نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

ما جاء عن عمرو بن العاصي ... وجاء بلفظ آخر عن واثلة ... وما جاء عن جعفر بن محمّد ... وعن ابن عباس ... وعن ابن عمر ... وعن أبي هريرة ... وعن ... » (١).

كلمات العلماء على ضوء الأحاديث

ثم إنّ كبار العلماء الأعلام قد صرّحوا بهذا المعنى على ضوء الأحاديث المذكورة ، وإليك نصوص كلمات جماعة منهم باختصار :

١ ـ القسطلاني : « ثمّ اعلم أنه عليه الصلاة والسّلام لم يشركه في ولادته عن أبويه أخ ولا أخت ، لانتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبتهما عليه ، ليكون مختصا بنسب جعله الله تعالى للنبوة غاية ولتمام الشرف نهاية ، وأنت إذا اختبرت حال نسبه الشريف وعلمت طهارة مولده تيقنت أنه هو سلالة آباء كرام ، فهو صلّى الله عليه وسلّم النبي العربي الأبطحي الحرمي الهاشمي القرشي ، نخبة بني هاشم المختار المنتخب من خير بطون العرب وأعرقها في النسب وأشرفها في الحسب ، وأنضرها عودا وأطولها عمودا وأطيبها أرومة وأعزها جرثومة ، وأفصحها لسانا وأوضحها بيانا وأرجحها ميزانا وأصحها ايمانا ، وأعزها نفرا وأكرمها معشرا من قبل أبيه وأمه ، ومن أكرم بلاد الله عليه وعلى عباده » (٢).

٢ ـ السيوطي : « المقامة السندسية : ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ) نبي سري ، قدره علي وبرهانه جلي ، خير الخليفة أما وأبا وأزكاهم حسبا ونسبا ، خلق الله لأجله الكونين وأقرّ به من كل مؤمن العينين ، وجعله نبي الأنبياء وآدم منجدل في طينته ، وكتب

__________________

(١) السيرة الحلبية ١ / ٤٣ ـ ٤٤.

(٢) المواهب اللدنية ١ / ١٣.

٣٢١

اسمه على العرش إعلاما بمزيته عنده وفضيلته ، وتوسل به آدم فتاب عليه وأخبره أنه لولاه ما خلقه ، وناهيك بها مزية لديه :

نبي خص بالتقديم قدما

وآدم بعد في طين وماء

كريم بالحبا من راحتيه

يجود وفي المحيا بالحياء

ومن خصائصه ـ فيما ذكر الغزالي وغيره ـ إن الله ملّكه الجنة وأذن له أن يقطع منها من يشاء ما يشاء. وأعظم بذلك منّة.

وخصّه بطهارة النسب تعظيما لشأنه وحفظ آبائه من الدنس تتميما لبرهانه ، وجعل كلّ أصل من أصوله خير أهل زمانه ، كما قال في حديث البخاري الذي نقطع بصدوره من فيه : بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه. وقال عليه‌السلام : أنا أنفسكم نسبا وصهرا وحسبا لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذبا لا تنشعب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما ، فأنا خيركم نفسا وخيركم أبا.

وأجدر بقول صاحب البردة أن يكون له في عرصات القيامة عدة :

وبدا للوجود منك كريم

من كريم آباؤه كرماء

نسب تحسب العلا بحلاه

قلدتها نجومها الجوزاء

حبذا عقود سودد وفخار

أنت فيه اليتيمة العصماء

وينظم في سلك هذه الدرر قول

أفظ العصر أبي الفضل ابن حجر :

نبي الهدى المختار من آل هاشم

فعن فخرهم فليقصر المتطاول

تنقل في أصلاب قوم تشرفوا

به مثل ما للبدر تلك المنازل » (١)

__________________

(١) المقامات ٤٥.

٣٢٢

٣ ـ الحلبي : « وإلى شرف هذا النسب يشير صاحب الهمزية رحمه الله تعالى بقوله :

وبدا للوجود منك كريم ...

