إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٦٢٨

وأمّا القول الثالث : فهو قول متقن ، وإن كان القول الرابع أتقن منه ، والجامع بين القولين هو أن يكون الباعث لامتثال الأمر الغيري هو قصد التوصّل بالواجب النفسي لكن بشرط أن يكون الامتثال موصلاً لامتثال الأمر النفسي على القول الرابع ، وأمّا إذا خلا عن هذين الأمرين كما إذا امتثل الأمر الغيري لغاية الهوى والهوس لا لقصد التوصّل أو لم يكن في الواقع موصلاً إلى ذيها للانصراف عن الامتثال عمداً فلا يعدّ ممتثلاً حتى يترتّب عليه الثواب ، وهذا أشبه بمن يقوم بتناول الغذاء في السحر دون أن يصوم.

هذه الأقوال كلّها مبنية على القول بالاستحقاق ومع رفض المبنى لايبقى للبناء قيمة ، والحقّ ما اخترناه من أنّ ترتّب الثواب على العمل الصالح من باب التفضّل ، وعند ذلك لا طريق لترتّبه وعدمه إلاّ الرجوع إلى النقل من القرآن الكريم ، والسنّة المطهرة.

ومن حسن الحظ أنّ المصدرين صريحان في ترتّب الثواب على امتثال الأمر الغيري إذا كان بقصد التوصّل لذيها ، وإليك بعض ما يدلّ على ذلك في المصدرين.

قال سبحانه : ( مَا كانَ لأهْلِ الْمَدينَةِ وَمَنْ حَولَهُمْ مِنَ الأعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ وَلا يرغَبُوا بِأَنفسهِمْ عَنْ نَفْسهِ ذلكَ بانَّهُمْ لا يُصيبُهُمْ ظَمأٌ ولا نَصبٌ وَلا مَخْصَمة في سَبيلِ اللّهِ وَلا يَطَئُونَ مُوطِئاً يَغِيظُ الكُفّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوّ نيلاً إلاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِين ). (١)

والآية المباركة تخبر عن أنّه سبحانه يكتب للمجاهدين في مقابل كلّ

__________________

١ ـ التوبة : ١٢٠.

٥٢١

خطوة يخطونها إلى الجهاد وما يقابلون من ظمأ وعطش ، ونصب وتعب ، ومخمصة وجوع ، عملاً صالحاً لا ينفك عن الأجر كما يقول سبحانه : ( كُتِبَ لَهُمْ بهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنّ اللّهَ لا يُضيعُ أَجرَ الْمُحسِنين ) ومن المعلوم أنّ ما وصف كلّها واجب غيري مقدمي.

ونظير الآية ما تضافر من ترتّب الثواب على كلّ خطوة يخطوها زائر الإمام الحسين بن علي عليهما‌السلام. (١)

وعلى ضوء ما ذكرنا يمكن الحدس بأنّ امتثال الأمر الغيري كامتثال الأمر النفسي إذا كان في سبيل التوصّل إلى امتثال الأمر النفسي يعد طاعة ويثاب الفاعل.

محاولة المحقّق الخراساني لتفسير ما دلّ على ترتّب الثواب

ثمّ إنّ المحقّق الخراساني لمّا أنكر ترتّب الثواب على امتثال الأمر الغيري وواجهه ما ورد في الشرع من ترتّب الثواب على امتثال الأمر الغيري حاول توجيه الآيات والروايات بوجهين :

الأوّل : لا بأس بزيادة المثوبة على الموافقة فيما لو أتى بالمقدّمات بما هي مقدّمات له من باب أنّه يصير حينئذ من باب أفضل الأعمال ، حيث صار أشقّها وعليه ينزل ما ورد من الثواب على المقدّمات.

وحاصله : انّ كثرة المقدّمات تجعل العمل من الأعمال الشاقة ويكون الثواب المترتّب على ذيها أكثر من غير المشتمل عليها ، وعلى هذا يكون الإتيان

__________________

١ ـ كامل الزيارات : ١٣٣.

٥٢٢

بالمقدّمة للّه علّة لترتب الثواب الكثير على ذيها.

يلاحظ عليه : بأنّ التأويل يخالف ظاهر الآية والرواية ، فالآية ظاهرة في ترتّب الثواب على نفس طي الأرض والسفر إلى أرض المعركة وما يقابل في طريقه من الظمأ والنصب والمخمصة ، يقول سبحانه : ( كتب لهم به عمل صالح ) لا على الجهاد ، من جانب المقدّمة.

الثاني : انّ امتثال الأمر الغيري بما أنّه يُعد شروعاً في امتثال الأمر النفسي يترتّب عليه الثواب المترتب على الأمر النفسي.

