نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

قوله :

« ولو كانت القرابة بمجرّدها تستلزم الامامة لكان العباس أولى بها منه ، لكونه عمه وصنو أبيه والعم أقرب من ابن العم شرعا وعرفا ».

أقول :

لا مجال لهذا النقض ، بعد وضوح دلالة حديث النور على كمال الأفضلية لأمير المؤمنين عليه‌السلام وقبح تقدّم أحد عليه ، بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

على أنه نقض بعيد عن الصواب جدا لوجوه :

١ ـ العباس عم النبي من الأب

إن العباس عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأب ، فإن أمه غير

٣٤١

أم سيدنا عبدالله والد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن أم سيدنا أبي طالب وسيدنا عبد الله واحدة وهي فاطمة بنت عمرو المخزومية ... فالعباس عم النبي من الأب وعلي ابن عمه من الأبوين ، وكون العم من الأب أولى من ابن العم من الأبوين غير مسلم لا عرفا ولا شرعا.

وأما كون أبي طالب شقيقا لعبد الله وأن أمها فاطمة المخزومية فمما لا ريب فيه ، قال ابن حجر العسقلاني : « أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي ، عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شقيق أبيه ، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية ... » (١).

وقال : « العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي ، عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو الفضل ، أمه نفيلة بنت حباب بن كلب ... » (٢).

هذا ... وقد قال يوسف الأعور في الرد على الامامية : « الثالث : إن الحكم لو كان للأقرب لزم الرافضة أن يقولوا : ليس لعلي بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم حكم ، إذ العباس أقرب منه لكونه عما وعلي ابن عمه ، وكل من أبي بكر وعمر وعثمان أفضل من العباس » (٣).

فردّ عليه نجم الدين خضر بن محمّد بن علي الرازي بقوله : « وأما الوجه الثالث : فلأن الحكم إنما هو للأقرب لما ذكرنا ، ولا يلزم منه ما ألزمه بجهله وعناده وخروجه عن طريق الحق وانفراده ، لأن أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام ابن عم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأبوين ، والعباس عمه من الأب ، وابن العم من الأبوين مقدّم في الإرث على العم من الأب عند الامامية مطلقا ، فكيف يلزمهم أن يقولوا ليس لعلي عليه‌السلام بعد النبي حكم يا أبا جهل عوام الناس؟

__________________

(١) الاصابة ٤ / ١١٥.

(٢) المصدر نفسه ٢ / ٢٧١.

(٣) رسالة الأعور في الرد على الامامية ـ مخطوط.

٣٤٢

وتفضيل الجماعة المذكورين على العباس مجرد دعوى بلا نص ولا أساس ، وتحكم من الناصبي الأعور ذي التلبيس والوسواس » (١).

٢ ـ الأخ أولى من العم

قال شاه ولي الله الدهلوي في ( إزالة الخفا ) : « أخرج الطبراني في الصغير من حديث أبي هند يحيى بن عبد الله بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر الحضرمي الكوفي بالكوفة فقال : حدّثنا عمي محمّد بن جعفر بن عبد الجبار قال :

حدّثني سعيد بن عبد الجبار عن أبيه عبد الجبار عن أمه أم يحيى عن وائل حديثا طويلا في قصة وفوده على النبي صلّى الله عليه وسلّم ، ثم رجوعه إلى وطنه ثم اعتزاله الناس في فتنة عثمان ثم قدومه على معاوية ، فقال له معاوية :

فما منعك من نصرنا وقد اتّخذك عثمان ثقة وصهرا؟

قلت : إنك قاتلت رجلا هو أحق بعثمان منك.

قال : وكيف يكون أحق بعثمان مني وأنا أقرب إلى عثمان في النسب؟!

قلت : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان آخى بين علي وعثمان ، فالأخ أولى من ابن العم ولست أقاتل المهاجرين.

قال : أولسنا مهاجرين؟

قلت : أولسنا قد اعتزلنا كما جميعا؟! ... ».

