جامعة الأصول

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامعة الأصول

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

الفصل العاشر :

في أصالة نفي التخصيص والتقييد والنّسخ والاشتراط

ولايخفى انّ هذا الأصل شعبة من أصل العدم ، لانّ كلًّا من التخصيص والتقييد والنّسخ والشرط امر وجودي لا بدّ اثباته (١) من دليل ، فالاصل عدمه حتى يثبت من قبل الشارع ، فما لم يثبت جزماً يمكن للفقيه التمسّك باصالة عدمه.

نعم اختلف الاصوليون في انّه هل يجوز ان يحكم بالعموم والاطلاق قبل الفحص عن المخصّص والمقيّد أم لا؟ فمال ثلّة من الاوّلين إلى الجواز وكثير من الاخرين إلى عدم الجواز.

والحقّ عدم الجواز لانّ المجتهد يجب عليه البحث والتفتيش في كلّ مايتعلّق بالمسألة الّتي يريد ان يستنبطها ، ومن جملة ذلك البحث عن

__________________

(١) لاثباته.

٢٦١

المخصّص والمقيّد ، وكيف لا مع انّه يجب ان يحصل للمجتهد الظنّ الشرعي بالطّرف المحكوم عليه ومع عدم الفحص لا يحصل له ذلك ، لانّ كثرة المخصّص والمقيّد مانع عن ذلك ، ولذا قيل : ما من عامّ الّا وقد خصّ ، فيجب عليه الفحص حتى يحصل له الظّن الشرعي بعدم المخصّص والمقيّد.

وما قيل من انّه يجب الفحص حتى يحصل القطع بعدم المخصّص ، غير ملتفت إليه ، لانّه لا سبيل لنا إلى القطع ولذا جاز العمل بالظّن في الاحكام الشرعيّة.

واستدلّ القائل بعدم اشتراط الفحص بانّه لو لم يجز التمسّك بالعامّ قبل الفحص لوجب ان لا يجوز التمسّك بالحقيقة قبل الفحص عن المجاز.

والجواب انّا حكمنا بعدم الجواز في العامّ والمطلق لكثرة المخصّص والمقيّد ، بخلاف الحقيقة والمجاز فاّن المجاز ليس في الكثرة كالمخصّص ، مع انّ أحداً لم يقل بأنّه يجب الفحص عن المجاز. والله العالم بحقائق الامور.

٢٦٢

الفصل الحادى عشر

في انّ الأصل في الاشياء الطّهارة

قال بعضهم : هذا الأصل داخل تحت القاعدة لانّ الطّاهر هو ما ابيح ملابسته في الصّلاة اختياراً والنّجاسة ما حرم استعماله في الصّلاة ، فالشارع لمّا امرنا بالصّلاة مستقبلاً طاهراً ساتراً للعورة تحصل هذه المهيّة بأيّ فرد كان والبدن متلطّخاً (١) بأيّ شيء كان وكذا الثوب متلطّخاً (٢) بأيّ شيء كان فإذا خرج بعض الاشياء وهو النّجاسات بقي الباقي على عدم ما نعيّته من الصّلاة وتحقّق الصّلاة معه ، وهو معنى الطهارة ، فيكون طهارة الاشياء مستفادة من الامر بالصّلاة مع السّاتر ساكتاً عمّا عدا النجاسات اذا كانت في البدن أو الثوب ـ انتهى ـ (٣).

__________________

(١ و ٢) كذا.

(٣) وافية الاصول ص ١٨٤

٢٦٣

وخلاصة كلامه انّ الشارع امرنا بالصّلوة مع الطّهارة ومنعنا منها مع النّجاسات وبيّن انّ النّجاسات ما هي وسكت عن غيره فيعلم انّ غير ما بيّن نجاسته على الطّهارة.

