الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

القسم الثالث من الاستصحاب الكلى ، وحينئذ جريان الاستصحاب فى هذه الاقسام الثلاثة ، او عدم جريانه فيها ، او التفصيل فيها بجريانه فى الاول والثالث دون الثانى ، وجريانه فى خصوص الثالث دون الاولين وجوه اقواها الاخير.

اما عدم جريانه فى القسم الاول فلانه لا منشأ به سوى توهم ، ان العلم بوجود زيد فى الدار يلازم العلم بوجود الانسان فيها مع احتمال وجود عمر ومعه يشك فى بقاء الانسان فى الدار ولو بعد العلم بموته او خروجه منها فلا اخلال فى ركنى الاستصحاب من اليقين السابق والشك اللاحق. ولا يخفى ما فيه لان نسبه الكلى الى الافراد كدلالة الاب الواحد الى الابناء وحينئذ تكون الحصة من الكلى الموجود فى ضمن زيد مغايرا بحسب الوجود مع الحصة الموجودة فى ضمن العمرو على تقدير وجوده وهكذا يتعدد الكلى حسب تعدد الافراد فى الخارج لان له وجود واحد فى ضمن الافراد المتعددة بل لكل فرد حصه من الكلى مستقل لا ربط وبوجود حصه اخرى التى تكون فى ضمن الفرد الآخر وحينئذ يكون المتيقن السابق حصه من وجود الكلى المحققة فى ضمن زيد وهذه الحصة مقطوع الارتفاع حسب الفرض ولا علم بوجود حصه اخرى فى ضمن عمرو فيما هو المتيقن مقطوع الارتفاع وما هو مشكوك البقاء لا يقين سابق بوجوده فاين يجرى الاستصحاب وهذا بخلاف القسم الثانى من الاستصحاب الكلى فانه حيث كانت نفس الحصة من الكلى المتيقن سابقا وجودها مردد بين بقائها وارتفاعها لاجل التردد فى الفرد الذى وجدت الحصة فى ضمنه واين هذا بما نحن فيه ، ثم على فرض كون نسبه الكلى الى الافراد كنسبه الاب على الابناء وكان

٨١

وجود الكلى لا يختلف باختلاف الافراد وتعدده ، ولا اشكال ان ذلك لو امكن انما هو بالنظر الدقى العقلى الذى لا عبرة به فى باب الاستصحاب ، اما بالنظر المسامحى العرفى فلا اشكال فى تعدد وجود الكلى بتعدد الافراد.

ثم انه ربما قيل لظهور الثمرة فيما اذا كان نائما واحتمل الجنابة فى اثناء نومه وبعد اليقظة توضأ ، فلو قلنا بجريان استصحاب الحدث فيه كان اللازم عدم جواز مس كتابه القرآن ما لم يغتسل لاستصحاب الحدث ، وان قلنا بعدم جريانه فيه جاز له لكل فعل مشروط ، بالطهارة ولا يجب عليه الغسل ، ولكن الظاهر فى المثال جواز كل مشروط بالطهارة بعد الوضوء ولو قلنا بجريان الاستصحاب فى القسم الاول من استصحاب القسم الثالث ، لا لان المثال ليس من قبيل القسم الاول بل لان فى المثال خصوصية اوجبت عدم الاثر فى استصحاب الحدث وهو فى حكم المثال كل من كان محدثا بالاصغر مطلقا واحتمل عروض الاكبر فى ذلك الحال. وبيان ذلك هو ان قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الى قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) على انه من كان نائما ولم يكن جنبا والموجب عليه هو الوضوء فاخذ فى موضوع ايجاب الوضوء قيد وجودى وهو النوم ، وقيد عدمى وهو عدم الجنابة وهذا القيد العدمى وان اخذ فى الآية الشريفة صريحا إلّا انه فى مقابله الوضوء للغسل والنوم للجنابة المستفاد ذلك حيث ان التفصيل قاطع للشركه بما يستفاد نظير ذلك من آية الوضوء والتيمم حيث ان من قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) يستفاد اخذ قيد الوجدان فى موضوع ايجاب الوضوء ، وان تقييده صريحا فيكون القدرة على الماء فى باب الوضوء قدرة شرعيه حيث اخذت فى الموضوع. والحاصل ان

