تراثنا ـ العدد [ 102 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 102 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت (ع) للطباعة والنشر
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 1016-4030
الصفحات: ٣٠١

«قوله : وطريق تطهيره بنزح جميعه إن وقع فيها مسكر : المراد بالمسكرهنا ما كان مائعاً بالأصالة ، وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين قليل المسكر وكثيره ، وبه صرّح المتأخّرون ، واحتجّ عليه في المختلف بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيه الصبيّ أو يصبّ فيها بول أو خمر ، فقال : (ينزح الماء كلّه). وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء ، فإن مات فيها ثور أو نحوه أو صبّ فيها خمر نزح الماء كلّه). وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (إذا سقط في البئر شيء صغيرفمات فيها فانزح منها دلاء ، قال : فإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها بعير أو صبّ فيها خمر فلينزح).

وفيه نظر ، فإنّ هذه الأخبار كلّها واردة بلفظ الصبِّ وهو يؤذن بالغلبة والكثرة ، مع أنّها مخالفة لما عليه الأصحاب في حكم البول وموت الدابّة الصغيرة وغير ذلك ، وتأويلها بما يوافق المشهور بعيد جدّاً. ونقل عن ابن بابويه رحمه الله في المقنع أنّه أوجب في القطرة من الخمر عشرين دلواً ، وربّماكان مستنده رواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام في بئر قطر فيها قطرة دم أو خمر ، قال : (الدَّم والخمر والميِّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد يُنزَح منها عشرون دلواً ، فإن غلبت الريح نُزِحت حتّى تطيب). وهي قاصرة من حيث السند لجهالة بعض رجالها فلا يسوغ العمل بها ، وأيضاً فإنّ ظاهرها الإكتفاء بالعشرين في الخمر وما معه مطلقاً ولا قائل به.

وبالجملة : فالفرق بين قليل الخمر وكثيره متّجه إلاّ أنّ مقدار النزح في القليل غير معلوم ، ولا يبعد إلحاقه بغير المنصوص إن قلنا بنجاسة الخمر ، وإلاّلم يجب في القليل شيء ، وكان الكلام في الكثير كما في اغتسال

٤١

الجنب» (١).

ونستنتج ممّا ذكر :

١ ـ تصريح المصنّف أنّ إطلاق عبارة المسكر يفهم منها الكثير أو القليل على حدٍّ سواء ، فالإطلاق لا يترك للمرء إدراك كمّية محدّدة تنجّس البئر.

٢ ـ احتجاج الفقهاء المتأخّرين على صحّة ذلك بروايات صحيحة ثلاث عن رواة إجلاّء هم : معاوية بن عمّار ، وعبد الله بن سنان ، والحلبي.

٣ ـ ردّ المصنّف على تلك الروايات وما حُمِلت عليه قائلاً : إنّها وردت بلفظ الصبِّ وهو يؤذن بالغلبة والكثرة ، ولا يمكن تأويلها بحكم البول أو موت الدابّة الصغيرة وغير ذلك.

٤ ـ احتجّ بقصور رواية زرارة (الدَّم والخمر والميِّت ولحم الخنـزير في ذلك كلِّه واحد ... الخ) ، وقال : إنّها قاصرة السند ، حيث إنّ نوح بن شعيب الخراساني لم يذكر في كتب الرجال. وإنّ ظاهرها الاكتفاء بالعشرين في الخمر ... ولا قائل به.

٥ ـ يتوصّل المصنّف إلى أنّه لابدَّ من التفريق بين الخمر الكثير والقليل ، والقليل غير منصوص فلا يبعد إلحاقه بالمنصوص إن قلنا بنجاسة الخمر ، وإلاّ لم يجب في وقوع القليل منه في البئر شيء.

النموذج الثاني : منزوحات البئر في حالة موت الدابّة : ومشكلة وقوع الدابّة في البئر أكثر ابتلاءً من صبّ الخمر ، لأنّ الدابة تبحث عن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ / ٦٢ ـ ٦٣.

٤٢

رزقها في الأرض على الأغلب وهي جاهلة بما يخبِّىء لها القدر فتقع في البئر وتموت ، فكان لابدَّ من تطهير البئر من نجاستها. قال المصنِّف :

«قوله : وبنزح كرٍّ إن مات فيها دابّة : هذا هو المشهور بين الأصحاب ولم أقف له على مستند ، والذي وقفت عليه في ذلك صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام في البئريقع فيها الفأرة والدابّة والكلب والطير فيموت؟ قال : (يخرج ، ثمّ ينزح من البئر دلاء ، ثمّ اشرب وتوضّأ). ويندرج في الدابّة البغل والفرس وغيرهما ، وقرّب المصنّف رحمه الله في المعتبر إلحاق الفرس بما لا نصّ فيه ، وهو مشكل للقطع بدخولها في مفهوم الدابّة سواء قلنا : إنّها ما يدبُّ على الأرض ، أو ذات الحوافر ، أو ما يُركب ....» (١).

