موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

والآن كل من يكتب هذا الحديث على بيضة ويكسرها ضاربا على جبهة الحيوان المعلول ويمسح فم الحيوان بهذه البيضة يزول عن الحيوان بإذن الله أوجاعه.

تحمل الجوع والعطش :

أغنياء البدو وأصحاب الثروة منهم قليلون جدا. والفقراء وأصحاب الحاجة فيهم كثيرون. وعربان القبائل من الأقوام التى تتحمل الشدائد وتصبر على الفقر والجوع وليس فى العالم قوم يتحملون ذلك مثلهم. والذى يشبع منهم مرة فى خلال أربعة وعشرين ساعة يعد نفسه سعيدا ولا يحصى عدد الذين يظلون جوعى عدة أيام متحملين ذلك وصابرين على الجوع.

والبدو الذين يخرجون إلى الطريق للذهاب إلى مكان ما يأخذون معهم زاد يوم واحد بدلا من زاد أسبوع. وإذا صادفوا فى طريقهم بعض خيم البدو ينزلون عندهم ضيوفا ويشبعون بطونهم. وإذا لم يصادفوا فى طريقهم مثل هذه الخيم أو لم يمروا بقرية ما ، فإنهم يعيشون بهذا الزاد القليل مدة أسبوع. كما أنهم يعيشون بتناول الأعشاب التى تنمو بجانب الأغادير التى تكونت من أثر مياه الأمطار. وعندما يتجهون إلى مكان ما للإغارة على بعضهم بما أنهم لا يملكون القمح والأرز فإنهم يطحنون الدخن وأوراق الأشجار التى يطلقون عليها اسم «بروق» ويعودون بما يلزمهم قدر حاجاتهم من الدقيق وكلما يجوعون يضعون فى أفواههم قدرا منه ويشربون ماء. ولا سيما عندما تقل الأمطار ويزيد القحط والغلاء يعيشون ببذور أشجار العرر.

ويصل قدر تحمل البدو للجوع إلى هذه الدرجة إلا أن تحملهم للعطش أكثر من ذلك إذ يطوون البوادى الخالية من المياه ومسافات طويلة ، عندما تهب رياح السموم بكل قوة وفى المواسم التى لا يستطيع الإنسان أن يسير من شدة الحرارة ، سائرين على أرجلهم أو راكبين.

وبما أنهم يعيشون هكذا جوعى دون مداواة يلزم أن تكون صحتهم أقل من

٣٠١

الأقوام الأخرى (من أهل الحضر) إلا أنه بالعكس فصحتهم جيدة وأجسامهم قوية إلا أن قوة أجسامهم لا تكتمل فبنية أجسامهم نحيفة وهم فى غاية خفة الدم.

وبينهم من تجاوز سنهم المائة ومع ذلك يحتفظ بصفى أسنانه كاملين.

ولما كانت هذه الطوائف تنتقل من بادية إلى بادية غير مستقرة فى مكان ما ولا ينهمكون فى تناول أطعمة مختلفة ، ويعيشون فى أماكن ذات هواء نقى سليم فإنه ليس فيهم من أصابته الحصبة إلا قليلا.

ولما كان العربان مقتنعين بأن الحصبة مرض معد مهلك جرت عادتهم إذا أصاب أى واحد منهم هذا المرض وإن كان ابنه الوحيد فإنه يتركه عند من أصابه المرض من قبل وإذا لم يجد مثل ذلك الرجل يترك وحيدا. هذه العقيدة خاصة بالبدو الذين يسكنون فى الصحارى ، إلا أن سكان القرى والمدن فى الجزيرة العربية والأماكن الأخرى والمتمدنين منهم لا يهربون ممن يصاب فى صباه بالحصبة ، بل يعدون الأدوية الخاصة بها ويعالجونه.

٣٠٢

غزوات العرب وأيامهم ، وما يتعلق بذلك

من عاداتهم وتقاليدهم.

الغزوة :

تطلق الغزوة بين البدو على إغارة بعضهم على بعض ونهب أموالهم ومواشيهم وأغنامهم.

والغزوة مقبولة وممدوحة لدى البدو كما أن الاشتغال بالزراعة والتجارة مذموم ومقدوح لديهم.

وقد أحل هؤلاء ـ لجهلهم وقلة درايتهم بالأمور الدينية ـ (الغزوة) ظانين أنها مأخوذة من لفظة «غزاة» الإسلامية ، ويتجرءون على أن يسلبوا أرواح الأقوياء إذا ما وجدوهم ضعفاء وأن ينهبوا أموالهم وممتلكاتهم ، وبناء على ذلك تجد هؤلاء الذين يملكون أموالا كثيرة ومواشى وفيرة قد ضاعت منهم ثروتهم وغناهم فى لحظة واحدة بينما الذين كانوا لا يملكون حتى شاة يصبحون أصحاب الثروة والغنى.

والعربان الذين يخرجون للنهب والسلب يتخذون أحدهم رئيسا وقائدا ولا يخرجون عن طاعته ورأيه. ومن أحكام السلب والنهب أن يكون نصف الخارجين فرسانا والنصف الآخر من المترجلين.

وفى أثناء قتالهم لا يستخدمون الأسلحة النارية ولكنهم يقاتلون بالأسلحة البيضاء مثل السيف والرماح وما يشبهها من الآلات الجارحة.

وبعد ما يهيئون مهماتهم الحربية ويتخذون تدابيرهم القتالية ويقتربون من مقر القبيلة التى يريدون أن يقتحموها ، يختفون فى مكان ما.

