نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

رواية الجيلاني اللاهيجي

رواه في ( شرح گلشن راز ) بعد عدّة أحاديث في فضل أمير المؤمنين عليه‌السلام وهي « إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كلّ مؤمن. وأيضا : لكلّ نبي وصي ووارث وإن عليا وصيي ووارثي. وأيضا : أنا أقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويل القرآن. وأيضا : يا أبا بكر كفي وكف علي في العدل سواء. وأيضا : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب. وأيضا أنا وعلي من شجرة واحدة والناس من أشجار شتى. وأيضا : قسّمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة والناس جزء واحدا. وأيضا : أوصي من آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاّه فقد تولاّني ومن تولاّني فقد تولى الله. وأيضا : لما أسري بي ليلة المعراج فاجتمع عليّ الأنبياء في السماء. فأوحى الله تعالى إليّ سلهم يا محمّد بما ذا بعثتم؟ فقالوا : بعثنا على شهادة أن لا إله إلاّ الله وعلى الإقرار بنبوتك والولاية لعلي بن أبي طالب ».

رواية البدخشاني

رواه عن عبد الرزاق الرسعني عن ابن مسعود (١).

٢ ـ حديث عرض ولاية علي على إبراهيم

ومنها : حديث عرض ولاية علي على ابراهيم عليهما‌السلام ، وقد رواه البدخشاني عن الحافظ ابن مردويه حيث قال : « أخرج ابن مردويه عن أبي عبد الله

__________________

(١) مفتاح النجا ـ مخطوط. ومنه علم رواية الرسعني.

٢٦١

جعفر بن محمّد الصادق رضي‌الله‌عنه في قوله تعالى : ( وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ) قال : هو علي بن أبي طالب عرضت ولايته على ابراهيم عليه‌السلام فقال : اللهم اجعله من ذرّيّتي ، ففعل الله ذلك » (١).

وفيه من الفضل الذي لم يحزه أحد ما لا يخفى.

٣ ـ حديث أخذ الله ميثاق إمارة علي من الملائكة

ومنها : ما رواه :

١ ـ شيرويه بن شهردار الديلمي عن حذيفة حيث قال :

« حذيفة : لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد ، قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة بلى. فقال : أنا ربكم ومحمّد نبيكم وعلي أميركم » (٢).

إذن ، كل ما ثبت للنبي صلّى الله عليه وسلّم ثابت لعلي ، وهو أفضل من الملائكة أيضا كالنبي.

وإذا كان أفضل من الأنبياء ـ عدا النبي ـ ومن الملائكة فهو أفضل من سائر الخلق ، الصحابة وغيرهم ... فهو الخليفة من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا غيره ، وهو الأمير وليس غيره ...

الديلمي وفردوس الأخبار

وشيرويه الديلمي من أكابر حفاظ أهل السنة ، فقد ترجم له بكلّ إطراء

__________________

(١) مفتاح النجا ـ مخطوط.

(٢) فردوس الاخبار : ٣ / ٣٩٩.

٢٦٢

وتبجيل في المعاجم الرجالية وغيرها ومن ذلك :

١ ـ تذكرة الحافظ للذهبي ٤ / ٥٣.

٢ ـ العبر له أيضا ٤ / ١٨.

٣ ـ طبقات الشافعية للسبكي ٧ / ١١١.

٤ ـ طبقات الشافعية للاسدي.

٥ ـ طبقات الشافعية للاسنوي.

٦ ـ طبقات الحفاظ للسيوطي ٤٥٧.

٧ ـ فيض القدير للمناوي ١ / ٢٨.

كما يعتمد عليه ( الدهلوي ) وينقل عنه في مواضع من ( التحفة ).

وقد وصف الديلمي نفسه وولده شهردار في ( مسند الفردوس ) والهمداني في ( روضة الفردوس ) كتاب ( فردوس الأخبار ) بأوصاف جليلة ، قال شهردار ما ملخصه :

« وهو كتاب نفيس ، عزيز الوجود ، مفتون به ، جامع للغرر والدرر النبوية والفوائد الجمة والمحاسن الكثيرة ، قد طنّت به الآفاق ، وتنافست في تحفظه الرفاق ، لم يصنّف في الإسلام مثله تفصيلا وتبويبا ، وكم ضمنه رحمه‌الله من عجائب الأخبار وغرائب الأحاديث مما لا يوجد في كثير من الكتب ، فهو في الحقيقة كالفردوس.