ونستفيد من قوله :

١ ـ إنّ المشهور بين الفقهاء هو نزح كرٍّ إذا وقع في البئر دابّة وماتت فيه استناداً إلى صحيحة زرارة.

٢ ـ إنّ السؤال المطروح حول الرواية هو : ما هي طبيعة الدابّة؟ وقد قرّب العلاّمة الحلّي في المعتبر إلحاق الفرس بالدّابّة ، ولكن صاحب المدارك ردّه وقال : إنّه لا نصّ فيه ، وهو مشكل للقطع بدخولها في مفهوم الدّابّة ، فهل هي ما يدبُّ على الأرض؟ أو أنّها من ذوات الحوافر؟ أو أنّها ما يُركب من الحيوانات؟ وطالما كان الجواب غامضاً بقي الاستدلال ناقصاً.

٦ ـ منهج مستند الشيعة :

كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة للشيخ محمّد مهدي النراقي (ت١٢٤٥ هـ) في عشرين مجلّداً ، من كتب الفقه الاستدلالي ، امتاز بكثرة

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ / ٦٩.

٤٣

التفريعات وإيراد آراء الفقهاء ، يقوم المصنّف في الغالب وبعد أن يعرّف موضوع البحث بالاتكاء على وسادة فتاوى بقية الفقهاء عن طريق إجماعهم على ذلك أو عن طريق تسمية آرائهم في كتبهم المعروفة ، وغالباً ما يستدلّ المصنّف بالآيات والروايات الصحيحة المسندة عنده ، وتلك قضية اجتهادية محضة ، ولو كان هناك ضعف في سند الرواية فإنّه قد يأخذ بها لأنّها منجبرة بعمل الأصحاب ، وعندها يكون ملزمَاً بالتصريح بمنهجه ذلك بالخصوص ، وعندما يتهيّأ له ثبوت الدليل وقوّته يقوم عندئذ بنسف حجِّية الدليل الأضعف عبر دحضه من مختلف الجهات العلمية ، كحمله على التقية ، أو منافاته للإجماع المتّفق عليه ، أو القصور في فهم الأخبار العلاجية ، أو فقدان المرجّحات المنصوصة. وربّما استدلّ بالقرائن الموضوعية أو الشرعية والقواعد الأصولية كالاستصحاب.

نماذج من منهجه :

ويمكننا عرض منهج مستند الشيعة عبر النماذج التالية :

النموذج الأوّل : حرمة الفقاع : الفقاع هو الشراب المستخلص من ماء الشعير ، وقد اختلف الفقهاء في نجاسته ، فمنهم من قال بنجاسته ، ومنهم من قال بطهارته. والفقاع على قسمين : مسكر وغير مسكر ، فإذا كان مسكراً فهو نجس بالإجماع بدليل قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوْهُ) (١). ومن أجل الإلمام بأطراف المسألة قام المصنّف أوّلاً بعرض الرأي الأوّل القائل بنجاسة الفقاع ، ثمّ قام ثانياً بعرض الرأي الثاني القائل بطهارة الفقاع ومناقشته ، ثمّ

__________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٩٢.

٤٤

ثالثاً بعرض الرأي الراجح عنده من الناحية الشرعية ومستنداً على الأخبار العلاجيةوموافقة الكتاب والشهرة القوية التي تكاد تبلغ حدّ الإجماع.

أوّلاً : الإستدلال على نجاسة الفقاع. يقول في الفقاع :

«... وهو ـ ما سمّي عرفاً ، أو ما يؤخذ من ماء الشعير فقط ، أو مع غيره ـ نجس بالإجماع المحقِّق والمحكي عن المبسوط والخلاف والانتصار والغنيةوالمنتهى والتذكرة والنهاية للفاضل وغيرها ، سواء أسكر أم لا. وتدلّ عليه روايتا أبي جميلة والقلانسي المنجبرتان بالعمل.

وأمّا الأوّل : فهو أيضاً نجس عند السواد الأعظم من الفريقين ، وعليها الإجماع عن الخلاف والمبسوط والنزهة والسيّد والحلّي وابن زهرة والفاضل وولده وغيرهم ، بل الخامس نسب إلى المخالف خلاف إجماع المسلمين ، وهو الحجّة فيه.

مضافاً إلى قوله سبحانه : (فَاجْتَنِبُوْه) فإنّ الاجتناب الإمتناع عمّا يوجب القرب منه مطلقاً ، ولا معنى للنَّجس إلاّ ذلك. وحمل الاجتناب المطلق على بعض أفراده تحكّم. وعدم وجوب الاجتناب عن النجس في جميع الأحوال أو عن ملاقاة الأنصاب والأزلام بدليل لا يوجب خروج باقي الأفراد. وإخراج ملاقاة النجس عن الأفراد المتعارفة مكابرة.

