تراثنا ـ العدد [ 102 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 102 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠١

١

تراثنا

صاحب الامتیاز

مؤسّسة آل البيت عليهم‌السلام لإحياء التراث

المدير المسؤول :

السيّد جواد الشهرستاني

العدد الثاني [١٠٢]

السنة السادسة والعشرون

محتـويات العـدد

* مناهج الفقهاء في المدرسة الإمامية (١)

....................................................... السـيّد زهير الأعرجي ٧

* المنهج التاريخي في كتابي ابن المطهّر وابن داود في علم الرجال (٢).

.................................................. سامي حمود الحاج جاسم ٥٢

* مخطوطات مكتبة الحائري (كربلاء ـ عراق).

..................................................... السيّد أحمد الحسيني ١٠٧

٢

ربيع الآخر ـ جمادى الآخر

١٤٣١ هـ

* مدرسة الحلّة وتراجم علمائها من النشوء إلى القمّة (٦).

.............................................. السـيّد حيدر وتوت الحسيني ١٥٣

* من ذخائر التراث :

* تذكرة المجتهدين للشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة (من أعلام القرن العاشر).

...................................... تحقيق : حسين جودي كاظم الجبوري ٢٠٣

* من أنباء التراث.

........................................................... هيـئة التحرير ٢٩٢

* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (تذكرة المجتهدين للشيخ يحيى بن حسين بن عشيرة من أعلام القرن العاشر) ، والمنشورة في هذا العدد.

٣

٤

٥
٦

مناهج الفقهاء

في المدرسة الإمامية

(١)

السـيّد زهير الأعرجي

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدّمة :

المنهج هو الطريقة العلمية التي يستخدمها الفقيه لإيصال الشريعة وأحكامها إلى طلاّبها ، والمنهج العلمي ـ الذي هو عملية علمية لترتيب الأفكار وتنظيمها ـ له أهداف طولية متوازية ، فالمنهج الاستدلالي يخاطب الفقهاء والمجتهدين ، والمنهج الفتوائي والرسائل العملية يخاطبان المقلِّدين ، والمنهج المقارَن يخاطب المعتقدين بعقائد المذاهب الأخرى ، والمنهج الإختصاري يخاطب أهل العلم بدرجاتهم ، ومنهج التقريرات يخاطب الطلبة من العلوم الدينية و... ، واستقراءً لنتاجات فقهاء الشيعة الإمامية من فطاحل مذهب أهل البيت عليهم‌السلام فقد استخلصنا ستّة عشر منهجاً انتهجها الفقهاء في مسلكهم العلمي منذ القرن الرابع الهجري وحتّى اليوم ، وهذه المناهج هي :

٧

١ ـ منهج الفقه الاستدلالي.

٢ ـ منهج المختصرات.

٣ ـ منهج الفقه المقارَن.

٤ ـ منهج الشرح الاستدلالي.

٥ ـ منهج التعليقات والحواشي.

٦ ـ منهج النقد العلمي.

٧ ـ منهج العويص والأشباه والنظائر.

٨ ـ منهج الردود والمواجهات العلمية.

٩ ـ منهج الرسائل العملية.

١٠ ـ منهج الفقه الفتوائي.

١١ ـ منهج المجاميع الحديثية.

١٢ ـ منهج التقريرات.

١٣ ـ منهج الرسائل (القصيرة).

١٤ ـ منهج الأمالي والمجالس.

١٥ ـ منهج السؤال والجواب.

١٦ ـ منهج القواعد الفقهية.

ولاشكّ أنّ طريقة الفقهاء على مذهب أهل بيت النبوّة عليهم‌السلام تتميّز بالميزة العلمية في البحث عن الدليل الشرعي ، ونقصد بالعلمية هو التزام طريق القطع واليقين في الركون إلى النصوص الشرعية التي يحتاجها الفقيه في استنباط الأحكام ، ولايتوقّف منهج الفقيه عند الوصول إلى مدارك الحكم الشرعي ، بل يتعدّى إلى عرض ذلك الحكم على أهل العلم

٨

والمعرفة ؛ فإذن لدينا خطّان غير منفصلين في مناهج فقهاء الإمامية :

الأوّل : الوصول إلى مدارك الحكم الشرعي.

