موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

دائم ، ويسوق هؤلاء مواشيهم إلى الأماكن التى تمتاز بنقاء هوائها ووفرة مائها وكثرة أعشابها ، والذين يشتغلون بالزراعة والفلاحة يسكنون القرى والأراضى الصالحة للزراعة. حتى إن عربان قبيلة عنزة التى تسكن فى الأراضى الواقعة فى شمال جزيرة العرب تمضى الصيف فى الشام وبغداد والجزيرة ذات الأراضى المعشوشبة ، وتعود فى الشتاء إلى مواطنها الأصلية وتمضى الشتاء فى الوديان ذات العشب الوفير والماء الغزير.

والبدو تنحصر معايشهم فى منتجات الجمال والغنم والماعز فهم يقيمون فى الخيام ، ولا يجدون أية صعوبة عندما يرتحلون من مكان إلى آخر. ولما كان هؤلاء يقضون حياتهم دائما فى الفيافى والصحارى منعزلين عن الحضارة لم يستطع أى ملك من الملوك أو سلطان من السلاطين الذين يخضعون لهم أن يدخلوهم تحت طاعتهم مثل الأقوام المتمدنة الأخرى.

أما انقياد البدو فى صدر الإسلام وخضوعهم لدولة الإسلام فيعود السبب فيه إلى ما كانت تتمتع به الدولة من السطوة القاهرة والقوة العظيمة.

والواقع يقتضى أن تكون الدولة التى تحكم جزيرة العرب صاحبة قوة قاهرة ، وإذا فرضنا أن ولاة البلاد العربانية ذوو قدرة وقوة ، ولكنهم يهملون فى الضبط والربط أو يتساهلون فيهما حتى لا يخلفوا لأنفسهم مشاكل تكون سببا فى أن عامة العربان يرفعون راية العصيان ويخالفون جميع الأوامر والآراء ، وينقادون لمن اختاروه من بينهم شيخا لهم.

إن المشيخة بين العرب على الأقل شىء موروث أخذوه كابرا عن كابر ، ولما كان كل شيخ راغبا فى حماية مصالحه الخاصة تراه يعمل على أن يستقل ، ووفقا للمثل القائل «الحكم لمن غلب» فالشيوخ الضعاف والصغار يمضون حياتهم تحت حماية الأمراء الأقوياء الشكيمة من العربان.

وإن كانت طبيعة البدوى تتسم بالخشونة والرعونة ، إلا أن هذه الخشونة ليست بدرجة تمنعه من الخضوع والانقياد لأوامر السلاطين العظام ، ولديهم قابلية ـ بما

٢١

يتمتعون به من دراية فطرية وذكاء جبلّى ـ لقبول شرف المدنية بسهولة ، وأكبر دليل على ذلك دخول بعض أفراد القبائل تحت طاعة الدولة دون أن ينخدعوا بحيل مشايخهم ، وذلك عندما ساقت الدولة العثمانية جنودها سواء أكان إلى عسير واليمن أو نواحى البحرين ، وأخذوا ينشرون العدالة فى الأماكن التى تمركزوا فيها ، وذلك عندما رأوا ما يتمتع به الذين يعيشون تحت طاعة أوامر الدولة من راحة وطمأنينة واستقرار.

ويتردد بعض البدو فى تصديق سطوة السلاطين القاهرة ، ولما كانوا جهلة بما يعنى قوة الملوك وشوكتهم فهم معذورون فى التردد فى هذا الموضوع.

ومن الحالات الخاصة بالبدو ألا يصدقوا ما يسمعونه بآذانهم ولو كان متواترا ما لم يروا بأعينهم ، وقد ضرب المثل المشهور الذى يقول «إن إيمان البدو فى عيونهم» تصديقا لتلك الحالة.

وبما أن قبائل العربان تعيش فى الصحارى وبين الجبال فى حالة ترحال دائم ، لذا فإن بعض أفرادها لم يروا بعض مدن جزيرة العرب مرجعهم لشراء ملبوساتهم وحاجياتهم ، ناهيك عن بعض المدن من البلاد العثمانية؟.

والبدو يتفوقون من حيث الشجاعة على المدنيين ، والشجاعة أمر ضرورى للبدو ، والسبب الرئيسى فى ذلك أنهم ليسوا كالحضريين الذين يحتمون بالدولة والحكومة التى يعيشون تحت جناح صيانتها ، ويشتغلون بأمور معيشتهم من الكسب فى راحة وأمن ، بل إن البدو يعيشون فى الأماكن الموحشة فى عزلة ، وفى الصحارى بين التلال والجبال ، ويجدون أنفسهم مضطرين للدفاع عن أولادهم وعيالهم وأموالهم وما يملكون ضد أضرار الأعداء ، لذا تراهم يسيرون متسلحين دائما مستعدين ليلا ونهارا ، للدفاع عن أنفسهم ضد الحوادث المضرة التى يتوقعونها فى كل لحظة.

وقد تمكنت هذه الفكرة من ذهن أى عربى بدوى بحيث لا يمكن تزحزحها. ومن الأشياء التى تجلب أنظار المنصفين وتنال تقديرهم وتحير العقول تحمل البدو

٢٢

الجوع والعطش أياما كثيرة ، وقطعهم المسافات الطويلة بسرعة دون تعب أو كلل ، وتعودهم القتال منذ صباهم جعلهم فى الحرب والمعركة شجعانا من الدرجة الأولى.

