السيّد علي الحسيني الميلاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠
كتاب الحسين بن الحسن.
أبو معين الرازي : سمعت ابن المديني يقول : ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد ، وبلغني أنه لا يحدّث إلاّ من كتاب ، ولنا فيه أسوة.
وعنه قال : أحمد اليوم حجة الله تعالى على خلقه.
أخبرنا عمر بن عبد المنعم ، عن أبي اليمن الكندي ، أنبأنا عبد الملك بن أبي القاسم ، أنبأنا أبو إسماعيل الأنصاري ، أنبأنا أبو يعقوب القراب ، أنبأنا محمّد ابن عبد الله الجوزقي ، سمعت أبا حامد الشرقي ، سمعت أحمد بن سلمة ، سمعت أحمد بن عاصم ، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاّم يقول : انتهى العلم إلى أربعة : أحمد بن حنبل وهو أفقههم فيه ، وإلى ابن أبي شيبة وهو أحفظهم ، وإلى علي بن المديني وهو أعلمهم به ، وإلى يحيى بن معين وهو أكتبهم له.
إسحاق المنجنيقي ، أنبأنا القاسم بن محمّد المؤدب ، عن محمّد بن أبي بشر ، قال : أتيت أحمد بن حنبل في مسألة فقال : رأيت عبيد فإنّ له بيانا لا تسمعه من غيره ، فأتيته فشفاني جوابه ، فأخبرته بقول أحمد ، فقال : ذاك رجل من عمّال الله ، نشر الله تعالى رداء علمه وذخر له عنده الزلفى ، أما تراه محببا مألوفا ، ما رأت عيني بالعراق رجلا اجتمعت فيه خصال هي فيه ، فبارك الله تعالى له فيما أعطاه من الحلم والعلم والفهم ...
وبإسنادي إلى أبي إسماعيل الأنصاري ، أنبأ إسماعيل بن إبراهيم ، أنبأ نصر ابن أبي نصر الطوسي ، سمعت علي بن أحمد بن حشيش ، سمعت أبا الحديث الصوفي بمصر عن أبيه عن المزني يقول : أحمد بن حنبل يوم المحنة وأبو بكر يوم الردة وعمر يوم السقيفة وعثمان يوم الدار وعلي يوم صفين.
قال أحمد بن محمّد الرشديني ، سمعت أحمد بن صالح المصري يقول : ما رأيت بالعراق مثل هذين : أحمد بن حنبل ومحمّد بن عبد الله بن نمير ، رجلين جامعين لم أر مثلهما بالعراق.
وروى أحمد بن سلمة النيسابوري عن ابن وارة قال : أحمد بن حنبل
ببغداد ، وأحمد بن صالح بمصر ، وأبو جعفر النفيلي بحرّان ، وابن نمير بالكوفة. هؤلاء أركان الدين.
وقال علي بن الجنيد الرازي : سمعت أبا جعفر النفيلي يقول : كان أحمد بن حنبل من أعلام الدين.
وعن محمّد بن مصعب العابد قال : لسوط ضرب به أحمد بن حنبل في الله تعالى أكبر من أيام بشر بن الحارث الحافي.
قال أبو عبد الرحمن النهاوندي : سمعت يعقوب الفسوي يقول : كتبت عن ألف شيخ ، حجتي فيما بيني وبين الله رجلان : أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح.
وبالإسناد إلى الأنصاري شيخ الإسلام ، أنبأ أبو يعقوب ، أنبأ منصور بن عبد الله الذهلي ، أنبأ محمّد بن الحسن بن علي البخاري ، سمعت محمّد بن إبراهيم البوشنجي ، وذكر أحمد بن حنبل فقال : هو عندي أفضل وأفقه من سفيان الثوري ، وذلك أن سفيان لم يمتحن بمثل ما امتحن به أحمد ، ولا علم سفيان ومن تقدّم من فقهاء الأمصار بعلم احمد بن حنبل ، لأنه كان أجمع بها وأبصر بأغاليطهم وصدوقهم وكذوبهم.
قال : ولقد بلغني عن بشر بن الحارث أنه قال : قام أحمد مقام الأنبياء. وأحمد عندنا امتحن بالسرّاء والضرّاء فكان فيهما معتصما بالله تعالى.
قال أبو يحيى الناقد : كنا عند ابراهيم بن عرعرة فذكروا علي بن عاصم فقال رجل : أحمد بن حنبل يضعّفه. فقال رجل : وما يضرّه إذا كان ثقة! فقال ابن عرعرة : والله لو تكلّم أحمد في علقمة والأسود لغيّرهما.
وقال الخشني : سمعت إسماعيل بن الخليل يقول : لو كان أحمد بن حنبل في بني إسرائيل لكان آية ... » (١).