يلاحظ عليه : أنّه لا يصحّ إلاّ في المقدّمات الداخلية التي قد عرفت خروجها عن حريم النزاع ، لا في مثل الشرائط والمعدّات. إذ كيف يعد الوضوء شروعاً في الصلاة مع أنّ الثواب مترتّب على الإتيان بالواجب لا على الشروع فيه؟!

وهذا البحث الضافي حول ترتّب الثواب على الأمر الغيري وعدمه يرجع إلى القولين : الاستحقاق أو التفضّل ، وأمّا على القول بأنّ الثواب نتيجة العمل أو تمثّل ملكوتي له أو غيره فلا يصحّ لنا إبداء النظر فيه لعدم العلم بحدوده وخصوصياته فهل الثواب نتيجة كلّ واجب أو خصوص الواجب النفسي؟ ومثله نظرية التمثّل ، فهل يعمّ كلّ الأعمال والواجبات أو يختصّ بالواجبات النفسية؟ فالأولى على هذا المذهب هو السكوت.

٥٢٣

التنبيه الثاني

إشكالات الطهارات الثلاث

قد وقعت الطهارات الثلاث مورداً للإشكال من جهات ثلاثة :

الأوّل : اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ الآتي بها يثاب ، مع أنّ الأمر الغيري لا يترتّب عليه ثواب.

الثاني : اتّفق الفقهاء ـ غير أبي حنيفة ـ على أنّ الطهارات الثلاث أخذت مقدّمة للصلاة بما هي عبادة يتقرّب بها إلى اللّه تعالى ، مع أنّ الأوامر المتعلّقة بها أوامر غيرية وهي توصلية دائماً لا تُصحّح عبادية متعلّقاتها ، إذ ليست المقدّمة محبوبة للمولى إذ لو أمكنه الأمر بذيها بدون التوصّل بها ، لأمر ، فالأمر بها من باب اللابدية ومثل هذا لا يصلح للمقربية.

وإن شئت قلت : إنّ الأوامر الغيرية أوامر توصلية ، وهي لا تكون منشأ لعبادية المتعلّق.

الثالث : انّ الطهارات الثلاث ، إنّما أخذت مقدّمة للصلاة بما انّها عبادة ، وليس حالُـها حالَ بقيّة المقدّمات في كون مطلق وجودها في الخارج مقدّمة ، سواء أتي بها عبادة أم لا ، فحينئذ لا إشكال في توقّف الأمر الغيري على عباديتها ، فلو توقفت عباديتها على الأمر الغيري ، لزم الدور.

وبعبارة أُخرى : انّ الأمر الغيري يتعلّق بما يتوقّف عليه الواجب ، والمفروض

٥٢٤

أنّ الطهارات الثلاث بعنوان كونها عبادة ، مقدّمة ، وعليه فالأمر الغيري المتعلّق بها بطبيعة الحال ، يتعلّق بها بعنوان انّها عبادة ، ومعه كيف يعقل أن يكون الأمر الغيري منشأ لعباديتها؟

وإليك دراسة الإشكالات واحداً بعد الآخر.

دراسة الإشكال الأوّل

إنّ الإشكال الأوّل ليس بمهم ، لأنّه إن قلنا بأنّ الثواب بالاستحقاق فقد تقدّم انّه يترتّب على إطاعة أمر المولى من غير فرق بين كونه نفسياً أو غيرياً ، غاية الأمر يشترط في امتثال قصد الأمر الغيري كون الامتثال بقصد التوصّل إلى ذيه.

وأمّا لو قلنا بأنّ الثواب بالتفضّل ولا طريق إلى تحقيق الحال إلاّ بالرجوع إلى الكتاب والسنّة ، فلو دلّ الدليل على ترتّب الثواب على امتثال الأمر الغيري بالطهارات الثلاث فيؤخذ به.

إنّما المهم الإشكال الثاني والثالث حيث كان الثاني يركّز على أنّ الطهارات الثلاث أخذت مقدّمة للواجب ، وليس المقدّمة إلاّ العبادة منها ، فحينئذ يُسأل عن ملاك العبادة فهل هو وجود الملاك فيها؟ فهو مردود بأنّ المقدّمة غير مطلوبة بالذات فكيف يكون فيها الملاك ، أو قصد الأمر الغيري وهو أمر توصلي لا يصحّح العبادة.

كما أنّ الإشكال الثالث يركّز على الدور ، لأنّ الأمر الغيري تعلّق بالوضوء العبادي ، فيجب أن يوصف بالعبادة قبل تعلّق الأمر ، فلو كانت عبادية الوضوء رهن قصد الأمر الغيري ، فيدور.