ويبعثون اثنين منهم للتجسس ، ويصعد الجاسوسان على قمة جبل ما ويرصدون إذا كان ليلا عدد ثيران أعدائهم وإذا كان نهارا يرصدون جمالهم

٣٠٣

وأغنامهم والجهة التى ترعى فيها ومدى بعدها من الخيم فيخبران بهذا وإذا كان الوقت ليلا واقتنع المغيرون بأنهم يستطيعون التغلب عليهم يقتحمون مقر القبيلة صباحا ، فينهبون أموالهم وحيواناتهم. وإذا كانت الغارة بالنهار يقيدون الرعاة فى جذوع الأشجار ويسوقون ما نهبوا من الحيوانات بسرعة شديدة حتى لا يلحقهم أفراد القبيلة المنهوبة ، ويعودون إلى مأواهم.

ويستدل أصحاب الحيوانات من عدم رجوعها وقد حل الليل على أن حيواناتهم قد تعرضت للسلب والنهب فيركبون ما احتفظوا به من الجمال والخيول فى جانب الخيم ويتتبعون المغيرين بضعة أيام فإذا ما أدركوهم واستردوا أموالهم بالحرب عادوا إلى أماكنهم فرحين مسرورين ، أما إذا أدركوهم ولكنهم لم يتجرءوا على حرب أعدائهم لكثرة عددهم وقوتهم يعودون يائسين متألمين.

أما إذا اعتمدوا على كثرة عددهم أو على بسالة وشجاعة أفراد جماعتهم فإنهم يتتبعون آثار ناهبيهم إلى مأواهم فيستردون أموالهمم بالحرب كما ينهبون أموال أعدائهم وحيواناتهم ويشتتون أفرادهم. ولا أهمية بين البدو لمن سقط ميتا فى أثناء الحرب والدفاع.

ويتفق أحيانا خمسة أو ستة من أصحاب الهجين مع خمسة وستة من الرجال ويخرجون إلى الطريق فيقطعونه ويسلبون أموال وأشياء من يصادفونهم فى الطريق من العربان والمسافرين ويتركون أصحابها يندبون حظهم العاثر.

وأحيانا يتفق ما يقرب من خمسة عشر شخصا أو عشرين من المترجلين ويصعدون إلى قمم الجبال حيث لا يمكن الوصول إليها بالحيوانات فينهبون ما يقدرون على نهبه من الأموال والمواشى ويتركون هؤلاء المساكين منتحبين عرايا مثل الحجاج الذين نهبوا فى طريق الحج.

وإذا صادف مثل هؤلاء النهابين ـ قل عددهم أو كثر ـ الذين فارقوا مأواهم عصابات أخرى أقوى منهم يكونون كمن أضاعوا ما فى خيمهم من الأكل.

وهم يذهبون لشراء الأرز من دمياط ، وأحيانا قد يدفعون حياتهم ثمنا له.

٣٠٤

والذين يتعرضون لمثل هذه المصيبة ويعجزون عن المقاومة يختفون فى مكان ما فى الجبال لينجوا بأرواحهم وإذا اضطروا للحرب يهاجمون بعضهم بعضا بتحريض رئيس كل واحد من الطرفين.

وإن كان عدد أفراد الفريق الذى شرع فى القتال أقل من عدد أفراد الفريق الآخر فالمعتقد بين البدو أن الذى بدأ الهجوم أولا هو الذى يكسب المعركة. وإذا فرض أنهم قد انهزموا فلا يبالون به ويرمون بأنفسهم فى ميدان المعركة لأن الموت فى أثناء المعركة فخار لهم.

وقبل الهجوم يردف الركبان المشاة خلفهم ويسيرون وعندما يصلون إلى مكان فيه أشجار ينزلون من على جمالهم ويقاتلون مع مشاة الطرف الآخر متخذين الأشجار والأحجار متاريس لهم كما أن الركبان يحاربون مع ركبان الطرف الآخر إلى أن يتبين الغالب من المغلوب.

وإذا فهم أن المنتصرين سيقتلون المغلوبين ففى هذه الحالة يدخل أفراد القبيلة المغلوبة فى «وجه» وتحت حماية الطرف الغالب ويعرضون ذلك على الفرقة الغالبة وفى هذه الحالة تكتفى الفرقة الغالبة بالاستيلاء على أموال وأشياء الجهة المغلوبة.

والفارون سواء أكانوا راكبى الخيول أو الإبل فالذين يتتبعونهم يبلغونهم صائحين أنهم مؤتمنون على أرواحهم.

وفى النهاية يعطونهم الأمان لأرواحهم ونصف أموالهم.

وإذا اقتنع الفارون أنهم يستطيعون أن يهربوا بأموالهم استمروا فى الهروب ، أما إذا تعبوا وعجزوا عن السير فيستسلمون وقت ما يعرفون بأنهم ائتمنوا على أرواحهم ونصف حيواناتهم ويسوون الموضوع بأن يسددوا النقود التى قدرت بها نصف حيواناتهم بما عندهم من النقود أو الأشياء.

ويؤخذ جمل الذى قتل فى الحرب وما عليه من الأشياء من قبل قاتله ، وإذا لم يكن قاتله معلوما فيكون جمله وما يمتلكه من نصيب الذى يمسكه أولا وينهبه ويجرده من أشيائه.

