جامعة الأصول

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامعة الأصول

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

وهذا القسم من الإستصحاب سواء كان من إستصحاب حال الشرع أو العقل هو الإستصحاب في موضوع الحكم الشّرعي.

وثانيهما : ان يعلم ثبوت حكم لمحلّ وعلم وجود عارض من عوارض هذا المحل ولكن حصل الشكّ في أنّ لهذا العارض حكماً مبطلاً للحكم الاوّل أم لا.

أو يقال بعبارة أخرى : وجود موضوع معلوم ثابت جزماً ولكن حصل الشكّ في ثبوت حكم شرعي لهذا الموضوع وعدمه فيقال : الأصل عدمه نظراً إلى الإستصحاب كما إذا علمنا تطهّر زيد وعلمنا وجود الحدث من غير الموضع الطبيعي ولكن حصل الشكّ في أنّ هذا النّوع من الحدث هل هو مبطل للتطهّر أم لا؟ فإن قلنا : إنّ التطهّر قبل ذلك كان حاصلاً فكذا الآن عملاً بالإستصحاب يكون إستصحاب حال الشرع ، وإن قلنا : قبل ذلك لم يكن الذّمّة مشغولة بالوضوء فكذا الآن يكون إستصحاب حال العقل.

ومن هذا القبيل إذا حصل اليقين بوقوع المذي ولكن حصل الشكّ في ناقضيّته للوضوء.

وهذا القسم من الإستصحاب هو الإستصحاب في نفس الحكم الشّرعي.

ثمّ إنّ صاحب الذخيرة وبعضا اخر انكروا حجيّة القسم الثاني وستعلم حقيقة الحال.

ثمّ انّ الإستصحاب الّذي ذكرناه هو الإستصحاب المتعلّق بنفس

٢١

الحكم الشّرعي وموضوعه.

وهنا قسم آخر من الإستصحاب لا يكون في الحكم الشّرعي ولا في موضوعه ، بل امّا أن يكون في متعلّق الحكم الشّرعي أو لا يكون فيه ايضاً.

فالأوّل : مثل الأصل بقاء المعنى اللغوي على حاله فإن ذلك خارج عن الاحكام الشرعيّة وموضوعاتها الّا انّ له مدخليّة في الجملة فيها.

والثاني : كما إذا علم رطوبة ثوب مثلاً في زمان ثمّ حصل الشكّ بعد ذلك بانّه رطب أم صار يابساً فيقال : الأصل بقاء الرّطوبة على ما كان عليه. وهذا القسم لا دخل له بالأحكام الشرعيّة إلّا بالعرض.

ومنها : أصالة عدم تقدّم الحادث ، كأن يقال في الماء الّذي وجد فيه نجاسة بعد الإستعمال ولايدري انّ النّجاسة قبل الإستعمال كان موجوداً في الماء أووقع فيه بعده : الأصل عدم تقدّم النّجاسة على الإستعمال ، فلا يجب غسل مالاقي هذا الماء قبل رؤية النّجاسة وستعلم إن شاء الله تعالى انّ هذا الأصل إلى ايّ الأصول راجع.

ومنها : التمسّك بعدم الدّليل فيقال عدم الدّليل على الحكم يدل على انتفائه وتعلم إن شاء الله ايضاً انّ مرجعه إلى ايّ الأصول.

ومنها : الأخذ بالأقلّ عند فقد الدّليل على الأكثر ، كما إذا قيل : في عين الدّابة نصف قيمتها ، فيردّ بأنّ الرّبع ثبت إجماعاً فينفى الزائد بالأصل وهذا الأصل مرجعه إلى أصل البراءة.

ومنها : الأصل في الكلام الحقيقة ، وهذا يمكن أن يكون داخلاًتحت

٢٢

الرّاجح ، ويمكن أن يكون داخلاً تحت القاعدة وستعلم إن شاءالله حقيقة الحال.

ومنها : أصالة نفي تخصيص العام إلى ان يثبت المخصّص.

ومنها : أصالة نفي تقييد المطلق إلى أن يثبت المقيّد.