والأخبار المستفيضة بل المتواترة معنىً الواردة في موارد متعدِّدة المتضمِّنة للأمر بغسل الثوب منها ، أو إعادة الصّلاة مع الثوب الذي أصابته ، أوغسل إنائها ثلاثاً أو سبعاً ، أو إهراق حُبّ أو قدر فيه لحم ومرق كثير قطرت فيه قطرة منها مع كونها مستهلكة فيه. وللنّهي عن الأكل في آنية أهل الذمّة التي يشربون فيها الخمر ، وعن الصّلاة في ثوب أصابته ، معلِّلاً بأنّها

٤٥

رجس» (١).

وهنا استدل المصنِّف بنجاسة الفقاع عن طريق :

١ ـ الإجماع المحقَّق.

٢ ـ روايتي أبي جميلة والقلانسي.

٣ ـ الدليل القرآني بالاجتناب.

٤ ـ الأخبار الواردة في غسل الثوب منه ... الخ

٥ ـ النهي عن آنية أهل الذمّة الملوثة بالخمر.

لكنّه في نفس الوقت ناقش موضوع الإجتناب في قوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوْه) وحصره بموضوع الإمتناع لا النجاسة ، ثمّ احتجّ على أنّ الإجتناب المطلق لا يمكن أن يحمل على جميع أفراد الفقاع ، ففيه الطاهر وفيه النجس.

ثانياً : مناقشة الأدلّة القائلة بطهارة الفقّاع وتفنيدها ، وذكر من حكم بطهارة الفقّاع قائلا :

«... خلافاً للمحكي عن الصدوق والعماني والجعفي فقالوا بطهارتها ، ويظهر من جماعة من المتأخِّرين كالأردبيلي وصاحبي المدارك والذخيرة والمحقِّق الخوانساري الميل إليها لأخبار متكثِّرة أيضاً ، أصرحها دلالةً ما يدلّ على جواز الصّلاة في الثوب الذي أصابته قبل غسله ، وفي بعضها : (إنّ الله حرّم شربها دون لبسها والصّلاة فيها) ، بترجيح هذه الأخبار بموافقة الأصل والاستصحاب ، وكونها قرينةً لحمل الأخبار المتقدّمة على التقية أو الاستحباب.

__________________

(١) مستند الشيعة ١ / ١٩٠.

٤٦

وفيه ـ مع عدم صلاحية كثير منها للتقية ، حيث يتضمّن حرمة الجري أوالنبيذ أو نجاسة أهل الكتاب ، ولا للحمل على الاستحباب ، للأمر بإعادة الصّلاة المنفي استحبابها بعد صحّتها بالإجماع ـ أنّ الحمل على أحدهما أو الرجوع إلى الأصل إنّما يكون فيما لم يكن هناك دليل على علاج آخر ، وأمّا معه فكيف يمكن طرحه؟!

والعجب من هؤلاء المائلين إلى طهارتها أنّ رجوعهم إلى أحد هذه الأمور في مقام التعارض لا يكون إلاّ بعد اليأس عن العلاجات الواردة في الأخبار العلاجية العامّة.

مع أنّ الخبر العلاجي في خصوص اختلاف الأخبار في المقام وارد ، وهي صحيحة عليّ بن مهزيار ، قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمّد إلى أبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك روى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما‌السلام في الخمر يصيب ثوب الرجل أنّهما قالا : (لا بأس أن يصلّي فيها ، إنّما حرّم شربها). وروى غير زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : (إذا أصاب ثوبك خمرأو نبيذ ـ يعني المسكر ـ فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلَّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك) فأعلمني ما آخذ به؟ فوقّع بخطِّه عليه‌السلام : (خذ بقول أبي عبد الله عليه‌السلام). وظاهر أنّ المراد قوله منفرداً.

وخبر خيران الخادم من أصحاب أبي الحسن الثالث صلوات الله عليه : كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلِّ فيه فإنّ الله إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ؛ فكتب عليه‌السلام : (لا تصلّ فيه

٤٧

فإنّه رجس)» (١).

واستدلّ المصنِّف بضعف الرأي القائل بطهارة الفقاع عبر الموارد التالية :

١ ـ الأخذ بالروايات الواردة بجواز الصّلاة في ثوب أصابته قبل غسله ، لا لقوّتها سنداً بل لحمل الأخبار المتقدّمة عليها على التقية.

٢ ـ عدم الالتفات إلى الأخبار العلاجية في المقام.

٣ ـ عدم الالتفات إلى موارد التقية.

