نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

الأمر يسبب ضعفه ويؤدي إلى جرحه ، ولذا قال الفخر الرازي ـ بعد ما حاول الدفاع عنه بالأساليب المختلفة ـ :

« ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم ».

وهذا نص كلام الرازي بطوله : « الفصل الثالث في ثناء الشافعي على أستاذيه ومشايخه : كان يقول : لو لا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. وقال : إذا ذكر أهل الأثر فمالك النجم. وقال : كان مالك إذا شك في شيء من الحديث ترك كله. وحكى الشافعي أنه اجتمع مالك وأبو يوسف عند الرشيد فتكلّما في الوقوف وما يحبسه الناس فقال يعقوب : هذا باطل ، لأن محمّدا صلّى الله عليه وسلّم جاء بإطلاق الحبس ، فقال مالك : إنّما جاء بإطلاق ما كانوا يحبسونه لآلهتهم من البحيرة والسّائبة ، أمّا الوقوف فهذا وقف عمر بن الخطاب حين استأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال : احبس الأصل وسبّل الثمرة ولهذا وقف الزبير ، فأعجب الخليفة هذا الكلام ونفى يعقوب.

وكان الشافعي يقول : ما أعلم بعد كتاب الله أصح من موطّأ مالك. وقيل للشافعي : هل رأيت أحدا ممن أدركت مثل مالك بن أنس؟ فقال : سمعت من تقدّمنا في السن والعلم يقولون : ما رأينا مثل مالك ، فكيف نرى نحن مثله! قال الشافعي : إن مالكا كان مقدّما عند أهل العلم بالمدينة والحجاز والعراق في الفضل ، ومعروفا عندهم بالإتقان في الحديث ومجالسة العلماء ، وكان ابن عيينة إذا ذكره رفع ذكره وحدّث عنه ، وكان مسلم بن خالد الزنجي ـ وهو مفتي أهل مكة وعالمهم في زمانه ـ يقول : جالست مالك بن أنس في حياة جماعة من التابعين.

فان قال قائل : لما كان حال مالك في العلم والدين ما ذكرتم ، وكان تعظيم الأستاذ واجبا على كلّ مسلم فكيف أقدم الشافعي على مخالفته؟ وكيف جوّز من نفسه أن يضع الكتاب عليه؟

فالجواب قال البيهقي : قرأت في كتاب أبي يحيى زكريا بن يحيى الساجي : إن الشافعي إنما وضع الكتاب على مالك لأنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يستشفى بها ، وكان يقال لهم : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فيقولون :

١٨١

قال مالك ، فقال الشافعي : إنما مالك آدمي قد يخطئ ويغلط ، فصار ذلك داعيا للشافعي إلى أن وضع الكتاب على مالك ، وكان يقول : كرهت أن أفعل ذلك ، ولكني استخرت الله تعالى فيه سنة. وقال الربيع : سمعت الشافعي : يقول قدمت مصرا ولا أعرف أن مالكا يخالف من أحاديثه إلاّ ستة عشر حديثا ، فنظرت فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع ، ويقول بالفرع ويدع الأصل.

وأقول : إن أرسطاطاليس الحكيم تعلّم الحكمة من أفلاطون ثم خالفه ، فقيل له : كيف فعلت ذلك؟ فقال : أستاذي صديقي والحق صديقي وإذا تنازعا فالحق أولى بالصداقة. فهذا المعنى بعينه هو الذي حمل الشافعي على إظهار مخالفة مالك.

والذي يدل على صحّة ما ذكرناه : إن الكتاب الذي وضع الشافعي على مالك قال في أوله : إذا قلت حدّث الثقة عن الثقة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فهو ثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، والثابت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يترك إلاّ إذا وجد حديث يخالفه ، وإذا اختلفت الأحاديث فللاختلاف فيها وجهان : أحدهما : أن يكون فيها ناسخ ومنسوخ ، فيعمل بالناسخ ويترك المنسوخ. والآخر : أن لا يتميز الناسخ عن المنسوخ ، فههنا نذهب إلى أثبت الروايتين ، وإذا تكافأتا ذهبت إلى أشبه الحديث بكتاب الله أو أشبههما بحديث آخر ، وإذا ثبت الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا يخالفه حديث آخر ، وكان يروى عن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديث يخالفه لم ألتفت إلى ما خالفه ، فحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أولى أن يؤخذ به ، وإن كان روى عن غير رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حديث يوافقه لم يزده قوة ، وحديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مستغن عنه.