٨٢

فى مقابله النوم للجنابة يستفاد ان الموضوع فى ايجاب الوضوء هو النوم مع عدم الجنابة فيدخل المثال فى صغريات الموضوع المركبة المحرزة بعضها بالوجدان وبعضها بالاصل ، فان النائم الشاك فى الجنابة قد احرز تمام موضوع ايجاب الوضوء عليه من النوم المحرز بالوجدان وعدم الجنابة المحرز بالاصل واذا اوجب عليه الوضوء شرعا بمقتضى الآية الشريفة فتوضأ فيجوز له كل فعل مشروط بالطهارة ولو كان ذلك من كتابه القرآن ولا يبقى اثر حينئذ لاستصحاب الحدث ، وعلى كل حال فقد ظهر لك عدم جريان الاستصحاب فى القسم الاول. واما عدم جريانه فى القسم الثانى فاوضح لعدم الاشكال فى اختلاف القضية المتيقنة والمشكوكة عقلا وعرفا فان ما كان موجودا بعد العلم به انعدم حقيقة ولا علم بوجود آخر وذلك واضح لا سترة فيه. واما جريانه فى القسم الثالث وهو ما اذا كان باحتمال تبدل فرد الى فرد آخر فواضح ايضا ، وذلك انما يكون فيما اذا كان الموجود ذا مراتب مختلفه بالشدة والضعف وكانت المراتب الضعيفة مندرجة فى المرتبة القوية ، بالقوة بحيث لو زالت المرتبة القوية خلفها مرتبه اخرى من المراتب مندرجة وصارت فعليه بعد ما كانت بالقوة وهذا هو الذى يعبر عنه فى لسان اهل العقول الا بعد الليس لا ينخلع بعد الليس كما فى المواد الشديدة حيث يكون حاويا بجميع مراتب الضعيف فحينئذ يكون نظير القسم الثانى من الاستصحاب بداهة انه مع وحده وجود المرتبة المحتملة حدوثها للمرتبة المقطوعة ارتفاعها وكان الكلى الموجود فى ضمنها نحو وجود واحد لا يختلف كانت القضية المشكوكة متحده مع القضية المتيقنة عقلا وعرفا ويجرى الاستصحاب ومن ذلك ، مثال كثير الشك الذى ذكره الشيخ الانصارى (قده) فى الكتاب

٨٣

فان شك كثير الشك وذو مراتب ، وعند ارتفاع المرتبة التى كانت واجدة لها واحتمل تبديلها وتخلفها الى مرتبه اخرى منه كان الاستصحاب جاريا.

ومما ذكرناه يظهر وجه النظر فيما افاده من جهة جريان الاستصحاب فى القسم الاول من القسم الثانى مضافا الى عدم استفادة منه فى نفسه يكون من الشك فى المقتضى الذى لا يقول هو بجريان الاستصحاب فيه.

ثم انه يلحق فى القسم الثالث من القسم الثالث الذى قوينا جريان الاستصحابات الجارية فى الزمان والزمانيات المبنية على التصرم كالحركة ويأتى الكلام ، ففى ما افاده الفاضل التونى (قده) فى وجه عدم جريان استصحاب عدم التذكية عند الشك فيها وبيان فساده ، فنقول : بناء المشهور على جريان أصالة عدم التذكية عند الشك فيها ويترتب عليها حرمه اللحم ونجاسته ، وخالف فى ذلك بعض منهم الفاضل التونى (قده) واستدلوا على ذلك بوجهين يمكن تطبيق كلام الفاضل على كل منهما.

الاول ان الموضوع فى حرمه اللحم ونجاسته ليس إلّا الميتة لقوله تعالى : ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)) وهى عبارة عما مات حتف انفه وهذا امر وجودى لا يمكن اثباته بأصالة عدم التذكية لكونه من اوضح مصاديق الميتة ، وبالجملة فكما ان التذكية امر وجودى اخذ موضوعا للحل والطهارة فكذلك الميتة امر وجودى وهو الموت حتف آنفا اخذ موضوعا للحرمة والنجاسة وكما بأصالة عدم موت حتف الانف لا يثبت التذكية وكذلك بأصالة عدم التذكية لا يثبت موت حتف الانف ، ويتساقطان فيرجع الى قاعده الحل والطهارة.