٣٠٥

مناخ :

مناخ هذا نوع من المعارك العربية التى تجرى بين البدو. وتتم صورته هكذا ، إذا طالت المعركة والقتال بين قبيلتين وإذا كانت تلفيات كل من القبيلتين وخسائرهما بالنسبة لعدد القبيلة تمثل زيادة مفرطة واشتد غيظ وغضب كل من القبيلتين وقرر أطراف كل من القبيلتين الاستمرار فى الحرب حتى تختار كل قبيلة أجمل بناتها وتركبها فى محفات يطلق عليها الهوادج وتسوقها إلى ميدان المعركة.

وعندما يتلاقى الصفان تكشف هذه الفتيات عند اشتداد القتال ستائر هوادجهن وترفعن نقابهن وتأخذن فى تشجيع المقاتلين إلى انتهاء المعركة كل واحدة تشجع مقاتلى قبيلتها بصيحات عالية ببعض القصائد الحماسية وأناشيد الفخر الشعرية المنظومة ، ويأخذ رجال القبيلتين في القتال ببطولة نادرة ويهلكون بعضهم البعض.

ومن قواعد مقاتلة المناخ أن تستولى الفرقة الغالبة المنتصرة على خيم المغلوبين ومواشيهم وكل ما يملكونه.

وليس من عادة العرب أن يعتدوا على أرواح الفرقة المغلوبة ولا على عرضها وشرفها. إلا أن أشجع المقاتلين من الفرقة الغالبة وبطلهم له الحق أن يأسر أجمل فتيات الهوادج من الفرقة المغلوبة فتعرض عليه قبيلة الفتاة مالا كثيرا ونقودا وفيرة ، فإذا طمع فى هذا المال يأخذه ويترك الفتاة إلى قبيلتها ولكن إذا لم يطمع فى المال واستطاع أن يكسب ود الفتاة وقلبها فله أن يعقد عليها ويتخذها زوجة.

الجرود :

وإن كان الجرود يعنى جنود البدو والعربان فأفراد العربان ينقسمون إلى قسمين أو فرقتين.

فرقة منهما تظل تحت إمرة الأمير الذى تتبعه ، والفرقة الأخرى تعيش مستقلة وعندما تظهر حادثة تستعد للدفاع مع القبيلة.

٣٠٦

فجنود العربان الذين يطلق عليهم جرود عبارة عن هاتين الفرقتين اللتين تحتشدان فى نقطة واحدة للدفاع عن القبيلة ضد أعدائها.

ويهيئ الذين يتبعون أميرهم ويخضعون له الذخائر والأدوات اللازمة للحرب ويذهبون بناء على تنبيهه وأمره إلى المكان المعين للاجتماع ثم يفوض الأمير قيادة المحتشدين لأحد الشيوخ ويأمرهم بأن ينتظروا حتى يصدر لهم أمره الأخير ثم يسوقهم إلى محل ما أو ضد قبيلة عاصية.

ويتولى قيادة فرقة (جرود) عند غياب الأمير شيخ يعينه الأمير. ويذهب هذا الشيخ إلى المكان الذى عينه له أميره ويظل منتظرا بذاته أو ورود أوامر الأمير ، إذا لم يذهب الأمير بذاته وأصدر أمر الإغارة على القبيلة العاصية ، فيقسم شيخ فرقة الجرود قوته الموجودة إلى ثلاثة أقسام : «يكلف قسما منها بالاستيلاء على أموال ومواشى القبيلة العاصية وسوقها ، والقسم الآخر يكلفه بحماية النقط الاستراتيجية التى قد يرد منها العدو والقسم الثالث يكلفه بأداء مهمة الشرطة. وبعد ذلك يهاجم مقر القبيلة التى قرر الإغارة عليها.

وإلى أن يطلب أفراد هذه القبيلة الأمان والحماية ينهب أموال ومواشى كل واحد منهم بل قد يقتلهم. وإذا ما انقادت القبيلة كلها ولم تدافع عن نفسها فلا يؤخذ شىء من أى واحد منهم.

وبعد أن يعطى أميرهم التابعين له الضمانات الكافية المناسبة للشيخ وبعد أن تتقرر الضرائب السنوية التى ستدفعها القبيلة المغلوبة يعود إلى موطنه.

ومن قوانينهم المرعية أن يحمل عظماء القبيلة المغلوبة ما جمعوه من النقود إلى الأمير الغالب بأنفسهم وأن يوصلوها ليده بالذات. وأن يرجوا من الأمير أن يخفف ما قرر من الضرائب ويحصلوا على موافقته.

وكل فرد من هؤلاء العربان الذين هيئوا للحرب عليه أن يدبر أمر طعامه وأكله وشربه ورصاصاته وباروده. أما الأمير فيشترى بعض الأشياء التى تكفى لأهل دائرته مثل : «الدقيق والأرز والبلح وذخائر حربية كافية وبعض المهمات فإذا ما امتدت الحرب واحتاجت جماعة لذلك وزعها عليهم.

٣٠٧

وإذا ما اشترك الأمير فى الحرب. ولكنه لم يشترك فى القتال وظل منتظرا فى جهة ما مع الفرقة الاحتياطية منتظرا النتيجة يأخذ من الغنائم ربعها.

وأما إذا شارك هو والمغيرون فيأخذ ثلث الغنائم. ويوزع الباقى على العربان الذين يكونون فرقة الجرود ، بالتساوى.

وإذا حصل أحد البدو على غنائم دون تعب فإنه يسلمها إلى شيخ القبيلة حتى يوزعها بناء على الأصول القبلية. أما إذا قتل عدوه وأخذ جمله أو حصانه وما معه فهذه الأشياء تخصه وحده قانونا.

والعربان الذين يعيشون منفردين غير تابعين لأى أمير عندما تحدث حادثة يجتمعون حول الشخص الذى يستمد منهم العون.

