نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

اجتهاد منهم كما كان فعله عن اجتهاد منه.

وكذلك لا يذهب بك الغلط أن تقول بتصويب قتله لما كان عن اجتهاد وإن كان هو على اجتهاد ، ويكون ذلك كما يحدّ الشافعي والمالكي الحنفي على شرب النبيذ!.

واعلم أن الأمر ليس كذلك وقتاله لم يكن عن اجتهاد هؤلاء وإن كان خلافه عن اجتهادهم ، وإنما انفرد بقتاله يزيد وأصحابه ، ولا تقولنّ إن يزيد وإن كان فاسقا ولم يجز هؤلاء الخروج عليه فأفعاله عندهم صحيحة. واعلم أنه إنما ينفذ من أعمال الفاسق ما كان مشروعا ، وقتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الامام العادل وهو مفقود في مسألتنا ، فلا يجوز قتال الحسين مع يزيد ولا ليزيد ، بل هي من فعلاته المؤكدة لفسقه ، والحسين فيها شهيد مثاب وهو على حق واجتهاد ، والصحابة الذين كانوا مع يزيد على حق أيضا واجتهاد.

وقد غلط القاضي أبوبكر بن العربي المالكي في هذا فقال في كتابه الذي سمّاه بـ ( العواصم والقواصم ) ما معناه : أن الحسين قتل بشرع جده ، وهو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل ، ومن أعدل من الحسين في زمانه في إمامته وعدالته في قتال أهل الآراء » (١).

وفي هذا الكلام أيضا أباطيل ننبّه عليها ، لئلاّ يغتر أحد ببعض كلماته الأخرى :

إنه نسب الخروج إلى الحسين عليه‌السلام.

ونسب إليه الغلط. وأن ابن عباس ومن ذكره علموا غلطه في ذلك.

واعتذر للصحابة الذين خالفوا الحسين عليه‌السلام وقعدوا عن نصرته ... وذكر أنهم كانوا على حق أيضا.

__________________

(١) مقدمة ابن خلدون : ٢١٧.

٢٤١

وقوله : وقتال البغاة ... يفيد أنّ الحسين عليه‌السلام كان باغيا ، لكن قتال البغاة عندهم من شرطه أن يكون مع الامام العادل ... ومقتضى هذا الكلام : أنه لو كان مع من قاتل الحسين عليه‌السلام إمام عادل جاز قتالهم إيّاه.

ثم إنّه غلّط ابن العربي المالكي في ما قاله ، لكن اعتذر له قائلا : حملته عليه الغفلة ...

رأى عبد الله بن عمر في سفر الامام الحسين إلى العراق

ومما يدل على انحراف أكابر أسلافهم عن أهل البيت عليهم‌السلام : نسبة عبد الله بن عمر الامام الحسين عليه‌السلام إلى الدنيا ، وأنه إنما توجّه إلى العراق طلبا لها ـ معاذ الله من ذلك ـ وقد روى ذلك جماعة من المؤرخين والرواة ، قال السيوطي : « وقال له ابن عمر : لا تخرج ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيّره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة ، وإنك بضعة منه ولا تنالها ـ يعني الدنيا ـ واعتنقه وبكى وودّعه ، فكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه من عبرة » (١).

ورواه السمهودي ثم قال : « وقد أخرجه البزار برواة ثقات عن الشعبي إلاّ أنه قال : فقال ـ أي الحسين ـ إني أريد العراق. فقال : لا تفعل فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال : خيّرت بين أن أكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا. فقيل لي : تواضع ، فاخترت أن أكون نبيا عبدا ، وإنك بضعة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلا تخرج ، فأبى ، فودّعه وقال : استودعك الله من مقتول » (٢).

ورواه الصبان (٣) والشلّي الحضرمي (٤) و ( الدهلوي ) نفسه (٥) والعيدروس

__________________

(١) تاريخ الخلفاء ص ٢٠٦.

(٢) جواهر العقدين ـ مخطوط.

(٣) اسعاف الراغبين ـ هامش نور الأبصار ١٨٧.

(٤) المشرع المروي ٤٥.

(٥) سر الشهادتين ٣١.

٢٤٢

اليمني في ( العقد النبوي ) وفيه : « وكان ابن عمر يقول : غلبنا حسين بالخروج ، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة ، وراى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له أن لا يتحرك ما عاش ، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس ، فإن الجماعة خير » (١).

والأفظع من ذلك ما جاء في رواياتهم من أن أبا سعيد الخدري ـ ذاك الصحابي الجليل ـ قال للحسين عليه‌السلام ـ والعياذ بالله ـ : « لا تخرج على إمامك » ... ففي ( العقد النبوي ) ما نصه : « وقال أبو سعيد الخدري : غلبني الحسين على الخروج ، وقد قلت له : اتق الله في نفسك والزم بيتك فلا تخرج على إمامك » (٢).

زعمهم نهي الامام الحسن أخاه عن التوجه إلى العراق

بل لقد افتروا كذبا فزعموا أن الامام الحسن عليه‌السلام أوصى إلى أخيه الامام الحسين عليه‌السلام أن لا يتوجه إلى العراق قائلا له : « وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا عرفنّ ما استخفّك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك » قال ابن عبد البر : « ورويناه من وجوه : أن الحسن بن علي لمّا حضرته الوفاة قال للحسين أخيه : يا أخي إن أبانا رحمه‌الله تعالى لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبوبكر ، فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشوق إليها [ لها أيضا ] فصرفت عنه إلى عمر ، فلما احتضر عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك أنها لا تعدوه فصرفت عنه إلى عثمان ، فلما هلك عثمان بويع ثم نوزع حتى جرّد السيف وطلبها [ طالبوها ] فما صفا له شيء منها.

وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة ، فلا عرفنّ

__________________

(١) العقد النبوي ـ مخطوط.

(٢) المصدر نفسه ـ مخطوط.

٢٤٣

ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك » (١).

وقد ذكر هذا عن ابن عبد البر كلّ من :

جلال الدين السيوطي (٢).

والسمهودي (٣).

والعيدروس اليمني (٤).

وقال ابن حجر المكي : « ومن جملة كلامه لأخيه لمّا احتضر : يا أخي إن أباك استشرف لهذا الأمر المرة بعد المرة ، فصرفه الله إلى الثلاثة ، ثم ولي فنوزع حتى جرّد السيف فما صفت له ، وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا النبوة والخلافة ، وربما يستخفنك سفهاء الكوفة فيخرجوك » (٥).

وفي ( الصواعق ) : ذكر الامام الحسين عليه‌السلام : « ومرّ قول أخيه الحسن له : إياك وسفهاء الكوفة أن يستخفوك فيخرجوك ويسلّموك فتندم ولات حين مناص ، وقد تذكر ذلك ليلة قتله فترحّم على أخيه الحسن رضي الله عنهما » (٦).

وقد ذكر ذلك : الشلّي الحضرمي ومحمد الصبان المصري أيضا (٧).

عبد القادر الكيلاني ... وصوم يوم عاشوراء

ومن دلائل نصب هؤلاء وعدائهم ما ذكره غوثهم الأعظم من ذكر يوم عاشوراء وهذا نصه :

« فصل : وقد طعن قوم على من صام هذا اليوم العظيم وما ورد فيه من

__________________

(١) الاستيعاب ١ / ٣٩١.

(٢) تاريخ الخلفاء ١٩٣.

(٣) جواهر العقدين ـ مخطوط.

(٤) العقد النبوي ـ مخطوط.

(٥) المنح المكية في شرح القصيدة الهمزية.

(٦) الصواعق المحرقة : ٨٣.

(٧) المشرع الروي / ٤٥ ، اسعاف الراغبين هامش نور الأبصار ١٨٣.

٢٤٤

التعظيم ، وزعموا أنه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما فيه ، وقالوا : ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة لجميع الناس لفقده فيه ، وأنتم تتخذونه يوم فرح وسرور ، وتأمرون فيه بالتوسعة على العيال والنفقة الكثيرة والصدقة على الفقراء والضعفاء والمساكين ، وليس هذا من حق الحسين رضي‌الله‌عنه على جماعة المسلمين.

وهذا القائل خاطئ ومذهبه قبيح فاسد ، لأن الله تعالى اختار لسبط نبيّه صلّى الله عليه وسلّم الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأوقعها [ ارفعها ] عنده ، ليزيده بذلك رفعة في درجاته وكراماته مضافة إلى كرامته ، وبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة ، ولو جاز أن نتخذ يوم موته [ يوم ] مصيبة لكان يوم الإثنين أولى بذلك ، إذ قبض الله تعالى نبيه [ محمدا ] صلّى الله عليه وسلّم فيه ، وكذلك أبوبكر الصديق رضي‌الله‌عنه قبض فيه ، وهو ما روى هشام ابن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت : قال أبوبكر رضي‌الله‌عنه : أي يوم توفي النبي صلّى الله عليه وسلّم فيه؟ قلت : ويوم الاثنين ، قال رضي‌الله‌عنه : إني أرجو أن أموت فيه ، فمات رضي‌الله‌عنه فيه ، وفقد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفقد أبي بكر رضي‌الله‌عنه أعظم من فقد غيرهما ، وقد اتفق الناس على شرف يوم يوم الإثنين ، وفضيلة صومه وأنه تعرض أعمال العباد فيه ، وفي يوم الخميس ترفع الأعمال [ أعمال العباد ].

[ و ] كذلك يوم عاشوراء لا يتخذ يوم مصيبة ، ولأن يوم عاشوراء إن اتخذ يوم مصيبة ليس بأولى من أن يتخذ يوم فرح وسرور لما قدمنا ذكره وفضله ، من انه [ يوم ] نجّى الله تعالى فيه أنبياءه من أعدائهم وأهلك فيه أعداءهم الكفار من فرعون وقومه وغيرهم وأنه تعالى خلق السماوات والأرض والأشياء الشريفة فيه وآدم عليه‌السلام وغير ذلك ، وما أعدّ الله تعالى لمن صامه من الثواب الجزيل والعطاء الوافر وتكفير الذنوب وتمحيص السيئات ، فصيام [ فصار ] عاشوراء بمثابة بقية الأيام الشريفة كالعيدين والجمعة وعرفة وغيرهما.