ولقد حرص البدو منذ نشأتهم الأولى إلى يومنا هذا ألا يصيب أطوار بدويتهم وتقاليدهم خلل ، وما يزالون إلى يومنا هذا يبذلون أقصى ما فى جهدهم للمحافظة على تلك العادات.

وقد شرفت جميع القبائل العربية التى عاشت فى عصر السعادة باعتناق الإسلام ، وتركوا صفاتهم الذميمة التى كانوا يتخلّقون بها فى عصور الجاهلية ، وسلكوا طريق السلامة واشتركوا فى الغزوات الإسلامية ، وقطعوا المسافات فى سبيل الجهاد شرقا وغربا ، وفتحوا كثيرا من البلاد وسخروها وأملوا أسماءهم وثبتوها وسجلوها على دفاتر الأيام بسيف الجلالة.

٢٣

الصورة الثالثة فى ذكر الملوك الجبابرة التى كانت تحكم جزيرة العرب

قبل ظهور الدين الإسلامى

ملوك عاد الأولى :

كات بلدتى حضر موت ، وشحر حاضرة ملك ملوك عاد الأولى وكانت رعاياهم من القبائل العربية تسكن فى صحارى الأحقاف الواقعة بين البلاد اليمانية وعمان.

وكان تاريخ ظهور هؤلاء الملوك سنة ألفين وخمسمائة بدء الخليفة ، وتاريخ انقراضهم سنة ثلاثة آلاف وأربع وأربعين سنة بدء الخليقه ، وبلغت مدة سلطنتهم خمسائة وخمس وأربعين سنة. كان الأولى عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام ، وكان الثوانى والثوالث شديد من شداد بن عاد بن عوص ، ويروون أن شداد بن عاد قد ذهب مع جميع أتباعه إلى قصر إرم الذى بناه مثيلا للجنة فى صحراء عدن ، وقبل وصوله إليه هلك مع جميع رعاياه إذ حدثت صيحة سماوية فسوتهم جميعا بالأرضين.

وقال بعض المفسرين إن الآية الجلية (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) (الفجر : ٧ ، ٨) نزلت فى حق ذلك القصر.

وذهب المؤرخ ابن خلدون إلى أن تلك الآية لم تنزل فى حق قصر إرم بل فى حق قبيلة أرم ، ولكن بناء على الروايات الموثوقة أن القصد الإلهى من تلك الآية موقع سكنى قبيلة أرم ، وقد اشتهر ذلك المكان بالنسبة لأرم جد قوم عاد ابن سام بن نوح عليه السلام.

لما كان قوم عاد يعبدون الأصنام أرسل الله ـ سبحانه وتعالى ـ هود بن شالخ

٢٤

بن أرفخشذ بن سام بن نوح (عليه السلام) نبيا لهم ليدعوهم إلى طريق الهداية ، إلا أن هؤلاء القوم لم يستجيبوا لدعوة هود عليه السلام. وتجرءوا أن يؤذوه بأنواع مختلفة من الإساءات. وفى النهاية ابتلوا بقحط عظيم لانقطاع المطر عنهم ، وأصيبت نساؤهم بالعقم ، وظهرت عاصفة شديدة قبل الهجرة ب ٣١٧٢ سنة فى بلادهم فهلكوا جميعا ، وقد نجا المؤمنون منهم إلا أن عددهم كان قليلا.

قوم ثمود

توفى هود ـ عليه السلام ـ بجوار حضرموت عن عمر ٤٤٠ عاما وقد كان لقمان وقوم ثمود من طائفة عاد الأولى أيضا ، وكانوا يستوطنون حجر وادى القرى الواقع بين الشام والحجاز.

وقد انحرف قوم ثمود سكان حجر وادى القرى بعد هلاك قوم عاد ، وعصوا الله وأخذوا يعبدون الأصنام التى صنعوها بأيديهم ، وهكذا طغوا وبغوا فأرسل الله ـ سبحانه وتعالى ـ لهم صالح «عليه السلام» نبيا لهم.

كان صالح عبيل بن آسف بن شالخ بن عبيل بن كاثر بن ثمود وكان ثمود بن عابر بن إرم بن سام ساكنا بجوار عدن ، وذهب صالح «عليه السلام» بناء على الأمر الإلهى الصادر له إلى قوم ثمود فى مسكنهم من أرض الحجر ، وقال لهم إنكم تمضون الصيف فى السهول ، كما تمضون أيام الشتاء فى الجبال فى بيوت منحوتة آمنة من كل شىء ، ومع ذلك نسيتم الله ـ سبحانه وتعالى ـ ونسيتم نعمه الجليلة وهذا يعد عصيانا لله ـ تعالى ـ وأثر من آثار الطغيان فاتركوا العصيان والطغيان واشكروا نعم الله ـ تعالى ـ وإلا هلكتم بعذاب شديد ودعا بهذه الطريقة ثمود إلى الدين الحق.

