إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٦٢٨

لم تكن هذه بمقدّمة ، أو كانت حاصلة من الأوّل قبل إيجابه ، مع أنّ الطلب لا يكاد يسقط إلاّ بالموافقة ، أو بالعصيان والمخالفة ، أو بارتفاع موضوع التكليف كما في سقوط الأمر بالكفن أو الدفن بسبب غرق الميت أحياناً أو حرقه ، ولا يكون الإتيان بها بالضرورة من هذه الأُمور غير الموافقة. (١)

يلاحظ عليه : بأنّ الإشكال مبني على تفسير الموصلة بوجود ذي المقدّمة في جنب المقدّمة على نحو يكون الوجوب الغيري متعلّقاً بشيئين متغايرين :

١. المقدّمة.

٢. ذو المقدّمة في جنبها.

وعلى ذلك فما لم يأت المكلّف بالجزء الثاني لا يسقط الأمر المقدّمي.

ولكنّك عرفت أنّ عنوان الإيصال ليس نفسَ الواجب النفسي ولا منتزعاً عنه ، بل هو عبارة عن كون المقدّمة في الواقع في طريق ذيها ومنتهية إليه.

وعند ذلك يختلف الحكم ثبوتاً وإثباتاً.

فلو كانت المقدّمة واجدة لهذا الوصف ( كونها في طريق ذيها ومنتهية إليه ) يسقط الأمر واقعاً لا ظاهراً ، لعدم علم المكلّف بالانتهاء.

والحاصل : انّه لا مانع من أن يُحدّد الآمر موضوعَ حكمه بالمقدّمة التي تنتهي إلى ذيها وتقع في طريقها ولا يتعلّق حكم الآمر بما إذا لم يكن كذلك.

٣. ما هو مقدّمة ليست بموصلة

إنّ الإتيان بذيها ليس أثر المقدّمة بما هي هي ، بل يعدّ من أثره إذا انضم

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٨٦.

٥٦١

إليه أمر آخر وهو إرادة المكلَّفِ امتثالَ الواجب النفسي ، فعندئذ يترتّب ذو المقدّمة على المقدّمة ، وعلى ضوء ذلك فما هو مقدّمة ليست بموصلة ، وما هو موصلة ـ أي المقدّمة مع قيد الإرادة ـ لا يتعلّق به التكليف ، لأنّ الإرادة أمر خارج عن الاختيار ولا يتعلّق بها التكليف ، وإلى ذلك أشار المحقّق الخراساني بقوله :

وأمّا ترتّب الواجب فلا يعقل أن يكون الغرضَ الداعي إلى إيجابها والباعثَ على طلبها ، فانّه ليس بأثر تمام المقدّمات فضلاً عن إحداها في غالب الواجبات ، فانّ الواجب إلاّ ما قلّ في الشرعيات والعرفيات فعل اختياري يختار المكلّف تارة ، إتيانَه بعد وجود تمام مقدّماته ، وأُخرى عدمَ إتيانه ، ومن المعلوم أنّ مبادئ اختيار الفعل الاختياري لا يوصف بالوجوب لعدم كونها بالاختيار وإلاّ لتسلسل. (١)

يلاحظ عليه :

أوّلاً : بأنّ الإشكال نشأ من تفسير الموصلة بالعلّة التامة لتحقّق ذيها ، وعندئذ تُصوّر أنّ المقدّمات بلا ضم الإرادة ليست بعلّة تامة ، ومعها وإن كانت علّة تامة لكن لا يتعلّق بها الأمر ، غير انّك عرفت أنّ المراد من الموصلة عبارة عن كون المقدّمة في الواقع في طريق المقصود ومنتهية إليه ولو بواسطة الإرادة ، وإن كانت المقدّمة بعامّة أجزائها غير كافية في تحقّق الغاية بل محتاجة إلى توسيط الإرادة.

وعلى ذلك فكلّ من الشرط والمعد والسبب لو كان في الواقع في طريق ذيها فالجميع موصلة بهذا المعنى وإن لم يترتّب المقصود عليها بالفعل غير أنّه سيترتّب

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٨٥ ، وقد خلط المحقّق الخراساني في المقام بين الإشكالين الثالث والسادس ولأجل ذلك أوجد تشويشاً في العبارة.

٥٦٢

عليه بعد فترة من الزمن.

وثانياً : نمنع عدم تعلّق الأمر بالإرادة ، كيف! وقد ورد الأمر بالقصد والإرادة في مقامات مختلفة ، مثلاً :

إذا نذر الإقامة في البلد يجب عليه قصدها ، ومقوّم الإقامة هو القصد والإرادة التي تعلّق بهما الأمر.

ونظير ذلك لزوم قصد القربة في التعبّديات ، فقد ورد الأمر في الشرع بإرادة الإتيان بها للّه سبحانه.

