نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

قال : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب » (١).

(٢)

من كلمات الأصحاب

وأما كلمات الأصحاب :

فمنها : قول ابن عباس رضي‌الله‌عنه في حقهم عليهم‌السلام : « فهم الأئمة الدعاة ، والسادة الولاة ، والقادة الحماة ، والخيرة الكرام ، والقضاة والحكام ، والنجوم ، والأعلام ، والعترة الهادية ، والقدوة العالية ، والأسوة الصافية ».

قاله رضي‌الله‌عنه في كلام له طويل مع بعض الأعراب ، رواه بطوله العاصمي وهذا نصه :

« وأما الأسماء التي سماه بها ابن عمه حبر الأمة وبحرها عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه ، فإنّه روي عن سعيد [ سعد ] بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال :

أسلم أعرابي على يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه ، فخلع عليه علي عليه‌السلام حلّتين ، وخرج الأعرابي من عنده فرحا مستبشرا ، وبحضرة الباب قوم من الخوارج ، فلما أن نظروا إلى الأعرابي وفرحه بإسلامه على يدي علي عليه‌السلام حسدوه على ذلك وقال بعضهم لبعض : أما ترون فرح هذا الأعرابي بإسلامه؟ تعالوا ننزّله عن ولايته ونردّه عن إمامته ، فأقبلوا بأجمعهم عليه وقالوا له : يا أعرابي من أين أقبلت؟ قال : من عند أمير المؤمنين عليه‌السلام قالوا : وما الذي صنعت عنده؟ قال : أسلمت على يديه. قالوا : ما أصبت رجلا تسلم على يديه إلاّ على يدي رجل كافر؟ فلمّا سمع ذلك الأعرابي غضب غضبا شديدا وثار القوم في وجهه وقالوا : لا تغضب ، بيننا وبينك كتاب الله. فقال : اتلوه ، فتلا بعضهم :

__________________

(١) ينابيع المودة / ٢١.

٣٢١

( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) إلى قوله ( سَبِيلاً ) فقال لهم الأعرابي : ويلكم فيمن هذه الآية؟ قالوا : في صاحبك الذي أسلمت على يديه ، فازداد الأعرابي غضبا وضرب بيده إلى قائمه سيفه وهمّ بالقوم.

ثم إنّه رجع إلى نفسه ـ وكان عاقلا ـ وقال : لا والله لا عجلت على القوم ، وأسأل عن هذا الخبر ، فإن كان كما يقولون خلعت عليا ، وإن كان على خلاف ما يقولون جالدتهم بالسيف إلى أن تذهب نفسي. قال :

فأتى ابن عباس ـ وهو قاعد في مسجد الكوفة ـ فقال : السلام يا ابن عباس. قال ابن عباس : وعليك السلام ، قال : ما تقول في أمير المؤمنين؟ قال : أي الأمراء تعني يا أعرابي؟ قال : علي بن أبي طالب. قال : وكان ابن عباس متكئا فاستوى قاعدا ، ثم قال له :

لقد سألت يا أعرابي عن رجل عظيم ، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، ذاك ـ والله ـ صالح المؤمنين ، وخير الوصيين ، وقامع الملحدين [ الملحدين ] وركن المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، ونور المهاجرين ، وزين المتعبدين ، ورئيس البكائين ، وأصبر الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج الماضين ، وأول السابقين من آل يس ، المؤيد بجبرئيل الأمين ، والمنصور بميكائيل المتين ، والمحفوظ بجند السماء أجمعين ، والمحامي عن حرم المسملين ، ومجاهد أعدائه الناصبين ، ومطفئ نيران الموقدين ، وأصدق بلابل الناطقين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، عين رسول رب العالمين ، ووصي نبية في العالمين ، وأمينه على المخلوقين ، وقاصم المعتدين ، وجزار المارقين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكم العابدين.

