نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

والثانية : التقية ، فكلما أرادوا شيئا يتكلّمون به ، فإذا قيل لهم هذا خطأ وظهر بطلانه قالوا : إنما قلناه تقية » (١).

وقد أورد الشهرستاني كلام سليمان بن جرير وهذا نصه : « ثم إنه طعن في الرافضة فقال : إن أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط بهما عليهم ، إحداهما : القول بالبداء ، فإذا أظهروا قولا أنه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا : بدا الله تعالى في ذلك ، والثانية : التقية ، وكل ما أرادوا تكلّموا به ، فإذا قيل لهم : ذلك ليس بحق وظهر لهم البطلان قالوا : إنما قلناه تقية وفعلناه تقية » (٢).

تحريف الدهلوي الكلام المذكور

ومن غرائب الأعمال الفاضحة تحريف ( الدهلوي ) كلام الشهرستاني هذا وإقحامه فيه عبارات من عنده ، فقد جاء في حاشية المكيدة السابعة بعد المائة من باب المكايد من ( التحفة ) ما نصه : « قد نقل صاحب الملل والنحل عن سليمان بن جرير من الزيدية أنه قال : إن أئمة الرفض وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط بهما عليهم.

إحداهما : القول بالبداء ، فإذا تليت عليهم الآيات الدالة على مدح الصحابة والثناء الحسن عليهم أولوها بالبداء وقالوا : بدا لله تعالى في حالهم ، وكذا إذا أخبروا أتباعهم بأنه سيكون لهم شوكة وقوة ثم لا يكون الأمر على وفق ما وعدوا به قالوا : بد الله في ذلك.

والثانية : التقية ، فكلما رويت عندهم عن أمير المؤمنين والأئمة ما يدل على الثناء في حق الصحابة والألفة معهم والمؤانسة بهم والمصاهرة والمؤاكلة والمشاربة والصلاة خلف الخلفاء ورواية الحديث عنهم ولهم قالوا : هذا كله محمول على

__________________

(١) المحصل للرازي ١٨٢.

(٢) الملل والنحل ١ / ١٦٠.

٢٦١

التقية ، بل بعض فضلائهم إذا تكلم بكلام باطل فقيل له : هذا باطل عندك وعلى وفق قواعدك وقواعد أصحابك وروايات أئمتك قال : إنما قلناه تقية وتلبيسا للأمر.

أقول : هاهنا مقالة ثالثة هي حصنهم الحصين وحرزهم الحريز وهي الرجعة ، فإن الآيات الدالة على غلبة الحق وأهله ، وكذا الأحاديث المبشرة بحصول الأمن والغنى والجاه والثروة إذا أوردت عليهم قالوا : هذه المواعيد كلها يكون عند الرجعة ».

أقول : قد أضاف ( الدهلوي ) على كلام الشهرستاني جملة : « فإذا تليت عليهم ... » وجملة « فكلما ... ». وأسقط جملة : « وكلما أرادوا تكلّموا ... » ووضع في مكانها : « بل بعض فضلائهم ... ».

ثم إنه أضاف قضية الرجعة مصدرة بكلمة « أقول » ليوهم الناظر في كتابه أنه من كلام الشهرستاني ، وأن ما ذكره قبل « أقول » كلام سليمان بن جرير ... وهل هذا إلاّ خيانة وتدليس؟!

كلام الدواني

ومما يدل على انحراف أهل السنة عن أهل البيت عليهم‌السلام قول الدواني ـ حيث زعم العضدي أن الفرقة الناجية التي يعنيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث افتراق الأمة هم الأشاعرة دون غيرهم ـ : « فإن قلت : كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة وكلّ فرقة تزعم أنها الناجية؟

قلت : سياق الحديث مشعر بأنهم مقتدون بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة ، فإنهم يتمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المروية عنه عليه‌السلام وعن أصحابه رضي الله عنهم لا يتجاوزون عن ظواهرها إلاّ بضرورة ، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة ومن يحذو حذوهم ، ولا مع النقل عن غيرهم كالشيعة المتشبثين بما روي عن

٢٦٢

أئمتهم لاعتقادهم العصمة فيهم » (١).

وقد أفرط الخلخالي في العناد والانحراف فقال في ( حاشيته على شرح العقائد ) معلقا على عبارة الدواني : « لأجل اعتقادهم العصمة في أئمتهم وعدم صدور الكذب والافتراء منهم ».