ولايخفى انّ العلم بذلك يحتاج امّا إلى ضميمة أصل العدم أو أصل البراءة ، والّا فمن اين يعلم انّ الامر والسّكوت المذكورين يدلّان على ذلك؟ فهذا الأصل في الحقيقة هو أصل البراءة لأنّ النّجاسة تكليف يحتاج إلى الثبوت فما لم يتيقّن ثبوته يمكن اجراءِ أصل البرآءة فيه.

ويمكن ان يكون داخلاً تحت أصل الاباحة لانّه إذا كان الأصل في الاشياء الاباحة والحليّة باعتبار الايات والاخبار كما عرفت مفصّلاً ، فالاصل الطّهارة ايضاً لانّ حليّتها موقوفة على طهارتها فما يثبت حليّته يثبت طهارته ايضاً.

ثمّ لايخفى انّه قد ورد بعض الاخبار عن الصادقين صلوات الله عليهم اجمعين يدلّ على طهارة الاشياء كقولهم عليهم‌السلام : كلّ شيء نظيف حتى يعلم انّه قذر (١).

فإن تمّ الاستدلال بهذا الخبر يكون هذا الأصل تحت القاعدة الّا انّ لبعضهم تامّلاً في اثبات هذا الأصل العظيم بامثال هذه الاخبار فالحقّ حينئذ ما قدّمناه.

__________________

(١) الوسائل ٣ / ٤٦٧ نقلاً عن التهذيب ١ / ٢٨٤

٢٦٤

الفصل الثاني عشر

في ذكر بعض الأصول المتداولة في السنتهم الداخلة تحت الأصول المذكورة والاشارة إلى انّ كلّ واحد منها داخل تحت أيّ أصل من الأصول المذكورة.

فمنها قولهم : الأصل عدم بلوغ الماء كرّاً

والحقّ ان هذا ان كان على سبيل التدريج يكون داخلاً في «الإستصحاب» وذلك لانّه إذا دخل قليل من الماء في موضع وكان قلته يقينيّة ثمّ شرع بالتدريج يدخل فيه ماء فالاصل بقاء القلّة على ماكان أوّلاً حتى يحصل الجزم ببلوغه كرّاً.

وامّا إذا القي مقدار من الماء في موضع دفعة وحصل الشكّ في انّ هذا الماء هل هو كّر أم لا؟ لايمكن ان يكون داخلاً تحت الإستصحاب

٢٦٥

لانّه في اوّل الامر كان كلّ من القلّة والكثرة مشكوكاً فيه ولم يتحقّق القلّة في الاوّل يقيناً حتى يق : الأصل بقاؤه على ما كان ، فالظاهر انّه داخل تحت «الأصل بمعنى الاخذ بالاقلّ عند فقد الدّليل على الاكثر» وذلك لانّ وجود ماء اقل من الكرّ يقينى وانّما الشكّ في الزيادة.

ومنها : الأصل عدم اجزاء كلّ من الواجب والندب عن الاخر.

وهذا داخل تحت «القاعدة» لانّ الواجب ما في فعله مصلحة وفي تركه مفسدة ، والندب ما في فعله مصلحة وفي تركه ليس مفسدة ، فهما امران مختلفان ، وقال الشارع : انّما الاعمال بالنيّات ولكلّ امرء ما نوى (١) فيفهم من كلام الشارع انّ براءة الذمّة من التكليف انّما يحصل إذا اتى المكلّف بالمأمور [به] على وجهه فالاتيان به على وجهه قاعدة مستفادة من الشارع.

قال الشهيد (قدس‌سره) في قواعده : الفائدة الخامسة : الأصل انّ كلًّا من الواجب والندب لا يجزي عن صاحبه لتغاير الجهتين.

وقد يتخلّف هذا الأصل في مواضع :

منها اجزاء الواجب عن الندب في صلاة الإحتياط التي يظهر الغناء عنها وكذا لو صام يوماً بنيّة القضاء عن رمضان فتبيّن انّه كان قد صامه فانّه يستحقّ على ذلك ثواب الندب

__________________

(١) الوسائل ١ / ٤٨ نقلاً عن التهذيب وراجع ذيل ص ٧٤ من القواعد والفوائد للشهيد الأوّل.