الثانى : انه على فرض كون الموضوع للحرمة والنجاسة هو الامر العدمى الذى عبارة عن عدم التذكية إلّا انه لا اشكال فى ان الموضوع ليس

٨٤

هو عدم التذكية بل خصوص عدم التذكية فى حال زهوق الروح لان عدم التذكية فى الحيوان لا يكون موضوعا لذلك بل الذى يترتب عليه اثر النجاسة هو عدم التذكية فى حال زهوق الروح وذلك الحال لم يكن لها حاله سابقه بداهة ان زهوق الروح ، اما ان يكون عن تذكيه واما ان لا يكون ولم يتحقق فى الخارج زهوق الروح لم يكن معه تذكيه حتى يستصحب العدم فى ذلك الحال وعدم التذكية فى حال الحياة وان كان له حاله سابقه إلّا انه على ذلك العدم لا يترتب الاثر كعدم ترتب الاثر على العدم الازلى الثابت قبل وجود الحيوان. والحاصل ان عدم التذكية لازم اعم من حال الحياة وحال زهوق الروح باستصحاب عدم التذكية لا يمكن اثبات الفرد ، فهو كما اذا اريد اثبات وجود عمرو باستصحاب وجود الضاحك الذى كان فى ضمن وجود زيد بعد القطع بموت زيد هذا. ولكن لا يخفى ما فى كلا الوجهين :

اما الاول فلان الموت حتف الانف لم يؤخذ فى الآية والرواية موضوعا للحرمة والنجاسة بل يوجب حتف الانف يكون من احد مصاديق ما يحكم عليه بالحرمة والنجاسة ، فان كل لم يكن مذكى يكون محكوما بالنجاسة والحرمة والمذكى عبارة من الحيوان الذى فرى اوداجه الأربعة بالحديد ، مع التسمية عند الفرى ، وكونه على القبلة الاسلامية ، فعند اجتماع هذه الشرائط والامور يكون الحيوان مذكى ، يحكم عليه بالحليّة والطهارة ، وعند انتفاء التسمية عند الذبح يكون الحيوان ميته ، وكذا عند انتفاء ساير الامور ، وعلى هذا يكون الموضوع للحرمة والنجاسة هو غير المذكى فلا يعارض أصالة عدم التذكية بأصالة عدم موت حتف الانف لان موت حتف الانف ليس موضوعا للحكم حتى يجرى الاصل فيه.

٨٥

وأما الوجه الثانى : فلان دعوى مغايره عدم التذكية الثابت فى حال الحياة بعدمها الثابت له فى حال زهوق الروح واضحة ، بداهة ان نفس ذلك العدم الثابت له فى الحيوان مستمر الى زهوق الروح بعده من دون ان ينقلب ذلك العدم الى عدم آخر ، وليست الحياة وزهاق الروح الا من الحالات للموضوع ، لا من القيود المقومة له ، بل الموضوع ليس هو إلّا الجسم ، وهو باق فى كلا الحالين. والحاصل ان تذكيه الحيوان من الامور الحادثه المسبوقة بالعدم الازلى وهو مستمر الى زمان زهوق الروح ، وبعده ، غاية الامر ان عدم التذكية قبل وجود الحيوان كان عدما محموليا ، وليسا تامة وهذا مما لا يمكن استصحابه فى المقام ، لعدم ترتب اثر له ، فان الموضوع فى المقام هو عدم تذكيه الحيوان بالعدم النعتى مفاد ليس الناقصة وهو يتوقف على وجود الحيوان.