ومنها : أصالة نفي النسخ إلى ان يثبت النّاسخ.

ومنها : أصالة نفي الاشتراط بشرط مختلف فيه إلى ان يثبت وستعلم انّ هذه الاربعة إلى أيّ الأصول راجعة.

ومنها : الكتاب المعتمد كما يقال : أصل حريز وأصل محمّد بن مسلم وأصل زرارة.

ومنها : الأصل في الاشياء الطّهارة ، وهذا يرجع إلى أصل البراءة كما ستعرف إن شاء الله العزيز.

وبما ذكرنا تعرف انّ ما يطلق عليه اسم الأصل وان كان البعض داخلاً في بعض تسعة عشر اصلاً.

الاوّل الدليل كالكتاب والسنّة والبرهان.

والثاني القاعدة.

والثالث الحالة الرّاجحة.

والرابع أصل البراءة بمعنى نفي الحرمة.

الخامس أصل البراءة بمعنى نفي الوجوب.

السادس أصل البراءة بمعنى نفي مطلق الحكم.

٢٣

السابع أصل عدم الممكن.

الثامن إستصحاب حال العقل.

التّاسع إستصحاب حال الشرع.

العاشر أصالة عدم تقدّم الحادث.

الحادى عشر أصالة التمسّك بعدم الدليل.

الثاني عشر الاخذ بالاقلّ عند فقد الدّليل على الاكثر.

الثالث عشر الأصل في الكلام الحقيقة.

الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر أصالة نفي التخصيص والتقييد والنسخ والشرط

الثامن عشر الكتاب المعتمد.

التاسع عشر أصالة الطّهارة في الاشياء.

ولمّا كان الأصل بمعنى الدّليل لا يحتاج إلى الاستدلال لظهور حجيّة الكتاب والسنّة والبرهان فلا نتعرّض لذكر الاستدلال عليه.

والأصل بمعنى القاعدة لا يمكن عليه الاستدلال بالاطلاق لّان القواعد كثيرة والمعتبرة منها ماكان بديهيّاً أو نظريّاً مثبتاً من دليل عقلي أو نقليّ.

وكذا الحكم بعينه في الأصل بمعنى الرّاجح لانّ المعتبر من الرّاجح ما يكون رجحانه حاصلاً ممّا يرتضيه مذاق الشّرع أو العقل.

والأصل بمعنى نفي مطلق الحكم يثبت بعد اثبات أصل البراءة بمعنى

٢٤

نفي الحرمة وأصل البراءة بمعنى نفي الوجوب والاستحباب فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه بعنوان انّه مطلق.

والأصل العدم ايضاً لا يحتاج إلى الاستدلال عليحدة كما عرفت وستعرف إن شاء الله.

والأصول الاربعة : الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر حكمها واحد وطريق الاستدلال عليها واحد بعينه فلا يحتاج إلى الاستدلال على كلّ واحد عليحدة بل نعنون لاربعتها عنواناً واحداً.

والأصل بمعنى الكتاب المعتمد لا يحتاج إلى دليل وهو ظاهر

فخرج من تسعة عشر تسع وبقي الأصول المحتاجة إلى الاستدلال عشرة أصول نعنون لكلّ واحد عنواناً عليحدة.

ونزيد عنوانين آخرين :

أحدهما : لاصل الاباحة في الشبهة لطريق الحكم.

وثانيهما : لذكر شطر من الأصول الّتي استعملها الفقهاء والاشارة إلى انّها من أي قسم من الاقسام المذكورة.

ولما ذكرنا رتّبنا رسالتنا هذه على اثنى عشر فصلاً :

الفصل الاوّل في أصل البراءة بالمعنى الاوّل يعنى أصل الاباحة فيما لانصّ فيه.

الفصل الثاني في أصل البراءة بالمعنى الثاني اعنى نفي الوجوب والاستحباب.

٢٥

الفصل الثالث في حكم الشبهة في طريق الحكم الشّرعي.

الفصل الرابع في إستصحاب حال العقل.