٢٦٦

وامّا اجزاء الندب عن الواجب ففي مواضع : منها صوم يوم الشكّ ـ ثم عدّ مواضع اخر ـ منها اجزاء الوضوء المستحبّ عن الواجب (١).

هذا ما ذكروه في هذا المقام. وفيه نظر بيّن لانّ الحقّ انّ نيّة الوجه ليست واجبة ، وغاية ما يستفاد من اخبار القربة وسائر الادلّة التي ذكرها القوم في اعتبار نيّة الوجه مردودة. بل القدر المسلّم انّه يجب امتياز الفعل عند المكلّف فإذا كان الفعل متحداً ممتازاً لايجب نيّة الوجه. بل ان نوى خلافه ايضاً يكون صحيحاً مثل ان يكون الفعل واجباً ونوى الندب أو العكس.

قال المحقّق في بعض تصانيفه : الذي ظهر لي انّ نيّة الوجوب والنّدب ليست شرطاً في صحّة الطّهارة وانّما يفتقر الوضوء إلى نيّة القربة وهو اختيار الشيخ أبي جعفر الطوسى رحمه‌الله في النهاية [إلى أن قال :] وانّ الاخلال بنيّة الوجوب ليس موثّراً في بطلانه (٢) ولااضافتها مضرّة ولوكانت غير مطابقة بحال الوضوء في وجوبه وندبه. وما يقوله المتكلّمون من انّ الارادة توثّر في حسن الفعل وقبحه فإذا نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد ايقاع الفعل على غير وجهه كلام شعرى ولو كان له حقيقة لكان النّاوي مخطئاً في نيّته ولم تكن النيّة مخرجة للوضوء

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ / ٨٣ وفيه : «الفائدة السادسة» لا «الخامسة».

(٢) في المصدر : في بطلان.

٢٦٧

عن التقرّب به ـ انتهى كلامه رفع مقامه ـ (١).

وهو يدلّ على انّه ان نوى خلاف الواقع بان كان واجباً فنواه ندباً أو بالعكس لم يكن مضرّاً.

وقد نسبه صاحب المدارك إلى الجودة ايضاً (٢).

وهو كذلك بعدما كان الفعل متّحداً متميّزاً بدون نيّة الوجه ، وذلك لانّ الفعل إذا كان متّحداً متميزاً وكان واجباً مثلاً فإذا نواه ندباً لاشكّ في انصرافها إليه ويكون ممتثلاً لانّ المفروض عدم وجود غيره وغاية ما ثبت من ادلّتهم اشتراط الامتياز والقربة.

وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في تعليقاتنا على شرح الدّروس للمحقّق الخوانساري.

ومنها : الأصل في تصرّفات المسلم الصحّة لانّ القاعدة التي وضعها الشّارع في احكام المسلمين الصحّة فيكون هذا الأصل داخلاً تحت «القاعدة»

ولا يخفى انّ هذا على قسمين :

أحدهما ان يصدر فعل من مسلم وكان ذا وجهين : أحدهما صحيح

__________________

(١) الرسائل التسع للمحقّق الحلّي (المسائل الطبريّة) ص ٣١٨

(٢) مدارك الأحكام في بحث نيّة الوضوء ، قال بعد نقل كلام المحقّق : هذا كلامه اعلى الله تعالى مقامه وهو في غاية الجودة.

٢٦٨

والاخر غير صحيح فيجب حمله على الوجه الصحيح كما إذا رأينا عالماً دخل على جابر فيمكن حمله على ركونه إلى الظالم ويمكن حمله على استخلاص مظلوم ، فيجب ان نحمله على الثاني.