٥٢٥

دراسة الإشكالين الثاني والثالث

قد أجيب عن الإشكالين بأجوبة أربعة :

الأوّل : انّ الطهارات الثلاث بنفسها مستحبة

ذهب المحقّق الخراساني بأنّ المقدّمة فيها بنفسها مستحبة وعبادة ، وغاياتها ( كالصلاة وقراءة القرآن ) إنّما تكون متوقّفة على إحدى هذه العبادات ، فلابدّ أن يؤتى بها عبادة ، وإلاّ فلم يؤت بما هو مقدّمة لها ، فقصد القربة فيها لأجل كونها في نفسها أُموراً عبادية ، ومستحبات نفسية لا لكونها مطلوبات غيرية. (١)

وهو قدس‌سره بهذا البيان دفع الإشكالين ( الأخيرين ) ، أمّا الأوّل فلأنّ عباديتها بالأمر النفسي لا بالأمر الغيري ، كما دفع إشكال الدور لأنّ عبادة الوضوء إنّما هو بالأمر النفسي المتعلّق بها ، فصار الوضوء عبادة قبل تعلّق الأمر الغيري ، فالأمر الغيري موقوف على الموضوع ، والموضوع ( أي كون الوضوء عبادة ) غير موقوف على الأمر الغيري.

وأورد عليه المحقّق النائيني بوجوه ثلاثة :

١. انّه لا يتم في خصوص التيمّم الذي لم يدلّ على كونه مطلوباً في حدّ ذاته.

٢. انّ الأمر النفسي الاستحبابي ينعدم بعروض الوجوب.

٣. انّه يصحّ الإتيان بجميع الطهارات بقصد الأمر النفسي المتعلّق بذيها ، من دون التفات إلى الأمر النفسي المتعلّق بها. (٢)

وحاصله : انّ الأمر النفسي المتعلّق بها مغفول عند الناس ، فكيف يكون

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٧٧.

٢ ـ أجود التقريرات : ١ / ١٧٥.

٥٢٦

ملاكاً لتصحيح العبادية؟! وسيوافيك مراده من قصد الأمر النفسي في الجواب الثاني.

يلاحظ على الأوّل : بأنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الطهارات الثلاث حتّى التيمّم عبادة في ظرف خاص.

وأمّا من حيث سعة الغاية وضيقها فلو قلنا بأنّ التيمّم رافع للحدث فالتيمّم والوضوء سيّان ، فيجوز لفاقد الماء أن يتيمّم لأجل مسح المصحف أو المكث في المسجد وغير ذلك.

وأمّا لو قلنا بأنّه مبيح للصلاة فتكون عباديته منحصرة بهذا الظرف.

ويلاحظ على الثاني : بأنّ الأمر الوجوبي القربي لا يزاحم الأمر النفسي الاستحبابي ، وذلك لاختلاف متعلّقهما ، فالأمر الاستحبابي تعلّق بذات الطهارات الثلاث ، وأمّا الأمر الوجوبي الغيري فقد تعلّق بالطهارات بما هي مستحبة نفسياً.

وبعبارة أُخرى : الوضوء بما هو هو مستحب نفسي ومتعلّق للأمر النفسي ، والوضوء بما أنّه مستحب نفسي متعلّق للأمر القربي.

نظير ذلك : لو نذر صلاة الليل ، فالأمر الاستحبابي تعلّق بذات صلاة الليل ، والأمر النذري الوجوبي تعلّق بالوفاء بالنذر ، ولا يتحقّق الوفاء إلاّ بالإتيان بصلاة الليل على وجه الاستحباب.

ويلاحظ على الثالث : بما ذكره المحقّق الخراساني بقوله : والاكتفاء بقصد أمرها الغيري ، فإنّما هو لأجل انّه يدعو إلى ما هو كذلك في نفسه ، حيث إنّه لا يدعو إلاّ إلى ما هو مقدّمة. (١)

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٧٨.

٥٢٧

وحاصله : انّ الأمر النفسي المتعلّق بالوضوء مثلاً وإن كان مغفولاً عنه لكن قصد الأمر الغيري المتعلّق به يغني عن قصد الأمر النفسي ، لأنّه يدعو إلى ما هو مقدّمة بالحمل الشائع ، والمفروض أنّ المقدّمة بالأمر الشائع هو الوضوء الذي تعلق به الأمر النفسي.

ولكن الحقّ أنّ الإشكال الثالث للمحقّق النائيني بعد باق بحاله ، لأنّه إذا كان الأمر النفسي هو المقوّم لعبادية الوضوء ، فكيف يكفي قصد الأمر الغيري؟ ومجرّد كون ذاك الأمر داعياً إلى ما هو عبادة لا يكفي في عبادية الوضوء ، والشاهد على ذلك انّه لو صلّى أحد الظهرَ بنيّة الأمر الغيري أي بما انّها مقدّمة للعصر لا يغني عن قصد الأمر النفسي ، مع أنّ الأمر الغيري المتعلّق بالظهر يدعو إلى ما هو مقدّمة بالحمل الشائع ، وليس هو إلاّ الظهر الواجب نفسيّاً.