وعلى ضوء ما ذكر هذا الصحابي ـ حيث زعم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قد آخى بين أمير المؤمنين وعثمان ـ من أن الأخ أولى من ابن العم فيكون أمير المؤمنين عليه‌السلام أولى بعثمان من معاوية نقول : إن أمير المؤمنين أولى بالنبي من عمه العباس ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختار عليا للاخوة يوم عقد المؤاخاة كما في الأحاديث الكثيرة.

__________________

(١) التوضيح الأنور في الرد على الأعور ـ مخطوط.

٣٤٣

٣ ـ قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ )

لقد تمسّك محمّد بن عبد الله بن الحسن ابن الامام الحسن بن علي عليهما‌السلام بقوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ... قال الرازي في تفسير الآية :

« تمسك محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم ، في كتابه الى أبي جعفر المنصور بهذه الآية في أن الامام بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هو علي بن أبي طالب ، فقال : قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) يدل على ثبوت الأولوية ، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية فوجب حمله على الكل إلاّ ما خصه الدليل ، وحينئذ يندرج فيه الامامة ، ولا يجوز أن يقال : إن أبا بكر كان من أولي الأرحام ، لما نقل أنه صلّى الله عليه وسلّم أعطاه سورة براءة ليبلّغها إلى القوم ، ثم بعث عليا خلفه وأمر بأن يكون المبلغ هو علي وقال : لا يؤديها إلاّ رجل مني ، وذلك يدل على إن أبا بكر ما كان منه.

فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية. والجواب ـ ان صحت هذه الدلالة ـ كان العباس أولى بالامامة ، لأنه كان أقرب إلى رسول الله من علي ، وبهذا الوجه أجاب أبو جعفر المنصور عنه » (١).

أقول : وعلى أهل السنة التسليم بهذا الاستدلال ، لأنهم يدّعون التمسك بأهل البيت ومتابعتهم ، قائلين بأن المراد من « أهل البيت » في حديث الثقلين وغيره هو الأعم من الأئمة الاثني عشر وأبنائهم ، كما يظهر صريحا من كلام الكابلي في ( الصواقع ) وكلام ( الدهلوي ) في الباب الرابع ، وجواب حديث الثقلين وغيرهما

__________________

(١) تفسير الرازي ١٥ / ٢١٣.

٣٤٤

من المقامات ، فلا يجوز لهم ـ والحال هذه ـ الاعراض عن هذا الاستدلال ، بل يجب عليهم الجواب عما ذكره الرازي في إبطاله.

هذا ، وقد ذكر أبو العباس المبرد وابن الأثير وابن خلدون نص كتاب محمّد ابن عبد الله المذكور وكتاب أبي جعفر المنصور إليه ... (١) وقد ذكرناهما في مجلد حديث ( الغدير ).

٤ ـ أولوية علي على لسان العباس

لقد كان العباس من القائلين بخلافة أمير المؤمنين ، فإنه الذي قال له بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أمدد يدك أبايعك ». وهذا صريح في اعتقاده بأن عليا عليه‌السلام هو الأولى بها من نفسه وغيره ...

وكلام العباس هذا في غاية الشهرة ، بل ذكره جماعة من متكلّمي أهل السنة في مقام الرد على الامامية ... قال الفضل بن روزبهان في ردّ العلاّمة : « مذهب أهل السنة والجماعة أن الامام بالحق بعد رسول الله أبو بكر الصديق ، وعند الشيعة علي المرتضى كرم الله وجهه ورضي الله عنه. ودليل أهل السنة وجهان : الأول : إن طريق ثبوت الامامة إما النص أو الإجماع بالبيعة ، أمّا النص فلم يوجد لما ذكرنا ولما سنذكر ونفصّل بعد هذا ان شاء الله تعالى ، أما الإجماع فلم يوجد في غير أبي بكر اتفاقا من الأمة.

