موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

وكانت منطقة الحسا اسم دائرة ولما استولى عليها القرامطة أطلق على المدينة التى بناها أبو طاهر القرمطى وهى هجر الحسا ، ويطلق على هذا الإقليم بلاد هجر وبلاد البحرين أيضا.

ويقع هذا الإقليم المتسع على الجانب الشمالى الغربى لمنطقة عمان وعلى طول سواحل خليج البصرة وفى الدرجة من ٤٨ إلى ٥٢ درجة فى الخط الطولى الشرقى ومن ٢٠ درجة إلى ٢٩ درجة فى الخط للعرضى الشمالى.

ويبلغ عدد سكانها مائتى ألف وخمسين ألفا تقريبا.

وبلاد خفوف ورأس الخيمة وقطيف العظيمة فى داخل إقليم حسا. وخصوبة أراضى الحسا شديدة ولها جزر كثيرة على ساحل البحر.

وأهم هذه الجزر جزيرة البحرين ومنها يستخرج أجود أنواع الصدف واللؤلؤ. ويتكسب أغلب أهاليها قوتهم من صيد السمك واستخراج اللؤلؤ والصدف وتجارتهما.

وكان قديما أكثر عمرانا من الآن ، وكان سكان قارة إفريقية فى الأوائل يأتون بأموال كثيرة وأشياء عديدة إلى قطيف بحرا ويبادلون أموالهم باللآلئ.

وكان موسم استخراج اللآلئ يبدأ من شهر يونيو ويستمر إلى شهر سبتمبر وكانوا يربحون من بيع اللألئ ثلاثمائة أو أربعمائة ألف جنيه إنجليزى. وكانوا يمتلكون ما يقرب من أربعة آلاف سفينة لصيد اللؤلؤ ، وهذا دليل قاطع على ما كان عليه أهالى (القطيف) من ثروة وغنى.

ويروى أن فى قعر البحر منابع مياه حلوة ، حتى إن الغواصين يحصلون على مياه شرب من فى السفينة من هذه المنابع.

وفى الحسا مياه معدنية كثيرة. إلا أنه ليس بين سكانها من يستطيع أن يحلل هذه المياه كيميائيا ليعرفوا خصائصها الصحية ، لذا فإنهم يستخدمونها فى الحمامات للاغتسال.

وتسقى الحدائق والبساتين والمحصولات الزراعية التى تحتاج إلى ماء بهذه المياه التى تتبقى من الحمامات والمياه الأخرى التى تنبع من الجهات الأخرى.

٢٤١

إن خصوبة أراضى قطعة الحسا وجودة مياهها تساعد كثيرا على نمو الأشجار والأغصان فالشجيرات الصغيرة التى تغرس تنمو فى ظرف أوقات قصيرة وتصبح أشجارا كبيرة. وتتضخم أشجار النخيل فيها بحيث لا يستطيع أن يحيط بجذعها عدة أشخاص حتى إن نباتات العدس والفلفل تصل إلى ضخامة أشجار الرّمان.

وتنبع أكثر أنهار الحسا من داخل الغدران فى اتساع مائة متر مربع وفى خمسة عشر باعا فى العمق ثم تتفرع ويسقى الأهالى أراضيهم ومزروعاتهم بهذه المياه وهم يفتحون حولها قنوات قدر ما يريدون.

ولا يستطيع الإنسان أن يصف ما تضفى هذه المياه من جمال وزينة ، وهى تمر من داخل البساتين والحدائق والحقول أو من حولها وهى تجرى براقة صافية فى صورة دائمة.

وعلى بعد بلدة (حفوف) بساعة منبع ماء يطلق عليه عين النجم ، ولما كانت مياه هذا المنبع أكثر قوة وفى غاية العذوبة من جميع مياه المنابع الأخرى فأهلها يستغنون عن الحمامات.

والأشخاص الذين يشتكون من الأوجاع والآلام يشفون بإرادة الله بالاستدامة على الاستحمام بهذه المياه ، وقد شاع هذا التداوى بين الأهالى.

وقد بنى على هذا النبع قبة جميلة وأخذ تحت المبانى وجعلت على شكل الحمامات وذلك فى ظل الإرادة السلطانية السنية إذ أحسن إلى أهالى (حفوف).

والأراضى حول إقليم الحسا وسواحله منبسطة مستوية. ولما كان البحر لا يستطيع أن يجزر ويسحب المياه الفائضة فى حالة مد البحر وتظل مياه هنا وهناك فتتعفن المواد المختلطة بالمياه وتؤثر فى جودة الهواء وتغيره وتسبب علل الحمى والملاريا فتسوء صحة الأهالى فتذبل ألوان أهاليه وتصفر ويكثر فيهم من يصيبهم مرض الطحال.

وتقع جزر البحرين بين ٤٨ درجة وعشرين دقيقة فى الخط الطولى الشرقى وبين ٢٦ درجة وست دقائق فى خط العرضى الشمالى ومن هذه الجزر تستخرج أجود أنواع اللآلئ والدرر.

٢٤٢

وعرض جزيرة البحرين فرسخان وطولها سبعة فراسخ جغرافية وفى وسطها وأطرافها أماكن مرتفعة.

ويوجد فى خليج البصرة وعلى سواحل الحسا غير جزيرة البحرين جزر آراد وتاروت والمنامة وتتبع إدارتها لقائم مقام نجد واسم جزيرة البحرين الآخرين أوال.

ولما كانت أراضى إقليم الحسا منبتة ، تنمو فى هذه القطعة المتسعة كل أنواع الفواكه والخضر والمزروعات المتنوعة الأخرى.

