موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

أيوب صبري باشا

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ج ٥

المؤلف:

أيوب صبري باشا


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الآفاق العربيّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٥

صيد وجّ وعضاهه حرام محرّم لله». وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره لثقيف (١).

وبجانب هذا الوادى شجرة سدر ، ومن المحتمل أن تكون هذه الشجرة المشقوقة التى ذكرها المؤرخ المطرى.

وبعد انقراض العمالقة سكن الطائف آل ثمود وجعلوها وطنا لهم ، واستولى عليها بنو ثقيف فيما بعد واستوطنوا فيها.

لما كانت أرض الطائف أكثر ارتفاعا عن مكة المفخمة ، فتقل درجة حرارة الطائف عن مكة المكرمة ست أو سبع درجات ويجود هواؤها ، لأجل ذلك يصعد أهل مكة معظمهم إلى الطائف عند ما تشتد الحرارة فى أشهر الصيف ويقيمون هناك إلى أن تزول الحرارة.

ودرجة حرارة بلدة الطائف فى أواخر شهر أبريل تصل فى الأماسى إلى ١٧ درجة ، وفى الصباح إلى ١٨ درجة ، وفى أوائل شهر مايو تبلغ درجة الحرارة إلى ٢٣ درجة ، وترتفع أحيانا إلى ٢٤ درجة ، ويبرد الهواء فى ليالى هذه الأشهر فلا يمكن الوقوف فى الأماكن المكشوفة بدون ملابس ثقيلة. وليس فى الأقطار الحجازية مكان أبرد من الطائف حتى إن الماء يتجمد شتاء فى نفس الطائف ، أو فى القرى الكائنة على سطح الجبل المذكور.

إن أطراف بلدة الطائف اللطيفة والقرى الواقعة فى الجبل أماكن مليئة بالحدائق والبساتين. يوجد فيها جميع أنواع الفواكه ، ولا سيما أنواع وأجناس العنب وخاصة أجود أنواع عنب جاويش والتين الإفرنجى ، وجميع أنواع الخوخ والتوت الشامى ، والتين والمشمش والبرقوق والبلح والليمون ، والرمان وأنواع أخرى من الفواكه التى تجود فى هذه الأماكن. ومياهها ألطف وأعذب مياه البلاد الحجازية ، وألطفها «ماء سلامة». كان هذا الماء يأتى من جبل خلف (المثنى) ، ولكن لشدة الأسف خرب مجراه ولم يصلح فاختفى وأصبح أثرا بعد عين.

__________________

(١) الحديث أخرجه أبو داود فى الحج (المناسك) (٩٥) باب فى مال الكعبة ، حديث رقم (٢٠٣٢) ، ٢ / ٢١٥ ـ ٢١٦. ط دار الفكر.

١٤١

وأجود المياه الآن مياه بئر «عجلان» فى سلامة ومياه البئر التى بجوار مسجد ابن عباس ، وهى فى الدرجة الثانية.

كما أن الماء الجارى الذى يعرف بوحاد (١) أى ـ وهد ـ القريب من قبر عكرمة «كان هذا الشخص مولى لعبد الله بن عباس» رضى الله عنهما على بعد ساعة ونصف ساعة من الطائف.

وهناك ماء مشهور بماء «مرسين» بجبل قرا ولما كان هذا الماء يأتى مارا من تحت أشجار العرعر متضاربا ببعض الحصى فهو من أصبح مياه الحجاز وأكثرها إدرارا.

وحول المدينة بعض المياه الجارية الكبيرة باسم مثنى وشورة وكل هذه المياه إذا ملئت بها القلل تبرد بحيث لا تتحملها الأسنان.

عند ما مرض الشريف عبد الله باشا المرحوم تشكلت هيئة استشارية للأطباء وقرر هؤلاء الأطباء أن يعنى بالمياه التى يشربها الشريف عبد الله. وبناء على هذا القرار أمر المشار إليه بتحليل المياه الموجودة والكشف عليها. وبناء على معاينة الأطباء وتحليلهم قد تبين أن أجود المياه من حيث الخفة والعذوبة والنفع بعد ماء «قارا قولاق» ـ الأن السوداء ـ : ماء «مرسين» فى الدرجة الأولى ، ومياه بئر عجلان فى الدرجة الثانية ، وبئر حديقة مغنى الكائن فى جلع فى الدرجة الثالثة ، واتفق الأطباء على أن يشرب الباشا المذكور من ماء «مرسين».