وأسلم بعض قوم ثمود عبدة الأوثان وأصحاب البغى والطغيان ، وأنكر الباقى رسالة حضرة صالح «عليه السلام» ، وأخذوا يعاتبونه قائلين إنك تريد أن تمنعنا عن دين آبائنا وعما عبدوه!! وأصروا على إيذاء النبى صالح «عليه السلام»

٢٥

وإزعاجه هو وأتباعه من المسلمين ، وأخذوا يعذبونهم ويستهزئون بهم. وفى فترة ما أخرجوا أصنامهم إلى الصحراء ، وأرادوا أن يمتحنوها ، وطلبوا من الأصنام التى أخرجوها إلى الصحراء بعض الأشياء ، وعندما لم يظهر ما طلبوه من الأصنام قالوا لصالح «عليه السلام» : إن كنت نبيا حقا فأخرج لنا من هذه الصحراء ناقة حاملة ، ولما دعا صالح «عليه السلام» إلى الله خرجت ناقة من الصخرة التى أشاروا إليها بعد أن أنت الصخرة كالنساء اللائى يضعن حملهن ، وانشقت وخرجت من داخلها الناقة التى طلبها قوم ثمود ، إلا أن قوم ثمود ظلوا على عنادهم ولم يؤمنوا بصالح وما يدعوا إليه.

وفى النهاية طلب صالح من قوم ثمود بدلالة الوحى الإلهى أن ترتوى ناقة صالح من الماء الذى عندهم يوما ، وتروى حيوانات قوم ثمود من ذلك الماء يوما آخر ، وقد فعل قوم ثمود هذا الطلب. إلا أن قوم ثمود خالفوا هذا الأمر فيما بعد ، واجتمع تسعة من رؤسائهم وأقسموا فيما بينهم أن يقتلوا صالحا وأتباعه من المؤمنين رافضين الهداية ، وأخذوا يسيئون إلى صالح والمسلمين وتجرءوا على قتل الناقة ، فما كان من الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلا أن أرسل عليهم صيحة قوية ، وزلازل شديدة فهلك الذين لم يؤمنوا وقد وقعوا على وجوههم كأشجار خاوية.

وأخذ حضرة صالح أتباعه الذين آمنوا به بعد هلاك ثمود ، وذهب بهم إلى فلسطين وهاجر من هناك إلى مكة المكرمة ، وارتحل إلى دار النعيم فى تلك البقعة الطاهرة وهو فى الثامنة والخمسين من عمره.

يروى أن الأقوام التى عاشت فى عهد عاد الأولى كانت ذات أجسام ضخمة قوية وتتصف بالظلم والعناد.

ملوك اليمن

انتظر أولاد نوح ـ عليه السلام ـ بعد وقعة الطوفان الهائلة فى أقطار الأرض. واتخذ كل واحد منهم مع أتباعه بقعة من الأرض مأوى لهم. قد سكن من بينهم

٢٦

عابر و (قحطان) ابن هود (عليه السلام) فى أرض اليمن واستقل بتلك البلاد وأصبح ملكها قبل الهجرة ب ٣٠٩٥ عاما.

كان أصل اسم قحطان «يرد» ولما أنقذ الناس فى زمن القحط من المجاعة لقب باسم «قحطان».

وأصبحت منذ ذلك الوقت القطعة اليمانية بلادا عظيمة مسكونة ، وسكانها من سلالة قحطان ، وقحطان هذا ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح «عليه السلام» كما سبق ذكر ذلك فى بحث العرب العاربة.

ويطلق على الملوك الذين حكموا فى أرض اليمن الجسيمة على حمير بن سبأ : «القحطانية» والذين حكموا على حارث الرأس : «الملوك الحميرية» ، وأطلق على الذين أتوا بعدهم «حميرية» و «تبابعة».

ومعنى تبع كثير الأتباع والمطاع ، وهو لقب خاص بالملوك الذين حكموا ولايات حضرموت وسبأ وحمير.

هناك روايات كثيرة بخصوص ظهور الملوك اليمانية وتاريخهم وانقراضهم ومدة سلطنتهم وعددهم ، وبناء على أقوى الروايات فإن الملوك اليمانية ظهروا سنة ثلاثة آلاف وأربع وأربعين ، وانقرضوا سنة ستة آلاف واثنتين وتسعين.

وبناء على هذه الرواية تبلغ مدة سلطنة الملوك اليمانية ثلاثة آلاف وثمان وأربعين سنة ، إلا أنه لا يوجد تاريخ يعتمد عليه فى معرفة عدد الملوك الذين حكموا فى تلك الفترة.

ولقد وقعت البلاد اليمانية بعد انقراض الملوك الحميرية تحت سيطرة أربعة حكام من الحبشة ، وقد ظهر هؤلاء سنة ستة آلاف وثلاث وتسعين ، وانقرضوا سنة ستة آلاف ومائة وخمس وستين. وبناء على هذا التقدير فمدة سلطنتهم اثنتين وسبعين سنة.

