جامعة الأصول

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]

جامعة الأصول

المؤلف:

محمد مهدي بن أبي ذر النراقي [ المولى مهدي النراقي ]


المحقق: رضا الاستادي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤتمر المولى مهدي النراقي
المطبعة: سلمان الفارسي
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٨

هذه هي المواضع الّتي يمكن جريان الإستصحاب فيها.

والعجب انّ الفاضل التوني (١) انكر ثبوت الإستصحاب في الاحكام الشرعيّة مطلقاً سواء كانت موقتة أم لا وقد عرفت خلافه وسيجيء زيادة بيان لهذا عند ذكر كلام هذا الفاضل.

وامّا المواضع الّتي لا يمكن اجراء الإستصحاب فيها.

فمنها : ان يعلم ان حكماً من الاحكام سواء كان شرعيّاً أو وضعيّاً ثابت في وقت خاصّ أو حالة خاصّة بحيث يكون للزمان والحالة مدخل فى هذا الحكم فإنّه لا يمكن اثبات هذا الحكم بعد هذا الزّمان وعند ارتفاع الحالة بالإستصحاب لانّ المفروض انّ هذا الحكم يجب ان يكون في هذا الزّمان وفي هذه الحالة وهذا يحتمل وجهين :

احدهما ان ثبت من الشريعة وجود حكم في وقت خاصّ أو حالة خاصّة مرّة فقط كوجوب الحجّ عند الاستطاعة فبعد اداء الحجّ لا يمكن الحكم بالوجوب مرّة اخرى بالإستصحاب وان كان الاستطاعة باقية.

فهذا الوجه لا يمكن اجراء الإستصحاب فيه بوجه من الوجوه.

وثانيهما ان يثبت من الشّريعة وجود حكم عند كلّ وقت خاصّ أو حالة خاصّة كوجوب الصلاة عند كلّ ظهر ووجوب الصّيام عند كلّ شهر رمضان ووجوب الصّلاة عند كلّ كسوف وخسوف

__________________

(١) راجع الوافية ص ٢٠٠.

١٨١

فهذا الوجه لا يمكن اجراء الإستصحاب فيه من جهة ويمكن اجراءه من جهة اخرى.

امّا الاولى فهي انّه إذا انقضى وقت الظهر في كلّ يوم فلايمكن الحكم بالوجوب في الوقت الّذي ليس من الظهر بالإستصحاب وهو ظاهر.

وامّا الجهة الاخرى فهي انّ في كلّ وقت من هذه الاوقات الخاصّة وفي كلّ حالة من هذه الحالات الخاصّة إذا وقع شكّ في وجوب هذا الحكم يمكن دفع هذا الشكّ بالإستصحاب.

ومنها ان يعلم جزماً ثبوت حكم في وقت ثان أو حالة ثانية فلا معنى لاثبات الحكم المذكور في هذا الوقت الثاني أو الحالة الثانية بالإستصحاب لانّ المفروض انّ الحكم المذكور ثابت جزماً فيها.

ولا يخفى انّه يمكن اجراء الإستصحاب فيه ايضاً الا انّه ليس له فائدة للقطع بثبوت الحكم. فالإستصحاب غير مفيد هنا فائدة اصلاً.

وههنا شقّ آخر يمكن اجراء الإستصحاب فيه وهو كما اشرنا إليه سابقاً ان تعلم رطوبة ثوب فكلّ وقت حصل الشكّ في زوال الرطوبة كما إذا وجد الثوب على العذرة حال كونه يابساً وحصل الشكّ في انّه هل كان حين الملاقات بالعذرة رطباً أو يابساً فيمكن ان يقال : انّ وجود الرطوبة قبل الملاقات كان يقينيّاً فكذا حينها بالإستصحاب ، الّا انّ الظاهر انّ هذا القسم من الإستصحاب ليس بحجّة لمعارضته لاصالة الطّهارة واصالة عدم الرّطوبة حين الملاقات فستعلم ان شاء الله زيادة توضيح لهذا.