الثاني : توصيل الحكم الشرعي إلى طلبة العلم الديني والمكلّفين عبر المتون الفقهية والموسوعات والرسائل والمختصرات والجوابات والفتاوى والتقريرات والتعليقات والحواشي ونحوها.

ومنهجنا في هذا البحث :

١ ـ عرض نماذج منتقاة من المصادر الفقهية في المدرسة الإمامية ، وقدلوحظ في تلك النماذج مقدار القيمة العلمية والتاريخية للمصدر الفقهي. ولابدّ من التنويه هنا بأنّنا حاولنا مراعاة الموضوعية والاستقصاء الشامل لمصادر الفقه الإمامي ، إلاّ أنّ ذلك لا يعني استقصاءَها جميعاً ، فذلك عمل خارج عن قدرتنا المحدودة.

٢ ـ حاولنا اقتطاف مقاطع مفصّلة وطويلة على الأغلب من الكتب الفقهية ، لأنّ هدف البحث هو دراسة المنهج في كلِّ كتاب ، وذلك يستدعي اقتطاع أمثلة متميّزة ونماذج تعكس المستوى العلمي للكتاب موضوع البحث ، ومجرّد الإشارة العابرة أو النصّ المختصر لا يكفي أحياناً في طلب المراد.

٣ ـ ومن أجل فهم المنهج العلمي للفقيه انتخبنا موضوعاً فقهيّاً واحداً أوأكثر للتدليل على قوّة استدلال المصنّف وطبيعة منهجه العلمي للوصول إلى الثمرة التي توخّاها من بحثه.

٤ ـ الكلمات المطبوعة بالحروف الغامقة أحياناً ترجع إلى متن

٩

المصنّف ، بينما ترجع الكلمات بالحروف العادية إلى الشارح.

٥ ـ نحاول التأكيد مرّة أخرى أنّ مناهج الفقهاء في البحث هي الطرق التي استخدمها فقهاء الإمامية في ترتيب الأفكار الفقهية وتنظيمها ، ولابدّ من قراءة هذا البحث لكي يتوضّح الأمر.

١ ـ منهج الفقه الاستدلالي :

أ ـ المنهج الموسوعي :

مقدّمة :

المنهج الموسوعي الاستدلالي هو المنهج الذي يعرض الأحكام الشرعية مع أدلّتها التفصيلية مع بحث ونقاش علمي بإبرام أو نقض ، ترجيح أوتضعيف ، قبول أو ردٍّ ، على نحو الإحاطة بالروايات المسندة والمباني المؤيّدة وكثرة الفروع وتشعّبها ، بحيث تتمدّد المسائل الفقهية على مساحات واسعة من البحث العلمي فتخرج عن إطار الكتاب المحدود لتتعدّى بسعتها بحراً واسعاً من العلم.

طبيعة المنهج الاستدلالي الموسوعي :

يأخذ الإستدلال الفقهي في طبيعته مباني البحث عن ظواهر القرآن الكريم وسند الرواية ومتنها والأصول الشرعية والعقلية والأصول اللغوية بهدف الوصول إلى ثمرة استخراج الحكم الشرعي من مصادره الصحيحة ، ولايتمّ الإستدلال إلاّ بالإحاطة الشاملة بأقوال الفقهاء وأدلّتهم ومناقشتها مناقشة موضوعية ، ويتحتّم على الفقيه اتّخاذ الموقف الاجتهادي من

١٠

الروايات الضعيفة المنجبرة بعمل الأصحاب ، بل لابدّ من استلهام حجّية الإجماع ودليل العقل والبراءة والاحتياط والاستصحاب والعلّة المنصوصة والتعارض والترجيح بين الأدلّة الشرعية.