٢٤٥

ثم لو جاز أن يتخذ هذا اليوم مصيبة لاتخذته الصحابة والتابعون رضي الله عنهم ، لأنهم أقرب إليه منا وأخص به ، وقد ورد عنهم الحث على التوسعة على العيال فيه والصوم فيه ، من ذلكما روى عن الحسن رحمة الله تعالى عليه أنّه قال : كان صوم يوم عاشوراء فريضة وكان علي رضي‌الله‌عنه يأمر بصيامه فقالت لهم عائشة رضي الله عنها ، من يأمركم بصوم يوم عاشوراء؟ قالوا : علي رضي الله عنه. قالت : إنه أعلم من بقي بالسنة، وروي عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أحيا ليلة عاشوراء أحياه الله تعالى ما شاء.

فدل على بطلان ما ذهب اليه هذا القائل. والله أعلم » (١).

٣ ـ الامام زين العابدين عليه‌السلام

وأما الإمام زين العابدين عليه‌السلام فقد اعترف شاه ولي الله والد ( الدهلوي ) بقلّة رواية أهل السنة عنه (٢).

ومن عجائب الأكاذيب ما جاء في ( تهذيب التهذيب ) بترجمته عليه‌السلام وهذا نصه : « وقال مالك قال نافع بن جبير بن مطعم لعلي بن الحسين : إنك تجالس أقواما دونا؟! فقال علي بن الحسين : إني أجالس من أنتفع بمجالسته في ديني » (٣).

وما جاء بترجمته عليه‌السلام في كتب الرجال من أنه يروي عن فلان وفلان ومروان بن الحكم ، وكل مسلم يجلّ الامام عليه‌السلام أن يروي عن هؤلاء ، ولا سيما أمثال مروان بن الحكم اللعين ابن اللعين ، وأبي هريرة الكذاب ... وإليك بعض عباراته المشتملة على هذه الأكذوبة :

قال النووي : « سمع أباه ، وابن عباس ، والمسور ، وأبا رافع ، وعائشة ، وأم

__________________

(١) غنية الطالبين ٦٨٤ ـ ٦٨٧.

(٢) قرة العينين ٢٤٥.

(٣) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٥.

٢٤٦

سلمة ، وصفية ، أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم ، ومروان بن الحكم ، وسعيد بن المسيب ، وآخرين من التابعين » (١).

وقال ابن حجر : « علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو الحسين ، ويقال أبو الحسن ، ويقال أبو محمد ، ويقال أبو عبد الله المدني ، زين العابدين ، روى عن : أبيه ، وعمه الحسن ، وأرسل عن جده علي بن أبي طالب ، وروى عن ابن عباس ، والمسور بن مخرمة ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وصفية بنت حيي ، وأم سلمة ، وبنتها زينب بنت أبي سلمة ، وأبي رافع مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم ، وابنه عبيد الله بن أبي رافع ، ومروان بن الحكم ، وعمرو بن عثمان ، وذكوان أبي عمرو مولى عائشة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن مرجانة ، وبنت عبد الله بن جعفر » (٢).

كما ذكروا أن الامام عليه‌السلام من الرواة عن مروان بن الحكم في ترجمة مروان ، أنظر ( الكاشف ٣ / ١٣٢ ) و ( التهذيب التهذيب ١٠ / ٩١ ) و ( رجال المشكاة للخطيب التبريزي ) وغيرها.

بل زعموا أن الامام زين العابدين عليه‌السلام كان يتعلّم الحديث من العلماء به كما يتعلّم سائر المسلمين ، قال ابن تيمية ما نصه : وأما قوله : وأخذوا أحكامهم الفرعية عن الأئمة المعصومين الناقلين عن جدّهم رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم إلخ ، فيقال أولا : القوم المذكورون إنما كانوا يتعلّمون الحديث من العلماء به كما يتعلّم سائر المسلمين وهذا متواتر عنهم ،فعلي ابن الحسين يروي تارة عن أبان بن عثمان بن عفان عن أسامة بن زيد مولى النبي صلّى الله عليه وسلّم : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ، رواه البخاري ومسلم. وأبو جعفر محمد بن علي يروي عن جابر بن عبد الله حديث مناسك الحج الطويل وهو أحسن ما روي في هذا الباب ، ومن هذه الطريق رواه مسلم في صحيحه من

__________________

(١) تهذيب الأسماء واللغات ١ / ٣٤٣.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٠٤.

٢٤٧

حديث جعفر بن محمد عن جابر » (١).

نسبتهم القول بجواز التزويج بما يزيد على الأربع إلى السجاد

ومما يدل على انحراف أهل السنةما ذكره ابن حجر العسقلاني (٢) والشهاب القسطلاني (٣) والعيني (٤) بشرح عبارة البخاري « وقال علي بن الحسين : يعني مثني أو ثلاث أو رباع » واللفظ للأول : « وهذا من أحسن الأدلة في الرد على الرافضة لكونه من تفسير زين العابدين ، وهو من أئمتهم الذين يرجعون إلى قولهم ويعتقدون عصمتهم ».

فإن مفهوم هذه الكلمات عدم اعتقادهم بإمامة سيدنا زين العابدين عليه‌السلام وعدم رجوعهم إلى قوله وعدم اعتقادهم بعصمته ، ومن هنا يظهر بطلان دعوى ( الدهلوي ) بوضوح.

القائل بجواز التزوّج بما يزيد على الأربع من أهل السنة

لم يخالف أحد من أهل الحق قول الامام زين العابدين عليه‌السلام بتفسير قوله تعالى : ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (٥) فلم يذهب أحد منهم إلى القول بجواز التزوج بما يزيد على الأربع ، فقولهم : وهذا من أحسن الأدلة ... باطل قطعا.

