إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٦٢٨

من أجزاء العلّة ، والعلّة تكون مقارنة للمعلول وجوداً ومتقدّمة عليه رتبة ، فإذا كان هذا حال العلّة ، وكان الشرط على وجه الإطلاق جزءاً للعلة ، فكيف ينقسم الشرط بالنسبة إلى المعلول إلى أقسام ثلاثة متقدم ، مقارن ، متأخر؟

ولأجل رفع الإشكال نبحث في مقامات ثلاثة :

الأوّل : في شرائط المأمور به.

الثاني : في شرائط التكليف.

الثالث : في شرائط الوضع.

فانّ الشرط لا يخلو من الأقسام الثلاثة ، وإليك دراسة الجميع واحداً تلو الآخر.

المقام الأوّل : شرط المأمور به

تنقسم شرائط المأمور به إلى متقدّم على الواجب ، كالغسل والوضوء ، إذا قلنا بشرطية نفس الأعمال الخارجية للواجب ، ومقارن ، كالستر والاستقبال ، ومتأخر كما إذا أمر بالصوم نهاراً مقيّداً إياه بالاغتسال ليلاً.

والجواب : انّ لشرط المستعمل في المقام غير الشرط الفلسفي ، فانّ الثاني عبارة عمّا يكون مكملاً لفاعلية الفاعل أو قابلية القابل ، فالأوّل كالمحاذاة للنار فلولا المحاذاة لم تؤثر النار في إحراق القطن ، والثاني كيبوسة الحطب فلولاها لم يحترق بسهولة.

هذا هو الشرط الفلسفي ، ويجب أن يكون مقارناً مع العلّة لا متقدّماً ولا متأخراً ، فالمحاذاة واليبوسة الخارجتان عن تلك الضابطة لا تؤثران لا في فاعلية الفاعل ، ولا في قابلية القابل.

٤٤١

وأمّا الشرط المستعمل في المقام فهو عبارة عمّا يكون القيد خارجاً والتقيّد داخلاً في مقابل الجزء ، فانّ الثاني كالركوع يكون داخلاً في المأمور به قيداً وتقيّداً ، بخلاف الوضوء فانّه يكون داخلاً تقيداً لا قيداً.

فالذي أوجد الإشكال في المقام هو اشتراك لفظ الشرط بين معنيين : أحدهما ما يستعمل في الفلسفة والآخر ما يستعمل في الفقه ، فالاشتراك اللفظي أحد أسباب المغالطة مثل قولك مشيراً إلى الباصرة هذه عين. ثمّ مشيراً إلى نبع جار و « كلّ عين جارية » فتستنتج هذه جارية ، وإنّما نشأ الخلط في أنّ المقصود من العين الأولى هي الباصرة ، ومن الثانية النبع الجاري ، ومثله المقام.

وعلى ذلك فالمقصود من الشرط أي ما يكون من متعلقات المأمور به ، ومن المعلوم أنّ المأمور به أمر تدريجي لا دفعي ، فيقدّم قسم من أجزائه ويؤخّر قسم آخر ، والمتقدم والمتأخر يعد اعتباراً عملاً واحداً ذا عنوان واحد.

هذا هو حقيقة الأمر ، وممّن تنبّه لهذا الجواب المحقّق النائيني حيث قال : التحقيق هو خروج شروط المأمور به عن حريم النزاع ، بداهة أنّ شرطية شيء للمأمور به ليست إلاّ بمعنى أخذه قيداً في المأمور به ، فكما يجوز تقييده بأمر سابق أو مقارن ، يجوز تقييده بأمر لاحق أيضاً ، كتقييد صوم المستحاضة بالاغتسال في الليلة اللاحقة ، إذ لا يزيد الشرط بالمعنى المزبور على الجزء ، الدخيل في المأمور به تقيّداً وقيداً. (١)

وبذلك نستغني عمّا ذكره المحقّق الخراساني من الجواب ، لما عرفت من أنّ الإشكال غير شامل لهذه الصورة ، إذ لا علّية ولا معلولية.

__________________

١ ـ أجود التقريرات : ١ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٤٤٢
المقام الثاني : شرائط التكليف

إنّ شرائط التكليف على أقسام ، تارة يكون متقدماً كما إذا قلت : إذاجاء زيد اليوم يجب عليك إكرامه غداً ، على وجه يكون لفظة غداً قيداً للوجوب ، ومنه ما يكون مقارناً كالبلوغ والعقل المقارنين للوجوب ، ومنه ما يكون متأخراً كوجوب الحجّ في أوّل أشهر الحجّ للمستطيع مع كونه مشروطاً بدرك الوقوفين ، فيقال : انّ التكليف فعل من أفعال المولى ، وشرطه جزء من علل التكليف فكيف يكون متقدّماً تارة ومتأخراً أُخرى مع أنّه من أجزاء العلّة التي يجب أن تكون مجتمعة في زمان ومكان واحد؟

والجواب : انّ التكليف يطلق ويراد منه أحد المعنيين :

الأول : الايجاب والزجر الاعتباريان الإنشائيّان.