وبعد ذلك استولى على اليمن مرة أخرى أبو مرة سيف وهو من نسل الملوك

٢٧

الحميرية بمعاونة كسرى ، إلا أنه قتل بعد استيلائه على اليمن بخمسة عشر عاما ، وعلى رواية بعد أربعة أعوام ، وبناء على رواية أخرى قتل من قبل الحبشة (١) وتقول الروايات أنه بعد قتل أبو مرة سيف لم يحكم أحد من نسل الملوك الحميرية اليمن ، إلا أنه كان فى ناحية من نواحى اليمن مملكة اتخذت لنفسها واحدا من نسل حمير ملكا لها ، وحكم هؤلاء الملوك الطوائف ، وعلى رواية أن بلاد اليمن ظلت فى يد ملوك الفرس بعد قتل أبو مرة سيف إلى ظهور الإسلام.

والرواية الثانية أرجح على الرواية الأولى ، حتى إن الولاة الذين يعينون من قبل الأكاسرة يطلق عليهم مرازبة.

وعدد ملوك المرازبة ثمانية ملوك ، وكانت حاضرة ملكهم بلاد اليمن ، وكان بدء ظهورهم قبل الهجرة بأربع وأربعين عاما ، وكان زمن انقراض ملكهم بعد الهجرة النبوية بعشر سنوات ، وبهذا بلغت مدة ملكهم ثلاثا وخمسين سنة.

وهذه الرواية صحيحة لأن بازان بن ساسان من الملوك المرازبة وحكم اليمن إلى بداية البعثة النبوية ، وبما أنه اهتدى وأسلم فأبقاه النبي صلى الله عليه وسلّم حاكما ، ولما توفى فى السنة العاشرة من الهجرة ولى النبى صلى الله عليه وسلّم ابنه شيرين على بعض البلاد اليمنية ، وبهذا الشكل أعلى قدره ومرتبته بين الأهالى.

وكانت حاضرة ملوك حمير والتبابعة صنعاء ومدينة مأرب البعيدة عن صنعاء بمسافة ثلاث مراحل.

كانت مدينة مأرب تقع فى نهاية جبال حضرموت ، وكانت فى أماكن غير آهلة بالسكان فى زمانها ، وكانت ديار سبأ فى هذه الأراضى الخالية وكان سد مأرب فى هذه الديار كما سيأتى تعريفه فى الاستطراد الآتى.

سد مأرب ـ العرم ـ سيل العرم

كان سد مأرب قد بين جبلين عاليين لحماية بلدة مأرب من السيول التى تنزل من الأنهار التى حولها ، وكان يطلق على المياه الكثيرة التى تتجمع خلف هذا

__________________

(١) ما يطلق عليهم «الحبش» فى التواريخ العربية ليسوا الحبش الحاليين بل هم السودانيون الحاليون.

٢٨

السد العرم بفتح العين وكسر الراء ، كما أطلق على السيول العظيمة التى حدثت نتيجة لانهيار سد مأرب سيل العرم.

وبلدة مأرب التى مدحت فى القرآن الكريم ـ (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) (سورة سبأ / ١٥) ـ كانت بعيدة عن صنعاء بثلاث مراحل ، وذات هواء نقى وماء زلال ، ومكان جيد وهى أثر من آثار سبأ بن يشجب.

وكان هذا السيل العظيم قد طغى من الجبال التى تقع فى مقدمة هذه البلدة الطيبة واتحد بنهيرات صغيرة كانت تنحدر من الجبال واكتسب ضخامة كأنه بحر.

وكانت بلدة مأرب قد أسست فى الأول من قبل أولاد وأحفاد سبأ بن يشجب السالف الذكر ، وكانت قرية صغيرة ولكنها فيما بعد اتسعت وعمرت سواء أكان بأولاد سبأ أو أحفاده وأحفاد أحفاده ، والذين تكاثروا بحيث أصبح الوادى الذى يسكنون فيه لا يتسع لهم ؛ فانتقل بعض هؤلاء حول هذا الوادى واختاروا منه أماكن جميلة ، وأسسوا قرى ومدنا جميلة ، حتى وصل عدد قراها ومدنها إلى أربعة آلاف وسبعمائة كما تخبرنا به التواريخ ، وكان أول هذه القرى والمدن التى أنشأها أولاد سبأ وأحفاده فى صنعاء اليمن وآخرها فى حدود الشام وكانت كل قرية بعيدة عن الأخرى ست ساعات ومبنية فى واد مستقيم مسطح بحيث كان الواقف فى قرية يرى القرية الأخرى.

وكان المسافر الذى يسير سيرا متوسطا يصل إلى القرية الأخرى فى ظرف ست ساعات ، وكانت طرقها آمنة من جميع أنواع المخاطر.

وكان الإنسان يستطيع أن يذهب حيثما يريد ليلا ونهارا دون خوف ، وكانت الطرق خالية من الحشرات المؤذية مثل العقارب والحيات المؤذية ، كما أن القرى والمدن خالية من الحشرات مثل : القمل والبرغوث والذباب ، وإذا ما وجدت حشرات مثل القمل والبرغوث فوق الذين يأتون من البلاد الأخرى كانت تهلك بمجرد دخولهم إلى بلاد سبأ.

