جامعة الأصول

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامعة الأصول

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

على حجيّة ما ذكره القوم ، لانّه إذا حصل اليقين في زمان فينبغي ان لا ينقض في زمان آخر بالشكّ نظراً إلى الرّواية ، وهو بعينه ما ذكروه.

قلت : الظاهر انّ المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ انّه عند التعارض لا ينقض به ، والمراد بالتعارض ان يكون شيء يوجب اليقين لولا الشكّ ، وفيما ذكروه ليس كذلك ، لانّ اليقين بحكم في زمان ليس ما يوجب حصوله في زمان آخر لولا عروض شكّ وهو ظاهر ـ انتهى كلامه رفع مقامه ـ (١).

حول كلام المحقّق الخوانساري

اقول : يرد على كلامه هذا امران :

الاوّل : انّ الدليل الاوّل يجري في بعض صور اخر من الصّور الّتي ذكرنا انّ الإستصحاب يجري فيها.

منها : ان يعلم يقيناً انّ ذمّتنا مشغولة بشيء أو اشياء ثمّ حصل لنا شكّ ببراءة ذمّتنا.

ومنها : ان يكون النّص الدّال على الحكم شاملاً لجميع الازمنة لتقييده بالتأبيد ومثله وحصل الشكّ في زمان خاصّ باعتبار معارض.

ومنها : ان يكون النّصّ الدّال على الحكم شاملاً لجميع الازمنة

__________________

(١) شرح الدروس ص ٧٦.

٢٢١

بعمومه وحصل الشّكّ في ثبوت الحكم في زمان خاصّ لمعارض ايضاً.

ومنها : انّ يكون شاملاً باطلاقه وحصل الشكّ في زمان معيّن لاجل ذلك.

فيمكن ان يقال : ثبوت الحكم في هذه الصّور كان في جميع الازمنة لاجل النصّ يقينيّاً ، فشغل الذمّة في جميع الازمنة باعتبار النّص يكون يقينيّاً فإذا وقع الشكّ في جزء من الزّمان باعتبار معارض ، لا يترك الحكم المذكور اليقيني ، لان شغل الذمّة اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينيّة وان صار شغل الذمّة بعد عروض الشكّ مشكوكاً. وقد ادّعى جمع الاجماع على ذلك. فتخصيص هذا الدّليل بالصّور الّتي ذكره (قدس‌سره) مع جريانه فيما ذكرناه ليس في موضعه.

نعم يمكن ان يقال : انّ المعارض إذا كان اضعف من النّص العامّ أو المطلق يطرح هذا المعارض ويؤخذ بالحكم الّذي يدلّ عليه النصّ فالدّال على الحكم في جميع الازمنة هو النّص لا الإستصحاب. الّا انّ ذلك لا ينافي ثبوت الإستصحاب هنا وحجيّته ، فإنّه في هذه الصّورة كما يمكن اثبات الحكم بالنصّ يمكن بالإستصحاب ايضاً وقد ذكرنا ذلك قبل ذلك ببيان أوضح.

ثمّ لا يخفى انّ هذا الدّليل لا يجري في بعض الصّور الّتي ذكرناها كما اشرنا إليه بعد ذكر هذا الدّليل. وهذا البعض هو الّذي ثبت الحكم في زمان ولم يعلم انّ هذا الحكم مستمرّ أو ينقضى بانقضاء الزّمان ، أو علم

٢٢٢

استمراره في الجملة ولكن لم يعلم انّه هل يستمرّ ابداً أو في بعض الازمنة.

وعدم جريانه في هاتين الصّورتين لاجل انّه إذا حصل الشكّ في زمان بعد انقضاء الزّمان الاوّل في الصورة الاولى أو بعد انقضاء قطعة مستمرة من الزمان في الثانية بانّه هل الحكم ثابت أم لا؟ لا يمكن ان يقال الحكم ثابت في هذا الزّمان المشكوك فيه ، لانّ اليقين بشغل الذمّة يحتاج إلى البراءة اليقينيّة. لانّا نقول ليس شغل الذّمة في هذا الزمان يقينيّاً ، لانّه لم يرد دليل يشمل بنصّه أو عمومه أو اطلاقه هذا الزّمان حتّى يقال ثبوت الحكم باعتبار الدّليل كان في هذا الزمان يقينيّاً فإذا وقع الشكّ لا يعبأ به لأجل الدليل المذكور بل شمول الحكم في اوّل الامر بهذا الجزء من الزّمان كان مشكوكاً.