بل الأمر بالعكس من ذلك ، فقد ذهب جماعة من أئمة أهل السنة إلى جواز التزوج بالتسع ، مستدلّين بالآية الكريمة ، فقد قال فخر الدين الزيلعي الحنفي ما نصه : « وقال القاسم بن إبراهيم : يجوز التزوّج بالتسع ، لأن الله تعالى أباح

__________________

(١) منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

(٢) فتح الباري في شرح صحيح البخاري ١١ / ٤١ ـ ٤٢.

(٣) ارشاد الساري ٨ / ٢٦

(٤) عمدة القاري ٢٠ / ٩١.

(٥) سورة النساء / ٤.

٢٤٨

نكاح ثنتين بقوله « مثنى » ثم عطف عليه « ثلاث ورباع » بالواو وهي للجمع ، فيكون المجموع تسعا ، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى » (١).

وقال العيني : « وقال القاسم بن إبراهيم : يجوز التزوّج بالتسع ، ومثله عن النخعي وابن أبي ليلى ، لأن الواو للجمع » (٢).

وقال القاضي القضاة الشوكاني : « وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا ، ولعل وجهه قوله تعالى : ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) ومجموع ذلك إلاّ باعتبار ما فيه من العدل تسع ، وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني » (٣).

ومنهم من قال بجواز التزوّج بأيّ عدد شاء

بل ذهب جماعة منهم إلى جواز التزوّج بأيّ عدد أريد ، فقد قال نظام الدين الأعرج المفسر النيسابوري بتفسير الآية المذكورة : « ذهب جماعة إلى أنه يجوز التزوج بأيّ عدد أريد ، لأن قوله ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) إطلاق في جميع الأعداد ، لصحة استثناء كلّ عدد منه ، وقوله : ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) لا يصلح مخصصا لذلك العموم ، لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينافي ثبوت الحكم في الباقي ، بل نقول : ذكرها يدل على نفي الحرج والحجر مطلقا ، فإن من قال لولده : افعل ما شئت ، اذهب إلى السوق وإلى المدرسة وإلى البستان ، كان تصريحا في أن زمام الإختيار بيده ولا يكون تخصيصا ، وأيضا ، ذكر جميع الأعداد

__________________

(١) تبيين الحقائق ٢ / ١١٢ و « النخعي » هو : إبراهيم بن يزيد. فقيه أهل الكوفة ، قال النووي : أجمعوا على توثيقه وجلالته وبراعته في الفقه. توفى سنة ٩٦. و « ابن أبي ليلى » هو : عبد الرحمن بن أبي ليلى. من كبار التابعين. قال النووي : اتفقوا على توثيقه وجلالته. توفى سنة ٨٣.

(٢) رمز الحقائق ١ / ١٤٣.

(٣) نيل الأوطار ٦ / ١٦٩ و « ابن الصباغ » هو : أبو نصر عبد السيد بن محمد البغدادي فقيه العراق. قال ابن قاضي شهبة : كان ورعا نزها ثبتا صالحا زاهدا أصوليا محققا. توفى سنة ٤٠٧ و « العمراني » هو : أبو الخير يحيى بن أبي الخير ، كان شيخ الشافعية ببلاد اليمن قال ابن قاضي شهبة : وكان اماما زاهدا ورعا ... توفي ٥٥٨.

٢٤٩

متعذر ، فذكر بعضها تنبيه على حصول الاذن في جميعها ، ولئن سلمنا لكن الواو للجمع المطلق فيفيد الاذن في جمع تسعة بل ثمانية عشر لتضعيف كل منها.

وأمّا السنّة ، فلما ثبت بالتواتر أنّه صلّى الله عليه وسلّم مات عن تسع ، وقد أمرنا باتباعه في قوله ( فَاتَّبِعُوهُ ) وأقل مراتب الأمر الاباحة ، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم : فمن رغب عن سنتي فليس مني. والمعتمد عند الجمهور في جوابهم أمران ... » (١).

٤ ـ الامام محمد الباقر عليه‌السلام.

قال ابن تيمية :

« وأمّا سائر الإثني عشر فلم يدركوا النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، فقول النبي [ كذا ] أنهم نقلوا عن جدّهم إن أراد بذلك أنه أوحي إليهم ما قال جدّهم فهذه نبوة كما كان يوحى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ما قاله غيره من الأنبياء ، وإن أراد أنهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم ، سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم ، فأيّ مزية لهم في النقل عن جدّهم إلا بكمال العناية والاهتمام؟ فإنّ كلّ من كان أعظم اهتماما وعناية بأحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم وتلقيها من مظانها كان أعلم بها ، وليس من خصائص هؤلاء ، بل في غيرهم من هو أعلم بالسنة من أكثرهم ، كما يوجد في كل عصر من غير بني هاشم أعلم بالسنة من أكثر بني هاشم ، فالزهري أعلم بأحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم وأحواله وأقواله باتفاق أهل العلم من أبي جعفر محمد بن علي ، وكان معاصرا له » (٢).

هذا كلامه ونعوذ بالله منه ، على أن الزهري مجروح ومطعون فيه من وجوه

__________________

(١) غرائب القرآن ٤ / ١٧٢.