فأمّا اليوم فقد تكثرت نسخه في البلاد بحيث لم تبق بلدة من بلاد العراق ولا كورة من أقطار الآفاق ، إلاّ وعلماؤها مثابرون على تحصيله ، وأئمتها مكبون على اشترائه ونسخه ، وفضلاؤها مواظبون على قراءته وحفظه ... ».

٢ ـ السيد علي الهمداني عن حذيفة مثله (١).

وعن أبي هريرة قال : « قيل يا رسول الله متى وجبت لك النبوة؟ قال صلّى

__________________

(١) روضة الفردوس ـ مخطوط. ينابيع المودة : ٢٤٨.

٢٦٣

الله عليه وسلّم : قبل أن يخلق الله آدم وينفخ فيه الروح وقال : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) قالت الملائكة : بلى.

فقال : أنا ربكم ومحمّد نبيكم وعلى أميركم » (١).

ترجمة الهمداني :

وقد ترجمنا للعارف المحدّث السيد علي الهمداني في بعض المجلّدات عن عدة من المصادر ، ومنها :

١ ـ خلاصة المناقب للبدخشاني.

٢ ـ نفحات الأنس للجامي.

٣ ـ كتائب الأعلام للكفوي.

٤ ـ الانتباه في سلاسل أولياء الله للدهلوي.

٣ ـ الشيخ عبد الوهاب بن محمّد بن رفيع الدين أحمد في ( تفسيره ) بتفسير آية المودة عند ذكر فضائل علي عليه‌السلام عن الفردوس عن حذيفة كما تقدم.

ترجمة الشيخ عبد الوهاب

وتظهر جلالة عبد الوهاب بمراجعة :

١ ـ أخبار الأخيار للشيخ عبد الحق الدهلوي.

٢ ـ تذكرة الأبرار للسيد محمّد ماه عالم.

٤ ـ حديث أخذ النبي الميثاق على وصاية علي من صحابته

ولقد جاء عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أخذ من صحابته

__________________

(١) مودة القربى. انظر ينابيع المودة : ٢٤٨.

٢٦٤

ميثاقهم بالنسبة إلى إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام وإمارته ، كما أخذ الله ذلك من ملائكته وعرضه على أنبيائه ورسله ... جاء ذلك في رواية السيد علي الهمداني :

« عن عتبة بن عامر الجهني رضي الله تعالى عنه قال : بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أن الله وحده لا شريك له ، وأن محمّدا نبيه وعليا وصيه ، فإن تركنا الثلاثة كفرنا ، وقال لنا : أحبّوا هذا فإن الله يحبه ، واستحيوا منه فإن الله يستحيى منه » (١).

ومن هذا الحديث يعلم أن الإقرار بوصاية علي ـ كالاقرار بنبوة محمّد ووحدانية الله سبحانه ـ ركن ، ومن أعرض عن ذلك وتركه فقد كفر.

١٦ ـ أحاديث في فضل علي مثبتة لإمامته للافضلية ومؤيدة لحديث النور

الحديث الأول

الكنجي ، بسنده عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله : « قال : سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ميلاد علي بن أبي طالب ، فقال : لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح : إن الله خلق عليا من نوري ، وخلقني من نوره ، وكلانا في نور واحد ، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم إلى أصلاب طاهرة في أرحام زكية ، فما نقلت من صلب إلاّ ونقل علي معي ، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة ، واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد.

وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له : المبرم بن دعيب بن الشقبان ، قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة ، فبعث الله إليه أبا طالب ، فلمّا أبصره المبرم قام إليه وقبّل رأسه وأجلسه بين يديه ، ثم قال له : من أنت؟

__________________

(١) مودة القربى. انظر ينابيع المودة : ٢٤٨.

٢٦٥

فقال : رجل من تهامة ، فقال : من أي تهامة؟ فقال : من بني هاشم.

