موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

النظم والقوانين الجديدة عند العرب كا

(الخمسة ، والسمية ، والعوانى ، والمنن ، والمجبودة)

الخمسة ، والسمية :

يطلق على اتصال شخص بالآخر بنسب حتى الدرجة الخامسة والرابعة والثالثة خمسة ، والطوائف التى يتصل نسبها بعد الجد الخامس يطلق عليهم «سمية».

إن أفراد طائفة السمية يوردون أسماءهم بإضافة اسم آخر مخلص «حتى يضيفوا لاسم جدهم السادس شهرة وليضيفوا لنسبهم شرفا ومكانة.

مثلا إن أحدا من العربان المسمى ب «عويضة» يسمى ابنه باسم سمية وعويضة وذلك ليبين أن ابنه هذا وصل للبطن السادس ، مثلا إذا كان اسم ابن عويضة الرابع «حميد بن حمدان بن حمود بن حمد» فحميد يعد من «السمية».

ويمكن أن يكون تحت السمية سميات أخرى متعددة. أى يمكن أن يكون لجد إحدى السميات أولاد متعددة ولهؤلاء الأولاد أطفال كثيرون فيكون هؤلاء قد كونوا سميات كثيرة متعددة مشهورة بأسمائهم.

مثلا إذا فرض أن لعويضة ابنان وهما «سالم ، وحامد» وإذا كان كل من سالم وحامد كثير الأولاد فيعتبرون هؤلاء من سمية عويضة وينقسمون إلى سميتى سالم وحامد. ولكن بما أن سالم وحامد قد تفرعا من سمية عويضة يقال لهما سمية عويضة أيضا.

واختراع القبائل العربانية مثل هذه الأشياء وعادات «خمسة ، وسمية» وقبولهم ذلك بسبب الحصول على حقوقهم من أعدائهم بسهولة ، مثلا إذا ما قتل أحد من عربان القبائل أو ضرب أو نهبت أمواله وممتلكاته ، وإذا لم يستطع المضروب

٢٦١

القبض على الفاعل الأصلى فإنه إذا قبض على خمسة متفرع من جده الخامس أى إذا قبض على أى واحد من أبناء الفاعل الأصلى يأخذ حقه منه ويستوفيه. والموظفون فى الحكومة يعملون وفقا لهذا القانون فى زماننا.

ويعود سبب اتباع الحكومة للقوانين العربانية إغارة العربان على أبناء السبيل والحجاج والزوار ونهب أموالهم ولا سيما الغرباء ، والتجار يتعرضون من جراء هجماتهم لخسائر عظيمة.

وإذا ما قتل أحد العربان وأحدا من أبناء السبيل فى أى وقت كان أو نهب وسلب أموال التجار والمسافرين يهرب إلى الصحارى والجبال حتى لا يقبض عليه ويختفى. وتحاول الحكومة أن تقبض على الجانى لتستوفى حقوق المجنى عليه وتتعرض لمشكلات كثيرة فى سبيل ذلك وفى النهاية تفشل. وبناء على ذلك لجأ عقلاء المدينة المنورة لاستيفاء حقوق الناس وفقا للقوانين والنظم التى كانت مرعية بين العربان قبل هذا بثلاثة قرون أو خمسة وعملوا على تعديل وإصلاح ما كان صالحا للقبول ، وقبلت الحكومة أيضا بعد إصلاح بعض أحكامها ليتسنّى لها العمل بهذه القوانين.

وإحدى المسائل التى قبلت من قبل عقلاء أهل المدينة وعدّلت مسألة «الدم والمال فى الخمسة» التى يراعى حكمها بين القبائل البدوية.

وإن هيئة تعديل القوانين العربانية التى تكونت مقدما من سادة الأهالى صححت الفقرة القانونية التى تكفل البحث عن القاتل والسارق الأصلى أو عن خمستهما بفقرة «الدم فى الخمسة والمال فى السمية» أى تقرر أن تؤخذ دية دم المقتول من قبل الورثة من الذين تسلسلوا من جد القاتل الخامس مثل العم وأبناء العم كما أن المال المسروق يؤخذ من خمسة السارق ومن سميته أى من أعمامه الذين تشعبوا من جده الخامس والسادس وأبناء عمه ، وعملت الهيئة على أن تجرى الأمور الخاصة بالحقوق على هذه الصورة وأخذت موافقة العربان على هذا التغيير وتصديقهم. وبهذا قدموا أعظم خدمة بالنسبة للذين سيأتون من بعدهم.

٢٦٢

ويستعمل عربان القبائل قانونى الخمسة والسمية فى بعض الأحكام الأخرى. مثلا ، إذا ما فرض أن أحد من سمية قبيلة ما تسلط على شخص من عشيرة أخرى بالقتل أو النهب لأموال فحكم القانون الخاص بحالته يجرى فى حقه وحق خمسته.

إذا كانت الحالة متعلقة بقتل النفس وفر القاتل دون أن يقبض عليه فأقارب المقتول الذين لهم حق استيفاء القصاص وخمسته يقبضون على أى واحد من خمسة القاتل ، ويجرون عليه نفس الحكم الذى كان يجرى على القاتل وإذا كانت الحالة خاصة بالدية يستوفون حقهم من خمسة القاتل بالكامل.

وإذا ما سرقت الأموال أو أشياء أخرى وعرف أن الناهب قد هرب ففى هذه الحالة لا يبحث عنه بتاتا بل يتجهون رأسا إلى خمسته ويحصلون منهم على ما سرق.

وإذا كانت الأشياء المسروقة خاصة بالحكومة أو التجار أو أبناء السبيل ويكون قد بحث عن السارق مدة طويلة ولم يقبض عليه فالحكومة أيضا تلجأ إلى قوانين العربان وتحصل على الأموال المنهوبة من خمسة الفار أو سميته.