ولاشكّ أنّ بناء المنهج الاستدلالي الموسوعي يرجع فضله إلى عصبة من فقهاء الإمامية الأجلاّء بمثابرتهم في فهم أفق الشريعة الواسع واستحداثهم أُسلوب البحث العلمي عن الدليل ، ومن ذلك : الشمولية والاستيعاب عند الشّيخ النجفي (ت ١٢٦٦ هـ) في جواهر الكلام ، ونقدالروايات ومواخاة الآراء عند الشّيخ البحراني (ت ١١٨٦ هـ) في الحدائق الناضرة ، ومناقشة الآراء الفقهية بعد عرضها عند السيّد محمّد جواد العاملي (ت١٢٢٦ هـ) في مفتاح الكرامة ، والتفصيل في شرح المسائل الفقهية عندالفاضل الهندي (ت ١١٣٧ هـ) في كشف اللثام ، ودقّة نقل الرواية وقوّة الاستدلال عند السيّد السند محمّد العاملي (ت ١٠٠٩ هـ) في مدارك الأحكام ، وكثرة التفريعات وتشعّبها عند الشّيخ النراقي (ت ١٢٤٥ هـ) في مستند الشيعة.

١ ـ منهج جواهر الكلام :

جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمّد حسن النجفي (ت١٢٦٦ هـ) في ثلاثة وأربعين مجلّداً ، وهو كتاب فقهي استدلالي موسوعي ، قام المصنِّف فيه بشرح كتاب شرائع الإسلام للمحقِّق الحلِّي شرحاً متميّزاً بحيث يصعب على القارئ التفريق عند قراءته بين المتن والشرح.

١١

ولا شكّ أنّ هناك فاصلاً زمنيّاً واسعاً بين تأليف كتاب شرائع الإسلام في (ق. ٧ هـ) وتأليف كتاب جواهر الكلام في (ق. ١٣ هـ) يقرب من ستّة قرون ، فاقتضى ذلك تضخّم المطالب الفقهية وتوسّعها وتكاملها ، فتعرّض لها الشّيخ النجفي بأجود الطرق موصلاً عصر المحقّق الحلّي بعصره.

تميّز منهج الجواهر :

ويتميّز منهج جواهر الكلام بالشمولية في فهم المسألة الفقهية والإستدلال بما قاله الفقهاء السابقون أمثال : ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والصدوقين ، والشّيخ المفيد ، والسيّد المرتضى ، والشّيخ الطّوسي ، وسلاّر ، وابن حمزة ، وابن زهرة ، وابن إدريس ، والمحقّق الحلّي ، والعلاّمة الحلّي ، وفخرالمحقّقين ، والشّهيد الأوّل ، والشّهيد الثاني ، والمقدّس الأردبيلي ، والعلاّمة المجلسي ، والوحيد البهبهاني ، وغيرهم من الأجلاّء.

وللتدليل على خصوصية اعتماد المصنِّف على المصادر الفقهية نذكر اعتماده على كتاب واحد مثل كشف اللثام للفاضل الهندي ، فقد ذكره في الجزءالأوّل في (٨٠) مورداً ، وذكره في الجزء الثامن (١٣٨) مرّة ، وفي الجزء التاسع (٨٠) مرّة ، وفي الجزء العاشر في (٨٥) مورداً ، وفي الجزء الحادي عشرفي (١٥٠) مورداً ، وفي الجزء الثالث والأربعين في (٢٨٠) مورداً ، وفي الجزء الحادي والأربعين في (٢٠٠) مورداً (١).

قال الشّيخ محمّد رضا المظفّر (ت ١٣٨٠ هـ) في مقدّمته على جواهر الكلام :

__________________

(١) كشف اللثام ـ المقدّمة : ٣٣.

