نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

الله جرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله رست » (١).

وقال الرازي : « قال ابن عباس : تجري بسم الله وقدرته ، وترسو بسم الله وقدرته وقيل : كان إذا أراد أن تجري بهم قال بسم الله مجريها فتجري ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله مرساها فترسو » (٢).

وقال النيسابوري : « يروى أن كان إذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت ، وإذا أراد أن ترسو قال بسم الله فرست » (٣).

وقال علاء الدين الخازن البغدادي « يعني بسم الله إجراؤها قال الضحاك : كان نوح إذا أراد أن تجري السفينة قال : بسم الله فتجري ، وكان إذا أراد أن ترسو يعني تقف قال بسم الله فترسو أي تقف » (٤).

وقال السيوطي : « وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : كان إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فأرست وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت » (٥).

٥ ـ ( ... تجري بأعيننا ... )

وقال الله عز وجل فيها : ( وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ ) (٦).

قال الطبري : « وقوله : تجري بأعيننا ، يقول جل ثناؤه تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر ، وذكر عن سفيان في تأويل ذلك ما حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان في قوله تجري بأعيننا يقول : بأمرنا » (٧).

__________________

(١) تفسير البغوي ٣ / ١٩٠.

(٢) تفسير الرازي ١٧ / ٢٢٩.

(٣) تفسير النيسابوري ١٢ / ٢٨.

(٤) تفسير الخازن ٣ / ١٩٠.

(٥) الدر المنثور ٣ / ٣٣٣.

(٦) سورة القمر : ١٤.

(٧) تفسير الطبري ٢٧ / ٩٤.

٢٨١

وقال الثعلبي : « قوله عز وجل تجري بأعيننا ، أي بمرأى منا. مقاتل بن حيان : بحفظنا ، ومنه قول الناس للمودع : عين الله عليك. مقاتل بن سليمان : لوحينا. سفيان : بأمرنا » (١).

وقال البغوي : « تجري بأعيننا أي بمرأى منا. وقال مقاتل بن حيان : بحفظنا ومنه قولهم للمودع : عين الله عليك ، وقال سفيان بأمرنا » (٢).

وقال الخازن البغدادي : « تجري يعني السفينة بأعيننا يعني بمرأى منا ، وقيل : بحفظنا ، وقيل بأمرنا » (٣).

وقال ابن كثير الشامي : « وقوله : تجري بأعيننا أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلائتنا » (٤).

٦ ـ وحي الله إلى السفينة

ولقد كانت السفينة تجري بوحي من الله تعالى إليها ، وكانت تحدّث نوحا في مسيرتها وطوافها في الأرض ، قال محمد بن عبد الله الكسائي :

« وقال : وأوحى الله إلى السفينة أن تطوف أقطار الأرض. فعند ذلك أطبق نوح أبوابها. وجعل يتلو صحف شيث وإدريس ، وكانوا لا يعرفون الليل والنهار في السفينة إلاّ بخردة بيضاء كانت مركبة في السفينة إذا نقص ضوءها علموا أنه ليل ، وإذا زاد ضوءها علموا أنه نهار ، وكان الديك يصقع عند الصباح فيعلمون أنّه قد طلع الفجر.

قال وهب : إذا صقع الديك يقول : سبحان الملك القدوس ، سبحان من أذهب الليل وجاء بالنهار ، يا نوح الصلاة يرحمك الله.

__________________

(١) الكشف والبيان ـ مخطوط.

(٢) تفسير البغوي ٣ / ١٨٨.

(٣) تفسير الخازن ٣ / ١٨٨.

(٤) تفسير ابن كثير ٤ / ٢٦٤.

٢٨٢

قال : والدنيا كلها أطبقت بالماء ولا يرى فيها جبل ولا حجر ولا شجر ، وكان الماء قد علا أعلى الجبال أربعين ذراعا ، وسارت السفينة حتى وقعت ببيت المقدس ثم وقفت وقالت : يا نوح هذا البيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من ولدك عليهم‌السلام. ثم كرّت راجعة حتى صارت موضع الكعبة ، وطافت سبعا ، ونطقت بالتلبية فلبّى نوح ومن معه في السفينة ، وكانت لا تقف في موضع إلاّ تناديه وتقول : يا نوح هذه بقعة كذا ، وهذا جبل كذا وكذا ، حتى طافت بنوح الشرق والغرب ، ثم كرّت راجعة إلى ديار قومه وقالت : يا نوح يا نبي الله ، ألا تسمع صلصلة السلاسل في أعناق قومك ( مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً ) (١).