فى بلدة الطائف جميع أنواع الأشجار. ويروى المؤرخ المشهور أن فى الطائف عدة أشجار سدر باقية من عصر النبى صلى الله عليه وسلم ، حتى إن أهالى الطائف يعرفون البعض بهذه الأشجار.

ويروى المؤرخون ـ على أنها من المصادر الموثوق بها ـ أن النبى صلى الله عليه وسلم بينما كان يمر من بين هذه الأشجار انشقت إلى قطعتين تعظيما للنبى صلى الله عليه وسلم وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمر بناقته من بين شقيها.

ويحكى الإمام المطرى أنه زار هذه الشجرة سنة ٩٦ الهجرية وأكل من ثمراتها

__________________

(١) وحاد اسم قرية وبما أن ماء وحاد فى هذه القرية عرف بها.

١٤٢

وأن أهالى الطائف يقطفون من ثمارها ويأكلونها متبركين وقد ذكر ذلك مفصلا فى تاريخه.

ويحكى ابن نور بعد أن بين أنه قام بزيارة هذه الشجرة ورآها قائلا : «كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نام ليلة ما بين أشجار الحدائق فى رحلته إلى الطائف ولما استيقظ وسار صادف جملة شجرة من جنس السدر فانشقت الشجرة إلى شقين ، وترك الجمل يمر من بين هذين الشقين وعلى ظهره النبى صلى الله عليه وسلم ، ومازالت تلك الشجرة السعيدة قائمة على ساقين وهى مزار مبارك مشهور فى طريق الطائف».

ولشدة الأسف قد جفت تلك الشجرة فى خلال عام ٧٢٩ من جذورها ، وزالت عن الوجود. والآن لا يوجد أثر لتلك الشجرة ، كما أنه لا يوجد من يعرف مكانها.

لكن معجزة الشجرة الجليلة صحيحة. وكان أهالى الطائف فى العصور السابقة يقتطفون من ثمار الأشجار التى تنبت فى المحل الذى وقعت فيه المعجزة ، ويظنون أن تلك الأشجار من نفس جنس الشجرة المعجزة.

الآثار :

فى أطراف بلدة الطائف ثلاثة آثار ، ويظن الأهالى أن فى زيارة هذه الآثار خيرا وبركة.

مسجد العداس :

أحد هذه الآثار المذكورة مسجد (عداس) وهذا المسجد فى وسط موقع مثنى البعيد عن الطائف مقدار عشرين دقيقة ، وفى داخل حديقة تسمى (عداس) ، كان النبى صلى الله عليه وسلم شرف الطائف مع عبد الله بن مسعود لدعوة بنى ثقيف للدين الإسلامى ، وبما أن بنى ثقيف رفضوا لقاء النبى صلى الله عليه وسلم ذهب إلى حديقة (عداس) السالف الذكر حيث جلس يائسا.

كان عداس غلام صاحب هذه الحديقة فأحضر بعض العنب وقدمه للنبى صلى الله عليه وسلم.

١٤٣

ولما سر النبى صلى الله عليه وسلم من الغلام سأله عن بلده. وعرف أنه من الموصل وقال له «إذن فأنت من بلد أخى يونس». فقال له عداس : «كان يونس نبيا!! فكيف يكون أخاك؟» ولما أجابه قائلا «أنا أيضا نبى» فأسلم عداس.

ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك المكان فبنى مؤخرا على ذلك المكان مسجد!! فالمسجد الذى يطلق عليه مسجد عداس هو المكان الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم.

مسجد النملة :

أحد الآثار الثلاثة مسجد (النملة).

هذا المسجد قائم فى المكان الذى حدثت فيه قصة (النملة) كما ذكرت فى القرآن الكريم. وفى بحث سليمان عليه السلام. ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم قد زار هذا المكان زيارة خاصة بنى عليه مسجد شريف.

مطمخ الغزال :

الثالث من الآثار المكان المبارك الذى يسمى (مطمخ الغزال).

هذا المكان موجود فى وادى الطائف الشمالى وعلى بعد ربع ساعة من مكان يطلق عليه (جعل). وهو موقع ذو صخور وعلى هذه الصخور آثار أرجل الغزلان هنا وهناك ، وبناء على رواية أهل المعرفة من الأهالى أن معجزة الغزال وقعت فى هذا المكان ، إذ وقعت غزاله فى يد الصياد عندئذ تكلمت الغزالة ، وجعلت النبى صلى الله عليه وسلم كفيلا على أن تعود بعد أن ترضع صغارها ، ويقال لهذه الزيارة الآن (زيارة مطمخ الغزال).