فان قيل : لا يصدق العدم النعتى عليه ، لتقومه بوجود الحيوان وقبل وجوده لا حيوان ، ولا تذكيه ، ولا ميز فى الاعدام فكيف يمكن صدق عدم النعتى عليه قبل وجوده ، ولكن لا اقول بتبدل ذلك العدم الى عدم آخر فان ذلك ضرورى البطلان بل هو ذلك العدم غاية الامر انه قبل وجود الحيوان كان محموليا وبعد وجوده صار نعتيا فهو من قبيل تبدل وصف له وبعد تبدل العدم المحمولى الثابت قبل وجود الحيوان الى العدم النعتى وبعد وجوده بوصف كونه نعتيا مستمر من بعد وجوده الى زهاق الروح وبعده من دون ان ينقلب عما كان عليه من النعتية ومن دون اختلاف فى ناحيه منعوتيه من الحيوان بما عرفت من ان الحيوان لم تكن قيدا بل الذى يترتب عليه الاثر من النجاسة والحرمة هو استمرار عدم التذكية الى زمان زهوق الروح فالقول بان عدم التذكية عند الزهوق معارض بعدمها عند الحياة و

٨٦

الذى يترتب عليه الاثر هو الاول لا يكون له حاله سابقه والذى له حاله هو الثانى وهو مما لا اثر له فاسد جدا بما عرفت من ان الاثر مترتب على استمرار عدم التذكية الثابت فى حال الحياة الى زمان زهوق الروح.

فان قلت : نعم وان كان كما ذكره إلّا ان عدم التذكية بنفسها لا يكون موضوعا للاثر بل الموضوع هو استمرار العدم الى حال زهوق الروح ففى الحقيقة الموضوع هو زهوق الروح فى حال عدم التذكية وهذا المعنى مما ليس مسبوقا بالعدم بداهة ان وصف الحالية لم يكن لها حاله سابقه ، ومن استمرار عدم التذكية لا زمان وهو زهوق الروح بالاستصحاب لاثبات وصف الحالية لا على القول بالاصل المثبت.

قلت الموضوع وان كان هو عدم التذكية وزهاق الروح إلّا انه لا يعتبر فى الموضوع ازيد من اجتماع هذين الجزءين الى عمود الزمان من دون ان يكون الحالة الحاصلة من اجتماع فى الزمان من الحالية والتقارن دخل. وبالجملة ليس لحكاية الحال وهو كون الزهوق فى حال عدم التذكية دخل فى الموضوع اصلا ولا دليل على ذلك ، بل الدليل على خلافه ، بداهة ظهور قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) فى ان اثر النجاسة والحرمة مترتب على نفس عدم التذكية ، غاية الامر لا بما هو هو وحده بل مع زهوق الروح فيكون المقام كسائر الموضوعات المركبة المحرزة ، احدها بالوجدان والآخر بالاصل على اقسامها من كونها جوهرين او عرضين ، لموضوع واحد او موضوعين او جوهر وعرض على ما بيناه ، وسيأتى فى التنبيهات الآتية ، والذى لا يكفى ما هو كان المركب يتركب من عرض ومحله كقرشية المرأة ، نعم لو كان الموضوع مركبا

٨٧

إلّا انه اخذ على نحو خاص واضافه خاصه حاصله من الاجتماع فى الزمان بوصف التقدم ، والتأخر ، والتقارن حكاية الحال وامثال ذلك لا يجرى الاستصحاب فيه إلّا ان هذا كله خارج من المقام ، فان الموضوع فى المقام ليس إلّا اجتماع الزهوق ، وعدم التذكية فى الواقع من دون دخل شيء آخر اصلا ، فالانصاف ان جريان عدم التذكية فيها مما لا اشكال فيه كما عليه المشهور.

التنبيه الرابع :

المشهور بنائهم جريان الاستصحاب فى الزمان والزمانيات المبنية على الانقضاء والتصرم اما جريانه فى الزمان فعلى بعض الاعتباريات مما لا اشكال فيه كما لا اشكال فى عدم جريانه فى بعض الآخر ، تفصيل ذلك ان الشك فى بقاء الليل والنهار تارة يكون بمفاد كان التامة ، وليس التامة ، واخرى يكون بمفاد كان الناقصة وليس الناقصة. اما الاول فهو الشك فى اصل وجود النهار والليل ، بان يشك فى زمان النهار موجود على نحو كان التامة ، او ليس بموجود على نحو ليس التامة. واما الثانى فى ان هذا الآن الحاضر هل هو من الليل او النهار؟ على نحو كان الناقصة ، او ليس الناقصة فان كان الشك بالاعتبار الثانى فلا اشكال فى عدم جريان الاستصحاب فيه ، بداهة كون هذا الآن من الليل او النهار لم يكن لها حاله سابقه ، وان كان الشك باعتبار الاول وهو الشك فى وجود الليل وعدمه فالظاهر هو انه لا مانع من جريان الاستصحاب فيه ، فان الليل وان كان عبارة عن مجموع الحدين من الغروب الى الطوع وكانت فى الآنات المتعاقبة اجزاء لها