وثانيهما ان يصدر فعل من شخص ويكون هذا الفعل ايضاً ذا وجهين وكان الحمل على الوجه الصحيح موقوفاً على العلم ـ ويكون العلم شرطاً فيه ـ كما إذا أفتى رجل في مسألة شرعيّة (١) ولا نعلم انّ هذا الرّجل هل يصلح لبيان المسائل الشرعيّة أم لا مع انّ قبول المسألة الشرعيّة منه موقوف على العلم بقابليّته فحينئذ الحمل على الوجه الصحيح محلّ تأمّل لانّ العلم هنا شرط.

نعم ان حصل العلم أولاً ثمّ حصل الشكّ فالظاهر عدم الاعتناء به كما إذا حصل العلم بعدالة امام ثمّ حصل الشكّ باعتبار فعل ذي وجهين.

ومنها : الأصل في البيع الصحّة

ولا يخفى انّه ان كان المراد منه انّه إذا حصل الصحّة فالاصل بقاءة حتى يجزم بخلافه فيكون داخلاً تحت «الإستصحاب» الّا انّه لا تأمّل في ان غرض القوم منه ليس ذلك. وان كان المراد منه ان القاعدة الّتي وضع الشارع في البيع الصحّة نظراً إلى انّه من تصرفات المسلم ، والأصل فيها الصحّة فيكون داخلاً تحت «الأصل السابق» ويكون صحيحاً الّا انّه يبقى

__________________

(١) وفي نسخة : إذا قال رجل مسألة شرعيّة.

٢٦٩

التأمّل في انّ الصّحة أمر وجودي والأصل عدمه فيكون من باب تعارض الأصلين.

ومنها : الأصل عدم القبض الصحيح ولا يخفى انّه ان كان مرادهم بهذا الأصل أصل العدم فهو انّ الأصل عدم مطلق القبض لا الصحيح منه ، بل الظاهر انّه إذا حصل العلم بالقبض يكون الأصل عدم القبض الفاسد.

نعم يمكن ان يقال : الصحّة امر وجوديٌّ والأصل عدمه فيكون من باب تعارض الأصلين ايضاً.

وان كان مرادهم من الأصل غير ذلك فلا بد من البيان.

ومنها : قولهم : الأصل في البيع اللزوم

وهو داخل تحت «القاعدة» لانّ القاعدة الّتي قرّرها الشارع في البيع اللّزوم. ولا يخفى انّ الغرض من قولهم : الأصل فيه اللزوم انّه مع قطع النّظر عن الامور الخارجة يكون الأصل فيه اللّزوم ، فلا ينافي وضع الخيار فيه.

وقال الشهيد في قواعده : الأصل في البيع اللزوم وكذا في سائر العقود. يخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة.

فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بامور :

منها : اقسام الخيار المشهورة وخيار فوات شرط معيّن [او وصف معيّن] أو عروض الشركة قبل القبض وتلف المبيع المعيّن أو الثمن المعيّن

٢٧٠

قبله أو في زمن الخيار إذا كان الخيار للمشتري وان قبضه والاقالة والتحالف عند التّحالف في تعيين المبيع أو تعيين الثمن أو تقديره على قول وتفريق الصّفقة والاخلال بالشرط وخيار الرجوع عند الافلاس ـ انتهى موضع الحاجة ـ (١).

وكلام الشهيد (قدس‌سره) ايضاً يدلّ على انّ الخروج من اللّزوم باعتبار امر خارجي وهذا لا ينافي كون اللزوم اصلاً فيه وبذلك يندفع كلام بعض الفضلاء (٢).

ومنها : انّ النيّة فعل المكلّف ولا اثر لنيّة غيره لانّ النيّة الّتي اعتبرها الشارع هي القصد مع القربة ولا معنى لقصد شخص لشخص اخر. وهذا معنى قطعي وامر جزميّ. فالامتثال العرفي انّما يحصل إذا حصل النيّة من المكلّف دون غيره فيمكن ان يكون داخلاً تحت «القاعدة» ويمكن ان يكون داخلاً تحت «الّراجح».