ثالثاً : الترجيح الشرعي : وبعد أن أوصل المصنّف البحث إلى هذا المستوى قدَّم لنا ترجيحه الشرعي فقال :

«هذا ، مع أنّه لو قطع النظر عن ذلك وانحصر الأمر بالمرجّحات العامّة لكان الترجيح مع أخبار النجاسة أيضاً ؛ لموافقة الكتاب التي هي أقوى المرجّحات المنصوصة ، والمخالفة لمذهب أكثر العامّة ـ كما هي عن الاستبصار محكية وإن كان الظاهر من كلام جماعة خلافه ـ ولما هو أميل إليه حكّام أهل الجور وذوو الشوكة منهم من طهارة الخمر ، حيث إنّ ولوعهم بشربها وتلوّثهم غالباً بها مع نجاستها يورث مهانةً لهم في أنظار العوامِّ والحكم ببطلان صلاتهم وصلاة من كان يقتدي بهم والإزدراء والاستخفاف بهم ، فالحكم بالنجاسة مخالف للتقية ، بخلاف الحرمة حيث كانت ضرورية من الدين منسوباً مخالفه إلى الإلحاد ، فلم تكن بهذه المثابة. واعتضادها بالشهرة القوية التي كادت أن تبلغ حدّ الإجماع ، مع أنّ من المرجّحات المنصوصة التي عمل بها جماعة من الأصحاب الأخذ بالأخير ،

__________________

(١) مستند الشيعة ١ / ١٩٢.

٤٨

ولاريب أنّ صحيحة ابن مهزيار وخبر خيران قد تضمّنا ذلك ؛ فالمسألة بحمدالله واضحة غاية الوضوح» (١).

النموذج الثاني : نجاسة النبيذ : والنبيذ كالفقاع مثال آخر على ثبوت نجاسته عند المصنِّف وكونه خمراً بالنصوص المتعاضدة ، فاستند المصنِّف على قواعد فقهية أو أصولية كالإجماع والاستصحاب وانجبار الرواية بعمل الأصحاب وقاعدة الصواب ما خالف رأي مذاهب العامّة ونحوها.

قال المصنّف في النبيذ هو : «كلُّ ما يعمل من الأشربة كما صرّح به الجوهري والطريحي. ولو قيل باختصاصه بنوع خاصٍّ منه ـ كما استعمل في بعض الأخبار ـ يتمّ المطلوب بعدم الفصل. مع أنّ الآية تعمّ الجميع بضميمة ماورد في تفسيره ـ المنجبر بالعمل بل بإجماع المفسرين ـ كالمروي في تفسيرالقمّي في بيان قوله تعالى : (إنّما الْخَمْرُ ...) إلى آخره : (أمّا الخمر فكلُّ مسكر من الشراب إذا خُمِّر فهو خمر) (٢).

ويدلّ عليه أيضاً تصريح الأخبار بأنّ كلَّ مسكر خمر (٣) بالتقريب المتقدِّم في الميتة ، لا كونه خمراً لوجود علّة التسمية أو للاستعمال فيه مطلقاً أوبدون القرينة ؛ لضعف الجميع. وأمّا نفي البأس في بعض الأخبار عن إصابة المسكر والنبيذ الثوب فغير دالٍّ على الطهارة. وتجويز الصّلاة في ثوب أصابه مطلق النبيذ أو الشرب من حبّ قطرت فيه قطرة منه محمول على النبيذ الحلال.

نعم ، في قرب الإسناد للحميري : عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب

__________________

(١) مستند الشيعة ١ / ١٩١ ـ ١٩٣.

(٢) الوسائل ٢٥ / ٢٨٠ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١ ح٥.

(٣) الوسائل ٢٥ / ٣٢٦ أبواب الأشربة المحرّمة ب ١٥ ح ٥.

٤٩

ثوبي أغسله أو اُصلّي فيه؟ قال : (صلّ فيه إلاّ أن تقذِّره فتغسل منه موضع الأثر) (١).

وهو مع ضعفه وموافقته لمذهب أبي حنيفة في المائعات المسكرة الذي هو المتداول في زمانهم ـ بل لكلِّ العامّة في خصوص النبيذ ـ معارض لماتقدّم مرجوح منه بما ذكر.

وإنّما خصّصنا بالمائعة بالأصالة ؛ لطهارة غيرها من المائعة عرضاً ، أو غيرالمائعة ، بالأصل السالم عن المعارض ؛ لأنّ ما يدلّ من الأخبار على النجاسة مخصوص بالنبيذ الصريح في المائع بالأصالة ، وما ليس بمخصوص غير صالح لإثبات النجاسة ، لخلوّه عن دالّ على وجوب الغسل.

نعم ، نقل شيخنا البهائي ـ وتبعه جمع ممّن تأخّر عنه ـ عن التهذيب موثقة الساباطي : (لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، فإن لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كلّه ، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك). ولكنّي لم أعثر عليها لا في التهذيب ولا في غيره من كتب الأخبار.

وأمّا الجامد بالعرض فهو نجس للاستصحاب» (٢).