الثاني : الإرادة الحقيقية الظاهرة في نفس المولى الباعثة إلى الإيجاب والزجر الاعتباريين.

أمّا الأوّل : فبما انّ الأُمور الاعتبارية قائمة بنفس الاعتبار وتابعة لكيفيته فلا يحكم عليها بضوابط التكوين ، فما ذكر من أنّ شرط العلة يجب أن يكون مقارناً فهو راجع إلى الشرط التكويني كالمحاذاة في يبوسة الحطب ، وأمّا الخارجة عن مدار التكوين فهي تابعة لكيفية الاعتبار ، فللمعتبر أن يجعل الشيء المتقدّم شرطاً للاعتبار المتأخر وبالعكس.

وأمّا الثاني : فبما انّ الإرادة الظاهرة في لوح النفس من الأُمور التكوينية فلو كان شيء شرطاً لظهور الإرادة يجب أن يكون تابعاً لضوابط التكوين بأن يكون مقارناً لعلة الإرادة لا متقدّماً ولا متأخراً عنها.

هذا هو الإشكال ، وأمّا الحل فلا شكّ أنّ الصغرى ( كون الإرادة من الأُمور

٤٤٣

التكوينية ) والكبرى لزوم اقتران شرط العلة التكوينية معها صحيح ، إنّما الإشكال في تعيين ما هو الشرط للإرادة.

فالخلط حصل بين ما هو شرط في القضية اللفظية للإيجاب ، وما هو شرط للإرادة الحقيقية ، ففي المثال المذكور « إن جاءك زيد اليوم يجب عليك إكرامه غداً » انّ شرط الإيجاب وإن كان هو المجيء المتقدّم على الإيجاب ، لكنّه ليس شرط الإرادة بل شرطها هو تصوّر المولى في أنّ إكرام زيد غداً لأجل قدومه إلى هذا البلد مصلحة ملزمة ، وهذه الصورة العلمية تصير سبباً لظهور الإرادة في ذهن المولى التي يتبعها الإيجاب.

فالمجيء المتقدّم شرط للإيجاب الاعتباري ، وأمّا شرط الإرادة فهو عبارة عن الصورة العلمية للقضية الموجودة في النفس المقارنة لانقداح الإرادة ، والمراد من الصورة العلمية هو علمه بوجود المصلحة في الإكرام.

ومنه يظهر حال الشرط المتأخر ، فانّ حياة المكلف في أيّام الحجّ ودركه الموقفين شرط للإيجاب الاعتباري للحج للمستطيع في أوائل أشهر الحجّ ، وأمّا انقداح الإرادة في ذهن المولى التي يتبعها الإيجاب فشرطها عبارة عن العلم بالمصلحة في هذا النوع من العمل ، والعلم بالمصلحة مقرون بانقداح الإرادة ، فالخلط حصل بين شرط الايجاب وشرط انقداح الإرادة.

وإن شئت مزيد توضيح فلنذكر ما ذكره شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ في الدورة السابقة فقال : إنّ هاهنا أُموراً يجب التمييز بينها :

١. الوجوب الاعتباري العقلائي المنتزع عن نفس التكليف ، ولا شكّ أنّ شرطه هو نفس المجيء أو نفس القدرة الموجودة في ظرفه. ولكن التقدّم والتأخّر في الشرط لا يضرّان في الأُمور الاعتبارية ، إذ لا تأثير فيها ولا تأثّر ، وإنّما واقعها هو

٤٤٤

اعتبار الوجوب وفرضه تحت شرائط خاصّة ، متقدّمة أو مقارنة أو متأخّرة.

٢. الإرادة الحقيقية المنقدحة في ذهن المولى ، فهي بما أنّها أمر تكويني يجب أن يكون شرطها مقارناً لها ، وقد علمت أنّ المحرك والباعث لظهورها انّما هو العلم بالمصلحة فيما إذا قال : إذا جاءك زيد يوم الخميس فأكرمه يوم الجمعة ، أو العلم بتحقق القدرة في ظرفها في فريضة الحجّ.

٣. نفس العمل الخارجي الصادر من المكلّف ، فلا شكّ أنّ الشرط هو نفس القدرة الخارجية وهي مقارنة.

فتلخّص أنّ الشرط فيما تجب فيه المقارنة الزمانية ، مقارن لمشروطه ، وفيما هو متقدّم ومتأخر ممّا لا تجب فيه المقارنة لخروجها عن مصب القاعدة العقلية ، أعني : لزوم مقارنة الشرط لمشروطه.

وما ذكره المحقّق الخراساني من أنّ الشرط هو لحاظه ذهناً لا وجوده خارجاً فإنّما يتمّ في هذا القسم ، أي شرائط التكليف : الاعتبار ، والإرادة الحقيقية ، لا في شرائط الوضع الذي هو المقام الثالث.