لما كانت القوانين الخاصة بالخمسات والسميات معترفا بها لدى القبائل العربية ومعتبرة فأفراد العربان يعنون أشد العناية بحفظ أنسابهم وليس بينهم من لا يعرف نسبه. وكان من سئل منهم عن نسبه يستطيع أن يعد نسبه قائلا» أنا فلان بن فلان ..» ، ويصل إلى عشرين بطنا من أجداده.

وإذا ما قبض على أى شخص من هؤلاء العربان على أنه سمية قاتل من قبل خمسة المقتول وادعى هذا الشخص أنه ليس من خمسة القاتل وأخذ بيده عصا رفيعة وقبض عليها بأصابعه أمام بعض الناس وأخذ يعد قائلا «أنا فلان بن فلان حتى يصل إلى جده الخامس وكل ما يذكر اسما يرفع أصبعا من أصابعه وفى النهاية تقع العصا من يده ويذكر اسم جده السادس وأثبت أمام شاهدين صحة ادعائه وحلف على ذلك يمكنه أن ينقذ نفسه ، وإلا فلا طريقة أخرى لذلك ، وهذا يتوقف على حفظ النسب.

٢٦٣

ويقدم ذلك الشخص الشاهدين الذين أحضرهما للموجودين ويحلف يمينا خاصا بالعربان ، لذا رأينا إدراج صورته الصحيحة هنا.

صيغة اليمين :

أحلف بمن رفع السموات العلية ، قاطع المال والذرية ، ومفرق الخمس قضابة الجنبية ، أنّى ما عددت إلا الصدق وأنى لست للضارب بخامس».

واليمين الخاص بالعربان قراءة هذه العبارة.

وعربان القبائل يهتمون فى عصرنا بحفظ أنسابهم ، خمساتهم وسمياتهم ، وكان الأمر كذلك فى الجاهلية لأن الافتخار بالآباء والأجداد كان مما يهتم به عرب الجاهلية أعظم اهتمام.

وكانت القبائل التى تتجمع فى مواسم الحج فى صحراء منى ، تتفرق قبائل وقبائل وكان فصحاء القبيلة وبلغاؤها يصعدون فوق مكان مرتفع ويبدأ كل واحد منهم فى ذكر مفاخر قبيلته وخصالها الحميدة وسخاء أجدادهم وشجاعتهم فى ميدان القتال.

ولما كانت هذه العادة الجاهلية وإصرار العرب على ذلك ينافى المبادئ الإسلامية نزل قول الله تعالى :

(فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ٢٠٠].

ومن المصطلحات العربية ، مثل خمسة وسمية ؛ عوانى ، منن ، مجبودة من فروع تلك المصطلحات.

وكلمة عواني تعنى «المهلة» وهى جمع «عانى» ومنن تعنى النقود التى تعطى مقابل المهلة وجمع كلمة «منة».

والمجبودة :

أيضا بمعنى المهلة إلا أن مدة المجبودة أكثر أو أقل عن مدة عانى بثلاثة أشهر.

٢٦٤

سواء أكان «عوانى» أو «منن» أو مجبودة من القوانين البدوية المستقلة ومازال حكمها جار إلى اليوم بين العربان ومرعىّ الجانب.

عانى :

عبارة عن إعطاء مهلة مدة سنة وشهرين وأحد عشر يوما وثلث يوم والمثال على ذلك : إذا ضرب أى واحد من أفراد القبائل شخصا آخر سواء أكان من قبيلته أو من القبائل الأخرى ، وجرحه وكان هذا الجرح غير مهلك ، وعرف هذا الضارب ذلك ؛ فالواجب عليه أن يدخل فى دار أو خيمة أحد رؤساء العربان ويعرض ما حدث منه ويحكيه.

وإذا تلقى صاحب البيت الداخل قبولا حسنا وذبح غنما أو حملا وأطعمه ؛ كان هذا تأكيدا لحسن قبوله ، وإيماء بأنه سيعمل على حل الموضوع الذى أتى من أجله. وفى اليوم الثانى يجتمع مع كبراء قبيلته ليبحثوا معا موضوع الضارب وإيجاد حل لطلبه. وهذا الاجتماع لبحث ذلك الموضوع يقال له «جاهية».

وبعد أن يبحث صاحب البيت مع الهيئة الجاهية ويتشاور معهم فى خصوص هذا الموضوع يذهب مع الهيئة المذكورة إلى دار المضروب أو إلى بيت أحد أقاربه ذى الحيثية ويجلسون.

ويتقبل صاحب البيت الهيئة الجاهية بترحيب عظيم واحترام وفير ويحاول أن يقدم للهيئة وليمة عظيمة. إلا أن جماعة الجاهية ـ إذا كان الضرب الذى تعرض له المضروب خفيفا ـ لا تشرب حتى القهوة التى يقدمها صاحب البيت قبل أن يضمنوا أنهم سيوفقون فى تحقيق الغاية التى أتوا لأجلها وأخذ تعهد بذلك.

ويقبل صاحب البيت رجاء جماعة الجاهية قائلا «فى وجهى» عندئذ يشرب أفراد جماعة الجاهية قهوة صاحب البيت ثم يطلبون مهلة سنة وشهرين وأحد عشر يوما وثلث يوم حتى يسووا الموضوع وفق قانون «عانى».

٢٦٥

ويطلق على تأجيل هذا الموضوع قدر هذه المدة «قانون عانى» وأقوى أنواع التعهد هو أن يمسح المتعهد بيده اليمنى وجهه بدءا من جبهته إلى لحيته وتلفظ كلمة «فى وجهى» الذى يعنى أن رجاءكم مقبول وأتعهد بإلغائه.