أي : أن الاعتقاد بمعصمة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وعدم صدور الكذب والافتراء هو مما يختص بالشيعة الامامية ، وأما أهل السنة فيخالفونهم في ذلك ويرونه اعتقادا باطلا ومذهبا منكرا.

فهذه عقيدة أهل السنة في أئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، لا ما زعمه ( الدهلوي ) ...

قوله : وإذا كان الشيعة لا يعتبرون كتب أهل السنة فبما ذا يجيبون عن الأحاديث الواردة عن الشيعة ، سواء في العقائد الإلهية والفروع الفقهية الموافقة لأهل السنة ، كما سيأتي في هذا الكتاب؟

أقول :

لقد أجاب علماؤنا الأعلام عن استدلالات ( الدهلوي ) بروايات الشيعة في الأصول والفروع في ردودهم على أبواب ( التحفة ) ، وقد أتموا الحجة على أولياء ( الدهلوي ) وأوضحوا المحجة لهم ، وبرهنوا على تخلّفهم عن سفينة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك وغوى ، والحمد لله رب العالمين.

لا دلالة للحديث إلاّ على نجاة الإثني عشرية فحسب

قوله :

ولبعض علماء الشيعة في هذا المقام تأويل خدّاع لا بدّ من ذكره وتنفيده ،

__________________

(١) شرح العقائد بحاشية الشيخ محمد عبده ( الشيخ محمد عبده بين الفلاسفة والمتكلمين ) ١ / ٢٨.

٢٦٣

حيث يقول : إن تشبيه أهل البيت بالسفينة في هذا الحديث يقتضي أن لا يكون حب جميع أهل البيت واتّباعهم ضروريا في النجاة والفلاح ، فإنّ من يستقر في زاوية واحدة من السفينة ينجو من الغرق بلا ريب ، بل إن التنقل من مكان إلى آخر فيها ليس أمرا مألوفا ، فالشيعة لتمسكهم ببعض أهل البيت ناجون ، ولا يرد عليهم طعن أهل السنة في ذلك.

أقول :

ليس هذا التقرير البارد لأحد من علماء الشيعة ، والذي أظنه ـ وظن الحرّ يقين ـ أنه من صنع يد ( الدهلوي ) نفسه وقد نسبه إلى الشيعة تهجينا لهم وتمهيدا للردّ عليهم ، وإلاّ فليذكر أولياؤه قائله!!

وإذا كان جميع المناظرات على هذا المنوال لا نسد باب البحث والتحقيق ...

ومن العجيب : أن ( الدهلوي ) لا يسمح له عناده لأن ينقل تقريرا لأحد أعلام الشيعة ثم يتصدى لردّه بجواب صحيح أو باطل ، لكنه يأتي بما لا يرضاه الحمقى ـ فضلا عن العقلاء فالعلماء ـ ناسبا إياه إلى الشيعة ...

وعلى أيّ حال فإنّا لا نسلم أبدا أن يكون هذا الوجه المذكور لأحد من أهل الحق ، فإنه لا يصدر من عوامهم فضلا عن علمائهم ومحقيهم ، وإن هو إلاّ كذب مفترى.

بل إنه يتناسب مع عقيدة أهل السنة ، فإنهم ـ بالرغم من زعمهم محبّة أهل البيت عليهم‌السلام وموالاتهم ـ يهتدون بهدى أعدائهم ومخالفيهم ، ويتفوّهون في حقهم عليهم‌السلام بكلمات قاسية ـ تقدّم ذكر بعضها ، ولا يرون إجماعهم حجة ، ويقدّمون عليهم من لا يدانوهم علما وفقها وزهدا ...

وهذا الذي ذكرناه يغني عن التعرّض لما ذكره في جواب هذا التقرير المزعوم ، إلاّ أنّا نورد ذلك ونشير بالإجمال إلى فساده.

٢٦٤

قوله :

أما الجواب على هذا الكلام فيكون على نحوين : الأول : بطريق النقض ، فالإمامية في هذه الصورة يجب ألاّ يعتبروا الزيدية والكيسانية والناووسية والفطحية منحرفين ، بل مهتدون ، لأن كلا منهم قد استقر في زاوية من هذه السفينة الكبيرة ، ويكفى الاستقرار في زاوية منها للنجاة من الغرق.

أقول :

لقد علم مما سبق ـ والحمد لله ـ أن مصداق حديث السفينة ليس إلاّ الأئمة الهداة من أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن ركب سفينتهم معتقدا عصمتهم وطهارتهم نجا من الهلاك.

