موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

اللحية :

واللحية مدينة شهيرة على بعد مائة وثلاثين ميلا فى الجنوب الشرقى من قنفذة وعلى شاطئ البحر الأحمر ، وهى مدينة رائجة بالتجارة وميناء مزدحم ، وإن كانت تشمل أربعة آلاف منزل ولكن أكثرها من نوع العشش المبنية بسعف النخيل ، ويقدر سكانها ما بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف.

أبو عريش :

تقع مدينة (أبو عريش) على بعد تسعة وثمانين كيلو مترا من اللحية على الجانب الشمالى منها ، وبالقرب من البحر الأحمر ويبلغ سكانها خمسة آلاف نسمة تقريبا.

الحديدة :

تقع مدينة الحديدة على بعد خمسين ميلا تقريبا وفى الطرف الجنوبى الشرقى من (اللحية) ومحصورة بسور فى غاية العمار ولها قلعة مستحكمة.

ولما كانت البلدة المذكورة أكثر مدن اليمن الساحلية رواجا بالتجارة وازدحاما بالسكان وانتعاشا ، وميناء الشط فقد اتخذت مقرا لمتصرف اليمن.

وتمر بهذا الميناء البواخر والسفن الشراعية الآتية من الهند وزنجبار وخليج البصرة إلى جدة للتزود بالمياه والمؤن وإنزال المسافرين فى أكثر الوقت وخاصة فى مواسم الحج ، وغير ذلك تحمل المحاصيل المحلية الكثيرة إلى السفن من هذا الميناء ولتجارها علاقات وروابط بأهالى جدة ومصر وحضرموت.

وتخلو بلدة الحديدة من المياه الجارية ، لذا يدبر الأهالى أمورهم بمياه ست آبار على بعد نصف ساعة منها.

وإن كانت مياه هذه الآبار مالحة قليلا مثل ماء البحر ، إلا أنها لا تضر الجسم بل تساعد على هضم الطعام.

٢٢١

المخآ :

تقع مدينة المخا على بعد تسعين ميلا من الحديدة وعلى شاطئ البحر الأحمر ، وقريبة من مضيق باب المندب والمسافة بينها وبين زبيد ثلاث مراحل.

وكانت هذه المدينة مشهورة قديما وكانت غاية فى العمار فى الأزمنة السابقة وكانت مدينة تجارية رائجة. وقد بلغ عدد سكانها قبل خمس وعشرين سنة إلى عشرين ألفا ، إلا أنهم لم يتحملوا فيما بعد هجمات عربان عسير وغاراتهم وتعدياتهم المتوالية فتشتتوا هنا وهناك.

ولم يبق الآن داخل المدينة غير خمسمائة شخص وبناء على ذلك تحولت تلك المدينة الكبيرة إلى خرائب وأطلال. إلا أنه فى ظل السلطان أمكن القضاء على الأشقياء المذكورين ، وأزيلت تعدياتهم وغاراتهم من هناك كليا. ومن المأمول أن يعود للمدينة عمارها القديم وسكانها.

عدن :

تقع مدينة عدن فى نهاية جزيرة العرب جنوبا وبالقرب من مضيق باب المندب من خليج عدن ، وعلى بعد مائتين وخمسة وعشرين كيلو متر من مدينة المخا.

وكانت دولة إنجلترا قد اشترت هذا المكان فى سنة ألف وثمانمائة وتسع وثلاثين ميلادية من أحد مشايخ العربان ، وأنشأت هناك قلعة على أنها مخزن. وكان أهالى عدن فى ذلك الوقت ألفى نسمة ، ولكنهم ازدادوا قليلا فقليلا بالتدريج حتى بلغوا وتجاوزوا عشرين ألفا. وبما أن مضيق باب المندب يقع بين المخا وعدن ، تعد مدينة عدن بمثابة مفتاح البحر الأحمر. والمسافة بين مدينة عدن وصنعاء ثلاث مراحل ، وقد استوطن عربان (لحج) بين هاتين المدينتين.

وادى كنونة :

يقع وادى كنونة بالقرب من قنفذة عندما تقطع قطعة اليمن من طرفها الشمالى إلى جهتها الجنوبية رأسا.

٢٢٢

وتسكن قبائل بأيعر ، وبنى زيد ، وبنى حرب ، وبنى عبس ، وبنى سهيم ، فى داخل وادى (كنونة). ويصل عدد أفراد هذه القبائل مجتمعة خمسة آلاف أو ستة آلاف نسمة.

وهناك وادى ويبة وهو ملاصق للوادى المذكور ، وتسكن فيه قبيلتان معروفتان باسم بنى بجير ، وبنى الروحة وعددهما ثلاثمائة نسمة.

وفى نهاية وادى (ويبة) محل يسمى حلى تسكن فيه قبائل بالمنتشر ، وبالعريان ، وعوامر ، وبالكنانى ويصل عددها إلى أربعة آلاف نسمة تقريبا.

وتسكن بجوار أبى العريش قبيلة مسارحة وجيزان بالقرب من نجران قبيلتا بنى سبيل وبنى شبيل. ويبلغ عدد كلها ستمائة نسمة.

وقد سكنت قبيلتا بنى مروان وحرض بين جيزان واللحية ولما كانتا عريتين عن الأخلاق والفضيلة ، فضلتا التعيش عن طريق اللصوصية وقطع الطرق ، ويكاد أن يبلغ عددهم ألف وخمسمائة فقط وتسكن القبائل : بنى قصير ، وبنى جامع ، بنى شيبة ، بنى شايع بجانب اللحية ويبلغ عددهم ألف نسمة تقريبا.