الوجه الثاني : إن الإجماع منعقد على حقية إمامة أحد الثلاثة أبي بكر وعباس وعلي ، ثم إنهما لم ينازعا أبا بكر ، ولو لم يكن على الحق لنازعاه كما نازع علي معاوية ، لأن العادة تقضي بالمنازعة في مثل ذلك ، ولأن ترك المنازعة مع الإمكان مخل بالعصمة ، إذ هو معصية كبيرة يوجب انثلام العصمة وأنتم توجبونها في الامام

__________________

(١) الكامل للمبرد ٢ / ٣٨٣ ـ ٣٩١ ، الكامل في التاريخ ٥ / ٥٣٦ ، تاريخ ابن خلدون المجلد الثالث ٤٠٧.

٣٤٥

وتجعلونها شرطا لصحة إمامته.

فان قيل : لا نسلّم الإمكان أي إمكان منازعتهما أبا بكر.

قلنا : قد ذهبتم وسلّمتم أن عليا كان أشجع الناس من أبي بكر وأصلب منه في الدين ، وأكثر منه قبيلة وأعوانا وأشرف منه نسبا وأتم منه حسبا ، والنص الذي تدّعونه لا شك أنه كان بمرأى من الناس وبمسمع منهم ، والأنصار لم يكونوا يرجحون أبا بكر على علي ، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ذكر في آخر عمره على المنبر وقال : إن الأنصار كرشي وعيبتي وهم كانوا الجند الغالب والعسكر ، وكان ينبغي أن النبي أوصى الأنصار بإمداد علي في أمر الخلافة ، وأن يحاربوا من يخالف نصه في خلافة علي.

ثم إن فاطمة عليها‌السلام ـ مع علوّ منصبها ـ زوجته ، والحسن والحسين عليهما‌السلام مع كونهما سبطي رسول الله ولداه ، والعباس مع علوّ منصبه عمّه ومعه ، فإنه روي أنه قال لعلي : أمدد يدك أبايعك حتى يقول الناس بايع عم رسول الله ابن عمه فلا يختلف فيك اثنان ، والزبير مع شجاعته كان معه ... ».

وممن ذكر ذلك في إثبات إمامة أبي بكر والرد على الامامية القاضي ناصر الدين البيضاوي في ( طوالع الأنوار ) وشمس الدين الاصفهاني في شرحه.

وقال ابن قتيبة : « وكان العباس بن عبد المطلب لقي علي بن أبي طالب فقال له : إن النبي صلّى الله عليه وسلّم يقبض فاسأله ، فإن كان الأمر لنا بيّنه وان كان لغيرنا أوصى بنا خيرا ، فلما قبض رسول الله قال العباس لعلي بن أبي طالب : أبسط يدك أبايعك فيقال : عمّ رسول الله بايع ابن عمر رسول الله ويبايعك أهل بيتك ، وإن كان هذا الأمر إذا كان لم يؤخر ، فقال له علي : ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟ وقد كان العباس لقي أبا بكر فقال : هل أوصاك رسول الله بشيء؟ فقال : لا. فلقي العباس عمر فقال له مثله فقال عمر : لا. فعند ذلك قال العباس لعلي : أبسط يدك أبايعك ويبايعك أهل بيتك » (١).

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ٤.

٣٤٦

٥ ـ اعتذار العباس عن قبول وصيّة النبي

روى السيد علي الهمداني في ( مودّة القربى ) : « عن أبي حمزة الثمالي رضي‌الله‌عنه عن أبي جعفر الباقر عن آبائه عليهم‌السلام قال : لمّا مرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مرضه الذي قبض فيه ، كان رأسه في حجر علي ، والعباس يذب عنه ، والبيت غاص بالمهاجرين والأنصار ، فقال عليه‌السلام : يا عم أتقبل وصيتي وتنجز عداتي؟ فخنق عليا العبرة وما استطاع أن يجيبه ، فأعادها عليه ، فقال علي : بأبي أنت وأمي نعم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : أنت أخي ووصيي ووزيري وخليفتي.