وأمّا ما هو ملاك الاختيار فقد أشبع شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ الكلام فيه في رسالة خاصّة له بالجبر والتفويض (١) فلاحظ.

٤. لزوم الدور

وقد قرّر الدور بوجهين :

الأوّل : انّ وجود ذي المقدّمة يتوقّف على وجود المقدّمة ، ولو قلنا بقيدية الإيصال لتوقّف وجود جزء المقدّمة على وجود ذيها.

يلاحظ عليه : أنّ الموقوف مغاير للموقوف عليه ، لأنّ وجود ذيها متوقّف على وجود المقدّمة ، ووصف المقدّمة ـ أعني : الإيصال ـ موقوف على وجود ذيها وحينئذ فلا دور.

الثاني : ما قرره المحقّق النائيني وهو أنّ قيد الإيصال يرجع إلى اعتبار كون الواجب النفسي قيداً للواجب الغيري ، فيلزم أن يكون الواجب النفسي مقدّمة

__________________

١ ـ رسالة الأمر بين الأمرين نُشرت مع رسالة « لبّ الأثر في الجبر والقدر » سنة ١٤١٨ هـ.

٥٦٣

للمقدّمة وواجباً بوجوب ناش من وجوبها ، وهو يستلزم الدور ، فانّوجوب المقدّمة إنّما نشأ من وجوب ذي المقدّمة ، ولو ترشح وجوب من وجوبها على ذي المقدّمة للزم الدور. (١)

يلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ الإشكال ناشئ من تفسير خاطئ للموصلة ، وهو أخذ وجود الواجب النفسي قيداً في المقدّمة ، وتعلّق الأمر الغيري بالمركب منه ، وقد عرفت أنّ الإيصال ليس بمعنى ترتّب واجب نفسي عليها ولا أخذ الواجب النفسي جزءاً للمقدمة ، بل كون المقدّمة في طريق ذيها.

وثانياً : لو سلّمنا التفسير المذكور لا يلزم منه إلاّ اجتماع المثلين لا الدور ، وذلك لأنّ الواجب النفسي بما هو واجب نفسي يتعلّق به الوجوب النفسي ، وبما أنّه جزء للمقدمة يتعلّق بها الوجوب الغيري المتعلّق بالجميع الذي من أجزائه الواجب النفسي ، وأين هذا من الدور.

٥. لزوم التسلسل

لو كان الوضوء الموصل إلى الصلاة مقدّمة ، أو السير الموصل إلى الحج مقدّمة ، فذات الوضوء والسير يكون مقدّمة للوضوء الموصل ، والسير الموصل وإن اعتبر الإيصال فيه أيضاً يكون مركّباً من شيئين : الوضوء والإيصال ، فينتقل الكلام إلى الجزء الأوّل منه ، فبما انّه أيضاً مقدّمة يعتبر فيه الإيصال وهكذا يلزم التسلسل ، ولا محيص من أن ينتهي الأمر إلى ما يكون الذات مقدمة ، فإذا كان الأمر كذلك فلتكن الذات من أوّل الأمر مقدّمة لذيها من دون اعتبار قيد التوصّل. (٢)

__________________

١ ـ أجود التقريرات : ١ / ٢٠٨.

٢ ـ فوائد الأُصول : ١ / ٢٠٩.

٥٦٤

وقد أجاب عنه الإمام الخميني قدس‌سره : بأنّ الواجب بالأمر الغيري هو قيد المقدّمة الموصلة إلى الواجب النفسي لا المقدّمة الموصلة إلى المقدّمة ، وعليه فالذات ( الوضوء ) لم تكن واجبة بقيد الإيصال إلى المقيّد ، بل واجبة بقيد الإيصال إلى ذيها ، وهو حاصل بلا قيد زائد ، بل لا يمكن تقييد الموصلة بالإيصال. (١)

يلاحظ عليه : بأنّ ما ذكره أشبه بتخصيص القاعدة العقلية ، مع أنّ القاعدة العقلية لا تُخَصّص ، لوجود ملاكها في عامة الأفراد.

مثلاً إذا كان دليل وجوب المقدّمة الموصلة ما ذكره صاحب الفصول « من أنّ الإنسان لا يطلب شيئاً لا يقع في طريق مقصوده » فهو يقتضي أن تكون المقدّمة مع أجزائها في طريق مقصوده ، لأنّ العلّة كما تقتضي أن يكون الكل في طريقه كذلك تقتضي أن يكون الجزء أيضاً كذلك ، فلا يقع مطلوباً إلاّ إذا كان بهذا الوصف ، وعندئذ يلزم التسلسل.