الآثار العتيقة أو رسم إيبوقراط :

بين الطائف ومكة المعظمة وبين مجريين الذين يقال لهما السيل الصغير والسيل الكبير (عقبة) ، وعلى الجهة الجبلية لهذه العقبة بعشرين ذراعا ، وعلى يمين الذاهبين من مكة إلى الطائف صخرة كبيرة منفردة نقش عليها رسم إنسان ضخم

١٤٤

مدهش ذى لحية وعارس الرأس ، وقد كتب تحت هذا الرسم باللغة الأفرنكية اسم أيبو قراط. وصنع هذا الرسم من منتصف الجسم إلى أعلى وحفر بقلم الحفر.

وأراد الشريف عون الرفيق باشا أن يعرف كنه هذا الاسم ومتى حفر هناك ، وأخذ يتحرى عن حقيقة هذا الأمر فى الأقطار الحجازية ، واطلع على الكتب العربية القديمة إلا أنه لم يصل إلى معرفة شىء عنه.

وفى خلال إمارة أخى الشريف عون الشهيد حسين وقع أحد سياح الإنجليز فى يد العربان بينما كان ذاهبا من جبل شمر إلى الطائف فى مكان يسمى (سويلة) وهو لابس ملابس البدو ، وعرف أنه أجنبى فجّرده البدو وأرقدوه على الأرض ليقتلوه ، ورأى ذلك بستانى حديقة الشريف عبد الله باشا فى سويلة وعبده المعتوق وأسرعا إلى البدو وأنقذاه بصعوبة من أيديهم ، وأخذوه إلى حسين باشا الذى كان فى الطائف وسلموه له.

استضاف حسين باشا الإنجليزى فى منزل رئيس باور انه محمد أغا. واستردوا جميع أشياءه وأعادوها له وبعثوا به فى رفقة موظف خاص إلى جدة دون أن يمر بمكة.

وكان هذا الشخص قد أعجب بقبة ضريح عبد الله بن عباس (رضى الله عنه) من حيث الفن والصنعة وأخذ لها صورة فوتوغرافية ، كما أخذ صورة لرسم أيبو قراط الذى جذب نظره فى أثناء الطريق.

أخطار :

لما كانت الأراضى التى فيها مكة والطائف وجدة وما حواليها غير مسكون فى عهد أيبوقراط كما أن أيبو قراط لم يزر أرض الحجاز وهذا معلوم لدينا ، لذلك لن نخوض فى هذا الموضوع ولكننا كمؤرخ سنكتفى بقيد ما سمعناه وشهدناه.

١٤٥

الصورة الرابعة فى تعريف ينبع ورابغ وخيبر وحناكية

لما كان فى الأقطار الحجازية مكانان يحملان اسم ينبع ، يطلق على أحدهما (ينبع البحر) ، وعلى الآخر (ينبع النخل).

ينبع البحر :

يقع ينبع البحر على الجانب الغربى من البحر الأحمر وعلى شاطئ البحر وعلى بعد ٢٢٥ كيلو متر غرب المدينة المنورة (١) يعنى يبعد عن مكة المكرمة ٥٣ ساعة وهو ميناء مزدحم بالسفن ويسكنه خمسة آلاف نسمة تخمينا.

ويحيط بالميناء السور الذى جدده فى سنة ١١٢٦ عثمان باشا الذى أرسل من استانبول عام ١١٢٦. وفى داخل السور ثمانمائة منزل وثلاثمائة دكان وثلاثة جوامع ومخزن ودائرة حكومية واحدة.

ولما كان ينبع البحر ميناء جميلا ومرساة المدينة المنورة يوجد فى تلك المدينة فرقة من جنود المشاة وبعض أفراد المدفعية.

ولما كان ينبع البحر محروما من المياه العذبة مثل جدة فالأهالى يشربون من مياه الأمطار المحفوظة فى الصهاريج ومن مياه الآبار غير العذبة المحفورة على طريق سيل بعيد عن بلدة (سهيلى) بأربع ساعات أو ثلاث.

ينبع النخل :

تقع هذه المدينة على الجانب الشرقى من ينبع البحر وعلى بعد ست ساعات منها وهى عبارة عن عدة قرى.

__________________

(١) خمس مراحل بسير الجمل.