إلى هنا تم الجواب الأوّل عن الإشكالين ، وقد عرفت كيفية الذب عن الإشكالات التي أوردها المحقّق النائيني إلاّ ثالثها فهو باق على حاله ، فلندرس سائر الأجوبة.

الثاني : انّ ملاك العبادية هو الأمر النفسي المتعلّق بذيها

ذهب المحقّق النائيني إلى أنّ منشأ عبادية الطهارات الثلاث هو الأمر المتعلق بالصلاة المتقيّدة بالطهارة ، وحيث إنّ الطهارة ممّا أخذت في متعلّق الأمر النفسي ، فيصلح أن يكون الأمر النفسي مصحّحاً للطهارات الثلاث ، قال في توضيحه : لا وجه لحصر منشأ عبادية الطهارات الثلاث في الأمر الغيري ، ولا في الأمر النفسي المتعلّق بالشيء ( المقدّمة ) ، بل هناك أمر ثالث وهو الموجب لكونها عبادة ، فانّ الأمر النفسي المتعلّق بالصلاة ، كما أنّ له تعلّقاً بأجزائها وهو موجب

٥٢٨

لكونها عبادة لا يسقط أمرها إلاّ بقصد التقرّب ، فكذلك له تعلّق بالشرائط المأخوذة فيها ، فلها أيضاً حصة من الأمر النفسي وهو الموجب لعباديتها ، فالموجب لعباديتها في الأجزاء والشرائط واحد. (١)

يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره خلط بين الجزء والشرط ، فالجزء مأخوذ في الواجب النفسي قيداً وتقيّداً ، فيصحّ الإتيان به بالأمر النفسي المتعلّق بالمركب ، وهذا بخلاف الشرط فالتقيّد مأخوذ في متعلّق الأمر النفسي كالطهارة في الصلاة لكن القيد من المقدمات الخارجة عن المركّب ، فلا يصحّ إتيانه بالأمر النفسي المتعلّق بالمركب ، لأنّ القيد خارج عن المتعلّق.

الثالث : كفاية قصد التوصّل في العبادية

ذهب المحقّق البروجردي إلى أنّه يكفي في إضفاء العبادية على الطهارات الثلاث قصد التوصّل بها إلى الأمر النفسي المتعلّق بالغاية ، يقول : يكفي في عبادية الشيء أن يأتي به المكلّف تارة بقصد أمره النفسي الاستحبابي ، وأُخرى أن يأتي به بقصد التوصّل به إلى إحدى غاياته. وحينئذ يكون الداعي إلى إيجاده هو الأمر النفسي المتعلّق بالغاية المطلوبة من الصلاة والقراءة ونحوهما.

والحاصل : انّ المصحّح لعبادية المقدّمات هو قصد الأمر المتعلّق بذيها ، من غير حاجة إلى قصد الأمر النفسي أو الغيري المتعلّق بأنفسها. (٢) ولعلّه إلى ذلك الجواب يشير المحقّق الخوئي على ما في محاضراته حيث قال : إنّ منشأ عبادية الطهارات أحد أمرين على سبيل منع الخلو : أحدهما قصد امتثال الأمر النفسي ، وثانيهما قصد التوصّل بها إلى الواجب ، فانّه أيضاً موجب لوقوع المقدّمة عبادة ولو

__________________

١ ـ أجود التقريرات : ١ / ١٧٥.

٢ ـ نهاية الأُصول : ١ / ١٧٤ ـ ١٧٥.

٥٢٩

لم نقل بوجوبها شرعاً. (١)

يلاحظ عليه : أنّه إن أراد انّ الأمر المتعلّق بذي المقدّمة يدعو إلى الإتيان بالمقدّمة ، فهو خلاف التحقيق ، لأنّ كلّ أمر لا يتجافى عن متعلّقه ولا يدعو إلى الخارج عنه والشرائط من الأُمور الخارجة عنه.

وإن أراد انّ الإتيان بالشيء للتوصّل به إلى العبادة كاف في تعنون المقدّمة بالعبادية ، ففيه أنّه غير تام بشهادة أنّ الإتيان بالستر وطهارته إذا قصد به التوصّل إلى الصلاة لا يوصفان بالعبادة ، فلابدّ ـ وراء التوصّل إلى العبادة ـ من شيء آخر كما سيوافيك في الجواب الرابع.