قال : « ولم تزل السفينة كذا ستة أشهر أوّلها رجب وآخرها ذي الحجة » (٢).

٧ ـ لولا أهل البيت ما سارت

ولقد كان أهل بيت نبيّنا عليه وعليهم الصلاة والسلام السبب الحقيقي لحركة سفينة نوح ونجاة أهلها من الغرق والهلاك ، كما جاء في حديث رواه الحافظ محب الدين محمد بن محمود بن النجار البغدادي المترجم له ببالغ الثناء والتعظيم في تذكرة الحفاظ ٤ / ٢١٢ والعبر ٥ / ١٨٠ وفوات الوفيات ٢ / ٥٢٢ والوافي بالوفيات ٥ / ٩ ومرآة الجنان ٤ / ١١١ وطبقات السبكي ٥ / ٤١ وطبقات الأسنوي ٢ / ٥٠٢

__________________

(١) سورة نوح : ٢٥.

(٢) قصص الأنبياء للكسائي ـ مخطوط ، ومحمد بن عبد الله الكسائي من علماء القرن الخامس الهجري وكتاب « بدء الدنيا وقصص الأنبياء لمحمد بن عبد الله الكسائي منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق أولها : هذا كتاب فيه قصص الأنبياء ... قال الامام محمد بن عبد الله الكسائي : هذا كتاب جمعته في خلق السموات والأرض وخلق الجن والانس وأحوال الأنبياء على قدر ما وقع لي من أخبارهم واتصل لي من ابتدائهم واجتهدت وتخيرت ما اقترب منها وألقيت ما بعد ... » انظر فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية التاريخ وملحقاته ١٢٣ فما في كشف الظنون من نسبته الى علي بن حمزة الكسائي المشهور سهو.

٢٨٣

وغيرهابترجمة الحسن بن أحمد المحمدي بسنده :

« عن أنس بن مالك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : لما أراد الله عز وجل أن يهلك قوم نوح عليه‌السلام أوحى الله إليه أن شق ألواح الساج ، فلما شقّها لم يدر ما صنع ، فهبط جبرائيل عليه‌السلام فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت فيه مائة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار ، فسمر المسامير كلّها في السفينة إلى أن بقيت خمسة مسامير ، فضرب بيده الى مسمار منها فأشرق في يده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير من ذلك نوح فأطلق الله ذلك المسمار بلسان طلق ذلق فقال : أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله ، فهبط جبرائيل فقال له : يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ، قال : هذا بسم خير الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وسلّم أسمره في أولها على جانب السفينة الأيمن ، ثم ضرب بيده على مسمار ثان فأشرق وأنار ، فقال نوح عليه‌السلام وما هذا المسمار؟ قال : مسمار أخيه وابن عمه علي بن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة اليسار في أولها ، ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار فقال له جبرائيل عليه‌السلام : هذا مسمار فاطمة عليها‌السلام فأسمره إلى جانب مسمار أبيها صلّى الله عليه وسلّم ، ثمّ ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار فقال له : هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه ، ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فأشرق وأنار وبكى وأظهر النداوة فقال : يا جبرائيل ما هذه النداوة؟ فقال : هذا مسمار الحسين بن علي سيد الشهداء فأسمره إلى جانب مسمار أخيه.

ثم قال النبي صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى : ( وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ ) قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : الألواح خشب السفينة ونحن الدسر ولولانا ما سارت السفينة بأهلها » (١).

__________________

(١) ذيل تاريخ بغداد ـ مخطوط.

٢٨٤

فهذه من خصائص سفينة نوح ، وهل هي بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم؟! كلاّ والله ... ومثل أهل البيت مثل سفينة نوح ...