فوثب العابد فقبّل رأسه ثانية ، ثم قال : يا هذا ، إن العلي الأعلى ألهمني إلهاما. قال أبو طالب : وما هو؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل ، فلما كان الليلة التي ولد فيها على أشرقت الأرض. فخرج أبو طالب وهو يقول :

أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله عز وجل ، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول :

يا رب هذا الغسق الدجى

والقمر المنبلج المضي

بيّن لنا من أمرك الخفي

ما ذا ترى في اسم ذا الصبي

قال : فسمع صوت هاتف يقول :

يا أهل بيت المصطفى النبي

خصصتم بالولد الزكي

إن اسمه من شامخ العلي

علي اشتق من العلي

قلت : هذا حديث اختصرته ، ما كتبناه إلاّ من هذا الوجه ، تفرّد به مسلم ابن خالد الزنجي ، وهو شيخ الشافعي ، وتفرّد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا ، والزنجي لقلب لمسلم وسمي بذلك لحسنه وحمرة وجهه وجماله » (١).

ودلالة الحديث على المطلوب واضحة.

الحديث الثاني

الكنجي أيضا ، بسنده عن مالك بن أنس عن أبي سلمة عن أبي سعيد « قال : سأل أبو عقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله من سيد المسلمين ، أليس آدم؟ فقد خلقه بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وزوجه حواء أمته ،

__________________

(١) كفاية الطالب ٤٠٦ ـ ٤٠٧.

٢٦٦

وأسكنه جنّته ، فمن يكن؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فضّله الله عز وجل ، فقال : شيث؟ فقال : أفضل من شيث ، فقال : إدريس؟ فقال : أفضل من إدريس ، وهكذا ذكر هودا ، وصالحا ، ولوطا ، وموسى ، وهارون ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف وداود ، وأيوب ، ويونس ، وزكريا ، واليسع ، وذا الكفل ، وعيسى ، والنبي أجاب بأنه أفضل.

قال أبو عقال : ما علمت من هو يا رسول الله : ملك مقرّب؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مكلمك يا أبا عقال ـ يعنى نفسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال أبو عقال : سررتني والله يا رسول الله.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أزيدك على ذلك؟ قال : نعم ، فقال : اعلم يا أبا عقال أن الأنبياء والمرسلين ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيا ، لو جعلوا في كفة وصاحبك في كفة لرجح عليهم ، فقلت : ملاتني سرورا يا رسول الله ، فمن أفضل الناس بعدك؟ فذكر له نفرا من قريش ، ثم قال : علي بن أبي طالب ، فقلت : يا رسول الله ، فأيّهم أحب إليك؟ قال : علي بن أبي طالب.

فقلت : لم ذلك؟

فقال : لأني خلقت أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد.

قال : فقلت : فلم جعلته آخر القوم؟ قال : ويحك يا أبا عقال ، أليس قد أخبرتك أني خير النبيين وقد سبقوني بالرسالة وبشّروا بي من قبلي ، فهل ضرّني شيء إذ كنت آخر القوم؟ أنا محمّد رسول الله ، وكذلك لا يضر عليا إذا كان آخر القوم ، ولكن يا أبا عقال فضل علي على سائر الناس كفضل جبرائيل على سائر الملائكة.

قلت : هذا حديث حسن عال ، وفيه طول إنما اختصرته ، ما كتبناه إلاّ من هذا الوجه » (١).

__________________

(١) كفاية الطالب ٣١٥ ـ ٣١٧.

٢٦٧

قلت : دلّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام أحب الناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لأنهما خلقا من نور واحد » فهو أفضل الناس بعده ، وقد صرح بذلك إذ قال : « ولكن يا أبا عقال فضل علي على الناس كفضل جبرئيل على سائر الملائكة ».

وأما ما جاء في ذيله من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعله آخر القوم ... فهو مما انفردوا بروايته ، وليس حجة على الامامية ، على أنه يناقض ما قبله ، لأنه إذا كان أحب الناس إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان فضله على سائر الناس ـ على الإطلاق ـ كفضل جبرئيل على سائر الملائكة ، لم يكن لأحد أن يتقدّم عليه في شيء أبدا.

الحديث الثالث

الكنجي أيضا ، بسنده عن أبي أمامة الباهلي « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقني وعليا من شجرة واحدة فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمرها ، فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى.

ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار ، ثم تلا : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ).

