موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

محمد بن محمد بن يوسف الأخيضر ، وبعد وفاة محمد بن محمد الشريف حسن بن يوسف الأخيضر وبعده إلى أخيه ، ومن بعد إلى الشريف محمد بن جعفر بن يوسف بن محمد بن يوسف الأخيضر ، وبعد وفاة الشريف محمد إلى الشريف صالح بن إسماعيل بن يوسف بن محمد بن يوسف الأخيضر. وهؤلاء هم الذين سعدوا إذا فازوا بإدارة مكة المكرمة.

وكان أولاد وأحفاد الشريف صالح بن إسماعيل فى داخل ممالك السودان ، وفى فترة ما هاجروا إلى مدينة «غانا» القريبة من المحيط الأطلسى وكونوا هناك دولة وحكموا فيها.

٢ ـ الطبقة الثانية من الأشراف الحسنية :

والأشراف الكرام الذين يكونون هذه الطبقة هم الأشراف الكرام الذين يطلق عليهم المؤرخون الموسويين أو بنى موسى.

وأول من تولى منهم الإمارة هو الشريف موسى الثانى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط بن على بن أبى طالب (رضى الله عنهم) وعدد أفراد الموسويين الذين حكموا البلاد الحجازية أحد عشر أميرا.

وظهر الشريف موسى الثانى الذى كان أولهم سنة ٣٥٠ ، والذين تولوا إمارة الحجاز من بعده استمروا إلى سنة ٤٥٣ إذ انتهت إمارتهم فى خلال تلك السنة.

وبعد وفاة الشريف موسى الثانى بن عبد الله تولى الإمارة ابنه الشريف داود بن موسى الثانى ، ومن بعده الشريف محمد الأكبر بن موسى الثانى ، وبعد وفاة محمد الأكبر الشريف حسين بن محمد الأكبر ، ومن بعده الشريف محمد الثائر بن محمد الأكبر ، وبعد وفاة محمد الثائر الشريف أبو هاشم محمد بن محمد الثائر ، وبعد ارتحال أبى هاشم الشريف أبو جعفر محمد بن الحسين بن محمد الأكبر واستقل الشريف أبو جعفر محمد بالإمارة فى عهد الملوك الفاطميين

٦١

وحكم مكة المكرمة ومواقع أخرى من أرض تهامة ما يقرب من عشرين عاما.

وبالقرب من أواسط مدة إمارة الشريف أبى جعفر كان ملوك العصر يعينون من قبلهم أميرا خاصا بهم فى مكة المكرمة ، وقد زاد الشريف أبو جعفر من قوته وشوكته ، واستقل وبعد هذا الاستقلال انتقلت حكومة مكة المكرمة بالفعل للشرفاء الكرام.

وهناك روايات متعارضة فى بيان سبب استقلال أبى جعفر وتاريخه إلا أنه بناء على أقوى الروايات فإن أبا جعفر استقل عند ما كانت مصر تحت إدارة الإخشيديين ، وكان كافور الإخشيدى لم يمت بعد ، كما أن الملوك الفاطميين لم يكونوا قد تولوا بعد على مصر ويدعى البعض أن وفاة كافور كانت سنة ٣٥٦ ه‍ وكان استقلال أبى جعفر سنة ٣٥٨.

وكان سبب استقلال المشار إليه الفتنة التى حدثت بين بنى حسن وبنى حسين (رضى الله عنهما) ، وعند حدوث هذه الفتنة عاد أبو جعفر من المدينة المنورة إلى مكة المعظمة ، وأعلن الاستقلال ، وعند ما انتقلت حكومة مصر إلى الفاطميين أبقى المعز لدين الله العبيدى على إمارة أبى جعفر وصدق استقلاله.

وتولى الإمارة بعد وفاة الشريف أبى جعفر أبو محمد جعفر بن محمد بن حسين بن محمد الأكبر ، وبعده الشريف عيسى بن أبى جعفر محمد ، وبعده الشريف أبو الفتوح حسين بن محمد الثائر ، وبعد وفاته الشريف تاج المعالى بن أبى حسين بن محمد الثائر.

أرسل حاكم مصر العزيز بالله العبيدى عند ما كان ابن أبى جعفر الشريف عيسى أميرا علويا إلى مكة من قبله. وقد ضغط هذا الشخص على أهالى الحرمين ضغطا شديدا ، وأجبر الأئمة على ذكر اسم العزيز بالله فى الخطب. وبعد وفاة العزيز بالله بعث ابنه الحاكم بأمر الله خطبة عجيبة إلى الشريف أبى الفتوح السالف ذكره ، وأمره بأن تقرأ هذه الخطبة على منبر المسجد الحرام ، ولما كان فى الخطبة المذكورة بعض الألفاظ الجارحة للأصحاب الكرام وبعض زوجات

٦٢

النبى ـ رضى الله عنهن ـ وعبارات غير لائقة بهم هجم الأهالى على الخطيب الذى نجا بجلده هاربا ، وبعد هذه الحادثة منع الناس من الحديث فى مكة عن مذهب العبيديين.

ولما كان الشريف أبو الفتوح من أشجع أبناء موسى وأكثرهم جرأة رد خطبة الحاكم بأمر الله مبينا زيفها ، وخرج عن طاعة العبيديين وبايعه أهالى الحرمين بالخلافة لأن الخطبة التى وردت من الحاكم بأمر الله كانت مليئة بسب الأصحاب الكرام ولعنهم.

وكانت رسالة خاصة للشريف أبى الفتوح مرفقة بالخطبة حيث يلح الحاكم بأمر الله على أن يعمل الشريف على إقناع الأهالى بما جاء فى هذه الخطبة ، وعقب ذلك ذهب الشريف أبو الفتوح إلى نواحى الشام ، وأعلن استقلاله وخاص حروبا كثيرة وفى سنة (٤٠٣) وعاد إلى مكة وانتقل إلى رحمة ربه بعد فترة وجيزة ، ومدة إمارته ٤٣ سنة.

ولما سارع أفراد القبائل العربية بالاعتراف بخلافة الشريف أبى الفتوح ، وهو فى طريقه إلى الشام فهم الحاكم بأمر الله وأخافه الأمر وأخذ يستعد للحرب ، ولما كان أبو الفتوح لا يريد أن يريق دماء المسلمين عبثا بعث بأبى حسان مفرح إلى الحاكم بأمر الله يعلمه أنه لا يدعى الخلافة ، فسر الحاكم بأمر الله بهذا الخبر وأسرع بالتصديق بإمارته.