وأكثر مغروساته النخيل ، كما ينبت فيه : القطن ، والأرز ، واللوز ، والليمون ، والرمان ، والعنب ، والتين ، والقمح ، والشعير ، والذرة.

وإن كان يزرع فيه قصب السكر ولكنهم لا يعرفون طريقة زراعة هذا القصب ولا طريقة صنع السكر منه. وينسج فى تلك البلاد قماش صوفى يطلق عليه الكيلانى وتصنع منه أجمل العباءات والمشالح.

وكان سكان جزيرة البحرين القدماء من العماليق. وكانت قبيلتا جديس ، وطسم قد انتشرتا إلى هذه الأماكن ثم استولى على البحرين الأزديون ، وقد طرأ ضعف على العرب بعد حروب بخت نصر ظلت جزيرة العرب فى يد بعض القبائل المتفرقة وانتقلت إلى يد الفرس فى عهد أردشير بن بابك ، وإن كان العرب خرجوا عن طاعة الفرس بعد موت أردشير ، إلا أن شابور ذا الأكتاف انتصر على العرب وألحق البحرين بالبلاد الفارسية ، وفى النهاية انتقلت إلى إدارة المناذرة الذين كانوا يحكمون فى الحيرة ، وفى السنة السادسة من الهجرة أسلم بعض أهاليها وطلب بعض منهم أن يبقوا على دينهم وأن يعطوا الجزية ، فعين العلاء بن الحضرمى واليا عليها من قبل النبى صلى الله عليه وسلم.

إخطار ـ فى بيان القبائل العربية الساكنة فى إقليم الحسا.

ولما كان أهالى الحسا مائلين للتحضر فقد سكن بعضهم فى القرى وسكن الآخرون فى المدن. وقد ذكر فيما سبق عددهم وطريقة معيشتهم كل فى مكانه

٢٤٣

وسيذكر فيما يأتى الذين يعيشون فى حالة البداوة قبائلهم وعدد أفرادها ومواقع إقامتهم.

المرة :

تتكون قبيلة المرة ، من ثلاثة آلاف نسمة ، وتطوف هذه القبيلة دائما حول بلدة قطيف وجوارها.

بنو هاجر :

وإن كانت قبيلة بنى هاجر قبيلة مستقلة إلا أنها تشعبت من أصل قحطان. ويعيش هؤلاء أيضا بجوار القطيف ويصل عدد أفرادها إلى أربعة آلاف.

بنو خالد :

يبلغ عدد أفراد قبيلة بنى خالد إلى عشرة آلاف ويقضى سبعة آلاف منهم حياتهم مرتحلين بين نجد وجبل (أيله) وفى الطعة المنسوبة للزبير بن العوام ـ رضى الله عنه ـ فى الأطراف الغربية ، كما يعيش الباقون جائلين فى أطراف بلدة الحسا.

استطراد :

تنقسم قبيلة بنى خالد إلى قسمين ، ينتهى قسم منها إلى الصحابى الجليل خالد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ والقسم الآخر ينتهى إلى أخى المشار إليه وأبناء عمه.

والقسمان من جماعة بنى مخزوم وبنو مخزوم من أعظم بطون قبيلة قريش.

وخالد ـ رضى الله عنه ـ ابن وليد بن المغيرة بن عبد الله ابن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ، ويتصل نسبه هنا بنسب السلسلة الذهبية للنبى صلى الله عليه وسلم.

وكان قائد الجيوش فى عهد أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وهو قاتل مسيلمة الكذاب وممزق أهل الردة وفاتح بلاد نجد المتسعة.

٢٤٤

وكان زمام إدارة بلاد نجد وإمارتها فى نهاية العصر الثانى فى يد أسرة تنتهى إلى أبناء عم خالد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ من قبيلة بنى مخزوم ، ثم انتقلت إدارتها إلى محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد.

وظلت فى يد هذه السلالة السليلة إلى ظهور سعود بن عبد العزيز نسلا بعد نسل وأظهرت هذه الأسرة الهمة والنشاط فى حسن إدارة هذه البلاد ، وفق عقيدة أهل السنة والجماعة وكانوا عامة من مذهب أهل السنة والجماعة واشتهروا بين القبائل باسم آل عريعر وكانوا محترمين ومقدرين بين أهالى نجد وانتزع فيما بعد نجد سعود بن عبد العزيز.

آل عريعر :

بطن آل عريعر أبناء عم أمراء بنى خالد الذين يعيشون بين برية الشام وبلدة حماة ، لأن أمراء بنى خالد الذين يستوطنون بين برية الشام وحماه ويشتهرون ويعرفون ب آل عبد القادر. وعبد القادر هذا ناصر بن العاصى بن مهنا بن سليمان بن مهنا بن محمد بن فارس ابن عبد الكريم بن مهنا (١) بن فضل بن محمد بن عبد الرحمن وهنا اللقاء بسلالة آل عريعر. وأبو عبد الرحمن المذكور هو خالد بن الوليد رضى الله عنه.

وانقسمت أسرة ناصر إلى قسمين : أحدهما بطن مراد بن جابر بن ناصر.

وكريمة ابن جابر هى زوجة السيد حسين برهان الدين الصيادى الرفاعى زيانة الخالدية.

وزيانة الخالدية مدفونة مع ابنها السيد على الحزام بن سيد حسين برهان الدين فى قضاء معرة النعمان وفى قرية حسين وضريحها المشهور من مزارات الموحدين.