هذا كلّه بناء على ان يكون بناء كلامه (قدس‌سره) على انّ اليقين بشغل الذّمة يحتاج إلى اليقين أو الظّن الشرعي بالبراءة؟.

وان بنى الامر على ما يستفاد من ظاهر كلامه (قدس‌سره) من انّه يجب حصول اليقين أو الظنّ بالامتثال مطلقاً سواء علم شغل الذّمة في الزّمان الّذي وقع فيه الشكّ من دليل أو لم يعلم ذلك جزماً بل كان ذلك بمجرّد الشكّ.

فيرد عليه انّ هذا الدّليل يجري في الصّورتين الاخيرتين ايضاً ، لانّ الزّمان الّذي وقع الشكّ فيه مالم يبن الامر على ثبوت الحكم فيه ايضاً لم يحصل القطع أو الظّن بالبراءة فلا يحصل الامتثال. فتدبّر.

الثاني : انّ الدّليل الثاني اعني الاخبار ايضاً يجري في الصّورة

٢٢٣

المذكورة ، فالتخصيص ليس له مخصّص. ووجه الجريان ظاهر.

نعم لا يجري في الصورتين اللّتين ذكرنا انّ الدليل الاوّل ايضاً لا يجري فيهما ووجه عدم الجريان فيهما كما ذكرنا في الوجه الاوّل من دون تفاوت.

فالدّليل الّذي ذكره لعدم جريان الاخبار فيما ذكره القوم اعنى قوله : «قلت الظاهر ـ الى آخره ـ» مسلمّ في هاتين الصّورتين وامّا في الصوّر الاخر فلا كما عرفت.

ثمّ انّ بعض افاضل المتأخرين طاب ثراهم (١) تصدّى لاثبات جريان الدّليلين المذكورين اعنى الاخبار واحتياج شغل الذمّة اليقينى إلى البراءة اليقينيّة في هاتين الصورتين ايضاً فإنّه بعد ذكر هاتين الصّورتين والصّورة الّتي اذعن بحجيّتها الاستاذ العلّامة الخوانساري قال :

وجميع هذه الصّور مشتركة في حصول رجحان البقاء بعد ملاحظة الوجود المتقدّم المتيقّن ، فيمكن لمن عوّل على مثل هذا الظّن اثبات الحكم بتوسّطه في الزمان الثاني وان جاز اثباته لغيره من دليل عقلي أو نقلي كما سيظهر ان شاء الله تعالى في المقدّمة الثالثة. وكذا كلّها مشتركة في انّ الشكّ لو فرض عدم عروضه في الزّمان الّذي عرض فيه أو عند الحال الّتي فرض عروضه عندها لكنّا قاطعين بالبقاء ، لانّ عدم العروض

__________________

(١) هو السيّد صدر الدين القمي في شرح الوافية. راجع الحاشية على الفرائد للشيخ الكبير فسم الاستصحاب ص ٨٨ والقوانين المحكمة للقمي ٢٩٣

٢٢٤

انّما يكون عند القطع بأنّ جزءاً من اجزاء علّة الوجود لم يرتفع ومع عدم ارتفاعه يحصل اليقين بوجود المعلول لما مرّ من انّ بقاء المعلول انّما هو ببقاء علّته التّامّة وزواله انّما هو بعدمها ـ انتهى ـ.

وقال في موضع آخر مورداً على كلام الاستاذ العلّامة اعني الدّليل الذي ذكره لعدم الجريان :

اقول : اليقين بوجود الشيء في زمان يدلّ على وجود جميع ما يتوقّف عليه ذالك الشيء ، فلولا عروض الشّكّ في ارتفاع جزء من اجزاء ما يتوقّف عليها لكنّا قاطعين بوجوده بوجود علّتة التامّة ـ انتهى كلامه رفع مقامه ـ.

اقول : لا يخفى على المتأمّل الاريب انّ معنى قولنا : «اليقين لا ينقض بالشكّ» وقولنا : «شغل الذّمة اليقيني لا يدفع بالبراءة المشكوك فيها» انّه إذا ثبت وتحقّق اوّلاً من دليل عقلي أو نقلي انّ هناك يقيناً ثمّ ورد عليه الشّك لا يترك هذا اليقين بهذا الشكّ. ففي كلّ وقت من الاوقات أو حالة من الحالات حصل الجزم بثبوت حكم فيه ثمّ حصل الشكّ بثبوته فيه ايضاً باعتبار ما يصدق انّ هذا اليقين الثابت أولًّا لا ينقض بالشكّ.