١٤٦

ولما كانت حول كل قرية مياه جارية فلسكانها بساتين وحدائق ونخيل لا يعد ولا يحصى سميت تلك القرى (ينبع النخل) ومن كثرة مياه يبنع النخل أنها بعد ما تسقى الحدائق والبساتين يجرى الفائض منها عبثا.

ويمكن إجراء إحدى هذه المياه إلى ينبع البحر بصرف بعض المبالغ إلى ينبع البحر ، إلا أنه لم يظهر إلى الآن شخص يبذل جهوده فى سبيل هذا الخير.

رابغ :

رابغ على شاطئ البحر الأحمر بين جدة وينبع البحر وهو مرساة صغيرة ، وعلى بعد شمالى جدة بسبعة أميال بحرا وعلى بعد ثلاثين ساعة برا.

ورابغ قرية تتكون من مرفأ وجامع وعدة دكاكين مبنية من سعف النخيل أما سكانها فموظفو الحجر الصحى والجمرك وعدة رجال للشرطة ، وعدة فلاحين للبساتين وأصحاب الفلايك ، والقوارب.

ومدينة رابغ الأصلية على الجانب الشرقى من المرساة وعلى مسافة ساعة منها ، ولها قلعة متينة وسبع آبار وعشرة صهاريج وخمسة جوامع وستون دكانا و ١١٦ منزلا وعدد سكانها ٣٦٩ نسمة.

ولما كانت تلك المدينة فوق واد رملى منبسط وعلى مسار السيل فأنّى تحفر يخرج ماء صالح للشرب ، ولكنها خالية من المياه الجارية وقد زينت أطرافها الأربعة بالبساتين وأشجار النخيل والموز. ويبلغ عدد سكانها ما يقرب من ألفين إلا أن كلهم يعيشون فى حالة بدوية.

ويبعد موقع المدينة عن مكة أربع مراحل برا وعن المدينة المنورة ست مراحل. والحجاج المسلمون الذين يتحركون سواء أكان من مكة المكرمة أو من المدينة المنورة إذا وصلوا إلى هذه المدينة فإنهم يقيمون فيها يوما أو بعض أيام للراحة. وليست المدينة ميقاتا للحجاج الواردين من الأطراف أو غيرهم ، فالذين يذهبون من المدينة إلى مكة المكرمة وحجاج وقوافل مصر والشام يحرمون فى هذا المكان.

١٤٧

لما كانت مدينة رابغ ممر محامل قوافل الشام ومصر فالذخائر اللازم إعطاؤها للمحامل تحفظ فى داخل المخازن التى فى القلعة وهناك مجموعة من العساكر السلطانية وبعض المدافع مع أنفارها.

خيبر :

باللغة اليهودية بمعنى قلعة ، لأن الأهالى عند ما يذكرون قلاعهم يقولون عنها خيابر.

وعلى رواية أن أخا الشخص الذى بنى مدينة يثرب أولا وهو يثرب وكان يسمى (خيبر) وكان هذا الشخص بانى قلعة خيبر لذا سميت هذه المدينة (بخيبر).

مدينة خيبر :

لما كانت مدينة خيبر تشتمل على مياه جارية ومزارع كثيرة وأشجار النخيل وحقول الشعير والقمح كانت فيما مضى مدينة كبيرة. أما اليوم فهى خالية من العمران ، وسكنتها زنوج تسلسلوا من نسل العبيد الذين أعتقوا يبلغ عددهم نحو ألف نسمة.

ولما لم تسلك طرق المياه الجارية من القديم ولم تظهر مجاريها تكونت هنا وهناك برك من المياه الراكدة ، ولم يدر سكانها أن جودة الهواء قد اختلت من تعفنات المياه الراكدة فأثرت فى قواهم الجسمية ، وانصرف كل واحد منهم إلى غيرها كى ينجو من الحمى وابتعدوا عن وطنهم.

ومازالت علة الحمى تنتشر بشدة فى تلك الأراضى إلا أنهم يروون أن هواءها ومياهها صالحة لسكانها السود. وهذه الرواية تصدق أن الزنوج يعيشون حيث يختل الهواء ويتعفن.

ويأتى إلى القرية فى مواسم الخريف حينما يطيب البلح الكثير من العربان ويقيمون فى داخل القرية وحولها ، وعند ما ينتهى موسم البلح يعودون إلى منازلهم وينبت فى خيبر القمح والشعير بكثرة.