(٢) منهاج السنة ١ / ٢٣٠.

٢٥٠

وقد ذكرنا شطرا منها في قسم حديث ( مدينة العلم ).

وقال ابن تيمية أيضا : « وأما كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل ، والزهري من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه ، ونقل تسميته بالباقر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة ، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث » (١).

وقال المحقق السندي ـ بعد أن ذكر حجية عمل أهل البيت عليهم‌السلام ـ « وعلى هذا الذي اعتقد في أهل البيت أنتقد على إمام الحنفية كمال الدين ابن الهمام موضوعين من كتابه فتح القدير ، فقد أحرق قلبي بما أفرط فيهم ... أحدهما في مباحث الطلاق حيث ذكرقوله صلّى الله عليه وسلّم : لعن الله كلّ ذوّاق مطلاق وحرم بذلك فعله ، ثم قال : وأما ما فعله الحسن رضي‌الله‌عنه فرأى منه ...

وثانيهما : في باب الغنائم حيث تكلّم علىقول أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله تعالى عنهما ـ فيما أخبر به عن جدّه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : أنه كان يرى سهم ذوي القربى ، لكن لم يعطهم مخافة أن يدعى عليه بخلاف سيرة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ـ بكلام محصوله كون خبره ذلك خلاف الواقع ، فيكون ذلك إما من جهله بمذهب علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه أو سهوه أو نسيانه أو كذبه عليه لترويج مذهبه ومذهب الأئمة من ولده.

وكلّ ذلك تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ، ولو كان رأيا من أبي جعفر رضي الله تعالى عنه فردّه بما بدا له من الدليل لكان أهون من رد ما روى وأخبر به ، فالفجيعة كلّ الفجيعة على الأمة أن خلت كتب المذاهب الأربعة عن مذهب أهل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين ... » (٢).

__________________

(١) المصدر نفسه ٢ / ١٥٣.

(٢) دراسات البيب في الاسوة الحسنة بالحبيب : ٤٣٧.

٢٥١

٥ ـ الامام جعفر الصادق عليه‌السلام

قال ابن تيمية ـ « وبالجملة فهؤلاء الأئمة ليس منهم من أخذ عن جعفر شيئا من قواعد الفقه ، لكن رووا عنه الأحاديث كما رووا عن غيره ، وأحاديث غيره أضعاف أحاديثه ، وليس بين حديث الزهري وحديثه نسبة لا في القوة ولا في الكثرة ، وقد استراب البخاري في بعض حديثه لما بلغه عن يحيى بن سعيد القطان فيه كلام ، فلم يخرج له ، ويمتنع أن يكون حفظه للحديث كحفظ من يحتج بهم البخاري » (١).

وقال الذهبي بترجمته عليه‌السلام : « لم يحتج به البخاري ، قال يحيى بن سعيد : مجالد أحب إليّ منه ، في نفسي منه شيء ، وقال مصعب عن الدراوردي قال : لم يرو مالك عن جعفر حتى ظهر أمر بني العباس ، قال مصعب بن عباس : كان مالك لا يروي عن جعفر حتى يضمّه إلى أحد ، وقال أحمد بن سعد ابن أبي مريم : سمعت يحيى يقول : كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد فقال لي : لم لم [ لا ] تسألني عن حديث جعفر؟ قلت : لا أريده ، فقال لي : إن كان يحفظ فحديث أبيه المسند [ المسدد ] (٢).

وفي ( المغني ) « لم يخرج له البخاري ، وقد وثّقه ابن معين وابن عدي ، وأما القطان فقال : مجالد أحبّ إليّ منه » (٣).

وفي ( الكاشف ) « سمع أباه والقاسم وعطا ، وعنه شعبة والقطان وقال : في نفسي منه شيء » (٤).

وفي ( تهذيب التهذيب ) بالاضافة إلى الكلمات السابقة : « وقال ابن سعد :

__________________

(١) منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

(٢) ميزان الاعتدال ١ / ٤١٤.

(٣) المغني في الضعفاء ١ / ١٣٤.

(٤) الكاشف ١ / ١٨٦.

٢٥٢

كان كثير الحديث ولا يحتج به ويستضعف ، سئل مرة : هذه الأحاديث من أبيك؟ فقال : نعم وسئل مرة فقال : إنما وجدتها في كتبه.

قلت : يحتمل أن يكون السؤالان وقعا عن أحاديث مختلفة ، فذكر فيما سمعه أنه سمعه وفيما لم يسمعه أنه وجده ، وهذا يدل على تثبته » (١).

وقال المناوي بشرححديث : أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيّكم وحبّ أهل بيته وقراءة القرآن ـ في مقام قدحه : « لم يرمز له بشيء وهو ضعيف ، لأن فيه صالح بن أبي الأسود ، له مناكير ، وجعفر بن محمد الصادق قال في الكاشف عن القطان : في النفس منه شيء » (٢).