١٢

«كتاب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام الموسوعة الفقهية التي فاقت جميع ما سبقها من الموسوعات سعةً وجمعاً وإحاطةً بأقوال العلماء وأدلّتهم ، فوفّق الكتاب توفيقاً منقطع النظير في إقبال أهل العلم عليه ... والسرّ في هذا الإقبال على الكتاب يرجع إلى أنّه كتاب لم يؤلّف مثله في سعته وإحاطته بأقوال العلماء وأدلّتهم ومناقشتها مع بعد نظر وتحقيق. مضافاً إلى أنّه كتاب كامل في أبواب الفقه كلّها جامع لجميع كتبه. وميزة ثالثة تفرّد بها أنّه على نسق واحد وأسلوب واحد وبنفس السعة التي ابتدأ بها انتهى إليها. ورابعاً أنّ به الغنى عن كثير من الكتب الفقهية الأخرى ولا يستغنى بها عنه ، فإنّ المجتهد ـ إذا حصل على نسخة صحيحة منه ـ يستطيع أن يطمئنّ إلى استنباط الحكم الشرعي بالرجوع إليه فقط وليس له أن يطمئنّ إلى ذلك عند الرجوع إلى ما سواه في أكثر المسائل الفقهية حتّى في هذه العصور الأخيرة ... وميزة خامسة في الجواهر أنّه احتوى على كثير من التفرّعات الفقهية النادرة بما قد لا تجده في غيره من الموسوعات الأخرى ، فهو جامع لاُمّهات المسائل وفروعها فالجواهر جواهر بجميع ما تعطي هذه الكلمة من دلالة ، فهو اسم على مسمّاه ، وهذا كلّه سرّ خلوده وتفوّقه وبقائه مرجعاً للفقهاء على طول الزمن ...» (١).

خصائص منهج الجواهر :

ويستند منهج جواهر الكلام على خصائص متعدّدة ، منها :

__________________

(١) جواهر الكلام ـ المقدّمة: ١٣ ـ ١٤.

١٣

أوّلاً : الشمولية والاستيعاب في عرض المسألة الفقهية من زاوية تأريخها الفقهي أو الآراء التي قيلت فيها أو أسماء المصادر التي تناولتها ، ومن النماذج التي يمكن عرضها في هذا النطاق :

النموذج الأوّل : القنوت من مستحبّات الصّلاة : والقنوت من مستحبّات الصّلاة كما ورد في الكثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، وماورد من أنّه سنّة حمله الفقهاء على إرادة قصد الاستحباب. قال المصنّف :

«القنوت وهو لغةً : الطاعة والسكون والدعاء والقيام في الصّلاة والإمساك عن الكلام والخشوع والصّلاة وطول القيام والعبادة ، وعرفاً شرعيّاً أومتشرّعيّاً : الذكر في حال مخصوص ، وربّما يفوح من بعض النصوص اعتبار رفع اليدين فيه وإن كان ما ستعرف من كلام الأصحاب ظاهراً في أنّه من المستحبّات فيه. وكيف كان فلا خلاف بين المسلمين في مشروعيته في الصّلاة في الجملة ، كما أنّه لا خلاف أجده بين الفرقة المحقّة منهم في مشروعيته في كلِّ صلاة مستقلّة لا يراعى فيها الجزئية من صلاة أخرى ولو كانت ركعة واحدة كالوتر والوتيرة ، لكن المشهور بينهم شهرة عظيمة كادت تبلغ الإجماع الندب ، بل في الذكرى دعواه صريحاً ، بل حكاه في التذكرة أيضاً. قال في موضع منها : وهو مستحبٌّ في كلِّ صلاة مرّة واحدة فرضاً كانت أونفلاً أداءً أو قضاءً عند علمائنا أجمع. وفي آخر : القنوت سنّة ليس بفرض عند علمائنا أجمع ، وقد يجري في بعض عبارات علمائنا الوجوب ، والقصد شدّة الاستحباب. وقال في بحث الجمعة من المنتهى : القنوت كلّه مستحبّ وإن كان بعض الأصحاب قد يأتي في عبارته الوجوب. وقال في المعتبر : اتّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلِّ صلاة ـ فرضاً كانت