والقسم الذى انفصل عن ابن ناصر والذى ينحصر فى أسرتهم إمارة عشائر قطعة الشام انقطعت الإمارة عند مراد بن جابر السالف الذكر.

__________________

(١) مهنا هذا كان أميرا ورئيس القبائل العربية التى تستوطن فى الشام وأطرافه.

٢٤٥

القسم الثانى لأسرة ناصر هو عبد القادر الشهير أخو جابر وأمير قبائل بنى خالد. وابن الأمير عبد القادر دندن وابنه محمد وأبناء محمد الحاج درويش وعبد الرازق ، وأخلاف هؤلاء وأحفادهم مازالوا إلى اليوم يتولون رياسة قبائل بنى خالد وإمارتها.

وقبائل بنى خالد التى سكنت برية الشام تنقسم إلى سبعة أبطن أحد هذه البطون هم بنو خالد الذين فى قطعة زرقا بالقرب من دمشق وعدد أفرادهم أربعة آلاف نسمة ، والبطون الستة الأخرى التى تستكن فى بوادى حمص وحماة ومعرة النعمان وجسر وثغور يبلغ عدد أفرادها ثمانية أو عشرة آلاف ، وبعض أفراد هذه القبائل تسكن البادية ولكن أكثرها يسكنون فى القرى وهم من أصحاب الزراعة والفلاحة منذ قديم.

منطقة نجد وما تشتمل عليه من البلاد :

من أعظم أقسام جزيرة العرب قطعة نجد المتسعة.

وتصل حدود هذه القطعة الضخمة شمالا إلى بر الشام وشرقا إلى عراق العرب والحسا وجنوبا إلى الأحقاف واليمامة وغربا إلى حدود الحجاز.

ونجد من حيث الأراضى أشهر بلاد الجزيرة العربية وأجملها وتقع بين ٣٩ درجة إلى ٤٦ درجة من الخط الطولى الشرقى. وبين ١٩ درجة إلى ٣٠ درجة من الخط العرضى الشمالى وتنقسم إلى قسمين باسمى نجد الحجاز ونجد عارض.

ويقع نجد الحجاز فى الطرف الشرقى من البلاد الحجازية كما أن نجد عارض يقع الجهة الشمالية من البلاد الحجازية والبلاد الآتية أسماؤها من ضمن نواحى نجد الحجاز وهى : عارض ، يمامة ، شعرا ، خرق ، ضرية ، أفلاج ، هيلك ، وادى الدواسير ، رس ، وادى السرا ، سلايل ، نيرين ، مرثد ، بلاد الوشم ، كرموسة ، بلاد الفصم ، تمن ، سدير ، بشهر ، درعية ، ربطة وعيينة.

وللخطة المذكورة ثلاثمائة وأربعون قرية ومدينة ، وبناء على حساب المدققين فإنها تشمل أكثر من مائة وأربعين ألف من البساتين والحدائق ، وأن عدد سكانها

٢٤٦

يتجاوز مليون نسمة ، كما أن فى نجد عارض ثلاثة آلاف قرية ، وأن هذه القرى ظلت تحت حكم شيوخها ولم تخضع لأية حكومة بناء على بعض الروايات.

شعراء :

تقع ناحية شعراء على خمس مراحل من مكة المكرمة وناحية ضرية فى الجهة الشمالية لشعراء ، وهيلك بالجانب الشرقى على بعد ثمانى مراحل من شعرا ، وفى الجهة الغربية من اليمامة.

وتشمل ناحية شعرا بعض الآبار والمزارع وضرية على غدير كبير واليمامة على بعض حدائق النخيل وكثير من المزارع.

تمن :

تقع تمن فى الجهة الجنوبية من كرموسة ، وناحية كرموسة على الجهة الجنوبية من ضرية ولناحية تمن كثير من أشجار النخيل ، ولكرموسة مياه جارية من الغرب إلى الشرق ولناحية الرس بئر مشهورة. ولسكان ناحية الرس آبار أكثر بالنسبة للنواحى الأخرى.

وتبدأ أراضى نجد العارض من مكان بعيد إلى الحجاز بمسافة ثلاث مراحل وتمتد إلى الجهة الشمالية وهو فى الأصل جبل يشتهر بجبل العارض ولهذا الجبل مدخلان باسمى الدرعية والعينية.

والجبل المشهور بسرين فى هذه الأراضى ونهر وادى بنى حنيفة فوق الجبل المذكور.

وفى وادى بنى حنيفة مياه جارية وحدائق نخيل وأشجار أخرى والدرعية منشأ كثير من الملحدين مثل القرامطة ومسيلمة الكذاب والدرعية فوق جبل سرين السالف الذكر كما أن مدينة الحسا على الطريق المشهور ممر القوافل والحجاج.

وينمو بجانب مدينة الحسا وحواليها أشجار الخوخ البرية وحدائق العنب والنخيل فى واد كثير التعرج.

٢٤٧

ومدينة ملهم المشهورة بالعنب والخوخ والبلح وقصب السكر على بعد ست مراحل من الحسا ، كما أن مدينة مقرن التى تحتوى على النخيل هنا وهناك والمزارع وحصنا ترابيا يقع على الجهة الجنوبية من اليمامة وهذه المدينة أقرب المدن إلى بلدة الدرعية.

وال (رياض) التى أصبحت مقر إدارة وحكومة عبارة عن القرى الكثيرة والمدن وهى قريبة من الحسا.