وامّا إذا تحقّق اليقين في زمان وحصل الشكّ في زمان آخر لم يحصل اليقين فيه أولاً ، كيف يصدق فيه عدم نقض اليقين بالشكّ فيه؟ واحتياج شغل الذمّة اليقيني فيه إلى البراءة اليقينيّة؟ لانّه ليس فيه يقين حتى لا ينقض بالشكّ ، فإن قولنا : اليقين لا ينقض بالشكّ قضيّته في قوّة قولنا : اليقين باق

٢٢٥

مع الشّكّ ، فهذه القضيّة في الحقيقة موجبة والقضيّة الموجبة تقتضي وجود الموضوع لانّ ثبوت الشيء للشيء فرع ثبوت المثبت له سيمّا إذا كان المجهول هو الموجود والباقي وامثالهما فهذه القضيّة تصدق في كلّ موضع وحالة وزمان ثبت وتحقّق فيه اليقين اوّلاً ثمّ ورد عليه الشكّ. والظّاهر انّ غرض الاستاذ العلّامة من حديث التعارض الّذي ذكره هو ما ذكرناه.

وإذا عرفت فهذا فنقول : قوله طاب ثراه : «فلو لا عروض الشكّ في ارتفاع جزء من اجزاء ما يتوقّف عليها لكنّا قاطعين بوجوده بوجود علّته التامّة يدلّ على انّه إذا ارتفع هذا الشّك الّذي وقع في الزّمان الّذي حصل الشّك في ثبوت الحكم فيه يحصل اليقين بثبوت الحكم فيه. فنقول : ارتفاع الشكّ فيه موقوف على دلالة دليل على ثبوت الحكم فيه فما لم يصل دليل عليحدة من الشّارع يدلّ على ثبوت الحكم فيه لا يرتفع هذا الشكّ وبعد دلالة دليل عليحدة على ذلك لامعنى لجريان الإستصحاب فيه. ومع قطع النّظر عن دليل عليحدة لا يمكن رفع هذا الشكّ بالتمسّك بعدم نقض اليقين بالشكّ واحتياج شغل الذمّة اليقيني إلى البراءة اليقينيّة لما عرفت من اقتضاء هذين الدّليلين ثبوت اليقين وتحقّقه في الزمان الّذي وقع فيه الشكّ والمفروض عدم تحقّقه فلا يمكن اثبات الحكم فيه بالإستصحاب. كيف ولو صحّ هذا الكلام لما بقي لنا شكّ في امر من الامور لانّ كل موضع حصل لنا شكّ في ثبوت حكم أو نفيه ، نقول خلافه يقينيّ سواء كان له

٢٢٦

حالة سابقة أم لا ، لانّه يصدق عليه انّه لو لم يعرض هذا الشكّ لكان خلافه يقينيّاً فثبت خلافه بهذين الدّليلين. مثلاً اذا شككنا في صحّة البيع الفضولي نقول : لو لم يعرض شكّ الصّحة لكان عدم الصّحة يقينيّاً فيجري فيه اخبار عدم نقض اليقين بالشّك مع انّه ليس له حالة سابقة. وكذا الحكم اذا عكس الامر يعنى شككنا عدم صحّة البيع الفضولي يصير الحكم منعكساً ولاشكّ في بطلانه فتأمّل.

ثمّ انّ الفاضل المذكور في موضع آخر أورد ايضاً على الدّليل الاوّل الّذي ذكره الاستاذ العلّامة لاثبات الإستصحاب في الصّورة الّتي ثبت حجيّته فيها عنده وقال : قوله (قدس‌سره) : «فعند الشّكّ بحدوث تلك الغاية لو لم يتمثل التكليف ـ الى آخره ـ».

والايراد عليه أوّلاً بانّ هذا الدّليل جار فيما اذا ثبت تحقّق حكم في الواقع مع الشّك في تحقّقه بعد انقضاء زمان لابدّ للتحقّق منه وهذا هو الّذي اجرى القوم فيه الإستصحاب.