المقام الثالث : في شرائط الوضع

المراد بالوضع هو الأحكام الوضعية من الصحة والملكية والزوجية وغير ذلك ، فتارة يكون الشرط الذي ربّما يطلق عليه السبب متقدّماً على الوضع ، وأُخرى مقارناً له ، وثالثة متأخّراً عنه.

فالأوّل كالوصية التمليكيّة حيث إنّ الإيصاء جزء السبب لحصول الملكية ، والجزء الآخر هو قبول الموصى له.

والثاني : كالعقل والبلوغ المقرون بالعقد.

٤٤٥

والثالث : كالاجازة بالنسبة إلى صحّة البيع الفضولي ، إذا قلنا بأنّ الإجازة كاشفة عن حدوث الملكية للمشتري من زمان العقد ، ومثلها الأغسال الليلية إذا كانت شرطاً لوصف الصوم بالصحّة الفعلية بشرط تعقبها بالأغسال.

فالإشكال في المقام هو تقدّم الشرط على المشروط أو تأخّره عنه.

والإجابة عن هذا الإشكال واضحة لما قلنا من أنّ الأُمور الاعتبارية لا تخضع للقواعد التكوينية فمقارنة الشرط مع العلّة وعدم تأخّره أو تقدّمه عليه إنّما يختص بالعلل التكوينية ، وأمّا الأُمور الاعتبارية الخاضعة لاعتبار المعتبر فلا مانع من أن يتّخذ المتقدم أو المتأخّر شرطاً ، فلا إشكال في القول بصحّة البيع الفضولي فيما مضى إذا لحقت الإجازة ، أو صحّة صوم المستحاضة في يومها إذا اغتسلت بعد اليوم.

نعم هنا إشكال آخر غير الإشكال المعروف ( امتناع تقدّم الشرط على العلّة أو تأخّره عنها ) نوضحه بالبيان التالي :

إنّ الأُمور الاعتبارية وإن كانت غير خاضعة للقواعد التكوينية لكنّها بما أنّها أُمور اعتبارية عقلائية تتوقّف صحّة اعتبارها على أمرين :

١. أن يترتب على الاعتبار أثر ، فلو كان خالياً عنه لغى الاعتبار كاعتبار « أنياب أغوال » فانّ تخيّل الغول ونابه أمر ذهني فاقد للأثر فلا يعد من الاعتبارات العقلائية.

٢. عدم اشتمال الاعتبار على التناقض ، مثلاً إذا اعتبر شيئاً جزءاً للسبب ومع ذلك رتّب الأثر مع عدم هذا الجزء ـ فانّه وإن لم يكن أمراً محالاً ـ لكنّه بما انّه تناقض في الاعتبار وتناقض في القانون لا يحوم حوله العقلاء ويسقط عن الاعتبار.

وعلى ضوء ذلك فالاعتبارات الشرعية والعقلائية يجب أن يجتمع فيها

٤٤٦

شرطان :

أ. ترتّب الأثر.

ب. عدم التناقض في الاعتبار.

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ القول بصحّة عقد الفضولي وملكية المشتري للمبيع قبل الإجازة ( الكشف الحقيقي ) وإن لم يكن أمراً محالاً إلاّ انّه مناقضة في الاعتبار والتقرير حيث إنّ المقنن يعتبر أوّلاً مقارنة الرضا للتجارة شرطاً لحصول الملكية ويقول : ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراض مِنْكُمْ ) (١) ويقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه » (٢) فمعنى ذلك انّه اعتبر السبب التام لحصول الملكية ، هو التجارة الناشئة عن الرضا وطيب النفس.

والقول بحدوث الملكية للمشتري ، قبل الإجازة ورضى المالك يناقض الاعتبار الأوّل. فلو حاول المقنن صيانة الاعتبار الأوّل فليس له محيص عن القول بالنقل أي تأثير الاجازة في ما يأتي فالقول بالكشف الحقيقي مع القول بأنّ الموضوع هو التجارة المقرونة بالتراضي لا يجتمعان في عالم الاعتبار.

ولأجل ذلك قلنا في محلّه انّ الكشف الحقيقي ليس أمراً محالاً بل مخالفاً للاعتبار السابق.

تصوير نتيجة الكشف الحقيقي

وبهذا تبيّن انّ الكشف الحقيقي وإن لم يكن أمراً محالاً ولكنّه يلازم التناقض في الاعتبار ، ولأجل ذلك التجأ غير واحد من المحقّقين كشريف العلماء وغيره إلى

__________________

١ ـ النساء : ٢٩.

٢ ـ المستدرك : ٣ ، كتاب الغصب ، الحديث ٥ ؛ الوسائل٣ ، الباب ٣ من أبواب مكان المصلي ، الحديث ٣.