والأولى أن يجاب بأنّ وصف الإيصال ليس جزءاً خارجياً للمقدّمة ، بحيث تكون مركبة في الخارج من شيئين أحدهما ذات المقدّمة والآخر عنوان الموصلية ، بل المقدّمة في الخارج شيء واحد ، وأمّا الإيصال فهو أمر انتزاعي يصنعه الذهن من وقوع المقدّمة في طريق المقصود وانتهائها إليه ، وعلى ضوء هذا فليس الوضوء مقدّمة للمقدّمة ( الوضوء الموصل ) حتّى يقال : يجب أن يكون هو أيضاً موصلاً. بل المقدّمة هي الوضوء ولكن يجب على المكلّف إيجاد وصف الإيصال.

٦. اختصاص الوجوب بالعلل التوليدية

لو كان الملاك مطلق التوقّف فهو موجود في الموصلة وغيرها ، ولو كان

__________________

١ ـ تهذيب الأُصول : ١ / ٢٦٢.

٥٦٥

الملاك خصوص ما يستحيل انفكاكه عن الواجب في الخارج فيختص الوجوب بالعلل التوليدية كالإلقاء بالنسبة إلى الإحراق ، ولا يعمّ العلل الاعدادية كالشرط والمعد والسبب ، فانّ كلّ واحد منها مقدّمة ، ولكن لا يستحيل انفكاك كلّ واحد منها عن الواجب. (١)

وإلى هذا الإشكال أشار المحقّق الخراساني بقوله :

إنّ القول بالمقدّمة الموصلة يستلزم إنكار وجوب المقدّمة في غالب الواجبات ، والقول بوجوب خصوص العلّة التامّة في خصوص الواجبات التوليدية. (٢)

يلاحظ عليه : بأنّ الملاك ليس التوقّف بما هو هو ولا خصوص ما يستحيل انفكاكه عن الواجب في الخارج ، بل الملاك ما يقع في طريق المطلوب بالذات ، وهذا لا يوجب اختصاص الوجوب بالعلّة التامّة بل كلّ من الشرط والمعد على قسمين موصل أي واقع في طريق المقصود ، وغير موصل أي ليس كذلك.

بقيت هناك إشكالات أُخرى تعرّض لبعضها المحقّق العراقي فلاحظها. (٣)

__________________

١ ـ أجود التقريرات : ١ / ٢٣٩.

٢ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٨٥.

٣ ـ بدائع الأفكار : ١ / ٣٨٨.

٥٦٦

المقام الثالث

ثمرات القول بوجوب المقدّمة الموصلة

وقد فرغنا ـ بحمد اللّه ـ عن بيان الأدلّة لوجوب المقدّمة الموصلة والشبهات المتوجّهة إليها ، بقي الكلام في ثمرات هذا القول ، فنقول : يترتّب على هذا القول ثمرتان :

الثمرة الأُولى : بقاء الحرمة في غير الموصلة

لو انحصرت المقدّمة في المحرّم منها ، كما إذا توقّف إنقاذ الغريق على سلوك أرض مغصوبة ، فعلى القول بوجوب مطلق المقدّمة ، تزول عنها الحرمة ويتّصف السلوك بالوجوب ، سواء أكان موصلاً أم لم يكن كما لو كان سلوكها لأجل التنزّه.

وعلى القول بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة ، لا تزول الحرمة إلاّ إذا توصّل بسلوكها إلى إنقاذ الغريق ، فلو لم يتمكّن في النهاية من الإنقاذ كانت باقية على حرمتها واقعاً ، جائزة له ظاهراً.

وعلى القول بوجوب قصد التوصّل لا تزول الحرمة إلاّ بقصد الإنقاذ.

وعلى القول بعدم وجوب المقدّمة من رأس ، يبقى السلوك على حرمته ، ولا ترتفع الحرمة إلاّ بمقدار الضرورة ، وهو ما يتمكّن به من الإتيان بالواجب.

٥٦٧
الثمرة الثانية : صحّة الصلاة على القول بالموصلة

هذه هي الثمرة الثانية وهي انّه إذا كانت العبادة مزاحمة لواجب أهم كالصلاة عند الابتلاء بأمر أهم منها كإزالة النجاسة عن المسجد ، فعلى القول بوجوب مطلق المقدّمة تبطل الصلاة ولا تبطل على القول بوجوب المقدمة الموصلة.

وهذه الثمرة تبتني على أُمور أربعة :

١. ترك الضد مقدّمة لفعل الضد الآخر.

٢. مقدّمة الواجب واجبة.

٣. انّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده العام ، وهو النقيض.

٤. انّ هذا النهي موجب لفساد العبادة.

وعندئذ يقال :

١. ترك الصلاة مقدّمة للإزالة بحكم الأمر الأوّل.

٢. وترك الصلاة واجب بحكم الأمر الثاني ، أي الملازمة بين وجوب المقدّمة وذيها.

٣. وإذا كان ترك الصلاة واجباً ففعلها حرام بحكم الأمر الثالث.

٤. والنهي المتعلّق بالصلاة موجب للفساد بحكم الأمر الرابع.