أي : ظهر لهذا العالم منك كريم أي جامع لكل صفة كمال. وهذا على حد قولهم « لي من فلان صديق حميم » ، وذلك الكريم الذي ظهر وجد من أب كريم سالم من نقص الجاهلية ، آباؤه الشامل للأمهات جميعهم كرماء ، أي سالمون من نقائص الجاهلية ، أي ما يعد في الإسلام نقصا من أوصاف الجاهلية. وهذا نسب لا أجل منه ... وقد قال الماوردي في كتاب أعلام النبوة : وإذا اختبرت حال نسبه صلّى الله عليه وسلّم وعرفت طهارة مولده صلّى الله عليه وسلّم ، علمت أنه سلالة آباء كرام ليس فيهم مسترذل ، بل كلهم سادة قادة ، وشرف النسب وطهارة المولد من شروط النبوة ، هذا كلامه. ومن كلام عمّه أبي طالب :

إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر

فعبد مناف سرها وصميمها

وإن حصلت أنساب عبد منافها

ففي هاشم أشرافها وقديمها

وإن فخرت يوما فإنّ محمّدا

هو المصطفى من سرها وكريمها

بالرفع عطفا على المصطفى ، وسر القوم وسطهم ، فأشرف القوم قومه وأشرف القبائل قبيلته وأشرف الأفخاذ فخذه » (١).

٤ ـ أبو نعيم الاصبهاني ( بعد ذكر الأحاديث المتقدمة ) : « ووجه الدلالة في هذه الفضيلة : إن النبوة ملك وسياسة عامة ، وذلك قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وهو الملك في ذوي الأحساب والأخطار من الناس ، وكل ما كان خصال فضله أوفر كانت الرعية بالانقياد إليه أسمع وإلى طاعة مطيعة أسرع ، وإذا كان في الملك وفي توابعه نقيصة نقص عدد أتباعه ورعيته

__________________

(١) السيرة الحلبية ١ / ٤٤.

٣٢٣

... فدل ذلك على أن الملك لا يجعل إلاّ في أهل الكمال والمهابة ، وهاتان الخصلتان لا توجدان في غير ذوي الأحساب ، فجعل الله لنبيه محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الحظوظ أوفرها ومن السهام أوفاها وأكثرها ، فلذلك قال : فأنا من خيار إلى خيار ... ».

٥ ـ السيوطي ـ بعد الأحاديث ـ : « قال أبو نعيم : وجه الدلالة على نبوته من هذه الفضيلة أن النبوة ملك وسياسة عامة ... » (١).

٦ ـ القاضي عياض : « الباب الثاني في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقا وخلقا ، وقرانه جميع الفضائل الدينية والدنيويّة فيه نسقا ... » فذكر فيه فوائد جمة في كلام طويل (٢).

٢ ـ كان الرسول من بني هاشم فالإمام يكون منهم

ذكر شاه ولي الله الدهلوي روايات من قصة السقيفة في ( إزالة الخفا ) إلى أن قال : « أما رواية أبي سعيد الخدري ـ قال : لما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قام خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول : يا معشر المهاجرين : إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا ، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا. قال : فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك ، فقام زيد بن ثابت فقال :

إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان من المهاجرين فإنّ الامام يكون من المهاجرين ، ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

فقام أبو بكر فقال : جزاكم الله خيرا يا معشر الأنصار وثبّت قائلكم. ثم

__________________

(١) الخصائص الكبرى ١ / ٣٩.

(٢) الشفا ـ ٤٦.

٣٢٤

قال : والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحتكم. أخرجه ابن أبي شيبة ».

أقول : لقد استدل زيد بن ثابت على لزوم كون الخليفة من المهاجرين بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المهاجرين ، وقد قرر أبو بكر هذا الاستدلال ووافقه عليه وتمت البيعة لأبي بكر.

وعلى ضوء هذا الاستدلال نقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من بني هاشم فإن الامام يكون من بني هاشم ، ولما كان علي عليه‌السلام أفضلهم بالإجماع ولم يكن أحد من الثلاثة من بني هاشم فيكون هو الامام والخليفة بعد رسول الله.

فثبت أن قرب النسب من أدلة الامامة والخلافة.

٣ ـ خطبة أبي بكر في السقيفة

لقد خاصم أبو بكر الأنصار في السقيفة واحتج عليهم في أمر الخلافة بأنه « لن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا » ولقد خصمهم بهذا البيان وتمت البيعة له في نهاية الأمر في قصة مفصلة معروفة.