بيانه انّا كما نجزم في الصّورة الّتي فرضها (قدس‌سره) بتحقق الحكم في قطعة من الزمان ونشكّ ايضاً حين القطع في تحققه في زمان يكون حدوث الغاية فيه وعدم حدوثها متساويين عندنا ، كذلك نجزم بتحقق الحكم في زمان لا يمكن تحقّقه الّا فيه ونشكّ ايضاً حين القطع في تحقّقها في زمان متّصل بذلك الزّمان لاحتمال وجود رافع جزء من اجزاء علّة الوجود وعدمه. وكما انّ في صورة الشكَ في الصّورة الاولى يكون الدليل محتملاً

٢٢٧

لان يراد منه وجود الحكم في الزمان الّذي يشكّ في الحكم فيه وان يراد عدم وجوده فيه ، كذلك حال الدّليل في الصّورة الّتي فرضناها. وعلى هذا نقول : لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظّن بالامتثال والخروج عن العهدة ولو امتثل يحصل القطع به لانّ في زمان الشكّ ان كان الواقع وجود الحكم فقد فعلنا ما كان علينا من التكليف وان كان الواقع عدمه فقد خرجنا بما فعلنا في زمان القطع عن العهدة ـ انتهى كلامه زيد احترامه.

اقول : قد علمت انّ هذا الدّليل في كلام الاستاذ المحقّق العلّامة طاب ثراه محمول على انّ شغل الذّمة اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينيّة ، فحينئذٍ يظهر الفرق بين الصوّرتين ، فإنّ الصّورة الّتي ثبت حجيّتها عند الاستاذ المحقق يجري فيها هذا الدليل ولا يجري في الصورة الّتي اجرى القوم فيها الإستصحاب كما ذكره هذا الفاضل. وذلك لانّ الصّورة الاولى على ما عرفتها اعنى ان يثبت من دليل انّ الحكم الفلانى ثابت إلى وقت كذا أو حالة كذا فثبوت الحكم إلى الوقت المذكور أو الحالة المذكورة يقيني فشغل الذمّة في مجموع هذا الوقت بهذا الحكم القطعي فاذا وقع الشك في دخول الوقت المذكور أو الحالة المذكورة يمكن دفع هذا الشك بانّ شغل الذمّة اليقيني يحتاج إلى البراءة اليقينيّة بخلاف الصّورة الثانية فإنّ المحقّق من الدليل ثبوت الحكم في زمان خاصّ وامّا ثبوته في الزّمان الّذي وقع الشك في ثبوت الحكم فيه فلا يدلّ عليه الدّليل ، فليس شغل الذّمة به فيه يقينيّاً فلا يجري فيها هذا الدّليل ، فتأمّل.

٢٢٨

[ايضاً كلام المحقّق الخوانساري]

أيضاً كلام المحقق الخونساري

ثمّ انّ الاستاذ المحقّق الخوانساري طاب ثراه بعد ذكر كلام قال : والحاصل انّه اذا ورد نصّ أو اجماع على وجوب شيء مثلاً معلوم عندنا أو ثبوت حكم إلى غاية معلومة عندنا فلابدّ من الحكم بلزوم تحصيل اليقين أو الظنّ بوجود ذلك الشيء المعلوم حتى يتحقّق الامتثال ولا يكفي الشكّ في وجوده وكذا يلزم الحكم ببقاء ذلك الحكم إلى ان يحصل العلم او الظنّ لوجود تلك الغاية المعلومة ولايكفي الشك في وجودها في ارتفاع ذلك الحكم وكذلك إذا ورد نصّ أو اجماع على وجوب شيء معيّن في الواقع مردّد في نظرنا بين امور ونعلم انّ ذلك التكليف غير مشروط بشيء من العلم بذلك الشيء مثلاً أو على ثبوت حكم إلى غاية معيّنة في الواقع مردّدة عندنا بين اشياء ونعلم ايضاً عدم اشتراطه بالعلم مثلاً يجب الحكم بوجوب ذلك الاشياء المردّدة فيها في نظرنا وبقاء ذلك الحكم إلى حصول تلك الاشياء ايضاً ولا يكفي الاتيان بشيء واحد منها في سقوط التكليف وكذا حصول شيء واحد في ارتفاع الحكم وسواء في ذلك كون ذلك الواجب شيئاً معيّناً في الواقع مجهولة عندنا أو اشياء كذلك أو غاية معيّنة في الواقع مجهولة عندنا أو غايات كذلك وسواء

٢٢٩

ايضاً تحقّق قدر مشترك بين تلك الاشياء والغايات أو تباينها الكليّة وامّا اذا لم يكن كذلك بل ورد نصّ مثلاً على انّ الواجب الشيء الفلاني ونصّ آخر على انّ ذلك الواجب شيء آخر أو ذهب بعض الامّة إلى وجوب شيء والاخرون إلى وجوب شيء آخر دونه وظهر بالنّص أو الاجماع في الصّورتين ان ترك هذين الشيئين معاً سبب لاستحقاق العقاب فحينئذٍ لم يظهر وجوب الاتيان بهما معاً حتى يتحقّق الامتثال ، بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما سواء اشتركا في امر أو تباينا بالكليّة. وكذلك الحكم في ثبوت الحكم الى الغاية ـ انتهى كلامه رفع مقامه (١).