الفصل الخامس في إستصحاب حال الشرع ونشير فيه إلى جميع الاقسام التي تحته.

الفصل السادس في أصالة عدم تقدّم الحادث.

الفصل السابع في أصالة التّمسّك بعدم الدليل.

الفصل الثامن في الاخذ بالاقلّ عند فقد الدليل على الاكثر.

الفصل التاسع في انّ الأصل في الكلام الحقيقة.

الفصل العاشر في أصالة نفي التخصيص والتقييد والنسخ والاشتراط.

الفصل الحادي عشر في انّ الأصل في الاشياء الطّهارة.

الفصل الثاني عشر في ذكر بعض الأصول الداخلة تحت الأصول المذكورة وهي الّتي ذكر اكثرها شيخنا المتبحّر الشهيد رحمه‌الله والاشارة الي أن كلّ واحد منها داخل تحت أيّ أصل من الأصول المذكورة.

٢٦

الفصل الاوّل

في أصل البراءة بالمعنى الاوّل اعني أصل الاباحة

اعلم انّه اختلف في انّ الأصل في الاشياء الّتي لم يرد بها نصّ ، الحلّ أم لا؟ وكذا في انّ الأصل في الافعال كذلك الاباحة أم لا؟

فمعظم الاصوليّين على انّ الأصل فيهما الحلّ والاباحة مطلقاً.

وذهب بعض العلماء إلى وجوب التوقّف إذا احتمل الحرمة ولم يكن من الشّبهة في طريق الحكم. والتوقّف امّا بمعنى عدم العلم باحد الطرفين مع عدم الخلوّ عنه في الواقع أو بأنّه لا حكم في الواقع. وامّا إذا لم يحتمل الحرمة أو كان من الشّبهة في طريق الحكم فمتفقون مع المعظم.

وبعضهم قال بالتوقّف مطلقاً.

وذهب بعضهم إلى وجوب الإحتياط على ما يفهم من كلام البعض.

٢٧

والاكثر صرّحوا بأنّ القائلين بالإحتياط هم القائلون بالتوقّف فإنّهم يتوقّفون في الفتوى ويحتاطون في العمل وسيجيء ان شاء الله العزيز انّ المفهوم من الاخبار انّ التوقّف اخصّ من الإحتياط. وعلى كلا التقديرين (١) يلزم انّ الإحتياط ليس قولاً عليحدة في المسألة بل القول بالتوقّف والاحتياط قول واحد كما تعرف.

وممّا يدلّ على ذلك ما قال الشهيد الثاني رحمه‌الله في التمهيد (٢) أنّ في المسألة ثلاثة أقوال : الاباحة والتوقّف والحرمة. وكذا قال الشيخ في العدّة (٣) وغيرهما ايضاً كذا قالوا.

ومنهم من قال بأنّ الأصل فيهما الحرمة فبعضهم قال بالحرمة ظاهراً وبعضهم قال بها واقعاً.

ثمّ انّه لا فرق بين الاشياء أو الافعال قبل بعثة الرّسل وما لا نصّ فيه بعد بعثة الرّسل في جريان الخلاف المذكور على ما يظهر من كلام البعض.

وبعض الاصوليين كالآمدي وفخرالدّين الرّازي وتابعيهم اطلقوا القول في الشقّ الثاني بالإباحة ولم يتعرّضوا لنقل الخلاف ، ونقلوا الخلاف في الاشياء قبل بعثة الرّسل.

ولايخفى انّه لا فرق بينهما فما يحتمل أحدهما يحتمل الاخر وكلّ ما

__________________

(١) في بعض النسخ : «الّا انّه على هذا ايضاً» مكان «وعلى كلا التقديرين»

(٢) تمهيد القواعد ، ص ٦٦

(٣) عدّة الاصول ٢ / ٧٤١ تحقيق محمد رضا الانصاري

٢٨

يمكن ان يستدلّ به لاحدهما على ايّ مذهب يمكن ان يستدلّ به للآخر كذلك. فالظاهر انّ الخلاف مشترك وعدم تعرّض البعض كأنّه للظهور.