ويبلغ عدد مجموع أفراد قبائل بنى زين ، وبنى راجح ، والفرانتة ، وبنى طاهر ، وبنى هيجان التى تسكن فى الوادى المشهور بالواعظات فى الجهة الشرقية من اللحية سبعة آلاف نسمة.

وتسكن قبيلتا بنى حسن ، وبنى عبس وقبيلة أسلم فى القرى التى أمام وادى الواعظات ، ويشتهر سكان كل قرية باسم القبيلة التى ينتسبون لها ويذكر العارفون أن عددهم يبلغ خمسمائة نسمة.

وفى الأماكن التى تمتد فى محاذاة اللحية إلى مضيق سندس جالية من القبائل البدوية الرحل ، ولما كان سكان هذه المنطقة يسكنون فى القرى والمدن فإنهم يشتغلون بالزراعة والتجارة.

ولما كانت الحرارة شديدة فى تهامة لا تنبت بها شجرة البن ، وينحصر نمو أشجار البن فى اليمن فى الأماكن الجبلية ووديانها.

٢٢٣

نفس اليمن وصنعاء :

تقع نفس اليمن فوق الأراضى المرتفعة والجبال العالية. وتشمل قرى متعددة عامرة وأماكن قابلة للزراعة.

وأكثر جبالها ليست جرداء كالجبال الأخرى ، بل هى تتكون من الوديان الصالحة لنمو الأشجار وقابلة للزراعة ، ويدخل فى حكم هذا الإقليم جبل عسير أيضا.

وأجل بلاد اليمن وأشهرها مدينة صنعاء التى تقع على بعد تسع وخمسين ساعة فى جهة اليابسة. تقع تلك المدينة فى الشمال الشرقى من بلدة مخا وعلى بعد مائتين وخمسة وأربعين كيلو متر منها ، وفى درجة واحدة وتسع وثلاثين دقيقة من خط الطول الشرقى ، وخمس عشر درجة وعشرين دقيقة من خط العرض الشمالى ، وكانت قديما فى غاية من العمران ، وإن كانت تخربت فيما بعد ، ولكن لما أعيد لها أمنها بعون السلطان أخذت تزدهر عمرانيا مرة أخرى. وهى مدينة لطيفة وتتزين أطرافها بالحدائق والبساتين.

ويبلغ عدد سكانها ثلاث وعشرين ألف نسمة وأربعمائة ، تسعة عشر ألف وسبعمائة منهم مسلمون ، والبقية يهود.

وهى كثيرة المياه والثمار وتشبه دمشق الشام من هذه الناحية ، بقربها قصر غمدان من آثارها العتيقة المشهورة.

والمدينة على سفح جبل ويحيط بها سور ذو أربعة أبواب ، وفى داخل السور أربعة وعشرون جامعا كبيرا وما يقرب من عشرين مسجدا وكثير من القصور وأربعة حمامات وخانات.

وفى الأراضى الساحلية لليمن والتى يطلق عليها تهامة يمكن زراعتها أربع مرات فى السنة ، إلا أن شدة الحرارة لا تسمح بنمو النباتات مثل القمح والشعير.

٢٢٤

وتزرع فيها حبوب مثل الذرة والدخن كما تزرع فى جبالها الحنطة والشعير والسمسم مرتين فى السنة ، وتنبت هنا جميع الفواكه والخضر التى تنبت فى البلاد الأخرى ، ولكن محصولها الذى يجلب نفعا كبيرا هو البن.

وكانت شجرة البن قديما خاصة باليمن ، ولكنها نقلت فيما بعد إلى البلاد الأخرى حيث أنبتت فيها.

وقد جربها أول مرة أهل اليمن وعرفوا بعد التجربة خاصيتها النافعة ، وأخذوا يستعملونها ويشربونها فتبعهم بعد ذلك أهالى البلاد الأخرى.

والقهوة اليوم وسيلة رئيسية لإكرام الضيوف وتحيتهم وقد صدق الأطباء بعد التجربة على خاصية القهوة فى التنبيه والتنشيط وأثرها اللطيف على الأعصاب. وأجود أنواع البن التى تنبت فى بلاد اليمن.

المانجو :

فاكهة المانجو خاصة بالهند وهى تشبه الخوخ. وتنبت فى مدينة صنعاء أيضا ، ولهذه الفاكهة رائحة فى غاية الجمال وطعمها فى غاية اللذة ، ورائحتها الطيبة يمكن أن تعطر غرفة. وعندما تكون نيئة تصنع منها سلاطة ومخلل. وعندما تنضج تطرى مثل الليمون الحلو ، ولما كانت قشرتها غير قابلة للتقشير تتقب ويمتص عصيرها. إنها فاكهة حلوة لذيذة.

والعربان الذين يكونون قبائل رفاعة ، العبيدات ، الهجاهجة ، بنى كبير ، أو كلوب ، والعبادلة ، والبيشة يسكنون فى الأراضى الواقعة فى الجنوب الشرقى من الطائف ويبلغ عددهم عشرين ألفا.

وبما أن قبيلة البيشة فى حدود متصلة بأهل عسير فقد حدثت بينهما حروب شديدة لمدة طويلة ، وفى نهاية الأمر تغلب أهل عسير على قبيلة بيشة.

وإن قيل إن قبيلة بنى سعد تقيم فى الجهة الجنوبية من الطائف ، أى بين الطائف وعسير إلا أن قبائل : بنى ميمون ، بنى مالك ، ناصره ، زهران ، غامد ،

٢٢٥

شمران ، بالقرن ، بنى الأسمر ، بنى الأحمر وشهران تسكن أيضا داخل الأراضى المذكورة. وتتشعب من هذه القبائل قبائل أخرى بأسماء مختلفة. ويصل عدد مجموعها إلى مائة وستين ألفا.