فإذا قلنا بوجوب مطلق المقدّمة تكون النتيجة بطلان الصلاة ، حيث إنّ مقدّمية ترك الصلاة توجب وجوبها ، ووجوب الترك يوجب حرمة الصلاة التي هي ضد الواجب ( ترك الصلاة ) وهي تستلزم بطلانها.

وأمّا إذا قلنا بوجوب المقدّمة الموصلة فلا يكون ترك الصلاة واجباً ، بل

٥٦٨

الواجب هو ترك الصلاة الموصل للإزالة ، وبما أنّ المكلّف غير راغب للإزالة فلا يكون ترك الصلاة في هذا الظرف واجباً حتّى يكون نقيضه حراماً ، ومعه لا يكون فاسداً.

ولكن هذه الثمرة باطلة من أساسها لابتنائها على المقدّمات الأربع التي لم تُسلَّم واحدة منها كما ستظهر لك في مبحث الضد ، ومع ذلك فقد اعترض الشيخ الأنصاري على الثمرة الثانية.

نظرية الشيخ في الثمرة

ذهب الشيخ الأنصاري إلى بطلان الثمرة الثانية على القول بالموصلة ، وانّ الصلاة إمّا صحيحة على كلا القولين أو باطلة كذلك ، وذلك بتقديم مقدّمة.

حدّ النقيض

اختلفت كلمة المنطقيّين في تعريف النقيض ، فقال بعضهم :

١. نقيض كلّ شيء رفعه ، فنقيض الإنسان ، هو اللاإنسان ، ونقيض الثاني هو رفع اللا إنسان ، وعلى هذا يختصّ النقيض بالأمر السلبي.

٢. نقيض كلّ شيء رفع أو مرفوع ، فنقيض الإنسان هو اللاإنسان ، ونقيض الثاني هو الإنسان الذي هو المرفوع.

وربّما يقال أنّ من عرّف النقيض بالرفع أراد منه الأعم من الرفع والمرفوع ، يقول الحكيم السبزواري :

نقيض كلّ رفع أو مرفوع

تعميم رفع لهما مرجـوع (١)

__________________

١ ـ شرح المنظومة ، قسم المنطق : ٥٩.

٥٦٩

وعلى هذا فالمقدّمة للإزالة في المقام هو « ترك الصلاة » ونقيضه الذي يطلق عليه الضد العام على التعريف الأوّل هو رفع ترك الصلاة ، وعلى التعريف الثاني هو نفس الصلاة.

إذا عرفت هذا فإليك بيان الشيخ في بطلان الثمرة بما هذا توضيحه :

لو قلنا بأنّ نقيض كلّ شيء وضدّه العام عبارة عن الرفع. فنقيض « ترك الصلاة » أو « ترك الصلاة الموصل » عبارة عن رفعهما لا نفس الصلاة ، وتتعلّق الحرمة برفع ترك الصلاة المطلق أو المقيّد بالموصل ، لا بالصلاة التي هي تقارن النقيض ، غاية الأمر انّ لنقيض « الترك المطلق » ـ أعني : رفع الترك المطلق ـ مقارناً واحداً وهو الصلاة ، ولنقيض « الترك الموصل » ـ أعني : رفع ذلك الترك الموصل ـ مقارنان : أوّلهما الترك المجرّد بأن لا يصلّـي ولا يزيل النجاسة ، وثانيهما إقامة الصلاة ، فلا يصحّ الحكم بالبطلان على الأوّل ، والصحّة على الثاني ، بل يجب أن يحكم بالصحّة على كلا القولين.

ولو قلنا بالشق الثاني وانّ النقيض أعمّ من الرفع والمرفوع فنقيض ترك الصلاة المطلق ، أو الترك الموصل ، هو نفس الصلاة فتكون باطلة على كلا القولين لتعلّق النهي به بعنوان النقيض والضد العام.

هذا توضيح لمقالة الشيخ.

كلام المحقّق الخراساني في ردّ الثمرة

ذهب المحقّق الخراساني إلى ترتّب الثمرة على القول بالموصلة وعدمه ـ في صورة واحدة وهو أن يكون نقيض كلّ شيء هو رفعه ـ فنقيض الترك المطلق أو الترك الموصل هو رفعهما لا الصلاة ، وانّ الصلاة من مقارنات النقيض على كلا

٥٧٠

القولين ، ومع ذلك ، فرق عرفاً بين مقارن ومقارن.

وذلك لأنّ نسبة الصلاة إلى الترك المطلق ، كنسبة النقيض إلى العين ، لما عرفت من أنّه ليس للنقيض الواقعي ـ رفع الترك المطلق ـ إلاّ مقارن واحد ، ولذلك يعدّ ذلك المقارن للنقيض الواقعي ، نقيضاً للعين ـ ترك الصلاة ـ عرفاً فتكون محرّمة أخذاً بالقاعدة : إذا كان الشيء واجباً ـ ترك الصلاة المطلق ـ يكون ضدّه العام أو نقيضه محرّماً ، فتكون الصلاة باطلة لأجل حرمتها.