قال الشهيد في قواعده : الفائدة الثلثون : الأصل انّ النيّة فعل المكلّف ولا اثر لنيّة غيره وتجوز النيّة عن غير المباشر في الصّبيّ غير المميز والمجنون إذا حجّ بهما الوّليّ

__________________

(١) القواعد والفوائد ٢ / ٢٤٣.

(٢) وهو صاحب الوافية. قال فيها : ص ١٩٨ : قوله : «الاصل في البيع اللزوم» ليس له وجه لأنّ خيار المجلس ممّا يعمّ اقسام البيع.

٢٧١

وقد يؤثّر نيّةالانسان في فعل المكلّف وله صور :

منها ان يأخذ الامام الزكاة قهراً من الممتنع فيمتنع ان يعرى عن النيّة فيمكن ان يقال يجب النيّة من الامام (عليه‌السلام) وان كان الدافع المكلّف ـ انتهى ـ (١).

وقال بعض الافاضل المتأخرين (٢) : الصّبيّ والمجنون ليسا مكلّفين ونسبتهما إلى الولي المكلّف كنسبة يده ورجله إليه فلا بدّ له في فعله الّذي كلّف به وهو الحجّ بهما من النيّة وقوله لهما قل احجّ حجّة الاسلام مثلاً ليس بنيّة وانّما هو تلقين لصورة النيّة ولسانهما بمنزلة جارحة منه وبالجملة الفاعل في الحقيقة هو الولي وهما الثاني (٣) لفعله ونيّته امر قلبي قائم به. فهذه الصور ليست خارجة عن الأصل وامّا المكلّف المقهور الدافع للزكاة فإن صار بحيث ارتفع عنه القصد لاجل القهر وكان بحيث لم يتقرّب بفعله إلى الله فليس دفعه عبادة واداء للزكاة من حيث هي عبادة وعدم وجوب الدفع عليه مرّة بعد اخرى غير مستلزم لان يكون الدفع عبادة محتاجة إلى النيّة حتى يقال : انّها لا يجوز ان يعري عن النيّة فنيّة الامام وهي قصده الدفع عمن لا قصد له ، أولا تقرّب

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ / ١٢٢ وفيها الفائدة الحادية والثلاثون.

(٢) لعلّه السيّد الصدر شارح الوافية في ذيل قول الفاضل التوني : قال الشهيد الاوّل : الاصل في النيّة فعل المكلّف ولا اثر لنيّة غيره.

(٣) كذا في النسختين وهو تصحيف ظاهراً.

٢٧٢

له ، تقرباً إلى الله تعالى اثرت في فعل هذا المقهور.

والحاصل انّ الزكاة لها حيثيتان : الاولى كون دفعها عبادة يقصد بها التقرّب ، والثانية كونها ديناً لازم الاداء.

وعلى الاوّل مشروطة بالنيّة ويمتنع ان يعري عنها ، وامّا الثاني فلا ، ولا دليل على كون دفع المقهور عبادة حتى يحتاج إلى النيّة بل لمّا لم يقصد التقرّب لم يكن عبادة ولمّا وصل المال إلى الفقير لم يجب الاعادة فاتضح ان كون هذه الصّورة ايضاً خارجة عن هذا الأصل لا وجه له ظاهر ـ انتهى ـ (١).

وكلامه جيّد متين عند المتأمّلين.

ومنها : الأصل في العقود الحلول اي حلول العوضين

والظاهر انّ هذا الأصل داخل في «القاعدة» لانّ الغرض من العقود ان يترتّب اثرها المقصود منها ولاشكّ انّ الاثر تقابض العوضين وكلّما حصل التقابض اسرع يكون الاثر اقوى والغاية ان يحصل التقابض عاجلاً وعند الاطلاق يكون ذلك في الاغلب مقصود النّاس.