ولما كان أكثرهم متحضرين ويسكنون فى الأراضى المنبسطة على سفوح سلسلة الجبال ، أى يسكنون فى أراضى تهامة اليمن فإنهم يزرعون الذرة ، والدخن والسمسم والقطن ، كما يزرعون فوق الجبال الشعير والقمح والذرة والدخن وكلهم يتعايشون بالزراعة والفلاحة.

ومقر سكن قبيلة زهران من القبائل المذكورة جبل زهران وتهامة لما كانوا كلهم من أصحاب الزراعة والطاعة فإنهم يسكنون فى ثلاثمائة قرية خاصة بهم.

والعربان الذين يسكنون فى غرب جبل زهران وفى الأراضى المستوية المسماة بتهامة يزرعون الذرة والدخن والذين استقر بهم المقام فوق الجبل المذكور يزرعون الذرة والدخن كما يزرعون القمح والشعير ويحصدونهما ويزرعون من حين لآخر اللوز.

وفى الطرف الجنوبى من جبل زهران جبل آخر يسمى غامد ، ويسمى عربان هذا الجبل غامد وهؤلاء أيضا لهم ما يقرب من ثلاثمائة قرية خاصة بهم.

وفى خمسات القبائل المذكورة قبيلة بنى عمر ، وفى أماكن إقامتهم تنمو شجرة البن غير الحبوب المذكورة.

ويطلق على العرب الذين يسكنون جبل غامد وسهوله بلدى وعلى هذه الأراضى الحجاز ، وعلى سكنتها الحجازى ويطلق على قبائل بنى كبير ، وهجاهجة ، وعويضاضى ، وزهران ، ورفاعة التى تسكن فى الجهة الشرقية من جبل غامد «البدو» لأنهم مازالوا فى حالة البداوة.

وإن كانت الجبال التى يطلق عليها ميمون وشمران وبالقرن بين جبل غامد وجبل عسير إلا أنها فى داخل الخطة اليمانية وستذكر فى مواضعها.

٢٢٦

عربان عسير :

وأهل عسير الأصليون من أفراد قبائل بنى علقم ، رفيرة ، وبنى ربيعة ، ومقيد ، التى تسكن بين الطرف الشمالى والطرف الجنوبى لعسير يكاد أن يبلغ عدد نفوسهم إلى عشرة آلاف.

وعندما اعتنق أمير عسير السابق محمد بن عائض سياسة السيف والقوة فأخضع أغلب القبائل العربية التى بجوار جبل عسير بالقوة وكون جماعة كبيرة ، لذا أراد أن يثور ضد الدولة العلية إلا أن قوة السلطان القاهرة داسته بالأقدام وأتباعه ، واستكمل سعادة رعاياه المتعطشين للعدل والرحمة.

قحطان :

تسكن فى الطرف الشمالى لجبل عسير والأراضى التى تمتد إلى جنوب ذلك الجبل قبائل رقيف اليمنى ، عبيدة ، شريف ، سحان وداعة التى تسمى قحطان.

وتنمو أشجار البن ابتداء من الجبل الذى تسكنه قبيلة وداعة إلى محاذاة باب المندب والجبال الممتدة بينهما وما بين تلك الجبال ، ويعيش الذين فضلوا الإقامة فى هذه الأماكن فى القرى والمدن وتذكر جماعة كل قبيلة باسم المحل الذى تسكن فيه.

وفى الجهة الشرقية من جبل عسير واد يسمى نجران ، وتسكن فى هذا الوادى شعبة من قبيلة يام التى يبلغ عدد أفرادها ثلاثين ألفا.

ويمتد وادى نجران ما يقرب من ثلاثة أيام وفى هذا الوادى ماءان جاريان كبيران كما أن فيه أشجار النخيل بوفرة. وتقيم شعبة من قبيلة (يام) فى جبل حراز.

كما أن قبيلتيهما المسميتان ذوى محمد وذى حسين كثيرتى العدد ، وتستوطنان جبل برط فى الطرف الشرقى لوادى نجران. وكانت هاتان القبيلتان من القبائل العربية المتسلطة فى الأوائل ، وكانتا تغيران على أكثر أنحاء البلاد اليمانية وتنهبان

٢٢٧

أموال السكان وتسلبان أشياءهم ، وتحرصان على فرض الإتاوة على أهالى المدن والقرى. حتى إن الأئمة الزيدية الذين يحكمون صنعاء كانوا عاجزين عن منع إغارتهما وتسلطهما.

وهناك ثلاث قبائل أخر والتى تعرف بأسماء آل مرة ، والكرب ، والصيعر مأواهم بين جبل برط وإقليم حضرموت. وإن كانت هذه القبائل ذوات أفراد كثيرة مثل قبيلتى ذوى محمد ذوى حسين ، فكلهم يعيشون تحت الخيام وفى حالة الترحل دائما.

وتطلق على البلاد التى تقع فى الجهة الجنوبية من جبل برط بلاد حاشد ، وتعيش فى هذه البلاد قبيلتا نهم ، وأرحب ويصل مجموع عددهما إلى ألفين وخمسمائة نسمة ، تعيش فى بلاد عمران أى بين حدود بلاد حاشد وهمدان قبائل يبلغ عددها خمسمائة أو ستمائة نسمة وكلها تشتغل بالزراعة والفلاحة. وتسكن قبيلة همدان ذات الألف نسمة بين أراضى بلاد عمران وبلدة صنعاء.