١٨٢

البحث الثالث

في اثبات المذهب الّذي اخترته وهو حجيّة الإستصحاب مطلقاً كما هو المشهور ولنا وجوه من الادلّة :

الاوّل : الاخبار الواردة : بأنّ اليقين لا ينقض بالشكّ وانّ الشكّ لا يقاوم اليقين وهي كثيرة غاية الكثرة.

منها : صحيحة زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ايوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يازرارة قد ينام العين ولاينام القلب والاذن فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت : فإن حرّك إلى جنبه شيء وهو لا يعلم به قال : لاحتى يستيقن انّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك امر بيّن والّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولاينقض اليقين ابداً بالشكّ ولكن ينقضه بيقين آخر (١).

ولا شكّ انّ جميع المواضع الّتي ذكرنا انّ الإستصحاب يجري فيها إذا لم يعمل بالإستصحاب يلزم نقض اليقين بالشكّ ، فيجب ان يستصحب الحكم فيها حتى لا يلزم ذلك ، فيكون الإستصحاب حجّة.

فإن قلت : اثبات المطلوب موقوف على افادة المفرد المحلّى بالّلام

__________________

(١) التهذيب ١ / ٨ ح ١١

١٨٣

العموم ، لانّه إذا لم يفد العموم كما هو مذهب المحقّقين فللحضم ان يقول : ان كلّاً من اليقين والشكّ لا يفيد العموم فلا يثبت المطلوب.

قلت : الحقّ انّ المفرد المحلّى باللام يفيد العموم في الاحكام الشرعيّة والّا لزم الاهمال وهو غير مناسب لكلام الحكيم.

قال صاحب المعالم : فاعلم انّ القرينة الحاليّة قائمة في الاحكام الشرعيّة غالباً على ارادة العموم منه ـ اي من المفرد المحلّى بلام الجنس ـ حيث لا عهد خارجيّ كما في قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا)(١) وقوله (عليه‌السلام) : إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء (٢) ونظائره ووجه قيام القرينة على ذلك امتناع ارادة الماهيّة والحقيقة إذ الاحكام الشرعيّة يجري على الكليّات باعتبار وجودها كما علم آنفاً وحينئذٍ امّا ان يراد الوجود الحاصل لجميع الافراد أو لبعض غير معيّن ، لكن ارادة البعض ينافي الحكمة إذ لا معنى لتحليل بيع من البيوع وتحريم فرد من الربا وعدم تنجيس مقدار الكر من بعض الماء إلى غير ذلك من موارد استعماله في الكتاب والسنّة ، فتعين في هذا كلّه ارادة الجميع وهو معنى العموم (٣) انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وهو جيّد في غاية الجودة.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) الوسائل ١ / ٥٨ ح ١ و ٢.

(٣) معالم الدين ٣٦٣.

١٨٤

هذا مع انّ جمعاً من المحقّقين كنجم الائمّة هو استاذ الفنّ وابن الحاجب في مختصره صرّحوا بانّه من اداة العموم لغة. ولكن هذا لم يثبت عندي.

فإن قلت : يمكن ان يكون الالف واللام في كل من اليقين والشكّ للعهد حتى يكون المراد منهما يقين الوضوء وشكّ النوّم وحينئذٍ لا يمكن الاستدلال به على المطلوب.

قلت : حمل الالف والّلام على العهد يحتاج إلى قرينة مانعة من ارادة الجنسيّة فمتى انتفت القرينة وجب حمله على الجنس وقد صرّح ائمّة الفن بذلك.

قال نجم الائمّة رضى الله عنه : فكلّ اسم دخله الّلام ولا يكون فيه علامة كونه بعضاً من كلّ فينظر ذلك الاسم فإن لم يكن معه قرينة حاليّة ولا مقاليّة دالّة على انّه بعض مجهول من كلّ كقرينة الشراء الدّالّة على انّ المشتري بعض في قولك : اشتر اللّحم ولا دلالة على انّه بعض معيّن كما في قوله تعالى : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(١) فهي اللام الّتي جيء بها للتعريف اللفظي والاسم المحلّى بها لاستغراق الجنس.

ثمّ بعد هذا القول استدلّ على وجوب حمله على الاستغراق.

ثمّ قال : فعلى هذا قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : الماء طاهر (٢) اي كلّ ماء طاهر والنوم

__________________

(١) طه : ١٠.