١٤٨

إذا ما وجد حل للعفونة والتخلص منها أى إذا ما طهرت مجارى المياه التى تعطلت ، وفتحت أماكنها التى امتلأت عندئذ يطيب هواؤها ، وسيرغب فى سكناها العربان الذين يرغبون فى حياة مدنية ويشغلون بالزرع والحرث عندئذ سيعود لخيبر عمرانها الذى فقدته وإننا نطلب من الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يخلق أسباب ذلك.

الحناكية :

الحناكية قرية تقع على ثلاث مراحل فى الشمال الشرقى للمدينة المنورة.

وإن كانت هذه القرية فيما مضى قرية مشهورة معمورة وكانت لها قلعة صغيرة وعدة منازل.

وهواؤها لطيف ، وأراضيها فى غاية الخصوبة وهى فى نهاية حدود الأقطار الحجازية وقطعة نجد.

كانت قلعتها أشرفت على الخراب فعمرت فى ظل عون السلطان وزيدت قوتها العسكرية.

ولما كانت خصوبة أراضيها تامة ولما كانت مياهها فى عمق الأرض البسيطة بقامتين جذبت إليها العربان من الأطراف والأكناف حيث استوطنوا واشتغلوا بالزراعة والحرث راغبين فى حياة مدنية ، ومازالوا يأتون إليها.

إخطار :

وستذكر فيما بعد وحسب المناسبة قبائل العربان ما عدا الذين يسكنون فى بلاد الحجاز المشهورة.

١٤٩

بعض أحوال الأراضى الحجازية

ومحاصيلها الداخلية وطريقة معيشة سكانها وصورة إدارتهم

أكثر أراضى الخطة الحجازية عبارة عن الجبال المكونة من الحجارة والوديان الرملية وصحارى مترعة ، وما بين الجبال.

ولا تمطر السماء فيها فى أكثر مواسمها ، لذلك فمحاصيلها الداخلية ليست بالدرجة الكافية لسكانها ، كما أن جبالها وصحاريها غير صالحة لإنبات العشب ، وتنمية محاصيل تكفى الحاجة.

وإن كانت فى داخل تهامة وفى الأماكن المستوية من الجبال أراض منبتة ومياه جارية ، وإن كان ما ينبت فى هذه الأماكن مشهور فى داخل الأراضى الحجازية ، إلا أن ضرورات الأهالى فى الحبوب وغيرها تأتى من بومباى ، ومصر والبصرة وبغداد ومحاصيل القطعة المباركة المحلية هى : (البلح ، زيت البلسم ، الصمغ العربى ، سنامكى ، الحنة ، الخوج ، البرقوق ، التفاح ، المشمش ، الكمثرى ، التوت ، السفرجل ، العناب ، التين ، اللوز ، التمر الهندى ، عين الجمل ، العنب ، الموز ، الشمام ، البطيخ ، ليم البرتقال ، الليمون ، شمام الشجرة ، خيار ، الليمون الحلو ، الأجور ، التين الأفرنكى ، الكوسة ، الخرشوف ، البصل ، البامية ، الملوخية ، الثوم ، الطماطم ، الفاصوليا ، الباذنجان ، الكراث ، الكرنب ، وغيرها ومن الحيوانات الأغنام وسائر الحيوانات مثل (الجمل ، المعز ، الخيل ، الحمار ، الفرس ، البغل ، البقرة الهجين ، الثور) ومن الحيوانات المتوحشة : (المعز الجبلى ، الحمار الوحشى ، البقر الوحشى ، القرد ، الذئب ، والغزال ، الضبع ، والثعلب ،

١٥٠

والفهد) ومن الطيور : (الدراج ، البط ، الدجاج ، اللوز ، اليمامة ، الحجل ، النعامة ، مالك الحزين ، الحبارى ، الديك الرومى ، الحمام ، الهدهد ، الغراب ، عقاب النسر بأنواعه ، وينبت فى جبل كرا (الزيتون البرى ، شجر العرعر ، اللوز البرى ، الياسمين البرى) وفى جهات تهامة أشجار (التمر الهندى ، التوت ، البلح ، والحنة ، الطرفاء والبنج)

جبل (كراء):

جبل ضمن سلاسل جبال يطلق عليها (سراة) فى الجهة الشرقية من مكة المعظمة وعلى بعد اثنتى عشرة ساعة منها وقمته ترتفع عن سطح البحر بألفى متر.