ثم قال : يا بلال هلم سيف رسول الله ذا الفقار ، فجاء به بلال فوضع بين يدي رسول الله ثم قال : يا بلال هلمّ مغفر رسول الله ذا النجدين فجاء به فوضعه ، ثم قال : يا بلال هلم درع رسول الله ذات الفصول فجاء بها ، ثم قال : يا بلال هلم فرس رسول الله المرتجز فأتى به فأوثقه ، ثم قال : هلم ناقة رسول الله العضباء فجاء بها فأوثقها ، ثم قال : يا بلال هلم بردة رسول الله السحاب فجاء بها فوضعها ثم قال : يا بلال هلم قضيب رسول الله الممشوق فجاء به فوضعه. فلم يزل يدعو بشيء بعد شيء حتى العصابة التي كان يعصب بها بطنه في الحرب ، ثم نزع الخاتم فدفعه الى علي ، ثم قال :

يا علي اذهب بها أجمع فاستودعها بيتك بشهادة المهاجرين والأنصار ، ليس لأحد أن ينازعك فيها بعدي ، فانطلق أمير المؤمنين حتى وضعها في منزله ثم رجع ».

أقول : من هذا الحديث يعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بصدد الإعلان عن عدم استحقاق العباس الخلافة ، فسأله أولا عن قبول

٣٤٧

الوصية ، فلمّا علم العباس عدم استحقاقه اعتذر عن ذلك ، ثم إن النبي جعل عليا وصيه ، ونص على أنه وزيره وخليفته من بعده ، وهذا النص الجلي والمحفوف بالقرائن القطعية لا يدع مجالا لأن يتوهم أحد خلافة العباس أبدا.

٦ ـ حديث يوم الدار

ومن الأدلة على أن أمير المؤمنين عليه‌السلام وارث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث يوم الدار ، حيث نصّ فيه على ذلك بصراحة ، وقد استدل به علي عليه‌السلام في جواب من سأله : لم ورثت ابن عمك دون عمك؟ قال ولي الله الدهلوي « في كتاب الخصائص عن ربيعة بن ناجد : إن رجلا قال لعلي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : لم ورثت ابن عمك دون عمك؟ قال : جمع رسول الله ـ أو قال : دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بني عبد المطلب فصنع لهم مدّا من طعام ، فأكلوا حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو كأن لم يمس ، ثم دعا بغمرة فشربوا حتى رووا وبقي الشراب كأن لم يمس ولم يشرب ، فقال : يا بني عبد المطلب ، إني بعثت إليكم خاصة وإلى الناس عامة ، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم ، وأيّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم [ سنا ]. قال : اجلس ، ثم قال ثلاث مرات كل ذلك أقوم إليه ، فيقول : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده علي. ثم قال فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي ».

٧ ـ الإجماع على عدم خلافة العباس

لقد قام الإجماع المحقق من الشيعة وغيرهم على عدم خلافة العباس ، فاحتمال كونه أولى بها من علي واضح البطلان.

٣٤٨

٨ ـ الخلافة في المهاجرين

إن من لوازم الخلافة كون الخليفة من المهاجرين الأولين ، ومن الواضح أن العباس ليس من المهاجرين الأولين ، بل إنه هاجر قبل الفتح بقليل ... قال الحافظ ابن حجر بترجمته : « وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة وحضر بيعة العقبة مع الأنصار قبل أن يسلم ، وشهد بدرا مع المشركين فأسر ، فافتدى نفسه وافتدى ابن أخيه عقيل بن أبي طالب فرجع الى مكة فيقال : إنه أسلم وكتم من قومه ذلك ، وصار يكتب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأخبار ، ثم هاجر قبل الفتح بقليل وشهد الفتح وثبت يوم حنين » (١).

وأما أن كون الخليفة من المهاجرين الأولين فهو أمر مسلّم ، وقد صرح به شاه ولي الله في ( إزالة الخفا ).

٩ ـ لزوم كون الخليفة ممّن بايع تحت الشجرة

وقد ذكر شاه ولي الله الدهلوي كذلك لزوم كون الخليفة ممن حضر غزوة الحديبية ، وممن حضر نزول سورة النور ، وممن شهد المشاهد العظيمة كغزوة بدر وغيرها ، وقد استفاد هذه الشروط من الأدلة من القرآن والسنة ...