ولا ريب أن عليا أشرف القوم ـ من المهاجرين والأنصار ـ نسبا ودارا ، فيجب ـ بالأولوية ـ أن لا تعرف العرب هذا الأمر إلاّ له ، فالقرب النسبي إذا من أقوى الأدلة على إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أخرج البخاري في حديث طويل عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب أنه قال : « ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول : والله لو مات عمر بايعت فلانا ، فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرها ، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تغرة أن

٣٢٥

يقتلا.

وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة ، وخالف عنا علي والزبير ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي‌الله‌عنه ، فقلت لأبي بكر : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمالأ عليه القوم ، فقالا : عليكم أن لا تقربوهم ، اقضوا أمركم. فقلت : والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا رجل مزّمل بين ظهرانيهم ، فقلت : من هذا؟ قالوا : هذا سعد بن عبادة ، فقلت : ما له؟ قالوا : يوعك ، فلما جلسنا قليلا تشهد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله. ثم قال : أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم معاشر المهاجرين رهط ، وقد دفت دافة من قومكم ، فإذا بهم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضونا من الأمر. فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر : على رسلك. فكرهت أن أغضبه ، فتكلم أبو بكر فكان هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال : ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا فلم أكره مما قال غيرها ، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحب إليّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ، أللهم إلاّ أن تسول لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن.

فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى فرقت من الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون

٣٢٦

ثم بايعته الأنصار. ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم : قتلتم سعد بن عبادة. فقلت : قتل الله سعد بن عبادة.

قال عمر : وإنا والله ما وجدنا في ما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر ، خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا ، فإما بايعناهم على ما لا نرضى وإما نخالفهم فيكون فساد ، فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا » (١).

ورواه ابن هشام ، وابن جرير الطبري ، والمتقي (٢).

٤ ـ خطبة أبي بكر بلفظ آخر

وقد احتج أبو بكر في خطبته يوم السقيفة على الأنصار بالقرب في النسب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « نحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ، ونحن أهل الخلافة وأوسط الناس أنسابا » فعلى أساس هذا الاستدلال يكون علي عليه‌السلام ـ وهو أقرب إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي بكر بلا ريب ـ هو الأولى والأحق بالأمر بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم.

وأما هذه الخطبة فقد رواها جماعة من أئمة الحفاظ.

قال الحافظ محب الدين الطبري : « وذكر موسى بن عقبة عن ابن شهاب : إن أبا بكر يوم السقيفة تشهد وأنصت القوم فقال : بعث الله نبيّه بالهدى ودين الحق فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الإسلام ، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا إلى ما دعا إليه ، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ، ونحن أهل الخلافة وأوسط الناس أنسابا في العرب ، ولدتنا العرب كلها فليس منهم قبيلة إلا لقريش فيها ولادة ، ولن تصلح إلاّ لرجل من قريش ، هم

__________________

(١) صحيح البخاري ـ كتاب الحدود الباب ٣١.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٦٥٧ ـ ٦٦١ ، تاريخ الطبري ٣ / ٢٠٣ ، كنز العمال ٥ / ٦٤٤ ـ ٦٤٧.

٣٢٧

أصبح الناس وجوها وأسلطهم ألسنة وأفضلهم قولا. فالناس لقريش تبع ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله وشركاؤنا في دين الله تعالى والتسليم لفضيلة إخوانكم من المهاجرين وأحق الناس ان لا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه ، وأنا أدعوكم إلى أحد رجلين ـ ثم ذكر معنى ما قبله في حديث ابن عباس ... » (١).

وفي رواية محمّد بن جرير الطبري : « فخص الله المهاجرين الأولين من قومه : بتصديقه والايمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم ولدينهم ، وكل الناس لهم مخالف زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم وشنف الناس لهم واجماع قومهم عليهم ، فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن به وبالرسول ، وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ولا ينازعهم في ذلك إلاّ ظالم ... » (٢).

وعند ابن خلدون : « نحن أولياء النبي وعشيرته وأحق الناس بأمره ولا ننازع في ذلك ... » (٣).

تنبيه

وهذا الكلام من أقوى الأدلة على خلافة أمير المؤمنين عليه‌السلام بلا فصل ، لأن جميع هذه الصفات التي ذكرها أبو بكر واستند إليها واعترف بها الأنصار فخصموا بها ، متوفرة في علي بأتم معانيها وأعلى درجاتها ، فهو الواجد لها دون أبي بكر وغيره من المهاجرين ، فهو الامام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سواه.