قلت : هذا حديث حسن عال ، رواه الطبراني في معجمه كما أخرجناه سواء ، ورواه محدّث الشام في كتابه بطرق شتى » (١).

وهذا الحديث أيضا صريح في المطلوب.

__________________

(١) كفاية الطالب ٣١٧.

٢٦٨

الحديث الرابع

الكنجي عن ابن عساكر بسنده عن أبي الزبير قال :

« سمعت جابر بن عبد الله يقول : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعرفات وعلي تجاهه ، فأومأ إليّ وإلى علي ، فأتينا النبي وهو يقول : أدن مني ، فدنا منه ، فقال : ضع خمسك في خمسي ـ يعني كفّك في كفّي ـ يا علي : خلقت أنا وأنت من شجرة أنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها ، فمن تعلّق بغصن منها دخل الجنة ، يا علي : لو أن أمتي قاموا حتى يكونوا كالحنايا ، وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم الله في النار.

قلت : هكذا رواه في ترجمة علي عليه‌السلام من كتابه » (١).

وهذا الحديث يؤيد حديث النور ويثبت صحته ، ويدل على وجوب اتباع علي عليه‌السلام والقول بإمامته.

الحديث الخامس

الكنجي في ( الباب الثامن والخمسون في تخصيص علي بقوله : أنا مدينة العلم وعلي بابها ) بسنده عن الخطيب البغدادي عن علي عليه‌السلام : « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شجرة أنا أصلها وعلي فرعها والحسن والحسين ثمرتها والشيعة ورقها ، فهل يخرج من الطيّب إلاّ الطيب؟ وأنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها.

قلت : هكذا رواه الخطيب في تاريخه وطرقه » (٢).

__________________

(١) كفاية الطالب ٣١٨.

(٢) كفاية الطالب ٢٢٠.

٢٦٩

فإن جمعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين حديث الشجرة وحديث مدينة العلم في سياق واحد يشعر بتفرع كونه باب مدينة العلم على كونه فرع الشجرة ، ويقتضي دلالة حديث الشجرة على أعلمية علي عليه‌السلام كحديث النور.

الحديث السادس

الكنجي في ( الباب السادس والخمسون في تخصيص علي بكونه إمام الأولياء ) بسند فيه جماعة من الأعاظم عن ابن عباس : « قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي عز وجل فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمة بعدي ، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ، رزقوا فهما وعلما ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنا لهم الله شفاعتي » (١).

دل على وجوب الاقتداء بالائمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن الأئمة عترته وعلي أوّلهم ، وفيه تحذير للأمة من تكذيب فضلهم لئلا يقطعوا بذلك صلة الرسول ويحرموا من شفاعته يوم القيامة.

فليتأمل : ألا يشمل هذا الحديث المكذبين لحديث النور والمنكرين لدلالته؟

الحديث السابع

الكنجي في الباب المذكور بسنده عن أنس : « قال بعثني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أبي برزة الأسلمي فقال له ـ وأنا أسمع ـ إن رب العالمين عهد

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢١٤.

٢٧٠

إليّ عهدا في علي بن أبي طالب ، فقال : إنه راية الهدى ومنار الايمان وإمام أوليائي ونور جميع من أطاعني. يا أبا برزة : علي بن أبي طالب أميني غدا في يوم القيامة ، وصاحب رايتي ، وأميني على مفاتيح خزائن رحمة ربي عز وجل.

قلت : هذا حديث حسن أخرجه صاحب حلية الأولياء » (١).

وهذا الحديث أيضا يفيد المطلوب بوضوح ، ولا سيما وصفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الامام عليه‌السلام بـ « إمام أوليائي » فإنه بوحده كاف في إثبات المرام.

الحديث الثامن

الكنجي بسنده « عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم فتحت خيبر : لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر على ملأ من المسلمين إلاّ أخذوا من ترابك رجليك وفضل طهورك ليستشفوا به.

ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك ، ترثني وأرثك ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي ، أنت تؤدي ديني وتقاتل على سنتي ، وأنت في الآخرة أقرب الناس مني ، وأنك غدا على الحوض ، وأنت أول داخل الجنة من أمتي ، وأن شيعتك على منابر من نور مسرورون مبيضة وجوههم حولي اشفع لهم ، فيكونون غدا في الجنة جيراني ، وأن أعداءك غدا ظماء مظمئين مسودة وجوههم مقمحين ، حربك حربي وسلمك سلمي ، وسرّك سرّي وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري ، وأنت باب علمي ، وأن ولدك ولدي ولحمك لحمي ودمك دمي ، وأن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، والايمان

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢١٥.