ولمّا قرّر الشافعي هذه القاعدة ذكر أن مالكا اعتبر هذه القاعدة في بعض المواضع دون بعض ، ثم ذكر المسائل التي ترك الأخبار الصحيحة فيها بقول واحد من الصحابة ، أو بقول واحد من التابعين ، أو لرأي نفسه ، ثم ذكر ما ترك فيه من أقاويل الصحابة لرأي بعض التابعين ، أو لرأي نفسه ، وذلك أنه ربما يدعي الإجماع وهو مختلف فيه. ثم بيّن الشافعي أنه ادعى أن إجماع أهل المدينة حجة ،

١٨٢

وأنه قول ضعيف ، وذكر في هذا الباب أمثلة.

منها : إن مالكا قال : أجمع الناس على أن سجود القرآن إحدى عشرة سجدة وليس في المفصل منها شيء ثم قال الشافعي : قد روي عن أبي هريرة أنه سجد في ( إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ ) وأن عمر بن الخطاب سجد في ( النَّجْمِ إِذا هَوى ) فقد نرى السجود في المفصل عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وعن عمر ، وعن أبي هريرة. فليت شعري أيّ الناس من الذين أجمعوا على أن لا سجدة في المفصل! ثم بيّن أن أكثر الفقهاء ذهبوا إلى أن في المفصل سجودا.

ومنها : إن مالكا زعم أن الناس أجمعوا على أن لا سجدة في الحج إلاّ مرة واحدة ، وهو يروي عن عمر وابن عمر أنهما سجدا في الحج سجدتين. ثم قال الشافعي : وليت شعري من هؤلاء المجمعون الذين لا يسمّون؟ فإنا لا نعرفهم ولا يكلّف الله أحدا أن يأخذ دينه عمّن لا يعرفه.

ومنها : ما أخبرنا مالك عن أبي الزبير ، عن عطا بن أبي رباح ، عن ابن عباس : أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو بمنى قبل أن يفيض ، فأمره أن ينحر بدنة. قال الشافعي : وبهذا نأخذ. وقال مالك : عليه عمرة وحجة تامة وبدنه. ورواه عن ربيعة وعن ثور ابن زيد عن عكرمة يظنه عن ابن عباس ، فإن كان قد ترك قول ابن عباس لرأي ربيعة فهو خطأ ، وإن تركه لرأي عكرمة فهو يسيء القول في عكرمة ، لا يرى لأحد أن يقبل حديثه. وهو يروي عن سفيان عن عطا عن ابن عباس خلافه. وعطا ثقة عنده وعند الناس. قال الشافعي : والعجب أنه يقول في عكرمة ما يقول ، ثم يحتاج إلى شيء من علمه يوافق قوله ، فيسميه مرة ويسكت عنه أخرى ، فيروى عن ثور بن زيد عن ابن عباس في الرضاع وذبائح نصارى العرب وغيره ، ويسكت عن ذكر عكرمة ، وإنما يحدثه ثور عن عكرمة ، وهذا من الأمور التي ينبغي لأهل العلم أن يتحفظوا منها.

فهذه حكاية بعض ما ذكره الشافعي في كتابه الذي وضعه على مالك.

ولقائل أن يقول : حاصل هذه الاعترافات ترجع إلى حرفين :

الأول : إن مالكا يروي الحديث الصحيح ثم إنه يترك العمل به ، لأن أهل المدينة تركوا العمل به ، وهذا يقتضي عمل علماء المدينة على خلاف قول رسول

١٨٣

الله صلّى الله عليه وسلّم وإنه لا يجوز.

ولمالك أن يجيب عنه فيقول : هذه الأحاديث ما وصلت إلينا إلاّ برواية علماء المدينة ، فهؤلاء إما أن يكونوا عدولا أو لا يكونوا.