ومحلّ الخلاف هو الاشياء والافعال اللّتان لم تكونا اضطراريتين والّا فالاصل فيهما الحلّ والاباحة بلا خلاف لاحد من العقلاء.

فأصول المذاهب في المسألة اربعة والحقّ انّ الأصل فيهما الحلّ والاباحة كما هو المذهب المعظم فلا بدّ لنا اوّلاً من الاستدلال على المذهب المختار ثمّ ذكر ادلّة كلّ واحد من مذاهب الخصوم وردّها على وجه يرتضيه العقول السّليمة ويقبله الفهوم المستقيمة.

٢٩

[حجّة القول المختار]

اعلم انّ الأدلّة الدّالّة على انّ الأصل في الاشياء الحلّ قبل بعثة الرّسل وكذا فيما لا نصّ فيه بعد بعثتهم وكذا الحكم في الافعال امور.

الاوّل : الآيات وهي كثيرة.

منها قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(١).

وهذه الاية تدلّ على حليّة الاشياء مطلقاً ولا تدلّ على اباحة الافعال كما لا يخفى ثمّ انّ هذه الاية تدلّ على العموم لا على فرد خاصّ من ما في الارض لانّ لفظة «ما» ظاهرة في العموم فيكون المعنى انّ جميع ما في الارض خلق لانتفاعكم فيكون مباحاً لكم الّا ما ثبت تحريمه بدليل آخر.

لايقال : انّ نوع الانتفاع غير معلوم فيجوز ان يكون لكلّ شيء انتفاع خاصّ غير معلوم فلا يمكن الاستدلال بالآية.

لأنّا نقول : لا شكّ انّ الله تعالى في مقام الامتنان فيجب ان يراد عموم الانتفاع كيف وان كان المراد فرداً خاصّاً غير معلوم يحكم العقل بوجوب الاجتناب من جميع افراد الانتفاع لاحتمال الضّرر ايضاً حينئذٍ وكيف يناسب هذا بمقام الامتنان فالمراد عموم انواع الانتفاع.

__________________

(١) البقرة : ٣٩

٣٠

ومنها قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ)(١).

ووجه الاستدلال به على إباحة كلّ الاشياء سوى الامور المذكورة ظاهر.

والاستدلال به ايضاً مخصوص بإباحة الاشياء دون الافعال.

ومنها قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً)(٢).

لا يقال : يمكن أن يكون لفظة «من» تبعيضيّة فلا يفيد الآية إباحة جميع الاشياء.

لأنّا نقول : يلزم حينئذٍ ان لا يكون هذا البعض معيّناً وهذا غير مناسب لمقام الإمتنان.

نعم إن كان المراد من البعض البعض الّذي لم يثبت حرمته يكون صحيحاً وحينئذٍ ثبت المطلوب.

ومنها قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)(٣).

قال بعض الفضلاء : في هذه الآيه اشعار بأنّ إباحة الأشياء مركوزة في

__________________

(١) النحل : ١١٥

(٢) البقرة : ١٦٨

(٣) الانعام : ١٤٥

٣١

العقل قبل الشّرع لانّها في صورة الاستدلال على الحلّ بعدم وجدان التّحريم الّا للاشياء الخاصّة.

ومنها قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)(١) ـ الاية ـ.

ومنها قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ)(٢) ـ الآية ـ

والآيتان الاخيرتان تدلّان على اباحة الاشياء والافعال جميعاً.

ولايخفى انّه يمكن المناقشة في دلالة بعض هذه الايات على الاباحة والحلّيّة قبل البعثة ولايضرنا ذلك لانّا لم ندّع انّ كلّ الايات والاخبار تدلّ على كلّ واحد من الاقسام الّاربعة بل يدلّ المجموع على المجموع ولذا في كلّ واحد من الآيات والاخبار نشير إلى انّه يدلّ على أيّ قسم من الاقسام الاربعة.

ومنها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٣).