وبما أن أكثر أماكن سلسلة جبال (سراة) صخرية تخلو من النباتات والأشجار ، إلا أن بجبل كراغابات جميلة ومياه جارية ومواقع ذو هواء صحى جيد.

ومواسم الحجاز تنقسم إلى قسمين :

أحدهما جاف والآخر ممطر. وإن كان فصل المطر يجعل الأراضى تخضر فجأة ، إلا أن هذا الاخضرار لا يدوم طويلا لسخونة هوائه التى تدوم طويلا.

والرياح التى تهب فى هذه البلاد شديدة ومضرة للإنسان ، إلا أن رياح السموم أكثر ضررا من الرياح الأخرى.

والعربان الذين يعيشون بين الجبال ولا سيما العربان الذين يعيشون فى سهل تهامة يعيشون بزراعة (الدخن والذرة) والذين يعيشون على الساحل الحجازى للبحر الأحمر يقتصر نشاطهم البشرى على صيد السمك.

وفى البحر الأحمر أسماك غريبة الشكل وأنواع طيوره ضخمة الأجسام وسلاحفه ضخمة. حتى إن أكثر سكان (جدة ، رابغ ، وينبع البحر) يأكلون المخلوقات البحرية ، ولا سيما الأسماك بدلا من الخبز ، ومعيشتهم تتوقف على ما يصيدونه من الأسماك. أما فى سواحل اليمن فليس للأسماك أهمية كبيرة ، وما

١٥١

يصطادونه من الأسماك يخفضونها ويعلفون بها الحيوانات بدلا من العشب والتبن.

ويخرج سكان جدة والشواطئ الأخرى أصدافا من البحر ، ويبيعونها للتجار وقد تعثر فى داخل هذه الأصداف على الدر النادر كما أن اليسر الذى يستخدم فى صناعة المسابيح وفلاتر السجائر يستخرج من هذا البحر.

١٥٢

الوجهة الرابعة

تشتمل على ست صور

تعرف الطرق الرئيسية بالجزيرة

١٥٣
١٥٤

الصورة الأولى فى تعريف الطريق الذى يقع بين الحرمين

والذى يعرف بالطريق السلطانى

بما أن أهل الإيمان الذين يذهبون ويأتون إلى ومن مكة المكرمة لأداء فريضة الحج يذهبون أيضا لزيارة الحجرة النبوية المعطرة والروضة المطهرة النبوية «على ساكنها أفضل التحية» ، ولما كانت الطرق التى تؤدى إلى المدينة متعددة كما أن بعضها مفزع ، وغير خال من المخاطر (١) ، رأينا من الواجب ذكر الطرق التى بين الحرمين.

الطريق السلطانى :

أول مقر مبيت واستراحة للذين يخرجون من مكة المكرمة القرية المشهورة بوادى فاطمة ، وهذه القرية على بعد ست ساعات من مكة المكرمة بسير الجمال ، ولها مياه جارية كثيرة وبساتين كثيرة ونخيل وأشجار أخرى وحدائق. وما يباع فى مكة المكرمة من الليمون واللارنج والخضر المتنوعة غالبا ما تزرع وتنبت فى هذه القرية.

والمرحلة الثانية للخارجين من مكة (بئر عسفان) والاسم الآخر لهذه المرحلة (بئر التفلة). ومرحلة بئر عسفان على مسافة اثنتى عشرة ساعة من وادى فاطمة ومياه آبارها فى غاية الخفة والعذوبة والبئر التى اختلطت مياهها بريق النبى صلى الله عليه وسلم فأصبحت أعذب من مياه النيل والفرات والأنهار الأخرى بل تغبطها مياه الكوثر والتى يسميها العرب (بئر التفلة) فى هذا المكان.

__________________

(١) ومن الأصول المرعية يجب أن تسير القوافل من الطريق الذى يراه أمير مكة ووالى ولاية الحجاز مناسبا والعودة من نفس الطريق الذى أتوا منه.

١٥٥

والذين يقومون من بئر التفلة يصلون إلى قرية (خليص) بعد ثمانى ساعات. وتبعد قرية خليص من مكة المعظمة ثلاث مراحل ولها مياه جارية كثيرة وآبار متعددة ، وتشتمل على بساتين كثيرة ونخيل والقوافل التى تنتقل بين مكة والمدينة لا تظل فى مرحلة خليص إلا قدر التزود بالمياه ثم تتحرك نحو (قضيمة).