فإن كانوا من العدول وجب أن يعتقد أنهم تركوا العمل بذلك الحديث لاطّلاعهم على ضعف فيه ، إمّا لأجل الضعف في الرواية أو لأجل أنه وجد ناسخ أو مخصّص ، وعلى جميع التقديرات فترك العمل به واجب. فإن قالوا : فلعلّهم اعتقدوا في ذلك الحديث تأويلا خطأ ، فلأجل ذلك التأويل الخطأ تركوا العمل به ، وعلى هذا التقدير لا يلزم من تركهم العمل بالحديث حصول ضعف فيه. قلنا : إن علماء المدينة الذين كانوا قبل مالك كانوا أقرب الناس إلى زمان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، وأشدهم مخالطة للصحابة ، وأقواهم رغبة في الدين ، وأبعدهم عن الميل إلى الباطل ، فيبعد اتفاق جمهور علماء المدينة على تأويل فاسد.

وأما إن قلنا ان علماء المدينة ليسوا بعدول ، لكان الطعن فيهم يوجب الطعن في الحديث. فثبت بهذا الطريق أن الدليل الذي ذكرناه يقتضي ترجيح عمل علماء المدينة على ظاهر خبر الواحد ، وليس هذا قولا بأن إجماعهم حجة ، بل هو قول بأن عملهم إذا كان على خلاف ظاهر الحديث أورث ذلك قدحا وضعفا في الحديث.

ومما يؤيد ما ذكرناه ما روى البيهقي في كتاب مناقب الشافعي رضي‌الله‌عنه بإسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال : ناظرت الشافعي رضي‌الله‌عنه في شيء فقال : والله ما أقول لك إلاّ نصحا ، إذا وجدت أهل المدينة على شيء فلا يدخلنّ ، قلبك شك أنه الحق ، وكلّ ما جال في صدرك وقوى كلّ القوة لكنك لم تجد له في المدينة أصلا وإن ضعف فلا تعبأ به ولا تلتفت إليه.

وأقول : هذا الكلام صريح في تقرير مذهب مالك رحمه الله تعالى.

وأما الاعتراض الثاني وهو أنّ مالكا رحمه‌الله إذا احتاج إلى التمسك بقول عكرمة ذكره ، وإذا لم يحتج إليه تركه ، فهذا إن صحّ عن مالك أورث ذلك ضعفا في روايته وفي ديانته ، ولو كان الأمر كذلك فكيف جاز للشافعي أن يتمسك بروايات مالك رحمهما الله تعالى؟ وكيف يجوز أن يقول : إذا ذكر الأثر فمالك

١٨٤

النجم؟

هذا جملة ما يتعلق بهذا البحث ».

٢ ـ لقد كان الشافعي يقول بإمامة هارون الرشيد ويعتقد بها ، ويخاطبه بـ ( أمير المؤمنين ) ... وهذا الأمر من قوادح الشافعي العظيمة ، ولننقل ما ذكره الحافظ أبو نعيم في ( الحلية ) بترجمة الشافعي :

« حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن أحمد ، ثنا أبو عمرو عثمان بن عبد الله المديني ، ثنا أحمد بن موسى الجار قال قال أبو عبد الله محمّد بن سهل الأموي : ثنا عبد الله ابن محمّد البلوي قال : لما جيء بأبي عبد الله محمّد بن إدريس إلى العراق ، أدخل إليها ليلا على بغل بلا قتب وعليه طيلسان مطبّق وفي رجليه حديد ، وذلك أنه كان من أصحاب عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وأصبح الناس في يوم الاثنين لعشر خلون من شعبان من سنة أربع وثمانين ومائة ، وكان قد اعتود على هارون الرشيد أبو يوسف القاضي وكان قاضي القضاة ، وكان على المظالم محمّد بن الحسن ، فكان الرشيد يصدر عن رأيهما ويتفقه بقراءتهما ، فسارا في ذلك اليوم إلى الرشيد فأخبراه بمكان الشافعي وانبسطا جميعا في الكلام فقال محمّد بن الحسن :

الحمد لله الذي مكّن لك في البلاد ، وملكك رقاب العباد من كل باغ وعاد إلى يوم المعاد ، لا زلت مسموعا لك ومطاعا ، فقد علت الدعوة وظهر أمر الله وهم كارهون ، وإنّ جماعة من أصحاب عبد الله بن الحسن اجتمعت وهم متفرقون ، وقد أتاك عنق ينوب عن الجميع وهو على الباب يقال له : محمّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، يزعم أنه أحق بهذا الأمر منك ، حاش لله ، ثم إنه يدّعي ما لم يبلغه ولا يشهد له بذلك قدمه ، وله لسان ومنطق ورواء وسيخلبك بلسانه وأنا خائف منه ، كفاك الله مهماتك وأقال عثراتك. ثم أمسك.