٢٨٥
٢٨٦

النظر في كلام آخر للدهلوي

٢٨٧
٢٨٨

ولقد حاول ( الدهلوي ) أن يصرف ـ بأسلوب خدّاع ـ حديث السفينة عن مفاده الحقيقي ومعناه الواقعي ، فقال في تفسيره ( فتح العزيز ) تبعا للشيخ يعقوب الملتاني :

( حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ ) أي حملناكم في السفينة الجارية على ماء الطوفان ولم تغرق ، وبالرغم من اشتراك الجميع في العذاب فقد حفظناكم إذ كنتم في أصلاب المؤمنين ، ولقد جرت سفينتكم على مادة العذاب تلك ـ وهي ماء الطوفان ـ بسلام ، كما يجري المؤمنون من على الصراط المنصوب على جهنم يوم القيامة ( لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ) وهذا من فوائد ذلك ، أي : لنجعل السفينة لكم تذكرة ، فتصنعونها من الألواح الخشبية وتنتقلون بها من بلد إلى آخر ، وتركبون فيها متى خفتم من الغرق ، ويظهر لكم بالتأمل في ذلك أن الخلاص من ثقل الذنوب ـ التي تغرق صاحبها وترميه إلى قعر الهاوية ـ لا يمكن إلاّ عن طريق التوسل بالأشخاص الذين وصلوا إلى مرتبة أصبحوا بها ظرف ألطف اللطفاء ، نظير الظرف الخشبي الذي يملؤه الهواء اللطيف ، فلا بدّ من السعي ـ كيفما كان ـ حتى نجعل أنفسنا في هذه الظروف لتشملنا بركة ذاك اللطيف ـ وهو مظروفها ـ ونتخلّص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد بين الظرف واللطيف المظروف.

ولما كانت الظروف اللطيفة نادرة الوجود في كلّ عصر ، فلا بدّ من الطلب

٢٨٩

الحثيث لها والفحص عنها ثم متابعتها والانقياد لها بجميع الجوارح والأركان ، وتلك الظروف في هذه الأمة هم أهل بيت المصطفى عليهم‌السلام ، فمن أحبهم واتبعهم أحبوه بقلوبهم المنورة العامرة بنور الله جل اسمه ، وإذا كان كذلك حصل النجاة من الذنوب ... ومن هنا جاء فيالحديث : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق.

ووجه تخصيصهم بهذه المرتبة والفضيلة هو : إن سفينة نوح كانت الصورة العملية لكمال نوح عليه‌السلام ، وكان أهل البيت عليهم‌السلام الصورة العملية لكمال خاتم المرسلين صلّى الله عليه وسلّم من قبل الله تعالى وهي عبارة عن الطريقة ، إذ لا يتصور وجودها في أحد إلاّ إذا ناسبه في القوى الروحية : في العصمة والحفظ والفتوة والسماحة ، وهذه المناسبة لا تحصل إلاّ مع علاقة الأصلية والفرعية وجهة الولادة منه صلّى الله عليه وسلّم ، فلذا جعل هذا الكمال ـ مع جميع شعبه وفروعه ـ فيهم ، وهذا معنى الامامة التي يوصي بها الواحد منهم إلى الآخر عند وفاته ، وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الامة إليهم ، وأن من تمسك بحبل الله ، يرجع إليهم لا محالة ويركب سفينتهم.

وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فإنّه قد تجلى غالبا في أصحابه الكرام ، إذ من اللازم والضروري ـ لانطباع ذلك الكمال ـ هو ملازمة التلميذ لاستاذه الزمن الطويل ، وتفطنه لخصائصه وتعلمه لأساليبه في حل المشكلات واستخراج المجهولات ، ولذاقال صلّى الله عليه وسلّم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

وبما أن قطع بحر الحقيقة لا يكون إلاّ بجناحي العلم والعمل ، فإنّ من الضروري للمسلم أن يتمسك بهما معا ، كما أن قطع البحر لا يمكن من دون ركوب السفينة مع ملاحظة النجوم ليهتدي بها في سيره ، ولذا قال ( وَتَعِيَها ) أي : وتعي قصة السفينة ونجاة المؤمنين بها من الغرق ( أُذُنٌ واعِيَةٌ ) : وفيالحديث : أنه لما نزلت هذه الآية قال صلّى الله عليه وسلّم لعلي كرم الله وجهه : سألت الله

