نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

السيّد علي الحسيني الميلاني

نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - ج ٤

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

ثم اجتمع في تلك الصورة وفيها هيئة نبينا صلّى الله عليه وسلّم فقال له الله تعالى : أنت المختار وعندك مستودع الأنوار ، وأنت المصطفى المنتخب الرضا المنتجب المرتضى ، من أجلك أضع البطحاء وأرفع السماء وأجري الماء وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار ، وأنصب أهل بيتك علما للهداية وأودع أسرارهم في سري بحيث لا يشكل عليهم دقيق ولا يغيب عنهم خفي ، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدري والمطلعين على أسرار خزائني.

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية والإقرار بالوحدانية في مكنون علمه ، ونصب العوالم وموج الماء وأثار الزبد وأهاج الدخان ، فطفى عرشه على الماء ، ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها ، ثم خلق الأرض وما فيها.

ثم قرن بتوحيده نبوة نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وصفيّه ، وشهدت السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض له بالنوبة ، فلمّا خلق آدم أبان للملائكة فضله وأراهم ما خصه به من سابق العلم وجعله محرابا وقبلة لهم وسجدوا له ، ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور ومكنون ذلك السر ، فلما حانت أيامه أودعه شيئا ، ولم يزل ينقل من الأصلاب الفاخرة إلى الأرحام الطاهرة إلى أن وصل عبد المطلب ثم إلى عبد الله ثم إلى نبيه صلّى الله عليه وسلّم ، فدعا الناس ظاهرا وباطنا وندبهم سرا وعلانية ، واستدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر المودع في الذر قبل النسل ، فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور واهتدى إلى السر وانتهى إلى العهد المودع ، ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة فاستحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا ويتشعشع في غرائزنا ، فنحن أنوار السماوات والأرض وسفن النجاة ، وفينا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور وبمهديّنا تقطع الحجج خاتمة الأئمة ومنقذ الأمة ومنتهى النور ، فليهن من استمسك بعروتنا وحشر

٢٠١

على محبتنا » (١).

الرابع : كلام لعلي بن الحسين عليه‌السلام

وقال سيدنا الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام : « نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن من ركبها ويغرق من تركها » رواه البلخي بقوله : « أخرج الحافظ الجعابي أن الامام زين العابدين رضي‌الله‌عنه قال : نحن الفلك الجارية في اللجج الغامرة ، يأمن من ركبها ويغرق من تركها ، وإن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق من يحبّنا وهم في أصلاب آبائهم ، فلا يقدرون على ترك ولا يتنا ، لأن الله عزّ وجل جعل جبلتهم على ذلك » (٢).

الخامس : القصيدة المنسوبة الى ابن العاص

وقال عمرو بن العاص في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

« هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الخطاب »

في قصيدة نسبها إليه جماعة من علماء أهل السنة ، منهم : أبو محمد الحسن ابن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني في كتاب ( الإكليل ) وجمال الدين المحدّث الشيرازي في ( تحفة الأحباء في مناقب آل العباء ).

قال أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني اليمني : « روى أن معاوية بن أبي سفيان قال يوما لجلسائه : من قال في علي على ما فيه فله البدرة؟ فقال كل منهم كلاما غير موافق من شتم أمير المؤمنين إلاّ عمرو بن العاص ، فإنه قال أبياتا اعتقدها وخالفها بفعاله :

__________________

(١) تذكرة خواص الامة ١٢٨.

(٢) ينابيع المودة ٢٣.

٢٠٢

بآل محمد عرف الصواب

وفي أبياتهم نزل الكتاب

وهم حجج الإله على البرايا

بهم وبجدّهم لا يستراب

ولا سيّما أبي حسن علي

له في المجد مرتبة تهاب

إذا طلبت صوارمهم (١) نفوسا

فليس بها (٢) سوى نعم جواب

طعام حسامه مهج الأعادي

وفيض دم الرقاب لها شراب

وضربته كبيعته بخم

معاقدها من الناس الرقاب

إذا لم تبرّأ من أعداء علي

فما لك في محبته ثواب

هو البكّاء في المحراب ليلا

هو الضحّاك إن آن الضرّاب

هو النبأ العظيم وفلك نوح

وباب الله وانقطع الجواب (٣)

فأعطاه معاوية البدر وحرم الآخرين » (٤).

السادس : كلام للحسن البصري (٥).