ومن المعلوم أن العباس لم يشهد بدرا وغيرها مما ذكر ، لأنه هاجر قبل الفتح بقليل ـ كما تقدم عن ابن حجر ـ وقد وقعت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة (٢) وفتح مكة في السنة الثامنة ، بل تقدّم أن العباس من أسارى بدر.

__________________

(١) الاصابة ٢ / ٢٧١.

(٢) تاريخ الخميس ١ / ٣٦٥.

٣٤٩

وأما عدم شهوده غزوة الحديبية فلأن هذه الغزوة وقعت فيما وقع في السنة السادسة من الهجرة (١).

وأما عدم كونه ممن حضر نزول سورة النور فلأن هذه السورة فيما زعم أهل السنة نزلت في قصة إفك عائشة ، وهذه القصة من وقائع السنة الخامسة (٢).

١٠ ـ لا تجوز الخلافة للطلقاء

إن الخلافة لا تكون للطلقاء ، ولا ريب في أن العباس من الطلقاء.

أما الأمر الأول فقد جاء في ( إزالة الخفا ) قال عبد الرحمن الأشعري فقيه الشام لأبي هريرة وأبي الدرداء في سعيهما لأن يجعل علي عليه‌السلام الخلافة شورى بين المسلمين :

« عجبا منكما : كيف جاز عليكما ما جئتما به! تدعوان عليا أن يجعلها شورى!. وقد علمتما أنه قد بايعه المهاجرون والأنصار وأهل الحجاز والعراق ، وأن من رضيه خير ممن كرهه ومن بايعه خير ممّن لم يبايعه!

وأيّ مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين لا يجوز لهم الخلافة ، وهو وأبوه رؤس الأحزاب! فندما على مسيرهما وتابا بين يديه ، أخرجه أبو عمرو في الاستيعاب ».

وأما الأمر الثاني : فقد علم من عبارة الحافظ العسقلاني السالفة الذكر ، وقال الديار بكري في ذكر غزوة بدر بعد ذكر أسماء أسارى بدر عن ابن إسحاق : « أقول : ومن جملة أسارى بدر : عباس بن عبد المطلب ولم يذكر فيما ذكره » (٣).

__________________

(١) المصدر ٢ / ١٦.

(٢) المصدر ١ / ٤٧٥.

(٣) تاريخ الخميس ١ / ٤٠٦.

٣٥٠

أقول :

وهذا الفصل من البحث حول ( دلالة حديث النور ) في نفس الوقت الذي يعد من الفصول الأساسية في بحوث قسم ( حديث النور ) ، ويفند مزاعم ( الدهلوي ) هذه المزاعم التي أخذها ـ كغيرها من الأباطيل من بعض من تقدمه كالكابلي وابن روزبهان وأمثالهما.

في نفس هذا الوقت ... يبطل هذا الفصل شبهة في باب الامامة قد أثارها بعض المنتسبين إلى العلم ، تزلّفا إلى حكّام بني العباس ، بالاضافة إلى جعل المناقب والفضائل المختلفة للعباس وأبنائه وأحفاده ... فباعوا آخرتهم بدنيا غيرهم ... وتبعهم على ذلك بعض الكتاب والشعراء ...

( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ).

و ( الدهلوي ) وأمثاله الذين يتشبّثون بكل حشيش في مقابلة أهل الحق ، إنما يذكرون هذه الشبهة لغرض الوقوف أمام الحق بغضا له وعنادا ... وإلاّ ... فإنهم يعلمون ببطلانها أحسن من غيرهم.

وباختصار : إنها شبهة مردودة بإجماع المسلمين ... والتشبث بها باطل بإجماعهم كذلك ... والله العاصم.

* * *

٣٥١
٣٥٢

وجوه تفنيد النقض بأولوية الحسنين

بالإمامة من علي بعد النبي

٣٥٣
٣٥٤

قوله :

« ولو قيل إن العباس إنما حرم منها لعدم نيله شيئا من نور عبد المطلب ، لانتقاله منه إلى عبد الله وأبي طالب دون غيرهما من أبنائه ».