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١١ / ١٧٧.
رواية أحمد دليل على صحة الحديث
ثم إنّ مجرّد رواية أحمد لحديث من الأحاديث دليل على ثبوته واعتباره عند المحققين من أهل السنة ، فقد استشهد الخوارزمي المكي ـ عند الكلام على فضائل علي عليهالسلام ، وأنها لا تحصى كثرة بعد رواية أحاديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دالة على هذا المعنى ـ بكلام رواه عن أحمد بن حنبل هذا نصه :
« ويدلّك على ذلك : ما روي عن الامام الحافظ أحمد بن حنبل ـ وهو كما عرف أصحاب الحديث : قريع أقرانه ، وإمام زمانه ، والفارس الذي يكب فرسان الحفاظ في ميدانه ، وروايته فيه رضياللهعنه مقبولة ، وعلى كاهل التصديق محمولة ، لما علم أن الامام أحمد بن حنبل ومن احتذى على مثاله ونسج على منواله وحطب في حبله وانضوى إلى حفله ، مالوا إلى تفضيل الشيخين رضوان الله عليهما ، فجاءت روايته فيه كعمود الصباح لا يمكن ستره بالراح ـ وهو :
ما رواه الشيخ الامام الزاهد فخر الأئمة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي الخوارزمي رحمه الله تعالى إجازة قال : أخبرنا الشيخ الامام أبو محمّد الحسن ابن أحمد السمرقندي قال : أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن محمّد ابن عبدان العطار ، وإسماعيل بن أبي نصر عبد الرحمن الصابوني ، وأحمد بن الحسين البيهقي قالوا جميعا : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت القاضي الامام أبا الحسن علي بن الحسين ، وأبا الحسن محمّد بن المظفر الحافظ يقولان : سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول : سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول :
ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الفضائل ما
جاء لعلي بن أبي طالب » (١).
إذن ... كلّ ما روى أحمد في أمير المؤمنين عليهالسلام مقبول وعلى كاهل التصديق محمول ...
وبمثله صرح الحافظ الكنجي الشافعي حيث قال : « قلت : ذكر فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من آيات القرآن لا يمكن جعله إلاّ في كتاب واحد ، وذكر جميعها يقصر عنه باع الإحصاء. ويدلّك على صدق ما ذهب إليه مؤلف هذا الكتاب محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي عفا الله عنه : ما أخبره الشيخ المقري أبو إسحاق إبراهيم بن بركة الكتبي بالموصل ... عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجنّ حسّاب والإنس كتّاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب.
... ويدلّك على ذلك : ما روينا عن إمام أهل الحديث أحمد بن حنبل ـ وهو أعرف أصحاب الحديث في علم الحديث قريع أقرانه وإمام زمانه ... » (٢). وقال سبط ابن الجوزي : « وأحمد مقلّد في الباب ، متى روى حديثا وجب المصير إلى روايته ، لأنه إمام زمانه ، وعالم أوانه ، والمبرّز في علم النقل على أقرانه ، والفارس الذي لا يجارى في ميدانه ، وهذا هو الجواب عن جميع ما يرد في الباب في أحاديث الكتاب » (٣).
جواب سبط ابن الجوزي عن تضعيف الحديث
« فإن قيل : قد ضعّفوا هذا الحديث. فالجواب : إن الحديث الذي ضعّفوه غير هذه الألفاظ وغير هذا الإسناد ، أما اللّفظ : خلقت أنا وهارون بن عمران
__________________
(١) مناقب أمير المؤمنين / ٣.
(٢) كفاية الطالب / ٢٥٣.
(٣) تذكرة الخواص / ٢٢.
ويحيى بن زكريا وعلي بن أبي طالب من طينة واحدة. وفي رواية : خلقت أنا وعلي من نور كنا عن يمين العرش قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام ، فجعلنا ننقلب في أصلاب الرجال إلى عبد المطلب.
وأما الإسناد فقالوا : في إسناده محمّد بن خلف المروزي وكان مغفلا ، وفيه أيضا جعفر بن أحمد بن بيان وكان شيعيا.
والحديث الذي رويته يخالف هذا اللفظ والاسناد ، لأن رجاله ثقات.
فإن قيل : فعبد الرزاق كان يتشيع.
قلنا : هو أكبر شيوخ أحمد بن حنبل ، ومشى إلى صنعاء من بغداد حتى سمع منه وقال : ما رأيت مثل عبد الرزاق ، ولو كان فيه بدعة لما روى عنه ، وما زال إلى أن مات يروي عنه ، ومعظم الأحاديث التي في المسند رواها من طريقه ، وقد أخرج عنه في الصحيحين » (١).