٤٤٧

الكشف الحكمي ، وحاصله : عدم حصول الملكية إلاّ بعد الاجازة غير انّه إذا حصلت الاجازة يكون نماء المبيع للمالك الثاني شرعاً وتعبّداً ، وقد أوضحه الشيخ في متاجره. (١)

ويمكن أن يقال بنتيجة الكشف الحقيقي بالبيان التالي ، وهو أنّ الملكية لما كانت من الأُمور الاعتبارية ، والاعتبار سهل المؤونة ، فلا مانع من أن يقال : لا ملكيّة للمشتري قبل الإجازة لا واقعاً ولا ظاهراً ، غير انّ إجازة المالك كما تؤثر في المستقبل وتجعل المشتري مالكاً للمبيع فيه كذلك تؤثر فيما مضى وتجعل المبيع ملكاً للمشتري من زمان العقد إلى زمان الإجازة.

وعلى ما ذكرنا من إنشاء الملكية من زمان العقد إلى زمان الإجازة إلى الأزمنة الآتية ليس فيه أي تناقض في الاعتبار مع حصول نتيجة الكشف الحقيقي وهو كون المبيع ملكاً للمشتري فيما مضى. لأنّ الملكية على وجه الإطلاق تحصل بعد الإجازة واجتماع الشرط.

فإن قلت : ما ذكرت من المحاولة وإن كان خالياً من التناقض في الاعتبار ، لكنّه مخدوش من جهة أُخرى وهو أنّه يستلزم أن يكون شيء واحد في زمان واحد ملكاً لشخصين ، حيث إنّ المبيع يوم الخميس باعتبار عدم صدور الإجازة يُعدّ ملكاً للمالك الأوّل ، وينقلب الأمر بعد صدورها من المالك فيصير نفس ذلك المبيع في ذلك اليوم ملكاً للمشتري ، وهذا ما ذكرنا من استلزامه ملكية شيء واحد في ظرف واحد لشخصين.

قلت : إنّ المسوّغ لهذا النوع من الملكية ، أعني : أن يكون شيء واحد في يوم واحد ملكاً لشخصين هو اختلاف زمان الاعتبار ، حيث إنّ ظرف اعتبار كون

__________________

١ ـ المتاجر : ١٣٣ طبعة تبريز.

٤٤٨

المالك مالكاً للمبيع هويوم الخميس ، وأمّا اعتبار كون المشتري مالكاً له في نفس ذلك الظرف ، فإنّما هو يوم الجمعة ، فاختلاف زمان الاعتبارين هو المسوّغ ، وإن كان زمان الملكيتين واحداً.

ويمكن استظهار ذلك ( أي أنّ دور الإجازة إيجاد الملكية من زمان العقد إلى زمان الإجازة وبعدها ) من صحيحة محمد بن قيس ، فانّ هذه الصحيحة وإن اشتملت على مشاكل في المضمون وربّما يمكن التغلب على بعضها لكن الهدف هو استظهار أنّ دور الإجازة دور إحداث الملكية من زمان العقد إلى زمان الإجازة وبعدها ، فعندئذ يكون هناك نتيجة الكشف أي كون المبيع ملكاً للمشتري وإن لم يكن نفسه.

روى محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب ، فاستولدها الذي اشتراها منه ، فولدت منه غلاماً ، ثمّ جاء سيدها الأوّل ، فخاصم سيدها الأخير ، فقال : هذه وليدتي باعها ابني بغير إذني ، فقال : « الحكم أن يأخذ وليدته وابنها » ، فناشده الذي اشتراها ، فقال له : « خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفّذ لك البيع » ، فلمّا أخذه قال له أبوه : أرسل ابني ، قال : لا واللّه ، لا أرسل إليك ابنك حتّى ترسل ابني ، فلما رأى ذلك سيّد الوليدة أجاز بيع ابنه. (١)

والشاهد في قوله : « خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع » أي ينفذ البيع الذي صدر من ابنه وأن يسنده إلى نفسه من لدن صدوره إلى زمان إجازته ، وهذا دليل على أنّ دور الإجازة دور إحداث الملكية لا الكشف عن الملكية ، ولكن لا إحداثاً في المستقبل فقط حتّى تكون ناقلة ، بل إحداثاً من زمان

__________________

١ ـ الوسائل : ١٤ ، الباب ٨٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء ، الحديث ١.

٤٤٩

العقد إلى زمان الإجازة وفيما بعد.

وبذلك يرتفع الإشكال ، لأنّ العقد غير مؤثر في الملكية إلاّ بعد الإجازة وهي مقترنة بالعقد ، لأنّ للعقد بقاء عرفياً لا عقلياً.

وبهذا تمّ تحليل الموارد الثلاثة ، أعني : شرط المأمور به ، أو شرط التكليف ، أو شرط الوضع. واللازم علينا أن نقتصر على ما ذكرنا غير أنّ ما ذكره المحقّق الخراساني في « الكفاية » ممّا تداولته الألسن ، فلنرجع إلى كلامه فقد أتى بجواب مجمل غاية الإجمال في « الكفاية » وأوضحه في فوائده.