كان تاج المعالى بن أبي الفتوح قد وحد بين إمارتى المدينة المنورة ومكة المكرمة. وكانت كنيته «أبا عبد الله» ولقبه (شكر) ومات بلا ولد فى سنة ٤٦١ ، وعلى قول سنة ٤٦٤ ، وعلى قول ثالث سنة ٤٥٣. وأراد أحد غلمانه أن يكون أميرا. وفى أثناء سفر أبى الفتوح إلى الشام استولى أبو طالب داود بن عبد الرحمن بن القاسم بن الفاتك عبد الله بن داود بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن حسن السبط بن على (رضى الله عنه) على مكة ، وانتصر على ذلك العبد وانتزع منه زمام الإمارة ، إلا أن إمارة مكة المكرمة الجليلة انتقلت إلى «بنى هاشم» بعد ذلك الحادث بسبع سنوات.

٦٣

وإن من نال مقام الإمارة من بنى أبى الطيب هو محمد بن أبى القاسم بن عبد الرحمن بن جعفر ، وجلس على كرسى الحكم سنة ٤٥٣.

إلا أن ملك اليمن على بن محمد الصليحى استولى على قطر الحجاز ، وانتزع إمارة مكة المفخمة من أيدى بنى الطيب. وإن كان يروى بعض المؤرخين أن على ابن محمد الصليحى أودع مقام الإمارة ليد «محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن هاشم» وعاد إلى بلاده.

إلا أن تاج المعالى بن أبي الفتوح مات تاركا حمزة بن وهاس بن أبى الطيب داود السليمانى من بنى سليمان أميرا ، وبعد أن حارب هذا موسى ما يقرب من سبع سنوات ، انتقل زمام الإمارة إلى يد محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن هاشم وبعد ارتحاله إلى يد أولاده.

وليس من بنى سليمان من ارتقى كرسى الإمارة غير حمزة بن وهاس بن أبى طالب. وإن كانوا ينقلون أن محمد بن الفاتك وأخويه قد شغلوا كرسى الإمارة ، ولما كان من المحقق أن حمزة بن وهاس خاتمة الطبقة الثانية يقتضى عدم صحة هذه الرواية.

بناء على رواية الإمام الفاسى فإن محمد بن جعفر أحد أفراد الأمراء الذين يطلق عليهم (الهواشم) وضبط نسبه على أنه «أبو هاشم محمد بن جعفر بن عبد الله بن أبى هاشم محمد بن الحسين بن محمد الثائر (١) بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن حسن المثنى بن حسن السبط (رضى الله عنه) ، وظل أبو هاشم ما يقرب من ثلاثين عاما يشغل منصب الإمارة وأطلق على الذين تولوا مقام الإمارة بعده «الهواشم».

وبنو سليمان الذين كانوا خاتمة هذه الطبقة ليسوا بنى سليمان الذين حكموا بين التلمسان والمغرب الأوسط.

والأشراف الذين حكموا فى تلك البقاع أولاد «سليمان بن عبد الله المحصن

__________________

(١) ووجه إطلاق لقب الثائر عليه قيامه بأخذ الثأر والآنتقام من أهل المدينة فى عهد المعتز بن المتوكل العباسى.

٦٤

بن حسن المثنى بن حسن السبط بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم ـ إذ انتقل عمهم إدريس إلى المغرب وأبوهم سليمان من البصرة إلى هرات وأصبح حاكم تلك المنطقة بعد أن استقل وذلك فى خلافة بنى عباس. ولما توفى إدريس استولى أخوه على المغرب والتلمسان حيث أدار دفة الحكم مدة مديدة.

٣ ـ الطبقة الثالثة : يطلق على السادة الأشراف الذين يكونون الطبقة الثالثة من الطبقات الأربع «الهواشم»

وأشراف طبقة «الهواشم» الذين عرفوا ب «بنى فليتة» ظهروا فى خلال سنة ٤٦١ ، أو فى خلال ٤٦٤ بناء على قول آخر ، أو سنة ٤٥٣ بناء على رواية ثالثة ، وانقرضت حكومتهم سنة ٥٩٨ أو سنة ٦٠١ بناء على قول ثان ، أو سنة ٥٩٠ بناء على قول ثالث ، بلغت مدة إمارتهم ١٣٧ سنة ، وحكم منهم فى خلال هذه الفترة ثلاثة عشر أميرا.

وأسقط أبو هاشم محمد بن جعفر ـ أول سادات الهواشم فى أثناء إمارته ذكر اسم ملك مصر من الخطب وأمر بذكر خليفة بغداد ، وبناء على ذلك لم يرسل ملك مصر ما كان يرسله من الهبات إلى أهالى الحرمين. فما كان من الشريف محمد إلا أن انتزع ما فى داخل بيت الله من القناديل الذهبية والفضية المعلقة وما على أبواب بيت الله من الألواح الذهبية ، وأنفق ثمنها فى دفع حاجته إلى المال واستمر فى ذكر اسم خليفة بغداد فى الخطب ، وأبعد من الأذان جملة «حى على خير العمل» واشتهر اسمه ، كما أنه أنفق ما أرسله خليفة بغداد ويبلغ ثلاثين ألف دينار فى تعزيز بنيان حكومته ، وبذل جهودا كبيرة فى التغلب على فرقة بنى سليمان المخالفة إلا أنه لم يوفق فى ذلك ففر إلى ينبع ، وبناء على ذلك خلصت حكومة مكة لحمزة بن وهاس السالف الذكر ، وفى النهاية أعد فرقة من الجنود الشجعان ، وعاد وطرد أنصار حمزة بن وهاس واستقل ، وفى خلال سنة ٤٨٤ ارتحل إلى دار البقاء.

وتولى إمارة البلاد الحجازية بعد وفاة الشريف محمد بن جعفر ابنه الشريف

٦٥

قاسم بن أبى الهاشم محمد ، وبعد وفاته ابنه الشريف فليتة بن قاسم بن أبى الهاشم محمد بن جعفر.