٢٩

وكانت أطراف الطرق بين المدن والقرى ممتلئة بالحدائق والبساتين ، وكل بستان وحديقة مزينة بأنواع الفواكه والأزهار ، وكانت هذه الفواكه والأزهار وفيرة كثيرة ، بحيث كانت نساء القرى يخرجن للتنزه تحت الأشجار وفوق رءوسهن أسبتة وفى أيديهن خيوط القطن ينسجن وتمتلئ الأسبتة بالفواكه المتساقطة من الأشجار التى يسرن تحتها ، ثم يعدن إلى منازلهن وقد تنزهن وحصلن على الفواكه ، ومن الطبعى أن يرد للخاطر كيفية سقية هذه الحدائق الواسعة والبساتين الشاسعة فالإجابة على هذا الخاطر أن كثيرا من القنوات والجداول قد شقت حول نهر العرم فسقيت البساتين والحدائق بالمياه التى تجلبها هذه القنوات والجداول.

وبناء على هذا اكتسبت بلدة مأرب جودة فى الماء والهواء ، كما أن الخضرة أكسبت البلدة جمالا ورونقا فاتسعت البلدة يوما بعد يوم ، وأنشئت بساتين متصلة وحدائق متقاربة حول البلدة والطرقات.

وقد أصاب عقيدة أهالى مأرب الذين نالوا كل هذه النعم الإلهية ، وحازوا العناية الإلهية ضعف ووهن إذا قالوا ماذا يحدث لنا؟ وماذا يكون مصيرنا إذا أمطرت السماء بغزارة وفاض نهر العرم وغمرت مياهه حدائقنا وبساتيننا التى بذلنا جهودا شاقة فى سبيل إنشائها وإنباتها؟ واستولى عليهم القلق والجزع نتيجة لمثل هذه الأفكار ، وبناء على هذا فكر سبأ بن يشجب ـ على رواية ـ أو نعمان بن عاد ـ بناء على رواية أخرى ـ فى إقامة سد أمام نهر العرم طوله فرسخ وكذلك عرضه ، وفعلا نفذ الفكرة وأنقذ أهل مأرب من هذا القلق الذى كان يقلق مضجعهم.

اختلف المؤرخون فى تحديد بانى سد مأرب ، كما تنقل روايات مختلفة فى تعريف طول السد وعرضه ومتانته وضخامته.

قال الذين ذهبوا إلى أن بانيه نعمان بن عاد ، أن طول السد وعرضه كان كل واحد منهما اثنى عشرة ألف خطوة وكان له فى ثلاثين مكانا قوائم ، كما قال الذين زعموا أن بانى السد سبأ بن يشجب أنه لما تيقن أن عمره غير كاف لبناء مثل هذا السد الضخم فكر فى إتمام بنائه فى أقرب وقت ممكن ؛ لذا أمر سكان سبعين

٣٠

واد كبير بأن يشتركوا فى بناء السد ، إلا أن عمره لم يف أيضا بالعمل فى البناء. وإن هؤلاء المؤرخين أشاروا إلى أن عدة من الملوك والحكام توارثوا الملك منذ ابتداء العمل فى السد إلى الانتهاء من بنائه.

ولما كان بناء مثل هذا السد الضخم وإقامته لا يتم فى خلال حكم ملك واحد لأن عمر بنى البشر لا يمتد بهذا القدر ، فالرواية الثانية ترجح على الروايات الأخرى.

قد بنى السد المذكور بصخور ضخمة ملصقة بالزيت والقار ، وقسم إلى فروع وجعل له مساقى فوقية وتحتية وبعض القنوات وأقيم بين جبلين ، وأخذت بعض أماكن السد تخرب بمرور الوقت ؛ إلا أن الملكة التي تسمى بلقيس ـ والتى ورثت الحكم من ملوك التبابعة فى بلاد سبأ والتى اكتسبت العز والسعادة بالزواج من سليمان بن داود عليهما السلام ـ عمرت وأصلحت السد بصورة جيدة وقوته وفتحت له منافذ كثيرة. وفتحت ثلاثة أبواب وقوت ما حول الأبواب بصورة متينة رصينة.

وكان أهل مأرب يفتتحون كل سنة بابا من تلك الأبواب ، أى كانوا يفتحون سنة الباب الأول ، والسنة التى بعدها الباب الثانى ، والسنة التى بعدها يفتحون الباب الثالث ، ويقسمون المياه الجارية من تلك الأبواب إلى جداول مرتبة ، وكانوا يسقون المزارع والبساتين كيفما يشاءون.

وزادت بلاد سبأ عمرانا بعد أن عمرت بلقيس سد مأرب ، ورتبت البساتين التى حول الجداول كأنها رسوم مرسومة فوق الأوراق ، وأخذ أهالى بلاد سبأ يتنعمون يوما بعد يوم ، وأخذوا يركنون إلى قضاء أيامهم فى الحدائق والبساتين فى فرح وسرور ، وأصابهم الكبر والغرور بل تجرءوا على الكفر والطغيان كما جاء فى القرآن الكريم وعصوا ربهم ولما كان واجبا على هؤلاء أن يقضوا أيامهم ولياليهم فى العبادة والطاعة والخضوع لله لما وهبوا من نعم لم يوهب مثلها لأى

٣١

أحد من أهالى البلاد الأخرى ، ولكنهم ارتكبوا العكس فانهمكوا فى الشرك واستحقوا بهذا قهر الله ـ سبحانه وتعالى ـ القهار.