ناصر دين الله في أرضه ، وولي أمر الله في خلقه ، وعيبة علمه ، وكهف كتبه ، سمح سخي سند حيي بهلول بهي سنحنح جوهري زكي رضي مطهر أبطحي باسل جري قرم همام صابر صوّام ، مهذب مقدام ، قاطع الأصلاب ، عالي الرقاب ، مفرق الأحزاب ، المنتقم من الجهال ، المبارز للأبطال ، الكيال في

٣٢٢

كلّ [ مكيال ] الإفضال.

أضبطهم عنانا ، وأثبتهم جنانا ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدهم شكيمة ، وأسدّهم نقيبة ، اسد بازل ، صاعقة مبرقة ، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنة وقرنت الأعنة طحن الرحى بسفالها ، ويذروهم ذرو الريح الهشيم ، باسل بازل صنديد هزبر ضرغام ، عازم عزام ، خطيب حصيف [ مصقع ] محجاج ، مقول ثجاج ، كريم الأصل ، شريف الفضل ، نقي العشيرة ، فاضل القبيلة ، عبل الذراع ، طويل الباع ممدوح في جميع الأفق.

أعلم من مضى ، وأكرم من مشى ، وأوجب من ولي بعد النبي المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ، ليث الحجاز وكبش العراق ، مصادم الأبطال والمنتقم من الجهال ، زكي [ ركين ] الركانة ، منيع الصيانة صلب الأمانة ، من هاشم القمقام ابن عم نبي الأنام ، السيد الهمام ، الرسول الامام ، مهدي الرشاد ، المجانب للفساد ، الأشعب الحائم [ الحاطم ] والطبل المحاجم [ المهاجم ] والليث المزاحم.

بدري أحدي حنفي مكي مدني شعشعاني روحاني نوراني ، له من الجبال شوامخها ، ومن الهضاب ذراها ، وفي الوغي ليثها ، ومن العرب سيدها ، الليث المقدام والبدر التمام والماجد الهمام ، مبجل الحرمين ووارث المشعرين ، وأبو السبطين الحسن والحسين.

من أهل بيت أكرمهم الله بشرفه ، وشرفهم بكرمه ، وأعزهم بهداه وخصهم لدينه ، واستودعهم سره ، واستحفظهم علمه ، [ جعلهم ] عمدا لدينه ، وشهداء على خلقه ، وأوتاد أرضه ، ونجى [ نجباء ] في علمه ، اختارهم واصطفاهم وفضّلهم واجتباهم علما لعباده [ ومنارا لبلاده ] أولادهم [ ولاهم ] على الصراط.

فهم الأئمة الدعاة ، والسادة الولاة ، والقادة الحماة ، والخيرة الكرام ، والقضاة والحكام ، والنجوم والأعلام ، والعترة الهادية ، والقدوة العالية ، والأسوة الصافية ، الراغب عنهم مارق ، واللازق بهم لاحق هم الرحم الموصلة ، والأئمة

٣٢٣

المتخيرة ، والباب المبتلى به الناس ، من أتاهم نجا ومن نأى عنهم هوى ، حطة لمن دخلهم ، وحجة على من تركهم.

هم الفلك الجاري في اللجج الغامرة ، يفوز من ركبها ويغرق من جانبها ، يتصدع عنهم الأنهار المنشعبة ، وينفلق عنهم الأقاويل الكاذبة ، هم الحصن الحصين والنور المبين وهدى لقلوب المهتدين ، والبحار السائغة للشاربين ، وأمان لمن تبعهم أجمعين ، إلى الله يدعون وبأمره يعملون ، وإلى آياته يرشدون ، فيهم توالت رسله وعليهم هبطت ملائكته ، وإليهم بعث الروح فضلا من ربه [ ربهم ] ورحمة ، فضلهم لذلك وخصّهم وضربهم مثلا لخلقه ، وآتاهم ما لم يؤت أحدا من العالمين ، من اليمن والبركة ، فروع طيبة ، وأصول مباركة ، معدن الرحمة وورثة الأنبياء ، بقية النقباء وأوصياء الأوصياء.

منهم الطيّب ذكره المبارك اسمه ، أحمد الرضي ورسوله الأمي من الشجرة المباركة ، صحيح الأديم واضح البرهان ، والمبلغ من بعده ببيان التأويل وبحكم التفسير ، علي بن أبي طالب ، عليه من الله الصلاة الرضية والزكاة السنية ، لا يحبه إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضه إلاّ منافق شقي.