وناحية مزج فى حدود اليمامة وبلاد القصيم فى آخر الصحراء الرملية التى تسمى وادى السرا ولا توجد سواء أكانت فى ناحية مزج أو القصيم النخيل أو الأشجار. وناحية مزج صحراء رملية مستوية تمتد خمس عشرة مرحلة وبما أنه ليس لها مياه جارية تروى مزروعاتها بالمياه التى تستخرج من الآبار بواسطة السواقى.

وفى قطعة نجد نواح كثيرة ومدن وقرى وجبال مثل جبل شمر وغيره ولما كانت أكثر أراضيها رملية مستوية وليس فى كل أراضيها مياه جارية. فإن مزروعات مثل هذه الأراضى تسقى بمياه الأمطار كما أن حدائقها تسقى من الماء المستخرج من الآبار.

والخيول العربية الأصيلة وأجود أنواع الهجين العمانى تربى فى هذه القطعة ، كما أن الجمال العادية تتكاثر هناك بسرعة.

وبما أن أهالى البلاد المجاورة مضطرون لشراء ما يحتاجون إليه من الجمال من نجد لذا أطلق عليها العرب القدماء أم الإبل.

ومقاطعة نجد المرتبطة بالبصرة ليست القطعة الوسيعة التى تشمل المدن والقرى ولكن هذه المقاطعة بعض الأماكن التى فصلت عن بلاد البحرين.

فى بيان القبائل البدوية الساكنة فى منطقة نجد :

عنزة :

وإن كان عربان قبيلة عنزة تتجول فى داخل القطعة الحجازية ولكن أكثرها تعيش فى الجهة الشمالية من قطعة نجد.

٢٤٨

الذويبى :

وقبائل العربان من أفرع قبيلة حرب الحجازية ، الذويبى ، الفرم ، بنى سالم ، بنى نخيض تسكن بين الأماكن الواقعة بين المدينة المنورة وبلاد القصيم ، ويبلغ عددهم إلى أربعة عشر ألف شخص تقريبا.

عجمان :

وإن كان منازل قبيلة عجمان ومأواها الأصلى المكان المسمى بوادى نجران إلا أنها تمضى أوقاتها بين بلدة الرياض والرملة وأراضيها. وعربان هذه القبيلة فى منتهى الشجاعة ومحاربون من الطراز الأول ويقرب عددهم من ستة آلاف نسمة.

قحطان :

انقسم أفراد قبيلة قحطان إلى قسمين : ويسكن قسم منهم فى الأماكن الممتدة من رياض إلى زنبة والقسم الآخر فى بلدة حوطة وجوارها. ويبلغ عدد أفراد هذه القبيلة ثلاثين ألف نسمة.

وأقدم القبائل المذكورة بنو قحطان وأكثر القبائل العربية التى ذكرت تتفرع من هذه القبيلة القديمة.

وإحدى شعب القبيلة المذكورة فى داخل حدود عسير وهذه الشعبة انقسمت إلى أربع قبائل كبيرة التى تعرف بأسماء قحطان الشام ، قحطان اليمن ، رجال الماء ، المتصدقة بنفوسها.

الدواسر :

بما أن قبيلة الدواسر تسكن فى محل يسمى وادى الدواسر فى الجهة الجنوبية من الرياض سموا بدواسر ويبلغ عدد أفرادها خمسة عشر ألفا.

فى بيان القبائل الخاضعة لإدارة شيخ جبل شمر :

جبل شمر :

جبل شمر مكان واقع على الشمال الشرقى من المدينة المنورة على بعد ثمانية مراحل.

٢٤٩

وهذا المكان تحت إدارة أسرة ابن رشيد تحت إمرة وإدارة أمير نجد وأكثر مدن شمر شهرة وعمرانا مدينة حائل التى يبلغ عدد سكانها عشرين ألف نسمة ، وقد اتخذها حاكم جبل شمر مقرا لإقامته.

وفى جبل شمر غير حائل أربعون قرية صغيرة وكبيرة. وإن كان عدد سكان هذه القرى يبلغ ثمانين ألفا إلا أن القبائل العربانية التى تحت إمرة شيخ جبل شمر تبلغ عشرين ألفا وهى قبيلة شمر وما يزال بعض منها يسكن تحت الخيم.

ولما كان المقال الذى كتبه السيد فضل باشا عن الجزيرة العربية يحتوى على بعض المعلومات النافعة فرأينا أن ندرجه هنا بأمر الباشا المشار إليه.

مقال فضل باشا فى وصف جزيرة العرب :

مدن مكة المكرمة وصنعاء ودمشق والقاهرة عروش البلاد العربية. وبدخول هذه المدن تحت إدارة الدولة العلية دخلت تحت عداد الممالك العثمانية. ولما كانت الجزيرة العربية خالية من السلاطين والملوك فمشايخ العرب يدعون فى المنابر للسلطنة العثمانية السنية. وتعرف ذلك الدول الأخرى أيضا.

وعين هؤلاء المشايخ بأمر السلطان أو أوامر الولاة العظام. وهذه الأوامر محفوظة فى قلم الديوان العالى السلطانى ومن المعلوم لدى الواقفين على الأمور أن ما يحدث بين القبائل العربية من الحروب ومن الثورات والعلاقات مع الدول الأجنبية لا يخرجها من تحت تبعية الدولة العثمانية. ووسيلة معيشة أكثر العرب الذين يعيشون على السواحل هى التجارة بحرا ، وسيد السمك واللؤلؤ والمرجان والتجارة البحرية وسيلة معيشة ما يقرب من أربعين ألف سفينة ، وحمولة أكبرها عشرة آلاف كيلو وأصغرها تستوعب ألف كيلو. والسفن الخاصة بغواصى اللؤلؤ والصدف والمرجان وصيادى السمك خارج هذا الحساب ، وأعلام أكثر تلك السفن حمراء وسبب ذلك عدم معرفتهم صفة علم الدولة العلية ، وطواقم تلك السفن من الربان ، والدليل ، والملاحين والغواصين والآخرين كلهم من العرب. ورجال السفن التى تبحر فى البحر بين السويس والبصرة يتجاوز عددهم خمسين ألف شخص. وتقطع هذه المسافة فى ظرف خمسة عشر يوما.