ونستفيد ممّا عرضه المصنّف :

١ ـ إنّ عموم آية (إنّما الْخَمْرُ ...) يشمل النبيذ لأنّه مسكر ، وكلُّ مسكريعدُّ خمراً.

__________________

(١) الوسائل ٣ / ٤٧٢ أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ١٤.

(٢) مستند الشيعة ١ / ١٩٤ ـ ١٩٥.

٥٠

٢ ـ إنّ الروايات الواردة في طهارة النبيذ ضعيفة ، بل هي موافقة لمذاهب العامّة.

٣ ـ إنّ النجاسة تعمّ مطلق النبيذ مائعاً كان أو جامداً ، سائلاً كان أو صلباً.

الاستنتاج :

وبالإجمال : فإنّ المنهج الاستدلالي الموسوعي في المدرسة الإمامية تميّزبالشمولية والسعة في فهم المسألة الفقهية والاستدلال عليها بالطريق المعهود بين الفقهاء عن طريق تطبيق الأصول على الفروع ، وقد ربط جميع أهل العلم والمعرفة قدماء الفقهاء بمتأخِّريهم ولم يشذّ عن تلك القاعدة أحد ، فالفاضل الهندي ينقل ما قاله ابن أبي عقيل وابن الجنيد والصدوقان ، والشّيخ صاحب الجواهر ينقل ما قاله الشّيخ المفيد والسيّد المرتضى والشّيخ الطّوسي ، والسيّد العاملي ينقل ما قاله المحقّق الحلّي والعلاّمة والشّهيد الأوّل والثاني. وهكذا نجد المدرسة الفقهية الاستدلالية الإمامية مترابطة ومتماسكة تماسكاً محكماً في الفتوى ونقل الأحكام وتسلسل الأفكار ونقد الآراء وتحكيم الأصول.

وللبحث صلة ...

٥١

المنهج التاريخي في كتابي

ابن المطهّر وابن داود الحلّيّين

في علم الرجال

(٢)

سامي حمود الحاج جاسم

لقد تعرّضنا في العدد السابق إلى علم الرجال عند الإمامية ، وكان الفصل الأوّل منه لبيان تعريف علم الرجال عند الإمامية وأهميّته وبداياته التاريخية ، وتناول الفصل الثاني علاقة علم الرجال بالعلوم الأخرى ومعالم هذاالعلم ومناهجه ، ونستأنف البحث هنا.

الفصل الثالث

ألفاظ الجرح والتعديل والتوثيقات الخاصّة والعامّة

عند مصنّفي رجال الإمامية

لقد اصطلح علماء الحديث والرجال ألفاظاً في التزكية والمدح وألفاظاًفي الجرح والذمّ (١) ، بعضها صريح والآخر غير صريح (٢) ، فمن الواجب على الفقيه معرفة أحوال الرجال في الجرح والتعديل ونحوها ليميّز

__________________

(١) دروس موجزة في علمي الرجال والدراية : ١٤٧.

(٢) منتهى المقال في الدراية والرجال : ٩٥.

٥٢

صحيح الحديث من ضعيفه وإن اشتمل على القدح في المسلم المستور ، ولكن يجب التثبّت فقد أخطأ فيه كثير(١) ، وإنّ هذا الأمر بالغ الأهمّية في بحث الرجال ، بل هو وتد الاستنباط الرجالي ، إذ المتتبّع للمفردة الرجالية لا يمكنه أن يقف على واقع حالها إلاّ عبر ألفاظ الجرح والتعديل التي ذكرها متقدّم وهذا الفنّ ، وإلاّ اشتبه عليه الأمر فيحسب ما هو تعديل جرحاً وبالعكس ، فلابدّ من التدقيق في معاني الألفاظ المصطلحة عند الرجاليّين كي يصل الباحث إلى الرواية الواضحة الصحيحة عن المفردة الرجالية(٢) ، فضلاعمّا تقدّم فإنّ أهمّية البحث في هذه الألفاظ تكمن في أنّ شهادة العدل الواحد هي إحدى الطرق لمعرفة حال الراوي من حيث العدالة وغيرهاممّا يفيد في تقويم الرواية قبولاً وردّاً(٣).

وسوف نأتي على قسم من هذه الألفاظ المعدّلة والجارحة ـ فضلا عن بعض التوثيقات الخاصّة والعامّة ـ التي هي غير محصورة بلفظ معيّن لما لهامن علاقة ببعض الضوابط الرجالية ، ومنها العروج على تقسيمات الرجاليّين القدامى والمتأخّرين ومشروعيّتها.