وكلامه جيّد.

فان قلت : في كلامه تناقضاً وتبايناً لانّه طاب ثراه في كلامه المتقدّم بيّن ان ما يجري فيه الإستصحاب صورة واحدة ، وهنا ذكر اربعة مواضع يجري فيها الإستصحاب.

قلت : هذا قرينة على انّ كلامه الاوّل محمول على التمثيل.

وبذلك يمكن ان يقول أحد : انّه يمكن ان يدفع بذلك عنه ما أوردنا عليه من جريان الإستصحاب في الصّور الاخر مع عدم تعرّضه لها كما ذكرنا مفصّلاً بان يقال : لم يذكرها لانّ ما ذكره في اوّل كلامه وآخره محمول على التمثيل فيمكن ان يستنبط منهما الصّور الّتي لم يتعرّض لها.

وفيه ما فيه لانّ كلامه الاخر لما دلّ على انّ ما يجري فيه الإستصحاب

__________________

(١) شرح الدروس مشارق الشموس ص ٧٧.

٢٣٠

اربع صور حملنا كلامه الّاول على انّه على سبيل التمثيل وامّا الصور الّتي لم يتعرض لها مع كونه (قدس‌سره) بصدد ضبط الاقسام وحصر الشقوق فلا يمكن استنباطها من كلامه ، فتأمّل.

ثمّ اعلم انّ للاستاذ المحقّق طاب ثراه حاشية عند شرح كلام الشهيد (قدس‌سره) «ويحرم استعمال الماء النّجس والمشتبه به» (١) ولما كان فيها فوائد كثيرة فلنذكرها مع ما يتعلّق بها على ما وصل إليه فهمي وبلغ إليه وهمي.

قال (قدس‌سره) : وتوضيحه انّ الإستصحاب لا دليل على حجيّته عقلاً وما تمسّكوا به ضعيف وغاية ما يتمسّك فيها ما ورد في بعض الروايات الصّحيحة «انّ اليقين لا ينقض بالشكّ ابداً وانّه ينقضه بيقين آخر مثله» (٢) وعلى تقدير تسليم صحّة الاحتجاج بالخبر الواحد في الأصول ان سلم جواز التمسّك في الفروع نقول :

الظاهر اوّلاً انّه لا يظهر شموله للامور الخارجة مثل رطوبة الثوب ونحوها اذ يبعد ان يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذا الّذي ليس حكماً شرعيّاً وان كان يمكن ان يصير منشأ لحكم شرعي بالعرض ، ومع عدم الظهور لا يمكن الاحتجاج به فيها. فهذا ما يقال : انّ الإستصحاب في

__________________

(١) هذه العبارة في ص ٢٨١ من شرح الدروس ولا يوجد في شرح هذه العبارة ما نقله المؤلّف عنه فراجع.

(٢) التهذيب ١ / ٨.

٢٣١

الامور الخارجة لا عبرة به.

ثمّ بعد تخصّصه بالاحكام الشرعيّة. فنقول الامر على وجهين :

أحدهما ان يثبت حكم شرعي في مورد خاصّ باعتبار يعلم من خارج انّ زوال تلك الحالة لا يستلزم زوال ذلك الحكم والاخر ان يثبت باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك.

مثال الاوّل : اذا ثبت نجاسة ثوب خاصّ باعتبار ملاقاته للبول بان يستدلّ عليها بانّ هذا شيء لا قاه البول وكلّ ما لاقاه البول نجس فهذا نجس والحكم الشرعي النّجاسة وثبوته باعتبار حال هو ملاقاة البول وقد علم من خارج ضرورة أو اجماع أو غير ذلك بانّه لا يزول النّجاسة بزوال الملاقاة فقط.

ومثال الثاني : ما نحن بصدده فانّه ثبت وجوب الاجتناب عن الاناء المخصوص باعتبار انّه شيء يعلم وقوع النّجاسة فيه بعينه وكلّ شيء كذلك يجب الاجتناب عنه ولم يعلم بدليل من خارج انّ زوال ذلك الوصف الّذي يحصل باعتبار زوال المعلومية بعينه لا دخل له في زوال الحكم.

وعلى ايّ تقدير نقول : شمول الخبر للقسم الاوّل ظاهر فيمكن التمسّك بالإستصحاب فيه وامّا القسم الثاني فلا فالتمسّك فيه مشكل.

