إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي

إرشاد العقول إلى مباحث الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد حسين الحاج العاملي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-077-0
الصفحات: ٦٢٨

إنّ الجامع مفهوم واحد منتزع عن هذه المركّبات المختلفة زيادة ونقيصة ، بحسب اختلاف الحالات ، متّحد معها نحو اتحاد وفي مثله تجري البراءة ، وإنّما لا تجري فيما إذا كان المأمور به أمراً واحداً خارجياً مسبباً عن مركب مردّد بين الأقل والأكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما إذا شكّ في اجزائهما. (١)

توضيح الجواب : وجود الفرق بين المسبب الذي له وجود مستقل منفصل عن السبب ، وبين المنتزع عن المركب المتحقّق معه من دون أن يكون له وجود مستقل ، فالأُولى كالطهارة إذا فسِّرت بالطهارة النفسانية التي تتحقق بالغسلات والمسحات فظرف المسبب هو النفس كما أنّ ظرف السبب هو الخارج ، ففي هذا المورد إذا شكّ في حصول الطهارة النفسانية لأجل الشكّ في اعتبار الاستنشاق في الوضوء وعدمه يجب الاحتياط ، لأنّ الاشتغال اليقيني بالمسبب البسيط ، أعني : الطهارة النفسانية ، يقتضي البراءة اليقينية ولا يحصل إلاّ بضمّ الاستنشاق إليه والثاني كما في المقام ، فانّ للعنوان البسيط نحو اتحاد في الخارج مع الأجزاء والشرائط ولا يضر اختلاف المنتزع منه قلة وكثرة في انتزاعه كالإنسان المنتزع من الإنسان التام والناقص ، فوجود هذا الجامع البسيط عين وجود المركبات وليس مغايراً لها حتى يكون الشكّ في قلتها أو كثرتها من قبيل الشكّ في المحقّق.

يلاحظ عليه : أنّ الالتزام بالجامع البسيط بأيّ نحو كان ، يوجب الاشتغال لا البراءة ، وكون المسبب غير السبب كما في الصورة الأُولى أو متّحداً معه كما في المقام ، لا تأثير له في اختلاف الأصل ، وذلك لأنّ متعلّق الأمر هو العنوان الكلي المنتزع وهو أمر بسيط ، لا المنتزع منه الذي يتّحد فيه الأمران ، فمنشأ الخلط تصوّر أنّ الأمر يتعلّق بالوجود الخارجي الذي يتّحد فيه المنتزع والمنتزع منه غافلاً عن

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ٣٧.

١٤١

أنّ الأمر يتعلّق بالعنوان الكلي الموجود في الذهن لغاية الإيجاد ، وهو غير المنتزع منه في مقام تعلّق الأمر.

إلى هنا تمّ الكلام حول الجامع الأوّل ، وإليك الكلام في الجامع الثاني.

التقريب الثاني للمحقّق الاصفهاني

ذهب المحقّق الإصفهاني إلى أنّ الماهية إذا كانت من الماهيات الحقيقية تكون واضحة في مقام الذات ومبهمة من حيث الطوارئ والعوارض ، وهذا كالإنسان الذي هو معلوم جنساً وفصلاً ، وإنّما الإبهام في عوارضه المشخّصة.

وإذا كانت الماهية من الأُمور المؤتلفة من عدّة أُمور بحيث تزيد وتنقص كمّاً وكيفاً ، فمقتضى الوضع لها أن تلاحظ على نحو مبهم في غاية الإبهام بمعرّفية بعض العناوين غير المنفكّة عنها ، وهذا كالصلاة حيث إنّها مركبة من ماهيات مختلفة : كالوضع ، والكيف والفعل ، فلا محيص من وضع اللفظ لسنخ عمل مبهم لا يعرف إلاّ من جانب أثره ، وهو النهي عن الفحشاء أو غيره من المعرّفات ، بل العرف لا ينتقل من سماع لفظ الصلاة إلاّ إلى سنخ عمل خاص مبهم إلاّ من حيث كونه مطلوباً في الأوقات وهذا هو الذي تصوّرناه في ما وصفت له الصلاة بتمام مراتبها ، من دون الالتزام بجامع ذاتي مقولي ، ومن دون الالتزام بالاشتراك اللفظي. (١)

يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الصلاة مركّب اختراعي ، وكلّ مخترع أعرف بما اخترع من غيره ، يقول سبحانه : ( أَلا يَعْلَم مَنْ خَلَق وَهُوَ اللَّطيفُ الخَبير ) (٢) وعندئذ كيف يمكن اختراع مركب لغاية الأمر به وعدم التعرف عليه إلاّ من جانب أثره؟!

__________________

١ ـ نهاية الدراية : ١ / ٣٩.

٢ ـ الملك : ١٤.

١٤٢

وعلى ضوء هذا لا يصحّ كلامه بأنّ الصلاة مبهمة في ذاتها وفي مقام تجوهرها. كيف! وانّ الآمر هو الذي يتصوّر الموضوع ويأمر به ، وعند ذلك لابدّ له من تصوّر ما يأمر به.