ترجمة سبط ابن الجوزي
وسبط ابن الجوزي من كبار علماء أهل السنة ومحدّثيهم المعتمدين ، فقد
ترجم له :
١ ـ أبو المؤيد الخوارزمي : « أما السند الأول ـ وهو مسند الأستاذ أبي محمّد الحارثي البخاري ـ فقد أخبرني به الأئمة بقراءتي عليهم : الامام أقضى قضاة الأنام ، أخطب خطباء الشام جمال الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد ابن محمّد بن أبي الفضل الأنصاري الحرستاني ، والشيخ الثقة تقي الدين إسماعيل ابن إبراهيم بن يحيى ... والشيخ الامام شمس الدين يوسف بن عبد الله سبط
__________________
(١) تذكرة خواص الأمة ٤٦ ـ ٤٧.
الامام أبي الفرج ابن الجوزي بقراءتي عليه ... » (١).
وقال في مقام الجواب عمّا ذكر من لحن أبي حنيفة : « والجواب الثاني : إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة ، وانما المنقول عنه : بأبي قبيس. كذا قاله الثقات من أرباب النقل » (٢).
فترى أنه وصفه تارة بـ « الشيخ الامام » وأخرى بـ « الامام الحافظ ».
٢ ـ ابن خلكان قائلا : « الواعظ المشهور ، حنفي المذهب ، وله صيت وسمعة في مجالس وعظه ، وقبول عند الملوك وعيرهم .. ».
كما أنه اعتمد على تاريخه المسمّى بـ « مرآة الزمان » في ترجمة الحلاّج (٣).
ترجمة ابن خلكان
وابن خلكان المتوفى سنة ٦٨١ من أشهر مشاهير أهل السنة ، فقد قال الذهبي بترجمته :
« ابن خلكان قاضي القضاة ... لقي كبار العلماء ، وبرع في الفضائل والآداب ... وكان كريما جوادا سريا ذكيا أخباريا عارفا بأخبار الناس ... » (٤).
وقال أبو الفداء : « القاضي الفاضل المحقق شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلكان البرمكي ، وكان فاضلا عالما ، تولى القضاء بمصر والشام وله مصنفات جليلة مثل وفيات الأعيان وغيره في التاريخ ... » (٥).
وكذا قال ابن الوردي (٦).
__________________
(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ١ / ٧٠.
(٢) المصدر ١ / ٥٤.
(٣) وفيات الأعيان ٣ / ١٤٢ ، وانظر ٢ / ١٥٣.
(٤) العبر في حوادث سنة ٦٨١.
(٥) المختصر ، في حوادث السنة المذكورة.
(٦) تتمة المختصر في حوادث السنة المذكورة.
وقال الصفدي : « ... كان فاضلا بارعا متفقها ، عارفا بالمذاهب ، حسن الفتاوى ، جيد القريحة ، بصيرا بالعربية علامة بالأدب والشعر وأيام الناس ، كثير الاطلاع حلو المذاكرة ، وافر الحرمة ، فيه رئاسة كثيرة ، له كتاب وفيات الأعيان ، وقد اشتهر كثيرا ... » (١).
وقال السبكي : « كان أحنف وقته حلما ، وشافعي زمانه علما ، وحاتم عصره ، إلا أنه لا يقاس به حاتم ... » (٢).
وعن قطب الدين في تاريخ مصر : « كان إماما ، أديبا بارعا ، وحاكما عادلا ، ومؤرخا جامعا ، وله الباع الطويل في الفقه والنحو والأدب ، غزير النقل ، كامل العقل ... » (٣).
وكذا ترجم له وأثنى عليه الأسدي والأسنوي في كتابيهما في ( طبقات الشافعية ) واليافعي في ( مرآة الجنان ) وابن تغري بردي في ( النجوم الزاهرة ) ، والسيوطي في ( حسن المحاضرة ) وغيرهم.
٣ ـ يوسف بن أحمد بن محمّد ترجم لسبط ابن الجوزي في ترجمة « وفيات الأعيان » الى الفارسية.
٤ ـ القطب اليونيني البعلبكي قائلا : « وكان له القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة » (٤).
ترجمة اليونيني
واليونيني المتوفى سنة ٧٢٦ من أعاظم أهل السنة ، فقد قال الذهبي
__________________
(١) الوافي بالوفيات ٧ / ٣٠٨.
(٢) طبقات الشافعية الوسطى ـ مخطوط ـ.
(٣) طبقات الشافعية ٣ / ٢٣.
(٤) ذيل مرآة الزمان ـ مقدّمة الكتاب.