وهذا بخلاف نسبة الصلاة إلى الترك الموصل ، فليس كلّ من الفعل والترك المجرّد نقيضاً له عرفاً ، لامتناع تعدّد النقيض ، ولا الجامع بينهما نقيضاً لامتناع الجامع بين الوجود والعدم ، فينحصر نقيضه برفع الترك الموصل ، ويكون كلّ من الفعل والترك المجرّد ، من مقارناته ، حيث إنّ رفع الترك المطلق ، تارة ينطبق على الفعل ، وأُخرى على الترك المجرّد ، والحرمة لا تسري من الشيء ( رفع الترك الموصل ) إلى مقارناته.

والأولى ردّ الثمرة بردّ عامّة مقدّماته أو أكثرها ، ولا أقلّ من إبطال أنّ وجوب شيء مقتضي لحرمة ضده العام ونقيضه ، لما سيوافيك أنّ هذا النوع من النهي أمر لغو لا يصدر من الفاعل الحكيم.

القول السادس : وجوب المقدّمة حال الإيصال

الفرق بين هذا القول وخامس الأقوال ، أنّ الإيصال في السابق قيد للواجب ، والموصل وصف له ، بخلاف هذا القول فليس الإيصال قيداً ، ومع هذا لا ينطبق إلاّ على المقيّد ، شأن الفرق بين المشروطة والحينية.

٥٧١

وإنّما لجأ القائل إلى هذا القول ، لأجل الفرار عن الإشكالات الستة المتوجّهة إلى القول الخامس ، وقد قرّر بوجوه :

الأوّل : ما قرره سيّد مشايخنا المحقّق البروجردي ، وحاصل ما أفاده :

إنّ متعلّق الوجوب ذاتُ ما يوجد من المقدّمات مصداقاً للموصل ، لا بوصف الموصلية. بمعنى أنّ الشارع رأى أنّ المقدّمات في الخارج على قسمين. قسم منها يوصل إلى ذيها ويترتّب هو عليها واقعاً ، وقسم منها لا يوصل ، فخصّ الوجوب بالقسم الأوّل ـ أعني : ما يكون بالحمل الشائع مصداقاً للموصل ـ وليست الموصلية قيداً مأخوذاً في الواجب بنحو يجب تحصيله ، بل هي عنوان مشير إلى ما هو واجب في الواقع ، وإنّما خصّ الوجوب به لأنّ المقدّمة ليست مطلوبة في حدّ الذات ، بل مطلوبيّتها لأجل ذيها ، فيختصّ طلبُها بما هو ملازم للمطلوب بالذات.

ثمّ ردّه المحقّق البروجردي بأنّ ما ذكرمن المقدّمة الموصلة ليس أمراً جديداً ، بل هو نفس ما ذكره بعض القدماء من اختصاص الوجوب بالمقدّمة السببيّة ، فانّ المقدّمة التي تكون موصلة في متن الواقع ويترتّب عليها ذو المقدّمة لا تنطبق إلاّ على المقدّمة السببيّة. (١)

ومع ذلك فالبيان المذكور ليس وافياً للمقصود ، إذ فيه :

أوّلاً : أنّ تصوير القضية الحقيقية ـ المتوسطة بين المشروطة والمطلقة ـ أمر غير تام. لأنّ قوله : « حين هو كاتب » إمّا ملحوظ في ثبوت الحكم ، فيكون قيداً ، فترجع القضية الحينية إلى المشروطة ، أو غير ملحوظ فيه ، فترجع إلى المطلقة ، ولا

__________________

١ ـ نهاية الأُصول : ١٧٩ ـ ١٨٠.

٥٧٢

يعقل أن لا يكون للشيء مدخلية في الحكم ، ومع ذلك ، لا ينطبق الحكم إلاّ على المقيّد.

فإن قلت : إذا قلت رأيت زيداً قائماً ، فقد رأيته في تلك الحالة لا في غيرها ، ومع ذلك ليست الحالة قيداً للرؤية ولا للمرئي ، ومع ذلك أوجد ضيقاً في الرؤية حيث إنّك ما رأيته إلاّ في تلك الحالة.

قلت : إنّ الحالة ، تعد من قيود ذيها فتكون جزء الموضوع ، فإذا قلت : رأيت زيداً قائماً ، فكأنّك قلت : رأيت زيد القائم ، ومن المعلوم أنّ الحكم لا يتجاوز عن موضوعه ، فعدم شمول الحكم لأوسع من حدّ الحال ، لأجل كونه من قيود الموضوع لبّاً ، والحكم يتضيّق حسب ضيق الموضوع.