٦ ـ الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام

قال ابن تيمية « وأما موسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي ، فلا يستريب من له من العلم نصيب أن مالك بن أنس ، وحماد بن زيد ، وحماد بن مسلمة ، والليث بن سعد ، والاوزاعي ، ويحيى بن سعيد ، ووكيع بن الجراح ، وعبد الله بن المبارك ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأمثالهم ، أعلم بأحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم من هؤلاء!! وهذا أمر تشهد به الآثار التي تعاين وتسمع ، كما تشهد الآثار بأن عمر بن الخطاب رضي‌الله‌عنه كان أكثر فتوحا وجهادا بالمؤمنين ، واقدر على قمع الكفار والمنافقين من غيره مثل عثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين ، ومما يبيّن ذلك أن القدر الذي ينقل عن هؤلاء من الأحكام المسندة إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ينقل عن أولئك ما هو أضعافه » (٣).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٢ / ١٠٤.

(٢) فيض القدير ١ / ٢٢٦ ، و « القطان » هو : يحيى بن سعيد التميمي ، من أئمتهم الذين يقتدون بهم في الحديث والرجال ، قال أحمد : ما رأيت بعيني مثل يحيى القطان. توفى سنة ١٩٨. وترجم له في : تهذيب التهذيب ١١ / ٢١٦ ، تذكرة الحفاظ ١ / ٢٧٤. وغيرهما.

(٣) منهاج السنة ١ / ٢٢٩.

٢٥٣

وفي ( ميزان الاعتدال ) بترجمته عليه‌السلام : « روى عنه بنوه : علي الرضا وإبراهيم ، وإسماعيل ، وحسين ، وأخواه علي ومحمد : وإنما أوردته لأن العقيلي ذكره في كتابه وقال : حديثه غير محفوظ ـ يعني في الإيمان ـ قال : الحمل فيه على أبي الصلت الهروي.

قلت : فإذا كان الحمل فيه على أبي الصلت فما ذنب موسى تذكره » (١).

وقال ابن حجر : « روى عن أبيه وعبد الله بن دينار وعبد الملك بن قدامة الجمحي ».

وقال فيه ـ بعد أن ذكر مولده سنة ثمان وعشرين ومائة ـ « قلت : إن ثبت أن مولده سنة ثمان فروايته عن عبد الله بن دينار منقطعة ، لأن عبد الله بن دينار توفي سنة سبع وعشرين » (٢).

وقال ابن حبان بترجمة الامام الصادق عليه‌السلام : « يحتج بروايته ما كان من غير رواية أولاده عنه ، لأن في حديث ولده عنه مناكير كثيرة ، وإنما مرّض القول فيه من مرّض من أئمتنا لما روي في حديثه من رواية أولاده ، وقد اعتبرت حديثه من حديث الثقات عن مثل ابن جريج والثوري ومالك وشعبة وابن عيينة ووهب ابن خالد وذويهم ، فرأيت أحاديث مستقيمة ليس فيها شيء ، يخالف حديث الأثبات ، ورأيت في رواية ولده عنه أشياء ليست من حديثه ولا من حديث أبيه ولا من حديث جده ، ومن المحال أن يلزق به ما جنت يد غيره » (٣).

وفي ( تهذيب التهذيب ) عن ابن حبان : « يحتج بحديثه من غير رواية أولاده عنه » (٤).

__________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ٣ / ٢٠١.

(٢) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٣٩ ـ ٣٤٠.

(٣) الثقات ٦ / ١٣١.

(٤) تهذيب التهذيب ٢ / ١٠٤.

٢٥٤

٧ ـ الامام الرضا عليه‌السلام

قال ابن تيمية في جواب كلام العلامة الحلي قدس الله روحه حول الامام الرضا عليه‌السلام : كان أزهد الناس وأعلمهم ـ ما نصه :

« أما قوله : كان أزهد الناس وأعلمهم ، فدعوى مجردة بلا دليل ، فكل من غلا في شخص أمكنه أن يدعي له هذه الدعوى ، كيف والناس يعلمون أنه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه ، كالشافعي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وأشهب بن عبد العزيز وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وأمثال هؤلاء ، هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئا ، ولا روى له حديثا في كتب السنة ، وإنما روى له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخا عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزّه الله عنه الصادقين منهم ، وأما قوله : إنه أخذ عنه الفقهاء المشهورون ، فهذا من أظهر الكذب ، هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو معروف ، وإن أخذ عنه بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر ، فلأن طلبة الفقهاء يأخذون عن المتوسطين في العلم ومن هم دون المتوسطين » (١).

وقد ضعّف المقدسي أحاديث كثيرة قائلا : « فيه علي بن موسى الرضا ، يأتي عن آبائه بالعجائب » (٢).

وقال السمعاني ما نصه : « الرضا ـ بكسر الراء وفتح الضاء المعجمة ـ هذا لقب أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالرضا ، قال أبو حاتم ابن حبان البستي : يروي عن أبيه العجائب ، روى عنه أبو الصلت وغيره ، كأنه كان يهم ويخطئ » (٣).

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٢٥.

(٢) أنظر تذكرة الموضوعات.

(٣) الأنساب ـ الرضا.

٢٥٥

وقد أورد ابن حجر كلام ابن حبان عن السمعاني كذلك (١).