__________________

(١) الرياض النضرة ١ / ٢١٣.

(٢) تاريخ الطبري ٣ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٣) تاريخ ابن خلدون ٢ / ٨٥٤.

٣٢٨

وأما قوله : « فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما » فقد ثبت أن عليا عليه‌السلام أول الناس إسلاما ، وهذا من خصائصه أيضا ، وقد روى ذلك واعترف به كبار حفاظ أهل السنة ، ومن ذلك حديث رواه :

الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي.

والحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني.

والموفق بن أحمد المكي الخوارزمي.

والحافظ ابن عساكر الدمشقي.

وأبو الخير الحاكمي.

والحافظ الكنجي الشافعي.

والسيد شهاب الدين أحمد.

وإبراهيم بن عبد الله الوصابي.

وأحمد بن الفضل بن باكثير المكي.

ومحمّد صدر العالم.

وهذا نصه عن الحافظ أبي نعيم ، فإنه قال :

« حدّثنا إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن أبي حصين ، ثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا خلف بن خالد العبدي البصري ، ثنا بشر بن ابراهيم الأنصاري ، عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : يا علي أخصمك بالنبوة ولا نبوة بعدي ، وتخصم الناس بسبع لا يحاجك فيها أحد من قريش : أنت أولهم إيمانا ، وأوفاهم بعهد الله ، وأقومهم بأمر الله ، وأقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية ، وأعظمهم عند الله مزية » (١).

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٥ ـ ٦٦.

٣٢٩

٥ ـ احتجاج علي على أبي بكر

لقد احتج أمير المؤمنين عليه‌السلام على أبي بكر وأتباعه بنفس ما احتج به أبو بكر في السقيفة فخصم به الأنصار ... روى ذلك ابن قتيبة * المترجم له في : تاريخ بغداد ١٠ / ١٧٠ والأنساب ـ الدينوري ، تذكرة الحفاظ ٢ / ١٨٥ وتهذيب الأسماء واللغات ٢ / ٢٨١ ووفيات الأعيان ١ / ٣١٤ ومرآة الجنان ٢ / ١٩٢ وبغية الوعاة ٢٩١ * حيث قال : « إباءة علي بن أبي طالب بيعة أبي بكر ـ ثم إن عليا أتي به أبو بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله. فقيل له : بايع أبا بكر. فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم ، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة بي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلّى الله عليه وسلّم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا. ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لمكان محمّد منكم وأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الأمارة؟ فأنا احتج بمثل ما احتججتم على الأنصار ، نحن أولى برسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيا وميتا ، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون بالله وتخافون الله وإلاّ فباءوا بالظلم وأنتم تعلمون.

قال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع.

فقال له علي بن أبي طالب : احلب حلبا لك شطره ، أشدد له اليوم يرده عليك غدا ، ثم قال : والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال له أبو بكر : فإن لم تبايعني فلا أكرهك.

فقال أبو عبيدة بن الجراح لعلي : يا ابن عم إنك حديث السنّ وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك تجربتهم ومعرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلاّ أقوى على هذا الأمر منك وأشد احتمالا واستطلاعا ، فسلم هذا الأمر لأبي بكر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق ، وحقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.

٣٣٠

فقال علي : يا معشر المهاجرين! الله الله ، لا تخرجوا سلطان محمّد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فو الله يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ، ونحن أحق بهذا الأمر منكم ما كان فينا القاري لكتاب الله ، الفقيه في دين الله العالم بسنة رسول الله ، المتضلع بأمر الرعية المدفع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنها فينا ولا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله وتزدادوا من الحق بعدا.

فقال قيس بن سعد : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها أبا بكر ما اختلف عليك اثنان.

قال : وخرج علي يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على دابة ليلا على مجالس الأنصار يسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به. فيقول علي : أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه. فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلاّ ما كان ينبغي له ، قد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم به » (١).

وقد رواه جمال الدين المحدّث ـ وهو شيخ ( الدهلوي ) عن جماعة من أصحاب التواريخ (٢).