بترجمته :
« موسى بن محمّد بن أبي الحسين ، الامام المؤرخ ، قطب الدين ابن الشيخ الفقيه ، سمع من أبيه وبدمشق من ابن عبد الدائم وشيخ الشيوخ ، وبمصر من ابن صارم ، واختصر مرآة الزمان وذيّل عليه فأجاد ، روى الكثير ببعلبك ، ولد سنة أربعين وستمائة ، وتوفي في شوال سنة ٧٢٦ ، وكان رئيسا محترما » (١).
وقال اليافعي « ومات ببعلبك شيخها الصدر الكبير قطب الدين ...
صاحب التاريخ ... » (٢).
أما ذيله على ( مرآة الزمان ) فقد ذكره الجلبي ، واستحسنه الذهبي ـ كما تقدم ـ وغيره.
٥ ـ أبو الفداء حيث قال : « وفيها توفي الشيخ الدين ... وكان من الوعاظ الفضلاء ، ألّف تاريخا جامعا سمّاه ( مرآة الزمان ) » (٣).
ترجمة أبي الفداء
وأبو الفداء المتوفى سنة ٧٣٢ من أكابر علمائهم ، فقد قال ابن الوردي بترجمته :
« ... وكان سخيا محبا للعلم والعلماء ، متفننا ، يعرف علوما ، وقد رأيت جماعة من ذوي الفضل يزعمون أنه ليس في الملوك بعد المأمون أفضل منه ، رحمه الله تعالى » (٤).
وقال ابن الشحنة : « ... وكان عالما أديبا ، له اليد الطولى في الرياضة
__________________
(١) المعجم المختص : ٢٨٥.
(٢) مرآة الجنان ـ حوادث سنة ٧٢٦.
(٣) المختصر ـ حوادث ٦٥٤.
(٤) تتمة المختصر ـ حوادث ٧٣٢.
والهندسة والهيئة ... » (١).
وقال الكتبي : « الملك المؤيد صاحب حماة ، إسماعيل بن علي ، الامام العالم الفاضل السلطان ... فيه مكارم وفضيلة تامة من فقه وطب وحكمة وغير ذلك ... » (٢).
وقال الأسدي : « ... العالم العلامة المتفنن المصنف ، السلطان المؤيد ، عماد الدين ... اشتغل في العلوم وتفنن منها ، وصنف التصانيف المشهورة ، منها التاريخ » (٣).
وكذا ترجم له ابن حجر العسقلاني وابن تغري بردي.
٦ ـ ابن الوردي قائلا : « فيها توفي الشيخ شمس الدين يوسف سبط جمال الدين ابن الجوزي ، واعظ فاضل ، له مرآة الزمان تاريخ جامع.
قلت : وله تذكرة الخواص من الأمة في ذكر مناقب الأئمة ، والله أعلم » (٤).
ترجمة ابن الوردي
وابن الوردي من كبار الفقهاء المشاهير ، فقد قال ابن حجر العسقلاني بترجمته : « زين الدين ابن الوردي الفقيه الشافعي الشاعر المشهور ، نشأ بحلب وتفقّه بها وفاق الأقران ... » (٥)
وكذا قال ابن قاضي شبهة بعد أن عنونه بـ « الامام العلامة الأديب المؤرّخ ... فقيه حلب ... » (٦)
__________________
(١) روضة المناظر ـ حوادث ٧٣٢.
(٢) فوات الوفيات ١ / ١٨٣.
(٣) طبقات الشافعية ٣ / ١٠٩.
(٤) تتمة المختصر ـ حوادث ٦٥٦.
(٥) الدرر الكامنة ٣ / ٢٧٢.
(٦) طبقات الشافعية ٣ / ١٩٧.
٧ ـ الذهبي حيث قال : « ابن الجوزي ، العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين ... أسمعه جدّه منه ومن ابن كليب وجماعة ، وقدم دمشق سنة بضع وستين فوعظ بها ، وحصل له القبول للطف شمائله وعذوبة وعظه ، وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدا ، وشرح الجامع الكبير ، وجمع مجلدا في مناقب أبي حنيفة ، ودرّس وأفتى ، وكان في شبيبته حنبليا ، توفي في الخامس والعشرين من ذي الحجة ، وكان وافر الحرمة عند الملوك » (١).
٨ ـ الداودي : « يوسف بن قزغلي ، الواعظ المؤرخ ، شمس الدين أبو المظفر سبط الحافظ أبي الفرج ، روى عن جدّه وطائفة ، وألف كتاب مرآة الزمان ، وله تفسير على القرآن العظيم في سبعة وعشرين مجلدا ، وشرح الجامع الكبير ، وكان في شبيبته حنبليا ثم صار حنفيا ، وكان بارعا في الوعظ ، وله القبول التام عند الخاص والعام من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة ، مات بدمشق سنة أربع وخمسين وستمائة » (٢).