(٢) الوسائل ١ / ١٣٤ وفيه : الماء يطهر ولا يطهر وجامع الاحاديث ١ / ١.

١٨٥

حدث (١) اي كلّ النّوم إذ ليس في الكلام قرينة البعضيّه لا مطلقة ولامعيّنة انتهى كلامه رفع مقامه (٢).

وقال المحقّق التفتازانى : اللّفظ إذا دلّ على الحقيقة باعتبار وجودها في الخارج فامّا ان يكون لجميع الافراد أو لبعضها إذ لا واسطة بينهما في الخارج فإذا لم يكن للبعضيّة لعدم دليلها وجب ان يكون للجميع. والى هذا ينظر صاحب الكشاف حيث يطلق لام الجنس على ما يفيد الاستغراق كما ذكره في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٣) انّه للجنس وقال في قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٤)) انّ اللام للجنس فيتناول كلّ محسن ـ انتهى (٥).

ومنها : صحيحة زرارة قال : قلت : اصاب ثوبى دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ فعلّمت اثره إلى ان اصيب الماء فاصبت وحضرت الصّلاة ونسبت ان بثوبي شيئاً وصليّت ثمّ انّي ذكرت بعد ذلك قال : تعيد الصّلاة وتغسله ، قلت : فانّي لم أكن رأيت موضعه وعلمت انّه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته قال : تغسله وتعيد.

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة ١ / ١٢٧ الطبع الحجري.

(٢) الوافية ٢٠٤ نقلاً عن شرح الكافية ٢ / ١٢٩.

(٣) العصر : ١.

(٤) البقرة : ١٩٥ والمائدة ١٣.

(٥) الوافية ٢٠٥ نقلاً عن المطوّل : ٨١.

١٨٦

قلت : وان ظننت انّه قد اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم ار شيئاً ثمّ صليّت فرأيت فيه قال : تغسله ولا تعيد الصّلاة. قلت : لم ذلك؟ قال : لانّك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشكّ ابداً. قلت : فإني علمت انّه قد اصابه ولم ادر اين هو فاغسله؟ قال : تغسل من ثوبك النّاحية الّتي ترى انّه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك ... (١).

وهذا الحديث كالسّابق استدلالاً وايرادً وجواباً.

ومنها : ما رواه في الكافي في الصحيح غن زرارة عن أحدهما (عليهما‌السلام) قال : قلت له : من لم يدر في اربع هوام في ثنتين وقد احرز ثنتين قال يركع ركعتين ـ إلى ان قال ـ ولاينقض اليقين بالشكّ ولايدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالاخر ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات (٢).

وهذا الخبر كسابقيه بعينه.

ومنها : ما روى محمّد بن على ابن الحسين في الخصال عن الباقر (عليه‌السلام) عن اميرالمؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في حديث اربعمائة قال صلوات الله عليه : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه فإنّ

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٢١

(٢) الكافي ٣ / ٣٥١

١٨٧

اليقين لا يدفع بالشكّ (١).

ونقل الشيخ المتبحّر العاملي في كلّيّاته (٢) وشيخنا المجلسى (قدس‌سره) في البحار (٣) في باب من شكّ في شيء من الافعال هكذا : من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه فإنّ الشكّ لا ينقض اليقين.

وذكر انّه رأى في رسالة قديمة مفردة هذا الخبر بطريقين صحيحين وفيها هكذا : من كان على يقين فاصابه شكّ فيه فليمض ـ الى آخره ـ (٤).

ورواه فيه عن تحف العقول ايضاً مرسلاً ثمّ قال أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والاعتبار على طريقة القدماء واعتمد عليه الكليني (قدس‌سره) وذكر اكثر اجزائه متفرقة وكذا غيره من المحدثين ـ انتهى كلامه ـ (٥).

وروى الشيخ المفيد فى الارشاد (٦) هذا الخبر بالنحو الّذي ذكر في الخصال.