ودلالته على حلّيّة الاشياء واباحة الافعال قبل بعثة الرّسل ظاهرة غير خفيّة وكذا بعد بعثة الرّسل ايضاً إذا كانت الاشياء والافعال ممّا لم يرد بها نصّ لانّه لاشكّ انّ عدم العذاب قبل بعثة الرّسل انّما كان لاجل عدم بلوغ

__________________

(١) الانعام : ١٥١

(٢) الاعراف : ٣٣

(٣) الاسراء : ١٥

٣٢

التكليف إليهمّ ولا شكّ انّ هذا الامر فيما لا نصّ فيه موجود بعد البعثة ايضاً.

ومنها قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(١) ودلالتها على الشقوق الاربعة ظاهرة.

ومنها قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٢).

وهذه دلالتها منحصرة على ما بعد البعثة مطلقاً.

ومنها قوله تعالى : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(٣).

ووجه الاستدلال به ظاهر. وهذه الاية تدلّ على الاباحة في الشقوق الاربعة كما لايخفى.

وهنا بعض آخر من الآيات استدل به طائفة من اصحابنا على هذا المطلوب ولكن لمّا كان دلالته غير صريحة عندي ما ذكرته هنا ولكن أشير إليه إن شاء الله في طيّ الاخبار.

هذه جملة من الايات الّتي يمكن الاستدلال بها على هذا

__________________

(١) الطلاق : ٧

(٢) التوبة : ١١٥

(٣) الانفال : ٤٢

٣٣

المطلوب) (١) ويمكن الاستدلال بآيات كثيرة اخر الّا انّ ما ذكرنا كاف لاثبات المطلوب.

الثاني : الاخبار وهي كثيرة غاية الكثرة.

فمنها : ما يدلّ على الشقوق الاربعة اعني اباحة الاشياء والافعال قبل البعثة وبعدها.

الاولى : ما روى ابن بابويه في «من لايحضره الفقيه» في باب القنوت بالفارسيّة عن الصّادق (عليه‌السلام) قال : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي (٢)» وروى الشيخ بدل «نهى» قوله «امر او (٣) نهى» (٤).

الثانية : ما رواه الكلينى عن عدّة من اصحابنا عن احمد بن محمّد بن خالد عن علىّ بن الحكم عن أبان الاحمر عن حمزة بن الطيّار عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قال لي : اكتب فاملى علىّ : ان من قولنا انّ الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرّفهم ثمّ ارسل اليهم رسولاً وانزل عليهم

__________________

(١) ما بين () موجود في بعض النسخ

(٢) الفقيه ١ / ٣١٧. روضة المتقين ٢ / ٣٤٩

(٣) في بعض النسخ : ونهى.

(٤) جامع احاديث الشيعة الطبعة الاولى ١ / ٨٩ نقلاً عن امالى الشيخ الطوسى الطبع الحجرى صفحه ٦٣ وفيه : «امر ونهى»

٣٤

الكتاب فامر فيه ونهى امر فيه بالصّلاة والصيّام (١) ـ الحديث ـ

وجه الاستدلال به انّ الخبر يدلّ على انّ العقاب والعتاب لا يكونان الّا بعد البيان فقبله لا يكون تحريم حتّى بسببه صار مستحقّاً للعقاب.

الثالثة : ما رواه في «الكافي» في باب التعريف والحجّة والبيان (٢) عن احمد بن محمّد بن يحيى العطار عن احمد بن محمّد بن عيسى عن أبن فضّال عن داود بن فرقد عن ابي الحسن زكريا بن يحيى عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (٣).

ووجه الاستدلال كما مرّ.

ورواه في الكافي في باب حجج الله على خلقه ايضاً (٤).

الرابعة : ما روى ابن بابويه عن حفص بن غياث القاضي قال قال أبوعبدالله (عليه‌السلام) من عمل بما علم كفى مالم يعلم (٥).

وجه الاستدلال به انّه (عليه‌السلام) بيّن انّ العمل بما لم يبلغ إليه علمه ساقط

__________________

(١) الكافى ١ / ١٦٤.