يوم أبيض :

إذا ما اعتدى شخص على امرأة واغتصبها وإذا ما استغاثت المرأة فى أثناء محاولة اغتصابها وجاء الناس لاستغاثتها وأخذوا يتعقبون الجانى لأخذ الثأر ، دوما كان موضوع العرض والشرف من أعاظم الجرائم عندهم ، فلا يكذبون استغاثة المرأة التى تقول (أراد أن يغتصبنى) فحيثما أدركوا ذلك الشخص يمزقونه تمزيقا بالخنجر المسمى عندهم جنبية.

وإذا كان الجانى من قبيلة أخرى فيجتمع أفراد قبيلة المرأة ويعلنون أنهم سيحملون على أعدائهم والقبيلة الأخرى تستعد أيضا ويحرص الطرفان على القيام بحرب عظيمة.

ويطلق العربان على يوم حدوث هذه المعركة (يوم أبيض) وهذه العبارة تعنى أننا وإن لم نستطع القبض على الشخص الذى تسلط على عرضنا وأن نقتله ولكننا بيضنا وجوهنا إذ قاتلنا قبيلته قتالا عظيما.

وعند وقوع مثل هذا الحادث يتعاون أفراد القبيلة مع بعضهم أشد التعاون حتى إن الذين بينهم قضية ثأر يتصالحون فيما بينهم حتى ينتصروا على أعدائهم. ولكن فى ختام الحادث يستأنفون مرة أخرى فكرة الثأر والانتقام.

٣٠٨

التدابير والحيل الحربية :

يستخدم العربان الأسلحة ذات الفتائل ، ومن عاداتهم المرعية عندما تقف الفرقتان متقابلتين أمام كل واحدة منهما الفرقة الأخرى يصيحون بصوت عال قائلين (الله أكبر) لترهيب العدو ويولولون ويملئون ميدان القتال بالصيحات إلا أنهم لا يحاربون فى ميادين وأماكن متسعة بل يحاربون فى الجبال والمضايق ومن خلف المتاريس الحجرية من حيث يتخذون أعداءهم أهدافا لإطلاق الرصاص كما أنهم يمتنعون من إطلاق الرصاص متتابعا حتى لا تذهب رصاصتهم التى أطلقوها عبثا دون جدوى ، وفعلا ما يطلقونه من رصاصة لا تذهب عبثا بل لابد أن تصيب إنسانا ، أو حيوانا.

وبما أنهم واثقون من رصاصاتهم فهم لا يحملون معهم أكثر من ثلاثين (طلقة) ويعدون حمل أكثر من ذلك من الذخائر عبثا.

وأنهم عندما يحاربون العدو يتركون الكمائن خلفهم كقوة احتياطية وعندما تبدأ الحرب فهؤلاء الذين فى الكمائن يهاجمون العدو من الخلف مولين صائحين ليشتتوا أفكار العدو.

وفى أثناء الحرب يتخذون الشمس والرياح خلفهم حتى يجعلوا عدوهم مقابل الشمس والرياح ويعدون هذا التدبير من أسباب النصر. كما أنهم يبيتون عدوهم ليلا إذا ما وجدوا فرصة بناء على قاعدة الحملات الليلية. وهذا ما يحرص عليه البدو.

ويحارب الفريقان بإطلاق الرصاص إلى أن يواجهوا بعضهم وجها لوجه إذ يمسكون قبضة سيوفهم فيحارب الفرسان الفرسان والمشاة المشاة فلا يسوق الفرسان خيولهم ضد المشاة المترجلين.

وبين فرسانهم شجعان يستطيع فارس أن يواجه مائة فارس إذ يقتحم صفوف الأعداء ويروى سيفه من دمائهم ويشتت أكثرهم.

وحتى يكسب هذه الشهرة فهو ينشد أناشيد الأبطال السابقين والشجعان فى

٣٠٩

ميادين القتال من أسلافه ويذكر أسماء أجداده مفتخرا متباهيا ثم يخوض ميدان القتال ويقتحم صفوف الأعداء.

وهؤلاء قسمان الصنف الأول منهم العربان الذين فى طريق الحرمين فحروبهم منحصرة على الجبال ، وبما أن هؤلاء لا يستطيعون أن يواجهوا الناس لا يحاربون فى معارك الميادين المتسعة بل يحاربون مستترين خلف الحجارة كاللصوص.

والصنف الثانى هو أفراد القبائل التى تسكن فى نجد وجبل شمر وصحارى العراق والشام.

ويركب هؤلاء خيولهم ويكونون صفا واحدا متينا أمام أعدائهم ويتحركون وفق أمر واحد منهم وهكذا يشعلون وطيس الحرب وكل من اشتهر بين العربان بالشجاعة ينتمى لهذا الصنف.

لصوصية البدو :

يطلق على الجانب الشرقى للمدينة المنورة «نجد» وعلى الجانب الغربى منها «غور».

ويعمل عربان جهة نجد على ضرب بعضهم بعضا والإغارة على أموال وحيوانات بعضهم. أما عربان الغور ومصر فهم مكبون على الإغارة على قوافل الحجاج والزوار وأبناء السبيل والقوافل التجارية ، ولذلك فإن تعديات الغوريين أخطر وأكثر ضررا من تعديات عربان نجد.

ويحمل الغوريون فى أيديهم دبوسا وسكينا حادا ، كما أن لبعضهم بندقية. ولما كان شغلهم الشاغل اللصوصية والنهب فهم سريعو الجرى حتى إن الفرسان لا يدركونهم إلا بصعوبة. وإذا ما رأوا خرجا أو صندوقا أو أى شىء يحمل يستطيعون أن يحملوها حتى الجبل مهما كانت ثقيلة.