فأقبل الرشيد على أبي يوسف فقال : يا يعقوب ، قال : لبّيك يا أمير المؤمنين ، قال : أنكرت من مقالة محمّد شيئا؟ فقال له أبو يوسف : محمّد صادق فيما قال ، والرجل كما حكى. فقال الرشيد : لا خير بعد شاهدين ولا اقرار أبلغ من المحنة. وكفى بالمرء إثما أن يشهد بشهادة يخفيها عن خصمه ، فعلى رسلكما لا تبرحان.

١٨٥

ثم أمر بالشافعي فأدخل ، فوضع بين يديه بالحديد الذي كان في رجليه ، فلمّا استقرّ به المجلس ورمى القوم إليه بأبصارهم رمى الشافعي بطرفه نحو أمير المؤمنين وأشار بكفه كلّه مسلّما فقال :

السّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة وبركاته.

فقال الرشيد : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته ، بدأت بسنه لم تؤمر بإقامتها ، ورددنا فريضة قامت بذاتها ، ومن أعجب العجب أنك تكلّمت في مجلسي بغير إذني.

فقال الشافعي : يا أمير المؤمنين إنّ الله جل وعز قال : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) وهو الذي إذا وعد وفى ، فقد مكنني في أرضه وآمنني بعد خوفي يا أمير المؤمنين.

فقال له الرشيد : أجل قد آمنك الله إذ أمنتك.

فقال الشافعي : قد حدّثتك أنك لا تقتل قومك صبرا ، ولا تزدريهم بهجرتك غدرا ، ولا تكذّبهم إذ أقاموا لديك عذرا.

فقال له الرشيد : هو كذلك ، فما عذرك مع ما أرى من حالك وتسييرك من حجازك إلى عراقنا التي فتحها الله علينا ، بعد أن بغى صاحبك ثم اتبعه الأرذال وأنت رئيسهم ، فما ينفع لك القول مع إقامة الحجة ، ولن يضرّ الشهادة مع إظهار التوبة.

فقال له الشافعي : يا أمير المؤمنين أما إذا استنطقتني الكلام فسأتكلّم على العدل والنصفة.

فقال الرشيد : ذلك لك.

فقال الشافعي : والله يا أمير المؤمنين لو اتسع الكلام على ما بي لما شكوت لك ، الكلام مع ثقل الحديد يعذر ، فإن جدت عليّ بفكّه أفصحت عن نفسي ، وإن كانت الأخرى فيدك العليا ويدي السفلى ، والله غني حميد.

فقال الرشيد لغلامه : يا سراح ، خلّ عنه. فأخذ ما في قدميه من الحديد فجثا على ركبته اليسرى ونصب اليمنى وابتدر الكلام فقال :

١٨٦

والله يا أمير المؤمنين ، لأن يحشرني الله تحت راية عبد الله بن الحسن ـ وهو من قد علمت ، وشيخ قرابة لا تنكر عند اختلاف الأهواء ، وتفرّق الآراء ـ أحب إليّ وإلى كلّ مؤمن من أن يحشرني تحت راية قطري بن الفجأة المازني ، وكان الرشيد متكئا فاستوى جالسا وقال :

صدقت وبررت ، لأن تكون تحت راية رجل من أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأقاربه إذا اختلف الأهواء ، خير من أن تحشر تحت راية خارجى حنفي يأخذه الله بغتة. وخبّرني يا شافعي : ما حجتك على أن قريشا كلّها أئمة وأنت منهم؟.

قال الشافعي : قد افتريت على الله كذبا يا أمير المؤمنين إن نصبت نفسي لها ، وهذه كلمة ما سبقت بها قط ، والذين حكوها لأمير المؤمنين فاطلبهم معاينة ، فإن الشهادة لا تجوز إلاّ كذلك.