جواب المحقّق الخراساني

قال في « الكفاية » : وكذا الحال في شرائط الوضع مطلقاً ولو كان مقارناً فإن دخل شيء في الحكم به وصحّة انتزاعه لدى الحاكم به ليس إلاّ ما كان بلحاظه يصحّ انتزاعه لدى الحاكم وبدونه لا يكاد يصحّ اختراعه عنده فيكون دخل كلّ من المقارن وغيره بتصوره ولحاظه وهو مقارن فأين انخرام القاعدة العقلية في غير المقارن ، فتأمّل تعرف. (١)

ولا يخفى ما في كلامه من الإجمال ، وقد أوضحه في الفوائد بما هذا نصّه :

إنّ كلّما تتوقف عليه الأحكام الشرعية مطلقاً ـ تكليفية أو وضعية ـ ممّا يتداول إطلاق الشرط عليه مطلقاً ، مقارناً كان لها أو لا ، إنّما يكون دخله بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي ، ويكون حال السابق أو اللاحق بعينه ، حالَ المقارن في الدخل مثلاً ـ إلى أن قال ـ إن قلت : هذا خلاف ظاهر لفظ الشرط الذي قد أطلق على مثل الإجازة والغسل في الليل.

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ١٤٦.

٤٥٠

قلت : لو سلّم كان إطلاقه عليه من باب إطلاقه على مثل الرضاء المقارن لما عرفت أن دخلها كدخله في التأثير بلا تفاوت أصلاً.

إن قلت : فما وجه إطلاقهم الشرط على مثل ذلك ممّا لا دخل له إلاّ بوجوده العلمي؟

قلت : الوجه صدق الشرط حقيقة بناء على إرادة الأعمّ من الذهني والخارجي من لفظ الوجود والعدم في تعريفه بما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، وصدقه مجازاً من باب التشبيه والمسامحة بناء على إرادة خصوص الخارجي ، ومثل هذا الإطلاق ليس بعزيز. (١)

وحاصل كلامه : انّ الشرط يطلق ويراد منه الوجود الخارجي كاليبوسة في الحطب التي هي شرط الاحتراق ، وقد يطلق ويراد به الوجود العلمي ، وهذا هو المراد في هذا المقام ، مثلاً الحكم بما انّه فعل اختياري للحاكم لا يتوقف صدوره منه إلاّ على تصوّره بتمام شرائطه المتقدّمة والمقارنة واللاحقة وهو الموجب لحدوث الإرادة في نفسه ، فالشرط له حقيقة إنّما هو وجود تلك الشرائط في عالم التصوّر دون وجودها في عالم الخارج.

ومنه يظهر حال الوضع فالشرط عبارة عن لحاظ الحاكم كون الرضا مقارناً أو متأخّراً عنه ، فنفس الرضا وإن كان مقارناً أو متأخّراً لكن لحاظ العقد معه مقارن للعقد في جميع الأحوال.

يقول المحقّق الخوئي في توضيح مرام المحقّق الخراساني : إنّ الشرط في الحقيقة تصوّر الشيء ووجوده الذهني دون وجوده الخارجي ، وإطلاق الشرط عليه مبني على ضرب من المسامحة باعتبار أنّه طرف له.

____________

١ ـ فوائد الأُصول : ٣٠٩.

٤٥١

وعلى ضوء هذا الأساس لا فرق بين كون وجود الشرط خارجاً متأخراً عن المشروط أو متقدّماً عليه أو مقارناً له ، إذ على جميع هذه التقادير ، الشرط واقعاً والدخيل فيه حقيقة هو لحاظه ، ووجوده العلمي ، وهو معاصر له زماناً ومتقدّم عليه رتبة.

وعلى الجملة فالحكم بما أنّه فعل اختياري للحاكم فلا يتوقّف صدوره منه إلاّ على تصوّره بتمام أطرافه من المتقدّمة والمقارنة واللاحقة ، وهو الموجب لحدوث الإرادة في نفسه نحو إيجاده كسائر الأفعال الاختيارية ، فالشرط له حقيقة إنّما هو وجود تلك الأطراف في عالم التصور واللحاظ دون وجودها في عالم الخارج. (١)

وكان عليه أن يضيف عليه قوله : وهكذا الحال في شرائط الوضع ، أي صحّة الصوم وحدوث الملكية ، فإنّ الشرط هو لحاظ العقد مع الرضا ، سواء كان الرضا متقدّماً أو متأخراً.

هذا هو غاية توضيح مرامه.

يلاحظ عليه : أنّه على خلاف ظاهر الأدلّة فانّ الشرط عبارة عن نفس الرضا ، قال سبحانه : ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارةً عَنْ تَراض ). (٢)

وما تخلّص به في آخر كلامه من النقض والإبرام غير رافع لهذا الإشكال ، إذ ليس الإشكال في صحّة الصدق وإنّما الإشكال فيما هو المتبادر من الأدلّة ، فانّ المتبادر من الأدلّة هو الوجود الخارجي لا لحاظ الحاكم وجوده في ظرفه.