أقول :

صريح هذا الكلام أن الأقربية في النسب أمر آخر وراء الاشتراك في النور ، فالعجب أنه مع علمه بهذا المعنى كيف جعل مورد البحث فيما سبق القرب في النسب فحسب؟!

قوله :

« قلنا : إن كانت الامامية منوطة بشدة النور وكثرته ، فإن الحسنين أولى وأقدم من علي بالامامة بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، لاجتماع نوري عبد الله وأبي

٣٥٥

طالب فيهما ، بينما لم ينتقل إلى علي سوى نور أبيه أبي طالب.

كما أن من المعلوم أن نور النبي صلّى الله عليه وسلّم أقوى من نور علي ، وهما مجتمعان في الحسنين ».

أقول :

هذا النقض مردود بوجوه :

١ ـ الأفضلية مدار الامامة

إن مدار الامامة هي الافضلية وحديث النور يدل على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فهو الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا كلام.

٢ ـ لم ينتقل إلى الحسنين نور النبي

لمّا كان نور الحسنين عليهما‌السلام من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن الواضح أنه لم ينتقل إليهما جميع نوره وإلاّ لزم خلوه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من النور وبطلان اللازم من القطعيات ، وحينئذ لا يكون نورهما أقوى من نور علي عليه‌السلام.

٣ ـ في كلّ منهما ربع أصل النور

ولو سلمنا انتقال جميع النور من النبي إليهما كان ذلك بمعنى انقسامه إليهما ، فيكون في كل منهما نور النبي وربع أصل النور أو يزيد الحسن على أخيه

٣٥٦

قليلا ، لكن النور المنتقل إلى أمير المؤمنين يساوي نور النبي ، فهو نصف أصل النور ، فلا يساوي نور كل واحد منهما نور علي فكيف يكون أقوى؟!

٤ ـ من كان نوره أقوى فهو الأفضل

ظاهر عبارة ( الدهلوي ) أن من كان أفضل كان نوره أقوى ، وهذا يستلزم الأفضلية ، فإذا كان نور الحسنين أقوى من نور والدهما لزم أن يكونا أفضل منه ، واللازم باطل بالإجماع والأخبار ، فالملزوم مثله.

٥ ـ استلزام كون نور فاطمة أقوى من نور علي

لو كان نور الحسنين أقوى من نور أمير المؤمنين كان نور فاطمة عليها‌السلام أقوى من نوره بالأولوية ، إذ بواسطتها انتقل نور النبي إليهما ، فكان ينبغي إلزام الامامية بأولويتها بالامامة قبل الإلزام بأولويتهما بها.

فإن قال : فقد الذكورة يمنع إمامتها فلم أذكر ذلك.

فإنا نقول : فلما لم تمنع مفضولية الحسنين الثابتة بالإجماع من الفريقين عن دعوى أولويتهما بالامامة؟!

٦ ـ علي أفضل الخلائق بعد النبي

لقد علم من الأدلة المذكورة في غضون الكتاب أن تقدّم نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان سبب أفضليته من جميع الأنبياء والمرسلين والخلائق أجمعين ، ولمّا كان نور أمير المؤمنين عليه‌السلام متحدا مع نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان هذا الاتحاد والاقتراب سببا لأفضليته من جميع من ذكر كذلك ، فهو

٣٥٧

افضل من الحسنين ، فكون نورهما أقوى من نوره محال.

٧ ـ خلق علي من النور الإلهي

إن أراد ( الدهلوي ) إثبات خلق الحسنين من نور النبي ، فلما ذا ينكر خلق علي من النور؟! بل إن خلقهما من نوره دليل باهر على خلق علي من النور الإلهي ، وإلاّ لزم تفضيلهما عليه وهو خلاف ما أجمع عليه المسلمون.

ولو قيل : إنه ذكر خلق الحسنين من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلزم به الامامية.