٢٩٠

أن يجعلها أذنك يا علي ، ومن أجل هذا كانت هذه المرتبة وهذا الشرف خاصا بأمير المؤمنين ، إذ لا يتصور أن يكون أهل البيت سفينة النجاة إلاّ بواسطة علي ، وذلك لأن أهل بيته ـ المؤهلين للامامة ـ كانوا صغارا حينذاك ، وكان إحالة تربيتهم إلى غيره منافيا لشأنه وكماله ، فلا جرم كان من الضروري جعل أمير المؤمنين سببا للنجاة والخلاص من الذنوب وأن يكون إماما للناس ، ومصدرا لكمالات النبي صلّى الله عليه وسلّم العملية ، كي ينقلها هو بدوره بحكم الابوة إلى أولاده ، ولكي تبقى هذه السلسلة إلى يوم القيامة ، ولهذا فقد خاطب أمير المؤمنين بـ « يعسوب المؤمنين ».

هذا ، بالاضافة إلى أن الأمير تربى في حجر النبي عليه‌السلام ثم صار صهره وشاركه في كلّ الأمور حتى كأنّه ابنه صلّى الله عليه وسلّم ، وحصلت له ـ بفضل ذلك ـ مناسبة كلية معه صلّى الله عليه وسلّم في قواه الروحية ، فأصبح الظل والصورة لكمالاته العملية التي هي عبارة عن الولاية والطريقة ، وهكذا تضاعف ـ بفضل دعائه صلّى الله عليه وسلّم في حقه ـ استعداده وبلغ الكمال ، كما تظهر آثاره في ظواهر الأولياء وبواطنهم في كلّ طريقة وسلسلة ، والحمد لله ».

الرد على هذا الكلام

أقول :

وهذا الكلام فيه الحق والباطل ونحن نوضح ذلك في ما يلي :

١ ـ قوله : إن الخلاص من ثقل الذنوب ... مدح لأهل البيت عليهم‌السلام وهو في نفس الوقت ذم لغيرهم ، لأنه يفهم عدم وجود من بلغ هذه المرتبة السامية في صحابة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢ ـ قوله : فلا بدّ من السعي ... فيه تنقيص وذم الأصحاب الذين لم يكونوا بصدد ذلك في وقت الأوقات ، بل كانوا على العكس منه كما يشهد بذلك تاريخهم.

٢٩١

٣ ـ قوله : ونتخلص من ثقل الذنوب على أثر الاتحاد ... فيه : إن الاتحاد بهذا المعنى مردود لدى المحققين من أهل العرفان ، لأن دعوى هذا الاتحاد ـ ولو مجازا ـ لا تخلو ـ عندهم ـ من الجسارة وسوء الأدب ...

٤ ـ لقد اعترف بأن : هذه الظروف نادرة الوجود في كل عصر ... وهذا يدل ـ بالنظر الدقيق ـ على حقية مذهب الامامية ، لأن مراد ( الدهلوي ) من « الظروف » هم الذوات المقدسة من « أهل البيت » وهم الأئمة « الاثنا عشر » الذين تعتقد الامامية ـ بالاتفاق ـ بعصمتهم وطهارتهم.

فدعوى ( الدهلوي ) شمول « أهل البيت » لغير « الاثني عشر » ومناقشته دلالة « حديث الثقلين » و « حديث السفينة » من هذه الجهة باطلة من كلامه في هذا المقام.

٥ ـ قوله : فلا بدّ من الطلب الحثيث لها ... فيه طعن في الذين تركوا هذا الأمر ، بل فعلوا بهم من القتل والظلم والتشريد ، فويل لهم ولأتباعهم ..

٦ ـ لقد اعترف بأن : تلك الظروف في هذه الأمة هم أهل البيت ... وهذا يقتضي أنهم عليهم‌السلام أفضل من غيرهم ، وأولى بالاتباع والانقياد لهم من سواهم ، وبهذا تسقط مقالات ( الدهلوي ) ووالده وغيرهما في تفضيل غيرهم عليهم.

٧ ـ ما ذكره في وجه تخصيصهم بهذه المرتبة ... كلمة حق يراد بها باطل ، لأنهم عليهم‌السلام ورثوا جميع كمالات أبيهم ـ العملية والعلمية ـ ولا كلام للمحققين في أنهم مصادر الشريعة وأئمة الأمة ، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة ( جواهر العقدين ) و ( ذخيرة المآل ).