استولى «أصهيد بن سارتكين» على مكة المعظمة فى خلال إمارة الشريف قاسم بن محمد وأخذ فى التضييق على أهالى الحرمين إلى سنة ٤٨٧ إلا أن الشريف قاسم بن محمد طرد أصهيد فى سنة ٤٨٨ وحكم حتى سنة ٥١٨ ، وورث كرسى الإمارة بعد وفاته ابنه فليتة بن قاسم.

ومات الشريف فليتة الذى عرف بكنية «أبو فليتة» سنة ٥٢٧ ، فجلس مكانه ابنه الشريف هاشم بن فليتة. وأصبح مكان هاشم بن فليتة الذى توفى سنة ٥٤٩ وعلى قول ٥٥١ ، أميرا عمدة الدين الأمير شجاع قاسم بن فليتة. وهزم عمدة الدين فى النزاع الذى حدث بينه وبين عمه قطب الدين عيسى فسلم إليه زمام الإمارة ، وبعد فترة قصيرة انتصر على عمه ولكنه قتل فى النهاية وآلت حكومة إمارة مكة إلى قطب الدين عيسى.

وطرد الشريف مالك أخاه قطب الدين سنة ٥٦٥ ، وأصبح أميرا مدة نصف يوم إلا أنه فر منهزما فى وقعة ٥٦٧ ، فحقق قطب الدين عيسى الاستقلال فى منصب الإمارة وانتقل الأمر بعده إلى الشريف داود بن عيسى ، وبعد سنة إلى أخيه الشريف مكثر بن عيسى ، وبعده لأمير المدينة المنورة «قاسم بن مهنا الحسينى» ، وبعد ثلاثة أشهر إلى الشريف داود بن عيسى للمرة الثانية ، وبعد ذلك للمرة الثانية للشريف مكثر بن عيسى ، ووجهت الإمارة بعد ذلك فى سنة ٥٩٨ للشريف محمد بن مكثر بن عيسى ، وانتقلت حكومة البلد الأمين المقدسة بعد الشريف محمد بن مكثر إلى بنى قتادة وخط خط النهاية لطبقة «أشراف الهواشم».

وكان يؤخذ من الحجاج الذين يردون من موقع «عيذاب» أو ميناء جدة سبع قطع ذهبية من كل واحد منهم وكانت الإمارة تدير أمورها بهذه الضريبة.

٦٦

خصص ملك مصر صلاح الدين الأيوبى فى إمارة الشريف مكثر ثمانية آلاف إردب قمحا وألفى قطعة ذهب مصرى على أن توزع على موظفى دوائر الإمارة وأرسل مقدما ما يكفى سنة وأمر بألا تؤخذ بعد ذلك ضرائب من الحجاج فأمر الشريف مكثر بألا يؤخذ الضرائب منهم كما أمر بأن يذكر فى الخطب اسم ذلك الملك ويدعى له.

٤ ـ الطبقة الرابعة : يشكل الطبقة الرابعة من أمراء مكة الشريف أبو عزيز قتادة بن إدريس الحسينى وسلسلة نسبه.

إن أولاد أخى أبى عزيز قتادة الشريف من سادات وأمراء بلاد ينبع والشريف قتادة أبو عزيز من أبطال هذه السلسلة وقد عرف بعلو الهمة والشجاعة. وعند ما أصبح أمير قلعة ينبع أحضر العربان الذين تحت إدارته ومشايخهم ، وحارب مع أولاد عبد الله المحصن وانتزع منهم بلاد ينبع وأراضى صفرا. وهجم بغتة على مكة فى سنة ٥٩٨ ، وعلى قول سنة ٦٠١ ، يوم الجمعة السابع عشر من شهر رجب ، وانتزع من السادة الهواشم مكة المعظمة وأرض الحجاز وهدد القبائل العربية بعساكر الترك ومد حدود ملكه إلى قطعة اليمن وهكذا أخضع سكان الحجاز قاطبة لإدارته وأدخلهم تحت طاعته.

ومن الأسباب الرئيسية التى ساعدت على استيلاء أبى عزيز قتادة على مكة المعظمة وجود الشريف محمد بن مكثر فى يوم حملة أبى عزيز قتادة على مكة المكرمة فى وادى التنعيم ، لأن أهالى مكة يخرجون كل سنة فى السابع عشر من رجب إلى وادى التنعيم إحياء لسنة عبد الله بن الزبير لأجل العمرة ، ويظلون فى هذا الوادى عدة أيام حيث يتنزهون. ومازالت هذه العادة باقية إلى الآن.

وعند ما كان محمد بن مكثر فى التنعيم جاء أبو عزيز قتادة من أعلى مكة وأعلن إمارته وحاول الشريف محمد بن مكثر أن يدافع عن مكة إلا أنه فر

٦٧

منهزما مغلوبا ، وتوفى بعد ذلك بفترة واستطاع الشريف أبو عزيز أن ينتصر على أمير المدينة المنورة الشريف سالم بن قاسم الحسينى وعلى أهل ثقيف عقب ذلك ، وسار بعد ذلك إلى جهة اليمن ووفق فى الاستيلاء على ملك الأماكن فقلب حكومة بنى فليتة رأسا على عقب ، ووسع دائرة إدارة إمارته كما سبق تعريفه وحكم مستقلا استقلالا كاملا مدة ستة عشر عاما ، وتوفى فى أواخر سنة ٩١٧ ، فجاء مكانه ابنه الشريف حسن فخلصت إمارة مكة المعظمة لأولاد هذا وأحفاده.

والشريف عون الرفيق باشا الذى مازال يدير إمارة مكة المعظمة حاليا هو من أعاظم فروع أبى عزيز قتادة.

وجميع الأشراف الذين على وجه البسيطة ينتمون إلى سلالة (الإمام الحسن) كما أن جميع السادة العظام ينتمون إلى سلالة «الإمام الحسين» بن على (رضى الله عنهم) ، وليس هناك شك فى أن السادات أولاد وأحفاد «الحسين» ، كما أن أولاد الأشراف الأمجاد وأحفادهم من «الحسن».

ويقال الآن «أشراف بنى الحسين وسادات بنى الحسن» إلا أن هذا التعبير غير صحيح كما سبق بيانه فى محله.