نعم يصحّ ما ذكره في شرائط الحكم والارادة ، فانّ الشرط فيها هو تصوّر الشروط المتقدّمة والمتأخّرة ولا يصحّ في شرائط الوضع كما مرّ.

__________________

١ ـ المحاضرات : ٢ / ٣١٠.

٢ ـ النساء : ٢٩.

٤٥٢

إجابة المحقّق النائيني عن الإشكال

ثمّ إنّ المحقّق النائيني أجاب عن الإشكال بوجه آخر ، وقال :

إنّ امتناع الشرط المتأخّر من القضايا التي قياساتها معها ولا تحتاج إلى برهان ، بل يكفي في امتناعه نفس تصوّره ، فانّ حال الشرعيات حال العقليات التي تقدّم امتناع تأخّر العلّة فيها أو جزئها أو شرطها ممّا له دخل في تحقّق المعلول ، عن معلولها.

ثمّ قال : وأمّا توهّم انّ امتناع الشرط المتأخّر إنّما يكون في التكوينيات دون الاعتباريات والشرعيات التي أمرها بيد المعتبر والشارع ، حيث إنّ له أن يعتبر كون الشيء المتأخّر شرطاً لأمر متقدّم ، ففساده أيضاً غني عن البيان ، لأنّه ليس المراد من الاعتبار مجرّد لقلقة اللسان ، بل للاعتباريات واقع ، غايته أنّ واقعها عين اعتبارها ، وبعد اعتبار شيء شرطاً لشيء وأخذه مفروض الوجود في ترتب الحكم عليه كما هو الشأن في كلّ شرط ، كيف يمكن تقدّم الحكم على شرطه؟ وهل هذا إلاّ خلاف ما اعتبره؟!

وبالجملة : بعد فرض اعتبار شيء موضوعاً للحكم لا يمكن أن يتخلّف ويتقدّم ذلك الحكم على موضوعه ، فظهر فساد ما ذكر من الوجوه لجواز الشرط المتأخر.

وأحسن ما قيل في المقام من الوجوه : هو أنّ الشرط عنوان التعقب والوصف الانتزاعي ، وقد تقدّم عدم توقّف انتزاع وصف التعقب على وجود المتأخّر في موطن الانتزاع ، بل يكفي في الانتزاع وجود الشيء في موطنه ، فيكون الشرط في باب الفضولي هو وصف التعقّب ، وانّ السبب للنقل والانتقال هو

٤٥٣

العقد المتعقب بالإجازة ، وهذا الوصف حاصل من زمن العقد هذا. (١)

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ ما ذكره من أنّ امتناع الشرط المتأخّر من القضايا التي قياساتها معها لا يخلو من خلط التكوين بالتشريع ، فانّ الممتنع هو الأوّل ، وأمّا الثاني فلا يقبل الامتناع ، نعم فرض وجود المعتبَر مع فقد ما يعتبر علة له يوجب تناقضاً في الاعتبار وهو أمر خارج عن سيرة العقلاء لا أنّه أمر محال.

وما ذكره جواباً عن هذا الإشكال من « انّ الاعتبار ليس مجرّد لقلقة اللسان ، بل للاعتباريات واقع غايته انّ واقعها عين اعتبارها » لا يدفع الإشكال ، فانّ أقصى ما يمكن أن يقال انّ للاعتباريات نظاماً عقلائياً فاعتبار شيء ثمّ اعتبار خلافه وإضفاء الرسمية على كلا الاعتبارين خارج عن سيرة العقلاء.

والعجب أنّه يقول في آخر كلامه : « كيف يمكن تقدّم الحكم على شرطه؟ وهل هذا إلاّ خلاف ما اعتبره؟! » فانّ حاصل هذا الكلام : أنّ القول بتأخّر الشرط خلاف الاعتبار السابق لا انّه أمر محال.

ثانياً : أنّ ما وصفه بأحسن الأجوبة وهو أنّ الشرط عنوان التعقّب وهو موجود مع العقد وإن لم يوجد الشرط ، أعني : الإجازة ، ففيه أيضاً خلط بين ذات المتعقّب وعنوان التعقب ، فالأوّل متحقّق وإن لم يلحق به الإجازة ، وأمّا التعقّب بالعنوان الوصفي فبما انّه أمر انتزاعي والأمر الانتزاعي من مراتب التكوين ، فكيف يمكن انتزاعه بالفعل مع عدم وجود منشأ الانتزاع ، أعني : الإجازة؟!

وبعبارة أُخرى : انّ عنوان التعقّب امّا منتزع من ذات العقد وذات الصوم بلا لحاظ ضمّ الاجازة والاغتسال ، فلازمه حدوث الملكية ، ووصف الصوم

__________________

١ ـ فوائد الأُصول : ١ / ٢٨١.

٤٥٤

بالصحة الفعلية ، وإن لم تنضم إليهما الإجازة والاغتسال ، وهو خلاف الفرض.