وبما أن الزيدية والكيسانية والناووسية وأمثالهم لا يذهبون إلى هذا الاعتقاد فإنهم ـ كأهل السنة ـ متخلفون في السفينة الناجية المنجية ، وهم هالكون بلا ريب.

قوله :

بل إن النص على الأئمة الاثني عشر يبطل على هذا أيضا ، لأن كل زاوية من السفينة كافية في الإنجاء من أمواج البحر ، ومعنى الإمام هو أن أتّباعه يوجب النجاة في الآخرة ، فبهذا يبطل مذهب الاثني عشرية بل الامامية بأسرها.

أقول :

لقد ثبت من النصوص النبوية وكلمات الأئمة الطاهرين وسائر الأدلة والبراهين : أن مصداق الحديث هم الأئمة الاثنا عشر ، فكيف يضعف هذا المذهب بهذه الشبهات الواهية؟

ومن الواضح : أنه إذا كان ركوب السفينة المنجية متوقفا على الاعتقاد بإمامة الاثني عشر وعصمتهم وطهارتهم ، كان ركوب غير الاثني عشرية فيها من المحالات ، ولما كان سبب النجاة منحصرا بهذه السفينة كان من المحتم هلاك من

٢٦٥

عدا الاثني عشرية من الفرق مطلقا ...

فبطلان مذهب الاثني عشرية ـ بعد وضوح معنى حديث السفينة ـ محال.

قوله :

وإذا ادعى الزيدية ذلك أجيبوا بنفس الجواب.

أقول :

إن الزيدية ـ وإن كانوا من الهالكين عندنا ـ يترفعون عن الاستدلال بهكذا دليل فاسد بارد ، ومن وقف على كلماتهم حول حديث السفينة في كتاب ( ذخيرة المآل ) علم أنهم ـ وإن خلطوا فيها بين الحق والباطل ـ لا يستدلون بمثله أبدا.

قوله :

فلا يصح لأي فرقة من فرق الشيعة التقيد بمذهب معين ، ولازمه اعتبار جميع المذاهب على صواب.

أقول :

لقد ذكرنا أن هذا التقرير ليس للشيعة مطلقا ، فما بنى عليه ( الدهلوي ) إنما هو من بناء الفاسد على الفاسد.

قوله :

في حين أن التناقض قائم بين هذه المذاهب ، وأن اعتبار كلا الجانبين المتناقضين حقا يؤدي إلى اجتماع النقيضين في غير الاجتهاديات ، وهو مستحيل قطعا.

أقول :

كأن ( الدهلوي ) في غفلة عن الاختلافات والتناقضات الموجودة بين مذاهب أهل السنة؟!

بل لقد جوّز بعضهم تعدّد المذاهب بعدد الصحابة وهذا من عجائب الأمور ، قال العجيلي ما نصه : « وقد وضع الشيخ الرباني وإمام أهل الكشف عبد الوهاب الشعراني قدس الله روحه في ميزانه لاختلاف المذاهب تمثالا كالشجرة

٢٦٦

وكتب عليه : فانظر يا أخي إلى العين التي في أسفل الشجرة وإلى الفروع والأغصان والثمار ، تجدها كلّها متفرعة من أصل الشجرة وهي الشريعة ، والفروع الكبار مثال أقوال أئمة المذاهب ، والفروع الصغار مثال أقوال المقلدين ، والأغصان المتفرعة من جوانب الفروع مثال أقوال الطلبة المقلدين ، والنقط الحمر التي في أعلى الأغصان مثال المسائل المستخرجة من أقوال العلماء ، فلم يخرج أحد من عين شريعة وشجرة علمه ، وما من قول من أقوال هؤلاء الأئمة إلاّ وهو متفرع من هذه الشجرة وفروعها وأغصانها.

ثم وضع مثالا آخر لاتصال سائر المذاهب بعين الشريعة ، وخط خطوطا كثيرة تشرع إلى العين الوسطى من سائر الجوانب ، ولم يحصرها في أربعة ولا خمسة بل ذكر نحو ثمانية عشر مذهبا ، كما جعلها غيره مائة ألف وأربعة عشر ألفا على عدد الصحابة رضي الله عنهم وبأيّهم اقتديتم اهتديتم!! » (١).

بل نسبوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « إن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ... » فقد جاء في ( ذخيرة المآل ) أيضا عن الشعراني : « وقد روى الطبراني مرفوعا : أن شريعتي جاءت على ثلاثمائة وستين طريقة ما سلك أحد منها طريقة إلاّ ونجا، ويؤيدهحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم. انتهى كلام الشعراني نفع الله به » (٢).