٢٥٠

ومن المؤكد أن إخضاع الممالك التى تحت إدارة الشيوخ للنظام وحسن إدارة مثل هذه البلاد تحت الحكومة السنية سيحقق فوائد معنوية ومادية كثيرة. وإذا تعرضت جزيرة العرب لأى تدخل أجنبى فمن الواجب حمايتها من قبل الدولة السنية. لأن اختيار السكوت يبطل حق التصرف. وسواحل البحر الأحمر وجزره تابعة للدولة العلية والسواحل المذكورة شرقا وغربا قسمان :

القسم الأول :

والجهة الشرقية لجزيرة العرب تمتد من السويس إلى باب المندب ومن باب المندب إلى نقطة قصير. ومن جهة أفريقيا الغربية كذلك من السويس إلى باب المندب ومن باب المندب إلى رأس عسير.

وموانى الجزيرة الشرقية هى : السويس ، الوجه ، ينبع البحر ، جدة ، الليث ، قنفذة ، اللحية ، حديدة ، المخا وموانيها الغربية السويس ، قصير ، سواكن ، مصوع ، عصاب.

القسم الثانى :

والموانى الموجودة من خارج باب المندب فى الجهة الشرقية من سواحل البحر الأحمر هى : عدن وباب المندب ، وفى الجهة الشرقية من سواحل البحر الأحمر هى : عدن ، حسن غراب ، بروم ، مكلا ، شحر ورأس قصير وفى الجهة الغربية من البحر الأحمر هى : زيلع ، بربرة ، والموانى الأخرى إلى رأس عسير. وسواحل البحر الأحمر فى إفريقيا الغربية تحت إدارة الخديوية المصرية وكل سكانها مسلمون. وأجناسهم من السودانيين والدناقل والصوماليين. وفى الموانى سفن لا بأس بها. وما فى الداخل برا أجناس مختلفة من الناس وأديانهم متعددة. ولكن بلاد الصومال مرتبطة بالدولة وتحت إدارة الخديوية المصرية وعدد سكانها أربعة ملايين ولها موانى فى المحيط الهندى وكلهم مسلمون وفيهم أمراء. وفى الصومال خيول كثيرة ويباع الحصان واحد بليرة والمسافة من باب المندب إلى عدن برا أربعة أيام. ومن عدن إلى شحر أربعة عشر يوما.

٢٥١

وفى السواحل موانى عديدة ، وهى تحت إدارة بعض مشايخ العرب. والمدينة الواحدة التى تحت الإدارة الانجليزية هى عدن.

والمسافة من شحر إلى قصير ثلاثة أيام والجهة الساحلية تحت إدارة شيخ يسمى (قعيطى) ، ومن البر إلى الداخل ، ومن بلاد حضرموت تحت إدارة الشيخ منصور الكثيرى ، ومن قصير إلى محل يسمى دمقوط مسافة عشرة أيام وفى الساحل العديد من الموانى وهى تحت إدارة بعض مشايخ العرب. ومن دمقوط إلى محل يسمى (حاسك) مسافة خمسة عشر يوما ويقال لها ظفار ، وهى تحت إدارة الأمير السيد فضل علوى باشا. والمسافة من حاسك إلى مسقط تقدر بخمسة وعشرين يوما وفى الساحل عدة موانئ تحت إدارة بعض مشايخ العرب.

ومنطقة مسقط تحت إدارة أميرها ومساحتها المربعة مسافة خمسة أيام. ومن اليابسة إلى الداخل يتبع أمير نجد ، والسواحل إلى الحسا فى يد بعض مشايخ العرب ومن الحسا إلى البصرة فى يد الدولة العلية مباشرة. والساحل الغربى لخليج البصرة من الجزيرة العربية فى يد الدولة العلية والساحل الشرقى يعرف ببر فارس وهو بين الدولتين. وإن كان هذا الخليج مشتركا بين الدولتين ومن هنا يلزم أن تكون الجزر القريبة من الساحل الغربى للدولة العلية والقريبة من الساحل الشرقى لدولة الإيران إلا أن الخليج يتبع الدولة العلية دون اشتراك أحد ومن هنا يجب أن تتبع جميع الجزر الدولة العلية.

إخطار ـ إذا ما تأملنا بعض الخرائط الأوربية ففى الألوان والإشارات التى تبين شكل مربوطية بعض الملحقات ارتكبت أخطاء فاحشة. انتهى المقال.

٢٥٢

عادات العرب وأيامهم

العادات والمذاهب القديمة لسكان جزيرة العرب :

أولا : العادات القديمة :

لم يكن فى عهد عمرو بن لحى ـ الذى أدخل إلى الجزيرة العربية عبادة الأصنام ـ للعقائد الباطلة والعادات الفاسدة حد ولا نهاية فى الجزيرة العربية.