٩ ـ الكفوي « ... وكان إماما عالما فقيها واعظا جيّدا مهيبا ... » (٣).
١٠ ـ اليافعي : « العلاّمة الواعظ المؤرخ ... درّس وأفتى ... » (٤).
١١ ـ الفيروزآبادي : « ... أوحد زمانه في الوعظ ... » (٥).
١٢ ـ القاري : « تفقه على الشيخ محمود الحصري ، وأعطي القبول بين الملوك والأمراء والمشايخ والعلماء في الوعظ وغيره ... » (٦).
وغيرهم ... وكلهم أثنوا عليه الثناء البالغ ومدحوه المدح العظيم.
__________________
(١) العبر ـ حوادث سنة ٦٥٤.
(٢) طبقات المفسرين ٢ / ٣٨٣.
(٣) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط.
(٤) مرآة الجنان ـ حوادث ٦٥٤.
(٥) مختصر الجواهر المضية في طبقات الحنفية ـ مخطوط.
(٦) الأثمار الجنية في طبقات الحنفية ـ مخطوط.
طعن الذهبي والصفدي في السّبط
لكن الذهبي والصفدي قد انتقدا السبط وجرحاه ـ جريا على عادتهما في التسرع في الطعن والجرح ـ فقد قال الكفوي ما نصه :
« قال الشيخ صلاح الدين الصفدي ـ بعد أن أثنى على أبي المظفر يوسف ابن قزغلي ـ : وهو صاحب مرآة الزمان ، وأنا ممّن حسده على هذه التسمية ، فإنها لائقة بالتاريخ ، كأن الناظر في التاريخ يعاين من ذكر فيه في مرآة ، إلاّ أن المرآة فيه صدأ المجازفة منه رحمهالله ، في أماكن معروفة.
وقال الذهبي في كتابه المسمى بالميزان : إن يوسف بن قزغلي ألّف مرآة الزمان ، فتراه يأتي بمناكير الحكايات وما أظنه بثقة ، بل يحيف ويجازف ، ثم إنه يترفض. وقال في موضع آخر : كان حنبليا وتحوّل حنفيا للدنيا ».
الدفاع عن السبط
قال الكفوي بعد أن نقل هذا عنهما : « واعلم أن صاحب مرآة الزمان قد كان ناقلا عمّن تقدّمه في التاريخ ، ووظيفته الرواية والعهدة على الراوي ، ونسبته إلى المجازفة جور عليه ، فإنّ التاريخ لا يشترط فيه الأسانيد التي لا غبار عليها ، على أن صلاح الدين الصفدي والشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي ومن بعدهما تطفلوا على تاريخه ونقلوا من مرآة الزمان شيئا كثيرا ، فإن لم يكن ثقة فهم ليسوا بثقات » (١).
كما استبعد القاري ما ادعاه الذهبي فقال ـ بعد أن نقل كلامه في الميزان ـ : « وهو بعيد جدّا كما لا يخفى » (٢).
__________________
(١) كتائب أعلام الأخيار ـ مخطوط.
(٢) الأثمار الجنية ـ مخطوط.
وقال الجلبي ما نصه : « قال في الذيل : وهذا من الحسد ، فإنه في غاية التحرير ، ومن أرخ بعده فقد تطفل عليه ، لا سيّما الذهبي والصفدي ، فإنّ نقولهما منه في تاريخهما » (١).
استناد القوم إلى أقواله في القضايا الخلافية
أضف إلى ذلك كلّه : أنا نثبت جلالة سبط ابن الجوزي وعظمته من كلام :
الخواجة الكابلي صاحب ( الصواقع ) وهو الذي طالما اقتدى به ( الدهلوي ) ونسج على منواله.
والقاضي ثناء الله العثماني.
ورشيد الدين خان.
وصاحب إزالة الغين.
ومن كلام ( الدهلوي ).
أما الكابلي فقد قال عند الجواب عن مطعن درء الحد عن المغيرة بن شعبة ما نصه :
« ودعوى أهل البصرة على مغيرة كما ذكره ابن جرير الطبري ، والامام البخاري ، والحافظ عماد الدين ابن كثير ، والحافظ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي ، والشيخ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي ، في تواريخهم : إن المغيرة كان أمير البصرة ... ».
إذن ... ( الكابلي ) يعتمد على ( السبط ) ويثق به على حدّ اعتماده ووثوقه بـ ( البخاري ) و ( ابن جرير ) و ( ابن الجوزي ) وغيرهم.