ومنها : ماروى عبدالله بن سنان في الصّحيح قال : سأل رجل ابا عبدالله وانا حاضر انّي اعير الذّمي ثوبي وانا اعلم انّه يشرب الخمر

__________________

(١) الوسائل ١ / ١٧٥ طبع الاسلاميّة. الخصال : ٦١٩ مع اختلاف يسير

(٢) الفصول المهمّة ١ / ٦٢٨

(٣) البحار ٧٧ / ٣٥٩ و ١٠ / ٩٨ و ١١٦ و ١١٧

(٤) لم نجد هذه العبارة في البحار فراجع

(٥) البحار ١٠ / ٩٨ و ١١٦

(٦) الارشاد ١٥٩. الطبعة الثالثة ١٣٩٩

١٨٨

ويأكل لحم الخنزير فيردّه عليّ فاغسله قبل ان اصلّي فيه؟ فقال أبوعبدالله (عليه‌السلام) : صلّ فيه ولا تغسله من اجل ذلك فانّك اعرته ايّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه فلا بأس ان تصليّ فيه حتى تستيقن انّه نجّسه (١).

ومنها : ما روى مسعدة بن صدقه في الموثق عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال سمعته يقول : كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم انّه حرام بعنيه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حُرٌّ باع نفسه أو خدع فبيع او قهر أو امراءة تحتك وهي اختك أو رضيعتك والاشياء كلّها على هذا حتى تستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة (٢).

ولا يخفى انّ هذا الخبر صريح في العموم.

ومنها : موثّقة ابن بكير قال قال أبوعبدالله (عليه‌السلام) : إذا استيقنت انّك قد توضّأت فايّاك ان تحدث وضوءاً ابداً حتى تستيقن انّك قد أحدثت (٣).

ومنها : ما روى ضريس في الصّحيح قال سألت ابا جعفر (عليه‌السلام) عن السّمن والجبن نجده في ارض المشركين أنأكله؟ فقال : اما ما علمت انّه

__________________

(١) التهذيب ٢ / ٣٦١ وفيه : «سأل أبي» مكان «سأل رجل»

(٢) الكافي ٥ / ٣١٣

(٣) ـ

١٨٩

قد خلطه الحرام فلا تأكل واما مالم تعلم فكله حتى تعلم انّه حرام (١).

ومنها : ما روى في التهذيب عن الصفّار عن القاسانى قال : كتبت إليه عن اليوم الّذي يشكّ فيه من رمضان هل يصام أم لا؟ فكتب (عليه‌السلام) اليقين لا يدخل فيه الشكّ صم للرؤية وافطر للرؤية (٢).

ومنها : موثّقة عمّار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه‌السلام) قال : كلّ شيء نظيف حتى تعلم انّه قذر فإذا علمت فقد قذر ومالم تعلم فليس عليك (٣).

ومنها : ما روى عبدالله بن سنان في الصحيح قال قال أبوعبدالله (عليه‌السلام) : كلّ شيء يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال ابداً حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (٤).

ومنها : صحيحة على بن مهزيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره انّه بال في ظلمة اللّيل وانّه اصاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ انّه اصابه ولم يره وانّه مسحه بخرقة ثمّ نسي ان يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفيّه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة وصلّى؟ فاجابه بجواب قرأته بخطّه : امّا ما توهّمت ممّا اصاب يدك فليس بشيء الّا ما تحقّقت فإن

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٧٩. الوسائل ٢٤ / ٢٣٦.

(٢) التهذيب ٤ / ١٥٩. الوسائل ٧ / ١٨٤ طبع الاسلاميّة.

(٣) التهذيب ١ / ٢٨٥.

(٤) الكافي ٥ / ٣١٣.

١٩٠

تحقّقت ذلك كنت حقيقاً ان تعيد الصّلوات الّتي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها وما فات وقتها فلا اعادة عليك لها ، من قبل ان الرّجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصّلاة الّا ما كان في وقت وان كان جنباً أو صلّى على غير وضوء فعليه اعادة الصّلوات المكتوبات اللّواتي فاتته ، لانّ الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك ان شاء الله تعالى (١).

ومنها : حسنة الحلبي عن الصادق (عليه‌السلام) : إذا احتلم الرجل فاصاب ثوبه منيّ فليغسل الّذي اصابه فإن ظنّ انّه اصابه ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء ... (٢).