فنظر أمير المؤمنين إليهما ، فلمّا رآهما لا يتكلّمان علم ما في ذلك ، فأمسك عنهما ثم قال له الرشيد : قد صدقت يا ابن إدريس ، فكيف بصرك بكتاب الله تعالى؟

فقال له الشافعي : عن أيّ كتاب الله تسألني؟ إن الله أنزل ثلاثا وسبعين كتابا على خمسة أنبياء ، وأنزل كتاب موعظة النبي ، فكان سادسا ، أوّلهم آدم عليه‌السلام ، عليه أنزل ثلاثون صحيفة كلّها أمثال. وأنزل على أخنوخ وهو إدريس ستة عشر صحيفة كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم وعلم الملكوت الأعلى. وأنزل على إبراهيم ثمانية صحف كلّها حكم مفصلة فيها فرائض ونذر. وأنزل على موسى التوراة فيها تخويف وموعظة. وأنزل على عيسى الإنجيل ليبيّن لبني إسرائيل ما اختلفوا فيه من التوراة. وأنزل على داود كتابا كلّه دعاء وموعظة لنفسه حتى يخلصه به من خطيئته لا حكم لنا فيه وإيقاظ لداود ولقاريه من بعد. وأنزل على محمّد صلّى الله عليه وسلّم القرآن وجمع فيه سائر الكتب فقال ( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ ).

فقال له الرشيد : فصّل لي كتاب الله المنزل على ابن عمي رسول الله صلّى

١٨٧

الله عليه وسلّم ، الذي دعانا إلى قبوله وأمرنا بالعمل بمحكمه والايمان بمتشابهه.

فقال : عن أية آية تسألني ، عن محكمه أو متشابهه ، أم عن تقديمه أو تأخيره ، أم عن ناسخه أم عن منسوخه ، أم عمّا ثبت حكمه ونسخت تلاوته ، أم عمّا ثبت تلاوته وارتفع حكمه ، أم عمّا ضربه الله مثلا أم عمّا ضربه الله اعتبارا ، أم عمّا أمضى ما فيه فعال الأمم الماضية ، أم عمّا قصدنا الله من فعلهم تحذيرا؟ قال :

فما زال حتى عدله الشافعي ثلاثا وسبعين حكما في القرآن.

فقال له الرشيد : ويحك يا شافعي ، أفكل هذا يحيط به علمك؟

فقال يا أمير المؤمنين : المحنة على العالم كالنار على الفضة ، تخرج جودتها من رداءتها ، فها أنا ذا فامتحن.

فقال له الرشيد : ما أحسن أن أعيد ما قلت ، فسأسألك بعد هذا المجلس إن شاء الله تعالى.

قال له : كيف بصرك بسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟

فقال له الشافعي : إني لأعرف منها يا أمير المؤمنين ما خرج على وجه الإيجاب لا يجوز تركه ، كما لا يجوز ترك ما أوجبه الله في القرآن ، وما خرج على وجه التأديب ، وما خرج على وجه الخاص لا يشرك فيه العام ، وما خرج على وجه العموم يدخل فيه الخصوص ، وما خرج جوابا عن سؤال سائل ليس لغيره استعماله ، وما خرج منه ابتداء لازدحام العلوم في صدره ، وما جعله في خاصة نفسه وافتدى به الخاصة والعامة ، وما خصّ به نفسه دون الناس كلهم مع ما لا ينبغي ذكره ، لأنه أسقطه صلّى الله عليه وسلّم ذكرا.

فقال : أجدت الترتيب يا شافعي لسنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فأحسنت موضعها بوصفها ، فلما حاجتنا إلى التكرار عليك ، ونحن نعلم ومن حضر أنك نصابها.

فقال له الشافعي : فلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، وإنما شرّفنا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبك.

١٨٨

فقال : كيف بصرك بالعربية؟ قال : مبداتنا وطباعنا بها تقدمت ، وألسنتنا بها جرت ، فصارت كالحياة لا تتم إلاّ بالسلامة ، وكذلك العربية لا تسلم إلاّ لأهلها ، ولقد ولدت وما أعرف اللحن ، فكنت كمن سلم من الداء ما سلم له الدواء وعاش متكاملا ، وبذلك شهد لي القرآن فقال ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ ) يعني قريشا ، وأنت وأنا منهم يا أمير المؤمنين ، فالعنصر رصيف والجرثومة منيعة شامخة ، أنت أصل ونحن فرع ، وهو صلّى الله عليه مفسّر ومبيّن ، به اجتمعت أحبائنا ، فنحن بنو الإسلام بذلك ندعى وننسب.

فقال الرشيد : صدقت وبارك الله فيك ... ».

وقال الرازي : « الفصل الثالث في مناظرة جرت بينه وبين محمّد بن الحسن في هذه الواقعة ، ذكروا : أن الشافعي رضي‌الله‌عنه لما حضر مع العلويين من اليمن وحضر باب الرشيد اتفق أن كان ذلك في وهن من الليل ، فكانوا يدخلون عشرة عشرة منهم على الرشيد ، فجعل يقيم واحدا واحدا منهم ويتكلّم من داخل الستر ، ويأمر بضرب عنقه.