قبيلة بنى مطر :

يسكن أفراد هذه القبيلة بين الأراضى التى بين صنعاء وحجة. ويبلغ عدد سكانهم عشرة آلاف نسمة تخمينا ويعمل جلهم بالفلاحة ويتعيشون بها.

كما أن أفراد قبيلة البروية ، والذين يبلغ عددهم عشرة آلاف ، يشتغلون بزراعة أشجار البن والحنطة والشعير والذرة والفواكه وبيعها ويمضون حياتهم بين الجبال والأودية.

ويبلغ عدد أفراد قبيلة (حضور) الذين يعيشون فى الأراضى الملاصقة لأراضى قبيلة البروية أربعة آلاف نسمة ، وهؤلاء أيضا يعملون فى الزراعة والفلاحة.

تسكن فى الجهة الشرقية من أراضى صنعاء قبائل بنى شداد ، خولان ، بنى جبر ، بنى عبس ، بنى فلاح ، ضبيان ، بنى مجاهد وبنى قيس الأعماس التى يبلغ عددها أربعة آلاف أو خمسة آلاف نسمة تخمينا.

٢٢٨

بلاد حضرموت ومكلا وشحر وتريم.

من الأقسام العظيمة لجزيرة العرب حضرموت. وهذه القطعة تقع ، كما سبق بيانه أعلاه ، فى الجانب الجنوبى من الجزيرة العربية وبين اليمن والقطعة اليمانية ، ومن درجة ثلاث عشرة إلى سبع عشرة درجة لخط العرض الشمالى ، وثلاث وأربعين درجة إلى أربع وخمسين درجة فى الخط الطولى الشرقى ، ويحدها من الجانب الغربى قطعة اليمن ، ومن جانبها الشرقى قطعة عمان ، ومن جانبها الشمالى (الأحقاف) ، وجانبها الجنوبى بحر عمان ، ومن مدنها الساحلية المشهورة مكلا ، وشمر ، وظفار ، ومرباط ، وحاسك.

وظلت قطعة حضرموت فترة فى يد الأئمة الزيدية المقيمين بصنعاء كما ظلت من سنة تسعمائة إلى سنة ألف ومائة فى يد أسرة كثيرى من أعيان حضرموت ، وبعد ذلك استولى النواب الذين عينوا من قبل آل كثير من قبيلة يافع على البلد الذى يحكمه ؛ وذلك لإصابة قوة إدارة آل كثير بالضعف والوهن. وفى فترة ما سافر شخص من آل كثير يسمى الأمير غالب إلى الهند ثم عاد وقد كسب كثيرا من الذهب ، واشترى عددا كثيرا من العبيد ثم هجم مع من استطاع أن يجمع من أفراد قبيلته فى سنة ألف ومائتين وستين على بلده تريم ، غرف ، ومريمة ، وسيوون ، وتريس ، واستولى عليها ومات سنة ألف ومائتين وسبع وثمانين.

وبعد موت الأمير غالب جلس مكان أبيه ابنه منصور ، واستولى هذا أيضا على أماكن كثيرة ، ولكنه لم يستطع أن يستولى على قطعة حضرموت كلها.

فانقسمت قطعة حضرموت إلى الحكومات الآتية :

مكلا :

تقع مدينة مكلا ـ كما ذكر آنفا ـ على شاطئ البحر فى قطعة حضرموت ، وعلى بعد اثنتى عشرة مرحلة بالجانب الشرقى من مدينة عدن برا وهى مدينة كبيرة جميلة. ويقدر سكان مكلا عامة بأربعين ألف نسمة تقريبا.

٢٢٩

ومكلا الآن مع المدن الآتية : بروم ، الديس ، الحض ، وروكب تحت إدارة أمير يسمى النقيب صلاح ، وهو يفتخر برفع الراية العثمانية.

وللمدن المذكورة دخل سنوى من دائرتها الجمركية أربعة أو خمسة آلاف كيس من النقود ما عدا محاصيلها الأخرى.

شحر :

شحر مدينة على الطرف الشرقى وعلى بعد مرحلتين من مكلا ، وعلى ساحل البحر لحضرموت وعدد سكانها يقترب من خمسة آلاف نسمة وهذه البلاد فوق جبل ، وكان يعرب بن قحطان عين أخاه (عامر) واليا على هذا الجبل. ولما كان عامر يحضر جميع الحروب التى تحدث وقته وكان شجاعا قويا شديدا فى القتال فاستخدموا تركيب حضرموت الذى يعنى حيثما وجد عامر فالموت حاضر. فى حق عامر ثم أطلقوا على القطعة حضرموت بتسكين حرف (ض).

وتعد شحر الآن مع ناحيتى شيام ، وقطن الواقعتين فى جهة الجبل تحت حكم أمير يسمى قعيطى ومقر إمارته وإقامته بلدة شحر وللمدينة المذكورة مياه جارية وحدائق النخيل ولها دخل كبير من زراعة التبغ.

تريم :

وتريم فى داخل حضرموت وعلى بعد إحدى عشرة مرحلة من مكلا من جهتها الشمالية ، وعلى بعد خمسة عشر ميلا من (زمار) وهى بلدة خربة.

وهذه البلدة مع مدن غرف ، مريمة ، سيوون وتريس تحت حكم وإدارة شخص يسمى الأمير منصور.