المنن :

هو قانون إعطاء الضارب للمضروب مقدار النقود الذى عينته جماعة الجاهية. وتأخذ جماعة الجاهية من المضروب شخصيا أو من أقاربه تعهدا بأن الضارب لن يصيبه أى أذى فى المدة التى اتفقوا عليها وبعد أن يقرروا حل الموضوع وفق قانون «عانى» ، وفى ظرف هذه المدة يقرر أفراد جماعة الجاهية المبلغ الذى سيدفعه الضارب للمضروب ، ويسمى تسديد الضارب للمضروب المبلغ الذى حدد دفعه «منن».

المجبودة :

يطلق لفظ «المجبودة» على تعديل وتجديد حكم قانون عانى السالف الذكر بناء على وعد مقطوع. وإذا ادعى أعوان المضروب أنهم لن يستطيعوا أن ينتظروا انقضاء المدة التى حصل عليها أفراد جماعة الجاهلية ، ففى هذه الحالة تعدل أو تنقض مدة «عانى» ويحكم على الضارب بأن يعطى مبلغا آخر من المال للمدة التى سيعينها أطراف المضروب.

والمجبودة. هى المدة المعينة الجديدة التى من أجلها حكم على الضارب بإعطاء مال زائد للمرة الثانية ، ويتعهد المضروب وأعوانه ثلاثة أشهر أو أقل أو تنقيص المدة أقل من المدة المعينة.

ولما كان بين البدو قضية السماحة فإذا كان أطراف المضروب من القبائل الكبيرة الشرفاء ذوات الحيثية فلا يقبل أفرادها النقود التى تقرر إعطاؤها فى المقابل سواء كان «عانى» أو «مجبودة».

وبعد أن يأخذ الضارب مهلة وفق القانون المذكور يستطيع أن يعيش حياته

٢٦٦

العادية ويمارس أعماله إلى وشك انقضاء المدة سواء أكان بذاته أو بخمسته حتى يحصل على مدة جديدة وفق قانون «عانى» أو «مجبودة» ويضطر إلى أن يختفى ويستتر عن الأعين إلا أنه إذا استطاع أن يجد بعض المال لتجديد المدة وإطالتها وفق قانون عانى» أو «مجبودة» عندئذ يظهر ويسير حرا فخورا.

وإن كانت مدة «عانى» أو «مجبودة» تتجدد كل سنة إلا أنه ما لم يرض المضروب وأعوانه إن حددوا دية من الضارب ولم يأخذ المضروب من الضارب أو من أحد خمسته الثأر فإن له أن ينتقم منهم أى (الضارب أو أحد خمسته) بانتهاء المدة وعدم تجديدها.

وهذا بشرط أن يكون جرح المضروب غير قاتل ، وإن كان الجرح مضرا وقاتلا ففى هذه الحالة يدخل الضارب بيت رجل عظيم النفوذ ذا قدر كبير وإن كان هذا الشخص يرضى بدخول هذا الضارب فى بيته إلا أن هيئة الجاهية لا تتصل بالمضروب أو أعوانه ما لم يتبين أن المضروب لن يموت من أثر هذا الجرح. وعندما يعلمون أن جرح المضروب أخذ الطريق إلى الشفاء تلجأ هيئة الجاهية إلى أعوان المضروب ليعملوا على أخذ المدة كما سبق شرحه.

وبناء على قانون (عانى) أو (مجبودة) يحاول الشخص الذى استقبل هيئة الجاهية جاهدا أن يكرمهم ، ويلح فى ذلك ولكن الجماعة المذكورة لا تمد يدها إلى الطعام ، وإن ظل فوق المائدة أربعا وعشرين ساعة ما لم تجد جماعة الجاهية صاحب البيت قد وافق على قبول مدة «عانى».

وإذا مات المضروب من أثر الضرب فلا يستطيع الضارب أو خمسته الإقامة فى منازلهم ويعيشون مختفين مستترين فى أماكن أخرى إلى أن يقبل أعوان المضروب الميت الدية ، ومدة «عانى» وقد حدث أن كثيرا من الناس عاشوا فى ديار القرية خمسة عشر عاما أو عشرين مساكين عرايا محتاجين نتيجة لمثل هذه الأحداث.

وإذا قتل أحد من جماعة المضروب الميت ، بعد أن يقبلوا الدية ، ومدة عانى القاتل أو واحدا من خمسته ، قبل انقضاء مدة عانى ؛ فإنه يقبض عليه أفراد

٢٦٧

القبيلة التى ينتسب إليها لأنه لم يراع أحكام القوانين المعهودة وحفظا للقانون ، يسلمونه لجماعة القتيل الأخير فى ميدان خال. ويسمحون لهم أن يقتلوه بنفس الطريقة التى قتل بها المقتول. وسبب ذلك مسح أحد خمسة المقتول فى غاية الاحترام وجهه قائلا «فى وجهى». لأن قانون عانى لا يكون سارى المفعول ما لم يسمح هذا الرجل الوقور المهم من خمسة المقتول يده على وجهه قائلا «فى وجهى» ، وفى الوقت الذى يتلفظ به هذا الرجل بهذه العبارة يمسح القاتل وخمسته بأياديهم فى وجوههم وكأنهم بهذا يدخلون تحت حماية هذا الرجل العظيم.

وإذا حدث قبل انقضاء مدة عانى ، وتعرض الضارب لأذى خلاف المأمول فيوقف صاحب الحماية إنقاذا لسمعته وحماية لشرفه الشخص الذى سبب الأذى ويعامله بالمثل.

لما كان مدة عانى دستورا للعمل بين البدو وقانونا مقبولا بينهم وبعد معاهدة المدة المذكورة ، وبعد التعاقد فيعطى كل واحد من الطرفين للآخر سندا يحتوى على قرار مدة عانى ويشترط أن تكون الشهود الذين كتبت أسماؤهم فى هذه الوثيقة من هيئة الجاهية.