قال الشافعي رحمه الله تعالى : فلمّا انتهى الأمر إليّ قلت : يا أمير المؤمنين عبدك وخادمك محمّد بن إدريس. قال : يا غلام ، اضرب عنقه. قلت يا أمير المؤمنين كأنك اتهمتني بالانحراف عنك والميل إلى العلوية ، وسأضرب مثلا في هذا المعنى ، ما تقول يا أمير المؤمنين في رجل له ابنا عم أحدهما خلطه بنفسه وأشركه في نسبه وزعم أن ماله حرام عليه إلاّ باذنه ، وأن ابنته حرام عليه إلاّ بتزويجه. والآخر يزعم أنه دونه كالعبد له ، فهذا الرجل إلى أيّهما يميل؟ فهذا مثلك ومثل هؤلاء العلويين. فاستعاد الرشيد هذا القول ثلاث مرات ، وكنت أعبّر عن هذا المعنى بألفاظ مختلفة ».

هذا ، ومن المعلوم أن ( هارون الرشيد ) إمام باطل ، وأن جرائمه قد سوّدت وجه التاريخ ، وموبقاته أشهر من أن تذكر ، وأكثر من أن تحصر. ولا شك في أن من رضي بهكذا إمام فهو كافر ، صرّح به جماعة منهم : أبو شكور محمّد بن عبد السعيد السلمي الحنفي في ( التمهيد في بيان التوحيد ).

١٨٩

١٢ ـ أمارات الوضع على هذا الحديث لائحة

إن أمارات الوضع والاختلاق ظاهرة على هذا الحديث :

فمنها : إن تقدّم الثلاثة في الخلق على آدم عليه‌السلام يستلزم تفضيلهم عليه وعلى سائر الأنبياء ( عدا نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) وهذا باطل بالإجماع.

ومنها : إن هؤلاء قد ثبت كفرهم وعبادتهم للأصنام قبل بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما ثبت ـ بالضرورة ـ محاربتهم له وقيامهم عليه ، ولو أنهم نفوا هذا عن الأول منهم فزعموا إسلامه ، فإنه بالنسبة إلى الآخرين من الضروريات التي لا كلام لأحد فيها ، فمن كان هذا حاله كيف يصح أن يكون مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يمين العرش ، ومخلوقا مما خلق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه؟

ومنها : إن من المسلّم به الثابت عند الكلّ كفر آباء الثلاثة ، ولو ثبت إسلام أبي قحافة في الظاهر فلا ريب في كفر والدي الثاني والثالث وموتهما على ذلك.

فكيف تكون هذه الأصلاب طاهرة كما يدّعي واضع الحديث؟ وكيف يصح صدور مثل هذا الكذب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!!.

فالعجب من هؤلاء كيف يعتمدون على مثل هذا ، وهم يردّون الأحاديث الصحيحة الواردة في فضل علي عليه‌السلام ، أمثال حديث ( الطير ) و ( الولاية ) و ( مدينة العلم ) ...؟!

إلا أنه لا مجال للتعجب من ( الدهلوي ) ، لأنه قد اعترف بضعفه « في الجملة » ، ولأن تعصبه يبعثه على أن يحاول ردّ استدلالات الشيعة مهما أوتي من حول وقوة وإنما نتعجب من الشافعي كيف روى هذه الخرافة!!

١٣ ـ حديث موضوع آخر في فضل الشيخين

لقد روى بعضهم حديثا في باب فضائل عمر عن أبي هريرة يفيد : أن الله

١٩٠

خلق النبي صلّى الله عليه وسلّم من نور ، وخلق أبا بكر من نوره ، وخلق عمر من نور أبي بكر. وهذا الحديث موضوع عند محققي أهل السنة.

وإليك نصه وما قيل فيه :

قال السيوطي : « أبو نعيم في أماليه حدّثنا محمّد بن محمّد بن عمرو بن زيد إملاء ، حدّثنا أحمد بن يوسف ، حدّثنا أبو شعيب صالح بن زياد ، حدّثنا أحمد بن يوسف المنبجي ، حدّثنا أبو شعيب السوسي عن الهيثم بن جميل عن المقبري عن أبي معشر عن أبي هريرة مرفوعا :

خلقني الله من نوره ، وخلق أبا بكر من نوري ، وخلق عمر من نور أبي بكر ، فخلق أمتي من نور عمر ، وعمر سراج أهل الجنة.