٨٨

لا جزئيات إلّا انه من حيث اتصال الآنات بعضها مع البعض كان لكل من الليل والنهار وحده عرفية محفوظة بتبادل الآنات وتصرمها وكان وجود كل منهما بنظر العرف بوجود اول جزء منها وبهذا الاعتبار يكون القضية المشكوكة متحده مع القضية المتيقنة ، ولا يعتبر فى الاستصحاب ازيد من اتحاد قضيتين عرفا. ويبقى الكلام فى كفاية استصحاب الليل او النهار فى الخروج عن عهده التكاليف المعتبرة وقوعها فيها بمعنى ان استصحاب وجود الليل والنهار يوجب صدق وقوع الفعل المأمور به فى الليل والنهار ، او انه لا يوجب صدق ذلك على القول بالاصل المثبت وبعبارة اخرى بعد ما كانت المعتبر فى الموقتات وقوعها فى الظرف الذى اخذ وقتا لها من الزمان كاعتبار وقوع الصلاة مثلا فى الليل والنهار ، واعتبار وقوع الصوم فى رمضان فهل يمكن اثبات معنى الظرفية باستصحاب وجود الليل او النهار على نحو لا يكون من الاصل المثبت او لا يمكن؟ الظاهر انه لا يمكن ، بداهة ان مجرد استصحاب بقاء الليل او النهار لا يقتضى صدق معنى الظرفية ، وان الفعل واقع فيها فان ذلك من لوازم العقلية بوجود الليل او النهار. واما كون الفعل واقعا فيها فمما لا يمكن اثباته بذلك ، اللهم إلّا ان يمنع الحاجة باثبات الظرفية فى الموقتات.

ودعوى ان دليل التقييد لا يدل على ازيد من اعتبار وقوع الفعل عند وجود وقته من دون اعتبار صدق الظرفية ولكن الظاهر انه لا سبيل الى هذه الدعوى ، وعلى هذا يكون الاستصحاب مثل الليل والنهار وغير ذلك قليل الجدوى والاثر المهم الذى يراد اثباته باستصحاب الزمان مما يظهر فى باب الموقتات لكن الانصاف ان الامر ليس كما ذكر بل فوائد جريان

٨٩

الاستصحاب فى الزمان كثيرة جدا ، وذلك لان الزمان يكون شرطا للوجوب واخرى للواجب ، فان كان منه ظرفا للوجوب فالظرفية غير معتبره ولا يحتاج اليها بل يكفى احراز نفس تحقق الوقت ووجوده ولو بالاصل ويترتب عليه الوجوب او بقائه وذلك كما فى مثل وجوب الامساك والافطار وغير ذلك من الاحكام المشروطة باوقات خاصه ، فلو شك فى بقاء رمضان يستصحب وترتب عليه وجوب الامساك ، وان ثبت كون إمساكه فى رمضان ولا يحتاج الى اثبات ذلك بل المدار على تحقق الرمضان فيجب امساكه. نعم ما كان منه شرطا فالظاهر من اخذ الزمان قيدا للواجب هو اعتبارا لطرفيه ، وان الخروج عن عهده التكليف وامتثاله المأمور به يتوقف على ايقاع المأمور به فى الطرف الذى اخذ قيدا لامتثاله ، ففى مثل الصلاة الذى اخذ ما بين الزمان الى الغروب ظرفا لا بقائها لا يكفى مجرد الاستصحاب فى الخروج عن عهده الواجب ، ويتولد حينئذ اشكال ، وهو انه عند الشك فى بقاء وقت وجوب الصلاة يستصحب الوقت ويترتب عليه بقاء الوجوب ومع ذلك لا يتحقق الامتثال والواقع الصلاة فى الوقت المستصحبة لعدم احراز كونها واقعة فى الوقت المعتبر الذى بالنسبة الى امتثالها على وجه الطريقية وباستصحاب بقاء الوقت لا يمكن اثبات معنى الظرفية الا على الاصل المثبت.