وقضيمة المرحلة الرابعة وبينها وبين خليص اثنتا عشرة ساعة ، ولمرحلة قضيمة ثلاث آبار إلا أن مياه آبارها مالحة قليلا لقربها من شاطئ البحر ولما كانت هذه القرية وفيرة الأسماك فالمسافرون يسرون منها.

والذين يقومون منها يصلون إلى (رابغ) على بعد ست عشرة ساعة من قضيمة. وإن كانت المسافة بين مكة المكرمة إلى رابغ تخلو من الجبال المرتفعة ، إلا بعض التلال الصغيرة فيمكن أن يرى من أكثر أماكن هذا الطريق البحر.

ومدينة رابغ قريبة من شاطئ البحر ، ولما كان الطريق من قضيمة إلى رابغ رمليا مستويا فالسير فيه سهل مريح.

والطرق التى من مكة المعظمة إلى المدينة المنورة تتفرع من رابغ ، وتتعدد ويطلق على أكثر هذه الطرق زحاما (الطريق السلطانى).

وأول مرحلة للطريق السلطانى بعد القيام من (رابغ) موقع (المستورة) الذى يبعد عن رابغ ست ساعات.

وهذه المرحلة فى وسط الصحراء التى يطلق عليها (سهل القرد) ، ولها بئران أحدهما عذوبته مقبولة والآخر مائلة إلى الملوحة.

وبعد القيام من مرحلة المستورة يوصل إلى مرحلة يقال لها (بئر الشيخ) ، ولها اثنتا عشرة ساعة من بئر الشيخ. وبين هاتين المرحلتين بئر منسوبة إلى (ابن حصانى) وهى بئر مشهورة.

صفراء :

قرية كبيرة وسكانها خمسمائة نسمة وكلهم بدو ، وللقرية المذكورة مياه جارية وبساتين متعددة. إلا أن مغروساتها النخيل وأشجار الليمون والحنة.

١٥٦

وبعد صفراء بثلاث ساعات قرية (حمراء) وفيها مثل قرية صفراء مياه جارية وحدائق ، ولما كانت هذه القرية تنتج أحسن أنواع الحنة وزيت البلسم فالحجاج والمسافرون يشترونهما من هذه القرية.

إخطار :

لما كان العربان قد تعودوا على خلط زيت البلسم بالصمغ العربى والماء ليبيعوه بثمن رخيص حتى لا يستكثر المشترون ثمنه ، لهذا يجب الانتباه لهذا الموضوع. ويعرف الخالص من زيت البلسم عن مغشوشه بإدخال عود فى داخله وإحراق هذا العود بتقريب عود ثقاب منه فإذا احتراق ما على العود من الزيت ملتمعا ثم ينطفئ من نفسه كان خالصا أما إذا كان الزيت مغشوشا يحترق مع الزيت العود أيضا.

والقوافل التى تقوم من صفراء لا تقيم أكثرها فى حمراء ، ويسيرون حتى محل يقال له (جوبة جية) فى أول مضيق (جديدة) وما بين هاتين المرحلتين ست ساعات وفى مرحلة المبيت ماء جار أيضا.

وبعد حوبة جية يذهب إلى مرحلة (بئر عباس) ، ومرحلة بئر عباس على مسافة خمس ساعات من جهة المدينة المنورة من (حوبة جية) ، وعند الذهاب نحو هذه المرحلة يمر من مضيق (جديدة) المشهور ، وبين هاتين المرحلتين قريتان صغيرتان.

والذين يقومون من بئر عباس يصلون إلى (بئر شربوفى) بعد اثنتى عشرة ساعة ، وهنا أيضا بئر ذات مياه فى غاية العذوبة.

والذين يستأنفون السير من بئر شربوفى يصلون بعد أربع ساعات إلى موقع (الشهداء) وفى هذا المكان بئر ذات مياه عذبة.

والمسافة بين هذه المرحلة والمدينة المنورة أربع عشرة ساعة. ويستقبل أهالى المدينة الكرام الحجاج والزوار الواردين من مكة المعظمة فى البساتين التى تسمى (بيار على) ، والتى تقع على بعد ساعتين من جهة مكة المكرمة.

١٥٧

وليس النزول والقيام فى هذه المرحلة عادة متبعة ، فالجمالون إذا أرادوا يسيرون مبيتين فى جميع المراحل أو يتزودون بالمياه حيث الآبار ، ثم يبيتون فى الأماكن الخالية من الآبار. ولكن من العادات القديمة الدخول فى المدينة المنورة فى اليوم السادس بعد القيام من رابغ.