٢٧١

مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وأن الله عز وجل أمرني أن أبشّرك أنك وعترتك في الجنة ، وأن عدوك في النار ، لا يرد الحوض علي مبغض لك ولا يغيب عنه محب لك.

قال علي عليه‌السلام : فخررت لله سبحانه وتعالى ساجدا وحمدته على ما أنعم به علي من الإسلام والقرآن ، وحببني إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين » (١). أقول : وهذا الحديث رواه الخركوشي ، وابن المغازلي ، وعمر الملاّ ، وابن سبع الأندلسي ، والوصابي ، وشهاب الدين أحمد ، ومحمّد بن إسماعيل اليماني .. أيضا : كما في مجلّد ( حديث المنزلة ).

وقد جاء فيه « سرّك سرّي وعلانيتك علانيتي وسريرة صدرك كسريرة صدري » وهذا دليل واضح على أن خلق أمير المؤمنين مثل خلق رسول الله صلّى الله عليهما وعلى آلهما وسلم ، وهو مدلول حديث النور ، فهو من مؤيدات هذا الحديث الشريف.

وبهذه الجملة من الحديث أيضا تثبت عصمة أمير المؤمنين عليه‌السلام وأفضلية من جميع الخلائق ، حتى الملائكة والأنبياء وسائر الأولياء والأوصياء ، لأن سره وعلانيته وسريره صدره كسرّ وعلانية وسريرة صدر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومما لا ريب فيه عند الكلّ أن سر رسول الله وعلانيته وسريرة صدره معصوم من الخطأ وأفضل من جميع الخلائق ، فيكون سرّ أمير المؤمنين وعلانيته وسريرة صدره كذلك.

وهذا يقتضي أن تكون إمامته وخلافته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من البديهيّات الأولية ، ويدل على قبح تقدم القوم عليه ، وبطلان خلافتهم وإمامتهم.

والحديث يدل على الافضلية من وجوه أخرى كما لا يخفى.

__________________

(١) كفاية الطالب : ٢٦٤.

٢٧٢

الحديث التاسع

الكنجي في الباب السادس والعشرين ( في شوق الملائكة والجنة إلى علي عليه‌السلام واستغفارهم لمحبّيه ) بسنده :

« عن أنس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : مررت ليلة أسري بي إلى السماء ، فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به ، فقلت : يا جبرئيل من هذا الملك؟ قال : أدن منه وسلّم عليه ، فدنوت منه وسلّمت عليه ، فإذا أنا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب. فقلت : يا جبرئيل سبقني علي إلى السماء الرابعة ، فقال لي : يا محمّد لا ، ولكن الملائكة شكت حبها لعلي ، فخلق الله تعالى هذا الملك من نور على صورة علي ، فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة ، يسبّحون الله ويقدّسونه ويهدون ثوابه لمحب علي.

قلت : هذا حديث حسن عال لم نكتبه إلاّ من هذا الوجه ، تفرد به يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس وهو ثقة » (١).

دل على أن الملك المخلوق من نور على صورة أمير المؤمنين عليه‌السلام أفضل من سائر الملائكة ، فأيّ ريب في خلق أمير المؤمنين من النور وأفضليته من جميع الخلائق بعد الرسول الكريم؟

الحديث العاشر

الموفق بن أحمد المكي أخطب خطباء خوارزم : « أنبأني مهذب الأئمة هذا ، قال أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمّد بن علي بن زيرك المقري ، قال أخبرنا والدي أبو بكر محمّد ، قال حدّثنا أبو علي عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد النيسابوري ، قال

__________________

(١) كفاية الطالب : ١٣٢.