قتل الإنسان بالسيف أو الرصاص ليس له أثر كبير بين البدو ولا يجلب الشهرة إلا أن خنق الإنسان يعد من الجنايات العظيمة. وبناء على ذلك إذا ما قبض على مثل هذا القاتل من قبل خمسة المقتول المخنوق يقتلونه ومعه ثلاثة من خمسته ، أما إذا لم يستطيعوا القبض على القاتل بالذات يقتلون أربعة أشخاص من خمسته.

وإذا عرض خمسة الخانق الدية على جماعة المخنوق الفضوا ، وفى هذه الحالة يحكم من قبل جماعة الجاهية بإعطاء دية أربعة أشخاص.

والدية الكاملة لإنسان «ثمانمائة ريال» ومن عادة البدو أن يدفع هذا المبلغ على أقساط ثلاثة فى ظرف ثلاث سنوات ، وتعطى الأقساط المذكورة وفقا للأصول الآتية.

٢٦٨

صورة تأدية الدية :

تسدد فى السنة الأولى ثلث الدية نقدا بالريال فى السنة الأولى ، والثلث الآخر الخاص بالسنة الثانية يدفع نصفه نقدا بالريالات ونصف النصف الآخر يسدد بالأشياء ونصفه الثانى نقدا بالريالات. والثلث الأخير الخاص بالسنة الثالثة يدفع بالكامل الأشياء والمواشى وتقدر هذه الأشياء والمواشى بضعف ثمنها وبعد أن يؤخذ من القاتل أقساط الدية بهذه الصورة يأخذ خمسة القاتل من قبل جماعة المقتول كفيلا لضمان أنه لن يحدث أى تعد من قبل المقتول بعد أخذ الدية.

وجوه :

معنى «وجوه» حماية وهى قانون من القوانين البدوية المستقلة إن المسألة المهمة التى تتضمنها كلمة «وجوه» تجرى تحت بعض الأصول والقوانين ، والمعاملات الخاصة بها تنبنى كليا على إيفاء القوانين والنظم التى سبق ذكرها.

ولما كان قانون «الوجوه» القديم يكفل استيفاء الناس حقوقهم ، وقد تقرر قديما عدم الإخلال بهذه النظم بالاتفاق. والآن نبين أن هناك ثلاث قواعد مرعية بين العرب لأجل الوجوه».

١ ـ القاعدة الأولى :

إذا قتل بدوى بدويا آخر أو أحد أبناء السبيل ولجأ إلى دار شخص ذى مكانة ـ حتى لا يقبض عليه وفق قانون عانى الذى سبق شرحه ، يرسل صاحب الدار إلى دار المضروب عدة أشخاص يكلفهم قبول أداء الدية ، ويطلق على مجموع الأشخاص الذين أرسلوا ناحية المضروب «جاهية».

إذا لم تستطع هذه الجماعة أن تقنع المضروب بقبول الدية ، ولم تستطع الحصول على عانى أو مجبودة أو منن ، يراقب الضارب أحد من عظماء خمسة المضروب ويحدثه أن جماعة الجاهية التى أرسلت قد قبلت من جانب المضروب ويقول له «أنا داخل على الله وعليك عن سيئته».

٢٦٩

فإذا ما وافق هذا الشخص على حماية الضارب المذكور فيرسل إلى جهة المضروب شخصا يقول له «إننى أخذت فلان الفلانى مدة كذا إلى الوجه» يعنى للحماية فليكن فى معلومكم» فإذا ما بلغ هذا الشخص المضروب بهذه العبارة لا يستطيع المضروب ولا خمسته أن يتجرءوا على أذية الضارب.

وإذا ما حدث قبل انقضاء المدة المخصصة وقام المضروب لأخذ ثأره من الضارب يكون قد تعدى على حقوق الحامى وضمان حمايته. وبما أن هذا الحامى لن يستطيع أن يظهر بين العربان لشدة خجله فيحاول لحفظ شرفه أن يقتل هذا الشخص الذى تجرأ على التعدى على حق حمايته.

ولما كانت مادة «الوجه» والتدخل من القوانين والنظم المهمة ومرتبطة ومقيدة بتلك النظم. وعندما تحدث حالة ضرب كما سبق ذكره ، يظل المضروب وخمسته مختفين متسترين من هذا القريب المحب ذى المكانة الذى لا يستطيعون رد كلمته حتى ينتقموا من الضارب حتى لا يسمعوا أن الضارب قد دخل فى وجه أحد الأشخاص العظام فلا يترك الحامى البحث عن المضروب وخمسته ، وحيثما يقابلهم يرفع عقيرته قائلا «إننى قد أخذت فلانا وخمسته تحت حمايتى» فيسمعهم ويسمع الناس» ، وإذا كانوا قد ذهبوا إلى مكان آخر يرسل الناس من خلفهم والذين يعلنون لهم قائلين : «إن فلانا بن فلان أخذ الخبر قبل مجىء الحامى أو رسوله فقتل الحامى أو رسوله أو عمل على منعهما وزجرهما قبل تبليغ الحماية».

وإذا قتل فى هذه الفترة الحامى أو الشخص الذى جاء من طرفه فبناء على القانون الجارى بينهم يربطون هذا الحادث الجديد للدية أو إلى مدة عانى ، ويتركون فصل القضية القديمة والنظر إليها إلى وقت آخر.

٢ ـ القاعدة الثانية :

إذا كان شخصان يتجادلان مع بعضهما وأدرك شخص قريب منهما أن المناقشة ستؤدى إلى أنهما قد يقتلان بعضهما بعضا وكان هذا الشخص من عظماء العربان تدخل بينهما قائلا : «إنى أقرعكم عن بعضكم بوجهى».

٢٧٠

وإذا لم يكن هذا الشخص من عظماء العربان يذكر اسم أحد أكابر العرب ويعمل على إصلاح ما بين المتعارضين قائلا : «إننى أفرق بينكما بوجه وحماية فلان بن فلان».