وإمّا منتزعة عنهما بملاحظة الاجازة والاغتسال ، فلازمه عدم إمكان انتزاعهما ما لم تلحق بهما الإجازة والاغتسال ، إذ لو لم يكن ذات العقد أو الصوم كافياً في صحّة الانتزاع ، فلا معنى لانتزاع الخصوصية بلا ضم الإجازة أو الغسل.

فالحقّ في الجواب ما عرفت.

٤٥٥

الأمر الرابع (١)

تقسيمات الواجب

قسم الواجب إلى أقسام بملاكات مختلفة ، نستعرضها فيما يلي :

التقسيم الأوّل : تقسيمه إلى مطلق ومشروط

قد جعل المشهور التقسيم إلى مطلق ومشروط تقسيماً للواجب مع أنّه في الحقيقة ـ على مذهب المشهور ـ تقسيم للوجوب ، حيث إنّ الوجوب يكون تارة مرسلاً ومطلقاً من أيّ قيد ، وأُخرى مقيّداً ومشروطاً بقيد ، وعليه فوصف الواجب بالمطلق والمشروط وصف بحال المتعلّق.

وعلى كلّ حال فقد عرّف المطلق والمشروط بتعاريف نقتصر على ذكر تعريفين :

الأوّل : المطلق ما لا يتوقف وجوبه ـ بعد الأُمور العامة ـ على شيء ، ويقابله المشروط. والمراد من الأُمور العامة : العقل والبلوغ والعلم والقدرة العقلية لا الشرعية.

يلاحظ عليه : أنّ تعريف المطلق بما ذكر يوجب أن لا يوجد له مصداق إلاّ معرفة اللّه سبحانه ، إذ ما من واجب إلاّ وهو مشروط بشيء ـ مضافاً إلى الأُمور

__________________

١ ـ مرّ الأمر الثالث في تقسيم المقدمة ص ٤٢٣.

٤٥٦

العامّة ـ كالصلاة والصوم والحجّ بالنسبة إلى الوقت ، والجهاد بالنسبة إلى أمر الإمام به ، وغير ذلك.

على أنّ في جعل العلم ممّا يتوقّف عليه الحكم إشكالاً واضحاً ، وهو استلزامه الدور ، لأنّ الحكم يتوقّف على شرطه وهو العلم ، والعلم موقوف على المعلوم ( الحكم ).

إلاّ أن يقال بأنّ مرتبة من الحكم وهو الفعلية أو التنجّز موقوفة على العلم لا كلّ المراتب كالإنشاء ، فالإنشاء حكم مطلق غير مشروط بالعلم ، لكن فعلية الحكم ـ على مبنى القوم ـ أو تنجّزه ـ كما هو الحقّ ـ موقوفة على علم المكلّف.

الثاني : المطلق ما لا يتوقّف وجوبه على ما يتوقّف عليه وجوده ، كالصلاة بالنسبة إلى الطهارة حيث إنّ وجودها موقوف على الطهارة لكن وجوبها ليس موقوفاً عليها ، فلو لم يكن متوضّئ تجب الصلاة عليه غاية الأمر يجب عليه تحصيل الوضوء ، ويقابله المشروط كالحج فانّ وجوبه موقوف على الاستطاعة التي يتوقّف عليها وجود الحجّ ، فالحجّ وجوداً ووجوباً موقوف على الاستطاعة.

يلاحظ عليه : أنّ وجوب الحجّ موقوف على الاستطاعة الشرعية ، لكن وجودَه لا يتوقّف على الشرعية منها ، بل يكفي الاستطاعة العقلية كما في حج المتسكع ، فانّ الاستطاعة العقلية أوسع من الاستطاعة الشرعية ، فالناس أكثرهم مستطيعون للحجّ بالاستطاعة العقلية دون الشرعية.

اللّهم إلاّ أن يقال المراد توقّف الحجّ الواجب لا مطلق الحجّ ، فالقسم الواجب من الحجّ موقوف وجوده على الاستطاعة الشرعية ، كما أنّ وجوبه موقوف عليها.

٤٥٧

اعتذار المحقّق الخراساني

إنّ المحقّق الخراساني اعتذر عن الإشكالات الواردة على هذه التعاريف بأنّها تعريفات لفظية والتي تسمّى بشرح الاسم ، وليس بالحد والرسم ، وقال ما يقرب من هذا أيضاً في مبحث العام والخاص ، وهكذا في مبحث المطلق والمقيد.

أقول : بما انّ المحقّق الخراساني كرّر ذلك الاعتذار في غير مورد من كتابه فنعود إلى مناقشته بالوجه التالي :

أوّلاً : إن أراد انّ هذه التعاريف تعاريف لفظية بحجّة انّ المعرّف من الأُمور الاعتبارية وهي تفقد الجنس والفصل الحقيقيّـين ، فيرجع جميع المعرفات إلى كونها لفظية ، فلو أراد هذا ، فهو حقّ.