قال أبو نعيم : هذا باطل ، أبو معشر وأبو شعيب متروكون.

وقال في الميزان : هذا خبر كذب ، ما حدّث به واحد من الثلاثة ، وإنما الآفة عندي فيه المنبجي لا يعرف » (١).

وفي ( تنزيه الشريعة ) ما نصه :

« خلقني الله من نوره ، وخلق أبا بكر من نوري ، وخلق عمر من نور أبي بكر ، وخلق أمتي من نور عمر وعمر سراج أهل الجنة.

نع في أماليه عن أبي هريرة وقال : هذا باطل.

وقال الذهبي : هذا كذب » (٢).

فإذا كان هذا الحديث موضوعا باعتراف أبي نعيم والذهبي والسيوطي وابن عرّاق ، فإن خبر خلق الثلاثة قبل آدم عليه‌السلام وكونهم مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يمين العرش كذب بالأولوية.

ولا أدري لما ذا لم يحتج ( الدهلوي ) وغيره بهذا الحديث ، ولم يعارض به حديث النور؟ لا يبعد عدم اطلاعه به ، وإلاّ لذكره على عادته في التمسك بالأحاديث الموضوعة ، ألا ترى صاحب ( فصل الخطاب ) قائلا :

__________________

(١) ذيل الموضوعات ـ مخطوط.

(٢) تنزيه الشريعة عن الأحاديث الموضوعة ١ / ٣٣٧.

١٩١

« في فردوس الأخبار : ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : إن الله عز وجل خلقني من نوره ، وخلق أبا بكر من نوري ، وخلق عمر من نور أبي بكر ، وخلق المؤمنين كلّهم من عمر رضي الله عنهم ».

* * *

١٩٢

دحض تأييد حديث الشافعي بحديث آخر

١٩٣
١٩٤

قوله :

« ويؤيده الحديث المشهور : إنّ الأرواح جنود مجنّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ».

أقول :

١ ـ لم يدّع الكابلي هذا التأييد

لقد اكتفى ( الكابلي ) بذكر الحديث المزعوم وقال : « وليس في إسناده من يتّهم بالكذب » وأضاف قائلا « ولأن مثل هذه الأخبار لو ثبت لا يحتج به في مثل هذه الأمور ، وذلك ظاهر ».

وأما مخاطبنا ( الدهلوي ) فقد أضاف تأييده بهذا الحديث ، لكن من الواضح أنّه لا وجه لذلك ، إذ لا مناسبة بين هذا الحديث وذاك لا منطوقا ولا مفهوما ، ولا يدل عليه دليل بوجه من الوجوه أبدا ... ولعله لذا لم يتطرّق ( الكابلي ) إلى هذا.

١٩٥

٢ ـ معنى الحديث يوضّح بطلان الدّعوى

وإليك نص كلمة الشيخ عبد الحق الدهلوي في معنى الحديث ، فإنه قال :

« قوله : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف. الجنود :

جمع جند ، ومجنّدة : مجتمعة على نحو قناطير مقنطرة ، وفيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض ، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد ، ولا يلزم من ذلك قدمها ، لكن يبطل القول بخلقها بعد تمام البدن وتسويته ، إلاّ أن يراد بخلقها قبل البدن تقديرها كذلك ، وهو مخالف لظاهر الحديث جدّا ، بل قد جاء في الحديث : خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، وعلى أنها خلقت في أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف باعتبار موافقة في الصفات ومخالفة فيها ، وإن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، فالخيّر يحب الأخيار ، والشرّير يحب الأشرار ، وإن عرض عارض يقتضي خلاف ذلك فالمآل إليه ، فما تعارف منها قبل التعلق بالأجساد ائتلف بعده ، كمن فقد أليفه ثم اتصل به ، وما تناكر قبله اختلف بعده ، وهذا التعارف والتناكر إلهامات من الله من غير إشعار منهم بالسابقة » (١).