قلنا : فكان عليه حينئذ ذكر رواية من طرقهم متضمنة لهذا المعنى بحيث يتفرع على ذلك توهم كون نورهما أقوى من نوره ، والحال إن روايات الامامية الواردة في هذا الشأن ـ والتي تقدّم في الكتاب ذكر بعضها ـ تدل بصراحة على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وأنه لم يكن نورهما أقوى من نوره أبدا.

٨ ـ ما المراد من كثرة النور؟

إن كان المراد من كثرة النور زيادته في الكم والكيف فإن هذا عين القوة والشدة ولا وجه للتفريق بينهما ، وإن كان المراد أن في علي عليه‌السلام نورا واحدا وهو النور العلوي وفي الحسنين نورين أحدهما النور النبوي والآخر النور العلوي ، فإنه وإن كان هذان النوران أقل من النور العلوي كما وكيفا لكن هذا ليس كثرة في الحقيقة ، ولا يجعل عاقل هذه الكثرة ملاكا للأفضلية والأولوية بالامامة ، لأنّها كثرة اعتبارية مثل كثرة الأجزاء بالنسبة إلى الكلّ.

٩ ـ لزوم كون نورهما أكثر من نور النبي

إنه لو صحّ هذا التوهم لزم أن يكون نور الحسنين عليهما‌السلام أكثر من

٣٥٨

نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ قد يقال ـ بناء على ما ذكر ( الدهلوي ) إنهما كانا يجمعان بين النور النبوي والنور العلوي ، فيكون نورهما أكثر من النور النبوي ، لأنه لما انقسم النور إلى النبي وعلي لم يكن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصيب من نور علي عليه‌السلام ، لكن نور علي قد انتقل إلى الحسنين كذلك ، فيكون نورهما أكثر من النور النبوي ، ولا يقول بذلك أحد من أهل الإسلام وإن كان يلتزم به ( الدهلوي ) لابطال دليل أهل الحق الكرام.

١٠ ـ ما الدليل على جمع الحسنين بين النورين؟

إنه ما الدليل الدال على جمع الحسنين بين النور النبوي والنور العلوي؟ إن كان الدليل تحقيقيا فيرد عليه أنه وبعض أسلافه كذبوا حديث النور ، وإن كان الدليل إلزاميا فلا ريب في دلالة أخبار الامامية على أن نورهما كان أنقص من نور أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فلا يكون نور كل واحد منهما مساويا لنوره فضلا عن أن يكون أكثر منه.

بل إن أحاديث أهل السنة تدل أيضا على أنه أفضل منهما ، ومن ذلك حديث الأشباح الخمسة المذكور في محلّه من الكتاب.

فلينظر أهل العلم ولينصف المنصفون ... فيما نقول ويقولون ...

إنهم يرمون ( حديث النور ) بالوضع ويدّعون الإجماع منهم على ذلك ... ونحن ننقله عن أهم كتبهم وبرواية مشاهير أئمتهم ...

ثم يضعون حديثا في مقابلته ...

ونحن نثبت بالأدلة القاطعة وضعه ...

ثم ينكرون دلالته على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بلا فصل ... وقد ذكرنا جملة من وجوه دلالته على المطلوب ...

ثم يرومون نقض دلالته ببعض التمويهات ... وقد أوهنّاها بما لا مزيد عليه ...

٣٥٩

فلما ذا هذا التمادي في الباطل والإصرار على الضلالة؟! ...

ولما ذا هذا السعي في كتمان الحق واليقين؟! ...

فلينظر أهل العلم فيما نقوله ويقولون ، ولينصف المنصفون ...

والحمد لله على ما مزّقنا شمل الباطل كلّ ممزّق ، وفرقنا جماع الإثم كلّ مفرق ، وقصمنا ظهور المبطلين ، وفصمنا عرى تشكيكات المدغلين ، وأتبرنا مجادلات المعاندين ، فانمحت مراسم مموّهاتهم وتسويلاتهم بنقوشها ، وأصبحت بيوت تلفيقاتهم خاوية على عروشها ، ونحن نقول : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

* * *

٣٦٠