وأما ( القاضي ) و ( الدّهلوي ) فقد قالا بمثل كلام الكابلي عند الجواب عن المطعن المذكور ، وقد صرح الثاني بوثاقة هؤلاء المؤرّخين المذكورين.
وأما ( رشيد الدين خان ) فقد قال : « قال الحافظ أبو المؤيد الخوارزمي ـ في
__________________
(١) كشف الظنون ٢ / ١٦٤٨.
أوائل مسند الامام الأعظم عند الجواب عن إشكالات الخطيب البغدادي : ـ وأمّا قوله : إن أبا حنيفة لحن حيث قال في مسألة القتل بالقتل : ولو رماه بأبا قبيس ... فيجاب عنه بوجوه : الأول : إنه ذكر الامام الحافظ سبط ابن الجوزي أنه افتراء على أبي حنيفة ... » (١).
كما أنه عدّ ( سبط ابن الجوزي ) من أئمة الدين المعتمدين ، كأحمد وابن الجوزي وغيرهم ... (٢).
وأما صاحب ( إزالة الغين ) فقد نقل عن ( السبط ) كلامه في الدفاع عن أبي حنيفة معبّرا عنه بـ « الامام الحافظ ... » (٣).
مؤلفات السبط
ولسبط ابن الجوزي مؤلفات مشهورة. وقد ذكر الجلبي منها الكتب التالية :
١ ـ الإنتصار لإمام أئمة الأمصار.
٢ ـ اللوامع في أحاديث المختصر والجامع.
٣ ـ التفسير.
٤ ـ منتهى السؤل في سيرة الرسول.
٥ ـ إيثار الإنصاف.
وذكر أنه ألّف كتابا في ترجيح مذهب أبي حنيفة على غيره من المذاهب ، عدا كتاب الانتصار الذي ألّفه في الموضوع ، وأن له شرحا على الجامع الكبير لأبي عبد الله الشيباني.
أما مرآة الزمان فقد ذكره السندي أيضا في مروياته في ( حصر الشارد )
__________________
(١) شوكت عمريه ١٢٠.
(٢) إيضاح لطافة المقال ٢٧٩.
(٣) إزالة الغين. في مبحث الجواب عما طعن في أبي حنيفة.
قائلا :
« وأما مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي فأرويه بالسند المتقدم إلى الحافظ ابن حجر ، عن أحمد بن أبي بكر المقدسي ، عن سليمان عن يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي ».
اعتماد العلماء على كتبه
ولقد اعتمد كبار العلماء على كتبه ونقلوا عنها ، مثل ابن خلكان في ( تاريخه ) والصفدي في ( الوافي بالوفيات ) في ترجمة « محمّد بن كرام السجستاني » والبدخشي في ( مفتاح النجا ) والسمهودي في مواضع من ( جواهر العقدين ) (١) والحلبي في ( سيرته ) والحصكفي في ( الدر المختار ) وابن عابدين في ( رد المحتار في شرح الدر المختار ) ... وغيرهم.
٢
رواية أبي حاتم الرازي
لقد جاء في كتاب ( زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ) ما نصه :
« أخبرنا الحسين بن محمّد قال : حدثنا عبد الله بن أبي منصور قال : حدثنا محمّد بن بشر قال : حدثنا محمّد بن إدريس الرازي قال : حدثنا محمّد بن عبد الله
__________________
(١) منها : ما ذكره في الروايات والآثار الدالة على أن من أعان أهل البيت عليهمالسلام وأحسن إليهم يجازى بعمله الجزاء الحسن فقال : « ومن ذلك : ما رواه سبط ابن الجوزي بسنده إلى عبد الله بن المبارك ـ وكان يحج سنة ويغزو سنة ، فلما كان السنة التي حج فيها ـ خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جمالا ، فرأيت امرأة على بعض المزابل تنتف ريش بطة منتنة ،
ابن المثنى قال : حدثني حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد نسبّح الله عز وجل في يمنة العرش قبل خلق الدنيا ، ولقد سكن آدم الجنة ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح السفينة ونحن في صلبه ، ولقد قذف إبراهيم في النار ونحن في صلبه ، فلم نزل يقلّبنا الله عز وجل من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة ، حتى انتهى بنا إلى عبد المطلب ، فجعل ذلك النور بنصفين ، فجعلني في صلب عبد الله ، وجعل عليا في صلب أبي طالب ، وجعل فيّ النبوة والرسالة وجعل في علي الفروسية والفصاحة ، واشتق لنا اسمين من أسمائه ، فرب العرش محمود وأنا محمّد ، وهو الأعلى وهذا علي » (١).