قال الشهيد : الأصل الحلول في العقود وبالنّسبة إلى الاجل اقسام اربعة :

__________________

(١) راجع شرح الوافية للسيد صدر الدين القمي. مخطوط.

٢٧٣

اوّلها : ما يشترط فيه الاجل وقد سلف (١).

وثانيها : ما يبطله الاجل وتقدّم ايضاً (٢) كالرّبوي.

وثالثها : ما فيه خلاف اقربه جواز الحلول وهو السّلم.

ورابعها : ما يجوز حالّاً ومؤجّلاً وهو معظم العقود (٣).

ومنها : ما قال الشهيد (قدس‌سره) الأصل في الميراث النّسبي التولّد فمن ولد شخصاً يترتّب عليه طبقات الارث وفي الميراث السّببيَ الانعام بالعتق أو الضمان أو الولاية العامّة.

والنسب المقدّم لانّه أصل الوجود ثمّ العتق لانّه أصل في وجود العتيق لنفسه ثمّ الضّامن لانّه منعم خاصّ ثمّ الامام (عليه‌السلام) انتهى (٤).

قال بعض الافاضل (٥) : الظّاهر انّ المراد بالاصل هنا ليس أحد المعاني الاربعة بل غرضه انّ العلّة الّتي من اجلها شرّع الميراث النّسبي التولّد والّتي من اجلها شرّع السّببي الانعام ، وكلّ من العلّتين له فروع تترتب عليه وتنضمّ إلى كلّ منهما ضمائم يختلف لاجلها الحكم وهما مضبوطتان في جميع الصور.

__________________

(١) في قاعدة ٢٥٠ من القواعد والفوائد ج ٢ ص ٢٥٧.

(٢) في قاعدة ٢٤٩ من القواعد والفوائد ج ٢ ص ٢٥٧.

(٣) القواعد والفوائد ٢ / ٢٦١ في قاعدة ٢٥٤.

(٤) القواعد والفوائد ٢ / ٢٨٧ في قاعدة ٢٧٥.

(٥) هو صاحب شرح الوافية ظاهراً فراجع.

٢٧٤

ومنها : الأصل في الاسباب عدم تداخلها لانّ العقل يحكم بانّه إذا حدث امور وكلّ واحد منها سبب لحكم ان يتكرّر الحكم بتكرّر الاسباب فيكون داخلاً تحت «القاعدة» وقد استثنى من هذا الأصل مواضع ذكر جملة منها الشهيد في قواعده (١) وفي أصل هذه القاعدة تأمّل وقد بسط الكلام فيه المحقّق الاستاذ الخوانساري في شرح الدّروس (٢).

ومنها : الأصل حمل اللفظ على الحقيقة الواحدة ، فالمجاز والاشتراك يحتاج إلى دليل وهذا يمكن ان يكون داخلاً تحت «القاعدة» ويمكن ان يكون داخلاً تحت «الراجح».

ومنها : الأصل عدم تقدّم الاسلام وهذا داخل تحت «الإستصحاب» لانّه إذا كان كفره سابقاً على اسلامه وفعل فعلاً كان الاسلام شرطاً لصحته فوقع الشكّ في انّ هذا الفعل هل كان في حال كفره أو اسلامه فالاصل هنا عدم تقدّم الاسلام.

ولا يخفى انّ هذا في صورة يكون الكفر مقدّماً على الاسلام ، وامّا إذا كان الاسلام مقدّماً على الكفر يكون الامر بالعكس.

ومنها : الأصل انّ الاحكام الّتي علّقت على مسمّيات ارتباطها

__________________

(١) القواعد والفوائد ٢ / ٢٢٣ في قاعدة ٢٢٩

(٢) ـ

٢٧٥

بحصول جميع المسميّات (١).

مثلاً علّق الشارع العدّة في الحامل على وضع الحمل فالاصل تعليقها على خروج جميع الولد دون بعضه.