وإذا أراد المتعارضان أن يتركا النزاع بطاعة ذلك الشخص المتوسط وإذا لم يريدوا لا يهتمون بوساطة ذلك الشخص ويستمرون فى النزاع حتى نهاية المجادلة فيشتمون بعضهما وقد يضرب أحدهما الآخر ثم يحكمان أحد الأشخاص المعروفين بينهما ، بالحق والعدل ليفصل فى هذه القضية. فإذا تبين بعد أن يحكم بينهما هذا الشخص ظلم أى واحد منهما فصاحب الوجه لا يترك هذا الشخص وحيثما يجده يضربه مرة إما بخنجر أو رمح أو عصا.

وإذا مات المضروب من أثر الضربة الواحدة فتجرى الأحكام المسرودة فى حق قتل النفس.

ويجرى هذا النظام فى حق من أخذوا الجانى تحت حمايتهم ، وإذا أعطيت حمايته غيابيا لأحد الأشخاص ، وبما أن هذه الكيفية ستبلغ لهذا الشخص فإذا قبل ذلك الشخص الحماية فيجرى قانون حمايته حسب النظام المذكور. ولكنه إذا استنكف الحماية يخبر بذلك أحد الناس والشخص طالب الوجه يستفسر عن الموضوع من العارفين به بينما ينصرف الذى استنكف الحماية من جانبهم.

٣ ـ القاعدة الثالثة :

إذا أراد أحد الوجهاء أن يتهم بعض الأشخاص وضيعى القدر والمكانة بالضرب والقتل ولكنه امتنع عن تأكيد كلامه باليمين فالشخص المتهم يدخل تحت حماية شخص من أمثال خصمه ومنزلته ويتخذ الأصول المرعية لجلب رحمته وإثارتها.

وذلك بأن يمسك كوفيته التى يتعمم بها من طرفيها ويجعلها فى رقبته ويقول له : «إن فلانا أسند إلى جنحة بطريقة ما فأقسمت له ولكننى لم أستطع أن أقنعه لأجل ذلك لجأت إلى حمايتك وهى دار الأمان عن شره ، فأرجو أن تحمينى من شره».

٢٧١

ويقبل هذا الملجوء إليه ويبلغ للشخص الذى ضده حمايته بالذات أو بالواسطة ، ويبين له إذا كان له حق الاستماع إلى الموضوع أن يعين حكما يثق فى كلامه.

وبناء على هذا القرار يستمع الشخص الذى تعين حكما إلى أقوال الطرفين ، وإذا كان رأيه تبرئة ذمة الرجل فلا يتدخل لذلك الشخص بعد ذلك أبدا».

رفقة الطريق وما يتعلق بها :

لما كان منذ زمن بعيد قد حددت الأراضى التى تسكنها القبيلة من قبل رؤساء القبيلة وميزت بوضع علامات معينة ولكن نفوذ كل فرد من أفراد القبيلة يعدّ جاريا فى داخل هذه الأراضى ، لذا لا يأمن واحد من عربان القبائل الأخرى أو أحد أبناء السبيل الذى يمر من هذه الأراضى على نفسه ما لم يدخل تحت رفقة واحد من شجعان القبيلة والمشهور بها ولا ينعم بسلامة الوصول.

وإذا اتخذ شخصا متصفا بالصفات السابقة دليلا له فهو يأمن على روحه وماله ، ويسلم من كل خطر وبلاء ويصل إلى نهاية البلاد والأراضى التى ينتمى إليها الدليل. ولكن بعد الخروج من هذه الأراضى تسقط حماية ذلك الدليل عن الحكم فيضطر المسافر إلى أن يدخل تحت حماية شخص آخر من تلك البلاد التى يسير فى أراضيها حتى يسلم من الخطر. وبناء على هذا يكسب المسافرون والسياح فى الجزيرة العربية سلامتهم بمراضاة الأشخاص الذين يدخلون تحت حمايتهم وذلك بدفع النقود لهم.

ولو سافر أى سالك سبيل أو مسافر بمفرده دون أن يهتم بنظام الحماية لو قتل فى الطريق أو نهبت أمواله وتعرض للسلب أو أية مصيبة تهدر جميع حقوق هذا الرجل سواء أكانت بالنسبة لروحه وحياته أم بالنسبة لأمواله ولا يلزم نحوه أى شىء وفقا للقوانين البدوية.

التبييضية :

وهى قانون تبييض وجه الحامى بين العربان. وإن كان تعرض البدو إلى

٢٧٢

الشخص الذى وضع تحت الحماية غير ممكن إلا أنهم يدرون إن مثل هذه الأحداث قد تقع.

فإذا ما تعرض الرجل الذى وضع تحت الحماية للسلب والنهب فلا يسكت حامى المظلوم ، فإذا كانت هذه الواقعة ليلا من قبل رجال قبيلته فيسترد الأموال المنهوبة منهم ويعطيها للمحمى.

وإذا ما كانت الحادثة قد وقعت من قبل قبيلة أخرى تعهدت بعدم التعرض للأشخاص الذين يحميهم فعندئذ يتبع الحامى أفراد هذه القبيلة ويطالبهم بالأموال المسلوبة. وإذا لم يرضوا برد الأموال يصطحب معه بعض سميته ويذهب ليطلب الأموال المنهوبة. فإذا رفضوا فى هذه المرة أيضا فإن الحامى يمسك بندقيته ويطلق رصاصة واحدة لقتل واحد من السارقين.

وهذا التصرف من الحامى هو ما يعرف بين العربان ب «تبييضية» وبهذا التصرف يكون الحامى قد أنقذ شرفه.

وإذا لم تصب الرصاصة التى أطلقها الحامى واحدا من اللصوص أو أصابته ولكنها لم تؤثر فيه ففى هذه الحالة يكرر محاولته فيقتل واحدا منهم أو يجرحه جرحا بالغا مميتا وهكذا ينقذ عرضه ويعود مع سميته ويعيد الأموال المسروقة من أموال نفسه وسميته ويعطيها للشخص الذى تحت حمايته.