(٢) ليس هذا العنوان في ابواب الكافى نعم هو موجود في توحيد الصدوق فراجع.

(٣) لم ترد هده الرواية بهذا السند في الكافى بل في توحيد الصدوق ٤١٣ في باب التعريف والحجّة والبيان.

(٤) الكافى ١ / ١٦٤ في باب حجج الله عل خلقه. وفيه «محمد بن يحيى» مكان «احمد بن محمد بن يحيى».

(٥) الوسائل ٢٧ / ١٦٤ نقلاً عن التوحيد ٤١٦ وثواب الأعمال ١٦١.

٣٥

فهنا لما لم يبلغ إليه الحرمة فهي ساقطة عنه.

لا يقال : انّ الاباحة ايضاً لم يبلغ إليه علمها.

لأنّا نقول : يفهم منه عدم المؤاخذة ولامعنى حينئذٍ سوى الاباحة.

الخامسة : مارواه الصّدوق (قدس‌سره) في كتاب «التوحيد» عن عبدالله بن جعفر الحميري عن احمد بن محمّد بن عيسى عن الحجال (١) عن ثعلبة بن ميمون عن عبدالاعلى بن اعين قال : سألت أبا عبدالله (عليه‌السلام) عمّن لم يعرف شيئاً هل عليه شيء؟ قال لا (٢).

ووجه الاستدلال بها في غاية الظهور.

السادسة : ما ورد عن الصّادق (عليه‌السلام) على ما رواه ثقة الاسلام في «الكافي» انّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه الّا بامام حتى يعرف (٣).

السابعة والثامنة : روايتان اخريان بمضمون هذه الرّواية مذكورتان في «الكافي» ايضاً (٤).

التاسعة : ما ورد من قولهم (عليهم‌السلام) : انّ الله احتجّ على النّاس بما آتاهم [ما] وعرّفهم (٥).

__________________

(١) الحجاج خ

(٢) التوحيد ٤١٢

(٣) الكافى ١ / ١٧٧

(٤) الكافى ١ / ١٧٧

(٥) التوحيد ٤١٠ و ٤١١

٣٦

العاشرة : ما ورد عنهم (عليهم‌السلام) في تفسير قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(١) من قولهم : حتّى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه (٢).

الحادية عشر : ما رواه عبدالاعلى بن أعين عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : قلت له : اصلحك الله هل جعل في النّاس اداة ينالون بها المعرفة؟ قال : فقال : لا ، فقلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان قال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٣) و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)(٤) قال : وسألته عن قوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ)(٥) قال : حتّى يعرّفهم ما يرضيه ويسخطه (٦).

الثانية عشر : ما ورد من قولهم (عليهم‌السلام) النّاس في سعة مالم يعلموا (٧).

الثالثة عشر : ما رواه الكلينى من قولهم (عليهم‌السلام) : ليس لله على الخلق

__________________

(١) التوبه : ١١٥

(٢) التوحيد ٤١١

(٣) البقرة : ٢٣٣

(٤) الطلاق : ٧

(٥) التوبة : ١١٥

(٦) التوحيد ٤١٤

(٧) الكافى ٦ / ٢٩٧ وراجع كتابنا «سى مقاله» ١٥٧ ـ ١٦٩

٣٧

ان يعرفوا وللخلق على الله ان يعرّفهم ولله على الخلق إذا عرفهم ان يقبلوا (١).

ووجه الاستدلال به انّ المراد ليس لله على الخلق ان يعرفوا شيئاً من احكامه مطلقاً بل يجب على الله ان يعرّفهم كلّ واحد واحد من احكامه فكلّ ما لم يعرّفهم من احكامه ليسوا مكلّفين به.

فإن قلت : هل يمكن الاستدلال على المطلوب بالاخبار الواردة في معذوريّة الجاهل كقوله (عليه‌السلام) : «ايّما امرء ركب امراً بجهالة فليس عليه شيء» (٢).