ترجمته :
وأبو حاتم محمّد بن إدريس الرازي المتوفى سنة ٢٧٧ غني عن التعريف ، فلا حاجة إلى الإطناب في ذكر فضائله ، ونقل الكلمات في حقه ، بل نكتفي بنبذة
__________________
فتقدّمت إليها فقلت : لم تفعلين هذا؟ فقالت : يا عبد الله لا تسأل عما يعنيك ، قال : فوقع في خاطري من كلامها شيء ، فألححت عليها ، فقالت : يا عبد الله قد ألجأتني إلى كشف سرّي إليك. أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى ، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا ، وقد حلّت لنا الميتة ، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي فنأكلها. فقلت في نفسي : ويحك يا ابن المبارك أين أنت من هذه!! فقلت : افتحي حجرك ، ففتحته ، فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت. قال : ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج ذلك العام ، ثم تجهزت إلى بلادي وأقمت حتى حج الناس وعادوا ، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي ، فجعلت كل من أقول له « قبل الله حجك وشكر سعيك » يقول : وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك ، أما قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا ، وأكثر عليّ الناس في القول. فبت متفكرا في ذلك فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقول : يا عبد الله لا تعجب ، فإنك أغثت ملهوفة من ولدي ، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك في كلّ عام إلى يوم القيامة ، فإن شئت أن تحج وإن شئت أن لا تحج ».
(١) زين الفتى في تفسير سورة هل أتى ـ مخطوط.
منها فقط :
١ ـ السمعاني : « إمام عصره والمرجوع إليه في مشكلات الحديث ... كان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ... » (١).
٢ ـ ابن الأثير : « هو من أقران البخاري ومسلم » (٢).
٣ ـ الذهبي : « حافظ المشرق ... بارع الحفظ ، واسع الرحلة من أوعية العلم ... وكان جاريا في مضمار البخاري وأبي زرعة الرازي » (٣).
٣ رواية عبد الله بن أحمد
لقد روى هذا الحديث في ( زوائد مناقب أمير المؤمنين ) قائلا :
« حدثنا الحسن قال : حدثنا أحمد بن المقدام العجلي ، حدثنا الفضيل بن عياض قال : حدثنا ثور بن يزيد ، عن خالد بن معدان ، عن زاذان عن سلمان قال : سمعت حبيبي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله عز وجل قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر عام ، فلما خلق الله آدم قسّم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا وجزء علي ».
ترجمته :
وعبد الله بن أحمد المتوفى سنة ٢٩٠ من كبار محدّثي أهل السنة ، وقد جاءت فضائله الباهرة في كافة معاجم الرجال ، وإليك بعض الكلمات :
__________________
(١) الأنساب ـ الحنظلي.
(٢) الكامل ٦ / ٦٧.
(٣) العبر ـ حوادث ٢٧٧.
١ ـ المقدسي : « سمع أباه ويحيى بن معين وأبا بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأبا خيثمة ... قال أبو بكر الخطيب : كان ثقة ثبتا فهما.
وقال بدر بن أبي بدر البغدادي : عبد الله بن أحمد جهبذ ابن جهبذ.
وقال أبو الحسين بن المنادي : لم يكن في الدنيا أروى عن أبيه منه ، لأنه سمع المسند وهو ثلاثون ألفا ، والتفسير وهو مائة وعشرون ألفا ، سمع منها ثلاثين ألفا والباقي وجادة ، والناسخ والمنسوخ ، والتاريخ ، وحديث شعبة ، والمقدّم والمؤخّر في كتاب الله تعالى ، والجوابات في القرآن ، والمناسك الكبير والصغير ، وحديث الشيوخ وغير ذلك.
وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى ، والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها ، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك ، حتى أن بعضهم ليسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه ... » (١).
٢ ـ الذهبي : « عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل ، الامام الحافظ الحجة ، أبو عبد الله ، محدّث العراق ، ولد إمام العلماء ... » (٢).
وقال : « الحافظ أبو عبد الرحمن ... كان إماما خبيرا بالحديث وعلله ، مقدما فيه ، وكان من أروى الناس عن أبيه ... » (٣).
٣ ـ ابن حجر : « ... قال عباس الدوري : سمعت أحمد يقول : قد وعى عبد الله علما كثيرا ، وقال الخطيمي بلغني عن أبي زرعة قال قال أحمد : ابني عبد الله محفوظ ، من علماء الحديث ، لا يكاد يذاكر إسماعيل بن علي إلاّ بما لا أحفظ. وقال أبو علي الصواف : قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : كل شيء أقول قال أبي فقد سمعته مرتين أو ثلاثة. وقال ابن أبي حاتم : كتب إليّ بمسائل أبيه وبعلل
__________________
(١) الكمال ـ مخطوط.
(٢) تذكرة الحفاظ ٢ / ٦٦٥.