حكاية

لما كان الناصر لدين الله العباسى يحب أبا عزيز قتادة حبا جما طلب منه أن يشرف بغداد. فتحرك أبو عزيز متجها إلى بغداد تلبية لدعوة الخليفة ، فاستقبله أهالى الكوفة وبجانبهم الأسود ، فعاد من رحلته قائلا : «لا أستطيع أن أذهب إلى مكان حيث ذل الأسد بهذه الصورة» انتهى.

ولد أبو عزيز قتادة سنة ٥٢٦ ، وتوفى سنة ٦١٧ عن تسعين عاما. وكان قتادة فى غاية الإنصاف ، شجاعا بطلا فوق التصور ، لأجل ذلك لم يستطع أهل الفساد أن يرفعوا رءوسهم بالفتنة ، فعاش أهل الحرمين فى عهده آمنين مطمئنين.

٦٨

وبعد وفاة أبى عزيز قتادة انتقلت إمارة مكة المكرمة إلى الشريف حسن بن أبى عزيز قتادة. إلا أن مسعود بن محمد ملك اليمن حمل على حسن بن قتادة ، بناء على الأمر الذى تلقاه من أبيه محمد ملك مصر ، وبعد قتال تغلب على حسن واستولى على مكة ، وعاد إلى بلاده بعد أن عين شخصا يسمى «نور الدين عمر بن رسول» واليا على مكة ، وإن كان الشريف حسن تقاتل مع نور الدين على بن رسول فى وادى الحديبية سنة ٦١٠ ، إلا أنه انهزم وذهب إلى الشام وبعده إلى بغداد حيث توفى سنة ٦٢٦.

والملك مسعود الذى انتزع إمارة مكة من حسن بن قتادة هو يوسف بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبى بكر أيوب المشهور بلقب «أقسيس».

وعند ما شاع موت حسن بن قتادة نصب الملك مسعود شخصا يسمى «صارم الدين ياقوت المسعودى» واليا على مكة ، ولما مات فى نفس السنة تجرأ نور الدين على بن عمر بن رسول السالف الذكر على الاستيلاء على اليمن وأخذ البيعة لنفسه.

وعند ما مات الملك مسعود عين والده الملك الكامل واليا على مكة شخصا يسمى «طفتكين التركى» من مصر وأرسله إليها إلا أن الشريف راجح بن قتادة طرد طفتكين التركى من مكة بواسطة الجنود الذين أتوا من قبل ملك اليمن نور الدين.

وحرص الملوك المصريون واليمانيون ـ بالجهل ـ على أن يذكر أسماؤهم فوق منابر مكة المعظمة ، فالتزم المصريون جانب طفتين التركى واليمانيون جانب الشريف راجح بن قتادة ، فأجلسوا الشريف راجح على كرسى الإمارة سبع مرات وأبعدوه سبع مرات ، وكذلك طفتكيين التركى سبع مرات فى خلال سنة ٦٢٧ إلى ٦٣٧.

وحج ملك مصر الصالح بن كامل فى سنة ٦٣٧ شخصيا ، وعين مكان الشريف راجح أمير المدينة الشريف شيخه ابن قاسم الحسينى للقضاء على النزاع

٦٩

إلا أن ملك اليمن أعاد الشريف راجح فى سنة ٦٣٩ ، وفى النهاية عزله ونصب مكانه الشريف أبو سعيد حسن بن على بن قتادة ، وبناء عليه قام الشريف راجح بصد أبى سعيد واستمد العون من أبناء خاله الذين يسكنون فى المدينة. فتقابل أبو نمى ابن أبى سعيد الذى فى ينبع مع فرقة الشريف راجح فانتصر عليها وأصبح شريكا لأبيه فى الإمارة.

وفى سنة ٦٥١ أصبح الشريف حماز بن حسن بن قتادة ، وفى سنة ٦٥٢ الشريف راجح بن قتادة ، وفى سنة ٦٥٣ الشريف غانم بن راجح ، وبعد عدة أشهر أصبح الشريف أبو نمى بن أبى سعيد حسن بن على بن قتادة وعمه الشريف إدريس أمراء واجبى التوقير.

وإن كان الشريف أبو نمى قد شارك عمه الشريف إدريس فى الإمارة إلى سنة ٦٦٧ ، إلا أنه انفرد بالإمارة فى نفس السنة وانفرد الشريف إدريس بالإمارة فى سنة ٦٦٧ ، وبعدها بسنة انفرد الشريف أبو نمى مرة أخرى بالإمارة وبعد ذلك بأربعين يوما أصبح الأمير هو الشريف غانم مع أمير المدينة المنورة الشريف حماز بن شيخه الحسينى ، وتولى الإمارة فى سنة ٦٧٠ الشريف أبو نمى ، وفى سنة ٦٧٣ إخوته ، وبعدهم الشريف أبو نمى مرة أخرى ، وفى سنة ٦٧٧ حماز بن شيخه الحسينى ، وبعده الشريف أبو نمى وفى صفر الخير من سنة ٧٠٠ الشريف حميضة بن أبى نمى مع الشريف رميثة بن أبى نمى أصبحوا أمراء لإمارة بلد الله.

ولما صعد الشريف أبو نمى مقام الإمارة بعد أن انتصر على أخويه تقاتل فى نفس السنة مع القافلة المصرية فى منى ، وقتل أكثر الجنود الذين كانوا يحافظون على القافلة مع قائدهم ، لذا جهزت الحكومة المصرية قوة كبيرة ضد الشريف أبى نمى.

إلا أنه بعد توسط العلماء وما بعث به أبو نمى من الهدايا الحجازية مع رسالة يعتذر فيها لم ترسل القوة العسكرية التى أعدت ، وأبقى أبو نمى على منصب الإمارة ، وقد بلغت مدة إمارة أبى نمى منفردا ومشاركا غيره خمسين عاما ، وتوفى بناء على قول سنة ٧٠٣.

٧٠

كان الشريف حميضة مع أخيه الشريف رميثة إلى حلول موسم الحج ، ولما جاء فى تلك السنة أمير «الكرك» وواليه بيبرس اشتكى الشريف عطيفة وأبو الغيث أخاهما الشريف حميضة والشريف رميثة للأمير بيبرس فعزلهما ، وعين مكانهما الشريف عطيفة والشريف أبا الغيث ، وأخذ معه الشريفين حميضة ورميثة إلى مصر ، إلا أن منصب الإمارة أسند بعد ذلك مرة أخرى إلى حميضة ورميثة ، ثم لأخويهما ، ثم إلى حميضة ورميثة ، وأسندت الإمارة فى سنة ٧١٣ للشريف أبى الغيث بن أبى نمى.