وماورد عن الصّادق (عليه‌السلام) حين سئل عن الرّجل يتزوج المرأة في عدّتها بجهالة أهي ممّن لا تحلّ له أبداً فقال : لا امّا إذا كان بجهالة فليتزوّجها بعد ما تنقضى عدّتها وقد (٣) يعذر النّاس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت : بأيّ الجهالتين اعذر (٤) بجهالته [ان يعلم] ان ذلك محرّم عليه أم بجهالته انّها في عدّة؟ فقال : احدى الجهالتين أهون من الاخرى. الجهالة بأنّ الله حرّم ذلك عليه وذلك (٥) انّه لايقدر على

__________________

(١) الكافى ١ / ١٦٤

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٧٣

(٣) فقد. خ

(٤) في الكافى : «يعذر» مكان «أعذر»

(٥) كذ في الاصل وفي الكافى «وذلك بأنّه» وفي الفرائد للشيخ الانصاري :

٣٨

الإحتياط معها فقلت : فهو في الاخرى معذور فقال : نعم (١) ـ الحديث ـ.

قلت : الاستدلال بالمطلوب بهذين الخبرين وامثالهما لايخلو عن اشكال ، وذلك لّان الجهالة ان يعتقد ويعلم انّ الامر الفلاني حكمه كذا ففعله بهذا الاعتقاد مع انّه لم يكن الامر المذكور حكمه كذلك ، وامّا إذا كان الامر المذكور عنده محتملاً لهذا الحكم وحكم آخر ففعل أحدهما فالظاهر عدم شمول الاخبار الواردة في الجهالة له ، وما نحن فيه من قبيل الثاني لا الاوّل. غايه ما في الباب انّ المكلّف إذا اعتقد فيما لا نصّ فيه ـ لشبهة أو غيرها ـ انّ حكمه الاباحة لم يكن عليه شيء لا إذا كان كلّ من الاباحة والحرمة وغيرهما محتملاً.

وبالجملة لا يمكن الاستدلال بهذه الاخبار على هذا المطلوب مطلقاً.

فإن قلت : هل يمكن الاستدلال على هذا المطلوب بالآيات الواردة في انّ الهداية من الله وانّه تعالى هدى النّاس.

مثل قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً)(٢) وورد في تفسره عنهم (عليهم‌السلام) يعنى عرفناه ما أخذ وماترك ، (٣)

__________________

«وذلك لأنّه».

(١) الكافى ٥ / ٤٢٧.

(٢) الإنسان : ٣.

(٣) تفسير الصافى ذيل الآية وفيه : في الكافي والتوحيد صفحه ٤١١ عن الصادق (عليه‌السلام) امّا آخذاً وامّا تاركاً.

٣٩

وقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(١) وورد في هذه الاية : وهم يعرفون (٢) وورد فيها ايضاً : بيّنا لهم (٣).

وقوله تعالى (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها)(٤) وقال (عليه‌السلام) في تفسيره : «بيّن لها ما تأتي وما تترك» (٥).

وقوله تعالى : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ)(٦).

قلت : غاية ما يلزم من هذه الآيات انّ الهداية والبيان وإراءة طريقي الحقّ والباطل منه تعالى وبعد هدايته صار واحد من النّاس على الهدى واخر على خلافها و [أمّا] انّ قبل الهداية والبيان فكيف كان امرهم فلايدلّ هذه الآيات عليه وليس فيها ما يدلّ على انّ قبل الهداية كان ذممهم بريئة عن جميع التكاليف.

نعم يمكن ان يقال : دلّت الآيات المذكورة على انّ قبل الهداية

__________________

(١) فصلت : ١٧

(٢) الصافي ذيل الآية نقلاً عن توحيد الصدوق

(٣) تفسير البرهان ٤ / ٧٨٢ نقلاً عن الكافى ١ / ١٦٣

(٤) الشمس : ٨

(٥) البرهان ٤ / ٧٨٢ نقلاً عن الكافى ١ / ١٦٣

(٦) البلد : ١٠. في توحيد الصدوق صفحه ٤١١ : قال ابوعبدالله (عليه‌السلام) : نجد الخير والشرّ.

٤٠