وعلى ضوء ذلك فانّ تخصيص الإيجاب بالمقدّمة التي تكون بالحمل الشائع مصداقاً للموصل لا يخلو إمّا أن يأخذ الموصل قيداً للواجب أو لا. فعلى الأوّل يرجع إلى القول الخامس ، وعلى الثاني يعمّ ما هو مصداق له بالحمل الشائع وما ليس كذلك.

وثانياً : انّ المراد من الإيصال كونه واقعاً في طريق المقصود لا الموصلة بالفعل فيعمّ الشرط والمعدّ والسبب بمعنى المقتضي وارتفاع المانع ، إذ كلّ واحد منهما على قسمين تارة في طريق المقصود ، وأُخرى خارجه ، حتّى أنّ الخطوة الأُولى للسير إلى الحج توصف بالموصلة وغيرها.

الثاني : ما أفاده المحقّق العراقي على ما في تقريراته (١) ، وهو أنّ الواجب ليس مطلقَ المقدّمة ولا خصوصَ المقدّمة المتقيّدة بالإيصال ، بل الواجب هو الحصّة التوأمة مع وجود سائر المقدّمات ، الملازمة (٢) لوجود ذي المقدّمة.

__________________

١ ـ بدائع الأفكار : ١ / ٣٨٩.

٢ ـ صفة الحصة.

٥٧٣

وعلى هذا جرى المحقّق الخوئي في تعاليقه على أجوده ، حيث قال : إنّ ملاك الوجوب الغيري هو خصوصُ التوقّف على ما يكون توأماً لوجود ذي المقدّمة في الخارج من جهة وقوعه في سلسلة مبادئ وجوده بالفعل ، فيختصّ الوجوب الغيري حينئذ بالموصلة ، ولا يعم غيرها. (١)

يلاحظ عليه : أنّ التوأمية إمّا قيد ، أو لا ، فعلى الأوّل ، تنطبق على مذاقِ صاحب الفصول ؛ وعلى الثاني ، لا يختصّ الحكم بالموصلة ، بل يعمّ غيرها.

وبعبارة أُخرى : انّ كلاً من المقدّمة التوأمة والمقدّمة غير التوأمة وإن كان متميزاً في نفس الأمر ، حيث إنّ نصب السلّم في الخارج على قسمين :

١. قسم ينتهي إلى ذي المقدّمة ، وهو المسمّى بالمقدّمة التوأمة.

٢. قسم لاينتهي بل تنفك المقدّمة عن ذيها ، وهو المسمّى بغير التوأمة.

إلاّ انّ الكلام في مقام تعلّق الإرادة بأحد القسمين دون الآخر ، كتعلّق الوجوب كذلك ، فالتعلّق بقسم دون قسم يحتاج إلى عنوان يميّز أحد القسمين عن الآخر حتّى يكون القسم الموصل متعلّقاً للإرادة والإيجاب ، وليس هو إلاّ عنوان التوأمة أو الإيصال وهو نفس القول بالمقدّمة الموصلة.

الثالث : ما نقله شيخنا الأُستاذ ( مد ظله ) عن أُستاذه السيد الإمام الخميني عن شيخه العلاّمة الحائري ونذكر المنقول في مقطعين :

١. انّ للمعاليل الخارجية ضيقاً ذاتياً من جانب علّتها ، فالحرارة الصادرة عن النار الخارجية وإن كانت غير مقيّدة بعلّتها ـ لامتناع تقييد المتأخّر بالأمر المتقدّم ـ إلاّ أنّها ليست أيضاً مطلقة بالنسبة إليها وإلى غيرها ، وإلاّ يلزم أن تكون

__________________

١ ـ أجود التقريرات ، قسم الهامش ، ص ٢٣٩.

٥٧٤

أوسع من علّتها ، بل هي ـ على وجه ـ لا تنطبق إلاّ على المقيّد أي الحرارة المفاضة من جانب الصلة لا الأعم منها ومن غيرها.

٢. العلة الغائية بما انّها متقدّمة تصوّراً ، متأخرة وجوداً ، فالمعلول ليس مقيّداً بوجود العلّة الغائية لتقدّم المعلول وجوداً على العلّة الغائية في الخارج لكنّه ليس أوسع من الغاية التي هي علّة لفاعلية الفاعل وسبب لبروز الإرادة في لوح النفس ، وإلاّ يلزم أن تكون الإرادة بلا غاية.