وعلّق الارث على خروج الولد حيّاً فالاصل خروج جميعه حيّاً فلا يكفي البعض.

ومن هذا الأصل ما رود من الشّارع انّه يجزي الحجّ إذا مات المحرم بعد دخوله في الحرم (٢) فإنّه يشترط دخوله بتمامه.

وكذا ما ورد منه انّ الطّواف يجب ان يكون خارج البيت (٣) فإنّه يشترط خروجه بجميع بدنه.

وهذا الأصل يمكن ان يكون داخلاً تحت «القاعدة» ويمكن ان يكون داخلاً تحت «الرّاجح» وذلك لانّه إذا علّق الشارع امراً على لفظ ، فالظاهر انّ المراد حصول جميع معنى هذا اللفظ ، فالحمل على حصول بعضه مجاز فيكون داخلاً تحت القاعدة العقليّة أو الراجح الظاهر.

ومنها : الأصل ان كل واحد لا يجوز له ان يجبره غيره على فعل الّا في مواضع مستثناة.

__________________

(١) راجع القواعد والفوائد ١ / ٣٥٩ قاعدة ١٣٩.

(٢) راجع الوسائل ١١ / ٦٨ ، الباب ٢٦ من ابواب وجوب الحج.

(٣) راجع الوسائل ١٣ / ٣٥٣ ، الباب ٣٠ من ابواب الطواف.

٢٧٦

قال الشهيد (قدس‌سره) : قاعدة

الأصل ان كلّ واحد لايجوز له ان يجبر غيره على فعل الّا في مواضع اجبار السيّد رقيقه على النكاح وليس لرقيقه اجباره عندنا والاب والجدّ للصغيرة والمجنونة والصغير مطلقاً والمجنون الكبير إذا كان النكاح صلاحاً له بظهور امارة التوقان أو برجاء الشفاء المستند إلى الاطباء.

ولو طلبت البالغة البكر النكاح اجبر الاب والجد على تزويجها ان قلنا لا ولاية لهما أو بالاشتراك.

وهل يجبر الولي على تزوج الصّغيرين عند ظهور الغبطة لهما نظر.

وكذا يجبر الولي على تزويج السفيه والاقرب انّ له اجبار السفيّه مع الغبطة.

والمضطر يجبر صاحب الطعام وهو يجبره إذا امتنع من الاكل واشرف على التلف. انتهى (١).

ولايخفى ان هذا الأصل يمكن ان يكون داخلاً تحت «أصل العدم» لانّ الاجبار فعل ممكن وجودي والأصل عدمه حتى يثبت ، ويمكن ان يكون داخلاً تحت «الراجح» لانّ المواضع الّتي لا يمكن اجبار الغير فيها أغلب وأكثر من المواضع الّتي يمكن اجبار الغير فيها.

ومنها : الأصل قصر الحكم على مدلول اللفظ ولا يسري إلى غيره.

والأصل هنا بمعنى الراجح الظاهر لانّ الظاهر الراجح انّ المراد من

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ / ٣٥٦ قاعدة ١٣٦.

٢٧٧

الحكم ما يدلّ عليه اللّفظ.

قال الشهيد : الأصل يقتضي قصر الحكم على مدلول اللفظ وانّه لايسري إلى غير مدلوله الّا في مواضع.

منها العتق في الاشقاص لا في الاشخاص الّا على مذهب الشيخ من السّراية إلى الحمل ، والعفو عن بعض الشقص في الشفعة على احتمال ، وعن بعض القصاص في النّفس على وجه ، والسّراية في نيّة الصّوم إلى اوّل النّهار.

ويحتمل سراية ثواب الوضوء إلى المضمضة والاستنشاق إذا نوى عند غسل الوجه لانّه يعدّ وضوءاً واحداً.

ويمكن الفرق بينه وبين الصّوم ان بعض اليوم مرتبط ببعضه بخلاف الوضوء فإنّه لايرتبط بالمقدّمات.