ثمّ إنّه قدس‌سره قاس المقام بالخمر قائلاً « بأنّه مبهم من حيث اتخاذه من العنب والتمر وغيرهما ، ولذا لا يمكن وصفه إلاّ ببعض الآثار كالمسكرية » ولكن الفرق بين المقيس والمقيس عليه واضح ، فانّ الخمر من الأُمور التكوينية وليست ذاتها وتجوهرها رهن تصور متصوّر ولحاظ لاحظ ، فلا مانع من أن يكون لها واقع مبهم غير معلوم إلاّ من ناحية أثره كالاسكار ، وهذا بخلاف المركّبات الاختراعية الاعتبارية فانّ واقعيتها وتجوهرها بيد مخترعها ولاحظها فلابدّ أن تكون ذاتها معلومة لمخترعها في مقام الذات لا أن تكون مبهمة إلاّ من حيث الأثر.

ثانياً : انّ ما ذكره قريب ممّا ذكره أُستاذه غير انّه يفارقه في أنّ الأُستاذ صرّح ببساطة الجامع دونه فيرد عليه ما أورد عليه أخيراً. (١) وهو انّ الموضوع له مع إبهامه وإجماله إمّا مركب أو بسيط ، والبسيط إمّا جامع مقولي أو جامع عنواني ، والمجموع غير تام.

أمّا المركّب فيرد عليه أنّه مردّد بين الأقل والأكثر أجزاءً ، فلو وضعت الصلاة على الأكثر أجزاءً لا يصدق على القليل وإن وضعت على العكس يكون الأكثر أجزاءً صلاة مع شيء خارج عن ماهيتها.

وأمّا البسيط ، فالمقولي منه غير متصوّر ، لأنّ الصلاة مركب من مقولات مختلفة كالوضع ، والكيف ، والفعل ، ومن المعلوم أنّ الجميع من الأجناس العالية التي ليس فوقها جنس فلو كانت للصلاة جامع مقولي يلزم أن يكون الجامع فوق

__________________

١ ـ قد تقدّم عند مناقشة قول المحقّق الخراساني تحت عنوان « وخامساً ».

١٤٣

تلك الأجناس مع أنّها ليس فوقها جنس « ليس وراء عبادان قرية ».

وأمّا الجامع العنواني الذي يعبّر عنه بالانتزاعي كالناهي عن الفحشاء والمنكر فهو يستلزم خلاف المطلوب إذ يلزم عليه وجوب الاحتياط عند الشكّ في الأقل والأكثر.

إلى هنا تمّ التقريبان للعلمين : المحقّق الخراساني والمحقّق الإصفهاني قدّس سرّهما ، وهناك تقريب ثالث للمحقّق النائيني.

التقريب الثالث للمحقّق النائيني

قال : إنّ الموضوع له هو خصوص التام الأجزاء والشرائط كصلاة المكلّف المختار ، وإطلاقها على الصلوات الناقصة الاضطرارية إنّما يكون بعد التصرّف في الأمر العقلي ، وجعل الصلوات العذرية المجزية مشابهة للصلوات التامّة في الإسقاط وعدم وجوب الإعادة والقضاء وتنزيلها منزلتها من جهة المسقطية والإجزاء وبعد هذا التنزيل صارت صلوات ادّعائية ثمّ أطلقت الصلاة عليها. (١)

وحاصله : انّ الموضوع له أوّلاً هي المرتبة العليا الواجدة لتمام الأجزاء والشرائط ، والاستعمال في غيرها من المراتب الصحيحة على قول الصحيحي ، أو الأعمّ منها على الأعمّي ، من باب الادّعاء والتنزيل ، أي تنزيل الفاقد منزلة الواجد مسامحة ، كما في جملة من الاستعمالات. (٢)

يلاحظ عليه : بأنّ صلاة المكلّف المختار ليست على نمط واحد ، فالرباعية والثنائية كلاهما من صلاة المكلّف المختار ، فما هو الموضوع له؟ فان وضعت

__________________

١ ـ هذا ما نقله شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظلّه ـ من كتاب نتائج الأفكار : ١ / ٩٣ الذي هو تقرير لبحوث المحقّق الشاهرودي ، وكان من أبرز تلاميذ النائيني ومحيطاً بآراء أُستاذه.

٢ ـ السيد الخوئي : أجود التقريرات : ١ / ٣٦.

١٤٤

للثنائية تكون الرباعية مشتملة على الصلاة وغيرها ، ولو وضعت للرباعية تخرج الثنائية عن اسم الصلائية ، وبما انّه لا يتصوّر الجامع بين الواجد والفاقد فيلزم أحد المحذورين.

إلى هنا تمّت التقريبات الثلاثة للصحيحي وكلّها غير ناجعة.

ثمّ إنّ هناك تقريبات أُخرى لتصوير الجامع على القول بالصحيح نذكرها تباعاً ، ولكن نود أن نشير إلى نكتة وهي أنّ الجامع المتصور للصحيحي يجب أن يعالج الأُمور التالية وهي :

١. شمول الجامع لعامة الصلوات الصحيحة بوضع واحد لا بأوضاع متعددة.

٢. كون الاجزاء مطلقاً في الثنائية والثلاثية نفس الجامع دون أن يكون البعض جزء المسمّى ، والبعض الآخر جزء الماهية.

٣. كون المرجع عند الشكّ في الجزئية والشرطية هو البراءة ، فكلّ تقريب يؤمِّن هذه الأهداف الثلاثة فهو ممّا يرتضيه الصحيحي ، وإليك دراسة التقريبات الباقية من هذا المنظار.