ولم يتحمل الشريف حميضة والشريف رميثة خطورة الجنود الذين أتوا بأبى الغيث من مصر ، وهربا إلى جهة اليمن. وقام الشريف حميضة ضد أبى الغيث سنة ٧١٤ ، وقبض عليه وهو فى سريره وأعدمه ، واستقل بمنصب الإمارة إلا أن أخاه رميثة انتصر عليه سنة ٧١٥ ، فهرب إلى العراق واستنجد بالسلطان خدابند ، وعاد سنة ٧١٨ ، وجعل الخطباء يذكرون فى مكة فى خطبهم اسم ملك العراق أبى سعيد خدابند.

عزلت الحكومة المصرية فى سنة ٧١٩ الشريف حميضة وعين مكانه أخوه رميثة. واستدعى الشريف رميثة بعد ذلك إلى مصر مؤخرا وأسند منصب الإمارة إلى الشريف عطيفة ، وفى سنة ٧٢٢ أشرك الشريف رميثة والشريف عطيفة فى الإمارة ، إلا أن الشريف رميثة استقل فى سنة ٧٣٤ ، وفى سنة ٧٣٥ شارك الشريف عطيفه أخوه رميثة ، وفى النهاية انفرد الشريف عطيفة بالإمارة ، واستدعى فى سنة ٧٣٧ الإثنان معا إلى مصر وأسند منصب الإمارة إلى الشريف رميثة ، وأوقف الشريف عطيفه فى مصر.

خلاصة القول أن الأخوة الأربعة الذين ذكرت أسماؤهم أداروا أمور الإمارة أربعة وثلاثين عاما مشتركين ، إلا أن حروبا شديدة كانت تحدث فيما بينهم وكان يصلح بينهم بإرسال الجيوش من قبل الحكومة المصرية أحيانا أو من قبل الملك خدابند أحيانا ، وفى النهاية توفوا كلهم واحدا تلو آخر غير الشريف رميثة الذى

٧١

حكم منفردا ، إلا أن الحكومة المصرية عزلت الشريف رميثة سنة ٧٤٦ وعينت مكانه ابنه عجلان بن رميثة وبعد سنتين عين ثقبة بن رميثة أيضا ، وبناء على ذلك حكم هذان الأخوان مشتركين.

عند ما عاد الشريف عجلان من مصر سنة ٧٤٦ قام أهل مكة باحتفالات عظيمة ، ومات أبوه رميثة خلال هذه الأفراح العظيمة.

قد علا الشريف رميثة مقام الإمارة سبع مرات ، وحكم مشاركة مع أخيه حميضة عشر سنوات ومع أخيه عطيفة خمس سنوات ، كما حكم منفردا ما يقرب من خمسة عشر عاما ، فبلغت مدة إمارته ثمانين عاما.

وقد شارك أخوة الشريف عجلان بن رميثة أخاهم فى الإمارة سنة ٧٤٧ وعلى قول آخر فى سنة ٧٤٨. وهم الشريف ثقبة والشريف سند والشريف مغامس شاركوا أخاهم الشريف عجلان فى الإمارة وبعد فترة انفرد الشريف عجلان بالإمارة وعزل إخوته. وبعد فترة انفرد بالإمارة الشريف ثقبة وذلك فى سنة ٧٥١ ، وأشرك بعد فترة الشريف عجلان فى إمارة ثقبة ، وعزل الشريف عجلان سنة ٧٥٧ ، وعين مكانه ثقبة بن رميثة وبعد فترة عزل الشريف ثقبة ، وأسند منصب الإمارة إلى الشريف عجلان وهو مستقل ، وفى سنة ٧٥٨ أشرك الشريف ثقبة مع الشريف عجلان. وفى سنة ٧٦٠ عزل كلاهما ، وعين مكانهما الشريف سند بن رميثة مع محمد بن عطيفة بن أبى نمى.

وأحضر الشريف عجلان مع ابنه إلى مصر عقب القتال الدامى الذى وقع بين أشراف مكة والجنود المصرية سنة ٧٦١ حيث سجنا.

عند ما جلس على عرش مصر الملك المنصور محمد بن المظفر وجه منصب إمارة مكة الجليلة إلى عجلان بن رميثة ، وبناء على طلبه أشرك له فى الإمارة أخاه ثقبة بن رميثة.

كان فى ذلك الوقت الأمير ثقبة مريضا فى وادى «مر» وارتحل منه فى سنة ٧٦٢ ، وأشرك فى إدارة أمور الإمارة الشريف أحمد بن الشريف عجلان ،

٧٢

وأسقط اسم سند من الخطب ومات ثقبة بن رميثة فى ذلك الوقت ، وفوض الشريف عجلان ابنه أحمد بن عجلان فى القيام بأمور الإمارة الخاصة به ، فاستقلت إمارة مكة الجليلة وانتقلت لأحمد بن عجلان بن رميثة فقط.

واتخذ ملك مصر فى سنة ٧٦٦ إرسال (١٦) ألف درهم وألف إردب قمحا عادة ، وألا يؤخذ بناء على ذلك الضرائب التى كانت تؤخذ من الحجاج. وبما أن عجلان بن رميثة مات سنة ٧٧٧ عن عمر يناهز سبعين عاما أعلن ابنه أحمد بن عجلان فى سنة ٧٧٨ مشاركة ابنه محمد بن أحمد فى الإمارة ، وبعد عشر سنوات توفى إلى رحمة الله ومات محمد بن أحمد بعد وفاة والده بمائة يوم مقتولا.

هناك عدة روايات فى حق قاتل الشريف محمد ، بناء على أحد الأقوال أنه قتل من قبل أحد الأشخاص المجهولين ، وبناء على رواية ثانية قتله أحد المصريين ، إذ كان فى سجن أحمد بن عجلان كثير من الشرفاء مثل الشريف محمد عم الشريف محمد بن أحمد ، وأخواله الشريف أحمد والشريف حسن بن ثقبة ، وابن خاله الشريف على بن أحمد بن ثقبة.