وكانت هذه البلدة فى الأوائل فى غاية العمران واسعة الأنحاء كثيرة السكان ومقرّا للعلماء إلا أن غارات العربان المتسلطين المتكررة أجبرت سكانها على ترك ديارهم ، فآلت إلى الخراب الآن. ولم يبق فيها غير ثلاثة آلاف من سكانها بعد أن كانت مدينة عامرة بثلاثمائة من المساجد والجوامع.

٢٣٠

الوديان :

ينقسم إقليم حضرموت إلى شعب متعددة وبعض الوديان ، وأحد هذه الوديان الرئيسية وادى يبعث الذى يمتد من الجنوب الغربى لقطعة حضرموت إلى الشمال الشرقى منه ، وإلى المحل المسمى نبى الله هود ويشمل الثمانى القرى التابعة لبلدة بروم ، وتقيم قبائل آل عمودى ، وآل بالعبيد ، وكرب التى يبلغ عدد نفوسها ألف وخمسمائة نفر. ويروى سياح العرب أن لهذا الوادى قدر من أشجار النخيل ومياه جارية.

وادى حجر :

من الوديان المشهورة وادى حجر الذى فى داخل بلدة بروم وعلى بعد مسافة ثلاثة أيام منها.

وفى هذا الوادى ما يقرب من مائة ألف نخلة ، وعشرون نهرا جاريا. ويبلغ من أول هذا الوادى إلى آخره فى أربعة أيام ، ويسكن فى داخله جماعات من قبيلة نوح.

ومن أحد وديان حضرموت المهمة وادى ريدة الديك الذى يقع أمام وادى حجر ، والذى يشتهر بين العربان بكثرة نخليه.

دوغن :

من الوديان المشهورة بعد وادى ريدة الديك وادى دوغن ، وطول هذا الوادى أربع وعشرون ساعة وعرضه نصف ساعة.

وفى الأراضى التى يشتمل عليها وادى (دوغن) إحدى وعشرون قرية صغيرة وكبيرة. وتسكن فى هذه القرى قبائل آل العمودى ، المراشدة ، القشم ، الخامعة ونوح وعدد أفرادها يبلغ ألفين وخمسمائة نسمة.

وإن لم تكن لوادى دوغن مياه جارية إلا أنه يسقى بمياه الأمطار ، وأحيانا يروى بمياه الآبار. وله حدائق كثيرة تحوى أربعين ألف نخلة فهو موقع مبارك ومنبع زراعة وتجارة.

٢٣١

وادى ليسر :

ليسر شعبة من شعب وادى (دوغن) ويمتد طولا اثنتى عشرة ساعة ، وعرضا نصف ساعة وهو واد مشهور.

ويحتوى هذا الوادى على عشر قرى وعلى خمسين ألفا من النخيل وجميع أنواع المغروسات والمزروعات والحدائق والبساتين.

وتسكن فى ذلك الوادى الذى يجمع ألف شخص تقريبا ، القبائل المعروفة باسم الحالكة ، وآل محفوظ ، وآل يزيد ، وآل بطاطى ، وآل كثير.

وادى العين :

ويشتمل وادى العين الذى يمتد طولا أربعا وعشرين ساعة على خمس قرى ، وثلاثين ألف نخلة وكثيرا من الحدائق ، ويسكنه آل عوابسة الذين يبلغ عددهم خمسمائة نسمة.

وادى عمد :

يمتد وادى عمد اثنتى عشرة ساعة طولا ونصف ساعة عرضا. وفى داخله حدائق كثيرة تشمل مائتى ألف نخلة ، ستا وعشرين قرية صغيرة وكبيرة وتقيم فى هذه القرى قبائل باطليب ، باتييس ، بنو ماضى ، الجعد ، الصقر ، نهد ، كز وبنى مخاشن.

وتتحد نهاية وادى عمد و (دوغن) السابقى الذكر فى مدينة قفل ، وموقع كز الذى يمتد من هذا المكان يتصل بمدينة حزير.

وادى رخية :

والوادى الذى يطلق عليه رخية يمتد طولا ست ساعات وعرضا نصف ساعة ويشتمل على عشر قرى ويشتمل على عشرة آلاف نخلة.

وتسكن فى هذا الوادى قبائل آل على ، بنى حيدرة ، بنى بالليث وشحا التى يتجاوز عددها ثلاثمائة نسمة.

٢٣٢

وادى دهر :

يمتد وادى (دهر) ثلاث ساعات طولا ويشتمل على قرى كثيرة ذات نخيل. ويستوطن فى هذا الوادى قبائل آل بالعبيد ، والصيعر ، ويافع ، وعددهم ألفان وخمسمائة نسمة.

وادى ابن راشد :

ينقسم وادى ابن راشد إلى جزءين ويبدأ الجزء الأول من مكان يطلق عليه شيام ويطلق على هذا الجزء وادى قيلى ووادى سر.

والجزء الثانى هو ما يقع أمام قرية ساه ويسمى وادى بحرى ووادى عدم.

ويتحد هذان الواديان فى محل يطلق عليه غرف ، وينتهى عند قرية نبى الله هود الواقعة فى انتهاء وادى ابن راشد الذى يمتد نحو جهة الشمال ثلاثة أيام طولا.

ويشمل وادى ابن راشد ست وستين قرية صغيرة وكبيرة ، وحدائق متعددة تحتوى على مليون نخلة.

وتقيم فى هذه القرى قبائل آل كثيرى ، العوامر ، آل باجرى ، آل جابر وآل تميم ويتجاوز عددهم ستة آلاف نسمة.