١٤

أونفلاً ـ مرّةً ، وهو مذهب علمائنا كافّة. ثمّ حكى خلاف العامّة ، لكن قال بعدذلك : المسألة الثانية : قال ابن بابويه : القنوت سنّة واجبة من تركه عمداً أعادلقوله تعالى : (وَقُوْمُوا للهِِ قَانِتِيْنَ) (١) ، وروى ذلك ابن أذينة عن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (القنوت في الجمعة والوتر والعشاء والعتمة والغداة ، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له) ، وبه قال ابن أبي عقيل ... إلى آخره. ثمّ أخذ في الاحتجاج بالأصل ونحوه. لكنّه كما ترى ظاهر في إرادته مطلق المشروعية من الاستحباب أوّلاً في مقابلة العامّة ، ومثله وقع للمنتهى في بحث القنوت ، بل الظاهر أنّه المراد ممّا وقع في كشف الحقِّ أيضاً : ذهبت الإمامية إلى أنّ القنوت مستحبٌّ ، ومحلّه بعد القراءة قبل الركوع ...» (٢).

وهكذا يستمرّ في بحث استحباب القنوت بتلك الكيفية على مدار اثنتينوثلاثين صفحة (أي من الصفحة ٣٥٣ ولحدّ الصفحة ٣٨٥ من الجزء العاشر).

ويستفاد من بحثه في هذه المسألة الأمور التالية :

١ ـ تعريف مختصر لمعنى القنوت عرفاً وشرعاً وعدم الخوض في مناقشة التعاريف الأُخرى وردِّها.

٢ ـ إجماع المسلمين بمختلف مذاهبهم على مشروعية القنوت.

٣ ـ الشهرة العظيمة التي تكاد تبلغ الإجماع باستحباب القنوت.

٤ ـ عند الإشارة إليه بالوجوب إنّما كان يُقصد به شدّة الاستحباب.

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٣٩.

(٢) جواهر الكلام ١٠ / ٣٥٢ ـ ٣٥٣.

١٥

٥ ـ الردّ على من قال بإعادة الصّلاة إذا ترك القنوت عمداً.

وينتهي البحث باستحباب القنوت عند الإمامية ، ومحلّه بعد القراءة قبل الركوع.

ولايستطيع القارىء وبعد أن يقرأ هذا البحث في جواهر الكلام إلاّ أن يسجّل الملاحظة التالية : إنّ في البحث شمولية رائعة واستيعاباً لموارد الموضوع من جميع أطرافه وبداية معمّقة ونهاية موفّقة في استنباط الحكم.

ثانياً : اختصار التعاريف وعدم الوقوف عندها طويلاً مناقشةً وردّاً. فالتعريف ينبغي أن يكون جامعاً مانعاً لا مورداً للأخذ والردّ كما يعتقد المصنّف. ومن تلك التعاريف نعرض ثلاثة تعاريف وردت في جواهر الكلام ضمن النموذج الثاني.

النموذج الثاني : التعاريف :

«اللعان هو لغةً الطرد والإبعاد ، وشرعاً مباهلة بين الزوجين على وجه مخصوص» (١).

«والعتق قيل : هو بالكسر الحرّية ، وبالفتح المصدر كالإعتاق ، ويقال : عتق العبد ، خرج من الرقّ فهو عتيق» (٢).

«الجعالة بتثليث الجيم وإن كان كسرها أشهر كما في المسالك ، وهي على ما صرّح به غير واحد لغةً ما يجعل للإنسان على شيء بفعله ، وشرعاً إنشاءالالتزام بعوض على عمل محلّل مقصود بصيغة دالّة على ذلك ،

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٤ / ٢.