طرحت الحكومة المصرية إطلاق سراح هؤلاء المسجونين ، إلا أن الشريف أحمد بن عجلان لم يوافق على ذلك فأسلم الشريف محمد بن أحمد بن عجلان شئون هؤلاء الشرفاء عقب وفاة والده ، وقد تأثر ملك مصر من عمل الشريف محمد الطائش هذا ، فعين عنان بن مغامس بن رميثة أميرا مكان محمد بن أحمد ، وكان مغامس هذا قد فر من أحمد بن عجلان إلى مصر ، وأرسله مع أمير حج مصر إلى مكة المكرمة ، وكان محمد بن أحمد استقبل المحمل المصرى كالعادة. وفى ذلك الوقت ضربه أحد الخونة الباطنية من مصر وقتله ، فألبس الشريف عنان خلعة الإمارة وأعلن أميرا. ودخل عنان بن مغامس فى سنة ٧٨٨ مع الموكب المصرى إلى المدينة المقدسة ، وإن كان أنصار محمد بن عجلان حاولوا أن يدافعوا عن الشريف عنان فلم يستطيعوا ذلك ، وفر كل واحد منهم إلى جهة ما.

٧٣

فتقدم الشريف عنان بن مغامس بكل حرية ودبدبة إلى دائرة الإمارة وأشرك فى الإمارة ابن عمه أحمد بن ثقبة وعقيل بن مبارك بن رميثة.

وعزل عنان بن مغامس بعد سنة ونقل مكانه على بن عجلان بن رميثة. وبعد سنة أشرك عنان بن مغامس على بن عجلان فى الإمارة ، وعزل سنة ٧٩٠ ، ونصب بعد ذلك بأربع سنوات مرة أخرى ، وبما أن على بن عجلان قتل سنة ٧٩٧ ، جاء مكانه محمد بن عجلان ، وعين فى سنة ٨٩٨ حسن بن عجلان ، وفى سنة ٨٠٩ بركات بن حسن بن عجلان ، وفى سنة ٨١١ الشريف أحمد بن حسن بن عجلان أشركوا فى إمارة أبيهم حسن بن عجلان فى إدارة شئون الإمارة.

الشريف حسن بن عجلان

عند ما استقل هذا الشريف بالإمارة قبض على قاتلى أخيه على بن عجلان ، وكذلك على أصحاب الفتن التى أدت إلى أخيه على بن عجلان ، وكذلك على أصحاب الفتن التى أدت إلى هذا الفساد ، وقضى عليهم جميعا.

وبعد هذا التوفيق فى القضاء على المفسدين زاد من شرفه ومهابته كما زاد من شجاعته ، لذا كسب الحرب التى أعلنها ضد معارضيه بعد فترة وأعلن استقلاله. وكانت حرب حسن هذه ضروسا دامية ، حتى إن معارضيه لمم يستطيعوا أن ينالوا العفو وهم يستقبلونه رافعين المصاحف الشريفة! لو كانت الحرب استمرت لحظة أكثر من الزمن لما بقى من المخالفين فرد يتنفس.

وإن تحقق استقلال الشريف حسن بعد القتال بثلاثة أيام إذ ترك بقية السيوف من الفرقة المخالفة فى مكة المعظمة متوجهين إلى اليمن ، إلا أن الشريف حسن قد عزل من الإمارة سنة ٨١٨ ، وأرسل مكانه الشريف رميثة بن محمد بن عجلان.

وما كان من الشريف حسن إلا أنه بعث ابنه بركات إلى مصر ، فوعدته الحكومة الممصرية بإبقاء والده حسن فى منصب الإمارة ، وأشرك الشريف بركات

٧٤

فى سنة ٨٢٠ فى إمارة أبيه ، وأبعد عن شركة الإمارة سنة ٨٢١ ، وعين مكانه الشريف أحمد.

ورجا الشريف حسن وإبراهيم بن حسن بالمشاركة ، وصدقت الحكومة المصرية على مشاركة ابنيه على أن تكون إدارة الأمور فى يده.

واهتم إبراهيم بهذا واغتم وغادر مكة إلى اليمن ، إلا أنه عاد فيما بعد ورجا أن يذكر اسمه أيضا فى الخطب ، فأسعف برجائه ونفذ طلبه.

بعد أن تأكدت إمارة الشريف حسن على الصورة التى ذكرت ، تعهد الشريف حسن بعد ذلك بسنتين أن يدفع سنويا للحكومة المصرية عشرة آلاف قطعة ذهبية ، وذلك فى سنة (٨٢٥) ، على أن يكون ما يدره ميناء جدة من الضرائب لإمارة مكة ، وأعشار السفن الهندية للحكومة المصرية. وقبلت هذه الاتفاقية من قبل الحكومة المصرية على أن تكون سارية لمدة سبع سنوات ووقع عليها. إلا أنه عزل سنة ٨٢٧ ، وأعيد إلى منصبه سنة ٨٢٨ ، وتولى فى السادس عشر من شهر جمادى الآخرة سنة ٨٢٩.

كان الشريف حسن بن عجلان رجلا خيرا صبورا ، وبنى رباطا خاصا بالرجال وآخر خاصا بالنساء فى المدينة المنورة ، كما أنه عمر وأصلح المستشفيات الموجودة فى زمانه كما عمر الأربطة القديمة وأحياها ، وأرضى المساكين الغرباء وظل جالسا على كرسى الإمارة ما يقرب من ستة عشر عاما.

الشريف بركات بن حسن بن عجلان :

استدعى الشريف بركات بن حسن بن عجلان إلى مصر سنة ٨٢٩ حيث ألبس خلعة الإمارة ، وعزل سنة ٨٤٥ وعلى قول سنة ٨٤٦ ، وعين مكانه الشريف على بن حسن بن عجلان ، وأراد الشريف بركات ألا يتخلى عن زمام الإمارة وألا يدخل على بن عجلان فى مكة المعظمة ، إلا أنه فر منهزما وعزل الشريف على بن عجلان فى شوال من نفس السنة وأرسل مكانه الشريف أبو القاسم حسن بن عجلان.

٧٥

ونال منصب الإمارة سنة ٨٤٩ الشريف بركات والشريف أبو القاسم بن حسين إلى سنة ٨٥١ ، وبعد ذلك بقليل الشريف بركات مرة أخرى.