قوله :

الثاني بطريق الحل ، فإن الاستقرار في زاوية من السفينة يضمن النجاة من الغرق في البحر ، بشرط أن لا يثقب الزاوية الأخرى منها ، فإذا اقترن الجلوس في زاوية مع الإثقاب في الزاوية الأخرى فإن ذلك سوف يؤدي إلى الغرق حتما ، وما من فرقة من فرق الشيعة إلاّ وهي مستقرة في زاوية وتثقب الزاوية الأخرى.

__________________

(١) ذخيرة المآل ـ مخطوط.

(٢) المصدر نفسه.

٢٦٧

أقول :

جوابه الحلي أوهن من جوابه النقضي ، لما ذكرنا مرة بعد أخرى من أن المراد من أهل البيت الذين شبههم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسفينة نوح هم المراد منهم في حديث الثقلين ، وهم الأئمة الإثنا عشر عليهم‌السلام ، وهل يتسنى لغير الاثني عشري ركوب هذه السفينة كي يخرقها من الجانب الآخر؟ كلاّ إنه من المغرقين ...

وأما الاثنا عشرية فإنهم يقتدون بجميع أجزاء السفينة وينظرون إليها بعين الإكرام والتعظيم ، فهم إذن ركّابها والناجون بها من الغرق.

هذا ، والغريب أن ( الدهلوي ) يقيس سفينة أهل البيت عليهم‌السلام بالسفينة الخشبية التي يصنعها الناس ، فيجيز ثقبها وخرقها ، مع أن الأمر ليس كذلك ، فإن السفينة ـ هذه ـ من صنع الله سبحانه ، ولو اجتمع الانس والجن على أن يخرقوها لما أمكنهم ذلك ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

قوله :

أجل فإن أهل السنة مهما تنقلوا في الزوايا المختلفة فإن سفينتهم عامرة ، وأنّهم لم يثقبوا أية زاوية منها أصلا ليتسرب الموج من ذلك الجانب ويؤدي بهم إلى الغرق ، والحمد لله.

أقول :

يبطل هذا ما تقدّم نقله من كلمات أهل السنة في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو بالعكس من ذلك عند الامامية ، فإن من راجع كلماتهم وجدهم يعتقدون في الأئمة عليهم‌السلام بما هم أهله من العصمة والطهارة والامامة ، ويتمسكون بأقوالهم في الأصول والفروع ، فهم ركاب سفينتهم لا الذين يقتدون بغيرهم ويقتفون أثر المتقدمين عليهم ، فإن هؤلاء هم المتخلّفون عن السفينة ، الهالكون في بحار الغي والضلالة ، الذين صدق عليهم قوله تبارك وتعالى : ( مِمَّا

٢٦٨

خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً ) (١).

قوله :

وبهذا يتم لأهل السنة إلزام النواصب في إنكارهم لهذين الحديثين حيث ناقشوا في صحتهما بالدليل العقلي ، فقالوا : إن مفاد هذين الحديثين هو التكليف بما يمتنع عقلا وهو محال بالبداهة ، ذلك أنه إذا وجب التمسك بأهل البيت جميعهم مع ما هم عليه من الاختلاف في العقائد والفروع ، فذلك يستلزم التكليف بالجمع بين النقيضين وهو محال.

وإذا وجب التمسك ببعضهم فإما أن يكون ذلك مع التعيين أو بدونه ، فعلى الأولى يلزم الترجيح بلا مرجح ، خصوصا مع وجود الاختلاف بين القائلين بذلك في تأكيد النص لصالحهم ، وعلى الثاني يلزم تجويز العقائد المختلفة والشرائع المتفاوتة في الدين الواحد من الشارع ، في حين أن آية : ( لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ) صريحة في خلاف ذلك ، مضافا إلى استحالته بضروريات الدين.

ولا تستطيع أية فرقة من فرق الشيعة أن تخدش في دليل هؤلاء الأشقياء إلاّ باتباع مذهب أهل السنة ».

أقول :

لا يخفى على الخبير أن ( الدهلوي ) كثيرا ما يدافع عن النواصب في هذا الكتاب ، ويضع ـ من قبلهم ـ براهين وأدلة على ما ذهبوا إليه ، وقد نسب إليهم في المقام هذا الكلام مع أنا لم نجده في كتاب أحد منهم.

الأصل في مناقشة الدهلوي

والواقع : إنه قد أخذ هذا من بعض أسلافه ، فقد قال الشيخ إبراهيم بن حسن الكردي ـ وهو الذي أثنى عليه ( الدهلوي ) واحتج ببعض هفواته في مبحث

__________________

(١) سورة نوح : ٢٥.