إطلاق الحيوانات فى المراعى وتركها حرة عد ذلك ثوابا ، وعد استخدام الحيوانات التى أطلق سراحها حراما ، إسقاط ميراث العبد المعتق ، وإطلاق الناقة التى تلد ذكرا فى خامس مرة بعد قطع أذنيها فى الصحراء ، وعدم استخدام النياق التى أطلقت مرة أخرى ، وعدم أكل لحم ولبن وزبادى وزبدة مثل هذه الحيوانات ، كل هذه العادات والبدع مما اخترعه عمرو بن لحى بالذات (١).

وكان الذين قبلوا رياسة هذا الرجل والذين أتوا من بعده من الجاهليين يطلقون سراح الناقة التى ولدت فى خامس مرة ذكرا شاقين أذن الناقة كعلامة مميزة ، ويتركونها فى المراعى ويسمونها (بحيرة) (٢) ولا يركبونها ولا يشربون لبنها بعد الحلب.

وإذا ما مرض شخص ، أو غاب ، كانوا ينذرون بتحرير ناقة قائلين «إذا شفى مريض وأبل من مرضه فلتكن ناقتى هذه حرة».

وإذا ما تحققت رغبتهم يسمون الناقة التى نذروا إطلاقها سائبة (٣) فيشقون أذنها

__________________

(١) من أراد الاستزادة فليرجع إلى تفسير الآية ١٠٣ من سورة المائدة. من كتب التفسير.

(٢) من أولاد الناقة. السائبة فى الأنثى التى تلد فى المرة الخامسة ذكرا يسمونها «بحيرة».

(٣) سائبة اسم الناقة التى ولدت عشر مرات إناثا.

٢٥٣

مثل (بحيرة) ويتركونها فى المراعى. بحيث لا يجوز بعد ذلك لأى شخص أن ينتفع بهذه الناقة.

وإذا ولدت نعجة فى البطن السابع ذكرا فيذبحون هذا الحمل تقربا لأصنامهم التى يعبدونها ثم يأكلون لحمه أما إذا كانت أنثى يتركونها لحالها.

وإذا كانت هذه النعجة ولدت توأما ذكرا وأنثى ، يسمون الذكر وصيلة (١) فيهدونه لأخته الأنثى ولا يذبحونه. وكانوا يضربون مثلا لهذه الحالة فيقولون : «وصلت الأنثى أخاها».

وإذا ما ولدت ناقة ما عشرة صغار يفقئون إحدى عينيها ويمنعون ركوبها ويسمونها حام (٢) وكى يبينوا أنها قد اكتسبت صلاحية الرعى من أى حقل وأن تشرب من الماء الذى ترغب فيه ، فينزعون لجامها ويتركونها ويعتقدون أن استخدامها فى الحمل أو الركوب حرام.

وكل هذه العادات الباطلة من اختراع عمرو بن لحى الذى بذل جهوده وعمل على ارتداد السبع قبائل الكبيرة عن دين واجب التبجيل سيدنا إبراهيم الخليل ـ عليه صلوات الجليل ـ وعلى اعتناق عبادة الأوثان الدين الجاهلى الباطل.

وقدر الله ـ سبحانه وتعالى ـ صيحة هذه البدع التى أراد بها عمرو بن لحى أن يحمل القبائل العربية إلى عبادة الأوثان إذ قال الله تعالى :

(ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [المائدة / ١٠٣].

وكان فى زمن جاهلية العرب من العادات مثل «وأد البنات ، الوسم ، التعمية ، التفقية ، مداواة العسر ، ضرب الثور على النقر ، بكاء المقتولين ، رمى السن ، خضاب النحر ، نصب الراية ، جز النواصى ، الالتفات ، النهق ، الاعتقاد ، السلوان ويروى أن هذه العادات أيضا من اختراعات عمرو بن لحى.

__________________

(١) يقال لحمل الذكر للنعجة التى ولدت فى المرة السابعة حملين أحدهما ذكر والآخر أنثى «وصيلة».

(٢) الناقة التى فقئت إحدى عينيها حتى لا تركب.

٢٥٤

وأد البنات :

عادة دفن المولودة الحديثة حية. إذا ما ولدت امرأة أى رجل بنتا فى الوقت الجاهلى كان الرجل يأخذ هذه الطفلة من شدة خجله ويدفنها حية ، ويغضب من الذين يخبرونه بولادة بنت له. ويغتاظ منهم.

وكان أهل مكة قد تعودوا على أن يدفنوا بناتهم فى جبل يقال له «أبو دلامة» فأقام جد الشاعر الشهير الفرزدق وهو «صعصعة» فوق هذا الجبل وحرص على أن يشترى البنات البريئات اللاتى يأتى بهن أهل مكة لدفنهن فى الجبل بأثمان باهظة.

الوسم :

عادة ربط جمل الشخص الذى يموت بجانب قبره ، فبناء على العقيدة الجاهلية كانوا يربطون جمل الذى توفى بجانب قبره معتقدين أنه سيركبه حينما يقوم من قبره ، وكان الحيوان المسكين يظل بجانب قبره إلى أن ينفق.

وكانت هذه العادة محصورة فى أغنياء القبائل. وكل من بلغ عدد جماله ألفا كان يختار من بينها جملا ويفقأ عينه وإذا ما بلغ عدد جماله ألفين يفقأ عينيه الاثنين. ويعميه وكانوا يعتقدون أن مثل هذا التصرف ينجى بقية الجمال من إصابة العين.

التعممية والتفقية : من فقأ عين الجمل احترازا من الحسد.

مداواة العسر : عادة وسم جمل سليم.