(٢) جواهر الكلام ٣٤ / ٨٦.

١٦

والمراد مايعتبر فيها شرعاً كما في غيرها من العقود والإيقاعات ، إذ لا حقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة كما ذكرناه» (١).

والمستفاد من تعاريف المصنِّف :

١ ـ إنّها مختصرة جامعة مانعة لحدود المعرَّف به.

٢ ـ إنّه لم يتطرَّق أصلاً إلى الموارد المختَلف عليها في التعاريف إلاّ إذاكان المورد يتطلّب ذلك ، حيث أورد قول المشهور في المسالك.

٣ ـ إنّه يعرض التعريف بقسميه : اللغوي ـ وهو ما أجمع عليه أهل اللغة ـ والشرعي ـ وهو المشهور المتداول بين الفقهاء ـ ثمّ يعطي المراد ممّا أراده الفقهاء بتعريفهم.

٤ ـ إبراز تطابق اللغة مع الشرع في موارد التطابق وإبراز الإختلاف في موارد الإختلاف.

ثالثاً : استخدم المصنِّف مصطلحات مثل : الإجماع ، والشهرة ، والعرف ، وضرورات الدين والمذهب :

أ ـ الشهرة والإجماع : فالشهرة في لغة الفقهاء هي ما لا يبلغ درجة الإجماع من الأقوال في المسائل الفقهية ، وهي على قسمين : الشهرة في الرواية وهو شيوع نقل الخبر من عدّة رواة ولكن لا يبلغ حدّ التواتر ، والشهرة في الفتوى وهو شيوع نقل الفتوى عند الفقهاء بدرجة لا يبلغ حدّ الإجماع الموجب للقطع بقول المعصوم عليه‌السلام.

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٥ / ١٨٧.

١٧

والإجماع : هو اتفاق الفقهاء على حكم شرعيٍّ بحيث يكشف كشفاً قطعيّاً عن قول المعصوم عليه‌السلام ، فالحجّة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف.

النموذج الثالث : في قول : (آمين) : ومن منهج المصنّف تطبيق اصطلاحات الإجماع والشهرة والعرف وضرورات الدين والمذهب على المسائل العملية ، فعدم جواز (آمين) بعد الحمد مثلاً مشهور شهرة كادت تكون إجماعاً. ولمّا كان المقصد في العبادة هو الصحّة والفساد فإنّ النهي عن (آمين) بعد الحمد يعبّر عن فساد المنهي عنه عقلاً. قال المصنّف :

«لا يجوز قول : (آمين) في آخر الحمد عند المشهور بين الأصحاب القدماء والمتأخّرين شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً كما اعترف به في جامع المقاصد ، بل في المنتهى وعن كشف الالتباس نسبته إلى علمائنا مشعرين بدعوى الإجماع عليه ...» (١).

ب ـ العرف : اُختلف في تعريف حدود العرف ، ولكن الواضح أنّ العرف ينطبق على ما تعارفه النّاس من قضايا عقلية أو مباني ذهنية وساروا عليه قولاً أو فعلاً ، وهو أقرب إلى عادة الناس ، والعرف ليس أصلاً بذاته.

ويستأنف المصنّف نقاشه في عدم جواز قول : (آمين) بعد الحمد بقوله :

«والمناقشة في ذلك كلّه بأنّ النهي إنّما يقتضي الحرمة دون البطلان المنحصر في المتعلّق بها أو جزئها أو شرطها بخلاف الأمر الخارج كما في المقام يدفعها منع حصر اقتضاء الفساد في ذلك ، بل العرف أكمل شاهد

__________________

(١) جواهر الكلام ١٠ / ٢.