الرابع : كفاية قصد الإتيان للّه

إنّ إضفاء وصف العبادية على الطهارات الثلاث وحلّ الإشكالين الأخيرين يتحقّق بوجهين آخرين :

١. انّ الشيء إذا كان صالحاً للعبادة فيكفي في إضفاء وصف العبادة عليه الإتيان به للّه سبحانه ، من دون حاجة إلى قصد الأمر النفسي ولا الغيري ، بل إذا كان لشيء في حدّ نفسه صالحاً للتعبّد وجاء به المكلّف للّه سبحانه يوصف بالعبادة ، والطهارات الثلاث من هذا القبيل ، فقد اتّفق العلماء على كونها صالحة للعبادة ، فمع إحراز هذه الصلاحية يكفي الإتيان بها للّه سبحانه في تعنونها بالعبادة من دون نظر إلى الأمر النفسي المتعلّق بها أو الأمر النفسي المتعلّق بذيها أو الأمر الغيري المتعلّق بها ، وعلى ضوء هذا ينحل الإشكالان.

__________________

١ ـ لاحظ المحاضرات : ٢ / ٤٠١.

٥٣٠

أمّا الثاني وهو تعيين مصحّح العبادة فقد مرّ أنّ المصحّح عبارة عن أمرين تاليين :

أ. كون الشيء صالحاً للتعبّد.

ب. الإتيان به للّه سبحانه.

وكلا الأمرين متحقّقان.

وأمّا الإشكال الثالث ، وهو انّه يشترط قبل تعلّق الأمر الغيري كون الطهارات الثلاث موصوفة بالعبادة ، والمفروض انّ الطهارات الثلاث قبل تعلّق الأمر الغيري موصوفة بها لما عرفت من أنّ ملاك العبادية هو صلاحية الفعل لها بشرط الإتيان به للّه سبحانه.

أضف إلى ذلك أنّه لا حاجة بعد اتّصافها بالعبادية إلى الأمر الغيري حتّى يتوجّه الإشكال.

٢. إضفاء وصف العبادة على الطهارات الثلاث من جانب الأمر الغيري فيمكن أن يقال انّ قصد الأمر الغيري كالأمر النفسي مصحح للعبادية ، ولا فرق فيه بين قصد الأمر النفسي أو الغيري ، ولا كون المتعلّق محبوباً بالذات أو محبوباً بالعرض ، فما اشتهر بين الأساطين من التفريق بين النفسي والغيري وإن الأوّل أمر قربي دون الثاني ، لا يرجع إلى محصل ، لأنّ الأمرين وإن كانا مختلفين في الغاية والمقصد لكن محصِّل القرب ، هو كون الحركة لأجل امتثال أمره كائناً ما كان ، وبذلك يظهر أنّ الإتيان بالواجب الغيري بنيّة امتثال أمره ، موجب لاستحقاق الثواب على القول بأنّه أمر استحقاقي ولا يختصّ ذلك بامتثال الأمر النفسي.

وعندئذ ينحل الإشكالان : أمّا الأوّل فلماعرفت من أنّ قصد الأمر الغيري

٥٣١

يضفي القربية على المتعلّق إذا أتى به امتثالاً لأمره.

وأمّا الإشكال الثاني ، فيظهر حاله بما قدّمناه في أخذ قصد الأمر في متعلّقه ، وحاصل ما يمكن أن يقال هنا :

إنّ الأمر الغيري يتعلّق بالوضوء بما هو صالح للعبادة ولا يعتبر فيه كونه عبادة بالفعل.

نعم إذا أتى به بقصد الأمر الغيري يكون عبادة بالفعل ، فالأمر الغيري موقوف على ما هو عبادة شأناً ، والعبادة الفعلية موقوفة على تعلّق الأمر الغيري وقصده.

ولكن الحقّ في الجواب ما قدّمنا من الوجه الأوّل.

تطبيقات

الأوّل : إذا توضّأ المكلّف قبل الوقت بداعي أمره النفسي ـ على القول به ـ صحّ وضوؤه وصلاته لو صلّى به بعد دخول الوقت ، لحصول المقدّمة العباديّة.

الثاني : لو توضّأ قبل الوقت متقرباً به إلى اللّه ، صحّ وضوؤه وصلاته ، إذا صلى بها بعد دخول الوقت ، لما عرفت من صلاحية العمل للعبادة ، فإذا انضم إليها كونه للّه سبحانه تحصل المقدّمة العباديّة.