وإن أراد أنّ القوم كانوا بصدد التعريف اللفظي والعرفان الإجمالي دون التعريف بالحد والرسم فهو غير مطابق للواقع ، إذ لو كانت الغاية ذلك لما كان لمناقشاتهم في مقام التعريف وجه ، فانّ النقاش آية انّهم كانوا بصدد التعريف الحقيقي.

ثانياً : انّ الظاهر من كلماته أنّ « التعريف اللفظي » و « شرح الاسم » و « ما الشارحة » من الألفاظ المترادفة تستعمل في معنى واحد ، قد تبع في ذلك أُستاذَه الحكيم السبزواري ، حيث قرأ عليه شيئاً من الفلسفة في مسيره من خراسان إلى العراق ، قال الحكيم السبزواري :

أُسّ المطالب ثلاثة علم

مطلب «ما» مطلب «هل» مطلب «لم»

فما هو الشارح والحقيقي

وذو اشتباك مع هل أنيق

٤٥٨

وقال في شرحه : « يطلب » بـ « ما » الشارحة أوّلاً شرح مفهوم الاسم ، بمثل : ما الخلاء؟ وما العنقاء؟ وبـ « ما » الحقيقية ، تعقل ماهية النفس الآمرية ، مثل ما الحركة؟ وما المكان؟ (١)

الظاهر اشتباه الأمر على المحقّق السبزواري حيث عدّ ما الشارحة في مقابل ما الحقيقية ، مع أنّ القول الشارح في المنطق نفس الحد والرسم ، والاختلاف بينهما بالاعتبار ، فتعريف الشيء بالحد أو الرسم قول شارح قبل العلم بوجوده ، وتعريفه بنفس ذلك بعد العلم بوجوده ، حدّ ورسم ، فالقول الشارح عنوان يشمل الحدّ والرسم ، ولكن يختلف استعمالها حسب اختلاف الاعتبار ، ويشهد بذلك كلام الشيخ الرئيس في « منطق الإشارات » وشارحه المحقّق الطوسي ، وإليك كلامهما :

قال الشيخ الرئيس في « منطق الاشارات » : قد جرت العادة أن يسمّى الشيء الموصل إلى التصوّر المطلوب ، قولاً شارحاً ، فمنه حدّ ومنه رسم. (٢)

وتختلف ما الشارحة عن ما الحقيقية بالاعتبار ، والفرق أنّ السؤال في الثانية بعد معرفة وجود المسؤول عنه دون الأُولى.

قال المحقّق الطوسي : إنّا إذا قلنا في جواب من يقول : ما المثلث المتساوي الأضلاع؟ انّه شكل تحيط به خطوط ثلاثة متساوية ، كان حداً بحسب الاسم ، ثمّ إنّه إذا بيّنا أنّه الشكل الأوّل من كتاب أقليدس ، صار قولنا الأوّل بعينه حدّاً بحسب الذات. (٣)

__________________

١ ـ شرح المنظومة : ٣٢.

٢ ـ شرح الإشارات : ١ / ٢٥.

٣ ـ المصدر نفسه.

٤٥٩

الإطلاق والتقييد من الأُمور النسبية

الإطلاق والتقييد من الأُمور الاضافية كالأُبوّة والبنوّة لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة وإن كان يجتمعان فيه من جهتين ، فهكذا الإطلاق والاشتراط ، فانّ وجوب الشيء قد يكون بالنسبة إلى شيء مطلقاً ، كوجوب الصلاة بالنسبة إلى الوضوء ، وبالنسبة إلى شيء آخر مشروطاً كوجوبها بالنسبة إلى الوقت.

وتظهر الثمرة أنّه إذا كان وجوب الشيء بالنسبة إلى شيء مطلقاً يجب تحصيله بخلاف ما إذا كان بالنسبة إليه مشروطاً ، فلو كان خارجاً عن الاختيار ينتظر إلى حصوله ، وإن كان داخلاً في الاختيار لا يجب تحصيله كالاستطاعة الشرعية.

إذا علمت ذلك ، فاعلم أنّ هناك بحثاً آخر ، وهو ما يلي :

هل القيد يرجع إلى مفاد الهيئة أو إلى مفاد المادة؟

ذهب المشهور إلى أنّ القيد في الواجب المشروط يرجع إلى مفاد الهيئة ، وتكون النتيجة عدم الوجوب ما لم يحصل القيد ، وأمّا المادة فهي باقية على إطلاقها.

نعم خالف الشيخ الأنصاري الرأي العام في الواجب المشروط فاختار أنّ القيد يرجع إلى الواجب فيكون الواجب محدداً بالقيد ، وأمّا الوجوب فهو باق على إطلاقه ، فالصلاة قبل الوقت واجبة غير أنّ الواجب مقيّد بالزوال ، ونستوضح كلتا النظريتين بالآية التالية :

قال سبحانه : ( أَقِمِ الصَّلوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْل وَقُرآنَ الفَجْرِ إِنَّ

٤٦٠