التقريب الرابع للمحقّق البروجردي

يقول : إنّ الجامع الذاتي المقولي لا يتصوّر في المقام ، فانّ الأشياء المتباينة بالذات لا يعقل فرض الجامع بينها بالوحدة الحقيقية الذاتية في مرتبة واحدة من مراتب الصلاة ، فكيف بالجامع بين جميع المراتب من الكامل المختار تام الأجزاء والشرائط إلى أنقص المراتب كمية وكيفية؟ فتصوير الجامع الذاتي ممّا لا سبيل إليه.

١٤٥

وأمّا الجامع العرضي فالذي يخطر ببالنا أنّ حال المركّبات العبادية كالصلاة والصوم والزكاة وأمثال ذلك حال المركّبات التحليلية كالإنسان ونظائره ، فكما أنّ الإنسان محفوظ في جميع أطوار أفراده زادت خصوصية من الخصوصيات أو نقصت ، كان في أقصى مراتب الكمال أو حضيض النقص ، وذلك لأنّ شيئية الشيء بصورته فكذلك حال المركبات الاعتبارية العبادية ، بمعنى انّه يمكن اعتبار صورة واحدة تمتاز بها عن غيرها وتكون تلك الصورة ، ما به الاجتماع لتمام الأفراد وجميع المراتب ، وتكون محفوظة في جميع المراحل ، وهذا الشيء هو الخشوع الخاص في الصلاة ، فانّ التخشّع الخاص ـ الذي كون محصل شيئية الصلاة وبه تصير الصلاة صلاة ـ محفوظ في جميع أفراد الصلاة ومراتبها المختلفة ، وهذا هو المناسب لمقام عبودية العبد بالنسبة إلى مولاه. (١)

وإن شئت قلت : إنّ جميع مراتب الصلاة بمالها من الاختلاف في الأجزاء والشرائط تشترك في كونها توجّهاً خاصّاً وتخشّعاً مخصوصاً من العبد ، ويوجد هذا التوجّه بإيجاد أوّل جزء منها ويبقى إلى أن تتم ، فيكون هذا التوجّه بمنزلة الصورة لتلك الأجزاء المتباينة بحسب الذات ، المختلفة كمالاً ونقصاً باختلاف المراتب ، فالتخشّع بوجوده الخارجي بمنزلة الصورة لهذه الأجزاء ، فهو موجود بعين وجودات الأجزاء فيكون الموضوع له لنفس الصلاة هذا المعنى المحفوظ في جميع المراتب. (٢)

وحاصله : انّ الصلاة عبارة عن توجّه الإنسان إلى اللّه سبحانه وتخشّعه وخضوعه متقارناً مع الأجزاء والشرائط بحيث يكون للمجموع من الصورة

__________________

١ ـ الحجة في الفقه مهدي الحائري اليزدي ، تقريراً لبحث العلاّمة البروجردي : ١ / ٥٨.

٢ ـ نهاية الأُصول : ١ / ٤٠.

١٤٦

والأجزاء وجود واحد.

يلاحظ عليه : أنّ التقرير المزبور غير دافع للإشكال ، وذلك لأنّه لو كان الموضوع له هو التوجّه والتخشّع القائم بالأجزاء والشرائط ، محدَّداً بحدّ خاص يتوجّه عليه الإشكال ، وهو انّه يلزم أن تكون الصلاة المشتملة على ذلك الحدّ وغيره من الصلوات الصحيحة ، مشتملة على الصلاة وغيرها ، كما يلزم أن لا يكون الأقل من المحدد في الهيئة والمادة مصداقاً للصلاة ، وذلك لازم التحديد من كلا الجانبين.

اللّهمّ إلاّ أن يكون الموضوع له لابشرط من كلا الجانبين ، بمعنى أنّه يكون عين الصلاة عند الوجود وغير مضر عند الفقدان ، وكان على السيد البروجردي التصريح بهذا الأمر ، وإلاّ فمجرّد القول بكون الموضوع له التوجّه إلى اللّه المتّحد مع الأجزاء ، لا يدفع الإشكال.

التقريب الخامس ما ذكره السيّد الأُستاذ

إنّ المركّبات الاعتبارية إذا اشتملت على هيئة ومادة ، يمكن أن يؤخذ كلّ منهما في مقام الوضع لا بشرط. والمراد من أخذهما لابشرط هو أخذ المادة والهيئة بعرضها العريض. وذلك كالمخترعات من الصنائع المستحدثة ، فإنّ مخترعها بعد أن صنعها من موادّ مختلفة وألّفها على هيئة خاصّة ، وضع لها اسم الطيّارة أو السيّارة آخذاً كلاً من موادّها وهيئاتها لا بشرط. ولأجل ذلك ترى أنّ تكامل التصنيع كثيراً ما يوجب تغييراً في موادّها وهيئاتها ، ومع ذلك يطلق عليها اسمها ، كما كان يطلق في السابق وليس ذلك إلاّ لأخذ الهيئة والمادّة لابشرط ، أي عدم لحاظ مادّة خاصّة وهيئة مقيّدة.

١٤٧

وأوضح مقالته هذه بقوله : المركّبات الاعتبارية على قسمين : قسم يكون الملحوظ فيه كثرة معيّنة كالعشرة ، فإنّها على وجه لو فقد منها جزء ، تنعدم العشرة. وقسم يكون فيه الأمر الاعتباري ، على نحو لم تلحظ فيه كثرة معيّنة في ناحية الموادّ ، بحيث ما دامت هيئتها وصورتها العرضية موجودة ، يطلق عليها اللفظ الموضوع وإن قلّت موادّها أو تكثّرت.