٢٦٩

آية الولاية ، كما أنه من مشايخ والده (١) ـ في الجواب عن الحديثين في كتابه ( النبراس ) ما نصه :

« وأماخبر السفينة وإني تارك فيكم ، فلا دلالة فيهما إلاّ على أن التمسك بهم غير ضال ، ولا دلالة فيهما على أن تقليدهم أولى ، كما لا دلالة فيهما على أن المتمسك بغيرهم من التابعين للكتاب والسنة ليس على هدى. وأقرب ما يتبين به أنه لا دلالة في ذلك على الأولوية ، إنّ الأولوية لا تثبت بهذه الأحاديث إلاّ إذا دلت على أنهم لا يخطئون أبدا ، ولا دلالة فيها على ذلك كما يشهد به الواقع ، لما مرّ أنهم قد اختلفوا باعترافكم ونقلكم في المسائل الأصولية ـ وقد اعترفتم بأن الحق في الأصول واحد ، وإذا كان الحق واحدا ـ وهم قد اختلفوا اختلافا متناقضا ـ دل ذلك على تطرق الخطأ الاجتهادي إليهم قطعا ولا محيص لإنكاره ، وكلّما تطرق إليهم كانوا كسائر المجتهدين من الأمة ، فلا أولوية بهذه الأحاديث أصلا ».

وقد تقدم سابقا عن ( الدهلوي ) نفسه قوله : « والحاصل أن المراد بالعترة إما جميع أهل بيت السكنى ، أو جميع بني هاشم ، أو جميع أولاد فاطمة وعلي ، وعلى كل تقدير فالتمسك المأمور به إمّا بكل منهم أو بكلّهم أو بالبعض المبهم أو بالبعض المعين. والشقوق كلها باطلة.

أما الأول فلانه يستلزم التمسك بالنقيضين في الواقع ، لاختلاف العترة فيما بينهم في أصول الدين كما مرّ مفصلا ، وعلى الثاني يلغو الكلام ، لأن التمسك بما أجمع عليه كلهم بحيث لا يشذ عنه فرقة لا يجدي نفعا ، إذ البحث في المسائل الخلافية. وعلى الثالث يلزم تصويب الطرفين المتخالفين ، ويلزم على الامامية تصويب الزيدية والكيسانية وبالعكس. وعلى الرابع يلزم التجهيل والتلبيس في التبليغ ، إذ البعض المراد غير مذكور في الكلام ، فيفضي إلى النزاع في تعيينه كما

__________________

(١) وقال الشوكاني في ( البدر الطالع ١ / ١١ ) ما ملخصه : « الامام المجتهد الكبير ولد سنة ١٠٢٥ وبرع في جميع الفنون وانتفع به الناس ورحلوا اليه وأخذوا عنه في كلّ فن حتى مات سنة ١١٠١ ».

٢٧٠

هو الواقع ».

فظهر ـ إذن ـ أن ما ذكره من قبل النواصب هو من هفواته وهفوات أهل السنة ، وقد ذكرنا سابقا بطلانه بما لا مزيد عليه ، ونقول هنا باختصار : بما أن الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام هم مصداق « أهل البيت » في حديث الثقلين وحديث السفينة ، وهم متفقون في أصول الدين وفروعه وغير ذلك ـ فلا وجه لهذه الشقوق الباطلة أبدا.

ثم إنّ هؤلاء عليهم‌السلام معصومون من الخطأ ومبرؤن من الزلل ، وأن اجتماعهم على عقيدة واحدة ومذهب واحد من أظهر الأمور ، حتى اعترف بذلك جماعة من علماء أهل السنة ، كالعلامة السندي صاحب ( دراسات اللبيب ).

وإذ قد عرف « أهل البيت » بالتحقيق ، وعلم أنهم معصومون ومتفقون فيما بينهم في الأصول والفروع ، ظهر بطلان كلام ( الدهلوي ) الذي زعم أنه للنواصب ، ولو تم ذلك للزم القدح في الإسلام. قال بعض علمائنا الأعلام هذا المقام :

« أما ما ذكره هذا الناصبي عن النواصب ، فإنه في الحقيقة قدح في الإسلام ، إذ بناء عليه يجوز للكفار أن يقولوا بوجود التناقض والاختلاف في آيات الكتاب ، وان التكليف بالعمل بالمتناقضين محال ، وأما أحدهما فإن كان معينا لزم الترجيح بلا مرجح ـ وأيضا فالوجوه المرجحة مختلفة كذلك ، وحينئذ يتمسك كل بما يرجح عقيدته ـ وإن لم يكن معينا لزم تجويز الشرائع المتفاوتة في دين واحد.