الثالث : لو توضّأ قبل الوقت بداعي التوصّل إلى امتثال أمر الواجب النفسي الذي لم يدخل وقته ، فهل يصحّ وضوؤه وصلاته إذا صلّى به بعد دخول الوقت أو لا؟ اختار سيد مشايخنا المحقّق البروجردي الثاني قائلاً بأنّها لا يصحّ ولا يجوز الدخول معه إلى الصلاة ، لعدم تحقّق الأمر النفسي بعد ، فكيف يكون

٥٣٢

الأمر المعدوم داعياً؟! فليس للأمر المعدوم امتثال حتى يقال انّ المقدّمة واقعة في طريقه. (١)

يلاحظ عليه : بأنّه ليس الداعي وجود الأمر ثبوتاً وان لم يعلم به المكلّف ، بل الداعي هو علمه به سواء أكان الأمر موجوداً بالفعل ، أم لا ، فإذا كان المكلّف على ثقة بأنّه يدرك فعلية الأمر بعد ساعة ، فيكفي في الداعوية العلم بوجوده في ظرفه فيأتي بالوضوء للتوصّل إلى امتثال النفسي الذي سيتوجه إليه.

وبعبارة أُخرى : إذا لم يكن للمكلّف داع إلى إتيان الوضوء الاستحبابي قبل الوقت لكن لما رأى أنّ الصلاة ـ بعد دخول الوقت ـ مشروطة به ، قام فتوضّأ لأجل ذلك فيكفي ذلك في الداعويّة.

وإن أبيت إلاّ عن شرطية الأمر الفعلي في الداعوية ، فنقول إنّ هذا القسم يدخل في الوجه الثاني ، من الوجهين لحلّ الإشكالين لأنّ التوضّؤ ـ أعني : امتثال الواجب في المستقبل ـ لا ينفك عن كون الحركة ، حركة إلهية بداعي التقرّب إليه سبحانه بعمله ، فإذا ضمّ هذا إلى وجود القابلية في العمل ، تحصل المقدّمة العبادية ، ومع حصولها يجوز الدخول في الصلاة بعد دخول الوقت.

الرابع : إذا توضّأ بعد دخول الوقت بقصد أمره النفسي الاستحبابي ، فهل يصح وضوؤه ويجوز له الدخول في الصلاة أو لا؟ نقول :

إنّ للفرع صورتين :

أ : لو توضّأ بقصد امتثال أمره النفسي ، مع القول بعدم وجوبه غيريّاً لأجل إنكار وجوب الغيري مطلقاً في عامّة المقدّمات كما سيوافيك برهانه فيصحّ

__________________

١ ـ نهاية الأُصول : ١٧٦.

٥٣٣

الوضوء ويدخل معه الصلاة ، إذ لا وجه لسقوط الأمر الاستحبابي الثابت له قبل الوقت.

ب : تلك الصورة مع القول بالوجوب الغيري ، كسائر المقدّمات فالصحة وعدمها مبنيّان على جواز اجتماع الأمر الاستحبابي مع الوجوب الغيري وعدم جوازه وبالتالي سقوط الأمر الاستحبابي.

وربّما يقال بجواز الاجتماع لأنّ الأمر النفسي تعلّق بذات الوضوء والأمر الغيري به بعنوان كونه مقدمة ، فاختلف المتعلقّان.

يلاحظ عليه : بما مرّ من أنّ عنوان المقدّمة ، عنوان تعليلي لا تقييدي ، وفي مثله يكون المتعلّق واقعاً هو ذات الوضوء ، وتكون المقدّمية علّة لعروض الحكم لا موضوعاً له فيتّحد متعلق الأمر الاستحبابي والوجوب الغيري.

الخامس : إذا توضّأ بعد دخول الوقت بنيّة الأمر الغيري صحّ وضوؤه ويصحّ معه الدخول فيها ، لما عرفت من أنّ الإتيان بالشيء بنيّة امتثال أمره يضفي على العمل عنوان العبادة إذا كان الشيء في حدّ ذاته صالحاً للعبادة ، من غير فرق بين الأمر النفسي والغيري ، إذ الميزان كون الحركة للّه سبحانه ، أو بداعي امتثال أمره ، وكون الشيء في ذاته محبوبا أو لا ، لا مدخلية في تحقق التقرّب إذا أتى الشيء بامتثال أمره إذا كان المأتي به صالحاً للعبادة. وبما ذكرنا يعلم حال ما ذكره السيد الطباطبائي في الوضوءات المستحبة ، المسألة ٦ من العروة الوثقى فلاحظ.

٥٣٤

من تقسيمات الواجب

تقسيمه

إلى الأصلي والتبعي

لما كان الأمر الرابع (١) معقوداً لبيان أقسام الواجب كان اللازم على المحقّق الخراساني بيان هذا التقسيم في هذا الأمر ولكنه أخّره إلى مقام آخر وتبعه السيّد الأُستاذ قدس‌سره ، في درسه الشريف.

وقد اختلفت كلمة الأُصوليّين في ملاك هذا التقسيم ، فهل هو بلحاظ الثبوت أو بلحاظ الإثبات؟ والأوّل هو خيرة المحقّق الخراساني ، والثاني مختار المحقّق القمّي.