فإن قلت بعدما علم في القسم الاوّل انّه لا يزول الحكم بزوال الوصف فأيّ حاجة إلى التمسّك بالإستصحاب وايّ فائدة فيما ورد في

٢٣٢

الاخبار بأنّ اليقين لا ينقض الّا بمثله.

قلت القسم الاوّل على وجهين :

احدهما : ان يثبت أنّ الحكم مثل النّجاسة بعد ملاقاة النّجس حاصل مالم يرد عليها الماء على الوجه المعتبر في الشرع ، وحينئذٍ فائدته ان حصول الشكّ بورود الماء لا يحكم بزوال النّجاسة. والآخر ان يعلم ثبوت الحكم في الجملة بعد زوال الوصف لكن لم يعلم انّه ثابت دائماً أو في بعض الاوقات إلى غاية معيّنة محدودة أولا ، وفائدته حينئذٍ اذا ثبت الحكم في الجملة فيستصحب إلى ان يعلم المزيل.

ثمّ لا يخفى انّ الفرق الّذي ذكرنا من انّ اثبات مثل هذا بمجرّد الخبر مشكل ـ مع انضمام انّ الظهور في القسم الثاني لم يبلغ مبلغه في القسم الاوّل ، و «انّ اليقين لا ينقض بالشّك» قد يقال انّ ظاهره ان يكون اليقين حاصلاً لولا الشكّ باعتبار دليل دالّ على الحكم في صورة ما شكّ فيه ، إذ لو فرض عدم دليل عليه لكان نقض اليقين حقيقة باعتبار عدم الدّليل الذي هو دليل العدم لا الشكّ ـ كأنّه يصير قريباً ومع ذلك ينبغي رعاية الإحتياط في كلّ من القسمين بل في الامور الخارجيّة ايضاً ـ انتهى كلامه رفع مقامه ـ (١).

__________________

(١) ما نقله المؤلّف هنا عن المحقّق الخوانساري موجود في فرائد الاصول للشيخ الانصارى ص ٦٢٩ نقلاً عن شرح الوافية للسيد الصدر القمى.

٢٣٣

[حول كلام المحقق الخونساري]

اقول : ليت شعري بأيّ جهة لا يمكن التمسّك بالإستصحاب في القسم الثاني ولا يشمله الاخبار؟ مع انّه من المواضع الّتي اعترف بحجيّة الإستصحاب فيها.

بيان ذلك انّ الدّليل دلّ على وجوب الاجتناب عن النّجس فهذا امر يقيني فهذا الاناء المخصوص لما وقع فيه النّجاسة يكون وجوب الاجتناب عنه يقينيّاً فاذا اشتبه بغيره وزال عنه المعلوميّة يمكن ان يقال : قد تحقّق المنع من استعمال ذلك النّجس المعيّن فاذا وقع الشكّ لاجل الاشتباه بغيره يجب ان يستصحب إلى ان يثبت المزيل ولاشكّ انّه لو لم يكن هذا الشكّ وقطع النّظر عنه لحصل اليقين بوجوب الاجتناب فهذا الشّكّ يدفع بهذا اليقين بالاخبار المذكورة.

وظهر من هذا انّ كلامه طاب ثراه في هذه الحاشية مناف لما ذكرنا عنه سابقاً.

هذا اذا طرء الاشتباه بعد تعيّن النّجس في نفسه كما فرضه الاستاذ العلّامة (قدس‌سره) امّا لو كان الاشتباه حاصلاً من حين العلم بوقوع النّجاسة فيمكن ان يقال : لا يجري فيه الإستصحاب لانّه لم يحصل قبل ذلك العلم بتحقّق شيء نجس متعيّن حتى يحصل اليقين بوجوب الاجتناب عنه ثمّ

٢٣٤

يستصحب ذلك ولايعبأ بالشّكّ الطّاريء.

ولكن هذا غير ما فرضه الاستاذ لعدم مدخليّة الإستصحاب له.

نعم يمكن ان يجري الإستصحاب فيه وفي الشّق الاوّل ايضاً بطريق آخر بأن يقال : وجوب استعمال الماء الطّاهر في الاحداث والاخباث يقيني فاذا وقع الشكّ في الطّهارة ينبغي ان لا يستعمل ما وقع فيه الشك لانّ اليقين لا يدفع بالشكّ. الّا انّ جريان الإستصحاب بهذا النحو معارض باصالة الطّهارة في الاشياء وخصوص أصالة الطّهارة في الماء لورود الاخبار الكثيرة بها.