قال : فلمّا سمع الأعرابي ذلك ، ضرب بيده إلى قائمة سيفه وقام مبادرا ، فضرب ابن عباس يده إليه وقال : إلى أين يا أعرابي؟ قال : أجالد القوم أو تذهب نفسي. قال ابن عباس : أقعد يا أعرابي ، فإن لعلي محبين لو قطعتهم [ قطعهم ] اربا ما ازدادوا له إلاّ حبا ، وإن لعلي بن أبي طالب مبغضين لو ألقمهم العسل ما ازدادوا له إلاّ بغضا. قال : فقعد الأعرابي ، وخلع عليه ابن عباس حلتين حمراوين » (١).

ومنها : قول المقداد رضي‌الله‌عنه عن أهل البيت عليهم‌السلام :

« أهل بيت النبوة ومعدن الفضيلة ونجوم الأرض ونور البلاد » في كلام له

__________________

(١) زين الفتى ـ مخطوط.

٣٢٤

رواه أبوبكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري (١) وجمال الدين المحدّث الشيرازي (٢) وهذا نصه : « عن المعروف بن سويد قال : كنت بالمدينة حين بويع عثمان ، فرأيت رجلا ـ وهو يصفق بإحدى يديه على الأخرى ـ فقلت : ما شأنك يا هذا؟ قال عجبا لقريش واستئثارهم بهذا الأمر عن أهل البيت ، الذي أنزل الله فيهم هذه الآية : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) أهل بيت النبوة ، ومعدن الفضيلة ، ونجوم الأرض ، ونور البلاد ، والله إن فيهم رجلا ما رأيت رجلا بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقول بالحق ولا اقضى بالعدل ولا آمر بالمعروف منه.

قلت : من أنت يرحمك الله؟ قال : أنا المقداد بن عمرو ، قلت : من هذا الذي ذكرت؟ قال : ابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي بن أبي طالب. قال : فلبثت ما شاء الله ، ثم لقيت أباذر فحدّثه بما قال المقداد فقال : صدق أخي ».

ومنها : قول أبي ذر رضي‌الله‌عنه فيهم « أو كالنجوم الهادية ».

قاله في كلام له رواه اليعقوبي وهذا نصه حيث قال : « وبلغ عثمان أن أباذر يقعد في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويجتمع إليه الناس ويحدّث بما فيه الطعن عليه ، وأنه وقف بباب المسجد فقال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري ، أنا جندب بن جنادة الربذي ، إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ، ذرية بعضها من بعض ، والله سميع عليم.

فهم الصفوة من نوح والآل من إبراهيم والسلالة من إسماعيل ، والعترة الهادية من محمد ، آية شرف شريفهم ، واستحقوا الفضل في قوم ، هم فينا كالسماء المرفوعة ، وكالكعبة المستورة ، أو كالقبلة المنصوبة ، أو كالشمس الضاحية ، أو

__________________

(١) السقيفة ـ مخطوط.

(٢) الأربعين ـ مخطوط.

٣٢٥

كالقمر الساري ، أو كالنجوم الهادية ، أو كالشجرة الزيتونة ، أضاء زيتها وبورك زندها ، ومحمد وارث علم آدم وما فضيلت به النبيون ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووارث علمه.

أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها ، أما لو قدّمتم من قدّم الله وأخرتم من أخر الله ، وأقررتم الولاية الوارثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رءوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله ولا اختلف اثنان في حكم الله إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه ، فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » (١).

(٣)

من كلمات العلماء

وأما كلمات العلماء فهي كثيرة جدا ، نذكر بعضها في ما يلي :

قال ابن الصباغ المالكي في فضائل الامام الباقر عليه‌السلام :

« روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ووجوه التابعين ، وسارت بذكر علومه الأخبار ، وأنشدت في مدائحه الأشعار ، فمن ذلك ما قاله مالك بن أعين الجهني من قصيدة يمدحه بها :

إذا طلب الناس علم القرآ

ن كانت قريش عليه عيالا

وإن قال ابن ابن النبي

تلقّت يداه فروعا طوالا

نجوم تهلّل للمدلجين

جبال تورّث علما جبالا » (٢)

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٦٠ ـ ١٦١.