نظرية المحقّق الخراساني

ذهب المحقّق الخراساني إلى أنّ ملاك التقسيم هو مقام الثبوت ، وانّ الشيء تارة يكون متعلّقاً للإرادة مستقلاً لأجل الالتفات إليه تفصيلاً ، وأُخرى يكون متعلّقاً للإرادة تبعاً لإرادة غيره لأجل كون إرادته لازمة لإرادته ، وذلك لعدم الالتفات إليه تفصيلاً.

وعلى هذا فلا شكّ في أنّ الواجب الغيري يُوصف بالأصلي والتبعي ، حيث إنّ المولى تارة يلتفت تفصيلاً إلى المقدّمة فيريدها كذلك ، فتكون غيرياً أصلياً ،

__________________

١ ـ كان الأمر الثالث لبيان أقسام المقدّمة ، والرابع لتقسيم الواجب.

٥٣٥

وأُخرى لا يلتفت إليها تفصيلاً فتتعلّق إرادته بها تبعاً لإرادة غيره فيكون غيرياً تبعياً.

وأمّا الواجب النفسي فلا يوصف إلاّ بالأصالة لا بالغيرية ، ضرورة أنّ ما فيه مصلحة في نفسه تتعلق به الإرادة مستقلاً كان هنا شيء آخر أو لم يكن ، فلا تكون إرادته تبعية لغيره.

يلاحظ عليه : بأنّه لو كان الملاك كون الشيء متعلّقاً للإرادة على وجه الاستقلال وعدمه يجب أن يلتزم بأحد الأمرين.

أمّا انّ النفسي كالغيري يوصف بالأصالة والتبعية أيضاً.

وأمّا أنّ الغيري لا يوصف إلاّ بالتبعية مطلقاً.

لأنّه إن أراد من الاستقلال الذي هو ملاك الأصالة ، الالتفاتَ التفصيلي في مقابل الالتفات الإجمالي ، ففيه انّ النفسي أيضاً تارة يكون تبعياً بهذا المعنى ، كما إذا كان ولد المولى مشرفاً على الغرق والتفت إليه العبد دون المولى ، فانقاذ ولده واجب تبعي لا أصلي ، لعدم الالتفات إليه على وجه التفصيل حتّى تتعلّق به إرادته التفصيلية ، بل تعلّقت إرادته الإجمالية في ضميره بحفظ ما يتعلّق به من النفس والنفيس والأعراض والأموال ، فيكون إنقاذ الولد واجباً نفسياً تبعياً لعدم الالتفات إليه تفصيلاً.

وإن أراد من الاستقلال عدم تبعيّة إرادة الشيء لإرادة أُخرى في مقابل ما تكون إرادته تابعة لأُخرى ففيه انّ الواجب الغيري يكون تبعياً في جميع الأحوال لأنّ ماهيته هو التبعية لكونه مطلوباً لأجل ذيه.

وثمة إشكال آخر وهو أنّ عامّة التقسيمات الماضية كانت بملاك الإثبات والدلالة ، فلماذا خرج هذا التقسيم عن تحت هذه الضابطة وصار الملاك فيه إرادة الشيء مستقلاً أو غير مستقل دون مقام الدلالة؟

٥٣٦

نظرية المحقّق القمي

ذهب المحقّق القمي إلى أنّ ملاك التقسيم هو مقام الإثبات والدلالة ، وبيانه أنّه إذا كان الوجوب مفاد خطاب مستقل ، ومدلولاً بالدلالة المطابقية ، فالواجب أصلي ، سواء أكان نفسياً أم غيرياً. وإن فهم بتبع خطاب آخر ، ومدلولاً بالدلالة الالتزامية ، فالواجب تبعي ، سواء أكان نفسياً أم غيرياً ، وعلى هذا ينقسم النفسي إلى الأصلي والتبعي أيضاً كالغيري ، وذلك لأنّ كون الشيء ذا مصلحة نفسية لا يستلزم أن يكون مدلولاً لخطاب مستقل ومستفاداً من الدلالة المطابقية ، بل ربّما تقتضي المصلحة تفهيمه بالدلالة الالتزامية وبتبع خطاب آخر. (١)

نعم على هذا لا يكون التقسيم حاصراً ، لأنّ من أقسام الواجب ما لا يكون مدلولاً لخطاب أصلاً لا أصالة ولا تبعاً ، كما إذا كان مدلولاً لدليل لبّي من الإجماع والعقل.

ويمكن أن يقال انّ هذا التقسيم ليس لمطلق الواجب ، بل الواجب الذي عليه دليل لفظي ، فالواجب المستفاد من الإجماع والعقل خارج عن المقسم.