[ما ذهب اليه الفاضل التوني]

وامّا ماذهب إليه الفاضل التوني فاستدلّ عليه (١) بانّ الاحكام الشرعيّة ينقسم إلى ستة اقسام :

الاوّل والثاني الاحكام الاقتضائيّة المطلوب فيها الفعل وهو الواجب والمندوب ،

والثالث والرابع الاقتضائيّة المطلوب فيها الكفّ والترك وهي الحرام والمكروه ،

__________________

(١) هذا اوّل كلام الفاضل التوني في الوافية ص ٢٠١

٢٣٥

والخامس الاحكام التخييريّة الدّالة على الاباحة ،

والسّادس الاحكام الوضعيّة كالحكم على الشيء بأنّه سبب لامر أو شرط له أو مانع منه. والمضايقة بمنع ان الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ممّا لا يضرّ فيما نحن بصدده.

اذا عرفت هذا فاذا ورد امر بطلب شيء فلا يخلو امّا ان يكون موقتاً أولا.

وعلى الاوّل يكون وجوب ذلك الشيء أوندبه في كلّ جزء من اجزاء ذلك الوقت ثابتاً بذلك الامر ، فالتمسّك حينئذٍ في ثبوت ذلك الحكم في الزّمان الثاني بالنّص لا بالثبوت في الزّمان الاوّل حتى يكون استصحاباً وهو ظاهر.

وعلى الثاني ايضاً كذلك ان قلنا بافادة الامر التكرار والّا فذمّة المكلّف مشغولة حتى يأتي به في ايّ زمان كان ، ونسبة اجزاء الزّمان إليه نسبة واحدة في كونه اداء في كلّ جزء منهما سواء قلنا بانّ الامر للفور أو لا. والتوهّم بانّ الامر اذا كان للفور يكون من قبيل الموقّت المضيّق اشتباه غير مخفي على المتأمّل. فهذا ايضاً ليس من الإستصحاب في شيء.

ولا يمكن ان يقال بانّ اثبات الحكم في القسم الاوّل فيما بعد وقته من الإستصحاب فانّ هذا لم يقل به أحد ولايجوز اجماعاً.

وكذا الكلام في النّهي بل هو اولى بعدم توهّم الإستصحاب فيه لانّ مطلقه يفيد التكرار.

٢٣٦

والتخييريّ ايضاً كذلك فالاحكام الخمسة المجرّدة عن الاحكام الوضعيّة لا يتصور فيها الاستدلال بالإستصحاب.

وامّا الاحكام الوضعيّة فاذا جعل الشارع شيئاً سبباً لحكم من الاحكام الخمسة ـ كالدلوك لوجوب الظهر والكسوف لوجوب صلاته والزلزلة لصلاتها والايجاب والقبول لاباحة التصرّفات والاستمتاعات في الملك والنّكاح وفيه (١) لتحريم ام الزّوجة والحيض والنّفاس لتحريم الصّوم والصّلاة إلى غير ذلك ـ فينبغي ان ينظر إلى كيفيّة سببيّة السّبب هل هي على الاطلاق كما في الايجاب والقبول فانّ سببيّته على نحو خاصّ وهو الدّوام إلى ان يتحقّق مزيل ، وكذا الزلزلة ، أو في وقت معيّن كالدّلوك ونحوه ممّا لم يكن السّبب وقتاً وكالكسوف والحيض ونحوهما ممّا يكون السّبب وقتاً للحكم فإنّ السّببيّة في هذه الاشياء على نحو آخر فإنّها اسباب للحكم في أوقات معيّنة. وجميع ذلك ليس من الإستصحاب في شيء فإنّ ثبوت الحكم في شيء من اجزاء الزّمان الثابت فيه الحكم ليس تابعاً للثبوت في جزء آخر بل نسبة السّبب في اقتضاء الحكم في كلّ جزء نسبة واحدة.

وكذا الكلام في الشرط أو المانع.

فظهر ممّا مرّ انّ الإستصحاب المختلف فيه لا يكون الا في الاحكام الوضعيّة اعنى الاسباب والشرائط والموانع للاحكام الخمسة من حيث

__________________

(١) اي وكذا الايجاب والقبول في النكاح لتحريم امّ الزوجة.