وأيضا ، فإن هذا التقرير الذي ارتكبه ( الدهلوي ) من قبل النواصب يبطل حديث النجوم ـ الذي طالما اغتر به هو وأصحابه ـ إذ يمكن القول بأن الذي أمرت الامة بالاقتداء به إما جميع الأصحاب وإما بعضهم ، فإن كان الأول لزم اجتماع النقيضين ـ للاختلاف الكثير فيما بينهم ـ وإن كان الثاني فإما أن يكون معينا وإمّا أن يكون مبهما ، فعلى الأول يلزم الترجيح بلا مرجح ـ على أن حديث الاقتداء معارض بأحاديث ارتداد الاصحاب على الأعقاب ، فيأتي هنا عين ما ذكره

٢٧١

( الدهلوي ) هناك ، وأيضا ، فإن الشيعة الذين يقتدون بأفضل الصحابة غير ملومين ـ وعلى الثاني يلزم تجويز التناقضات ».

فتلخص : بطلان مناقضات ( الدهلوي ) في دلالة حديث السفينة.

٢٧٢

تفنيد كلام الدهلوي

في حاشية التحفة

٢٧٣
٢٧٤

مناقشة أخرى

وقد نقل ( الدهلوي ) في هذا المقام في حاشية كتابه كلاما لبعض علماء طائفته هو أكثر سخافة مما تقدم منه ، فقال :

قال الملاّ يعقوب الملتاني من علماء أهل السنة : إن تشبيه أهل البيت بالسفينة والصحابة بالنجوم يشير إلى وجوب أخذ الشريعة من الصحابة والطريقة من أهل البيت ، إذ يستحيل الخوض في بحار الحقيقة والمعرفة من غير إعمال قواعد الطريقة وتطبيق تكاليف الشريعة ، كما يستحيل ركوب البحر من غير الاهتداء بالنجوم ، والسفينة ـ وإن كانت تنجي من الغرق ـ إلاّ أن الوصول إلى المقصود من دون ملاحظة النجوم محال ، كما أن ملاحظة النجوم من غير ركوب السفينة لا أثر لها. وعليك بالتأمّل في هذه النقطة فإنها عميقة.

وجوه الجواب عن المناقشة

أقول :

وهذا الوجه ـ الذي ذكره الفخر الرازي عن بعض المذكّرين (١) ـ موهون

__________________

(١) جاء في التفسير الكبير تحت آية المودة « والحاصل أن هذه الآية تدل على وجوب حب آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحب أصحابه ، وهذا المنصب لا يسلم الا على قول أصحابنا أهل السنة

٢٧٥

__________________

والجماعة الذين جمعوا بين حب العترة والصحابة ، وسمعت بعض المذكرين قال : انه صلّى الله عليه وسلّم قال : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجاوقال صلّى الله عليه وسلّم : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، ونحن الآن في بحر التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات ، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين :

« أحدهما » السفينة الخالية عن العيوب والثقب.

و « الثاني » الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة ، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك الكواكب الظاهرة كان رجاء السلامة غالبا ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة سفينة حب آل محمد ووضعوا أبصارهم على نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن يفوزوا بالسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة ».

ومن الغريب استحسان بعضهم هذا الكلام حتى نسبوه إلى الرازي ، قال الطيبي في ( الكاشف ) :

« شبه الدنيا لما فيها من الكفر والضلالات والبدع والأهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها وليس فيه خلاص ومناص الا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما أحسن انضمامه معقوله مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منها اهتدى! قال الامام فخر الدين الرازي في تفسيره : نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل بيت النبي صلّى الله عليه وسلّم واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ونرجو النجاة من أهوال القيامة ودركات الجحيم والهداية الى ما يزلفنا الى درجات الجنان والنعيم المقيم ».

وقال القاري في ( المرقاة ) في شرح حديث السفينة نقلا عن الطيبي « شبه الدنيا بما فيها من الكفر والضلالات والبدع والجهالات والأهواء الزائغة ببحر لجي يغشاه موج من فوقه من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض ، وقد أحاط بأكنافه وأطرافه الأرض كلها وليس منه خلاص ولا مناص الا تلك السفينة وهي محبة أهل بيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، وما أحسن انضمامه مع قوله مثل أصحابي مثل النجوم من اقتدى بشيء منه ( منها. ظ ) اهتدى ونعم ما قال الامام فخر الدين الرازي في تفسيره : نحن معاشر أهل السنة بحمد الله ركبنا سفينة محبة أهل البيت واهتدينا بنجم هدى أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فنرجو النجاة من أهوال القيمة ودركات الجحيم والهداية الى ما يوجب درجات الجنان والنعيم المقيم. انتهى.