وفى سنة ٨٦٠ ابن الشريف بركات محمد بن بركات ، وأرسل الشريف محمد بن بركات فى سنة ٨٧٧ قاضى العراق إلى مصر مقبوضا عليه.

لأن ملك العراق حسن الطويل جهز محملا وأرسله إلى مكة بقصد الاستيلاء على الحرمين ، وبعث مع هذا المحمل عددا كافيا من الجنود تحت إمرة أمير للحج يطلق عليه اسم «رستم».

وزود رستم هذا بتعليمات خفية كما أرفق بالمحمل قاضيا ليخدع الحجاج والأهالى ، وكان المحمل قد زين برايات متعددة وأعلام متنوعة ، وأعطيت هذه الأعلام والرايات لبعض رافعى الرايات لا ستخدامها فى وقت اللزوم.

فهم الشريف محمد ما يفكر فيه أمير قافلة العراق العدوانى بطريقة ما ، فقبض عليه وعلى القاضى الذى كان معه وأرسلهما إلى مصر وقد حاز هذا العمل رضا الحكومة المصرية وسرورها ، فقدرت هذه الخدمة الجليلة التى قدمها الشريف محمد ، فكافأته بأن أرسلت له سيفا وجوادا أصيلا ومنشورا.

وكان سرج الجواد الذى أرسل وجميع جهات السيف مزينة بمجوهرات مختلفة ومرصعة بأحجار غالية ، وكان مسطورا فى المنشور بالصراحة : أن ضبط وربط بلاد الشام واليمن ينبع والأقطار الحجازية خاص بالشريف محمد بن بركات ، وبناء على هذا أخضعت جميع الأقطار الحجازية وعربانها للحكومة المصرية وذلك بإرسال الشجعان إلى هذه البلاد ، وانتشر صيت عدالته وصداها إلى آفاق البلاد. وتوفى سنة ٩٠٣ فانتقلت إمارة مكة المعظمة فى هذه السنة إلى ابنه بركات بن محمد الذى شاركه فى الإمارة سنة ٨٧٨.

وبعد وفاة محمد بن بركات بأربعة أعوام وفى سنة ٩٠٧ أصبح ابنه هزاع بن محمد بن بركات شريكا لأخيه بركات بن محمد فى الإمارة ، ولما توفى هذا فى خلال ذلك العام تولى مكانه أخيه أحمد بن بركات الذى اشتهر بين الأهالى بلقب «أحمد جازانى». وفى سنة ٩٠٨ توفى هذا الأخير أيضا.

٧٦

وإن كان الشريف أحمد الجازانى قام ضد أخيه بركات بن محمد وأعلن استقلاله بالإمارة عند ورود القافلة المصرية ، إلا أنه قتل فى العاشر من شهر رجب يوم الجمعة فى نفس السنة فى أثناء الطواف وعين مكانه أخاه حميضة بن محمد بن بركات ، ولما تغلب بركات بن محمد على حميضة فى يوم التروية من نفس العام ؛ أعطيت براءة الإمارة للشريف بركات بن محمد على أن يشاركه فى الإمارة على بن بركات بن محمد قايتباى بن محمد. وتوفى على بن بركات سنة ٩١٣ كما توفى محمد (١) بن بركات الذى عين مكانه بعد فترة ، كما توفى الشريف قايتباى أيضا سنة ٩١٨ ، فظل الشريف بركات بن محمد فى مقام الإمارة منفردا ، وبعث بابنه أبى نمى إلى مصر راجيا بأن يسند مقام الإمارة لأبى نمى مستقلا. وقبل السلطان الغورى رجاء الشريف بركات وأعطى إدارة حكومة أرض الحجاز وينبع للشريف أبى نمى ، وأعطاه البراءة التى كتبت بهذا الخصوص وألبسه الخلعة المزينة بالذهب ، وأعاده إلى مكة المعظمة.

الشريف أبو نمى :

ولما كان الشريف أبو نمى عاقلا ، مدبرا وقادرا على الحرب والضرب فقد ارتفع شأنه بين الأهالى فى أثناء إمارته ؛ لنجاة الحجاج والأهالى والتجار من أن يلحق بهم الأذى والضرر.

وصادف فتح مصر لزمن إمارته ، فذهب إلى مصر وقابل السلطان سليم خان فى قصر الروضة الجميلة على النيل ، وعرض عليه خضوعه وبيعته وقدم له بعض التبركات المسعودة ومفتاح الكعبة المعظم. فأحسن له السلطان سليم بأن جعله أميرا على إمارة الأقطار الحجازية حتى حدود اليمن ، ومحاصيل جدة المعمورة كما أعطى له ولأبيه خلعة فاخرة وسيفين مرصعين وأعاده إلى بلده.

وإن كان أكثر المؤرخين نقلوا هذه الحادثة فى صورة مبسوطة إلا أنها مخالفة لما رواه مؤرخو مكة. يقول مؤرخو مكة : «فكر السلطان المغفور له أن يبعث قوة

__________________

(١) ولد الشريف محمد فى مصر ، لذا سماه أبوه بركات بن محمد «محمد الشافعى».

٧٧

من الجنود ليستولى على مكة المعظمة والبلاد الحجازية فى سنة ٩٢٣ ، فعلم صالح الدين ابن أبى السعود (١) بن ظهيرة قاضى مكة الذى كان مسجونا بمصر الأمر ، فعرض على السلطان أن الشريف بركات سيخضع للسلطان بلا مخالفة ، وسيعرض عليه طاعته وأنه لا داعى لسوق الجيوش إلى مكة المكرمة ، إذا ما أذن له السلطان بكتابة رسالة إلى أمير مكة ، وبناء على الإذن الصادر له من الإرادة السنية كتب إلى الشريف بركات رسالة يوضح له فيها الأمور. ولما وصلت الرسالة إلى الشريف المشار إليه لم يتردد فى إرسال ابنه أبى نمى برسالة تهنئة خاصة للسلطان إلى مصر. فسر السلطان سليم بوصول أبى نمى إلى مصر ، فأيد بقاء والده أميرا على مكة المكرمة ومشاركته له فى الإمارة ، وأعاده إلى مكة المكرمة وفى صحبته أعيان مكة الذين كان قبض عليهم السلطان الغورى قديما».