١٨

على اقتضائه مع تعلّقه ولو بالأمر الخارج ، خصوصاً من مثل الشارع المعدّ لبيان الصحّة والفساد اللذين هما المقصد الأهمّ في العبادة ، وخصوصاً مع ملاحظة حاله في الإتّكال على بيانهما في مثل هذه المركّبات بالأمر والنهي ، بل لعلّه المتعارف في بيان كلّ مركّب حسّي وعقلي كما لا يخفى على من اختبرالعرف ...» (١).

والعرف يفهم أنّ (آمين) من كلام الناس ، وهذا تعليل للبطلان ، حيث لاتصلح تلك الكلمات في الصّلاة ، وهي ليست دعاءً ولا قرآناً بل اسم للدّعاء ، والإسم غير المسمّى.

ج ـ ضرورات الدين والمذهب : والضرورة هي الصورة التي لا يقوم الدين إلاّ بها ، وإذا كان الطعام ضرورة لبقاء الإنسان على قيد الحياة ـ وهذالا يحتاج إلى استدلال ـ فإنّ الصّلاة وأركانها ضرورة لثبوت الدين في قلوب الناس ، ومن ذلك الركوع باعتباره فعلاً من أفعال الصّلاة. قال في الركوع :

«الركوع : وهو واجب فيها في الجملة بالضرورة من الدين ـ كما اعترف به بعض الأساطين ـ فضلاً عن السنّة المتواترة والكتاب المبين» (٢).

والضروري هو ما يقابل الاستدلالي (٣) ، أي إنّ الضروري لا يحتاج إلى استدلال لإثباته ؛ فالمقصود من كونه ضرورة من الدين أنّ إثبات الركوع في الصّلاة لا يحتاج إلى استدلال.

الثمرة : والمستفاد من استخدام المصنّف للمصطلحات الفقهية

__________________

(١) جواهر الكلام ١٠ / ٥.

(٢) جواهر الكلام ١٠ / ٦٩.

(٣) ذكرى الشيعة ١ / ٤١.

١٩

والأصولية :

١ ـ إنّ المصنّف استخدم اصطلاحاً جديداً نسبيّاً وأعطاه أبعاداً مهمّةً ، وهو الاصطلاح الوسطي بين الشهرة والإجماع أو كما يعبّر عنه بـ (الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعاً) ، وهذا الاصطلاح أقرب إلى الإجماع من الشهرة نفسها ، ولم نجد من استخدم ذلك الأُسلوب بتلك الكثرة إلاّ صاحب الحدائق (ت ١١٨٦ هـ) رحمه‌الله.

٢ ـ إنّه في بحثه عن عدم جواز قول : (آمين) بعد الحمد بيَّن أنّ صيغة النهي ظاهرةٌ في التحريم ، لا لأنّها موضوعة لمفهوم الحرمة وحقيقتها ، بل لظهور صيغة (إفعل) في الوجوب ، فيكون صدور النهي من المولى مصداقاًلحكم العقل أو ارتكاز العقلاء ، وطبيعة النهي عن الشيء يقتضي فساد المنهىّ عنه عقلاً. وهذا هو مبنى المصنّف في مناقشة عدم جواز قول : (آمين) بعد الحمد.

٣ ـ التأكيد على جملة أحكام اعتبرها المصنّف من ضرورات الدين أوالمذهب ، كما في عرضه لماهية الركوع.

رابعاً : ومن منهج المصنّف مناقشة أسانيد الروايات ، فقد ناقش العلاّمة الحلّي في توثيق عليّ بن الحسن بن فضّال (١) ، وناقش الشّهيد الثاني في توثيق معاوية بن حكيم في كونه فطحيّاً (٢) ، لكنّه آمن بقبول الروايات الضعيفة المنجبرة بعمل الأصحاب ، وهو منهج آمن به أغلب فقهاء الإمامية.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٧ / ١٩١.

(٢) جواهر الكلام ٢٩ / ١٠٨.

٢٠