ومنها : قول اميرالمؤمنين صلوات الله عليه : ما ابالي أبول اصابني أم دم إذا لم اعلم (٣).

هذه جملة من الاخبار الّتي تدلّ على المطلوب وبعضها وان ورد في مواضع مخصوصة الّا انّ اكثرها يدلّ على العموم.

وغير خفيّ انّ كثيراً من هذه الاخبار تدلّ على حجيّة جميع صور الإستصحاب سواء كان في الاحكام الشرعيّة أو الوضعيّة ، وسواء كان في نفس الحكم الشرعي أو فى موضوعه أو في متعلّقه ، سوى الموضعين

__________________

(١) الوسائل ٣ / ٤٧٩ نقلاً عن التهذيب ١ / ٤٢٦ والاستبصار ١ / ٦٤٣.

(٢) الوسائل ٣ / ٤٢٤ نقلاً عن الكافي ٣ / ٥٤ والتهذيب ١ / ٢٥٢.

(٣) الوسائل ٣ / ٤٦٧ و ٤٧٥.

١٩١

الاخيرين لما ذكرنا انّ كثيراً من الاخبار كاخبار زرارة وموثّقة مسعدة بن صدقة ورواية الخصال صريح في انّ مطلق اليقين لا ينقض بالشكّ ، فيشمل هذه الاخبار بعمومها الوضعيّة والشرعيّة ، ويشمل نفس الحكم الشرعي وموضوعاته ومتعلّقاته وكذا قولهم (عليهم‌السلام) : «كلّ شيء نظيف حتى تعلم انّه قذر» (١) يشمل نفس الحكم الشرعي وموضوعه ، يعني يعمّ صورة الشكّ بحدوث مالم يعلم انّه قذر وصورة العلم بحدوث ما يشكّ انّه قذر.

وكذا يشمل الاخبار المذكورة جميع صور الّتي ذكرنا انّ الإستصحاب يجري فيها سواء كان الحكم مغيّى بغاية أم لا ، لانّ جميع الصّور المذكورة كما بيّنا يمكن حدوث الشكّ فيها ، فيدفع هذا الشكّ بالاخبار المذكورة.

فثبت بما ذكرنا حقيّة المذهب المشهور وظهر ضعف الاقوال الاخر.

امّا قول النافين مطلقاً فلما عرفت من دلالة هذه الاخبار الكثيرة على حجيّة الإستصحاب.

وامّا قول الفاضل السبزواري فلما عرفت من دلالة الاخبار على حجيّة الإستصحاب في نفس الحكم الشرعي وفي موضوعه كليهما.

وامّا قول الفاضل التوني فلما عرفت من جريان الإستصحاب في الاحكام الشرعيّة والوضعيّة كليهما.

وامّا قول المحقّق النّحرير الخوانساري فلما عرفت من دلالة الاخبار

__________________

(١) الوسائل ٣ / ٤٦٧ نقلاً عن التهذيب ١ / ٢٨٤

١٩٢

على حجيّة الإستصحاب سواء كان الحكم مغيّى بغاية أم لا سوى الموضعين اللّذين استثنيناهما.

وامّا الإستصحاب الّذي في متعلّق الحكم الشرعي كاصالة بقاء المعنى اللّغوي فيجري فيه الاخبار المذكورة وان امكن ان يقال انّ وظيفة الشارع ليس بيان ذلك ، الّا ان عموم الاخبار يدلّ عليه ، وكذا يدلّ عليه الادلّة الاخر.

وامّا الإستصحاب الّذي ليس من نفس الحكم الشرعي ولامن موضوعه كإستصحاب بقاء الرّطوبة في الثوب إلى ان يعلم المزيل ، فيمكن ان يقال بدلالة الاخبار عليه ايضاً ، بناء على عموم عدم نقض اليقين بالشكّ ، ويدلّ عليه الدّليل الرابع ايضاً ، الّا انّها لم يثبت به حكم شرعي فلا فائدة لنا فيه ، وان فرض بحيث كان له مدخليّة في الحكم الشرعي كما إذا وجد يابساً حال وقوعه على النّجاسة ، فيمكن جريان الإستصحاب فيه ببقاء الرّطوبة حال وقوعه على النّجاسة ، الّا انّه معارض باصالة الطّهارة واصالة عدم الرّطوبة عند ملاقاة النّجاسة ، فلا يكون هذا الإستصحاب حجّة لما ستعرف ان شاء الله انّ حجيّة الإستصحاب في صورة لم يحدث معارض نعم ان فرض بحيث يثبت به حكم شرعي بالعرض ولم يكن له معارض فالحقّ حجيّته لدلالة الادلّة جميعاً حينئذٍ عليه.