٢٧٣

حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد الله النانيجي البغدادي من حفظه بدينور ، قال حدّثنا محمّد بن جرير الطبري ، قال حدّثني محمّد بن حميد الرازي قال : حدّثنا العلاء بن الحسين الهمداني قال : حدّثنا أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وسئل بأيّ لغة خاطبك ربك ليلة المعراج فقال ـ : خاطبني بلغة علي بن أبي طالب ، فألهمني أن قلت : يا رب خاطبتني أم علي؟ فقال : يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء ، لا أقاس بالناس ولا أوصف بالشبهات ، خلقتك من نوري وخلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك ، فلم أجد أحدا في قلبك أحبّ إليك من علي بن أبي طالب ، فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك » (١).

وقد رواه السيد علي الهمداني أيضا.

وأهل السنة وإن جوزوا القبيح على الله تعالى شأنه إلاّ أنهم لا يجوّزون عليه الكذب!!

هذا وقد تقدم في الحديث السابع عن رب العالمين عزّ وجل فيما عهد إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي : « نور جميع من أطاعني ».

كلمات علماء أهل السنة وعرفائهم في فضل علي ومعنى حديث النور

ولأكابر أئمة أهل السنة في الحديث والعرفان كلمات رشيقة دالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، على أساس أنه مخلوق من نور وعلى ضوء حديث النور ... ونحن نذكر طائفة من تلك الكلمات بنصوصها في هذا المقام ، تأييدا لدلالة حديث النور على المرام :

__________________

(١) مناقب علي بن أبي طالب للخوارزمي ٣٦ ـ ٣٧.

٢٧٤

١ ـ الشيخ ابن عربي

فمنهم : الشيخ محيي الدين ابن عربي ، كبير أوليائهم وأكبر مشايخهم ، حيث صرّح بأنه لم يكن أقرب إلى الله تعالى في عالم الهباء ـ وهو عالم النور ـ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب « إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » ، وهذا نص كلامه :

« فصل ـ كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه وكان ، لم يرجع إليه من إيجاده العالم صفة لم يكن عليها ، بل كان موصوفا بنفسه ، وسمي قبل خلقه بالأسماء التي يدعونه بها خلقه ، فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه الفعل عن تلك الإرادة المقدسة ، بضرب تجل من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية حقيقة تسمى الهباء هي بمنزلة طرح البناء الجص ، ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور ، وهذا أول موجود في العالم ، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه وسهل بن عبد الله رحمه‌الله وغيرهما من أهل التحقيق أهل الكشف والوقوف.

ثم إنه سبحانه تجلّى بنوره إلى ذلك الهباء ، ويسمونه أصحاب الأفكار الهيولى الكلي والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية ، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده ، كما يقبل زوايا البيت نور السراج ، وعلى قدر قربه من ذلك النور يشتد ضوؤه وقبوله ، قال الله تعالى ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ ) فشبه نوره بالمصباح ، فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلاّ حقيقة محمّد صلّى الله عليه وسلّم المسماة بالعقل الأول ، فكان سيّد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود ، فكان ظهوره من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية ، وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه ، وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب إمام العالم بأسره والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » (١).

__________________

(١) الفتوحات المكية ـ الباب السادس ، في بدء الخلق.

٢٧٥

وجوه دلالة هذا الكلام

ويدل كلام الشيخ ابن عربي على المطلوب من وجوه :

الأول : قوله في حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلاّ حقيقة محمّد صلّى الله عليه وسلّم المسماة بالعقل الأول ، فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود ، فكان ظهوره من ذلك النور ... » ظاهر في أن كونه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العالم بأسره فرع كونه الأقرب إليه قبولا في عالم النور ، وأن العالم كله مخلوق لأجله ومن تجليات أنواره.

أقول : فكذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لأن خلقه مقارن لخلقه وهما من نور واحد ، فهو سيد العالم بأسره من بعده ، فلا يجوز تقدّم أحد عليه في شيء ، وهو المطلوب.

الثاني : قوله : « وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب » أي في عالم الهباء والنور الالهي ، وهذا الكلام يدل على صحة حديث النور ويؤكّد قطعية صدوره ، وإذا كان أقرب الناس إليه في ذلك العالم كان سيد العالم بأسره من بعده ، فلا يجوز تقدم أحد عليه في أمر من الأمور.

الثالث : قوله في حق علي : « إمام العالم بأسره » تصريح بالحق ونص في المطلوب ، فهو عليه‌السلام إمام جميع الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين من الأولين والآخرين ، فلا يجوز تقدّم أحد عليه ، فهو مما يبطل تقدم الثلاثة والحمد لله.