وعلى هذا فأين وجه التأييد؟ ولما ذا لم يبيّنه ( الدهلوي ) ولو إجمالا؟

والظاهر : إنه يقصد من هذا أن الائتلاف في عالم الأجساد يدل على التعارف في عالم الأرواح ، والتعارف يستلزم كونها في مكان واحد ، وبما أن الخلفاء كانوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا العالم فإن أرواحهم كانت مع روحه هناك ، وهذا معناه أن تكون أرواحهم كروحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخلوقة قبل خلق آدم عليه‌السلام.

ولكنّ بطلان هذا واضح جدا ، فإنه يستلزم أن يكون خلق جميع الصحابة

__________________

(١) اللمعات في شرح المشكاة ـ باب الحب في الله.

١٩٦

وحتى عمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، وأمثالهم من المجرمين الذين يزعم ( الدهلوي ) وأسلافه ائتلافهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل خلق سائر المسلمين والمؤمنين به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقدّما على خلق آدم وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام ، وأن تكون أرواح هؤلاء إلى جنب روحه على يمين العرش ... وهذا باطل اجماعا.

٣ ـ كان عمر شديدا على رسول الله قبل إسلامه

وكيف يجوز أن تكون روح عمر بن الخطاب مؤتلفة مع روح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لا يزال يحاول ويقصد اغتياله ويعاديه حتى ساعة تظاهره بالإسلام؟

لقد جاء في ( إزالة الخفا ) ما نصه :

« عن أنس قال : خرج عمر متقلّدا السيف ، فلقيه رجل من بني زهرة فقال له : أين تعمد يا عمر؟ قال : أريد أن أقتل محمّدا ، قال : وكيف تأمن من بني هاشم وبني زهرة؟ فقال له عمر : ما أراك إلاّ قد صبوت وتركت دينك؟ قال : أفلا أدلّك على العجب؟! إن أختك وختنك قد صبوا وتركا دينك ، فمشى عمر ذامرا حتى أتاهما وعندهما حباب ، فلما سمع حباب بحسّ عمر توارى في البيت فدخل عليهما ، فقال : ما هذه الهيمنة التي سمعتها عنكم؟ وكانوا يقرؤن طه ، فقالوا : ما عدا حديثا تحدثنا به ، قال : فلعلكما قد صبوتما؟ فقال له ختنه : يا عمر إن كان الحق في غير دينك ، فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئا شديدا ، فجاءت أخته لتدفعه عن زوجها ، فنفحها بيده فدمى وجهها ».

وفيه أيضا :

« عن الزهري : كان عمر بن الخطاب شديدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فانطلق حتى دنا من رسول الله ... ».

وروى محمّد بن حبيب بإسناده عن زيد بن الخطاب قال :

« كان من حديث الحرب التي كانت بين عدي بن كعب في الإسلام : إن

١٩٧

أبا الجهم بن حذيفة بن غانم كان من رجال قريش في الجاهلية ، وكان يوازن عمر ابن الخطاب قبل إسلامه على غيلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومعاداته ، فأكرم الله عمر بما أكرمه من الإسلام ... » (١).

وفي ( سيرة ابن هشام ) ما ملخصه :

« قال ابن إسحاق : وكان إسلام عمر فيما بلغني : أن أخته فاطمة بنت الخطاب ـ وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ـ وكانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما عن عمر ، وكان نعيم بن عبد الله التحام رجل من قومه من بني عدي بن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان حباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن.

فخرج عمر يوما متوشحا بسيفه يريد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورهطا من أصحابه قد ذكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ، ما بين رجاء ونساء ، ومع رسول الله عمه حمزة بن عبد المطلب وأبو بكر ابن أبي قحافة الصديق وعلي بن أبي طالب في رجال في المسلمين ، ممن كان أقام مع رسول الله بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة ، فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له : أين تريد يا عمر؟ قال : أريد محمّدا هذا الصابي الذي فرّق أمر قريش وسفّه أحلامها وعاب دينها وسبّ آلهتها فأقتله ، فقال له نعيم : والله لقد غرّتك نفسك من نفسك يا عمر! أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمّدا؟ فلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟ قال : فأيّ أهل بيتي؟ قال : ختنك وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمّدا على دينه ، فعليك بهما » (٢).

وعلى أي حال ، فإنّ هذا الحديث لا يؤيد ذاك الحديث الموضوع مطلقا.

__________________

(١) المنمق : ٣٦٢.

(٢) سيرة ابن هشام ١ / ٣٤٣.

١٩٨

دلالة حديث النور

١٩٩
٢٠٠