٦ ـ احتجاج علي يوم الشورى

لقد احتج أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الشورى بأقربيته من رسول الله

__________________

(١) الامامة والسياسة ١ / ١١. ولا ريب في أن هذا الكتاب لابن قتيبة ، وقد نسبه إليه جماعة ونقلوا عنه في كتبهم مثل : إتحاف الورى بأخبار أم القرى ، وغاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام ، والعقد الثمين ، والالف باء ، وتفسير شاهي.

(٢) روضة الأحباب.

٣٣١

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاثبات خلافته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم ينكر أحد منهم ما احتج به بل اعترفوا بذلك وسلّموا له ...

قال ابن حجر المكي : « أخرج الدار قطني : إن عليا يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم : أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الرحم مني ، ومن جعله صلّى الله عليه وسلّم نفسه وأبناءه أبناءه ونساءه نساءه؟ قالوا : اللهم لا ـ الحديث » (١).

وذكره كمال الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق (٢).

ورواه أيضا الملاّ مبارك الهروي.

ومن الواضح أنه عليه‌السلام أقرب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا من أهل الشورى فحسب بل من جميع الناس ، حتى الأول والثاني ...

ولو لم يصح الاستدلال بالأقربية لم يستدل بها الامام عليه‌السلام ، ولاستنكر عليه القوم ذلك الاستدلال وردّوه.

٧ ـ اعتراف طلحة والزبير والمسلمين بأولويته بالخلافة لأجل القرابة

روى المتقي : « عن محمّد بن الحنفية قال : لما قتل عثمان استخفى علي في دار لأبي عمرو بن حصين الأنصاري ، فاجتمع الناس فدخلوا عليه الدار فتداكّوا على يده ليبايعوه تداك الإبل الهيم على حياضها وقالوا : نبايعك. قال : لا حاجة لي في ذلك ، عليكم بطلحة والزبير. قالوا : فانطلق معنا ، فخرج علي وأنا معه في جماعة من الناس ، حتى أتينا طلحة بن عبيد الله فقال له : إن الناس قد اجتمعوا ليبايعوني ولا حاجة لي في بيعتهم ، فأبسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة

__________________

(١) الصواعق المحرقة ـ ٩٣.

(٢) البراهين القاطعة ـ ٢٦٣.

٣٣٢

رسوله. فقال له طلحة : أنت أولى بذلك مني وأحق ، لسابقتك وقرابتك ، وقد اجتمع لك من هؤلاء الناس من قد تفرّق عني ، فقال له علي : أخاف أن تنكث بيعتي وتغدر بي. قال : لا تخافنّ ذلك فو الله لا ترى من قبلي أبدا شيئا تكره. قال : الله عليك كفيل.

ثم أتى الزبير بن العوام ونحن معه فقال له مثل ما قال لطلحة ، وردّ عليه مثل الذي ردّ عليه طلحة.

وكان طلحة قد أخذ لقاحا لعثمان ومفاتيح ، وكان الناس اجتمعوا عليه ليبايعوه ولم يفعلوا ، فضرب الركبان بخبره إلى عائشة وهي بسرف فقالت : كأني انظر إلى إصبعه تبايع بخب وغدر.

قال ابن الحنفيّة : لما اجتمع الناس على علي قالوا له : هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام ، ولا نجد لهذا الأمر أحق منك ولا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رحما منك ، قال : لا تفعلوا فإني وزيرا خير مني لكم أميرا. قالوا : والله ما نحن بفاعلين أبدا حتى نبايعك ، وتداكوا على يده ، فلما راى ذلك قال : إن بيعتي لا تكون في خلوة إلاّ في المسجد ظاهرا ، وأمر مناديا فنادى المسجد المسجد ، فخرج وخرج الناس معه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : حق وباطل ولكل أهل ، فلئن كثر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق فلربما ، ولعل ما أدبر شيء فأقبل ، ولئن ردّ إليكم أمركم لسعدتم ، فإني أخشى أن تكونوا في فترة وما علي إلا الجهد ، سبق الرجلان وقام الثالث ثلاثة واثنان ليس معهما سادس : ملك مقرب ، ومن أخذ الله ميثاقه ، وصديق نجا ، وساع مجتهد ، وطالب يرجو ، هلك من ادعى وخاب من افترى ، اليمين والشمال مضلة والطريق المنهج عليه باقي الكتاب وآثار النبوة ، وإن الله أدب هذه الأمة بالسوط والسيف ، ليس لأحد فيما عندنا هوادة ، فاستووا ببيوتكم وأصلحوا ذات بينكم وتعاطوا الحق فيما بينكم ، فمن أبرز صفحته معاندا للحق هلك ، والتوبة من ورائكم. وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ، فهو أول خطبة خطبها بعد ما استخلف.