وكان من رحمة الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأهل مأرب وسبأ أن أرسل لهم ثلاثة عشر نبيا متتابعين يدعونهم إلى طريق الهداية ؛ ولم يعيروا آذانا ولم يصغوا لنصائح هؤلاء الأنبياء ووصاياهم ، إذا قالوا لهم : «ياسكان مأرب التى تشبه جنات الفردوس! احرصوا على شكر الله والثناء عليه وأنتم تأكلون وتشربون من أنعم الله التى بذلها لكم الله سبحانه وتعالى ، وبما أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم فسيزيد من نعمتى الدارين عليكم ، إذا زدتم فى الشكر لله سبحانه وتعالى! ، أما إذا امتنعتم عن اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى فسوف ينهار سد العرم ويفرقكم جميعا فيفنيكم ويهلككم ، إلا أنهم قابلوا هذه النصائح والوصايا بالسخرية والاستهزاء ، وبينوا أنهم لن يتركوا الأعمال التى تؤدى إلى العار وتستوجب العقاب والخسارة والعذاب ، وأظهروا عدم رضاهم عن قرب قراهم ومدنهم بعضها من بعض ، وودوا أن تبتعد هذه القرى والمدن بعضها عن بعض وفق ما جاء فى القرآن الكريم (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦) ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (سبأ : ١٥ ـ ١٩).

ولما قال لهم أنبياؤهم إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ سيخرب هذا السد بواسطة الفئران ، قالوا لهم إننا سوف نقضى على تلك الفئران التى سيخلقها ـ سبحانه وتعالى ـ لتخريب السد بواسطة الهرر والقطط ، وفعلا أعدوا كثيرا من القطط ـ نتيجة لهذه الفكرة الخاطئة وربطوها بجانب السد.

٣٢

وفى النهاية نفذ قضاء الله ـ سبحانه وتعالى ـ القهار ولم تفد جميع مساعى أهل مأرب وجهودهم وما اتخذوه من الاحتياطات ليحولوا دون انهيار السد ، فأغرقت مياه السيول التى تجمعت خلف سد مأرب بلاد سبأ ومحتها من الوجود ، وذلك منذ أربعمائة عام قبل البعثة المحمدية فى عهد عمرو مزيقيا من حكام اليمن ، وتحقق ما تنبّأ وأخبر به الأنبياء المشار إليهم. وضاعت معيشتهم المرفهة وأصبحت أحوالهم قصصا تدور على ألسنة الأنام.

لو كان أهل مأرب اطلعوا على الكارثة التى ستصيبهم لعملوا على الأقل على إنقاذ أرواحهم. إلا أنه فى ليلة من الليالى ظهرت فئران أكبر من القطط دون علم أحد وشقت القطط التى رباها الأهالى للدفاع عن القضاء المفاجئ الذى سيقع فجأة ، ونقبت أسس السد المتين وهدمته بعون السيول فى النهاية. وقد تجلت قدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ بصفة المنتقم فغرقت جميع بلاد سبأ بتدفق مياه سيل العرم وهجومها عليها. وتحولت أربعة آلاف وسبعمائة من القرى والمدن فى لمح البصر إلى خرائب وأطلال. ولم يبق فى هذه الحدائق والبساتين إلا خمط وأثل وشىء من سدر قليل. وبعض أشجار ونباتات غير صالحة لأكل محاصيلها.

ملوك الغساسنة

وقد تشتت أهالى بلاد اليمن الجسيمة بعد سيل العرم فى البلاد الأخرى. وقد نزلت قبيلة بنوا أزد من نسل كهلان بن سبأ بجانب الماء الذى يعرف باسم غسان فى نواحى الشام ، واشتهرت باسم هذا الماء وقد عمل هؤلاء فى فترة من الفترات على الاستيلاء على البلاد الشامية كلها حيث أسسوا حكومة ملوك الغساسنة.

كما أن بعض أفراد هذه القبيلة هاجر إلى ديار بكر حيث أسسوا المملكة الخاصة بملوك كندة أيضا وكان ابتداء ظهورهم قبل ظهور نور الإسلام بخمسمائة عام ، وكانت دار ملكهم معظم سواد الشام. ووصل عدد ملوكهم إلى واحد وثلاثين ملكا ، ودامت مدة سلطتهم ستمائة عام. وكانوا كلهم تابعين لقياصرة الروم. وقد زادت قوتهم تحت هذه التبعية إلا أن ملكهم أواخر حياتهم تعرض للضعف والوهن ، وانقرضت قوتهم ودالت دولتهم فى العام السادس عشر من الهجرة النبوية.

