناد وما وجدناه في موضع من الكتب الرجاليّة والفهارسيّة وطرق الأسانيد ، ولكنّنا بعد الفحص الكثير وجدنالقب (الجمّال) بالجيم في موضع من رجال الكشّي وموضع من رجال الطوسي فقط ؛ وذلك أنّ الكشّي وعنه الطوسي ـ ظاهراً ـ لقّبا والد جعفر بـ : (الجمّال) لا جعفراً نفسه ، فإنّ الكشّي في أحد أسانيد كتابه والطوسي عند ذكرمحمّد بن قولويه الوالد أوردا لقب (الجمّال) له ، فليس لقب (الحمّال) ـ المصحّف عن (الجمّال) لجعفر زائداً بل هو لقب لوالده يقيناً.

فعلمنا من هذا الطريق أنّه أصاب إسناد كتابنا هذا تصحيف أو سقط خفيّ جدّاً(١) ، وبعد ذلك يتصوّر أنّ أصل الإسناد في النسخة الأصليّة كان على هاتين الصورتين :

الأُولى : «حدّثنا جعفر عن محمّد بن قولويه الجمّال القمّي» ، بتصحيف

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) ومن العجيب أنّ بعض المعاصرين يضيفون مثل هذه الأغلاط التي وقعت قديماً في أسماء الرواة إلى ترجمتهم من دون أن يعلموا شيئاً عن حقائقها ، وأدّى ذلك إلى نشوءأسماء جديدة.

١٨

(عن) بـ : (بن).

الثانية : «حدثنا جعفر بن محمّد عن محمّد بن قولويه الجمّال القمّي» ، بسقط أحد من (بن محمّد) الأوّل أو (محمّد عن) ؛ لتكرّر محمّد ومشابهة (عن) لـ : (بن) ، فالناسخ صحّف (عن) بـ : (بن) ، فظنّ أنّ في هذا الإسناد تكراراً فحذف أحد المكرّرين.

وعلى هذا الأساس يروي جعفر ابن قولويه عن والده محمّد فترتفع الإشكاليّة حينئذ.

هذا ؛ وربّ قائل يقول أنّ هذا الحديث الواحد ـ المروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بسند واحد كلّه في كتابنا هذأ ـ هو من الأحاديث الاثنين أو الأربعة التي سمعها جعفر ابن قولويه عن سعد بالمباشرة فيصحّ النقل عنه حينئذ.

والجواب عنه : أنّ سعداً أضاف في هذا الكتاب أحاديث كثيرة من قبله عن طريق مشايخه تنوف على ثلاثين.

وأمّا الثاني : رواية علي بن إبراهيم القمّي :

فقد وردت قطعة مختصرة من هذا النصّ بطوله في مقدّمة التفسير المنسوب إلى القمّي (ت حدود ٣٠٧ هـ) ، كما وقد كرّر النقل عنها في طيّات هذا التفسير(١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) قد صرّح بهذا التكرار المشار إليه في آخر اختصاره للكتاب في مقدّمة تفسيره ١ : ٢٧ مانصّه : «ومثله كثير ونحن نذكر ذلك كلّه في مواضعه إن شاء الله تعالى ، وإنّما ذكرنا من الأبواب التي اختصرناها من الكتاب ، آية واحدة ليستدلّ بها على غيرها».

أقول : لاحظ المواضع المكرّرة في متن التفسير في ١ : ٧ و ٢ : ٣٢٩ ، وكذا

١٩

وكذا قابلنا ما ورد في هذه القطعة من فقرات ـ فقرة فقرة بما ورد في رواية الأشعري والنعماني للنصّ فوجدنا الموافقة بين الثلاث في المعنى ، وهو ماينبئ عن وحدة منبعها وتفرّد مصدرها.

إنّ التفسير المنسوب إلى علي بن إبراهيم يشتمل على مقدّمة فيها خطبة وقطعة من نصّنا هذا ، ثمّ يشرع في تفسير السُوَر بذكر الإسناد حيث ابتدأبأحد تلامذة علي بن إبراهيم ـ وهو أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم العلوي وهذه القطعة من كتابنا هذا وردت في مقدّمة تفسير القمّي قبل أن يُذكر هذا الإسناد المشهور للكتاب إلى علي بن إبراهيم(١).

ومن المعلوم أنّ هذا التفسير الموجود ليس من مؤلّفات علي بن إبراهيم القمّي وإنّما هو جمع من عدّة تفاسير ؛ مثل : تفسير علي بن إبراهيم وتفسير أبي الجارود وتفسير أحمد الأشعري وتفسير البطائني .. وغيرها ، نعم أكثره من تفسير القمّي.

واختلف في جامع التفسير المشتهر بتفسير القمّي ، هل هو أبو الحسن علي بن حاتم بن أبي حاتم القزويني أو أبو الفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم العلوي(٢).

فلذا يرد هنا سؤال : هل مقدّمة كتاب التفسير المشتملة على قطعة من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١ : ٧ و ٤٦ و ١٠٠ و ٢ : ٢٩٢ ، وكذا ١ : ٨ و ٢ : ١٢٧ ، وكذا ١ : ١١ و ٢ : ٨٠ و ٤٢١ ، وكذا ١ : ١٦ و ٢ : ٣٤ ..

ملحوظة : الرقم الذي قبل الواو هو ما موجود في المقدّمة وما بعده في متن التفسير.

(١) والإسناد هو : حدّثني أبوالفضل العبّاس بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، قال : حدّثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم ... (تفسير القمّي ١ : ٢٧).

(٢) لاحظ : الذريعة ٤ : ٣٠٢/ ١٣١٦.

٢٠