والحاصل : أنّ المادّة لم تلحظ فيها كثرة معيّنة ، ويكفي فيها ذكر بعدَ ( التكبيرة ) ركوع وسجود وطهور وتصدق على الميسور من كلّواحد.

وأمّا الهيئة فهي أيضاً مأخوذة بنحو اللابشرط مثل مادّتها ، بعرضها العريض ، وتكفي صورة اتصالية حافظة لمادّتها أخذت لابشرط في بعض الجهات.

ونظير ذلك ، لفظ الدار والبيت فانّها من حيث المادة لابشرط ، سواء أخذت موادّها من الطين ، أو الآجر ، أو من الحجر والحديد ، كما أنّها من حيث الهيئة أيضاً كذلك ، سواء بنيت على هيئة المربع أو المثلث ، وعلى طبقة واحدة أو طبقتين ، فهو موضوع لهيئة مخصوصة غير معيّنة من بعض الجهات مع مواد فانية فيها.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ لفظ الصلاة موضوع لنفس الهيئة اللابشرط ، الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها وتمامها ، وما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها ، فيكفي في صدقها ، وجود هيئة بمراتبها إلاّ بعض المراتب التي لا تكون صلاة كصلاة الغرقى ، لعدم وجود مواد من ذكر وقرآن وسجود وركوع. (١)

__________________

١ ـ تهذيب الأُصول : ١ / ٧٧ ـ ٧٨ ، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

١٤٨

التقريب السادس للمحقّق الخوئي

إنّ كلّ مخترع هو أعرف بما اخترعه سواء كان المخترع شارعاً أم غيره ، وتدلّ الروايات على أنّ التكبيرة والتسليمة معتبرتان فيها حيث إنّ الصلاة أوّلها التكبير وآخرها التسليم ، كما أنّ الركوع والسجود والطهارة معتبرة فيها ، حيث إنّ كلاً منها ثُلث الصلاة ، وأمّا غير ذلك من الأجزاء والشرائط فهي خارجة عن حقيقتها ودخيلة في المأمور به على اختلاف الأشخاص والحالات ، والمراد من دخل الطهارة والركوع والسجود ، هو الأعمّ منها ومن أبدالها ، ولا بأس أن يكون مقوّم الأمر الاعتباري على سبيل البدلية.

كما أنّه لا مانع من دخول شيء في مركّب اعتباري عند وجوده ، وخروجه عنه عند عدمه إذا كان المسمّى بالنسبة مأخوذاً على نحو لابشرط كما هو الحال بالنسبة إلى غير المأخوذ في المسمّى من القراءة والتشهد وغيرهما فلو وجب يكون عينها ، ولو لم يجب ، لم يضرّ بتحقق الصلاة كما هو الحال في لفظ الدار فانّه موضوع بما اشتمل على ساحة وحيطان وغرفة ، فإن كان هناك إيوان ونهر وسرداب يكون جزءاً منه وإلاّ فلا يضرّ عدمه. (١)

ففي ظل هذين التقريرين يرتفع الإشكال ويتحقق مطلوب الصحيحي.

أمّا أوّلاً : فالجامع إذا أُخذ لابشرط من حيث الهيئة والمادة يصدق على عامة مراتب الصحيح ومصاديقه.

وثانياً : انّ الاجزاء مطلقاً في الثنائية والثلاثية والرباعية نفس الجامع ، إذ هو مقتضى أخذه لابشرط دون أن يكون البعض جزء الماهية والآخر جزء المأمور به.

__________________

١ ـ تعليقة أجود التقريرات : ١ / ٤٠ ـ ٤١.

١٤٩

بما انّ الموضوع له هو الهيئة والمادة المركبة ففي ظرف الشك في الشرطية والجزئية الزائدة يكون المرجع هو البراءة لانحلال العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي وشك بدوي.

التقريب السابع للعلاّمة الطباطبائي

إذا هيّأ الإنسان معجوناً من المعاجين للحصول على أثر خاص ، ربّما يوصله التتبع إلى أنّ الأثر لا يقتصر على الأجزاء المعيّنة للمعجون فحسب بل ربما يترتب مع تبديل بعض أجزاء المعجون بأجزاء أُخرى مغايرة مع الأجزاء الأوّلية فيطلق عليه نفس الاسم لاشتراك جميع الأجزاء في الأثر ، وكأنّ الاشتراك في الأثر يكون سبباً لانتزاع جامع أعمّ من الجامع الأوّل ، وهكذا الحال إذا وجد ذلك الأثر في أجزاء أُخرى مغايرة لأجزاء المعجون الأصلية.

وفي النتيجة يكون الاشتراك في الأثر سبباً لسبك جامع من جامع أوّلي وهكذا ، ونظيره صناعة الحلوى إذا عملها من دقيق البر ثمّ وجد انّ دقيق الشعير يفي بالغرض المطلوب فيسمّيه أيضاً بنفس الاسم ، ثمّ يقف على أنّ دقيق الارز والذرة يفيان بالغرض يتوسع في الاسم ، وما هذا إلاّ لأنّ الوحدة في الأثر تكون سبباً في كلّ مرتبة لانتزاع جامع أوسع من سابقه.