استطراد

إن تسليم أبى نمى الأمانات المقدسة ومفتاح الكعبة إلى السلطان سليم دون أن يطلبها ، وتصديقه على خلافة السلطان لأكبر دليل وبرهان على صحة الرؤيا الصالحة التى رآها حاجب السلطان حسن أغا وأولت رؤياه أن السلطان مأمور من قبل النبى صلى الله عليه وسلم بالحملة على البلاد العربية.

كان السلطان سليم خان ـ جعل الله مثواه الجنة ـ يتحرك وفق ما تراه نفسه من رؤى ، أوما يراه من رؤى من يثق فيهم من حاشيته ، ولكنه كان يطلع على الرؤيا التى يراها أىّ من حاشيته قبل العرض عليه.

الرؤيا

بينما كان الحاجب السلطانى نائما فى الحجرة الخاصة به بجانب باب الحرم السلطانى ذات ليلة رأى فيما يراه النائم أن الباب المذكور يدق ، فقال من الذى

__________________

(١) سبب حبس صلاح الدين عدم تسديد عشرة آلاف دينار مصرى كانت قد فرضت على حكومة مكة ظلما بغير حق من قبل الحكومة المصرية.

٧٨

يدق الباب؟ ورأى أن جناح الباب ومصراعه قد فتح بحيث يسمح برؤية من فى خارجه فعطف نظره بدقة على مسلحين يشبهون أهل البلاد العربية ، وعلى يد كل واحد منهم راية فتعجب من هذا الأمر.

فتقرب الحاجب وهو مندهش من الباب فخاطبه أحد الأربعة الذين اقتربوا منه قائلا : هؤلاء العساكر الذين رأيتهم هم أصحاب النبى صلى الله عليه وسلّم ، إن النبى صلى الله عليه وسلم أرسلنا إلى سليم خان وفوضه بخدمة الحرمين ، هذا الشخص هو الصديق الأعظم وهذا هو عمر الفاروق والذى بجانبى هو عثمان بن عفان. أما أنا فعلى بن أبى طالب هيا أخبر بذلك السلطان!! قالوا هذا وغابوا عن الأنظار».

وظل الحاجب حتى الصباح متحيرا مندهشا ، وبعد أداء صلاة الصبح حكى رؤياه لحسن جان الذى ذهب بدوره إلى السلطان وقال له «يا مولاى السلطان!! إن عبدك حسن هذا لم ير الرؤيا ، ولكن عبدك الحاجب حسن رأى الرؤيا» وحكى على مسامع السلطان الرؤية بالتفصيل.

لأن السلطان كان قد أمر حسن جان أن يقص له الرؤيا التى رآها فى تلك الليلة عدة مرات. وقال حسن جان وهو يروى الحكاية عند ما بدأ يقص له الرؤيا : «أخذ وجه السلطان يحمر وفى النهاية بكى ، وفى ختام الرؤيا خاطب حسن جان قائلا : «يا حسن! ألم أكن أقول لك؟ إننا لا نتحرك إلى جهة ما دون أن نكون مأمورين!! كان آبائى وأجدادى من أصحاب الكرامة ، إننا لا نشبههم» وبهذا القول غمط حق نفسه متواضعا ثم أمر بتجهيز حملة مصر رحمه الله رحمة واسعة» انتهى.

مات الشريف بركات عن واحد وسبعين عاما فى سنة ٩٣١ ، كما أن ابنه أبا نمى مات أيضا عن ثمانين عاما فى سنة ٩٩٢ ، وجلس على كرسى الإمارة بعد أبى نمى حسن بن أبى نمى.

وكانت مدة إمارة الشريف بركات ثلاثا وخمسين سنة وحكم بمفرده أحيانا ، وحكم أحيانا بالمشاركة مع ابنه. ومدة ابن أبى نمى اثنين وسبعين عاما ، وشارك أباه مدة اثنى عشر عاما فى الإمارة.

٧٩

كما اشترك ابن أبى نمى أحمد مع أبى نمى والده ما يقرب من أربع عشرة سنة فى الإمارة ، ولكن لما مات أحمد سنة ٩٦١ عين مكانه أخوه حسن بن أبى نمى.

وكان السلطان سليمان بن السلطان سليم خان قد استصوب مشاركة الشريف أحمد والده فى الإمارة. لأن سليمان باشا أخذ معه أحمد بن أبى نمى بناء على رغبة أبيه إلى باب السعادة وهو عائد من حملة اليمن ، وقد أجلسه السلطان المغفور له من شدة سروره به على يمينه وأشركه فى الإمارة مع أبيه.

قد تولى حسن بن أبى نمى الإمارة ما يقرب من خمسين عاما ومات فى سنة ١٠١٠ ، وهو فى التاسعة والسبعين من عمره فى حرب نجد ، وعين مكانه حسن بن أبى نمى بن بركات.

وكان الشريف حسن بن أبى نمى قد أشرك أولا ابنه حسين بن حسن بن أبى نمى ، ومن بعده مسعود بن حسن بن أبى نمى فى الإمارة ، ولما مات الاثنان واحدا تلو الآخر عين ابنه أبا طالب بن حسن بن أبى نمى ، ولما مات هو أيضا سنة ١٠١٢ شارك أخوه أبو العون إدريس بن حسن فى تدبير أمور الإدارة.

لما كان الشريف أبو طالب يشارك أباه فى الإمارة كان السلطان محمد خان أرسل لحسن بن أبى نمى سيفا ذا قبضة مرصعة.

وعند ما وصل هذا السيف المرصع إلى مكة المعظمة اجتمع الأعيان والأشراف والضباط مع جنودهم ومشايخ القبائل فى حرم المسجد الحرام الشريف ، وألبس الشريف حسن بين بئر زمزم والملتزم ابنه أبا طالب خلعة فاخرة بيده ، وأمر بذكر اسم ابنه أبى طالب على المنابر بعد ذكر اسم السلطان.

لما أصبح إدريس بن حسن بن أبى نمى نائبا عن والده أشرك فى الإمارة أخاه فهيد بن حسن مع ابن أخيه محسن بن حسن بن أبى نمى باتفاق آراء الأشراف ، ولما مات الشريف فهيد سنة ١٠٢٠ فى باب السعادة (١). والشريف إدريس أيضا

__________________

(١) والذى يدل على تاريخ وفاة الشريف فهيد بن حسن المصراع الآتى «ممات بالروم فهيد الحسن».

٨٠