١٩٣

[كلام الشيخ الحرّ (قدس‌سره)]

قال الشيخ الفاضل المتبحّر الحرّ العاملى في كليّاته بعد ايراد جملة من الاخبار المذكورة :

اقول : هذه الاحاديث لا تدلّ على حجيّة الإستصحاب في نفس الحكم الشرعي وانّما يدلّ عليه في موضوعاته ومتعلقاته ، كتجدد حدث بعد الطّهارة أو طهارة بعد الحدث أو طلوع الصبح أو غروب الشمس أو تجدد ملك أو نكاح أو زوالهما ونحو ذلك كما هو ظاهر من احاديث المسألتين وقد حقّقناه في الفوائد الطوسيّة (١) ثمّ اليقين المتجدّد قد يكون بالمشاهدة وقد يكون بشهادة عدلين أو خبر ثقة أو اذانه أو غير ذلك من الامور المحسوسة الّتي دلّت عليها الادلّة الشرعيّة. انتهى كلامه زيد قدره واكرامه (٢).

اقول : ضعف كلامه (قدس‌سره) بعد ما ذكرنا ظاهر على أولى البصائر كيف لا وكثير من الاخبار ينادي باعلى صوته بأنّ كلّ يقين لا ينقض بالشكّ ، ومن جملته ان يحصل يقين بحكم شرعي ثمّ يحصل الشكّ والجهل بأنّ الشيء

__________________

(١) الفوائد الطوسيّة ٢٠٨.

(٢) الفصول المهمّة ١ / ٦٢٨.

١٩٤

الفلاني اليقينيى الوجود هل له حكم شرعي مخالف للحكم الاوّل أم لا فحينئذٍ يدفع هذا الشكّ بالاخبار المذكورة.

[كلام الاسترآبادى (قدس‌سره)]

وقال الفاضل المقدّس الاسترآبادي نوّر الله ضريحه في الفوائد المدنيّة : وامّا التمسّك بإستصحاب حكم شرعي في موضع طرأت فيه حالة لم يعلم شمول الحكم الاوّل لها ، مثاله من دخل في الصّلاة بتيمّم لفقد الماء ثمّ وجد الماء في اثنائها قبل الركوع أو بعده ومن عزم على اقامة عشرة ثمّ رجع قبل ان يصلّي صلاة واحدة تامة أو بعدها فقد قال به الشافعيّة وبعض اهل الاستنباط كالعلامة الحلّي (قدس‌سره) في أحد قوليه والشيخ المفيد ، وانكره الحنفيّة واكثر اهل الاستنباط من اصحابنا.

والحقّ عندي قول الاكثر لوجوه.

ثمّ شرع في بيان الادلّة على ما ذهب إليه وستعرفها مع جوابها في المباحث الآتية ان شاء الله العزيز [ثمّ قال :].

ثمّ اقول : اعلم انّ للإستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الامّة ، بل اقول : اعتبارهما من ضروريّات الدّين ،

أحدهما انّ الصّحابة وغيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبيّنا صلّى

١٩٥

الله عليه وآله إلى ان يجيء صلى‌الله‌عليه‌وآله بنسخه.

وثانيهما ان يستصحب كل امر من الامور الشرعيّة مثل كون رجل مالك ارضٍ وكونه زوج امرأة وكونه عبد رجل آخر وكونه على وضوء وكون ثوبه طاهراً ونجساً وكون اللّيل باقياً وكون ذمّة الانسان مشغولة بصلاة أو الطواف إلى ان يقطع بوجود شيء جعله الشارع سبباً لنقض تلك الامور. ثمّ ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين وقد يكون قول الحجّام المسلم ومن في حكمه وقد يكون قول القصّار المسلم أو من في حكمه وقد يكون بيع ما يحتاج إلى الذّبح والغسل في سوق المسلمين واشباه ذلك من الامور الحسيّة (١) انتهى موضع الحاجة من كلامه.