وتوضيحه أن من لم يدخل السفينة كالخوارج من الهالكين في أول وهلة ، ومن دخلها ولم يهتد بنجوم الصحابة كالروافض ضل ووقع في ظلمات ليس بخارج منها ».

٢٧٦

بوجوه :

الوجه الأول : إن حديث النجوم موضوع حسب اعتراف كبار أئمة أهل السنّة (١).

الوجه الثاني : إن المراد من « الأصحاب » في هذا الحديث ـ لو صحّ ـ هم « أهل البيت » عليهم‌السلام ، كما حقق ذلك في ( استقصاء الافحام ) فيجب أخذ الشريعة منهم كذلك.

الوجه الثالث : لو لم يكن المراد « أهل البيت » فلا ريب في أن بعضهم من « الأصحاب » ، فالاقتداء بهم يستلزم الهداية ، ويجب أخذ الشريعة والطريقة منهم معا.

الوجه الرابع : لما شمل حديث النجوم على فرض صحته أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وكان حديث السفينة مختصا بهم ـ باعترافه ـ كانوا عليهم‌السلام أولى وأقدم من غيرهم ، لجمعهم بين الفضيلتين اللتين أشار إليهما.

الوجه الخامس : لقد دلّت الأدلة الوافرة من الكتاب والسنة على وجوب أخذ الشريعة من أهل بيت العصمة والطهارة.

الوجه السادس : دعوى دلالة حديث السفينة على الرجوع إليهم عليهم‌السلام في الطريقة فحسب ، تردها تصريحات كبار علمائهم ، فإن من راجعها ظهر له حكمهم بوجوب الرجوع إليهم عليهم‌السلام في الشريعة والطريقة معا.

الوجه السابع : لقد بلغت دلالة حديث السفينة على أخذ الشريعة من أهل البيت عليهم‌السلام من الوضوح حدّا حتى اعترف بها نصر الله الكابلي صاحب ( الصواقع ) فقال بعده « ولا شك أن الفلاح منوط بولائهم وهديهم والهلاك بالتخلف عنهم ، ومن ثمة كان الخلفاء والصحابة يرجعون إلى أفضلهم فيما أشكل

__________________

(١) حديث « أصحابي كالنجوم فبأيهم اقتديتم اهتديتم » موضوع باطل سندا ودلالة باعتراف أعلام القوم من المتقدمين والمتأخرين. وقد فصلنا فيه الكلام في قسم ( حديث الثقلين ) حيث ذكره الدهلوي معارضا للحديث المذكور ، كما أنا بحثنا عنه في رسالة مفردة مطبوعة.

٢٧٧

عليهم من المسائل ، وذلك لأن ولاءهم واجب وهديهم هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم ».

الوجه الثامن : لقد اعترف ( الدهلوي ) نفسه بهذا المعنى إذ قال « وكذلكحديث مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، فإنه لا يدل إلاّ على الفلاح والهداية الحاصلين من حبهم والناشئين من اتّباعهم ، وأن التخلف عن حبهم موجب للهلاك ».

وقال في حاشية ( التحفة ) أيضا ... « وهكذا الأمر في الاتباع والانقياد ، فإن أهل السنة لا يخصون ذلك بطائفة دون أخرى ، بل يروون أحاديث جميعهم ويتمسكون بها كما تشهد بذلك كتبهم في التفسير والحديث والفقه ».

الوجه التاسع : ما ذكره الملتاني يستلزم تضليل أهل البيت عليهم‌السلام ـ والعياذ بالله ـ والصحابة جميعا ، إذ من المعلوم أن أهل البيت عليهم‌السلام لم يأخذوا الشريعة من الأصحاب ، كما أن الأصحاب لم يسلكوا طريق أهل البيت ولم يهتدوا بهداهم ، بل كان أكثرهم قالين لهم منحرفين عنهم.