(٢) الفصول المهمة ١٩٦ ـ ١٩٧.

٣٢٦

وقال الكاشفي :

« ان اللسان عن وصف آل محمد لكيل ، وإن جمال كمالهم لمحجوب عن بصائر أرباب البصيرة ، وذلك لأنهم نجوم بروج الهداية ، وبروج نجوم الولاية ... » (١).

وقال السمهودي :

« يحتمل أن المراد من أهل البيت الذين هم أمان الأمة : علماؤهم الذين يقتدى بهم كما يهتدى بنجوم السماء ، وهم الذين إذا خلت الأرض منهم جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون ، وذهب أهل الأرض ، وذلك عند موت المهدي الذي أخبر صلّى الله عليه وسلّم به » (٢).

وقال ابن حجر المكي :

« وقال بعضهم : يحتمل أن المراد بأهل البيت الذين هم أمان علماؤهم ، لأنهم الذين يهتدى بهم كالنجوم ، والذين إذا فقدوا جاء أهل الأرض من الآيات ما يوعدون » (٣).

وقال ابن باكثير المكي الشافعي :

« وأخرج الدارقطني في الفضائل عن معقل بن يسار رضي‌الله‌عنه قال : سمعت أبا بكر رضي‌الله‌عنه يقول : علي بن أبي طالب عترة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، أي الذين حثّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على التمسك بهم والأخذ يهديهم ، فإنهم نجوم الهدى من اقتدى بهم اهتدى ، وخصّه أبوبكر بذلك رضي‌الله‌عنه ، لأنه الامام في هذا الشأن ، وباب مدينة العلم والعرفان ، فهو إمام الأئمة وعالم الأمة » (٤).

__________________

(١) الرسالة العلية في الأحاديث النبوية.

(٢) جواهر العقدين ـ مخطوط.

(٣) الصواعق المحرقة لابن حجر المكي : ٩١.

(٤) وسيلة المآل ـ مخطوط.

٣٢٧

ونقل الشيخاني القادري كلام السمهودي بلفظه (١).

كما أورد الشبراويّ أبيات مالك بن أعين الجهني المتقدّمة مع اختلاف يسير (٢).

وقد عبّر عنهم العجيلي بالنجوم مرارا ، في مواضع عديدة ، منها قوله :

« وقد أوجدهم الله في كل عصر ومصر ، ووجودهم أمان من العذاب كالنجوم أمان لأهل السماء ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، وهو منهم وهم منه كما ورد » (٣)

وقال الشبراوي :

« وقد أكرم الله تعالى آل بيت نبيه بأن جعل فيهم القطبانية ومنهم المجدّد على رأس كلّ سنة لهذه الأمة أمر دينها ،فقد قال الرشيد لموسى الكاظم ـ وهو جالس عند الكعبة ـ أنت الذي تبايعك الناس سرا؟ فقال له : أنا إمام أهل القلوب وأنت إمام الجسوم ، وما أحسن ما قيل :

ملوك على التحقيق ليس لغيرهم

من الملك إلاّ وزره وعقابه

شموس الهدى منهم ومنهم بدوره

وأنجمه منهم ومنهم شهابه » (٤).

وقال الشبلنجي :

« ولأبي الحسن بن جبير رحمه‌الله :

أحب النبي المصطفى وابن عمه

عليا وسبطيه وفاطمة الزهرا

هم أهل بيت أذهب الله عنهم

وأطلعهم أفق الهدى أنجما زهرا

موالاتهم فرض على كل مسلم

وحبهم أسنى الذخائر للأخرى » (٥)

__________________

(١) الصراط السوى ـ مخطوط.

(٢) الإتحاف بحب الاشراف ١٤٣ ـ ١٤٤.

(٣) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

(٤) الإتحاف بحب الاشراف ص ٢٠.

(٥) نور الأبصار / ١١٥.