ونظير ذلك المصباح فقد كان يطلق في البداية على الحطب المشتعل ، ثمّ وصل الإنسان بنضوج عقله إلى أنّه يمكن أن يصل إلى مُنيته من الدهن المائع إذا وقع فيه فتيلاً ليمس الدهن بسهولة فأسماه أيضاً مصباحاً مع البون الشاسع بين المسمّيين ، وبهذا المنوال سمّى المصباح الغازي أو الكهربائي مصباحاً ، وما هذا إلاّ لأنّ ترتّب الأثر المطلوب عليها صار سبباً لتبسيط الاسم توسيع الجامع.

١٥٠

إذا عرفت ذلك فنقول : كانت الصلاة يوم فرضت ركعتين مع مالها من الأجزاء والشرائط فصار له جامع متواطئ يصدق على أفراده على نحو واحد.

ثمّ أُضيف إليهاما فرضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّيت أيضاً بنفس التسمية مع ما بين المسمّيين من الفرق ، وما هذا إلاّ لأنّ وحدة الأثر صارت سبباً لتبسيط الجامع الأوّل ، ثمّ طرأت عليه التصرّفات المختلفة بالعفو بحسب الحالات الطارئة والآثار اللاحقة من السفر والحضر والخوف والمرض والاضطرار ، كلّ ذلك صار سبباً لتسمية الفاقد بنفس الاسم لاشتراك الجميع في الأثر ، فكأنّ لوحدة الأثر دوراً في تبسيط الجامع الأوّل وتبديله إلى جامع أوسع ، وإن شئت قلت : سبباً لسبك جامع من جامع آخر. (١)

وليس هذا بمعنى كثرة الوضع حسب اختلاف المراتب ، بل لأجل أنّ الاجزاء لم يؤخذ في المسمّى في المرحلة الأُولى ـ بما هي هي ، بل بما أنّ لها دوراً في الأثر المطلوب ، فإذا قام متى آخر بذلك الدور يجوز إطلاق الاسم عليه لكونه واجداً لنفس الحيثية التي بررت تسميته بنفس الاسم ، وعلى ضوء ذلك فعامّة الأجزاء والشرائط في كلّ مرتبة نفس المسمّى وليس خارجاً عنه ، كما انّه عند الشكّ في الجزئية والشرطية يكون المورد مصبّاً للبراءة ، وما ذلك إلاّ لأنّ الواجب نفس الأجزاء لا الأمر البسيط.

إلى هنا تم تصوير الجامع على الصحيحي ، ومعنى هذا هو إمكان القول بالصحيح ثبوتاً ، وأمّا إثباتاً فيحتاج إلى دراسة أدلّته ، فنقول :

__________________

١ ـ حاشية الكفاية : ١ / ٤٢ ، ٤٣ ، بتوضيح منّا.

١٥١

الجهة الخامسة

أدلّة القول بالصحيح

احتجّ القائل بالصحيح بوجوه نذكر بعضها :

الأوّل : التبادر ، ودعوى انّ المنسبق إلى الأذهان منها هو الصحيح ، ولما كان المختار عند المحقّق الخراساني هو إجمال مفهوم الصلاة ، توجّه إليه إشكال يختص بمقالته ومقالة تلميذه القائلين بإجمال مفهوم الصلاة ، وانّها لا تعرف إلاّ بآثارها.

وحاصل الإشكال انّه : كيف يمكن الجمع بين تبادر الصحيح والقول بإجمال مفهومها وعدم تبيّنها؟ فأجاب عنه بقوله : ولا منافاة بين دعوى ذلك وبين كون الألفاظ على هذا القول مجملات ، فانّ المنافاة إنّما تكون إذا لم تكن معانيها على هذا الوجه مبينة بوجه ، وقد عرفت كونها مبينة بغير وجه.

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ تبادر الصحيح بمعرفية بعض الآثار ، يلازم عدم تبادر شيء من حاق اللفظ أصلاً ، ورجوع هذا الدليل إلى الدليل الثالث المذكور في كلامه وهو التعرّف على معنى الموضوع له من خلال آثاره ويعلم ذلك بملاحظة أمرين :

أ : التبادر عبارة عن فهم المعنى من ذات اللفظ وحاقه بلا استعانة بقرينة خارجية أو من آثاره وخواصّه.

ب : انّ اللفظ في هذه المرحلة حسب فرض المستدلّ مجمل ، مغمور في

١٥٢

الإبهام لا نعرف منه شيئاً ، وإن كان الإجمال زائلاً بملاحظة آثاره وخواصّه.

فنقول : إنّ ادّعاء تبادر الصحيح على الافتراض الأوّل غير ممكن ، لأنّ المفروض أنّ اللفظ مجمل فيها ، ومهما رجع العارف باللسان إلى ارتكازه لا يتبادر منه شيء.

كما أنّ تبادر الصحيح منه على الافتراض الثاني وإن كان أمراً ممكناً لكنّه يرجع إلى الدليل الثالث ، وهو التعرف على الموضوع من حيث السعة والضيق من خلال آثاره كمعراج المؤمن.

وبالجملة : لمّا ذهب المحقّق الخراساني وتلميذه المحقّق الاصفهاني إلى إجمال معنى اللفظ وإبهامه وعدم وضوحه إلاّ من خلال آثاره ، لم يكن لهم بد من إرجاع الدليل الأوّل إلى الثالث وحذف التبادر بما انّه دليل مستقل ، إذ لا معنى للتبادر مع القول بالإجمال ، وبعد رفع الإجمال بالآثار لا حاجة إلى التبادر لمعلومية الموضوع من خلال آثاره.