٨ ـ ذكر ( الدهلوي ) أنه لا يتصور وجود الصورة العملية في أحد إلاّ إذا ناسب النبي صلّى الله عليه وسلّم في القوى الروحية : العصمة والحفظ والفتوة والسماحة ، ولا تتحقق هذه المناسبة إلاّ عند وجود علاقة الفرعية ، ومن المعلوم أن ذلك كلّه لم يوجد إلاّ في أهل البيت عليهم‌السلام. وأما مشايخ القوم فقد كانوا

٢٩٢

بمعزل من هذه الخصائص ، بل لا يتصور وجودها فيهم فضلا عن تحققها لديهم ، وعلى هذا الأساس أيضا تثبت إمامة أهل البيت وخلافتهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دون أولئك الذين لم يكن لهم نصيب من كمالات الرسول وخصائصه الروحية.

٩ ـ ذكر : أن الكمال العملي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بجميع شعبه وفروعه ـ انتقل إلى أهل البيت وكانوا هم أهله ، وهذا معنى الامامة التي كان الواحد منهم يوصي بها إلى الآخر عند وفاته.

وهذا الكلام ـ وإن كان يثبت أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام من هذه الناحية ـ تمهيد منه لتقديم غيرهم عليهم في الناحية العلمية ، وهي دعوى باطلة مردودة بوجوه لا تحصى ، لأن أعلميتهم من غيرهم أمر مقطوع به ، ولو أردنا جمع الآيات والروايات الدالة على ذلك ، ثم استقصاء القضايا التي رجع الخلفاء وغيرهم إليهم لصارت كتابا ضخما ، وقد ذكرنا طرفا وافيا منها في مجلد حديث « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فليراجع.

ثم إنه حمل الامامة ، على المعنى المصطلح عليه لدى « الصوفية » وهذا باطل أيضا ، بل المراد من « الامامة » ـ كما ذكر علماء أهل الحق ، وأوضحناه في مجلّد حديث الثقلين وحديث السفينة ـ هو معناها المعروف الشائع ، وهو « الخلافة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع الشئون » ، كما أنّا أبطلنا في قسم « حديث التشبيه » دعوى انحصارها في « القطبية والإرشاد ».

١٠ ـ قوله : وهذا سر انتهاء سلاسل أولياء الأمة إليهم ... طعن صريح في ظالمي أهل البيت عليهم‌السلام وغاصبي حقوقهم ، وردّ على من جحد هذه الفضيلة كابن تيمية في ( منهاج السنة ) ووالد ( الدهلوي ) في كتابيه ( قرة العينين ) و ( إزالة الخفاء ) وقد أوردنا كلماتهم في قسم « حديث التشبيه ».

٢٩٣

رجوع كبار الصحابة إلى علي في المعضلات

١١ ـ قوله : وهذا بخلاف الكمال العلمي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ... باطل ، ويشهد ببطلانه كلّ مصنف ، بل لا نسبة علوم أهل البيت عليهم‌السلام وعلوم الصحابة إلا كنسبة الذرة إلى عين الشمس والقطرة إلى البحر المحيط ، وكيف لا يكون كذلك؟! وهم أبواب علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومراجع الأصحاب وغيرهم في جميع العلوم ، وقد أمروا بالأخذ منهم والانقياد لأوامرهم ونواهيهم :

قال الشافعي في حق أمير المؤمنين ـ فيما نقل عنه الفخر الرازي في مناقبه : « وأكثر ما أخذ عنه في زمان عمر وعثمان ، لأنهما كانا يسألانه ويرجعان إلى قوله ، وكان علي كرّم الله وجهه خص بعلم القرآن والفقه ، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم دعا له وأمره أن يفتي بين الناس ، وكانت قضاياه ترفع إلى النبي فيمضيها ».

وقال النووي : « وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات أيضا مشهور » (١).

وقال الكرماني : « وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المسائل المعضلات أيضا مشهور » (٢).

وقال ابن روزبهان : « رجوع الصحابة إليه في الفتوى غير بعيد ، لأنه كان من مفتي الصحابة ، والرجوع إلى المفتي من شأن المستفتين ، وأن رجوع عمر إليه كرجوع الأئمة وولاة العدل إلى علماء الأمة » (٣)

وقال القاري : « والمعضلات التي سأله كبار الصحابة ورجعوا إلى فتواه فيها

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٤٦.