٣٢٨

وقال الحمزاوي في ذكر فاطمة بنت الحسين عليهما‌السلام :

« ويعجبني مدحا في حضرتها وآل البيت على العموم ، الذين شيّدوا الدين وصاروا في الاهتداء بهم كالنجوم : قول الهمام الفاضل الامام الكامل ولدنا الشيخ أحمد المالكي لقبا الشافعي مذهبا الأبياري بلدا ... » (١).

__________________

(١) مشارق الأنوار / ٩٩.

٣٢٩
٣٣٠

حديث في الاقتداء بأهل البيت

مع شاهدين من شواهده

٣٣١
٣٣٢

ومن الأحاديث الدالة على وجوب الاقتداء بأهل البيت عليهم الصلاة والسلامقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمة من بعدي ... ».

وهذا الحديث رواه جمع من كبار الحفاظ والأئمة :

قال الحافظ أبو نعيم بترجمة علي عليه‌السلام :

« حدثنا محمد بن المظفر ، نا محمد بن جعفر بن عبد الرحيم ، نا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليمان [ سليم ] ، نا عبد الرحمن بن عمران بن أبي ليلى أخو محمد ابن عمران ، نا يعقوب بن موسى الهاشمي ، عن ابن أبي رواد ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، رزقوا فهما وعلما ، [ و ] ويل للمكذّبين لفظهم [ بفضلهم ] من أمتي ، القاطعين [ للقاطعين ] فيهم صلتي ، لا أنا لهم الله شفاعتي » (١).

ورواه في ( منقبة المطهرين ) عن ابن عباس كذلك ».

وقال الرافعي ما نصه :

__________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٨٦.

٣٣٣

« الحسن بن حمزة العلوي الرازي أبو طاهر. قدم قزوين وحدّث بها عن سليمان بن أحمد ـ روى عنه أبو مضر ربيعة بن علي العجلي فقال : ثنا أبو طاهر الحسن بن حمزة العلوي ـ قدم علينا قزوين سنة أربع وأربعين وثلاثمائة ـ ثنا سليمان ابن أحمد ، ثنا عمر بن حفص السدوسي ، ثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ، ثنا يعقوب ابن المغيرة الهاشمي ، عن ابن أبي رواد عن إسماعيل بن أمية ، عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة عدن فليوال عليا من بعدي ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين من أمتي ، لا أنا لهم الله شفاعتي » (١).

ورواه الحمويني (٢) والكنجي (٣) بسندهما عن الحافظ أبي نعيم بلفظه المتقدم.

ورواه المتقي عن الطبراني في الكبير والرافعي عن ابن عباس كما تقدم (٤).

وذكره الشيخ عبد الحق الدهلوي (٥).

ورواه القندوزي البلخي عن أبي نعيم والحمويني (٦).

شاهده : ما رواه أبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي بقوله : « وأخبرنا الامام الأجل أخي شمس الأئمة أبو الفرج محمد بن أحمد بن المكي قال : أخبرنا الامام الزاهد أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل قال : حدثنا الامام السيد الأجل المرشد بالله أبو الحسن يحيى بن الموفق بالله قال : أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي ابن محمد بن يوسف الواعظ بن العلاف قال : أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن

__________________

(١) التدوين.

(٢) فرائد السمطين : ١ / ٥٣.

(٣) كفاية الطالب ٢١٤.

(٤) كنز العمال ١٣ / ٨٩.

(٥) تحقيق الاشارة. رجال المشكاة.

(٦) ينابيع المودة ١٢٦.

٣٣٤

محمد بن حماد المعروف بابن سليم قال : أخبرنا أبو محمد القاسم بن جعفر بن محمد ابن عبد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : حدثني جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين بن علي عن أبيه الحسين الشهيد قال : سمعت جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من أحبّ أن يحيى حياتي ويموت مماتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب وذريته الطاهرين ، أئمة الهدى ومصابيح الدجى من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة » (١).