وقد أورد على الاستدلال السيّد الأُستاذ قدس‌سره بما هذا حاصله :

إنّ أسماء الأجناس كالصلاة موضوعة للماهية المعرّاة عن كلّ شيء سوى نفسها ، وأمّا الصحّة فهي من لوازم وجود الماهية ، فانّ الماهية تتقرّر في مقام التسمية ، ثمّ توجد بفعل المكلّف ، ثمّ يعرضها الصحّة من المرحلة الثالثة ومعه كيف يمكن أخذ لازم الوجود في مرحلة التقرر الماهوي.

يلاحظ عليه : أنّ الموضوع له ليس الماهية الصحيحة بالحمل الأوّلي أو الصحيحة بالحمل الشائع ( الصحة الخارجية ) لأنّهما ـ كما أفاد قدس‌سره ـ متأخّران ، بل الموضوع له واقع الصحيح لا عنوانه ولا وجوده الخارجي نظير ذلك نسبة واقع التقدّم إلى عنوان التقدّم ، فانّ اليوم متقدّم على الغد بواقعه لا بعنوانه لأنّه لايوصف به ما لم يتحقّق الغد ، لأنّهما متضايفان ، هما متكافئان قوة وفعلاً ، ومع

١٥٣

ذلك فلليوم واقع التقدم وحقيقته. وقد صرح بذلك قدس‌سره في الشرط المتأخر.

وثانياً : انّ الدليل لا يثبت إلاّ كون الصحّة متبادراً في هذه الظروف ، وأمّا كونها كذلك في عصر النبي وبعده فلا يثبت بهذا النوع من التبادر.

اللّهمّ إلاّ أن يدفع الإشكال بأصالة عدم النقل التي من لوازمها كون المتبادر اليوم هو المتبادر في عصر النبي ، وعند ذلك لا يكون التبادر دليلاً مستقلاً بل بضميمة أصل عقلائي آخر.

الثاني : صحّة السلب عن الفاسد ، بسبب الإخلال ببعض أجزائه وشرائطه بالمداقة وإن صحّ الإطلاق عليه بالعناية ، فيقال الصلاة الفاسدة ليست بصلاة.

يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ الصلاة على مسلك المحقّق الخراساني وتلميذه موضوع لمعنى مبهم من جميع الجهات مبيَّن من جانب الآثار ، فعندئذ لا يمكن سلب الصلاة على وجه الإطلاق عن الصلاة الفاسدة ، وإنّما يكون المسلوب الصلاة المبيّنة من طريق آثارها كالنهي عن الفحشاء والمنكر ومعراج المؤمن ، فعندئذ يعود مفاد السلب إلى القول التالي : الصلاة الفاسدة ليست صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ومن المعلوم أنّ السلب المقيّد لا يكون آية المجاز ، بل السلب المطلق دليل المجاز ، فلو قلنا العبد الكافر ليس رقبة مؤمنة لا يعدّ دليلاً على أنّه ليس برقبة على الإطلاق ، فآية المجاز هو ما إذا كان المحمول مسلوباً بنعت الإطلاق.

وثانياً : أنّ صحّة السلب عن الفاسد إنّما هو بحسب عرفنا ، وأمّا أنّه كذلك حسب عرف النبيّ فلا يثبت إلاّ بأصالة عدم النقل ، وقد عرفت حالها.

الثالث : الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسمّيات مثل « الصلاة عمود الدين » أو « معراج المؤمن » و « الصوم جنّة من النار » إلى غير ذلك ، أو نفي ماهياتها وطبائعها مثل : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » ونحوه ممّا كان ظاهراً

١٥٤

في نفي الحقيقة بمجرّد فقد ما يعتبر في الصحّة شرطاً أو شطراً ، وإرادة خصوص الصحيح من الطائفة الأُولى ، ونفي الصحّة من الثانية ، خلاف الظاهر لا يصار إليها مع عدم نصب قرينة عليه ، بل واستعمال هذا التركيب في نفي الصفة ممكن المنع حتى في مثل « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » ممّا يعلم أنّ المراد نفي الكمال بدعوى استعماله في نفي الحقيقة في مثله أيضاً بنحو من العناية لا على الحقيقة وإلاّ لما دلّ على المبالغة. (١)

وأورد عليه سيّدنا الأُستاذ بأنّ هذه الآثار إنّما تترتّب على الصلاة إذا انضم إليها قصد القربة وإلاّ فلا تكون معراجاً ولا ناهية ، ولم يقل أحد بدخول هذا الجزء في مدلول الصلاة ، وعندئذ تكون الصلاة بالنسبة إلى هذه الآثار مقتضية لا علة تامّة ، والاقتضاء كما هو موجود في الصحيحة موجود في الفاسدة غاية الأمر أنّها في الأُولى أقرب إلى الآثار.

يلاحظ عليه : أنّ القائل بالصحّة لا يدّعي أزيد من ذلك ، وهو أنّه وضع للماهية التامة من حيث الأجزاء والشرائط إذا انضم إليه قصد القربة تكون معراجاً للمؤمن وناهية عن الفحشاء والمنكر.

وهذا بخلاف القول بالأعمّي ، فانّ المسمّى عنده إذا انضم إلى قصد الأمر لا تترتب عليه تلك الآثار على وجه القطع.