الرابع : قوله : « والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين » أي : إنه عليه‌السلام حاو لجميع كمالات الأنبياء المقربين وجامع لأسرارهم وعلومهم ، وهذا يدل على الأفضلية وبطلان تقدّم من تقدّم عليه.

وبهذه الجملة من كلامه تتضح صحة حديث التشبيه وهو قوله صلّى الله

٢٧٦

عليه وآله وسلّم في أحد ألفاظه : « من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى موسى في مناجاته وإلى عيسى في سمته وإلى محمّد في تمامه وكماله وجماله فلينظر إلى هذا » يعنى عليا عليه‌السلام ـ ودلالته على الأفضلية ، وأن ما لفقه ( الدهلوي ) في المنع من دلالته باطل عاطل.

فثبت بهذا الكلام صحة دلالة حديث النور وحديث التشبيه ، بل جميع الأحاديث المستدل بها على أفضلية أمير المؤمنين عليه الصلاة والسّلام ، والحمد لله رب العالمين.

كلام آخر لابن عربي

وقال الشيخ ابن عربي في الباب العاشر من ( الفتوحات ) في معرفة دورة الملك : « اعلم أيدك الله : أنه ورد في خبر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال : أنا سيد ولد آدم ولا فخر ـ بالراء ـ وفي رواية بالزاء وهو التبجح بالباطل. وفي صحيح مسلم : أنا سيد الناس يوم القيامة ، ويثبت له السيادة والشرف على أبناء جنسه من البشر. وقال عليه‌السلام : كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، يريد على علم بذلك ، فأخبره الله بمرتبته وهو روح قبل إيجاده الأجسام الإنسانية ، كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاده أجسامهم ، وألحقنا الله تعالى بأنبيائه بأن جعلنا شهداء على أممهم معهم حين يبعث من كلّ أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وهم الرسل ، فكانت الأنبياء عليهم‌السلام في العالم نوّابه صلّى الله عليه وسلّم من آدم إلى آخر الرسل عليهم‌السلام.

وقد أبان صلّى الله عليه وسلّم عن هذا المقام بأمور منها :

قوله صلّى الله عليه وسلّم : لو كان موسى حيّا ما وسعه إلاّ أن يتبعني. وقوله في نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان : إنه يؤمنا إمام منّا وهو يحكم فينا بسنة نبينا صلّى الله عليه وسلّم ، يكسر الصليب ويقتل الخنزير.

٢٧٧

ولو كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد بعث في زمان آدم إلى زمان وجوده الآن ، لكانت الأنبياء وجميع الناس تحت حكم شريعته إلى يوم القيامة ، ولهذا لم يبعث عامة إلاّ هو خاصة ، فهو الملك والسيد ... فكان الإمداد يأتي إليهم من تلك الروح الطاهرة فيما يظهرون به من الشرائع والعلوم في زمان وجودهم رسلا وتشريعهم الشرائع ، كعلي ومعاذ وغيرهما في زمان وجودهم ووجوده صلّى الله عليه وسلّم ، وكإلياس والخضر عليهما‌السلام وعيسى عليه‌السلام في زمان ظهوره في آخر الزمان حاكما بشرع محمّد صلّى الله عليه وسلّم في أمته ... فخرج من هذا المجموع كله : أنه ملك وسيد على جميع بني آدم ، وأن جميع من تقدّمه كان ملكا وله تبعا والحاكمون فيه نواب عنه.

فإن قيل : فقوله صلّى الله عليه وسلّم : لا تفضّلوني!

فالجواب : نحن ما فضلنا بل الله فضله ... » (١).

أقول : وكلّ هذه المقامات الثابتة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثابت لسيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام ( لحديث النور ) الدالّ على اتحادهما في الخلق قبل آدم عليه‌السلام ، فهو مفضّل على جميع الأنبياء سواه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقدّم عليهم وسيد جميع بين آدم. وإذا ثبتت الأفضلية ثبتت الإمامة والخلافة بلا ريب ، وهو المطلوب.