__________________

(١) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٦١. وشدّد بعض العلماء على أهمّية التأنّي في الجرح واتّباع الطرق السليمة ، إذ قال الشافعي : «ولا نقبل الجرح من الجارح إلاّ بتفسيرما يجرح به الجارح المجروح ، فإنّ الناس قد يجرحون بالاختلاف والأهواء ويكفّر بعضهم خطأً ويضلّل بعضهم بعضاً ويجرحون بالتأويل ، فلا يقبل الجرح إلاّ بنصّ ما يرى هو مثله سواء أكان الجارح فقيهاً أو غير فقيه لما وصفت من التأويل» ، ينظر : الأم٧/٥٣.

(٢) بحوث في مباني علم الرجال : ٣١١.

(٣) دروس في علم الدراية : ١٢٧.

٥٣

أوّلا : ألفاظ التعديل والجرح :

١ ـ ألفاظ التعديل :

ونسوق قسماً من هذه الألفاظ ، وهي ما يأتي :

ـ بصير بالحديث :

وهي تدلّ على المدح المعتبر وقوّة الرواية(١) ولا تفيد التوثيق ، لأنّ صلاح الحديث أمر إضافيّ ، فهي تفيد المدح فقط(٢).

ـ ثبت :

من أقوى مراتب التوثيق(٣) ، وهناك من قال : إنّه من ألفاظ التوثيق والمدح(٤) ، وآخر يقول : إنّه من ألفاظ المدح من دون التوثيق(٥) ، واستعمل في عدّة معان هي الحجّة والبيّنة والثقة العادل الإمامي الضابط المعتمد في النقل(٦) ، وهو يدلّ على ثبوت التثبّت في الحديث ودوامه ، إذ لا ينقل إلاّ عن اطمئنان واعتقاد ، ورجل ثبت أي متثبت في الأمر(٧).

ـ ثقة ، ثقة ثقة ، ثقة ثبت ، ثقة في الحديث والرواية ، ثقة في نفسه : التوثيق بهذه الألفاظ يوجب الوثوق والاعتبار ، وهو المعيار الشائع

__________________

(١) الفوائد الرجالية : ٤٦ ـ ٤٧.

(٢) منتهى المقال : ١٠٢ ، معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٣٤.

(٣) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٩٢.

(٤) الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٥) الدراية : ١٢٠.

(٦) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٤٥.

(٧) دروس موجزة في علمي الرجال والدراية : ١٥٣ ، وينظر : خلاصة الأقوال : ١٩٣ وما بعدها ، الشرح والتعليل لألفاظ الجرح والتعديل : ٧٨.

٥٤

في باب التوثيقات(١) ، وهي (ثقة) أعلى مرتبة ، وقد يكون بالتكرار (ثقة ثقة) ، أو إضافة (ثبت) و (ورع) وغيرهما ممّا يدلّ على علوّ شأنه(٢) وزيادة في المدح(٣) ، وهذه الألفاظ من ألفاظ التوثيق والمدح(٤) ، وهي من أكبر العبارات صراحة في التوثيق بل التعديل ، وتكرار لفظ الثقة زيادة حسن الرجل(٥) ، وتدلّ على كون الراوي ضابطاً وإماميّاً وعادلا(٦) ، وثقة في حديثه وفي الرواية معناه أنّ الراوي صدوق ضابط لا يروي عن الضعفاء أو أنّه صادق اللهجة وإن روى عن ضعيف ، أمّا ثقة في نفسه فيدلّ بتخصيص الوثاقة بنفس الراوي لاستعمالهم ذلك فيمن يروي عن الضعفاء(٧).

ـ جليل ، جليل القدر :

إنّ تقييم هذه اللفظة محطّ جدال ، فهناك من يرى أنّه كاشف عن الوثاقة لأنّه وصف يدلّ على بلوغ منزلة عليا زائدة على الوثاقة(٨) ، وهناك من يرى أنّه يفيد المدح المعتدّ به(٩) أو المقبول(١٠) أو يفيد التوثيق

__________________

(١) الفوائد الرجالية : ٤٥.

(٢) وصول الأخيار : ٩٢.

(٣) الدراية : ١٢٠.

(٤) الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٥) منتهى المقال : ٩٥.

(٦) دروس في علم الدراية : ١٢٩ ، معجم مصطلحات : ٤٦.

(٧) منتهى المقال : ٩٥ ، معجم مصطلحات : ٤٧ ، معجم مصطلحات توثيق الحديث : ٢٤ ، وينظر : خلاصة الأقوال : ٩٧ ، رجال ابن داود : ٢٩ وما بعدها.

(٨) منتهى المقال : ١٠٢.

(٩) فائق المقال : ٣٤ ، دروس في علم الرجال : ١٥٣.

(١٠) الفوائد الرجالية : ٤٦.

٥٥

والمدح(١) ، وآخريقول : إنّه لا يفيد المدح ولا التعديل(٢).