وإن كان الطريق المذكور طريق المحامل الشريفة وقوافل الحجاج من القديم وذات مياه وافرة ، وخال من الطلوع والنزول. إلا أنه محاط بسلسلة الجبال من الطرفين ابتداء من مرحلة (بئر عباس) التى مر ذكرها آنفا ، كما أن به مضايق ضيقة وتعود بعض عربان (بنى حرب) سد هذه المضايق معتدين على القوافل التى تمر بها ، وينهبون أموال أفرادها بل يسلبون أرواحهم أحيانا ؛ لذا يفضل مواكب الحجاج وقوافل الزوار الذهاب إلى ذلك المكان مضطرين عن طريقى (فرع وغاير) وهذان الطريقان قد افتتحا منذ بضعة أعوام بعون السلطان.

١٥٨

الصورة الثانية فى تعريف الطريق الذى يطلق عليه (الفرع)

وأحد الطرق التى تفضى من رابغ إلى المدينة المنورة الطريق الذى يطلق عليه (فرع). والمسافرون الذين يخرجون من رابغ بشرط السير عن طريق فرع يصلون أول مرحلة إلى موضع يطلق عليه (بئر رضوان). وهذه المرحلة على بعد اثنتى عشرة ساعة من رابغ ولها بئران مياههما عذبة.

ويروى أن بئر رضوان تبعد عن رابغ ثلاث عشرة ساعة ؛ ولكن الصحيح أنها تبعد اثنتى عشرة ساعة فقط. ويقسم بعض الجمالين هذه المرحلة إلى اثنتين ، إذ يعدون (ظهر العقبة) المرحلة الأولى و (بئر رضوان) المرحلة الثانية ويبعد ظهر العقبة عن رابغ سبع ساعات.

ويبلغ إلى قرية (أبو ضياعة) بعد بئر رضوان باثنتى عشرة ساعة ويطلق عند البعض على أبى ضياعة (أم ضياعة) ويروون أن الجمال سليمة البدن تستطيع أن تقطع هذه المسافة فى ثمانى ساعات. وهذه القرية ذات مياه جارية وحدائق متعددة ، ولكن مغروساتها أشجار النخيل فقط.

والذين يقومون من أبو ضياعة يصلون إلى قرية (ريان). وهى على بعد عشر ساعات من أبو ضياعة. وبين هذه القرية وأبو ضياعة قريتا (أم العيال) و (مضيق) وفيهما مياه جارية وحدائق متسعة.

ويبلغ بعد ريان إلى مرحلة (صمد) على بعد ثمانى ساعات وبئرا (أعضب) و (رخيص) ذواتى مياه عذبة لذيذة بين هاتين المرحلتين.

والذين يقومون من مرحلة صمد يصلون إلى مرحلة (مجز) وهنا حفرة بركة تسمى (غدير) ، وعند ما ينزل المطر تتراكم مياه السيول فى هذه البركة.

١٥٩

وبعد (مجز) يوصل إلى مرحلة تسمى (بئر ماشى) ، وبين هذه المرحلة ومجز اثنتا عشرة ساعة ، ولمرحلة (بئر ماشى) بئر ذات مياه عذبة.

وتحتفظ حكومة المدينة المنورة بعدد من عساكر الشرطة فى هذه المرحلة حتى تحمى المسافرين من هجمات أشقياء العربان. والمسافة بين بئر ماشى والمدينة المنورة ثمانى ساعات ويتصل طريق (فرع) ، الذى نعرفه بالطريق السلطانى قبل الوصول إلى (بيار على) التى تبعد عن المدينة المنورة بساعتين. (١)

وبعد مغادرة رابغ بأربع ساعات يحيط الطريق من الجانبين إلى المدينة المنورة سلسلة من الجبال ذات مضايق مخيفة ، إلا أن قبيلة بنى عوف التى تسكن بجانب هذه الجبال ليسوا من شرار القبائل كقبيلة بنى حرب التى تسكن بجانب الطريق السلطانى ، لذا قلما تقع من أفراد قبيلة عوف اعتداءات وظلم على القوافل التى تمر من هذه الطريق ؛ لذا تفضل المحامل الشريفة وأكثر القوافل السير فى طريق (فرع).

__________________

(١) بلاط ومثنى اسما بلقا الآخران.

١٦٠