وما يضع إنسان تحته من أكياس وصرر وما يضعه تحت رأسه لحفظه من صرر وخرج يستطيعون أن يأخذوا ما فى داخلها من أشياء ثمينة بخفّة كأنهم وضعوها بأيديهم.

٣١٠

ولما كانت السرقة فى نظرهم مباحة ، فما يكسبونه من السرقة من النقود والأموال يكادون أن يحسبوها حلالا.

وفيهم من ينفق أمواله التى اكتسبها من السرقة فى غرس الأشجار وحفر الآبار حتى يشرب منها المسافرون ويأكل من ثمارها المارون.

وإذا وجد أى إنسان أمتعته المسروقة فى يد أحد العربان وأثبت أنه ملكه يستطيع أن يستردها منه. وإذا قال هذا الشخص أن هذه الأمتعة قد اشتراها من شخص آخر وأرى هذا الشخص حلف يمينا ، عندئذ يدفع المال والنقود التى دفعها هذا الرجل من قبل صاحب المتاع.

إذا كان صاحب الأمتعة منهم فيبحث عن السارق حتى يجده ويسترد منه بقية أشيائه المسروقة كما يأخذ منه ما دفعه من النقود ويسترده تماما وهذا بعض أحكام قوانينهم.

وإذا ادعى العربى الذى فى يده الأموال المسروقة أنه اشتراها من عربان آخرين وحلف أنه لا يعرف الشخص الذى اشترى منه المتاع فيدفع له صاحب المال ما دفعه الثانى للشخص الذى اشترى منه المتاع ويسترده منه ثم يؤجر عيونآ وجواسيس ويبعثون إلى الأطراف للبحث عن السارق الأصلى فيستردون منه أمتعته الباقية المسروقة وما دفعه للشخص الذى استرد منه بعض بضاعته وما أنفقه من أموال للجواسيس تماما.

٣١١

الأعراف والعادات المتبعة فى تربية الأطفال

والختان والولائم

تربية الأطفال :

يكلف العربان أطفالهم إلى أن يبلغوا السنوات الثلاث من عمرهم برعى الجدى والحملان حول قريتهم وعندما يبلغون السنة الرابعة من عمرهم يرعون الماعز والحملان فى أماكن أبعد من ذلك.

ولما يبلغون الخامسة من عمرهم يعلمونهم الجلوس على ظهر الجمال ، ولما يبلغون السادسة يعلمونهم ركوب الجمال بمفردهم.

ويكتسب أطفال البدو مهارة عظيمة فى ركوب الخيول والجمال حتى أنهم يستطيعون أن يركبوا جملا مهما جرى سريعا ومهما كان الحصان العربى سريعا. فركوبه والجرى به يعتبر بالنسبة للطفل العربى من قبيل اللهو وهم يعلمون الأطفال الذين تجاوزوا هذه السن إطلاق الرصاص من البندقية واستخدام (جنبية) الخنجر ويصاحبونهم فى الحروب ويتركونهم تحت الشمس نهارا وتحت السماء ليلا عرايا.

والأغنياء منهم يلبسون أطفالهم فى الشتاء قميصا واحدا ويرافقون الذين يذهبون للحرب.

وخلاصة القول : إن أطفال البدو يتعلمون ركوب الحيوانات والنزول منها كما يعودون على احتمال مشقات السفر. وخاصة على الحرب والقتال قبل بلوغهم سن الرشد ، لأجل ذلك ترى فتيان الحرب حينما يستدعون للحرب يذهبون إليها فرحين مسرورين كأنهم يذهبون إلى العرس متسابقين ولا يتأثرون من حرارة الشمس وبرودة الجو وحيثما يكونون يسيرون عرايا.

وعندما تبلغ الصبية الصغيرة السنة الأولى من عمرها أو الثانية تستر مكان

٣١٢

عورتها بحزام مصنوع من فرو الغنم أو الماعز. وهذا الحزام شراشيب مختلفة فى طول ذراع أو نصف ذراع ويوضع فوق الجسم العارى.

وتظل الصبايا إلى أن يبلغن السنة العاشرة من عمرهن من الأطفال يرعون الغنم والماعز ، ويعلموهن فى هذه الفترة حلب النعاج والماعز وصنع اللبن الرائب والجبن وعندما يقتربن من سن البلوغ تنزع من عليهن الأحزمة ويلبسن القمصان ويستخدمن فى نسج قماش الخيم من الصوف.

وعندما يبلغن يجدون لهن زوجا مناسبا ويزوجوهن ، ولكنهم لا يزوجون بناتهن قبل أن يعرضوهن على أبناء أعمامهن أو أبناء خالاتهن ولو كانوا متزوجين بثلاث زوجات.

وهؤلاء إن أرادوا أن يتزوجوهن ويعقدون عليهن وإن لم يرغبوا فى ذلك لا يسمحون بالزواج لهن إلا بعد ما يأخذوا بعض الأموال من الذين يطلبون الزواج منهن وبذلك يزعجون الفتيات وطالبى أيديهن.

صورة التأهيل وأصول الزواج :

يعد أبناء العم وأبناء الأخوات أكفاء لبنات العربان إذا كان واحد من هؤلاء غير مقيد بالزواج أو متزوجا غير راض بزواج البنت من طالب يدها فمثل هذه البنت لا تتزوج. وإذا لم تكن للبنات مثل هذه العلاقات أو هؤلاء قد رضوا بزواج هؤلاء البنات عندئذ يبحث الذين يريدون تزويج بناتهم عن أكفاء إذا كان الراغب فى الزواج كفؤا لا بد أن يكون الرجل الذى يتزوجها كريما ، شجاعا فى الحرب ، مشهورا من حيث النسب.