الوجه العاشر : كلامه يقتضي تضليل مذهب المتصوفة الذين يذهبون إلى وصول أوليائهم إلى أقصى مراتب الكمال ومدارج العرفان ، مع مجانبتهم للشريعة وتركهم للواجبات الشرعية ، بل وارتكابهم للمحرّمات الإلهية ... كما لا يخفى على ناظر ( لواقع الأنوار ) و ( نفحات الأنس ) وغيرهما من كتب المتصوفين الأعلام ، وقد ذكر شطر من أحوالهم في كتاب ( استقصاء الإفحام ).

الوجه الحادي عشر : دعوى لزوم الاهتداء بالنجوم باطلة ، لأن قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (١) صريح في أن الاهتداء بها يكون في ظلمات البر والبحر ، وأما في حال وضوح الطريق ، ومعرفة الربان به ، وجريان السفينة بإذن الله ، فلا حاجة إلى ذلك ، لأن من شأن هذه

__________________

(١) سورة الانعام : ٩٧.

٢٧٨

السفينة أن ترسو على شاطئ النجاة لا محالة ، وأن تصل إلى هدفها المطلوب قطعا ، وهذا ظاهر.

الوجه الثاني عشر : قوله : إن الوصول إلى المقصود من دون ملاحظة النجوم محال باطل كذلك ، لما ذكرنا في الوجه السابق ، ونضيف هنا : إذا كان الهدف الأصلي من الركوب هو النجاة من الغرق ، فإن مجرد الركوب كاف لحصول هذا الغرض ، ولا حاجة إلى الاهتداء بالنجوم حينئذ أبدا ، كما لا يخفى.

الوجه الثالث عشر : قوله كما أن ... اعتراف بالحق ، إلاّ أنّه يريد بهذا التأكيد على ورود حديث النجوم في حق أسلافه ، وقد بيّنا بطلان ذلك.

الوجه الرابع عشر : إن هذا الكلام واضح البطلان والهوان ، ولا ينطوي على فائدة ، ولا يتضمن معنى وجيها ، فلا وجه لأمره بالتأمل فيه.

من وجوه الشبه بين سفينة نوح وأهل البيت

لقد شبّه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت بسفينة نوح عليه‌السلام لا بسفينة أخرى ، ومن المعلوم أن سفينة نوح لم تكن بحاجة إلى الاهتداء بالنجوم ، فما ذكره الملتاني و ( الدهلوي ) باطل قطعا.

ويدل على استغناء سفينة نوح عن ذلك وجوه :

١ ـ الغرض من الركوب هو النجاة

لقد كان الغرض الأصلي من ركوب سفينة نوح عليه‌السلام هو النجاة من الهلاك والغرق في الطوفان الذي جاء قوم نوح ، أي : إن الله تعالى قد ضمن النجاة لركّابها ، وفي هذه الحالة يكفي مجرد الركوب فيها لأجل النجاة من الهلاك والخلاص من الغرق ، من غير توقف على الاهتداء بالنجوم.

ولقد كان هذا المعنى مقصودا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينقال : من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ...

٢٧٩

٢ ـ وجود نوح فيها من أسباب النجاة

وإن وجود نوح عليه‌السلام ـ وهو نبي معصوم ومن أولي العزم ـ كان من أسباب نجاة السفينة وركابها واهتدائها إلى ساحل النجاة ، من دون حاجة إلى شيء من الأسباب الظاهرية.

٣ ـ واصنع الفلك بأعيننا ...

وإن السفينة التي صنعت بيد نوح عليه‌السلام وبعين الباري ووحيه لا بدّ وأن تصل إلى هدفها المقصود ، وإلى ساحل الأمان والنجاة من الغرق وسائر الأخطار ... قال الله تعالى مخاطبا لنوح عليه‌السلام : ( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ) (١).

٤ ـ بسم الله مجريها ...

ولقد قال الله تعالى في حق هذه السفينة ( بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) (٢).

وقد ذكر المفسرون في معنى هذه الآية : أن نوحا عليه‌السلام إذا أراد أن ترسو قال بسم الله ، فرست ، وإذا أراد أن تجري قال : بسم الله ، فجرت :

قال الطبري : « حدثنا أبو كريب ، قال ثنا جابر بن نوح ، قال ثنا : أبو روق عن الضحاك في قوله : ( ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها ) قال : إذا أراد أن ترسي قال بسم الله فرست ، وإذا أراد أن تجري قال بسم الله فجرت » (٣).

وقال البغوي : « قال الضحاك : كان نوح إذ أراد أن تجري السفينة قال بسم

__________________

(١) سورة هود : ٣٧.

(٢) سورة هود : ٤١.

(٣) تفسير الطبري ١٢ / ٤٥.

٢٨٠