وإن كانت البلدة والقرى التى حكمها الأمير منصور بن غالب السالف الذكر داخل الوادى المذكور ، إلا أن أهالى القرى المذكورة خارج أفراد القبائل الخمس التى تحدثنا عنها ، فالقبائل العربية التى تسكن حول حضرموت هى القبائل الرئيسية التى سنتحدث عنها فيما يأتى.

تسكن قبيلة يافع فى الجبال الواقعة على الطرف الشرقى الشمالى لمدينة عدن وعددهم يبلغ عشرين ألفا تقريبا.

عواليق والأخرى :

تستوطن قبائل عواليق ، آل ديب ، آل عبد الواحد ، شيبان ، عكابرة وبنى

٢٣٣

حسن فى الأراضى التى بين مدينة مكلا ، ومدينة عدن ويبلغ عدد مجموع أفرادها إلى خمسة آلاف نسمة تقريبا.

آل حموم :

تسكن قبيلة الحموم التى يبلغ عدد سكانها ألف نسمة فى أطراف بلدة شحر وجوارها.

نبى الله هود ، ومناهل ، ومهرا :

تقيم قبائل بنى نبى الله هود ، ومناهل ، ومهرا فى الأماكن الواقعة بين قرية نبى الله هود التى ينتهى عندها وادى ابن راشد ، وبلدة ظفار ويبلغ عدد سكانها إلى ألفين تقريبا.

ويسكن فى داخل قطعة حضرموت ثلاثة آلاف من السادة الكرام الذين ينتمون إلى النبى صلى الله عليه وسلم نسبا ويجدون من السكان الآخرين احتراما وافرا. واليوم فالسادة الكرام الذين يسمون السادة العلوية هم المعنيون بهذا الاسم والسادات العلوية الموجودون فى مكة المكرمة والمدينة المنورة متفرعون منهم.

وإن كانت الأراضى التى فى سفوح جبال قطعة حضرموت صالحة للزراعة ، إلا أن خصوبتها ضعيفة وأكثر أماكنها خالية من المياه والأعشاب ، لذا يتعايش سكانها بصيد السمك على شواطئ البحر ، ويعلفون حيواناتهم بالسمك ، ولما كان على شاطئ البلاد التى يعيشون فيها عنبر خام فهم يجمعونه ثم يبيعونه.

وكذلك الجوز الهندى ، تنباكو ، والعرر ، والصمغ العربى والبخور والحنطة ، البلح والنيلة من المحاصيل الخاصة بحضرموت ، والنباتات التى تنبت فى الهند تنبت فى جبال حضرموت.

فى صحراء الأحقاف التى تقع بالجانب الشمالى من حضرموت توجد صحراء رملية متحركة والتى تسمى بحر الصاف ، فكثيرون من المسافرين حينما يعبرون هذه الأماكن فى الأيام العاصفة يموتون وتغطيهم الرمال ، ولما كانت غير قابلة للزراعة والفلاحة فهى غير مسكونة.

٢٣٤

والمدينة التى ذكرت فى التواريخ ب «الرس» و «بئر معطلة» و «قصر مشيد» كانت فى داخل قطعة حضرموت.

وكان سكان هذه المنطقة يعانون من قلة المياه ، ويحملون المياه التى يشربونها من أماكن بعيدة ، وفى النهاية وهبهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ واهب الوجود بئرا غزيرة المياه ، ولما كانوا من عبدة الأصنام وقتلوا نبيهم حنظلة بن صفوان انقطعت مياه البئر وهلكوا بعذاب أليم.

والبئر التى يقال لها البئر المعطلة هى تلك البئر. أما القصر المشيد كان البرج الذى بناه صد بن عاد من رؤساء العرب البائدة بغرض مقاومة الرياح العاصفة الفاسدة.

وإن كان صد بن عاد قد بنى هذا القصر لمواجهة الغضب الإلهى ، إلا أنه لم يمت بمفرده بل هلك أولاده وأحفاده أيضا وانهار قصره وأصبح مأوى البوم والغربان ، ويروى أن بعض أماكن خرائب القصر مازالت موجودة إلى الآن.

ظفار :

تقع بلدة ظفار بين حضرموت وعمان وعلى ساحل البحر ، وطولها على ساحل البحر ست مراحل وعرضها تسع مدن.

ولما كانت أكثر قراها ومدنها على سواحل البحر ، فسكانها يعملون فى الزراعة والفلاحة كما أنهم يصطادون السمك ويتاجرون فى اللؤلؤ والصدف.

إن قبيلة آل كثير التى يبلغ عدد سكانها خمسمائة نسمة تسكن الوادى المطل على القصبان التى سكنها قبيلة قرا وشحره ويبلغ عدد سكانها ٣٠٠٠٠ نسمة تقريبا.

إن جو ظفار مثل جو الهند فتسقط الأمطار كل عام فى فصل الصيف ويهبط الماء الناتج عنها إلى الوادى باستمرار.

فينزل الماء الذى يسقى الأراضى فى فروع كأنها نهر جار وتكون عميقة لدرجة أن القوارب تسير فيها. انتهى.

٢٣٥

ولأن الأمطار لا تنقطع فى فصل الخريف فقوة الإنبات تصل إلى حد الكمال وتنبت فيها كل الفواكه التى تنبت فى الهند ، وليس بها حاكم مستقل فهى تابعة لشيخ المنطقة.

البلاد التى تشملها عمان :

إن عمان من الأجزاء الكبيرة للجزيرة العربية :

تقع عمان فى الجنوب الشرقى للجزيرة الكبيرة وطولها من خليج البصرة إلى ساحل بحر عمان ثلاثة وخمسين درجة ، وسبعة وثلاثين درجة وخمسين دقيقة من جهة الشرق وعرضها الشمالى من اثنين وعشرين درجة إلى سبعة ، وعشرين درجة يحدها شرقا المحيط الهندى وشمالا خليج البصرة وجنوبا جبل الأحقاف وغربا جبال اليمامة.