ورجال العربان الذين يريدون أن يتزوجوا لا يتحرون عن جمال البنت ومالها وممتلكاتها بل عن قوة القبيلة التى تنتمى إليها وعن سطوتها ، وعن كثرة أقاربها وعصبيتها.

والشخص الذى يتصف بالصفات السابقة ، يأخذ موافقة أبى البنت وأقاربها ويرسل هدية عدا المهر الذى اتفق على دفعه حسب منزلته.

٣١٣

والمهر بالنسبة لأغنيائهم عبارة عن «بساط كبير وسوارين للمعصم من الذهب وفستانين ، وبعض الإبل والأغنام».

وأما بالنسبة للفقراء فالمهر يتكون من «سوارين من فضة وفستانا من دمور أسود».

ويقدم فى وليمة العرس الأرز المطبوخ وعليه لحم شاة ذبحت من قبل وأعدت للضيوف وهذا من العادات العربانية الجارية.

وإذا كان أبو البنت من الأغنياء فإنه يعطى البنت ما عدا المهر الذى بعثه زوجها عددا من الجمال والغنم وجارية وكلبا.

وإذا كان فى القرية أحد من طلبة العلوم أو المشايخ ويرجع إليهما فى عقد الزواج وإذا لم يوجد فيذهب الطالب فى زواج البنت إلى أبى البنت أو أخيها ، ويقول : «إننى أريد أن أتزوج بنتك أو أختك». فيرد عليه قائلا «أعطيتها لك». ويعدون هذه المقابلة دليلا على صحة عقد الزواج ويبادرون فى إجراءات الزفاف.

ويحدث فى بعض الأماكن أن يمسك أبو البنت أو أخوها عصا ويمسك بأحد طرفيها طالب البنت والطرف الآخر أبو البنت أو أخوها ثم يخاطب الشخص الذى يمسك أحد طرفى العصا قائلا : «أعطيت فلانة لك» للشخص الذى يمسك الطرف الآخر وبعد ذلك يكسر العصا من وسطها ويلقيها على الأرض.

وإجراء هذه العملية يعد بين العربان تزويج تلك البنت لذلك الرجل وعلامة على صحة العقد.

والعربان يشترون جارية سواء أكانت بيضاء أو سوداء ويستخدمونها فى منازلهم. وبما أن الجارية مجهول نسبها فهم لا يميلون لاستفراشها.

واستفراش الجارية يعد عند العربان من الأمور المذمومة. وإذا حدث أن أنجب واحد منهم من تلك الجارية ولدا ينظر إليه بين العربان بحقارة وذلة على أنه «ابن جارية» حتى ولو كان أحد أبناء الأعيان ، وعندما يكبر ويريد أن يتزوج فلا يرضى

٣١٤

أحد أن يزوجه بنته ولو كان وضيع القدر قائلين فأخوها خاله لذا فهو وضيع النسب.

والأشراف الذين فى مكة المكرمة والمدينة المنورة وحواليهما يحبون التسرى كلهم وكذلك بعض مشايخ العربان. إلا أن الأولاد الذين يولدون من جواريهم يظلون مثل العبيد بجانب أولادهم الذين ينجبونهم من زوجاتهم العربيات والناس ينظرون إليهم كذلك بنفس النظرة.

حفل الختان :

يختن العربان أولادهم الذكور فى صورة مسنونة (١) فى اليوم السابع من ولادتهم ، وبعضهم فى يوم الأربعين وبعضهم فيما بعد.

وقد تعود عربان بنى هذيل الذين يسكنون بجانب مكة المكرمة ألا يختنوا أبناءهم إلا عند الزواج فعندما يقررون عقد زواجهم عندئذ يختنونهم. وعند ما يقرر ختان ذلك الفتى فمن عادة القرى المجاورة وكل واحد من المدعوين أنهم يهدون لصاحب الحفل كل على حسب قدرته خروفا واحدا أو أكثر أو جملا أو شاة أو ثورا.

كما أن من عادتهم أن يسوق كل فرد ما يريد أن يهديه من الحيوانات أمامه وأن يذهب إلى القرية التى سيحتفل فيها قبل الختان بيوم أو يومين.

ولما كان الذهاب إلى محل الحفل منفردا خلاف الأصول ، فيتجمع المدعوون فى جماعات تتكون من خمسين شخصا ، أو ستين ويذهبون معا ، لذا كلما يحتفل بحفل ختان يتجمع سكان عدة قرى معا ويخرجون إلى الطريق وهم يطلقون بنادقهم ومسدساتهم وعند ما يقتربون من القرية التى فيها العرس يشرعون فى إلقاء القصائد الشعرية التى تمدح صاحب الحفل وتتغنى بأوصافه عن فهم واحد ويأخذ بعضهم يرقص أمام المدعوين ممسكا بالبندقية وسنان الرماح والحراب.

وحينما يعرف صاحب الحفل أن المدعوين قد وصلوا إلى خارج القرية يستقبل

__________________

(١) يعنى أن الختان سنة من سنن الفطرة فى البيئة العربية.

٣١٥

أهالى القرية الضيوف مطلقين البنادق والمسدسات ويلقون أمامهم القصائد والأبيات ويمدحونهم ويوصلونهم إلى أماكنهم الخاصة بهم.