وكان فى العصور الجاهلية مرض يشبه ممرض الجرب. عندما يظهر هذا المرض كانوا يسمون الجمال ويعتقدون بأن هذا الوسم ينقذ الجمال من الإصابة بالمرض المذكور ويسمّون هذا مداواة العسر.

ضرب الثور على النفر : عادة ضرب الثور النافر.

وكان أهل الجاهلية يعتقدون أن طائفة الجن تركب الثيران وتمنعها من شرب الماء ، لذلك كانوا يضربون الثيران النافرة عند شرب الماء.

٢٥٥

بكاء المقتولين : عادة البكاء لمن يقتلون.

كان من العادات الجاهلية امتناع زوجات المقتولين عن البكاء قبل أن يؤخذ بثأر أزواجهم. ويبكين وقتما يؤخذ ثأر أزواجهن.

رمى السن : وهى عادة جاهلية.

وكان الأطفال فى الجاهلية فى أوان تبديل أسنانهم يمسكون بالسن المخلوعة بين أصابع إبهامهم وسبابتهم ويرمونها نحو شعاع الشمس قائلين» : «بدلها بأجمل منها» وكانوا يعتقدون أنها إذا رميت كذلك فسوف تخرج السن مستوية وأن الأطفال لن يعانوا من وجع الأسنان طوال عمرهم.

خضاب النحر : عادة تلطيخ النحر بالدماء.

وإذا سبق أحد الخيول ، الخيول الأخرى فى أثناء الصيد ووصل إلى الفريسة قبلها كان تلطيخ نحر ذلك الخيل بدماء الفريسة التى قبض عليها من جملة آداب عرب الجاهلية.

نصب الراية : عادة رفع الأعلام أمام المنازل :

كان أهل الجاهلية ينصبون أمام أبواب منازلهم راية حتى تعرف.

جز النواصى : عادة تخطيط الجباه.

عندما كانت القبائل العربية تحارب بعضها البعض وتؤخذ أسرى فإذا أرادوا أن يحسنوا للأسير كانوا يخطون خطا على ناصيته ويخلون سبيله.

الالتفات : عادة ألا ينظر من يخرج للسفر خلفه وقت السفر.

كان العرب يزعمون فى الجاهلية أن أى واحد يخرج للسفر ويلتفت خلفه لن يعود من ذلك السفر.

النهق : عادة النهق مثل الحمير.

كان يعتقد عرب الجاهلية أنهم إذا ما نهقوا مثل الحمير عند مدخل قرية

٢٥٦

مصابة بالمرض لن تصيبهم العلة ، لذلك عندما يدخلون مثل هذه القرى يدخلون ناهقين.

السلوان : اسم نوع من الخرز.

فالمتبلون بمرض العشق إذا ما نثروا فوق الماء الخرز المسمى بسلوان وشربوا من هذا الماء يستطيعون أن يتحملوا المرض مهما كان شديدا.

إن سوء أحوال أهل الجاهلية ليدل على بطلان عقائدهم ، وهناك حكايات غريبة وعجيبة ولكن حجم هذا الكتاب لا يكفى لاستيعابها ؛ لذا اكتفينا بهذا القدر.

المذهب القديم :

كان جميع سكان الجزيرة العربية قاطبة قد اتبعوا دين وملة خليل الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ ولكن لشدة الأسف أصبحوا مع مرور الزمن أميين لا يعرفون القراءة والكتابة ، ولم يبق كتاب يصدق أركان ذلك الدين الحنيف وشرائطه. ولم يبق بينهم من يلجئون إليه عندما يختلفون فى مسألة ما لحل مشكلاتهم من أرباب الشريعة والاجتهاد ، فاشتدت جهالتهم بالتدريج فانتهوا إلى الشرك والزندقة ، واستولت عبادة الأصنام بناء على رأى عمرو بن لحى وتصويبه على مدينة مكة المعظمة قبل الهجرة النبوية بخمسمائة عام ، أو على قول بثلاثمائة وخمس عشرة سنة ، وأخذوا ينكبون على عبادة الأصنام التى صنعوها بأيديهم.

وقد ظهر بينهم بعض السحر والكهنة وأخذوا يخبرونهم عن الغيبيات رجما بالغيب ولما صادف أنه تحقق بعض ما أخبروه فانخدعوا بهم ، وأخذوا يستعينون فى حل مسائل دينهم ومشكلات حياتهم بهاتين الطائفتين المضلتين وأخذوا يتلقون قبولا حسنا كل ما يقولون بل تسابقوا فى مضمار الضلال.

وأراد قصى بن كلاب بن مرة ـ وهو أحد أجداد النبى صلى الله عليه وسلم ـ قبل الهجرة النبوية بمائتى سنة أن يعيد أهل مكة إلى دين خليل الله ، وقد انتزع رياسة مكة المكرمة واستولى عليها ، إلا أنه لم يوفق فى ذلك ؛ لأن العقائد الباطلة التى

٢٥٧

انتشرت فى عهد عمرو بن لحى ، كانت قد سرت فى عروق أهل مكة كما تجرى الدماء الفاسدة وتمكنت من أعصابهم.

وكان أهل الجاهلية الذين عاشوا فى عهد قصى بن كلاب فى حالة بداوة كالقبائل العربانية ، وكان أكثرهم يعتنقون عبادة الأصنام والأوثان ، وكان لكل قبيلة صنمها الخاص بها إلا أنهم من حيث العقيدة منقسمين إلى عدة فرق.

١ ـ الفرقة الأولى ـ كانت تنكر الخالق والبعث وتحاول أن تثبت أن الطبيعة تحيى والدهر يفنى.