وبما أن طبيعة عمان وأرضها أخصب وذات قدرة على الإنبات أكثر من كل المناطق فهى تحتوى على كثير من القرى والقصبات ، وأرضها تنبت كل المحاصيل والفواكه وطبيعة أهاليها متحضرة وليست بهم خشونة البدو.

ولأن أغلب قراها وقصباتها تقع على الساحل فسكانها يعملون بالفلاحة والزراعة وصيد الأسماك واللؤلؤ.

وكانت إدارة قطعة عمان قد أحيلت إلى عمان بن قحطان أخى يعرب ، ثم استقل بعد فترة وبعد وفاته تولى إدارتها قضاعة بن مالك بن حمير وفى النهاية استولى عليها حاكم اليمن سكسك بالقوة من قضاعة. وإن كان مالك بن إلحاف حفيد قضاعة استردها من يد ابن سكسك فى زمن سلطنة يعفر ، ولكن الحكومة اليمنية عندما قويت ألحقت إدارة عمان إليها وأديرت من قبل اليمن بواسطة الولاة ، ثم انتقلت إدارة عمان إلى أئمة المشايخ بعد أن ضعفت حكومة اليمن.

وعندما نجت منطقة عمان من استيلاء القرامطة أديرت بواسطة الأئمة المحليين المنتخبين كما كان فى السابق. وفى سنة تسعمائة الهجرية طمع فيها البرتغاليون

٢٣٦

والهولنديون والإيرانيون. وفى سنة تسعمائة وإحدى عشرة استولى على جميع سواحلها البرتغاليون وفى سنة ١٠٥٧ انتزع الأهالى الشواطئ من يد البرتغاليين بانتصارهم عليهم إلا أن بعض أماكنها استولى عليها الهولنديون وبينما كان الأهالى الشجعان يطردون الهولنديين تعرضت البلاد لتسلط الإيرانيين ولكن الأهالى استطاعوا أن يطردوهم أيضا وذلك بمساعدة حاكم شحر وهمته وإقدامه.

وبناء على ذلك انتخبوا الحاكم المذكور أميرا لهم وبايعوه سنة ١٢٦٧ ه‍.

ومات أحمد بن سعيد بعد حكم دار واحدا وعشرين عاما فى سنة ١١٨٨ ه‍ وتولى الحكم بعده ابنه صمد وبعد أن حكم ما يقرب من عشرين عاما أيضا تولى الحكم سلطان بن صمد وبعد وفاته تولى الحكم أخو صمد سعيد بن أحمد بن سعيد.

وكان سعيد بن أحمد بن سعيد من بين هؤلاء الحكام أذكاهم وأعقلهم وبعد أن دبر شئون إدارة بلاده مال إلى الجهاد وتوسيع بلاده ، فابتدر بإنشاء سفن حربية كافية وبعدما انتهى من بناء أسطوله استطاع أن يستولى على جزر زنجبار سوقطرة وبعض البلاد التى فى قارة أمريكا (١) كما استولى على بعض أجزاء السواحل التى كانت فى يد إيران وجزر هرمز وكشم ورج ، والبحرين ، وهكذا وسع دائرة حكومته ثم بدأ فى الإصلاحات الداخلية.

وقسم البلاد التى تحت حكمه ـ قبل الوفاة ـ إلى ثلاثة أقسام ، وترك جزءا منها لابنه الكبير توينى ويشمل الجزر التى فى خليج البصرة والأماكن الواقعة بين برقة والجبل الأخضر فى عمان وبعض سواحل أفريقيا وجزيرتى زنجبار وسو قطره لابنه الثانى ماجد ، والأماكن التى تقع على الجانب الغربى من عمان لابنه الثالث تركى (٢).

__________________

(١) كذا فى الأصل ، ولعله من وهم الناسخ. والصواب أفريقيا.

(٢) اسم تركى الآخر (ماجد).

٢٣٧

ولما كان هذا التقسيم منافيا لقاعدة بناء الحكومة فكأنه وضع بين أبنائه نار الفتنة وكان هذا خطؤه الكبير.

ورغب توينى عقب وفاة والده فى أن يفرض سلطته على أخيه ماجد ، وذلك بإجباره على دفع ضريبة معينة له وأدت هذه الفكرة الخاطئة إلى قيام الحرب بين الأخوين ، وبعد هذا استمرت الحرب سنتين تدخلت دولة إنجلترا بينهما وأصلحت بين الأخوين وذلك بشرط أن يدفع ماجد لأخيه الكبير أربعين ألف ريال سنويا وأن يستقل بجزيرة زنجبار والسواحل الإفريقية.

واستطاع توينى بواسطة إنجلترا أن يمتلك ثلثى عمان من أجود الأراضى وأشهرها وأن يكون حاكما على أهاليها.

ولكنه لم يكتف بذلك إذ جعل أقصى آماله أن يستولى على الأراضى التى تحت يد أخيه الصغير وبهذا ساءت العلاقات بينهما.

وإن كان توينى فى الظاهر أقوى من أخيه تركى إلا أن أغلب أهالى عمان كانوا أنصار تركى ؛ لذلك لم يرضوا بأن تخرج البلاد من يده وحكمه ، وفى أثناء الحرب تخلى جميع أتباع توينى عنه وعرضوا بيعتهم على تركى.