وقال الحسن البصري في كتاب له إلى سيدنا الامام الحسن السبط عليه‌السلام « فإنكم معاشر بني هاشم كالفلك الجارية في بحر لجي ، ومصابيح الدجى وأعلام الهدى ، والأئمة القادة الذين من تبعهم نجا ، كسفينة نوح المشحونة التي يؤول إليها المؤمنون وينجو فيها المتمسكون ... ».

__________________

(١) كذا والظاهر : صوارمه.

(٢) كذا والظاهر : لها.

(٣) كذا والظاهر : الخطاب.

(٤) هذا الاستشهاد مبني على نسبة من ذكرنا القصيدة إلى عمرو بن العاص. ومن القوم من نسبها إلى الناشئ الصغير المتوفى سنة ٣٦٥ وهي ٣٢ بيت ، قال صاحب الغدير : وهو الأصح.

(٥) الحسن البصري هو : الحسن بن يسار أبو سعيد. من كبار التابعين وإمام أهل البصرة وحبر الامة في زمنه ، وأحد العلماء الفقهاء النساك عند أهل السنة. توفي سنة ١١٠ وله ترجمة في جميع كتب الرجال كتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب وميزان الاعتدال. وقد أثنى عليه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء ٢ / ١٣١.

٢٠٣

رواه أبو الحسن الغزنوي في ( كشف المحجوب لأرباب القلوب ٦١ ) وعنه الشهاب الدولت آبادي في ( هداية السعداء ) وعبد الرحمن الجشتي في ( مرآة الأسرار ) ورواه محمد محبوب في ( تفسير شاهي ) بتفسير قوله تعالى : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ) عن كتاب ( جواهر العلوم ).

٢٠٤

دلالة حديث السفينة

٢٠٥
٢٠٦

ويدلّ حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام : من وجوه :

١ ـ وجوب اتّباعهم

إن هذا الحديث يدلّ على وجوب اتباع أهل البيت عليهم‌السلام على الإطلاق ، ولا يجب اتباع أحد كذلك ـ بعد الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلاّ الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب.

ويشهد لدلالته على وجوب ابتاعهم مطلقا كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي ، وقد تقدّم ذكر بعض تلك الكلمات.

٢ ـ إتباعهم يوجب النجاة

إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيت عليهم‌السلام يوجب النجاة والخلاص ، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة ، وهي تستلزم الامامة والخلافة.

وقد نصّ على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة :

قال الواحدي : « أنظر كيف دعا الخلق إلى النسب إلى ولائهم والسير تحت لوائهم بضرب مثله بسفينة نوح عليه‌السلام ، جعل ما في الآخرة من مخاوف

٢٠٧

الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه ، فيورده مشارع المنية ويفيض عليه سجال البلية ، وجعل أهل بيته عليه وعليهم‌السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متالفه ، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلاّ بالسفينة ، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلاّ من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم ، وتخلى لهم وده ونصيحته وأكد في موالاتهم عقيدته ، فإن الذين تخلّفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل وخرجوا من الدنيا إلى أنكال وجحيم ذات أغلال ، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل » (١).

وقال السمهودي في تنبيهات الذكر الخامس : « ثانيهاقوله صلّى الله عليه وسلّم : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه ، الحديث ، ووجهه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح عليه‌السلام ، وقد سبق في الذكر قبله في حثّه صلّى الله عليه وسلّم على التمسك بالثقلين كتاب الله وعترتهقوله صلّى الله عليه وسلّم فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ، وقوله في بعض الطرق : نبأني اللطيف الخبير، فأثبت لهم بذلك النجاة وجعلهم وصلة إليها ، فتم التمسك المذكور ، ومحصله الحث على التعلّق بحبلهم وحبهم وإعظامهم شكرا لنعمة مشرفهم صلّى الله عليه وعليهم ، والأخذ بهدي علمائهم ومحاسن أخلاقهم وشيمهم ، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة وأدى شكر النعمة الوافرة ، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران وتيار الطغيان فاستوجب النيران » (٢).

وقال ابن حجر : « ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر : إن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم صلّى الله عليه وسلّم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز ( تيّار ـ

__________________

(١) تفسير الواحدي ـ مخطوط.

(٢) جواهر العقدين ـ مخطوط.

٢٠٨

ظ ) الطغيان » (١).