وقال الذهبي بترجمته عليه‌السلام : « قال ابن طاهر : يأتي عن أبيه بعجائب. قلت : إنما الشأن في ثبوت السند إليه وإلاّ فالرجل قد كذب عليه ووضع عليه نسخة سائرها الكذب على جدّه جعفر الصادق ، فروى عنه أبو الصلت الهروي أحد المتهمين ، ولعلي بن مهدي القاضي عنه نسخة ولأبي أحمد عامر بن سليمان الطائي عنه نسخة كبيرة ، ولداود بن سليمان القزويني عنه نسخة ، مات سنة ثلاث ومائتين ، قال أبو الحسن الدارقطني ، إن ابن حبان في كتابه قال : علي بن موسى الرضا يروي عن أبيه عجائب ، يهم ويخطئ » (٢).

٨ ـ سائر الأئمة المعصومين عليه‌السلام

قال الفخر الرازي « والعجب أنهم يزعمون في التقي والحسن العسكري أنهم كانوا عالمين بجميع المسائل الأصولية والفرعية جملها وتفاصيلها ، مع أنهم كانوا في زمان كثير خوض العلماء في أصناف العلوم وكثر تصانيفهم ، ومع ذلك فلم يظهر من أحد منهم شيء من العلوم لا بالقليل ولا بالكثير ، ولم يحضروا محفلا ، ولا تكلّموا في شيء من المسائل مع المخالفين ، ولم يظهر منهم تصنيف منتفع به ، كما ظهر من الشافعي رضي‌الله‌عنه ومحمد بن الحسن رحمة الله عليه وغيرهما من الفقهاء والمتكلمين والمفسرين » (٣).

وقال ابن تيمية : « الثالث أن يقال : القول بالرأي والاجتهاد والقياس والاستحسان ، خير من الأخذ بما ينقله من يعرف بكثرة الكذب عمن يصيب ويخطئ ، نقل غير مصدق عن قائل غير معصوم ، ولا يشك عاقل أن رجوع مثل مالك ، وابن أبي ذئب ، وابن الماجشون ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ،

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٧ / ٣٨٨.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ / ١٥٨.

(٣) نهاية العقول ـ مخطوط.

٢٥٦

والثوري ، وابن أبي ليلى ، وشريك ، وأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وزفر ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، والشافعي ، والبويطي ، والمزني ، وأحمد بن حنبل ، وأبي داود السجستاني ، والأثرم ، وإبراهيم الحربي ، والبخاري ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وأبي بكر بن خزيمة ، ومحمد بن جرير الطبري ، ومحمد بن نصر المروزي ، وغير هؤلاء إلى اجتهادهم واعتبارهم ـ مثل أن يعلموا سنة النبي صلّى الله عليه وسلّم الثابتة عنه ، ويجتهدوا في تحقيق مناط الأحكام وتنقيحها وتخريجها ـ خير لهم من أن يتمسكوا بنقل الروافض عن العسكريين وأمثالهما ، فإن الواحد من هؤلاء لأعلم بدين الله ورسوله من العسكريين أنفسهما ، فلو أفتاه أحدهما بفتيا كان رجوعه إلى اجتهاده أولى من رجوعه إلى فتيا أحدهما ، بل ذلك هو الواجب عليه ، فكيف إذا كان ذلك نقلا عنهما من مثل الرافضة؟ والواجب على مثل العسكريين وأمثالهما أن يتعلّموا من الواحد من هؤلاء؟ » (١).

وقال : « الثاني أن يقال : القياس ـ ولو أنه ضعيف ـ هو خير من تقليد من لم يبلغ في العلم مبلغ المجتهدين ، فإن كلّ من له علم وإنصاف يعلم أن مثل مالك ، والليث بن سعد ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، ومثل الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور ، أعلم وأفقه من العسكريين وأمثالهما ، وأيضا ، فهؤلاء خير من المنتظر الذي لا يعلم ما يقول!! » (٢).

وقال : « وأما من بعد موسى ، فلم يؤخذ عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين وتواريخهم ، فإن أولئك الثلاثة توجد أحاديثهم في الصحاح والسنن والمسانيد ، وتوجد فتاويهم في الكتب المصنفة في فتاوى السلف ، مثل كتب ابن المبارك ، وسعيد بن منصور ، وعبد الرزاق ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وغير هؤلاء ، وأما من بعدهم فليس له رواية في الكتب الأمهات من الحديث ، ولا

__________________

(١) منهاج السنة ١ / ٢٣١.

(٢) منهاج السنة ٢ / ٨٩.

٢٥٧

فتاوى في الكتب المعروفة التي نقل فيها فتاوى السلف ، ولا لهم تفسير ولا غيره ، ولا لهم أقوال معروفة » (١).

وفي ( الموضوعات ) بعد حديث في فضل فاطمة عليها‌السلام : « هذا حديث موضوع ، والحسن بن علي صاحب العسكر هو : الحسن بن علي بن محمد ابن علي بن موسى بن جعفر أبو محمد العسكري ، أحد من يعتقد فيه الشيعة الامامة ، روى هذا الحديث عن آبائه ، وليس بشيء » (٢).

وفي ( اللآلي المصنوعة ) بعده : « موضوع ، الحسن العسكري ليس بشيء!! » (٣).

وفي ( تنزيه الشريعة ) بعده : « فيه عبد الله والحسن ، ولعله من وضع أحدهما » (٤).

وقال الفتني : « الحسن بن علي صاحب العسكر ليس بشيء » (٥).