كلام آخر لابن عربي

وقال الشيخ ابن عربي أيضا : « اعلم ان الله لمّا جعل منزل محمّد صلّى الله عليه وسلّم السيادة فكان سيدا ومن سواه سوقة علمنا أنه لا يقاوم ، فإن السوقة لا تقاوم ملوكها ، فله منزل خاص وللسوقة منزل ، ولما أعطي هذه المنزلة وآدم بين الماء والطين علمنا أنه الممد لكل إنسان مبعوث بناموس إلهي أو حكمي ، وأول ما ظهر

__________________

(١) الفتوحات المكية ـ الباب العاشر ـ في معرفة دورة الملك.

٢٧٨

من ذلك في آدم حيث جعله الله خليفة عن محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، فأمده بالأسماء كلّها من مقام جامع الكلم التي لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم ... » (١).

أقول : فكذلك علي عليه‌السلام ( لحديث النور ) بما تقدم من البيان ، وبذلك يتضح بطلان خلافة من تقدم عليه ، لأنهم سوقة « والسوقة لا تقاوم ملوكها » فكيف بتقدمها عليهم؟!

ترجمة ابن عربي

ومن المناسب أن نورد هنا بعض كلماتهم في حق شيخهم الأكبر ابن عربي :

قال الشعراني : « أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم كما يشهد به كتبه ، وما أنكر عليه من أنكر إلاّ لدقة فهم كلامه لا غير ، فأنكروا على من يطالع كتبه من غير سلوك لطريق الرياضة ، خوفا من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدي لتأويلها على مراد الشيخ.

وقد ترجمه الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور وغيره بالولاية الكبرى والصلاح والعرفان فقال : هو الشيخ الامام المحقق رأس العلماء العارفين والمقربين ، صاحب الإشارات الملكوتية والنفحات القدسية والأنفاس الروحانيّة ، والفتح المونق والكشف المشرق ، والبصائر الخارقة والسرائر الصادقة والمعارف الباهرة والحقائق الزاهرة ، له المحل الأرفع من مراتب القرب في منازل الأنس ، والمورد العذب من مناهل الوصل ، والطول الأعلى من معارج الدين ، والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية ، والباع الطويل في التصرف في أحكام الولاية ، وهو أحد أركان هذه الطائفة رضي‌الله‌عنه.

وكذلك ترجمه الشيخ العارف بالله تعالى محمّد بن أسعد اليافعي رضي الله

__________________

(١) الفتوحات المكية. الباب السابع وثلاثون وثلاثمائة.

٢٧٩

عنه بالعرفان والولاية.

ولقّبه الشيخ أبو مدين بسلطان العارفين.

وكلام الرجل دليل على مقاماته الباطن والظاهر ، ومناقبه مشهورة بين الناس لا سيما بأرض الروم ...

وكان الشيخ عز الدين بن عبد السّلام شيخ الإسلام بمصر المحروسة يحط عليه كثيرا ، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي‌الله‌عنه وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية والعرفان والقطبية » (١).

وقال ابن النجار بترجمته ما ملخصه : « وكان قد صحب الصوفية وأرباب القلوب وسلك طريق الفقر ، وحج وجاور وصنف كتبا في علوم القوم وفي أخبار مشايخ المغرب وزهادها ، وله أشعار حسنة وكلام مليح ، اجتمعت به بدمشق وكتبت عنه من شعره ، ونعم الشيخ هو ، دخل بغداد وحدّث بها بشيء من مصنفاته وكتب عنه حافظ العصر الشيخ عبد الله الدبيثي ... توفي سنة ٦٣٨ » (٢).

وذكر الاسكندري قصة ملاقاته للخضر النبي عليه‌السلام ، ضمن الحكايات التي استشهد بها في كتابه على بقاء الخضر (٣).

وذكر أيضا تكلم وعاء زجاج مع الشيخ ابن عربي في محضر جماعة من المشايخ (٤).

وقد ذكر القصتين اليافعي في ( الإرشاد ) بعد أن وصفه بـ « شيخ الطريقة وبحر الحقيقة ».

ووصفه ابن الزملكاني بـ « البحر الزاخر في المعارف الإلهية ».

__________________

(١) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار ١ / ١٦٣.

(٢) ذيل تاريخ بغداد ـ مخطوط.

(٣) لطائف المتن ١٥٢.

(٤) المصدر : ١٥٢.

٢٨٠