وإن كانت هذه الخدمة تؤدى بدون مقابل. ويحدث أحيانا أن تطلب النقود نظير الخدمة أو أن النقود لا تطلب ولكنها تعطى كنوع من المروءة.

رفيق الجنب :

هو قانون يحدد سلوك الرفقاء ورفاقة الطريق.

إن مسألة الحماية ليست من الضرورى أن تكون نظير أجر مادى مترجم إلى نفوذ ، بل من الجائز أن تحدث الحماية بعد أن يتناول الطرفان الطعام سويا أو يشرب أحدهما قهوة عند الآخر ، وبهذا يحق لهما حماية بعضهما البعض.

٢٧٣

فمثلا لو أن أحد الأعراب المقيمين على جانبى الطريق الذى ستسلكه القافلة ، توجه إليها وأكل طعامها أو شرب قهوتها ، فمن حق هذه القافلة عليه الحماية والرعاية طالما أنها تجتاز حدود منطقته. وإذا اعتدى أحد سميته على القافلة أو فرض أتاوة عليها ، فالواجب يفرض عليه حماية القافلة من أى تعد ، رعاية لأصول الحماية.

وإذا ما نظر الشخص المعنى إلى الأمر نظرة استخفاف أو لا مبالاة ، فإنه بذلك يكون قد أظهر عدم اكتراثه ، وقوض حيثيته وكرامته وشرفه بين العربان. ويعتبر بذلك حقيرا وضيعا بين بنى قبيلته وعشيرته.

ولما كانت هذه العادات والأصول مرعية بدقة بين الأعراب ، فقد كان يكفى عابر السبيل رشفة ماء من قرية أحد قطاع الطرق ، حتى يكتسب حمايته ويسلم من مضاره وشروره.

وإذا لم يحترم أحدهم هذه الأصول والأعراف وأصاب بالأذى هذا الرجل الذى احتمى به ، فإن صاحب الفوية التى شرب منها الماء ، يكون ملزما بتخليصه من شره وأذاه ، وإذا ما أصاب هذا المسافر نوع من الخوف أو الهلع من توقع اعتداء قاطع الطريق هذا عليه فى المراحل التالية ، فإن صاحب القرية يرافقه الطريق حتى يوصله إلى بر الأمان والسلامة.

وكانت هذه الخدمات إذا ما قدمت بدافع الحمية والشهامة العربية ، تتم لقاء أجر معين. وهذا كان نادر الحدوث.

وهكذا فإن هذا القانون المسمى (رفيق الجنب) والمعروف بين العشائر العربية كان ينظم رفاقة الطريق.

أما القانون الذى يطلق عليه بين العربان «رفيق الجنب» :

فهو عبارة عن قانون خاص بسلوك الرفقاء والصحبة فى الطريق.

طنيب الطنب :

هو قانون خاص للمحافظة على حق الجوار وذلك باتصال عدة خيام بخيام جماعة أو قبيلة ما.

٢٧٤

وبما أن عربان القبائل يعيشون فى حالة ترحال فلا يتخذون مكانا ما مأوى ومسكنا بصفة دائمة ، فينقسمون إلى عشرينات أو ثلاثينات أو أربعينات أو خمسينات أو ستينات من الخيم فينزلون حيث يعجبهم أو يقومون ويرتحلون حسبما يريدون ، وإنهم لا يتركون أماكنهم ما لم تعد حيواناتهم جائعة من المراعى أو ما لم يكتشفوا مراعى أكثر عشبا.

وعند ما يعم الجفاف لا يسكنون فى مكان واحد أكثر من ثلاثة أيام وفجأة يتركون منازلهم ، ويتفرقون بين عربان القبائل الأخرى ويحصلون على موافقة شيوخ القبائل الذين لجئوا إلى ديارهم بإعطائهم رأسا من الغنم عن كل خيمة.

وهؤلاء الشيوخ يحمون الجماعات الواردة يصاحبونهم حيثما انتقلوا ويحسبونهم من جماعاتهم ، وبناء على ذلك لا يتعرض لهم أحد بالأذية فإذا وجد من يتعرض لهم بالأذى فلا يستطيع أن ينجو من انتقام القبيلة كلها.

ويقولون لمثل هؤلاء الناس ـ أى الذين ينتقلون إلى أراضى غيرهم ويدخلون تحت حمايتهم ـ «طنيب الطنب» ومعناه الاصطلاحى الجيرة التى حدثت باتصال خيم هؤلاء بخيمهم.

المعاونة للدخيل : (إغاثة الملهوف):

من مقتضى القوانين القديمة بين العربان معاونة الدخيل ، أى قبول الهاربين وإكرامهم قدر الإمكان وإعانتهم.

فإذا ما فر إنسان سواء أكان ذكرا أم أنثى بعد ارتكاب ذنب أو جنحة أو جناية وأطلق المطاردون من خلفه رصاصا أو رمحا قبل أن يدخل فى خيم أحد العربان سواء أصابه ما أطلق أولم يصبه فأصحاب الخيم ينظرون إلى جهة توجه الرجل الفار.

فإذا توجه الهارب نحو خيم الحريم ، وقع الحادث المذكور قبل التقرب إلى الخيم بأربعين ذراعا فبناء على القوانين العربانية لا يلزمهم شىء.

٢٧٥

وإذا حدثت المطاردة السابقة فى داخل هذه الحدود أى أن المطاردين أطلقوا الرصاص أو الرمح فى مكان أقرب من أربعين ذراعا وأقل منه وتبين ذلك فيكون المطاردون قد تعدوا على حقوق وحماية أصحاب الخيم وبناء على ذلك يتعقب أصحاب الخيم المطاردين ويقتلون من استطاعوا قتلهم بإطلاق الرصاص.