ويشهد به أيضا ما رواه الحافظ الطبري في ذيل تاريخه قال :

« حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال : ثنا أحمد بن أشكاب قال : ثنا يحيى بن يعلى المحاربي عن عمار بن رزين الضبي ، عن أبي إسحاق الهمداني عن زياد بن مطرف ، قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول : من أحب أن يحيى حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضبانا من قضبانها غرسها في جنة الخلد فليتول علي بن أبي طالب وذريته من بعده ، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوهم في باب ضلالة ».

وهذه الأحاديث اليسيرة قطرة من بحار فضائل العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، وهي كافية لثبوت إمامتهم وخلافتهم ، وبطلان كلمات المعاندين والمبغضين لهم ، وسقوط الأحاديث الموضوعة التي يستدلون بها في مقابلة حديث الثقلين ، وحديث السفينة ، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) المناقب ٣٤.

٣٣٥

ختامه مسك

ورأينا من المناسب ان نختم الكتاب بهذا الحديث الشريف الوارد عن النبي في فضل آله الأطياب عليهم الصلاة والسلام ، وهوما رواه جماعة من الحفاظ منهم الحافظ الكنجي الشافعي بسنده عن أبي ذر الغفاري رضي‌الله‌عنه قال :

« قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : ترد عليّ رأية أمير المؤمنين وإمام الغر المحجلين ، فأقوم فآخذ بيده ، فيبيض وجهه ووجوه أصحابه وأقول : ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : تبعنا الأكبر وصدّقناه وآزرنا الأصغر ونصرناه وقاتلنا معه ـ فأقول : ردوا رواء مرويّين ، فيشربون شربة لا يظمئون بعدها ، وجه إمامهم كالشمس الطالعة ، ووجوههم كالقمر ليلة البدر ، أو كأضواء نجم في السماء » (١).

قال الكنجي : « وفي هذا الخبر بشارة ونذارة من النبي صلّى الله عليه وسلّم : أما البشارة فلمن آمن بالله عز وجل ورسوله وأحب أهل بيته ، وأما النذارة فلمن كفر بالله ورسوله وأبغض أهل بيته وقال ما لا يليق بهم ، وراى رأي الخوارج والنواصب. وهو بشارة لمن أحب أهل بيته ، وأنه يرد الحوض ويشرب منه فلا يظمأ أبدا ، والظمأ هو عنوان دوام العطش وحرمان دخول جنة المأوى ، وأما الثقلان فأحدهما كتاب الله عز وجل ، والآخر عترة النبي وأهل بيته عليهم‌السلام ، وهما

__________________

(١) وممن رواه : الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ / ١٣١ والمناوي في كنوز الحقائق ١٨٨ والحاكم في المستدرك وفيه : أخرجه ابن أبي شيبة ورجاله ثقاة وابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٤٥٧. كذا في هامش كفاية الطالب ط النجف الأشرف.

٣٣٦

أجل الوسائل وأكرم الشفعاء عند الله عز وجل » (١).

ولا يخفى أن هذا الحديث قسم من حديث « الرايات الخمس » وقد روي بتمامه عن أبي ذر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الباب التاسع والستين بعد المائة من كتاب ( اليقين ) لكن الحافظ الكنجي ـ أو غيره من مشايخ الحديث من أهل السنة ـ اختصره ، فرواه بهذا السياق الوجيز.

لكنه ـ مع ذلك ـ يكفي لظهور الحق وزهوق الباطل ، ولا يبقى بعده شك في وجوب متابعة أهل البيت عليهم‌السلام في جميع الأمور ومن جميع الجهات ، وثبوت إمامتهم العامة وخلافتهم المطلقة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأن العاقبة لمن قال بذلك دون غيرهم.

( قال الميلاني ) : هذا آخر الكلام في إثبات امامة أمير المؤمنين عليه‌السلام بحديث السفينة ... والحمد لله على إتمامه ، ونسأله تعالى أن يتقبل هذا العمل وأن يوفقنا لأمثاله مما يحب ويرضى بمحمد وآله الطاهرين ...

__________________

(١) كفاية الطالب ٧٦ ـ ٧٧.

٣٣٧
٣٣٨

فهرس الكتاب

٣٣٩
٣٤٠