٣ ـ دلالته على أفضليّتهم

إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيت عليهم‌السلام من سائر الناس مطلقا ، إذ لو كان أحد أفضل منهم ـ أو في مرتبتهم من الفضل ـ لأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالاقتداء به دونهم ، وإلاّ لزم أن يكون قد غش أمته ، وحاشا لله من ذلك ...

وقد صرّح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.

٤ ـ دلالته على وجوب محبتهم

إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيت عليهم‌السلام على الإطلاق ، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد لهم ، كما بحث عن ذلك بالتفصيل في مجلد آية المودة. وكل ذلك يستلزم الإمامة.

٥ ـ دلالته على عصمتهم

إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيت عليهم‌السلام توجب النجاة. وهذا المعنى يستلزم عصمتهم ، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلا عن وجوبها وكونها سببا للنجاة ـ وهذا واضح.

وإذا ثبتت عصمتهم عليهم‌السلام لم يبق ريب في إمامتهم ...

٦ ـ من تخلّف عنهم ضلّ

إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلّفين عن أهل البيت عليهم

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ٩١.

٢٠٩

السلام ، وتخلّف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان ، كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن ، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٧ ـ هم الميزان المعرفة المؤمن والكافر

إن هذا الحديث يدل على أن من اتّبعهم كان من المفلحين الناجين ، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين ، فبهم وباتّباعهم يعرف المؤمن من الكافر ، وهذا المعنى أيضا يقتضي الامامة والرئاسة العامة ، لأنه من شئون العصمة المستلزمة للامامة ... كما تقدم.

٨ ـ دلالته على لزوم الامام في كلّ عصر

إن هذا الحديث يدل على لزوم وجود إمام معصوم من أهل البيت عليهم‌السلام في كل زمان إلى يوم القيامة ، ليتسنى للأمة في جميع الأدوار ركوب تلك السفينة والنجاة بها من الهلاك ، فهو إذا يدل على صحة مذهب أهل الحق وبطلان المذاهب الأخرى ، كما لا يخفى.

٩ ـ الجمع بين حديثي الثقلين والسفينة

لقد جاء حديث السفينة بعد حديث الثقلين في سياق طويل بحيث لا يبقى ريب لمن لاحظه في دلالته على مطلوب أهل الحق ... وذلك ما رواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن أبي الفوارس الرازي في صدر كتابه ( الأربعين في فضائل أمير المؤمنين ) حيث قال : « وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فهما خليفتان بعدي ، أحدهما أكبر من الآخر سبب موصول من السماء إلى الأرض ، فإن استمسكتم بهما لن تضلوا ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة ، فلا تسبقوا أهل بيتي بالقول فتهلكوا ولا تقصّروا عنهم

٢١٠

فتذهبوا ، فإن مثلهم فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك ، ومثلهم فيكم كمثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ، ألا وإن أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي جاء أمّتي ما يوعدون ، ألا وإنّ الله عصمهم من الضلالة وطهّرهم من الفواحش واصطفاهم على العالمين ، ألا وإنّ الله أوجب محبّتهم وأمر بمودتهم ، ألا وإنّهم الشهداء على العباد في الدنيا ويوم المعاد ، ألا وإنّهم أهل الولاية الدالّون على طرق الهداية ، ألا وإنّ الله فرض لهم الطاعة على الفرق والجماعة ، فمن تمسك بهم سلك ومن حاد عنهم هلك. ألا وإن العترة الهادية الطيبين دعاة الدين وأئمة المتقين وسادة المسلمين ، وقادة المؤمنين وأمناء العالمين على البرية أجمعين ، الذين فرّقوا بين الشك واليقين وجاءوا بالحق المبين » (١).

١٠ ـ الحديث في سياق آخر

لقد ورد هذا الحديث في سياق يدل دلالة واضحة على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد بذلك النص على الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام من بعده.

وقد جاء ذلك في حديث رواه أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي : « عن أبي سعيد الخدري ، قال : صلّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الصلاة الأولى ثم أقبل بوجهه الكريم علينا فقال : يا معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطة في بني إسرائيل ، فتمسكوا بأهل بيتي بعدي الأئمة الراشدين من ذريتي ، فإنكم لن تضلوا أبدا ، فقيل : يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال : اثنا عشر من أهل بيتي ـ أو قال ـ من عترتي » (٢).

فإنه يدل على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام من جهات :

١ ـ تشبيهه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل البيت بسفينة نوح.

__________________

(١) الأربعين لابن أبي الفوارس ـ مخطوط.

(٢) مسند الفردوس.