نعم لو كان المدّعى كون الصلاة علّة تامّة لهذه الآثار بلا حاجة إلى شيء آخر ، لكان لما ذكر من الإشكال وجه ، لكن المدّعى غير ذلك كما عرفت.

فإن قلت : على هذا تكون الصلاة الصحيحة مقتضية لهذه الآثار لا علّة تامّة ، ومع هذا القول لا يبقى فرق بينها وبين الفاسدة منها فانّها أيضاً مقتضية لهذه الآثار إذا انضم إليها ، سائر الأجزاء أو الشرائط.

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ٤٥.

١٥٥

قلت : هذا ما ذكره شيخنا الأُستاذ ـ مدّ ظله ـ في الدورة السابقة ـ لكن عدل عنه في هذه الدورة بما هذا حاصله : انّ ظاهر الروايات ، عدم الفصل بين الصلاة وهذه الآثار وانّها مترتبة عليها بلا ترتيب ، خرجنا عنه في مورد قصد القربة لأنّها روح العبادة ومقومها ، فالصلاة مع هذا الجزء علة تامة لهذه الآثار ، بخلاف الأعمّ من الصحيح والفاسد ، فهي ليست علة تامة حتى مع هذا الجزء ، بل يتوقف على انضمام أجزاء أُخرى إليها ، والروايات المبينة للآثار ، منصرفة عن هذا النوع من العبادة.

نعم يرد على الاستدلال بالقسم الثاني من الروايات أنّ هذه التراكيب وإن كانت مستعملة في نفي الحقيقة حتى في نوعه « لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد » (١) ، وقوله : « يا أشباه الرجال ولا رجال » (٢) لكن فرق بين نفي الحقيقة حقيقة وبين نفي الحقيقة مبالغة وعناية ، وهذه التراكيب كثيرة الاستعمال في نفي الحقيقة مبالغة وعناية مثل قوله : « لا رضاع بعد فطام » (٣) ، و « لا رهبانية في الإسلام ». (٤)

ومع هذه الكثرة فلا تصلح تلك الأخبار للاستدلال ، لأنّ كثرة الاستعمال إذا صارت إلى حدّ وافر ، تزاحم ظهور اللفظ في نفي الحقيقة حقيقة كما في قوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » كما هو أساس الاستدلال. ولم يفرق المستدل بين نفي الحقيقة حقيقة ، ونفيها ادّعاءً ومبالغة.

__________________

١ ـ التهذيب للشيخ الطوسي : ٣ / ٢٦١ ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، الحديث ٥٥ ؛ الوسائل : ٣ ، الباب ٢ من أبواب أحكام المساجد ، الحديث ١ ، ورواه الدارقطني في سننه : ١ / ٤٢٠.

٢ ـ نهج البلاغة : الخطبة٢٧.

٣ ـ الوسائل : ١٤ ، كتاب النكاح ، الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ٥.

٤ ـ بحار الأنوار : ٦٨ / ٣١٧.

١٥٦

الدليل الرابع : ويمكن تقريره بالنحو التالي ، وهو مركّب من مقدمات أربع :

أ : انّ طريقة العقلاء في وضع الألفاظ هي وضعها للصحيح.

ب : انّ الداعي إليه هو كثرة الحاجة إلى تفهيم الصحيح.

ج : انّ هذه الحكمة أيضاً موجودة في وضع الشارع.

د : لا يصحّ التخطّي عن هذه الطريقة. (١)

يلاحظ عليه : بمنع المقدمة الثانية وهو كثرة الحاجة إلى تفهيم الصحيح فانّ الحاجة إلى تفهيم الفاسد ليست بأقل من العكس ، والأولى أن يقرر بنحو آخر ، وهو أنّ الغاية تحدِّد فعل الفاعل ، فلا يتصور أن يكون الفعل أوسع من الغرض والهدف ، فالسفر لغاية زيارة الصديق تتحدد بتلك الغاية ، وإرادة السفر في إطار أعم من هذا لا يصدر من الفاعل الحكيم.

وعلى ضوء هذا فنقول : إنّ الشارع اخترع الصلاة لغاية خاصة ، وهي تهذيب الإنسان وتربيته ، ومن المعلوم أنّ تلك الغاية من نتائج الصلاة التامة لا الناقصة ، ومن آثار الصلاة الصحيحة لا الفاسدة ، فإذا كان الداعي للاعتبار هو تهذيب الإنسان وتربيته فيتحدد فعله ( أي اعتباره ماهية الصلاة ) بتلك الغاية ، فينتج أنّ ما هو المعتبر عند الشارع هو الصلاة الصحيحة لترتب الغرض عليه فقط ، وطبيعة الحال أن يكون المسمّى هو نفس المعتبر بأن يكون اللفظ موضوعاً لنفس ما اعتبره لا للأعم منه.

نعم ربّما يتعلق الغرض بتفهيم قسم آخر وهو الفاسد فله أن يطلق عليه عناية. فقد خرجنا بالنتيجة التالية : انّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح منها.

__________________

١ ـ كفاية الأُصول : ١ / ٢٦.