ولما يصل المدعوون إلى أماكنهم الخاصة بهم التى أعدت من قبل يعطى صاحب البيت لكل عشرة منهم خروفآ ومقدارا كافيا من الأرز وقدرا كبيرة ويرجوهم أن يتصرفوا كما يحلو لهم حيث يوجدون.

والأماكن التى يقيم فيها المدعوون ليست فى المنازل والبيوت وإنما فى واد خارج القرية أو على سفح الجبل.

ويذبح المدعوون فى هذا المكان ما أهدى لهم من الخرفان ويسلقونها فيقطعونها ويأكلونها ثم يضعون فى حسائها الأرز ويتناولونه.

ثم يجتمع كل أهالى الخيم والقرى فى المكان المعين لهم حيث يوقدون نارا عظيمة وينقسمون إلى قسمين حول النار قائمين وواقفين ويلقون المدائح ويظهرون مهاراتهم الكلامية وهكذا يقضون أوقاتهم فى الفرح والسرور.

ويجتمع المدعوون فى اليوم الثانى فى المكان الذى سيختتن فيه الغلام سائرين من أماكن نزولهم وهم يرقصون الرقصة التى يطلقون عليها «آردا» (١) جاعلين الغلام الذى سيختن أمامهم مع بعض أقاربه وتاركين النساء خلفهم فى موكب حافل حتى يصلوا إلى مكان الاحتفال بالختان ، وبعد ذلك ينسحب اثنان من أقارب الغلام الذى ستجرى له عملية الختان وأقارب البنت.

ويفصل الغلام الذى سيختتن عن الجماعة وفى يديه خنجر جنبية ويقف أمام الشخص الذى سيجرى العملية قائما ويأخذ فى الفخر ملقيا بعض الأشعار الحماسية وقائلا «أنا ابن فلان بن فلان» ويأخذ فى تعداد آبائه وأجداده ويخرج من يقوم بإجراء الختان سكينا فى غاية الشحذ ويبدأ فى سلخ جلد الغلام ابتداء من منبت الشعر إلى مقعده ويخرج الجلد كاملا فى ظرف دقيقتين مع جلد ذكره.

وبناء على ذلك فمهما شعر المختتن بالآلام والأوجاع فيجب عليه أن يصبر وأن

__________________

(١) نوع من الرقص الذى يؤدى بالبنادق وهو من رقصات الحرب.

٣١٦

يتحمل ويظهر ثباتا وهو يلقى كلمات فخر وأشعار نظمت لأجل هذا الغرض دون أن يتوقف أو يتألم حتى انتهاء العملية.

والذى يتحملون آلام الختان بكل صبر وجلد دون أن يبالى بآلامه الرهيبة يقابل من جانب عشيرته بكل ثناء وتمجيد كما يستحسن من قبل الخطيبة وبمجرد أن يلتئم جرحه يتزوجان.

ولا تلتئم مثل هذه الجروح إلا بعد أربعة أشهر وبما أنه لا ينجو من هذه العملية أربعون فى المائة من المختتنين ، إلا أن أفراد القبيلة المذكورة يعدون هذا النوع من الختان علامة الشجاعة والرجولة فإنهم لا يتخلون عن هذه العادة وإن تأكدوا أن المختتن سيموت.

وإن كان أفراد قبيلة هذيل محبين لهذا النوع من عملية الختان ومصرين على إجرائها متحدين قبليا إلا أن الأطفال لا يختنون قبل بلوغ خمس عشرة سنة أو عشرين. ويجرون عملية الختان هذه فى أيام العيد.

ويعد عربان تلك القبيلة إجراء العملية التى تخالف الشرع والإنسانية من المحسنات الدينية وفق مذهبهم.

وإذا وجد بينهم من لا يرضى بهذا النوع من الختان وفضل الختان وفقا لأحكام الشريعة الغراء فلا يعد ابنه بين النساء رجلا ولا ترضى أية فتاة بالزواج بمن اختتن على هذه الصورة.

وبعد أن يختتن الفتى على هذه الصورة وينجو بنفسه من يد المختن يتقدم عدة خطوات إلى الأمام ويأخذ فى الفخر قائلا : «أنا فلان بن فلان» ويدعى الشجاعة ويجرى ما يقرب من مائة خطوة ليثبت شجاعته عمليا ، ثم يجعل المحتفلون الفتى أمامهم ويلفون به أطراف القرية الأربعة بينما الرجال يطلقون البنادق. والنساء تضربن على الدف وتنشدن المواويل ثم يؤتى به فى بيته حيث يرقد ثم يأكلون ما أعده صاحب البيت من طعام الحمير ويعودون إلى منازلهم.

وطعام الحمير هذا الدقيق المطبوخ وعليه زيت الزيتون. وبينما يرقد الفتى على السرير أو الفرش ينثر أقاربه على رأسه حفنة من الزبيب وبهذا يعلنون نهاية الحفل.

٣١٧

وبما أن الآلة التى يسلخ جلدها ستظل معوجه لذا يفردونها على خشبة ويشدونها شدا جيدا.

النخيل :

تتحمل أشجار النخيل العطش وشدة حرارة الجو ويستفاد من أغصانها وفروعها وليفها غير بلحها وتعمر مائة سنة. وإنها الشجرة المباركة وهى لا تحتاج إلى الزراعة والحراسة والماء ، كما أنها تتعرض فى الأراضى الحجازية لكثير من الآفات لذا يعنى بها العرب ويتحملون متاعبها ، لأنها سبب من أسباب الثروة ويتعيش أصحابها بجزء من محاصيلها ويبيعون الباقى.