(٢) الكواكب الدراري في شرح البخاري ٢ / ١٠٩.

(٣) إبطال الباطل لابن روزبهان.

٢٩٤

فضائل كثيرة شهيرة ، تحقققوله عليه‌السلام : أنا مدينة العلم وعلي بابها. وقوله عليه‌السلام ، أقضاكم علي » (١).

وقال الحنفي : « قوله « عيبة علمي » أي : وعاء علمي الحافظ له ، فإنه باب مدينة العلم ، ولذا كانت الصحابة تحتاج إليه في فكّ المشكلات » (٢).

وقال العجيلي : « ولم يكن يسأل منهم واحدا ، وكلهم يسأله مسترشدا ، وما ذلك إلاّ لخمود نار السؤال تحت نور الاطلاع » (٣).

وفوق هذا كله : فقد أنطق الحق نصر الله الكابلي فقال في ( الصواقع ) :

« ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلّف عنهم ، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل عليهم من المسائل ، وذلك لأن ولاءهم واجب وهديهم هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم ».

ومن أراد المزيد من هذه الكلمات فعليه بمراجعة قسم حديث ( مدينة العلم ) من كتابنا.

هذا ، ومن العجيب : استدلال ( الدهلوي ) لدعوى تجلى علوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحابة بملازمتهم له وتفطنهم وتعلمهم ، والحال أن هذه الأوصاف كلها كانت مجموعة لدى أهل البيت عليهم‌السلام والأصحاب بعيدون عنها غاية البعد ، والشواهد على جهلهم بالقضايا والأحكام كثيرة جدا ، وقد ذكر طرف منها في ( تشييد المطاعن ) ومجلّد حديث ( مدينة العلم ).

كلمات في حديث النجوم

١٢ ـ استشهاد ( الدهلوي ) بحديث النجوم لاثبات مرامه واضح البطلان ، فإن هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة الباطلة لدى الحفاظ

__________________

(١) شرح الفقه الأكبر ١١٣.

(٢) حاشية الجامع الصغير.

(٣) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

٢٩٥

الأعيان ، كما تقدم بالتفصيل في مجلّد حديث الثقلين ، وإليك بعض كلماتهم فيه :

قال السبكي : « وهذا حديث قال فيه أحمد : لا يصح ، ثم إنه منقطع ... » (١).

وقال الشاطبي : « ... إنه مطعون في سنده ... » (٢).

وقال ابن أمير الحاج : « ... له طرق بألفاظ مختلفة ولم يصح منها شي ... » (٣).

وقال ابن حزم ما ملخّصه : « وأما الحديث المذكور فباطل مكذوب من توليد أهل الفسق لوجوه ضرورية : أحدها : إنه لم يصح من طريق [ النقل ] والثاني : أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يجز أن يأمر بها نهى عنه ، وهو عليه‌السلام قد أخبر أن أبا بكر قد أخطأ في تفسير فسّره ، وكذب عمر في تأويل تأوّله في الهجرة ... فمن المحال الممتنع الذي لا يجوز البتّة أن يكون عليه‌السلام يأمر باتباع ما قد أخبر أنه خطأ ، فيكون حينئذ أمر بالخطإ ، تعالى الله عن ذلك ، وحاشا له عليه‌السلام من هذه الصفة ... والثالث : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يقول الباطل بل قوله الحق ، وتشبيه المشبّه للمصيبين بالنجوم تشبيه فاسد وكذب ظاهر ، لأنه من أراد جهة مطلع الجدي فأم جهة مطلع السرطان لم يهتد بل قد ضل ضلالا بعيدا وأخطأ خطأ فاحشا وخسر خسرانا مبينا ، وليس كلّ النجوم يهتدى بها في كل طريق. فبطل التشبيه المذكور ، ووضح كذب ذلك الحديث وسقوطه وضوحا ضروريا » (٤).

وقال أيضا : « وأما الرواية أصحابي كالنجوم فرواية ساقطة ... » (٥).

__________________

(١) الابهاج في شرح المنهاج ٢ / ٣٦٨.