(٣) العبر ـ حوادث سنة ٢٩٠.
الحديث. وقال أبو الحسين ابن المنادي : لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه ، لأنه سمع منه المسند وهو ثلاثون ألفا والتفسير ... قال : وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكنى والمواظبة على الطلب ، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إيّاه بالمعرفة وزيادة السماع على أبيه ... قال النسائي ثقة. وقال السلمي : سألت الدار قطني عن عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق؟ فقال : ثقتان نبيلان. وقال أبو بكر الخلال : كان عبد الله رجلا صالحا صادق اللهجة كثير الحياء ... » (١).
٤ ـ اليافعي : « الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل الشيباني ، كان إماما خبيرا بالحديث وعلله مقدّما فيه » (٢).
٤
رواية ابن مردويه
لقد قال الخطيب الخوارزمي ما نصه :
« أخبرنا شهردار ـ هذا ـ إجازة ، أخبرنا عبدوس بن عبد الله بن عبدوس الهمداني كتابة : حدثنا الشريف أبو طالب الجعفري ، حدثنا ابن مردويه الحافظ ، حدثنا إسحاق بن محمّد بن علي بن خالد ، حدثنا أحمد بن زكريا ، حدثنا أبو طهمان ، حدثنا محمّد بن خالد الهاشمي ، حدثنا الحسين بن إسماعيل بن حماد ، عن أبيه ، عن زياد بن المنذر ، عن محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى
__________________
(١) تهذيب التهذيب ٥ / ١٤١.
(٢) مرآة الجنان حوادث : ٢٩٠.
قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه ، فلم يزل الله تعالى ينقله من صلب إلى صلب حتى أقرّه في صلب عبد المطلب فقسمه نصفين : قسما في صلب عبد الله وقسما في صلب أبي طالب. فعلي مني وأنا منه ، لحمه لحمي ودمه دمي ، فمن أحبه فبحبّي أحبه ومن أبغضه فببغضي أبغضه » (١).
ترجمته :
وأبو بكر ابن مردويه الحافظ المتوفى سنة ٤١٠ من أعاظم محدّثي أهل السنّة الموصوفين بالحفظ والوثاقة ، وقد ترجم له وأثنى عليه الذهبي في ( تذكرة الحفاظ ) والسيوطي في ( طبقات الحفاظ ) وغيرهما في كتب الرجال والحديث.
٥
رواية ابن عبد البر
لقد روى هذا الحديث ضمن جملة من فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام ـ كحديث الطير وغيره ـ فقال :
« وقال صلّى الله عليه وسلّم : خلقت أنا وعلي من نور واحد نسبح الله تعالى يمنة العرش ، قبل أن يخلق آدم بألف عام ، فلما انتهى النور إلى عبد المطلب جعله نصفين : نصف في عبد الله ونصف في صلب أبي طالب ، وشق لنا من اسمه ، فالله محمود وأنا محمّد ، والله الأعلى وهذا علي » (٢).
__________________
(١) مناقب أمير المؤمنين : ٨٨.
(٢) بهجة المجالس وأنس الجالس ، ذكره في كشف الظنون وقال « من الكتب المعتبرة في المحاظرات ».
ترجمته :
وقد تقدّمت لابن عبد البر القرطبي ترجمة في قسم ( حديث الثقلين ) عن الذهبي الذي قال : « كان إماما دينا ثقة متقنا علاّمة متبحرا صاحب سنة واتباع » ثم ذكرنا جملة من مصادر ترجمته.
٦
رواية الخطيب البغدادي
لقد قال الكنجي ما نصه :
« الباب السابع والثمانون : في أن عليا خلق من نور النبي : أخبرنا إبراهيم ابن بركات الخشوعي بمسجد الربوة من غوطة دمشق ، أخبرنا الحافظ علي بن الحسن ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله ، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب ، أخبرنا علي ابن محمّد بن عبد الله العدل ، أخبرنا أبو علي الحسن بن صفوان ، حدثنا محمّد بن سهل العطار ، حدثنا أبو ذكوان حدثني حرب بن بيان الضرير من أهل قيسارية ، حدثني أحمد بن عمرو حدثنا أحمد بن عبد الله عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : خلق الله قضيبا من نور قبل أن يخلق الدنيا بأربعين ألف عام ، فجعله أمام العرش حتى كان أول مبعثي ، فشق منه نصفا فخلق منه نبيّكم ، والنصف الآخر علي بن أبي طالب.
قلت : هكذا أخرجه إمام أهل الشام عن إمام أهل العراق ، كما سقناه ، وهو في كتابيهما » (١).
__________________
(١) كفاية الطالب / ٣١٤.