٢١١

٢ ـ تشبيههم بباب حطة.

٣ ـ أمره صلّى الله عليه وسلّم الأصحاب بالتمسك بهم.

٤ ـ وصفهم بالأئمة الراشدين.

٥ ـ ذكر أنهم لن يضلوا إن تمسكوا بهم.

٦ ـ كون الأئمة من بعده اثني عشر من أهل بيته.

١١ ـ الحديث في سياق ثالث

لقد جاء هذا الحديث ضمن كلام للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، خاطب به عليا عليه‌السلام بأسلوب بديع وسياق رفيع لا يرتاب في كونه نصا في الامامة إلا مكابر عنيد ... جاء ذلكفي ( ينابيع المودة ) وهذا لفظه : « أخرجه الحمويني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : يا على أنا مدينة الحكمة وأنت بابها ولن تؤتى المدينة إلاّ من قبل الباب ، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغضك ، لأنك مني وأنا منك لحمك من لحمي ودمك من دمي ، وروحك من روحي وسريرتك من سريرتي ، وعلانيتك من علانيتي ، وأنت إمام أمتي ووصيي ، سعد من أطاعك وشقي من عصاك وربح من تولاك وخسر من عاداك ، فاز من لزمك وهلك من فارقك ، ومثلك ومثل الأئمة من ولدك مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق ، ومثلكم مثل النجوم كلما غاب نجم طلع نجم إلى يوم القيامة » (١).

١٢ ـ معنى الحديث في كلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد جاء معنى هذا الحديث ضمن حديث يدل بوجوه عديدة على امامة أهل البيت عليهم‌السلام ، بحيث لو تأمله عاقل لم يخالجه أي شك في دلالته على

__________________

(١) ينابيع المودة ١٣٠.

٢١٢

مطلوب أهل الحق ، وقد روى ذلك الحديث الهمداني في ( مودة القربى ) والبلخي القندوزي : « عن علي قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فيوال عليا بعدي وليعاد عدوّه وليأتمّ بالأئمة الهداة من ولده ، فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادة [ سادات ] أمتي وقادة [ قادات ] الأتقياء إلى الجنة ، حزبهم حزبي وحزبي حزب الله ، وحزب أعدائهم حزب الشيطان » (١).

١٣ ـ الحديث مع حديث الأشباح

لقد جاء هذا الحديث في حديث الأشباح الخمسة بنهج يدل بوضوح على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام.

وهو ما رواه صدر الدين الحموئي بسنده : « عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال : لما خلق الله تعالى أبا البشر ونفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمنة العرش فإذا نور خمسة أشباح سجّدا وركعا ، قال آدم : يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال : لا يا آدم. قال : فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال : هؤلاء خمسة من ولدك ، لولاهم ما خلقتك ولولاهم ما خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الانس ولا الجن ، هؤلاء الخمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي فأنا المحمود وهذا محمد ، وأنا العالي وهذا علي ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة ، وأنا الإحسان وهذا الحسن ، وأنا المحسن وهذا الحسين ، آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال حبّة من خردل من بغض أحدهم الاّ أدخلته ناري ولا أبالي. يا آدم هؤلاء صفوتي من خلقي بهم أنجيهم وأهلكهم ، فإذا كان لك إلى حاجة فبهؤلاء توسّل.

فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم : نحن سفينة النجاة من تعلّق بها نجا ومن

__________________

(١) ينابيع المودة ص ٢٥٨.

٢١٣

حاد عنها هلك ، فمن كان له إلى الله حاجة فليسأل بنا أهل البيت » (١).

١٤ ـ الحديث مع حديث باب حطة

لقد جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين حديث السفينة ـ في طرق عديدة من طرقه ـ وحديث باب حطة ... وقد ثبت دلالة حديث باب حطة على وجوب اتباع أهل البيت عليهم‌السلام مطلقا ، وعلى عصمتهم وطهارتهم من الرجس ، وعلى كفر المعرضين عنهم والمخالفين لهم ...

فهكذا حديث السفينة يفيد ذلك كله ، وبكلّ منهما يتم مطلوب أهل الحق.

١٥ ـ في كلام امير المؤمنين عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنين عليه‌السلام بين حديث السفينة وباب حطة قائلا ـ فيما رواه السيوطي كما تقدّم ـ « إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل » أي : إن الانقياد لهم والانقطاع إليهم سبب لنجاة الأمة كما نجا من ركب سفينة نوح ومن دخل باب حطة ... وهذا المقام لا يكون إلاّ للإمام عليه‌السلام.