٢ ـ الفرقة الثانية ـ كانت تعترف بالخالق وابتداء الخلق ولكنها تنكر البعث.

٣ ـ الفرقة الثالثة ـ كانت تعترف بالخالق وابتداء الخلق ونوعا من البعث ثم أنكروا ذلك وعبدوا الأوثان ظانين أنها ستكون شفعاء لهم لدى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وكانوا يحجون بالطواف حول الأصنام ويتقربون لها بذبح الذبائح كما أنهم يحرمون ويتحللون من الإحرام.

وكان بينهم من يعبد النجوم والكواكب مثل الآشوريين ، ومن يعبدون الحيوانات مثل المصريين ومن يعبد الملائكة والجن ، وكان منهم من انحرف لمذهب من يعتقد فى تناسخ الأرواح.

وكان الذين يعتقدون فى تناسخ الأرواح يظنون أن أجزاء أجسام الذين يتوفون تتحد وأنه يتكون من الأجزاء التى تجمعت فى كل مائة سنة طائر ، والطائر الذى يتكون من كل جنازة سيأتى إلى رأس القبر الذى تدفن فيه تلك الجنازة وكان بينهم من اعتنقوا اليهودية والنصرانية.

إلا أنهم كانوا يجتنبون الزواج بأخواتهم وأمهاتهم واستفراشهن والجمع بين أختين فى الزواج.

وكانوا يستنكرون ويستقبحون من يتزوج من زوجات آبائهم ، ويعيبون عليهم ارتكاب مثل هذه الأعمال الآثمة.

وكانوا يعدون المضمضة والاستنشاق والاستنجاء واستعمال المسواك وقص

٢٥٨

الأظافر واستخدام الموسى من عاداتهم القديمة ، وكانوا يعنون بإجراء هذه الأمور أعظم عناية.

كما كان مما يرغبون فيه من عاداتهم ، الاغتسال من الجنابة ، الصوم ، الحج وزيارة بيت الله ، ولبس الإحرام والذهاب للعمرة ، وطواف كعبة الله والسعى بين الصفا والمروة ، والوقوف على المواقف ورمى الجمار ، وقطع يد السارق ، والختان ، وشنق قطاع الطرق ، وترك الجدال والحرب فى الأشهر الحرم ، وترك الجدال والحرب فى الأشهر الحرم ، وغسل الجنازات وتكفينها والصلاة عليها ، والوفاء بالعهد ، وقد رفضت الشريعة الغراء الإسلامية من هذه العادات مالا يتفق مع مبادئ الإسلام.

صلاة الجنازة :

صلاة جنازة العهد الجاهلى كانت صلاة غريبة. كانت الجنازة توضع على المصلى ، ويتقدم وليها فيذكر محاسن الميت واحدة تلو الأخرى وما الحسنات التى قدمها الميت للآخرين يذكر ذلك بالتفصيل ويعدده ثم يسكت بعد ما يقول «عليك رحمة الله» هذه هى ما يطلق عليه أهل الجاهلية صلاة الجنازة.

وظلت هذه الضلالة إلى أن أشرقت الأنوار المحمدية وسطعت فوق الآفاق وانتشرت إلى أقطار العالم الأربعة فزال ظلام الكفر والجهالة من الجزيرة العربية واعترف الكل بوحدانية الله تعالى ، وانتشرت أضواء شموس سموات الحقيقة الإسلامية فى جميع أنحاء العالم. وظلت الأرض والزمان فى داخل نور الوحدانية الإسلامية.

إخطار :

وحينما عممت القوانين والنظم المبسوطة على القبائل البدوية وطبقت أحكامها فى ذلك الوقت انقسمت القبائل العربية إلى القبائل الأخرى الصغيرة وعند اللزوم كان شيخ القبيلة الكبيرة يجمع بعض المسنين ليستشيرهم فى الأمور التى تحتاج للحل.

٢٥٩

وقد جال بعض الراغبين فى الاطلاع على أحكام القوانين والنظم التى وضعها مشايخ العرب المحترمين قبل هذه السبعة أو الثمانية قرون ، فى أكثر أجزاء الجزيرة العربية وابتدروا فى نشر ما كتبوه من الرسائل وكتب السياحة ، ولكن فهم مما كتبوه أنهم لم يستطيعوا أن يطلعوا على القوانين العربية كما يجب ومن هنا وصلت معرفة أصول القوانين العربية تلك لدرجة الوجوب للذين يريدون أن يسيروا فى الجزيرة العربية سواء أكان بحكم وظائفهم أم لمحض المشاهدة والسياحة ، لأجل ذلك كتب كاتب الدائرة الحكومية للمدينة المنورة على موسى أفندى رسالة باللغة العربية بتشويق من تشجيع الدكتور «رائف» أفندى من موظفى إدارة صحة الولاية الحجازية والذى أقام عدة سنوات فى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وقد وصلتنى نسخة من تلك الرسالة بواسطة رائف أفندى المشار إليه ومن هنا رأيت إدراج بعض الفقرات منها فى هذا الفصل.

ولما كان على موسى أفندى منذ سنين كثيرة يتولى رياسة سكرتارية القسم العربى للدائرة الحكومية فى المدينة المنورة كما استخدم فى قسم الترجمة للعربان أصبح مطّلعا على العادات الجارية والأطوار والقوانين بين العربان وما أدرجه فى رسالته من المواد هى نفس القوانين والأنظمة التى بين العربان وقد صدق على ذلك من يعرفون القوانين العريانية وأهالى الحرمين الشريفين موقعين على ذلك.

٢٦٠