(٢) الموافقات ٤ / ٨٠.

(٣) التقرير والتحبير ٣ / ٣١٢.

(٤) الاحكام في أصول الاحكام ٥ / ٦٤ ـ ٦٥.

(٥) المصدر نفسه ٦ / ٨٢.

٢٩٦

١٣ ـ قوله : وبما أن قطع بحر الحقيقة ... مبني على ما ذكره سابقا ، وقد ثبت مما تقدم أن أهل البيت عليهم‌السلام قد حازوا الكمالات العلمية والعملية معا ، فما ذكره مبنى وبناء باطل.

الأذن الواعية : علي عليه‌السلام

١٤ ـ لقد اعترف ( الدهلوي ) بأن « الأذن الواعية » في الآية الكريمة (١) هو « أمير المؤمنين عليه‌السلام » وقد صرّح بهذا كبار علماء أهل السنة أيضا (٢). وهو دليل واضح على أعلميته عليه الصلاة والسلام ، فمن العجيب تقديمه غيره عليه من الناحية العلمية ، والأعجب من ذلك : نفي خلافته عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، لأن الأعلمية تستلزمها كما هو واضح.

١٥ ـ لم يكن كون « أهل البيت » سفينة النجاة متوقفا على كون « علي » عليه‌السلام « الأذن الواعية » كما يدعي ( الدهلوي ) في قوله : من أجل هذا ...

بل لما كان علي عليه‌السلام المصداق الأتم لقوله تعالى : ( قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ ) (٣) وكان باب مدينة علم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استحق أن يكون « الأذن الواعية ».

١٦ ـ ولما كان عليه‌السلام سبب نجاة « سفينة نوح » ـ كما تقدم في حديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكان مثله كمثل تلك السفينة في إنجاء الأمة من الهلاك ، كان ذكره عليه‌السلام ـ بهذا الصفة ـ في القرآن الكريم بعد بيان قصة سفينة نوح عليه‌السلام أولى وأحرى.

وأما أهل البيت عليهم‌السلام فإن كلّ واحد منهم بالاستقلال مثل كمثل سفينة نوح ، وكانوا بأجمعهم ـ سواء كانوا كبارا أم صغارا ـ كمثل سفينة نوح على

__________________

(١) سورة الحاقة ـ ١٢.

(٢) أنظر : الدر المنثور في تفسير الآية ، وكنز العمال ٣ / ٣٩٨ وغيرهما.

(٣) سورة الرعد ـ ٤٣.

٢٩٧

عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك ظاهر كل الظهور ، ولكن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

تنبيهات على مقاصد الدهلوي ومزاعمه

١٧ ـ قوله : وذلك لأن أهل بيته ـ المؤهلين للامامة ـ كانوا صغارا حينذاك ... يشتمل على مكايد نشير إليها :

(١) حصر إمامة أهل البيت بالامامة في الطريقة ظلم صريح.

(٢) كون الحسنين عليهما‌السلام مؤهلين للامامة بالأصالة ، وكون على عليه‌السلام أماما بالجعل نفاق عجيب.

(٣) دعوى عدم أهلية الحسنين عليهما‌السلام للامامة في الطريقة في العهد النبوي وخلّوهما من الكمال العملي بسبب الصغر ، نصب صريح.

(٤) دعوى جهلهما في العهد النبوي بعلم قواعد النجاة من الذنوب ، نصب صريح كذلك.

(٥) الاعتراف بأن إحالة تربيتهما إلى غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينافي مقامه ، ثم الاعتقاد بصحة خلافة الثلاثة وكونهما من رعاياهم ـ كما هو مقتضى مذهبهم ـ غي وضلال ، إذ كما أن تلك الإحالة كانت تنافي شأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن كون الحسنين عليهما‌السلام تحت حكومة أولئك ينافيه بالأولوية القطعيّة ، فثبت بطلان خلافة الجماعة.