١٥٧

الجهة السادسة

في بيان أدلّة القول بالأعم

إنّ دراسة القول بالأعم كدراسة القول بالصحيح فرع تصوير جامع له أوّلاً ، ثمّ دراسة أدلّته ، ولما كان هذا القول ساقطاً عندنا فندرس أدلّته فقط ونحيل دراسة تصوير الجامع إلى الكفاية وغيرها ، فقد بحثوا عنه بحثاً وافياً ، فلنركِّز البحث على دراسة أدلّته. استدلّ القائل بالأعم بوجوه :

الأوّل : التبادر

الثاني : عدم صحّة سلب الصلاة عن الفاسدة

يلاحظ عليهما انّهما دليلان وجدانيان لا برهانيان ، إذ للخصم أيضاً أن يدّعي خلافها ، كما مرّ حيث إنّ الصحيحي كان يدّعي تبادر الصحيح من الصلاة كما يدّعي صحة سلب الصلاة عن الفاسدة ، فالأولى الإعراض عنهما وصبّ الجهود على دراسة سائر الأدلّة.

الثالث : صحّة التقسيم إلى الصحيحة والفاسدة

إنّ صحّة تقسيم الصلاة إلى الصحيحة والفاسدة آية كونها اسماً للأعم ، وذلك لأنّ المقسم يجب أن يكون موجوداً في جميع الأقسام وإلاّ لما صحّ التقسيم ، فلا يقال : الصلاة إمّا صحيحة أو سعي بين الصفا والمروة.

١٥٨

وأجيب عن الاستدلال بأنّ الاستعمال لا يكون دليلاً على الحقيقة بل هو أعمّ من الحقيقة والمجاز.

والجواب لا يخلو من نظر ، لأنّ الاستعمال إنّما لا يكون دليلاً على الحقيقة إذا احتمل فيه أنّ الإطلاق من باب الادّعاء ، وأمّا إذا اطلق على الشيء من دون شائبة ادّعاء فهو يكون دليلاً على الحقيقة ، كما أنّ المقام كذلك.

نعم يرد على الاستدلال بأنّ صحّة التقسيم حسب أعصارنا حيث صار الابتلاء بالعبادات الفاسدة بين الناس أمراً رائجاً واتخذ التقسيم المزبور ذريعة لبيان حكم الفردين فعبروا عنها بالصحيح والفاسد ، وأمّا كون الأمر كذلك في عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أعني : عصر التسمية ، فلم يثبت ذلك.

اللّهمّ إلاّ بمعونة أصالة عدم النقل حتى يثبت به صحّة التقسيم في عصره ، ولكن القدر المتيقن من هذا الأصل هو المورد الذي لم يكن هناك أي مظنة بالنقل ، بخلاف المقام فانّ الظن بالنقل موجود لأجل كثرة الحاجة إلى إفهام الفاسد من الموضوع.

الرابع : حديث الولاية

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : « بني الإسلام على خمس : الصلاة ، والزكاة ، والحجّ ، والصوم ، والولاية ، ولم يناد أحد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ الناس بالأربع وتركوا هذه ، فلو أنّ أحداً صام نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة ». (١)

وجه الاستدلال : أنّه لو كانت أسماء العبادات أسامي للأعم لصحّ وصفهم بالأخذ

__________________

١ ـ الكافي٢ / ١٩ ، باب دعائم الإسلام ، الحديث ٥.

١٥٩

بالأربع ، وأمّا على القول بوصفها للصحيح فلا يتم لهم الأخذ مطلقاً لا الأربع ولا الولاية.

يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال غيرتام على كلا القولين ، سواء أقلنا بصحّة عباداتهم لكن مع عدم ترتب الثواب عليه ، أو ببطلان عباداتهم.

أمّا على الأوّل : فالأخذ يحمل على الحقيقة ، فقد أخذوا بالأربع حقيقة ، لأنّ المفروض صحّة عباداتهم ، وأمّا على الثاني فالمراد من أخذهم هو أخذهم بها حسب اعتقادهم لا حسب الواقع ، وقد عقد صاحب الوسائل باباً أسماه « بطلان العبادة بدون ولاية الأئمّة عليهم‌السلام » (١) أورد روايات تناهز تسع عشرة رواية ، أكثرها دالة على صحّة عباداتهم ولكن لا تقبل ولا يترتب عليها الثواب فلاحظ رقم ٢ ، ٤ ، ٥ ، ٧ ، ٨ وغيرها ، وعلى ذلك فيكون الأخذ على وجه الحقيقة.

وهناك جواب آخر وهو أنّ المراد من الصحيح هو الصحيح النسبي أي الأجزاء والشرائط التامّة لا الصحيح المطلق كالصّحة لأجل الاعتقاد بالولاية فانّ الصحّة بهذا المعنى خارج عن المسمى قطعاً.

الخامس : الحديث النبوي ، روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لجارية كانت تعرف أيام حيضها : « دعي الصلاة أيام أقرائك ». (٢)

وجه الاستدلال : انّه لو لم يكن المراد منها الفاسدة لما صحّ النهي عنها لعدم قدرة الحائض على الصحيحة منها.

يلاحظ عليه : أنّه إنّما يتم إذا كان النهي مولوياً فيشترط فيه أن يكون المتعلّق مقدوراً ، والصحيح ليس بمقدور ، وأمّا إذا كان إرشادياً إلى المانعية فلا يشترط فيه التمكّن لأنّ النهي لأجل بيان المانعية. والمراد إرشادها إلى أنّ الصلاة لا تجتمع مع الحيض.

__________________

١ ـ الوسائل : ١ ، الباب ٢٩ من أبواب مقدمة العبادات.

٢ ـ الكافي : ٣ / ٨٨ ، باب جامع في الحائض والمستحاضة ، الحديث ١.

١٦٠