٣٣٣

اللالكائي » (١).

فظهر ـ من كلمات طلحة والزبير وسائر المسلمين ـ أولوية أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة ، لكونه أقربهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٨ ـ ذكر النبي القرابة في أدلة الامامة

قال الحافظ السيوطي : « أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : لما أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من غزوة حنين أنزل عليه ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) إلى آخر القصة. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا علي بن أبي طالب يا فاطمة بنت محمّد جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ، فسبحان ربي وبحمده واستغفره ، إنه كان توابا.

ويا علي ، إنه يكون بعدي في المؤمنين الجهاد. قال : على ما نجاهد المؤمنين الذين يقولون آمنا؟ قال : على الإحداث في الدين إذا عملوا بالرأي ولا رأي في الدين ، إنما الدين من الرب أمره ونهيه ، قال علي : يا رسول الله ، أرأيت إن عرض لنا أمر لم ينزل فيه القرآن ولم يمض فيه سنة منك! قال : تجعلونه شورى بين العابدين من المؤمنين ولا تقضونه برأي خاصة ، فلو كنت مستخلفا أحدا لم يكن أحد أحق منك لقدمك في الإسلام وقرابتك من رسول الله وصهرك ، وعندك سيدة نساء العالمين ، وقبل ذلك من كان من بلاء أبي طالب ، ونزل القرآن وأنا حريص أن أراعي في ذلك » (٢).

فظهر أنه لم يكن أحد أحق بالخلافة من علي عليه‌السلام الحائز لهذه الصفات ، ومنها القرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فالقرابة من الأمور التي تستلزم الامامة والخلافة ، فما ذكره المتعصبون في إنكار ذلك واضح البطلان.

__________________

(١) كنز العمال ٥ / ٧٤٧ ـ ٧٥٠.

(٢) الدر المنثور ٧ / ٤٠٧.

٣٣٤

٩ ـ يشترط كون النبي وخليفته من سلالة واحدة

لقد قال شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) ما تعريبه : « قال الله عز وجل : ( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً ).

أقول ... ثم سأل أيضا أنه يحتاج إلى من يعينه في أمر الرسالة ، وقد عبر عنه هنا بـ ( الوزير ) وفي موضع آخر بـ ( ردءا يصدقني ) فطلب بعد ذلك توفر ثلاث صفات في شخص الوزير الذي طلبه ، فأحدها ما دل عليه قوله ( من أهلي ) وهذه الصفة إنما لزمت من جهة شئون موسى الخاصة به ، إذ لم يوجد أحد يؤازره في ذلك سواه ، وليست هذه الصفة شرطا مطلقا بقرينة استخلاف موسى يوشع ، والخلافة أعظم من الوزارة.

ويشترط في الوزير أن يكون ذا قوة ومروءة وذا شأن عند أهل الحل والعقد ، ويشترط في الخليفة أن يكون ـ مضافا إلى ما تقدم ـ من عشيرة النبي بحيث يرجعان إلى أب واحد ، كي يكون الخليفة مكرما لدى الأمة ، ولذا لم يرسل الله عز وجل نبيا إلى بني إسرائيل إلاّ من أنفسهم من أسباط موسى أو غيره.

ولقد جعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا المعنى شرطا في خلفائه إذ قال : الأئمة من قريش جريا على سنة الله عز وجل في أنبياء بني إسرائيل » (١).

أقول : ونحن نتمسك بما ذكره من اشتراط قرابة الخليفة من النبي ورجوعهما إلى أب واحد ، فبالنسبة إلى خليفة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشترط أن يكون خليفته من عشيرته أي من بني هاشم ، وحينئذ تثبت إمامة علي لأنه أفضل بني

__________________

(١) إزالة الخفا ٢ / ١٦٢.

٣٣٥

هاشم بالإجماع.