(٦) لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملقيا قواعد النجاة من الذنوب إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وناصبا إياه للامامة في الطريقة فحسب كما يزعم ( الدهلوي ) ، بل إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمه جميع علومه كما في مجلّد ( حديث مدينة العلم ) وهكذا قد فوض إليه الامامة الكبرى والزعامة العظمى من بعده ، وقد أتم الحجة على الأمة في ذلك مرارا عديدة وفي مواطن كثيرة ، فهو عليه‌السلام المرآة العاكسة لجميع كمالات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلمية

٢٩٨

والعملية ، وفضائله الذاتية والكسبية ، وأوضح الأدلة على ذلك قوله تعالى : ... ( وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) ... (١). وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنت مني وأنا منك » والله العاصم.

(٧) قوله : كي ينقلها ... دليل جهله وعدم معرفته بمراتب أهل البيت عموما وعلي والحسنين عليهما‌السلام خصوصا ، إذ أنهم يملكون جميع الكمالات التي كانت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى في صغرهم ، على أن للحسنين عليهما‌السلام امتيازا خاصا في هذا المضمار ، وقد برهن عليه في كتاب ( تشييد المطاعن ) فمن شاء فليرجع إليه.

لقد كانا حائزين لجميع الكمالات في حياة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، لكن عليا كان الامام حينذاك بسبب أفضليته منهما من وجوه عديدة ، ومن هنا جاء فيالحديث ـ فيما رواه ابن ماجة في ( السنن ) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما » ، وفي حديث آخر ذكره البدخشي عن الحافظ ابن الأخضر صاحب ( معالم العترة ) : « هما فاضلان في الدنيا وفاضلان في الآخرة وأبوهما خير منهما » (٢).

بل إمامتهما ثابتة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن هناقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » رواه المولوي صديق حسن خان القنوجي (٣). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسين عليه‌السلام : « أنت إمام ابن إمام أخو امام » رواه الشيخ البلخي (٤).

كما ثبت إمامتهما من الأحاديث الواردة في شأن الاثني عشر عليهم‌السلام ، وقد تقدم بعضها ويأتي طرف منها في الأجزاء الآتية إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٦١.

(٢) مفتاح النجا ـ مخطوط.

(٣) السراج الوهاج في شرح صحيح مسلم.

(٤) ينابيع المودة ص ٤٤٥.

٢٩٩

(٨) لم يكن ما نقله أمير المؤمنين عليه‌السلام إليهما بحكم الأبوة كما يقول ( الدهلوي ) ، بل كان بحكم النبوة ، أي : بأمر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٩) ولم يكن ذلك بقصد بقاء السلسلة ، بل إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بقاء كمالاته العلمية والعملية في أهل بيته المعصومين إلى يوم القيامة ، كما هو مفاد حديث الثقلين وحديث السفينة وغيرهما.

(١٠) لم يقصد ( الدهلوي ) من هذا الكلام الطويل إلاّ صرف دلالة حديث السفينة على الامامة المطلقة والخلافة العامة إلى الامامة في الطريقة والولاية ، ولكن ، لا يحيق المكر السّيء إلاّ بأهله.

١٨ ـ اعتراف ( الدهلوي ) بمخاطبة النبي لعلي عليهما‌السلام بـ « يعسوب المؤمنين » يؤيد صحة اعتقاد أهل الحق ، والحمد لله.

١٩ ـ اعترافه بأنه : تربى في حجر النبي صلّى الله عليه وسلّم ... دليل أيضا على أفضليته وإمامته ، لكن ( الدهلوي ) يقصد به معنى آخر وهو : جعل علي عليه‌السلام من مصاديق « أبنائنا » دون « أنفسنا » في آية المباهلة كما صرح بذلك في كتابه ( التحفة ) في الجواب عن الاستدلال بها ، ولكن ذلك واضح البطلان ، ويشهد ببطلانه كلمات العلماء الأعيان ، وقد تبيّن ذلك في ( المنهج الأول ) من الكتاب.

٢٠ ـ اعترافه بأن عليا عليه‌السلام ناسب النبي صلّى الله عليه وسلّم في القوى الروحية والصفات الإلهية ... يستلزم الطعن في من تقدم عليه في الامامة والخلافة ... كما لا يخفى.

والخلاصة : لقد ظهر أن ( الدهلوي ) لا يقصد من هذا الكلام الطويل إلاّ إنكار فضل أهل البيت عليهم‌السلام ، وتقديم غيرهم عليهم بأساليب خداعة وتزويرات مكشوفة ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ).

٣٠٠