وقال ابن تيمية « وأما قوله ـ وكان ولده الحسن العسكري عالما زاهدا فاضلا عابدا أفضل أهل زمانه وروت عنه العامة كثيرا ـ فهذا من نمط ما قبله ، من الدعاوى المجردة والأكاذيب المثبتة ، فإن العلماء المعروفين بالرواية الذين كانوا في زمن هذا الحسن بن علي العسكري ليست لهم عنه رواية مشهورة في كتب أهل العلم ، وشيوخ أهل كتب السنة : البخاري ، ومسلم وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، كانوا موجودين في ذلك الزمان وقريبا منه قبله وبعده.

وقد جمع الحافظ أبو القاسم ابن عساكر أسماء شيوخ الكلّ ، يعني شيوخ هؤلاء الأئمة ، فليس في هؤلاء الأئمة من روى عن الحسن بن علي العسكري ،

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٢٤.

(٢) الموضوعات لابن الجوزي ١ / ٤١٥.

(٣) اللآلي المصنوعة ١ / ٣٩٦.

(٤) تنزيه الشريعة ١ / ٤١٠.

(٥) قانون الموضوعات / ٢٤٩.

٢٥٨

مع روايتهم عن ألوف مؤلفة من أهل الحديث ، فكيف يقال : روت عن العامة كثيرا؟ وأين هذه الروايات؟!

وقوله : إنه كان أفضل أهل زمانه هو من هذا النمط » (١).

٩ ـ الامام الثاني عشر عجل الله فرجه

وقال ابن تيمية في ذكر الامام الثاني عشر الحجة ابن الحسن العسكري عجل الله فرجه :

« وهذا لو كان موجودا معلوما لكان الواجب في حكم الله الثابت بنص القرآن والسنة والإجماع أن يكون محضونا عند من يحضنه في بدنه ، كأمه وأم أمه ونحوهما من أهل الحضانة ، وأن يكون ماله عند من يحفظه ، إما وصي أبيه إن كان له وصي ، وإما غير الوصي إما قريب وإما نائب لدى السلطان فإنه يتيم لموت أبيه ، والله تعالى يقول : ( وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا ) فهذا لا يجوز تسليم ماله إليه حتى يبلغ النكاح ويؤنس منه الرشد ، كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه.

فكيف يكون من يستحق الحجر عليه في بدنه وماله إماما لجميع المسلمين معصوما ، لا يكون أحد مؤمنا إلاّ بالإيمان به ، ثمّ هذا باتفاق منهم سواء قدر وجوده أو عدمه لا ينتفعون به ، لا في الدين ولا في الدنيا ، ولا علّم أحدا شيئا ولا عرف له صفة من صفات الخير ولا الشر ، فلم يحصل به شيء من مقاصد الامامة ومصالحها لا الخاصة ولا العامة.

بل إن قدّر وجوده فهو ضرر على أهل الأرض بلا نفع أصلا ، فإن المؤمنين به لم ينتفعوا به أصلا ولا حصل لهم به لطف ولا مصلحة ، والمكذبون به يعذبون عندهم على تكذيبهم به ، فهو شر محض لا خير فيه! وخلق مثل هذا ليس من

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٣١.

٢٥٩

فعل الحكيم العادل ».

وقال « ثم إنهم يقولون : إن الله يجب عليه أن يفعل أصلح ما يقدر عليه للعباد في دينهم ودنياهم ، وهو يمكّن الخوارج الذين يكفرون به بدار لهم فيها شوكة ومن قتال أعدائهم ، ويجعلهم والأئمة المعصومين في ذل أعظم من ذل اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الذمة! فإنّ أهل الذمة يمكنهم إظهار دينهم وهؤلاء الذين يدعى أنهم حجج الله على عباده ولطفه في بلاده ، وأنه لا يهدى إلاّ بهم ولا نجاة إلاّ بطاعتهم ولا سعادة إلاّ بمتابعتهم ، وقد غاب خاتمتهم من أربعمائة وخمسين سنة ، فلم ينتفع به أحد في دينه ودنياه ، وهم لا يمكنهم إظهار دينهم كما تظهر اليهود والنصارى دينهم » (١).

كلام سليمان بن جرير في الطعن في الأئمة

ومما يدل على انحراف أهل السنة عن أهل البيت وسوء اعتقادهم فيهم : ما حكوه عن سليمان بن جرير واستندوا إليه في كتبهم ، طعنا في الأئمة الطاهرين وشيعتهم ... فقد قال الفخر الرازي في آخر بحث الامامة بعد كلام على التقية ما نصه : « ولنختم هذا الكلام بما يحكى عن سليمان بن جرير الزيدي أنه قال : إن أئمة الرافضة وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظفر معهما أحد عليهم ، الأولى : القول بالبداء ، فإذا قالوا إنه سيكون لهم قوة وشوكة ثم لا يكون الأمر على ما أخبروه قالوا : بدا لله تعالى فيه ، قال زرارة بن أعين ـ من قدماء الشيعة وهو يخبر عن علامات ظهور الامام رضي‌الله‌عنه ـ هذه الأبيات :

فتلك أمارات تجيء بوقتها

ومالك عما قدر الله مذهب

ولولا البداء سميته غير فائت

ونعت البدا نعت لمن يتقلب

ولولا البدا ما كان ثم تصرف

وكان كنار دهرها تتلهب

وكان كضوء مشرق بطبيعة

ولله عن ذكر الطبائع مرغب

__________________

(١) منهاج السنة ٢ / ١٣١.

٢٦٠