وعلى هذا تكون الإرادة غير مقيّدة بالغاية ، ولكنّها ليست بأوسع منها ، وعليه فالواجب ليس مطلق المقدّمة لما عرفت من أنّ الإرادة والوجوب يتضيق ضيقاً ذاتياً بالنسبة إلى غايتها ، ولا المقيّدة بالإيصال ، لما عرفت من أنّ الإرادة المتقدّمة لا يمكن أن تكون مقيّدة بغايتها المتأخّرة عنها ، ومع ذلك فالإرادة لا تنطبق إلاّ على المقيد. (١)

يلاحظ على المقطع الأوّل : بأنّ ما ذكره من أنّ وجود المعلول لا يقيّد بوجود العلّة وإن كان صحيحاً ، لكن عدم التقييد ليس لأجل تقدّم العلة وتأخّر المعلول ، فانّ التقدّم والتأخّر فيهما ليس تقدّماً زمانياً بل رتبياً ، ومثل هذا لا يضر بالتقييد ، بل وجهه أنّ مصبّ الإطلاق والتقييد إنّما هو المفاهيم التي يمكن تقييد المفهوم الموسّع بقيد ، وأمّا التكوين فهو غير قابل لتقييد المطلق ، فانّ الشيء يتكوّن في بدو الأمر إمّا مطلقاً إلى الأبد وإمّا مقيّداً كذلك ، ولا يتصوّر فيه الوجود المقيّد بعد تكونه موسعاً.

وأمّا المقطع الثاني الذي هو بيت القصيد في المقام ، فما ذكره من أنّ الإرادة

__________________

١ ـ فوائد ، السيد الإمام الخميني ، المخطوط. وقد حكى شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظله ـ انّه رأى الكتاب بخط الإمام ونقل النصّ عن خطّه قدس‌سره.

٥٧٥

والوجوب الإنشائي يتضيّق تبعاً للعلّة الغائية دون أن تتقيّد بها وإن كان صحيحاً ، والكلام في مورد آخر ، وهو انّ الفاعل إذا حاول أن يظهر إرادته المضيّقة ويضفي الإيجاب على المقدّمة المضيّقة بالذات ، لا محيص له إلاّ بتعليق الوجوب على المقدّمة التي توصل إلى الغاية ، وعندئذ يرجع القول السادس إلى القول الخامس.

٥٧٦

الأمر السابع

في ثمرات القول بوجوب المقدّمة

قد عرفت ثمرات القول بوجوب المقدّمة الموصلة ، وحان الكلام عن ثمرات القول بوجوب المقدّمة على الآراء الستة ، وإليك هذه الثمرات :

الثمرة الأُولى : اتّصاف المقدّمات بالوجوب الغيري

هذه الثمرة هي التي ذكرها المحقّق الخراساني وجعلها ثمرة للمسألة الأُصولية وقال : إنّه على القول بالملازمة بين الوجوبين يستنتج وجوب المقدّمات في الواجبات وحرمتها في المحرّمات ، وعلى هذا تكون المسألة ( وجوب المقدّمة ) مسألة أُصولية لوقوعها في استنباط الحكم الشرعي الكلّـي.

وهذه الثمرة لا بأس بها لو قلنا بوجوب المقدمة.

الثمرة الثانية : تحقّق الوفاء بالنذر

إذا تعلّق النذر بالإتيان بالواجب ، فلو قلنا بوجوب المقدّمة يكفي الإتيان بها ، وإلاّ فلابدّ من الإتيان بواجب نفسي.

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ عد مثل هذا ثمرة لمسألة أُصولية غير خال عن الإشكال ، وقد مرّ نظيره في مبحث الصحيح والأعم.

٥٧٧

وثانياً : أنّ النتيجة ليست كلّية ، لأنّ الوفاء بالنذر تابع لكيفية النذر ، فإن كان متعلّقه هو الواجب النفسي فلا يتحقّق الوفاء بالنذر وإن قلنا بوجوب المقدمة.

وإن كان متعلّقه هو الواجب الأعم من الشرعي والعقلي ، يصدق الوفاء بالنذر ، وإن لم نقل بوجوب المقدّمة شرعاً ، وذلك لأنّ الوجوب العقلي للمقدّمة أمر غير منكر ، والمفروض أنّ متعلق النذر أوسع.

نعم لو كان متعلّق النذر الأعم من الواجب الشرعي والعقلي ومن الشرعي الأعم من النفسي والغيري ، فلو أتى بالمقدّمة فقد وفى بنذره.

على أنّ تلك الثمرة تترتّب على القول بوجوب مطلق المقدّمة ، وأمّا على القول بوجوب المقدّمة الموصلة فحيث إنّ وصف الإيصال لا ينفك عن الإتيان بالواجب النفسي ، فيصدق الوفاء سواء أقلنا بوجوب المقدّمة أم لا ، لأنّ المفروض انّ الإتيان بالمقدّمة لا ينفك عن الإتيان بذيها.

الثمرة الثالثة : استحقاق الأجر

إذا أمر شخص ببناء بيت ، فأتى المأمور بالمقدّمات ثمّ انصرف الآمر ، فعلى القول بأنّ الأمر بالشيء أمر بمقدّمته ، يصير ضامناً لها ، فيجب على الآمر دفع أُجرة المقدّمات وإن انقطع العمل بعدها.