٣٣

وكان جبلة بن الأيهم ـ وهو من فروع ملوك الغساسنة ـ قد تشرف باعتناق الإسلام فى خلافة عمر الفاروق (رضى الله عنه) وقصد مكة المكرمة لأداء فريضة الحج ، وفى أثناء طوافه بالكعبة داس أحد أفراد عربان قبيلة فزارة على طرف ثوبه فغضب جبلة غضبا شديدا ، ولكم العربى لكمة قوية وكسر بعض أسنانه. فما كان من المضروب إلا أن تقدم لعدالة وحكم الخليفة طالبا منه أن يرضى المضروب إما قصاصا أو يدفع دية. إلا أن جبلة بن الأيهم استهجن الحكم الصادر وعاب حكم الفاروق لأنه ساوى بينه وبين شخص من عامة الشعب. وغضب غضبا شديدا إلا أنه طلب من الخليفة إذنا بالتفكير فى الأمر ، وفى الليل عاد إلى دينه القديم الباطل ومات وهو كافر.

المناذرة

آل منذر ـ ملوك المناذرة من أهالى اليمن ومن أبناء كهلان بن سبأ. هؤلاء أيضا خرجوا إلى مكة المعظمة ومن هنا قصدوا بلاد الحيرة حيث كونوا سلطنة.

وآل مناذرة من أعظم ملوك العرب من حيث قوة دولتهم وعظمتها ، وكانت دار ملكهم فى بلدة الحيرة القريبة من الكوفة ، لذلك لقبوا بملوك الحيرة كما سموا فترة ب «اللخميين».

ولا يعرف عدد ملوك المناذرة الذين حكموا البلاد معرفة قطعية ، إلا أن مدة سلطنتهم امتدت ستمائة وعشرين عاما ، وكان أول ظهورهم قبل الهجرة النبوية بخمسمائة واثنين وستين عاما ، وكان انقراض دولتهم بعد الهجرة النبوية باثنى عشر عاما.

بنو جرهم

ينقسم ملوك الجراهمة الذين حكموا الحجاز إلى قسمين. ويطلق على القسم الأول جرهم الأولى ، وعلى القسم الثانية جرهم الثانى ، ولما كانت جرهم الأولى معاصرة لقوم عاد فأحوالها الحقيقية مجهولة. أما جرهم الثانية فهم من أبناء قحطان وأحوالهم معروفة لدى أصحاب العقول بدلالة التاريخ.

٣٤

كان جرهم الثانى أخا يعرب بن قحطان. وبينما كان يعرب ملك ممالك اليمن هاجر الثانى مع ابن عمه قورا آخذا معه أولاده وأتباعه إلى مكة المكرمة ، وسكن فى تلك الأماكن المقدسة ثم كون سلطنة ، وحكم فترة غير قليلة.

وعدد ملوك جرهم الذين حكموا فى الحجاز أربعة عشر ملكا ، وكانت دار ملكهم مكة المكرمة. وانتقلت حكومة بيت العزة من الجراهمة إلى بنى خزاعة. وخرج أجداد خزاعة الذين استولوا على الحجاز فى رفقة قبيلة أزد من اليمن إلى مكة المعظمة ، وتوارثوا حكومة مكة كابرا عن كابر ، وبلغوا بقوتهم وقدرتهم إلى درجة الكمال. ولكن قصى بن كلاب من سلالة إسماعيل ـ عليه السلام ـ الطاهرة ورئيس قبيلة قريش وحد بين القبائل القرشية ، وبهذا استطاع أن يطرد بنى خزاعة من مكة المكرمة ، وقضى على قوتهم وقدرتهم وخرب دولتهم.

وكان قصى بن كلاب من الحكام الذين حكموا من قبيلة قريش مكة المكرمة وهو جد النبى صلى الله عليه وسلّم الأعلى ، وانتقل الحكم بعده إلى أبنائه الذين أداروا حكم مكة إلى ظهور الإسلام. وبعد وفاة سيف الحميرى ـ أى بعد انقراض طبقة ملوك العرب العاربة ـ انتقلت قطعة اليمن لإدارة قيصر الروم فى القسطنطينية ، وطلب قيصر الروم وأتباعه الحبش آن يحملوا على اليمن بجيوشهم ، وهكذا انتقل حكم اليمن إلى الحبش وبعد ما استولى الأحباش بعون قيصر الروم بالقسطنطينية على اليمن ، وحضر موت طمعوا فى الاستيلاء على بلاد الحجاز وساقوا جيشا كبيرا فى زمان جد النبى صلى الله عليه وسلّم عبد المطلب بن هاشم إلى مكة المعظمة ، إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أبادهم بواسطة طير أبابيل.

ولم يبق لملوك العرب بعد سيف الحميرى نفوذ فى جزيرة العرب. وإن كان للبدو الذين ينتقلون فى الصحارى والجبال أمراء من أبناء قحطان وحمير إلا أن حكم هؤلاء الأمراء لم يكن يتعدى حدود أفراد قبائلهم. مثل شيوخ القبائل البدوية الذين يحكمون الآن.

٣٥

وحكم الأمراء أخلاف ملوك المناذرة (الحيرة) فى شرق شمال جزيرة العرب ، وملوك الغساسنة فى نواحى العراق فى جهة الشام.

ولما كان آل جفنة (الغساسنة) يتعينون من قبل قياصرة الروم ، والحيرة المناذرة يعينون من قبل أكاسرة العجم بشروط معينة فقد كانوا بمثابة ولاة لهم. لذا كانوا يعزلون ويبدلون وفق إرادتهم.