ومن السّراية تسمية الاكل في الاثناء إذا قال على اوّله وآخره بعد نسيان التّمسية وسراية الظّهر (١) إلى تحريم غيره. وهذا من الغرائب انّ الشقص يسري إلى الكلّ من غير عكس كما لو قال انت كأمّي ، ومثله الإيلاء يختصّ بالجماع قبلاً ويسري [دبراً] على احتمال ـ انتهى ـ (٢).

ومنها : قول الشهيد في قواعده : قضيّة الأصل : وجوب استحضار

__________________

(١) الظهار. خ.

(٢) القواعد والفوائد ١ / ٣٢٣ قاعدة ١١٦

٢٧٨

النيّة فعلاً في كلّ جزء من اجزاء العبادة لقيام دليل الكلّ في الاجزاء ، فانّها عباده ايضاً ، ولكن لما تعذّر ذلك في العبادة البعيدة المسافة أو تعسّر في القريبة المسافة ، اكتفى بالاستمرار الحكمي. وفسّر بتجديد العزم كلّما ذكر. ومنهم من فسّره بعدم الاتيان بالمنافي ـ انتهى ـ (١).

اقول : المراد بالاصل هنا امّا القاعدة المستفادة من العقل أو الظاهر الراجح لانّ الشارع بيّن انّ العبادة محتاجة إلى النيّة فالظاهر انّ حكم مجموع العبادة كذلك.

ومنها : قوله : الأصل في هيئة المستحبّ ان يكون مستحبّة لامتناع زيادة الوصف على الأصل [في الاكثر (٢)] ـ انتهى ـ (٣).

والأصل هنا بمعنى الظاهر الرّاجح ، لانّ الاغلب في المستحبات كون هيئاتها ايضاً مستحبّة وقد تخلف في مواضع ذكر بعضها الشهيد (قدس‌سره) ومن هذا يظهر انّ المراد بالامتناع في قول الشهيد (قدس‌سره) هو اباء العقل لا امتناع الذّاتي أو العادي.

ومنها : الأصل عدم تحمّل الانسان عن غيره في التكاليف الشرعيّة

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ / ٩٣ الفائدة الثالثة عشرة.

(٢) كذا في الوافية ص ١٩٧.

(٣) القواعد والفوائد ٢ / ٣٠٤ قاعدة ٢٨٩.

٢٧٩

وهذا داخل تحت القاعدة المستفادة من العقل لانّ العقل يحكم بانّه إذا كلّف الشارع انساناً إلى امر يجب على المكلّف ان يتحمّل هذا الامر ولا يعقل تحمّل الغير له بحيث حصل له اثره من الثواب أو سقوط العذاب أو براءة الذمّة.

نعم قد إذن الشارع تحمّل الغير في مواضع.

قال الشهيد (قدس‌سره) : الأصل عدم تحمّل الانسان عن غيره مالم يأذن له فيه الّا في مواضع :

تحمّل الولي عن الميّت قضاء الصّلاة والصّيام والاعتكاف وتحمّل الامام القراءة عن المأموم مطلقاً وعند بعض العامّة إذا ادركه راكعاً وتحمّل السجود السّهو عن المأمومين في وجه وتحمّل الغارم (١) لاصلاح ذات البين وكذا تصرف الزكاة إليه والتحمّل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك بناء على ملاقات الوجوب لهؤلاء أولاً والتحمّل عنهم بعده.

ويبعد في العبد والقريب والزوجة المعسرة ، لانّهم لو تجرّدوا عن المنفق لما وجب عليهم شيء فكيف يتحمّل مالم يجب (٢).

وبعد كلام قال : وتحمّل الاب المزوّج ولده الصّغير المهر في ماله. ثمّ

__________________

(١) القادم خ العازم خ.

(٢) القواعد والفوائد ١ / ٣٥٣ قاعدة ١٣٥.

٢٨٠