ـ شيخ ، شيخ الإجازة ، شيخ الطائفة ، أو من أجلاّئها أو معتمدها :

إنّ دلالة كلّ منها على المدح المعتدّ به ظاهرة لا ريب فيها ، وقد استعملهاأصحابنا فيمن هو غنيّ عن التوثيق لشهرته إيماءً إلى أنّ التوثيق دون مرتبته(٣). ولفظ (شيخ) من ألفاظ التوثيق والمدح(٤) ، وهي إشارة إلى الوثاقة الظاهرة فضلا عن الجلالة(٥) ، وتدلّ على التوثيق(٦).

ـ صاحب الإمام ، صاحب سرّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، من أولياء أمير المؤمنين عليه‌السلام :

وهي تدلّ على المدح المعتدّ به فضلا عن أنّ صاحب السرّ مرتبة فوق مرتبة العدالة(٧) ، وهي من الألفاظ المفيدة للتوثيق ، لأنّ الإمام لا يضع سرّه عند فاسق ولا عند ثقة ما لم يكن قد وصل إلى حدّ يحتمل ذلك ويستحقّه(٨) ، فهو يفيد ما فوق التوثيق ، فإنّ تحميل السرّ إنّما يكون لمن هو فوق العدالة(٩). أمّا عن لفظ (ولي) فإنّها منزلة أعظم من الصحبة لا ينالها من وصل إلى درجة تؤهّله إلى ذلك ، وهي أعظم من الوثاقة(١٠) ، وصاحب الإمام

__________________

(١) الدراية : ١٢١ ، الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٢) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٥٠.

(٣) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٩٢ ، دروس في علم الرجال والدراية : ١٥٢.

(٤) الرواشح السماوية : ١٠٣ ، وينظر : الدراية : ١٢٠.

(٥) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٨٣ ، وينظر : دروس في علم الدراية : ١٣٩ ـ ١٤٠.

(٦) فائق المقال : ٣٤ ، الفوائد الرجالية : ٤٦.

(٧) دروس موجزة في علمي الرجال والدراية : ١٥١.

(٨) منتهى المقال : ٩٩.

(٩) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٨٦.

(١٠) منتهى المقال : ١٠٠.

٥٦

فيه إشعار بمدح ، وزعم بعضهم أنّه يزيد على التوثيق(١).

ـ صدق ، محلّه الصدق :

وهي من ألفاظ المدح لأنّ الوثاقة هي الصدق ، ومحلّ الصدق تدلّ على الوثاقة لأنّ غير الثقة ليس محلّه الصدق ، وهما من ألفاظ التوثيق ، فالصدوق مبالغة في الصدق ، وكذلك محلّه الصدق فيه مبالغة(٢).

وكثرة الصدق يفيد المدح المعتدّ به دون التوثيق(٣) أو العدالة(٤) ، وقيل : إنّه من ألفاظ التوثيق والمدح المطلق(٥) ، وهناك من يقول : إنّه من ألفاظ التوثيق والمدح(٦) ، ويدخل ذلك في قسم الحسن(٧).

ـ ضابط :

والمراد به من يغلب ذكره سهوه لا من لا يسهو أصلا(٨) ، وهو يفيد المدح دون التعديل(٩) ، وقيل : من ألفاظ التوثيق والمدح(١٠).

__________________

(١) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٨٥.

(٢) منتهى المقال : ١٠١ ـ ١٠٢.

(٣) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٨٩.

(٤) دراسات موجزة في علم الرجال والدراية : ١٥٣.

(٥) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٨٩.

(٦) الدراية : ١٢٠ ، الاسترابادي : ١٠٣ ، فائق المقال : ٣٤.

(٧) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٩٢ ، وينظر : خلاصة الأقوال : ١٤٥ وما بعدها ، معجم مصطلحات توثيق الحديث : ٤٦. ومن مصادر الجمهور ينظر : مقدّمة لمعرفة كتاب الجرح والتعديل ١/١٤٣ ، هدي الساري مقدّمة لفتح الباري بشرح صحيح البخاري : ١٤٧.

(٨) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٩١ ـ ٩٢.

(٩) الدراية : ١٢٠ ، منتهى المقال : ١٠١.

(١٠) فائق المقال : ٣٤ ، وينظر : وصول الأخيار إلى أصول الأخبار : ١٩٢.

٥٧

ـ عالم :

وهذا اللفظ محلّ خلاف بين أرباب الرجال ، فهناك من عدّه من ألفاظ التوثيق والمدح(١) ، وهناك من يقول : إنّه من الألفاظ التي لا تفيد المدح ولا التعديل(٢) ، وآخر يقول : إنّه يفيد المدح والقبول(٣).

ـ عدل :

وهو من الأقوال الدالّة بصراحة على قول المعدّل وتدلّ على العدالة(٤) ، وهو من أكبر العبارات صراحة في التوثيق بل التعديل ، لأنّ المراد بـ(الثقة) عند الرجاليّين العدالة(٥) ، وقيل : من ألفاظ التعديل ومتّفق ثبوت التعديل به(٦) ، وهو من ألفاظ التوثيق والمدح(٧).