وأشرقت أنوار سلطان الكون والممالك فى فترة انقرض فيها ملوك العرب العاربة ومحى اسمهم من الوجود (١).

__________________

(١) ما يطلق عليهم «الحبش» فى التواريخ العربية ليسوا الحبش الحاليين بل هم السودانيون الحاليون.

٣٦

الوجهة الثانية

فى ذكر الخلفاء والملوك المسلمين

الذين ظهروا فى جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام

أحوال رسول الملك المتعال إجمالا

الخلفاء الراشدون

الملوك الأموية

سلطنة العباسيين

الفاطميون

الدولة الأيوبية

الخلفاء العباسيون فى مصر والملوك التركمانية

الملوك الشراكسة

السادة الكرام

كيفية تأسيس ولاية مكة وصورة تشكيلها

٣٧
٣٨

الصورة الأولى فى ذكر الخلفاء والملوك المسلمين الذين ظهروا

فى جزيرة العرب بعد ظهور الإسلام وأحوال رسول الملك المتعال إجمالا

ولد النبى صلى الله عليه وسلّم الذى بعث رسولا رحمة للعالمين بعد ميلاد عيسى ـ عليه السلام ـ بخمسمائة وتسعة وستين عاما ، وعلى قول بعده بخمسمائة وسبعين عاما فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول ، السابع عشر من شهر أبريل ، وبعث شفيع العالمين نبيّا فى العام الحادى والأربعين من عمره الشريف.

وهاجر النبى صلى الله عليه وسلّم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة فى العام الثالث عشر من نبوته ، ولبى دعوة ربه بعد الهجرة بأحد عشر عاما. واتخذت هجرة النبى صلى الله عليه وسلم التى توافق عام ستمائة اثنين وعشرين من الميلاد ، والسادس عشر من شهر يوليو مبدأ تاريخ هجرى من قبل المؤرخين.

وتبلغ مدة نبوته ورسالته ثلاثة وعشرين عاما ، ويبلغ عمره ثلاث وستين سنة ، وآمن فى خلال هذه الفترة من الزمن أغلب أفراد القبائل العربية فى الحجاز واليمن ونجد والعراق والأماكن الأخرى من جزيرة العرب بالتدريج ، وهكذا سعد سكان جزيرة العرب أكثرهم بنيل فيض الأنوار الإسلامية وأحرزوا سعادتى الدنيا والآخرة. ولم يبق فى دائرة الكفر والظلام فى جزيرة العرب إلا بضعة من أفراد القبائل ذوى الحظ العاثر.

وكانت بعض القبائل قد ارتدت عن دائرة الإسلام المنجية عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم ، ورجعوا إلى جهالتهم الأصلية. إلا أن كل هؤلاء دخلوا مرة أخرى إلى دائرة الإسلام المنجية فى خلافة أبى بكر الصديق.

الخلفاء الراشدون

قد صدق الجميع على خلافة أبى بكر الصديق (رضى الله عنه) : فى السنة

٣٩

الحادية عشرة من الهجرة النبوية. وبلغت مدة خلافة الخليفة المكرم سنتين وثلاثة أشهر وتسعة أيام كما بلغ عمره ثلاث وستين سنة.

عمر الفاروق (رضى الله عنه) : بدأت خلافة عمر بن الخطاب فى السنة الثالثة عشرة من التاريخ الهجرى ، وبلغت مدة خلافته عشر سنوات وستة أشهر وأربعة أيام ، ونالت ذاته العالية مرتبة الشهادة فى السنة الثالثة والعشرين وتوفى وعمره ثلاث وستون سنة.

عثمان ذو النورين (رضى الله عنه) : تولى الخلافة فى السنة الثالثة والعشرين من الهجرة ، واستشهد فى السنة الخامسة والثلاثين منها ، فكانت مدة خلافته اثنتى عشرة سنة وبلغ عمره اثنتين وثمانين سنة.

الإمام على (كرم الله وجهه ورضى الله عنه) : كان ابتداء خلافته فى السنة الخامسة والثلاثين من الهجرة ، وكان استشهاده فى السنة الأربعين ، وبهذا تبلغ مدة خلافته أربع سنوات وتسعة أشهر ، وبلغ عمره الشريف ثلاثا وستين عاما.

وكان سكان جزيرة العرب تحت حكم الخلفاء الراشدين العدول فى حالة خضوع وطاعة وانقياد للدولة.

وبعد أن استشهد الإمام على (كرم الله وجهه) تولى الخلافة ابنه الإمام الحسن (رضى الله عنه) ستة أشهر ، وبعد ذلك تنازل عن الخلافة وترك السلطنة لمعاوية بن أبي سفيان أول خلفاء بنى أمية وآثر الانزواء والعزلة وتوفى وقد بلغ عمره الشريف ستة وأربعين سنة.

الملوك الأموية

ظهر الملوك الأمويون فى السنة الحادية والأربعين من الهجرة ، وانقرضت دولتهم سنة اثنتين وثلاثين بعد المائة ، وكانت مدة حكمهم واحدا وتسعين عاما ، وبلغ عدد ملوكهم فى هذه الفترة ثلاثة عشر شخصا. وكانت دمشق عاصمة ملكهم.

٤٠