وبما أن هذه الأشجار المباركة لا تنمو فى كل أماكن الحجاز لذلك يحرص غارسوها أن يغرسوها على أطراف ممرات السيول وحيث يكون الماء قريبا من سطح الأرض والأماكن الرطبة ، وعندما يغرسونها يظلون يسقونها أربعين يوما حتى تتمكن جذورها فى الأرض ثم يتركونها لحالها معتمدين على الأمطار.

والأشجار المغروسة منها فى أراض وفيرة المياه تثمر فى نهاية السنة الثالثة والرابعة والتى تغرس فى الأماكن الجافة تثمر بعد خمس أو ست سنوات.

ويقال للبلح أول ما يظهر «زهو» وعند ما يحمر ويبدأ فى النضج يطلق عليه «رطب» كما سبق ذكره فى مجلد مرآة الحرمين.

والبلح فاكهة مغذية مقوية. فالبدو وأهل المدينة يفضلون أكل البلح الطازج منه ويبيعون الرطب.

ويحفظون البلح الخاص بالمدينة والذى يسمى «جلبى» وأنواعا أخرى ويتاجرون ببيعها للزوار والحجاج.

وأما البدو فإنهم يجففون مثل هذا البلح ويأكلونه بدل الخبز إلى أن ينمو البلح الجديد. لأن البدوى عند ما يجد التمر لا يفكر فى القمح أو غيره.

الخيل :

يطلق فى بلاد العرب على ذكر الحصان «خيل» وعلى أنثاه فرس.

٣١٨

إنهم يربون الخيل ليأخذوا ذريته فقط ، لذا لا يحتفظون بذكور المهر بل يبيعونها للبلاد المجاورة لهم. ولكنهم يحتفظون بأنثى المهور ليركبوها فى الحروب ويحرصون على الاحتفاظ بها ، ولا يهتمون بفرس غير ثابت الأصل والجنس.

ويحدد صاحب الفرس الجنس الذى ينتمى إليه. ويكتب أجناس بعض الأفراس فى سجلات النسب وكلما تلد الفرس يضاف المهر لنسب أبيه وأمه.

ولا يستطيع أن يمتلك مثل هذه الأفراس الأصيلة أحد من فقراء الناس إذ يشترك عدة أشخاص فى ملكيتها. ويبيعون مثل هذه الأفراس فيما بينهم بستين أو سبعين ألف قرش.

وإذا ما باع أحدهم فرسا يشترط أن يكون مهرها الأول الأنثى أو الثالث ملكا له. أو نسلها بعد المرة الثالثة يكون ملك المشترى.

وإذا كانت الفرس حاملا فنتاجها سواء أكان ذكرا أم أنثى ملك البائع ، ويعطى له.

والذين يشترون الفرس الحامل مهما ولدت لا يكتمون ذلك ويصدقون القول فإذا ما ولدت أنثى وادعى الشارى كذبا أنها ولدت ذكرا «يعنى لو يكتم الحقيقة» فلا يعيش ذلك المهر المولود ويهلك ، ولما كانت هذه المسألة من الأمور المجربة لدى العربان فلا يكتمون الحقيقة.

الوسم :

أكثر ما يملكه البدوى من الدواب الجمال. وبما أن هذه الدابة شديدة الشبه ببعضها فمن الصعب جدا التعرف على ما سرق منها أو ضاع ، لذا اتخذت كل قبيلة وسما خاصا بها.

وتطبع هذه الأوسمة على أذن الجمل الأيمن وفى وسط الجهة اليمنى من رقبته ، وخلف أذنه وفى وسط الجهة اليسرى من رقبته ، وعلى خدوده وجباهه وفوق أنفه. وعلى رجليه الخلفيتين اليمنى واليسرى وفى وسط عظمة فخذه وعلى ركبته. أى أنهم يكوون بالحديدة التى تحمل شكل الوسم المذكور والملتهب فى النار ، والوسم هى تلك العلامة التى يعرفها الناس جميعا.

٣١٩

وإذا بيع جمل أحد القبائل لقبيلة أخرى فالشارى يسم الجمل بالوسم الخاص بقبيلته ، وعلى الجمل المباع من الأوسمة عدد القبائل التى اشترته ، والجمل المسروق أو الضائع يعرف بوسمه الأخير وأينما وجده صاحبه يتعرف عليه من وسمه ويسترده ، لذا ترده القبائل التى تعرف ذلك الجمل الذى أتى إلى محل قبيلتهم واختلط بجمالها.

علامات الأوسمة التى ذكرت من قبل تتنوع كالأشكال التى رسمت فى الشكل التالى وكل واحد من هذه الأوسمة خاص بقبيلة معينة.

وقد تتفق عدة قبائل فى بعض الأوسمة إلا أنها تتميز وتفرق باختلاف الأماكن والمواقع.

ويدقق أفراد قبيلة نهابة قبل سرقة الجمال فى أوسمتها فإذا وجدوا أن تلك الجمال تخص قبيلة معروفة لا يمسونها ، وإذا ما نهبوا الحيوانات ليلا وكان بينها مثل هذه الجمال يتريثون حتى يأتى أصحابها فيسلمونها لهم.

ولا توجد علامات خاصة للأغنام والماعز ، ولما كانت حيوانات كل جهة لا تشبه حيوانات جهة أخرى فإن كل واحد من أصحاب تلك الحيوانات يستطيع أن يميز حيواناته ويخرجها من بين قطيع من عدة مئات وكأنه قد وضعها بنفسه.

٣٢٠