وإذا كان توجه الفار نحو خيم الرجال ووصلوا إلى جانب حبال الخيم التى تسمى طنب وخارجها فلا يدافع عن هؤلاء الفارين الهاربين وفق القوانين العربانية ولكن إذا حدث ما حدث فى داخل حبال الخيمة سواء أصابت الرصاصة التى أطلقها المتعقبون الفارين أو لم تصبهم ، فبناء على القوانين العربانية فأصحاب الخيام يطاردونهم ولا يعودون إلا بعد قتل بعضهم.

ملاحظة :

فتعيين هذه المسافة الكبيرة والفرق الكبير بين خيم الرجال والنساء أى تحديد المسافة لحق حماية خيم النساء بأربعين ذراعا يدل على مدى غيرة البدو على أعراضهم ، وأنهم فى هذا السبيل يضحون بكل شىء.

وليس هناك بين البدو الخلص من يعرف ما هو الزنا ، وإذا حدث مثل هذا الفحش فرضا يقتلون الفاعل والمفعول ، وفى هذا الموضوع لا يرحمون حتى أولادهم.

وبعد أن يراعى جانب الدخلاء من قبل أصحاب الخيم فجملة الجيران يستضيفون هؤلاء كل واحد منهم فى يوم خاص. ثم يعطى لهم الأغنام والحملان والجمال كمساعدة.

بعد ما يتم العون المقدم للدخيل يأخذ ما قدم له من العطايا ، ويرجع إلى مقره الأصلى فيسوى أموره بدفع الدية وينهى الموضوع بالصلح.

وإذا كانت الإعانات المعطاة من تلك القبيلة كافية لتسوية أموره أو إذا لم يقدم له العون من قبل حماته ففى هذه الحالة فالأمر كله يحال لأفراد القبيلة الذين

٢٧٦

يشمرون سيقانهم متفقين فيجمعون بينهم النقود الكافية لتسوية الأمر على أحسن وجه.

وهذا النظام من القوانين البدوية والعادات المرعية التى مازالت سائدة إلى يومنا هذا.

حفظ الأمانات والعادات الخاصة بها :

حفظ الأمانات أيضا من القوانين العربية القديمة ، وبناء على هذا إذا ما أعطى أحد العربان للآخر جملا أو ناقة أو نعجة أو أشياء أخرى على أنها «أمانة الله» فالشخص الذى تسلم الأمانة إذا كانت حيوانا مثلا فإن المؤتمن يحرص على العناية بهذا الحيوان أكثر من حيواناته فيعلفه ويحرسه ويكثر نسله بالتوليد.

وإذا ما مات هذا الإنسان ، فالحيوانات التى كانت أمانة فى يده تحفظ من قبل ورثته وتسلم لأصحابها وقت ما يريدون.

ومن الثابت المشهور أن عربان العرب إذا ما أخذوا ناقة أو ناقتين يكثرون عددهما بالتوليد دون أن يخونوا الأمانة وفرضا أن الورثة لم يعرفوا صاحب الأمانة فإنهم يتحرون عنه حتى يجدوه ويردوا له أمانته.

والحملان التى تولد من النعاج والعنزات فإن الذكور يبيعونها ليشتروا بدلها النعاج حتى يزيدوا من عددها.

ولا يأخذون مقابل هذه العناية والإكثار شيئا غير الانتفاع بلبنها.

ولما كان خلط الفساد فى أمور الأمانة يقلل من بركة أموالهم من الأمور المجربة لديهم لذا يبتعدون عن الغدر والخيانة فى هذا الموضوع.

وإذا ما نفق أحد الحيوانات التى تحت الأمانة فإنهم يقطعون جزءا مميزا منه ليروه لصاحب الأمانة.

وإذا ما نهب هذا الحيوان من قبل قبيلة أخرى فيتتبعون هذه القبيلة ليخبروها أن المسلوب أمانة ويحاولون تخليصه من أيديهم ويبذلون الجهد لتخليص ما يمكن تخليصه.

٢٧٧

والأمانات التى تعطى من قبل أهل مكة المكرمة والمدينة المنورة مثل الهجن والحيوانات الأخرى للعربان تحفظ وفق النظام الذى ذكر أعلاه.

الملحس (١) : قانون خاص بلحس النار.

حدث منذ زمن أن أحد أهالى العرب المتدينين خرج ليزور قبر النبى صلى الله عليه وسلم وبينما كان سائرا بين عربان قبائل عوف اعتلت صحته فاضطر أن ينزل ضيفا عند أحد أفراد القبيلة المذكورة. وقد أكرمه صاحب البيت أعظم إكرام ورعاه كأعظم رعاية ، ووهب له جملا لركوبه وقد سر الضيف من هذه العناية فى الاستضافة أعظم سرور ولما كان مضطرا أن يقابل هذه المجاملة بمكافأة طلب من صاحب الدار سكينا «على أن يظل حكمه وتأثيره باقيا ما لم يبتعد عن الحق وأن ينتقل من بعده لأولاده وأحفاده» ثم أدخل هذا السكين فى داخل النار الموقدة فى مكان خال من الناس حتى احمر أشد الاحمرار ثم أخرجه من النار ، وتلا عليه بعض الأوراد ولعقه بلسانه وجعل صاحب الدار أيضا يلحسه. وبعد ما أثبت الضيف أن هذا السكين لن يضر لسان صاحب البيت بالفعل.

ثم أراد أن يبين أن هذا الفعل منحصر فى الصدق والاستقامة فقط ، وقال لصاحب البيت «خذ هذا واحفظه فى مكان أمين وعندما أطلبه منك أنكر ذلك قائلا : «لا ليس لى علم بمثل هذا الشىء».