ثمّ انّه رحمه‌الله بعد كلام استدلّ على اثبات الصّورة الثانية ببعض الاخبار السّابقة وبعض الاخبار الآتية الدّالة على ثبوت الإستصحاب في مواضع مخصوصة.

اقول : يرد على كلامه (قدس‌سره) امور :

الاوّل : انّ عدم حجيّة الإستصحاب ليس قول الاكثر من اصحابنا بل الامر بالعكس كما عرفت.

الثاني : انّك قد عرفت دلالة الاخبار على حجيّة الإستصحاب مطلقاً سوى الموضعين الاخيرين.

الثالث : انّه إذا سلّم حجيّة الصورتين المذكورتين يلزم ثبوت

__________________

(١) الفوائد المدنيّة ص ١٤١ و ١٤٣

١٩٦

الإستصحاب مطلقاً ولا يبقى شقّ آخر ، وذلك لانّ الإستصحاب عبارة عن ابقاء الحكم الشرعي على ما كان إلى ان يثبت المزيل ، فإذا استصحب ما جاء به النّبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) واستصحب كلّ امر من الامور الشرعيّة إلى ان يثبت المزيل ، يلزم حجيّة الإستصحاب مطلقاً ، لانّ جميع المواضع المذكورة الّتي ذكرنا انّ الإستصحاب يجري فيها كلّها استصحب فيه الامر الشرعي ، والامور الّتي ذكرها انّها نواقض للحكم ، إن ثبت كونها جميعاً نواقض من جانب الشّارع كما ذكره (قدس‌سره) ، فنحن نقول به ايضاً ، فلا يبقى صورة للإستصحاب لا يكون حجّة.

وبهذا يظهر الاختلال في كلامه هذا من وجهين اخرين.

الاوّل : التناقض في اوّل كلامه وآخره.

الثاني : انّ حجيّة هاتين الصّورتين حينئذٍ ليست من ضروريّات الدّين ولا من اتفاق الامّة ، فتامّل.

وبعد ذكر الاخبار المذكورة الدّالة على حجيّة الصوّرة الثانية.

قال رحمه‌الله : اقول : انّه قد وقعت من جمع من متأخري اصحابنا لقلّة حذقهم في الاحاديث اغلاط في هذه المباحث.

ثمّ عدّ واحداً منها ونسبه إلى المحقّق الشيخ على (قدس‌سره) ثمّ قال :

ومن جملتها انّ كثيراً منهم زعموا انّ قولهم (عليهم‌السلام) : «لا ينقض يقين بشكّ وانّما ينقضه بيقين آخر» (١) جار في نفس احكامه تعالى وقد

__________________

(١) الوسائل ٨ / ٢١٧ نقلاً عن الكافي ٣ / ٣٥١

١٩٧

افهمناك انّه مخصوص بافعال الانسان واحواله واشباههما من الوقائع المخصوصة.

ومن جملتها انّ بعضهم توهّم انّ قولهم (عليهم‌السلام) : «كلّ شيء طاهر حتى تستيقن انّه قذر» (٢) تعم صورة الجهل بحكم الله تعالى ، فإذا لم يعلم أنّ نطفة الغنم طاهرة أو نجسة نحكم بطهارتها ، ومن المعلوم انّ مرادهم (عليهم‌السلام) ان كلّ صنف فيه طاهر وفيه نجس كالدّم والبول واللّحم والماء واللبن والجبن ممّا لم يميّز الشارع بين فرديه بعلامة فهو طاهر حتى تعلم انّه نجس ، وكذلك كل صنف فيه حلال وحرام ممّا لم يميّز الشارع بين فرديه بعلامة فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه. انتهى كلامه زيد احترامه (٣).

[حول كلام الاسترآبادي]

اقول : يرد على كلامه طاب ثراه ايرادات :

الاوّل : قد عرفت انّ الاخبار التي وردت في عدم نقض اليقين بالشكّ

__________________

(٢) الوسائل ٣ / ٤٦٧ وفيه : كلّ شيء نظيف حتى تعلم انّه قذر. الوسائل ٢٧ / ١٧٤ وفيه : كلّ ماءٍ طاهر حتى تعلم انّه قذر.