يلاحظ عليه : ـ مع ما في عدّ هذه ثمرة لمسألة أُصولية نوع من التعسّف ـ أوّلاً : أنّ الآمر ضامن ، وإن لم يكن الأمر بالشيء أمراً بالمقدّمة ، لأنّه لمّا أمر بذيها وصار ذلك الأمر مبدأ لاشتغال العامل بالمقدّمات صار ضامناً ، ويكفي في الضمان كون الأمر بذيها سبباً للاشتغال بالمقدّمة وإن كان الأمر به فاقداً للدلالة

٥٧٨

على الإتيان بمقدّمته.

وثانياً : انّه لا يتم على القول بوجوب المقدّمة الموصلة ، لعدم الإتيان بالواجب ، فلا يكون القول بوجوبها ملازماً للضمان.

وثالثاً : ما عرفت من أنّ الاشتغال بما يسمّى بالمقدّمات ، اشتغال بنفس الواجب النفسي فيما إذا كانت المقدّمات داخلية ، كالمثال ، إذ ليس لبناء البيت معنى سوى القيام به على نحو التدريج وإن لم يكن الحال في المقدّمات الخارجية كذلك.

الثمرة الرابعة : حرمة أخذ الأُجرة على المقدّمة

ومن الثمرات المترتّبة على وجوب المقدّمة ، حرمة أخذ الأُجرة على إنجازها ، والثمرة مستنبطة من صغرى وكبرى.

أمّا الأُولى : فهي عبارة عن وجوب المقدّمة وجوباً شرعيّاً.

وأمّا الثانية : فقد تقرّر في محلّه التنافي بين الوجوب والاستئجار ، أي حرمة أخذ الأُجرة على إنجاز الواجب.

فيستنتج حرمةُ أخذ الأُجرة على إنجاز مقدّمة الواجب.

يلاحظ عليه : بأنّه لا ملازمة بين وجوب الشيء وحرمة أخذ الأُجرة ، ولعلّ النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه.

توضيح ذلك : انّ الواجب إمّا توصلي لا يتوقف سقوط أمره على الإتيان به لأمره سبحانه ، وأُخرى تعبّدي لا يسقط إلاّ بالإتيان به لأمره ، أو للّه سبحانه.

أمّا الأُولى فتارة يكون المطلوب للمولى تحقّقه في الخارج بالمجّان بحيث تكون المصلحة قائمة به ، وهذا كتجهيز الميت من تغسيله تكفينه وتدفينه ، وأُخرى

٥٧٩

يكون المطلوب وجوده فقط ، نظير الواجبات الاجتماعية التي لولاها لاختلّ النظام ، سواء أتى بها بالمجّان أو في مقابل الأُجرة.

وعلى ضوء ذلك فالوجوب التوصّلي بالمعنى الأوّل ينافي أخذ الأُجرة لا الثاني ، فلو كانت المقدّمة من قبيل القسم الأوّل يحرم أخذ الأُجرة عليه دون الثاني.

وأمّا الواجبات التعبّدية فهي أيضاً على قسمين : تارة يكون واجباً على الأجير ، وأُخرى يكون واجباً على الغير ، وإنّما يريد الإنسان إتيانه نيابة عنه.

أمّا الأوّل : فالظاهر بطلان عقد الإجارة بأن يوجر نفسه من الغير ليصلّـي أو يصوم شهر رمضان عن نفسه ، وذلك لأمرين :

١. عدم تمشّـي قصد القربة ، فلا يتمكّن من إيجاد ما استؤجر له على الوجه الصحيح.

٢. عدم انتفاع الموجر من عمله ، مع أنّه يشترط في صحّة الإجارة انتفاع الموجر من عمل الأجير ، وإلا تكون الإجارة سفهية ، ولذلك قالوا ببطلان ما لو أجّر بلا أُجرة ، أو باع بلا ثمن ، وانتفاعه بعمله عند اللّه ، وإن كان صحيحاً لكنّه لا يصحح العقد ، فمن يريده فليدفع إليه هبة وإحساناً ، لا أُجرة.

وأمّا الثاني ـ أعني : الاستئجار لإنجاز ما وجب على غيره وفات منه لعجزه أو موته ـ فهو صحيح في مثل الحج ، لأنّه عمل عبادي ماليّ ، وقد تضافرت الروايات عن النبي والأئمّة عليهم‌السلام على صحة النيابة فيه ، وصحّ عن الصادق عليه‌السلام أنّه أعطى ثلاثين ديناراً يُحج بها عن إسماعيل ولم يترك من العمرة إلى الحج شيئاً إلاّ اشترط عليه ، ثمّ قال : « يا هذا!! إذا أتيت هذا كان لإسماعيل حجّة بما أنفق من ماله ، وكان لك تسع حجج بما أتعبت من بدنك ». (١)

__________________

١ ـ الوسائل : ٨ ، الباب ١ من أبواب النيابة في الحج ص ١١٥ ، الحديث ١.

٥٨٠