فأعطى لصاحب البيت شيئا ما ، وبعد مدّة رجع وقال له «كنت أعطيت لك كتابا بالحفظة إننى محتاج إليه الآن فأحضره لأننى أريد أن أطلع عليه» فرد عليه صاحب البيت مجيبا لا! إنك لم تعطنى كتابا ولا غيره لا بد أن فى الموضوع خطأ. عندئذ أخرج الضيف ذلك السكين المحمر من أثر النار ، وقال له إذا كنت لم تأخذ الكتاب الذى أعطيته لك العق هذا السكين! وعندما لعق الرجل السكين احترق لسانه إلا أن الضيف سقاه قطرة من الماء فانتفخ المكان المحروق والتئم مباشرة.

وقد تعجب صاحب البيت من حالة هذا الرجل واستعظم الخواص التى رأها

__________________

(١) مشهور بين أبناء المنطقة الشمالية الشرقية فى مصر باسم «البشعة».

٢٧٨

فى الضيف ولم يكن يعرف أنه يريد أن يسدى له معروفا ؛ لذا قال له «يا أيها الشيخ ما أعجب هذه الحالة» فرد عليه الشيخ قائلا : هذه خصلة جليلة تفرق وتميز بين الحق والباطل وغرضى أن أعلمك مقابل ما قدمته لى من معروف فلتعلم أننى قرأت على السكين عبارة كذا وبعد هذا كل من يراجعك لحل موضوع ما فسخن سكينا حتى الاحمرار ثم اقرأ عليه العبارة التى علمتك إياها واجعل المدعى عليه يلحس هذا السكين! إذا كان الشىء الذى أسند إليه كذبا وبهتانا وافتراء فلا تؤثر سخونة السكين وشدة حرارته فيه ، وإذا لم يكن بهتانا يحترق لسان الرجل» وأعطى له إذنا بأن يمارس هذا العمل كما رأى منه ليترافع عن الناس ، ثم لقنه هذه التعليمات قائلا «بعد هذا سيراجعك الناس من جميع الجهات يجب عليك ألا تنحرف عن طريق الحق فى إحقاق الحق والتمييز عن الباطل ويجب عليك أن تحقق وتستفسر عن المراجعين أولا عن الموضوع الذى يراجعونك لأجله ، إذا كان شيئا مهما خذ المدعى عليه فى مكان خال وحاول بعبارات ملائمة أن ينهى الموضوع صلحا وأن يسكت خصمه بإعطائه بعض الأشياء وبعد ما تأخذ منه وعدا بذلك الصلح بينهما حسب العهد الذى قرره على نفسه. وإذا ما امتنع المدعى عليه عن الإقرار بما هو واقع ففى هذه الحالة يقبل منه المدعى مقدارا من المال مقابل الجناية التى ارتكبها واطلب كفيلا يضمن ذلك وإذا ما أعطى كفيلا تباشر العملية وفصل الدعوى وفق قانون ما بشرط أن يعطى لك عشر المال أو الأشياء التى يدور عليها القضية ، وهكذا علم الشيخ خواص هذه الحالة ثم فارقه مودعا.

وأخذ صاحب البيت يمارس علمه وفق ما تلى من ضيفه من تعليمات ويفصل بين المتخاصمين ولما سر منها المتخاصمون اشتهر اسمه بين العربان وظل اسمه بعد ذلك ملحسا.

بعد هذه الواقعة اضطر الذين يعجزون عن إثبات شىء ينكره فاعله لمحاكمة الملحس للفصل بين الحق والباطل والتمييز بينهما ، ويراعى الآن جميع القبائل وأهل العراق البدوى الملحس ليعرفوا أن المتهم بالقتل أو جنايات أخرى برىء

٢٧٩

الذمة من ذلك ، وإنهم يثقون تماما فى الحكم الذى سيصدره الملحس بعد أن يلحس المتهم السكين.

ولما كان سر هذه الخاصية انتقل إلى أحفاد وأولاد ذلك البدوى فالعربان يراجعون البدوى الملحس فى قضاياهم المعقدة الصعبة وبعد ما يستمع الملحس لادعاءات الطرفين يأخذ منهما عشر مادة الخلاف فإذا كانت الجناية قتلا يأخذ عشر الدية قبل أن يلحس السكين المدعى عليه.

وإذا ثبتت الحالة والتهمة على المتهم بالقتل يربط المدعى بكفيل قوى على أن يأخذ حقه من المتهم حيث يجده وألا يقتله بجانبه ، ثم يجعل المتهم يلحس سكينة محمرة من شدة الحرارة فيأخذ حقه بناء على الحكم الذى ثبت من الجهة غير المحقة فى القضية ويرد نقود المحق ، وإذا رضى المدعى بتسوية الموضوع فى القتل عن طريق دفع الدية ، عندئذ يربط الموضوع على دفع الدية مقسطا حسب قدرة المتهم المالية وما تظهر من قضايا بعد ذلك يحلها وفق ما سبق بيانه.

الجرة :

الاسم الخاص لقانون تتبع الآثار. وفراسة العرب فى تتبع الآثار شىء مثير للتعجب.

وأكثر العربان يستطيعون أن يخبروا عن الوقت الذى مر فيه ومن أى مكان ما حيوان أو إنسان بالنظر للآثار التى تركتها قوائم الحيوان وأرجل الإنسان.

وقد جرب البدو الأحوال التى تحدثها الرياح على الأرض كما جربوا صلابة الأرض وليونتها ، وجعلوها تحت ملاحظتهم. وبما تقرر بينهم من فن المقايسة والموازنة ودلالته الواضحة يدركون الوقت الذى مر فى هذا المكان صاحب الأثر وإن كان الوقت ليلا.

وإنهم يدركون ما تقع تحت أبصارهم من الآثار وهم سائرون ليلا ، فيعرفون أن طائفة ما من العربان مرت من هناك قبل يوم أو يومين أو قبل ذلك كما يعرفون عدد جمالهم ومقر القبيلة التى تتجه إليه حتى إنهم يخبرون عن أفكار

٢٨٠