وما ذكره من لزوم استمرار سنة الله الجارية يقتضي وجوب عصمة خلفاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولزوم النص عليهم من قبله ، وكونهم أفضل الناس بعده.

ومن الواضح عدم وجود هذه الأمور في الثلاثة المتقدمين على علي.

١٠ ـ كلام الرازي في مناقب الشافعي

إن للفجر الرازي كلاما طويلا في ذلك بيان نسب ( الشافعي ) من جهة آبائه وأمهات أجداده وأمه خاصة ، وقد ذكر ذلك من جملة مناقبه التي اختص بها دون وأبي حنيفة وأن ذلك يوجب كمال الأفضلية ... فقال بعد أن ذكر نسبه من جهة أبيه في المقام الأول : « المقام الثاني ـ وهو بيان أن الشافعي كان هاشميا من جهة أمهات أجداده ... إن هذا النسب الذي شرحناه يفيد الشرف والمنقبة من وجوه :

الأول : إن عبد مناف جد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان له أبناء أربعة : هاشم وهو جدّ رسول الله والمطلب وهو جد الشافعي ... وكان هاشم والمطلب متناصرين وعبد شمس ونوفل متناصرين ... فلما حصل بين هاشم والمطلب الأخوة من جهة النسب ، والأخوة أيضا من جهة المحبة والنصرة ، بقي ذلك بين الأولاد ، فلا جرم كان الشافعي مخصوصا بمزيد الاهتمام بنصرة دين محمّد.

الوجه الثاني في تقرير ما ذكرناه : روي أن هاشم بن عبد مناف تزوج امرأة من بني النجار بالمدينة ، فولدت له شيبة جدّ رسول الله ثم توفي هاشم وبقي شيبة مع أمه ، فلما ترعرع خرج إليه مطلب بن عبد مناف فأخذه من أمه وجاء به إلى مكة وهو مردفه على راحلته ، فظنوا أنه عبد ملكه المطلب فلقبوه به فغلب عليه هذا الاسم. ثم إن المطلب عرّفهم أنه ابن أخيه ، ثم إنه ربّاه وقام بأمره ، فثبت أن

٣٣٦

المطلب جدّ الشافعي كان ناصرا لهاشم ومربيا لعبد المطلب ، فبلغت تلك التربية إلى حيث اشتهر بكونه عبد المطلب ...

ثم إن الله تعالى قدّر أن صيّر الشافعي كالناصر لدين محمّد صلّى الله عليه وسلّم والذاب عنه ، ولذلك لقبوا الشافعي ـ رضي‌الله‌عنه ـ في بغداد بناصر الحديث ، حتى يكون نسبة الأولاد إلى الأولاد كنسبة الأجداد إلى الأجداد.

الوجه الثالث : روى جبير بن مطعم : إنه لما قسّم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب ، مشيت أنا وعثمان ابن عفان قلت : يا رسول الله هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا تنكر فضلهم ، لأن الله تعالى جعلك منهم إلاّ أنك أعطيت بني المطلب وتركتنا ، وإنما نحن وهم بمنزل واحد. فقال عليه‌السلام : إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام ، وانما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا ، ثم شبّك عليه‌السلام بين أصابع يديه إحداهما في الأخرى.

... والناس اختلفوا في تفسير آل محمّد ، فمنهم من فسّره بالنسب ، ومنهم من فسره بكلّ من كان على دينه وشرعه ، وعلى كلا التقديرين فالشافعي من آل محمّد ، فكان داخلا في قولنا : « اللهم صل على محمّد وعلى آل محمّد ». ولما كان هو من آل محمّد ووجب الصلاة على الآل فوجبت عليه ، ولا شك أن مالكا وأبا حنيفة ليسا كذلك ، فكان هذا النوع من الشرف حاصلا له وغير حاصل لسائر المجتهدين ، وذلك يوجب كمال الأفضلية ».

أقول : وجميع هذه الوجوه التي ذكرها الرازي لاثبات كمال أفضلية الشافعي من مالك وأبي حنيفة وغيرهما من المجتهدين ، تقتضي بالأولوية القطعية كمال أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام من الثلاثة وغيرهم.

٣٣٧
٣٣٨

ليس العباس أولى من علي

ولا أقرب إلى النبيّ

٣٣٩
٣٤٠