وتدخلت دولة إنجلترا مرة أخرى بين الأخوين لإصلاح ما بينهما واستدعت تركى إلى مسقط.

فانتهز توينى هذه الفرصة فقبض على تركى وحبسه ، عندئذ زادت الثورة الداخلية اشتعالا ، فخاف توينى على روحه وهرب ، واستعان بأمير نجد الشيخ فيصل فى سنة ١٢٧٠ فقبل الشيخ المذكور طلبه وأرسل ابنه عبد الله بقوة عظيمة إلى القطعة العمانية.

واستولى عبد الله بن فيصل على أغلب الأراضى التى تحت حكم تركى ، وأخضع أهاليها وأدخلهم تحت طاعة توينى وحصل على جميع النفقات الحربية من توينى كاملة ، وأخذ منه عهدا على أن يدفع لإمارة نجد عشرة آلاف ريال سنويا ثم عاد عبد الله بن فيصل إلى قطعة نجد التى تحت حكم أبيه.

٢٣٨

ودام تدخل أمير نجد إلى سنة ١٢٧١ ه‍ وبعد ذلك أصبحت جميع أراضى عمان فى يد توينى مستقلا كما بقيت إدارة زنجبار وسواحلها تحت تصرف أخيه ماجد.

ولما مات توينى سنة ١٢٨٥ الهجرية تولى الحكم ابنه سالم الذى أسرع فى القبض على عمه تركى وسجنه ولكنه نجا من السجن بتدخل الإنجليز وسافر إلى بومباى.

ولما رفع عزان أحد أقارب سالم راية العصيان وانتزع الملك من يد سالم فى السنة الثانية من حكمه سمع تركى الذى سافر إلى بومباى بالأمر فعاد إلى عمان ، وقتل عزان فانتقلت البلاد التى كانت تحت حكم توينى إليه فى سنة ١٢٨٧ ه‍ كما أن برقش أخا ماجد احتل مكانه بعد موته منذ خمس سنوات ، وأصبح حاكم زنجبار وسواحلها ، وهكذا لاقى توينى جزاء ما ارتكبه ضد أخويه.

مسقط :

وتقع مدينة مسقط على شاطئ بحر عمان وعلى بعد ألفى كيلو متر من مكة المكرمة فى الجانب الشرقى منها عند درجة ٥٩ وعشرين دقيقة على الخط الطولى الشرقى وعند درجة ٣٣ و ٣٨ دقيقة على الخط العرضى الشمالى وهى أعظم مدن عمان وأشهرها.

يمكن أن يصل عدد سكان مدينة مسقط إلى ستين ألف نسمة مرساها فى غاية الاتساع والسفن التى ترسو فى داخله مأمونة من جميع أنواع العواصف.

عمان :

وأحد مدن منطقة عمان المشهورة مدينة عمان التى تقع على الجانب الشمالى الغربى وعلى شاطئ البحر وعلى بعد مائتى كيلو متر وعشرين من مسقط.

ولما كانت بجوار بلدة عمان منابع ماء كثيرة تبع من جبل قريب منها فلها حدائق كثيرة ونخيل إلا أن محصولاتها الرئيسية القمح والذرة والشعير.

وقطر الذى بين حسا وعمان وجزيرتا فارستان وكرمان الواقعتان على الساحل الفارسى من خليج البصرة وجزيرتا زنجبار وسقطرة على الساحل الأفريقى

٢٣٩

الشرقى ، والأماكن التى تطلق عليها كرمد والتى تقع على رأس غار دافوى فى الجهة الشرقية من قارة أفريقية ، كلها من ملحقات مسقط. وعندما يضم أهالى هذه المناطق أيضا لسكان قطعة عمان ، يبلغ عدد سكانها إلى مليونين ومائتين وثمانين ألف نسمة.

زنجبار :

وزنجبار هذه الجزيرة من جزر المحيط الهندى ، ومملكة زنجبار على سواحل هذه الجزيرة ، وتقع على درجة ٣١ من الخط الطولى الشرقى وعلى ست درجات ودقيقتين للخط العرضى الجنوبى.

ويبلغ طول جزيرة زنجبار ثمانين كيلو مترا ، وعرضها خمس كيلو مترات ويبلغ عدد سكانها خمسمائة ألف نسمة.

وهواء الجزيرة المذكورة شهير ولها علاقات تجارية بجزيرة مورس وقارة أفريقيا وأراضيها صالحة للزراعة والفلاحة وفيها جميع أنواع المحصولات ويوجد على سواحلها عنبر أيضا.

سقطرة :

سقطرة إحدى جزر المحيط الهندى وتقع فى الجهة الشرقية من قارة أفريقيا وعلى بعد مائة وسبعين كيلومتر من رأس غار دافوى وعلى الجهة الشرقية منه أيضا وعلى درجة ٥٠ و ٤٥ دقيقة وأيضا على ٥٢ درجة وعشر دقائق من الخط الطولى الشرقى وإحدى عشرة درجة وخمسون دقيقة واثنتى عشرة وثلاثون دقيقة من الخط العرضى الشمالى.

وطول جزيرة سقطرة مائة وخمسة عشر كيلو متر وعرضها أربعون كيلو مترا ويبلغ عدد سكانها ستة آلاف نسمة تخمينا ومن محاصيلها الصبر الأصفر ، واللبان ، وأجود أنواع الصمغ الأحمر ، والمرجان ، وحب الهال.

الحسا (١) :

إقليم الحسا من أقاليم الجزيرة العربية المتسعة ، ويضم أكثر من مائتى قرية ومدينة.

__________________

(١) يطلق عليه الإحساء أيضا.

٢٤٠