ـ عين ، من عيون أصحابنا :

والمراد منها خيار القوم وأفاضلهم وأشرافهم تشبيهاً لها بالعين التي هي من أشرف الأعضاء(٨) ، وهذان اللفظان يفيدان التوثيق لأنّهما يعبّران عن مكانة الرجل وطبقته(٩) ، وتفيد لفظة (عين) المدح ولا تكشف عن الوثاقة ، فكون الرجل وجهاً وعيناً لا يلازم ذلك(١٠) ، وهي من ألفاظ التوثيق

__________________

(١) الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٢) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ٩٩ ـ ١٠٠.

(٣) الدراية : ٤٦.

(٤) الدراية : ١٢٠.

(٥) منتهى المقال : ٩٥ ، دروس في علم الدراية : ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٦) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٧) الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٨) دروس في علمي الرجال والدراية : ١٥٠.

(٩) دروس في الدراية : ١٣٨.

(١٠) منتهى المقال : ٩٧.

٥٨

والمدح(١) أو من ألفاظ التعديل ، وقيل : من ألفاظ المدح(٢). أمّا لفظ (من عيون أصحابنا) فهو من ألفاظ المدح(٣).

ـ فاضل :

وهذا اللفظ يفيد المدح ، وقد يتوهّم أنّ كلمة فاضل تفيد التوثيق لأنّه وصف مشتق من الفضل ، لكنّه ليس كذلك ، إذ المراد به الفضل في العلم وهوبهذا المعنى أعمّ من الثقة وغيره(٤) ، ويدلّ اللفظ على عمومية ، لأنّ مرجع الفضل إلى العلم وهو يجمع الضعف بكثرة(٥) ، وهو يفيد المدح المقبول(٦) أو المطلق(٧) ، وهو يختلف في ثبوت التعديل به ، وقيل : إنّه من ألفاظ التوثيق(٨) أو التوثيق والمدح(٩).

ـ قريب الأمر :

وهو من ألفاظ المدح ولا يكشف عن الوثاقة ، ولو كان واصلاً للوثاقة لماقيل : هو قريب منه ، بل قد يشعر الأمر بالعكس لأنّه نفي عن الوصول(١٠) ، والمراد به أنّ الراوي على خلاف المذهب لكنّه ليس بذلك البعد والمباينة بل هو قريب ، واقتضاؤه أن يكون إماميّاً غير ممدوح ولا

__________________

(١) الرواشح السماوية : ١٠٣.

(٢) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٠٧.

(٣) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٠٧.

(٤) منتهى المقال : ١٠٣.

(٥) الدراية : ١٢٢.

(٦) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١١٣.

(٧) فائق المقال : ٣٤.

(٨) الفوائد الرجالية : ٤٦ ، معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١١٣.

(٩) الرواشح السماوية : ١٠٣ ، معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١١٣.

(١٠) منتهى المقال : ١٠٤.

٥٩

مقدوح(١) ، وهو من ألفاظ التوثيق والمدح(٢) ، ويفيد المدح من دون التعديل(٣).

ـ كثير المنزلة :

أي عالي الرتبة ، وهو من ألفاظ المدح المعتدّ به لقولهم عليهم‌السلام : «اعرفوا منازل الناس على قدر روايتهم عنّا»(٤) ، وهي ليست من ألفاظ التوثيق بل تعطي معنى المدح ، وذلك لأنّ المراد به علوّ المرتبة ، وعلوّها لا يلازم الوثاقة(٥).

ـ لا بأس به :

وهو يفيد مطلق المدح ، وأمّا استفادة الوثاقة بمعنى العدالة فلا يدلّ عليها(٦) ، ومعناه ليس بظاهر الضعف ولا يدلّ على الوثاقة(٧) ، أي لا مكروه في هولا رداءة ولا خوف ، وهو على المشهور يفيد المدح(٨) ، وقيل : من ألفاظ التوثيق والمدح(٩).

ـ متقن :

وهو يفيد المدح إذا أتقن أخذ الرواية ونقلها(١٠) ، ويفيد الحسن إذا

__________________

(١) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٢٠.

(٢) الرواشح السماوية : ١٠٣ ، فائق المقال : ٣٣.

(٣) الدراية : ١٢١.

(٤) دراسات في الرجال والدراية : ١٥٤.

(٥) منتهى المقال : ١٠٥ ، وينظر : معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٢٧.

(٦) موجز في علمي الرجال والدراية : ١٥٢.

(٧) الدراية : ١٢٠ ـ ١٢١.

(٨) معجم مصطلحات الرجال والدراية : ١٣٣.

(٩) الرواشح السماوية : ١٠٣ ، فائق المقال : ٣٤.

(١٠) دروس موجزة في علمي الرجال والدراية : ١٥٢.

٦٠