٢٣٧

انّها كذلك ووقوعه في الاحكام الخمسة انّما هو بتبعيّتها كما يقال في الماء الكرّ المتغيرّ بالنّجاسة اذا زال تغيّره من قبل نفسه : بانّه يجب الاجتناب عنه في الصّلاة لوجوبه قبل زوال تغيّره ، فانّ مرجعه إلى انّ النّجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيّره فيكون كذلك بعده. ويقال في المتيمّم اذا وجد الماء في اثناء الصّلاة : انّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان فكذا بعده اي كان مكلّفاً ومأموراً بالصّلاة بتيمّمه قبله ، فكذا بعده ، فإنّ مرجعه إلى : انّه كان متطهّراً قبل وجدان الماء فكذا بعده فالطّهارة من الشروط.

فالحقّ مع قطع النظر عن الرّوايات عدم حجيّة الإستصحاب لانّ العلم بوجود السّبب والشرط والمانع في وقت لا يقتضي العلم بل ولاالظّن بوجوده في غير ذلك الوقت كما يخفى فكيف يكون الحكم المعلّق عليه ثابتاً في غير ذلك الوقت؟

فالّذي يقتضيه النظر بدون ملاحظة الرّوايات انّه اذا علم تحقّق العلامة الوضعيّة تعلّق الحكم بالمكلّف واذا زال ذلك العلم يطرؤ الشّك بل والظّن ايضاً يتوقّف عن الحكم بثبوت الحكم الثابت اوّلاً.

إلّا انّ الظاهر من الاخبار انّه اذا علم وجود شيء فانّه يحكم به حتى يعلم زواله ـ انتهى كلامه ـ (١).

اقول : في كلامه رحمه‌الله مواضع للانظار.

__________________

(١) وافية الاصول ص ٢٠١ ـ ٢٠٣

٢٣٨

الاوّل : قوله : «وعلى الاوّل يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه إلى آخره ـ» والايراد عليه انّا نسلّم انّ الامر اذا كان موقتاً يكون ثبوت الحكم في جميع ذلك الزّمان بالنّص ولكن اذا حصل الشك في دخول الوقت الّذي هو الغاية فلا يمكن رفع هذا الشكّ الّا بالإستصحاب بناء على انّ اليقين لا ينقض بالشكّ وهو ظاهر لامرية فيه.

الثاني : قوله : «وعلى الثاني ايضاً كذلك ـ إلى آخره ـ» والايراد عليه انّ الامر اذا كان للفور نسلّم انّ الحكم يكون ثبوته في جميع الزمان لاجل هذا الامر الّا انّه اذا وقع شكّ في ثبوت ذلك الحكم في جزء من الزّمان باعتبار معارض أو شيء يمكن رفع هذا الشكّ بالإستصحاب ولايمكن رفعه بهذا الامر كما تقدّم.

الثالث : انّه يمكن جريان الإستصحاب في مواضع اخر ايضاً كما تقدّمت مفصّلة.

الرّابع : انّ ما ذكره آتٍ في الاحكام الوضعيّة ايضاً ، فإنّ الشارع اذا جعل شيئاً سبباً لشيء آخر على الاطلاق يكون تحقّق السّببيّة إلى ان يتحقّق المزيل لقول الشارع لا بالإستصحاب ، بناء على ما ذكره وان كان الحقّ خلافه لانّ في صورة الشكّ لا يمكن رفعه الّا بالإستصحاب.

٢٣٩

البحث الخامس :

في شروط العمل بالإستصحاب.

اعلم انّ للعمل بالإستصحاب شروطاً ذكرها العلماء ولابدّ من مراعاتها :

الاوّل : انّ لا يكون هنا استصحاب آخر معارض له كما اذا سقطت ذبابة على نجاسة رطبة ثمّ على الثوب أو البدن مثلاً وشكّ في جفافها فقد تعارض هنا إستصحاب الرطوبة وإستصحاب طهارة الثوب فلا يمكن العمل باحد الاستصحابين فيجب ان ينظر إلى المرجحات الخارجيّة.

وكما اذا شكّ السيّد في موت عبده الآبق فاجزاء عتقه عن الكفارة بناء على إستصحاب الحياة معارض بإستصحاب شغل الذّمة.

ومن هذا القبيل مسألة الجلد المطروح ، فإنّ إستصحاب عدم الذبح فيه معارض بإستصحاب الطهارة وإستصحاب عدم الموت.

الثاني : ان لايكون هناك دليل شرعي يدلّ على نفي الحكم الثابت أوّلاً.

الثالث : ان يكون الحكم المستصحب ثابتاً في الوقت الاوّل حتى يمكن ان يجري الحكم منه إلى الوقت الثاني.

الرابع : ان لا يحدث في الوقت الثاني ما يوجب زوال الحكم جزماً.

٢٤٠