١٦ ـ الحديث مع حديث الثقلين في كلامه عليه‌السلام

لقد جمع أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبة له ـ رواها اليعقوبي كما تقدّم ـ بين حديث السفينة وحديث الثقلين فأشار فيها إلى واقعة الغدير أيضا ... وهذا يفيد أن حديث السفينة من براهين إمامته عليه‌السلام مثلهما.

__________________

(١) فرائد السمطين ١ / ٣٦.

٢١٤

١٧ ـ اهتمام أبي ذر بحديث السفينة

لقد اهتم سيدنا أبوذر رضوان الله عليه بشأن حديث السفينة ، وهذا الاهتمام البالغ يكشف عن اعتقاده بدلالة هذا الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وهذا هو الذي يرغم آناف الأعداء اللئام ، ويرفع رءوس الأولياء الكرام.

١٨ ـ الحديث مع حديث باب حطة في روايته

إنه رضوان الله تعالى عليه قرن ـ في رواية الطبراني وغيره ـ بين حديث السفينة وحديث باب حطة ... وهو يدل على المطلوب كما سبق.

١٩ ـ كلام أبي ذر رضي‌الله‌عنه

لقد علم من رواية ابن الصباغ المالكي وغيره : أن أباذر صعد على عتبة باب الكعبة ثم ذكر حديث السفينة ، وأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : اجعلوا أهل بيتي فيكم مكان الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأس ...

وهذا دليل واضح على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام وإمامتهم وخلافتهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢٠ ـ جمعه بينه وبين حديثي الثقلين وباب حطة

لقد جمع أبوذر رضي‌الله‌عنه ـ فيما رواه البلخي القندوزي ـ بين هذا الحديث وحديثي باب حطة والثقلين ... وهو أيضا دليل على المطلوب.

٢١٥
٢١٦

دحض مناقشات الدهلوي

في دلالة حديث السفينة

٢١٧
٢١٨

وبعد ، فلنأت على كلمات الدهلوي حول دلالة حديث السفينة ، لنبيّن فساد مزاعمه وبطلان دعاويه في المقام ، فنقول وبالله التوفيق :

قوله :

وكذلكحديث : مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق. فإنه لا يدل إلاّ على الفلاح والهداية الحاصلين من حبّهم والناشئين من اتباعهم ، وأن التخلّف عن حبّهم موجب للهلاك.

اعتراف الدهلوي بحصول الفلاح بحب أهل البيت

أقول :

إذا كان ( الدهلوي ) يعترف بذلك ، فلم لا يعترف بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام؟ فلقد علمت أنّ إيجاب موالاتهم ومحبّتهم يستلزم خلافتهم وإمامتهم ، على أنّه سيأتي اعترافه بأن الامام هو من أوجب اتّباعه النجاة في الآخرة.

قوله :

وهذا المعنى ـ بفضل الله تعالى ـ يختص به أهل السنة من بين الفرق الإسلامية كلّها.

٢١٩

أقول :

إن من المعلوم لدى كلّ عاقب بصير أنه ليس لأهل السنة من ولاء أهل البيت عليهم‌السلام واتباعهم نصيب أصلا ، فضلا عن أن يكون خاصا بهم ، كيف وهم يوالون بل يقتدون بمن ظلمهم وحاربهم وسبّهم وسمّهم وأبغضهم وانحرف عنهم! هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإنهم ينفون فضلهم وينكرون عصمتهم ويخطّؤونهم في الأقوال والأفعال ولا يعتبرون بإجماعهم ... كما لا يخفى على من راجع كتبهم الكلامية والأصولية!! وهل هذا الذي زعمه ( الدهلوي ) إلاّ مباهتة تتحير منها الأحلام والأذهان؟

قوله :

لأنهم متمسكون بحبل وداد أهل البيت جميعهم حسب ما يريد القرآن : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ... ) وموقفهم من ذلك كموقفهم من الأنبياء : ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ... ) فلا يؤمنون ببعضهم ويعادون غيرهم.

هل أهل السنة متمسكون بأهل البيت؟

أقول : هذه دعوى باطلة لا يسندها أي دليل ، ولعمري أنه يتذكر المرء منها قوله عز وجل : ( إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ ) (١).

وقوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ ) (٢).

__________________

(١) سورة المنافقون ـ ١.

(٢) سورة البقرة ـ ٩.

٢٢٠