إذا دار أمر الواجب بين الأصلي والتبعي

إذا دار أمر الواجب بين الأصلي والتبعي ، فهل يمكن إحراز أحد الأمرين بالأصل أو لا؟

ذهب المحقّق الخراساني إلى الأوّل وأنّ نتيجة الأصل كون المشكوك واجباً تبعياً ، لأنّ الأصل عدم تعلّق إرادة مستقلّة به ، ويترتّب عليه آثار التبعية لو كان له

__________________

١ ـ قوانين الأُصول : ١ / ١٠٢.

٥٣٧

أثر شرعي كسائر الموضوعات المتقوّمة بأُمور عدمية كالماء القليل إذا قلنا إنّه عبارة عن الماء الذي لم يكن كرّاً.

نعم لو كان الواجب التبعي أمراً وجودياً خاصّاً غير متقوّم بعدمي وإن كان يلزمه لما يثبت بالاستصحاب لأنّ الأصل مثبت. (١)

يلاحظ عليه : أنّ الأصل مثبت مطلقاً حتّى وإن قلنا إنّ الواجب التبعي أمر عدمي ، وذلك لاختلاف القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ، فالمتيقّنة سالبة محصلة ، والمشكوكة موجبة معدولة.

أمّا القضية المتيقّنة فبيانها أن يقال : لم يكن قبل تشريع الشرائع هناك أيّة إرادة متعلّقة بهذا الشيء ، ولأجل ذلك يصدق انّه لم تتعلّق به إرادة مستقلة بهذا الشيء ولو لأجل عدم وجود الإرادة أصلاً ، وهذا ما عبّرنا عنه بالسالبة المحصّلة الصادقة ( عدم الاستقلال ) بعدم الموضوع ( عدم الإرادة ).

وأمّا المشكوك فهو يغاير المتيقّن ، بل هو عبارة عن قضية ، تحقَّقَ موضوعها وتعلّقت الإرادة بالشيء ، إنّما الكلام في وصفها ، فهل هو استقلالي أو تبعي؟ فاستصحاب القضية الأُولى التي كانت صادقة مع عدم الموضوع وإثبات وصف القضية المشكوكة ( عدم الاستقلال ) لموضوع محقّق من أوضح مصاديق الأصل المثبت.

وبعبارة أُخرى : القضية المتيقّنة عبارة عن الواجب الذي لم تتعلّق به إرادة مستقلة ، والقضية المشكوكة عبارة عن الواجب بإرادة غير مستقلة ، وصدق الأوّل لا يتوقّف على وجود الموضوع ، بخلاف الثاني فهو فرع وجود الموضوع.

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٩٥.

٥٣٨

الأمر الخامس

وجوب المقدّمة تابع لوجوب ذيها

إطلاقاً واشتراطاً

إذا قلنا بوجوب المقدّمة ، يتّبع وجوبُها وجوبَ ذيها في الإطلاق والاشتراط ؛ فإذا كان وجوب ذيها مشروطاً بشيء ، كالوقت في الصلاة ، والاستطاعة في الحجّ ، يكون وجوبها مشروطاً بها ؛ ولو كان وجوب ذيها مطلقاً بالنسبة إلى شيء كوجوب الظهر بالنسبة إلى إتيانها بالجماعة ، يكون وجوب المقدّمة كالطهارة بالنسبة إليه كذلك.

ويمكن الاستدلال على التبعية بوجهين :

الأوّل : انّ إرادة المقدّمة ناشئة من إرادة ذيها فلا محالة يكون وجوبُها في الإطلاق والاشتراط تابعاً لكيفية وجوب ذيها.

يلاحظ عليه بما مرّفي البحوث السابقة : أنّ نشوء إرادة من إرادة أُخرى ممّا لا حقيقة له ، لأنّ إرادة ذيها ليست علّة فاعليّة لإرادة المقدّمة ، بل هي غاية لإرادتها ، ولكلّ من الإرادتين ، مبادئ ومقدّمات إذا حصلت ، ظهرت الإرادة في لوح النفس ، وعلى ذلك ففاعل الإرادة وموجدها في الذهن هو النفس ، فإذا بطل نشوء إرادة عن أُخرى بطل ما رتب عليه من حديث التبعيّة.

٥٣٩

الثاني : انّ إرادة المقدّمة وإن لم تكن ناشئة من إرادة ذيها ، لكن الثانية غاية لإرادة المقدّمة ، فلا معنى لأن يكون ذو الغاية ( وجوب المقدّمة ) أوسع من الغاية ، وقد ثبت في محلّه انّ الأفعال الاختيارية تتضيق ضيقاً ذاتياً حسب غاياتها ، فلا يطلب العاقل شيئاً أوسع من الغاية التي يطلبه لأجلها.

وهذا القول غير القول بأنّ وجوب المقدّمة مشروط بوجوب ذيها ، إذ هو أمر باطل ، بل متضيق بالذات.

٥٤٠