(٣) الفوائد المدنيّة ١٤٨.

١٩٨

تدلّ على حجيّة الإستصحاب مطلقاً سواء كان في نفس الحكم الشرعي أو موضوعه أو متعلّقه ، لدلالتها على انّ مطلق اليقين لا ينقض بالشكّ ، فما الباعث على تخصيصها بافعال الانسان والوقائع؟

قال صاحب الشواهد المكيّة في الرّد عليه : وامّا حكمه بعدم جريان النّهي منهم (عليهم‌السلام) بقوله لا ينقض اليقين بالشكّ في نفس احكامه تعالى فعجيب ، لانّ اللازم منه انّ الحكم ببقاء المتطهّر على طهارته عند تيقنها وعروض الشكّ ليس هو حكم الله تعالى وانّما هو حكم العبد على ما ادّعاه سابقاً وإذا لم يكن حكم الله فكيف يجوز الدّخول به في الصّلاة والاتفاق على صحّته وهل حكم الله شيء غير ذلك ـ انتهى ـ (١).

الثاني : انّ قولهم (عليهم‌السلام) : كلّ شيء طاهر حتى تستيقن انّه قذر (٢) تعمّ صورة الجهل بأنّ الشيء الفلاني في الشرع هل هو طاهر أو نجس وصورة الجهل بوصول الشيء الّذي كان نجاسته قطعيّة ، فتخصيصه باحد الفردين دون الاخر لا وجه له.

الثالث : انّ الجهل بوصول النّجاسة يستلزم الجهل بانّه في الشرع طاهر أو نجس كما اورد عليه الفاضل التوني في الوافية (٣) حيث قال : انّ المسلم إذا اعار ثوبه الذمّي الّذي يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ثمّ يردّه عليه

__________________

(١) الشواهد المكيّة ص ١٥٣ و ١٥٤.

(٢) راجع الوسائل ٣ / ٤٦٧ و ٢٧ / ١٧٤.

(٣) الوافية ص ٢١٥.

١٩٩

فهو جاهل بأنّ مثل هذا الثوب الّذي هو مظنّة النّجاسة هل هو ممّا يجب التنزّه عنه في الصّلاة وغيرها ممّا يشترط بالطّهارة أو لا؟ فهو جاهل بالحكم الشرعي مع انّه (عليه‌السلام) قرّر في الجواب قاعدة كليّة بأنّ مالم يعلم نجاسته فهو طاهر. والفرق بين الجهل بحكم الله تعالى إذا كان تابعاً للجهل بوصول النّجاسة وبينه إذا لم يكن كذلك كالجهل بنجاسة نطفة الغنم ممّا لا يمكن اقامة دليل عليه.

الرابع : ما أورد عليه الفاضل المذكور ايضاً وهو : انّ الطهارة في جميع ما لم يظهر مخرج عنها قاعدة مستفادة من الشرع (١) ـ انتهى ـ.

اقول ستعلم ان شاء الله العزيز حقيقة (حقيّة) هذه القاعدة.

الخامس : ما أورد عليه الفاضل المذكور ايضاً وهو انّ الفرق بين نطفة الغنم وبين البول واللّحم وغيرها تحكّم ظاهر فإنّ النطفة ايضاً منها طاهرة كنطفة غير ذي النفس ومنها نجسة. ومن العجب حكمه بالطّهارة فيما إذا وقع الشكّ في بول الفرس هل هو طاهر أم نجس وحكمه بنجاسة نطفة الغنم عند الشكّ. وكذا الكلام في الحلال والحرام. انتهى كلامه رفع مقامه (٢).

قال صاحب الشواهد المكيّة بعد قول الفاضل الاسترآبادى : ومن جملتها انّ بعضهم توهّم انّ قولهم (عليهم‌السلام) كلّ شيء طاهر ـ الى آخره ـ :

__________________

(١) الوافية ص ٢١٥.

(٢) الوافية ص ٢١٥.

٢٠٠