والحاصل انه بالنسبة الى بقاء الوجوب لا مانع من استصحاب الوقت لعدم اخذ الزمان بالنسبة اليه ظرفا ولا تصل النوبة الى استصحاب نفس الحكم كما يظهر من الشيخ (قده) فى المقام فانه بالنسبة الى اثبات نفس الحكم الاستصحاب الموضوعى ولا يكون منشأ والذى لا يمكن اثباته هو وقوع الفعل فى الزمان وهذا بالاستصحاب الحكم بالبقاء لا يثبت فاستصحاب الحكم على كل تقدير مما لا يجرى فان الاثر الذى يمكن اثباته

٩٠

فبالاستصحاب الموضوعى يثبت والاثر الذى لا يمكن اثباته فبالاستصحاب الحكمى ايضا لا يثبت فاى فائدة فى الرجوع الى الاستصحاب الحكمى فالعمدة فى المقام هو رفع الاشكال اللازم من جريان استصحاب الوقت المثبت لبقاء الحكم وعدم تحقق الامتثال عند بقاء العمل فى وقت المستصحب مطلقا وسيأتى الجواب عن هذا الاشكال ، هذا كله فى استصحاب نفس الزمانى كالحركة والتكلم وسيلان الماء والدم وامثال ذلك ، فمجمل القول فيه هو ان الشك فى بقائه : تارة يكون لاجل الشك فى بقاء المبدا الذى اقتضى وجود ذلك الزمانى بعد احراز مقدار استعداده كما اذا احرز انقد القداح الداعى فى نفس المتكلم للتكلم بمقدار ساعة ولكن شك فى وجود صارف له اوجب قطع تكلمه قبل انقضاء الساعة ، وكذلك لو احرز استعداد عروض لارض ، او باطن الرحم لمنع الماء او الدم وشك فى وجود مانع آخر.

واخرى يكون الشك لاجل الشك فى مقدار استعداد المبدا. وثالثا يكون الشك فى وجوده لاجل قيام مبدإ آخر مقام ذلك المبدا بعد القطع بارتفاع المبدا الاول ، والظاهر انه لا ينبغى الاشكال فى جريان الاستصحاب فى القسم الاول لان كل ما يوجد من التكلم وان كان فرد الكلى التكلم ، من قبيل تبادل الافراد إلّا ان ما يوجد من التكلم عند الاشتغال يعد عرفا فردا واحدا من التكلم ، وان طال مجلس التكلم ، وهذا المقدار من الموجد يكفى فى تحقق القضية المتيقنة مع المشكوكة كما تقدم. والحاصل ان الشك فى بقاء التكلم وان كان لاجل الشك فى وجود فرد آخر منه بعد القطع بارتفاع الفرد الموجود سابقا ، ويكون بهذا الاعتبار من قبيل القسم الثانى من القسم الثالث من استصحاب الكلى الذى تقدم عدم جريان

٩١

الاستصحاب فيه إلّا انه لما كان جميع ما يوجد منه فى الخارج عنه وحده الداعى يعد شيئا واحدا ، لكان الشك فى بقائه من قبيل الشك فى ارتفاع ما وجد بهذا الاعتبار هذا فى القسم الثالث من القسم الثالث من الاستصحاب الكلى وكذلك ايضا انه لا ينبغى الاشكال فى جريان الاستصحاب فى القسم الثانى إلّا ان يرجع الشك فى المقتضى فانه عند الشك فى مقدار استعداد الداعى ، وان داعيه للتكلم كان بمقدار ساعة او ساعتين كان فيما بعد شاكا فى بقاء ما وجد لانه على تقدير ان يكون داعيه مقدار ساعتين كان تكلمه فى جميع الساعتين تكلما واحدا ، من دون ان يكون التكلم فى الساعة الاولى مغاير التكلم فى الساعة الثانية ومع وحده التكلم يكون الشك فى بقاء ما وجد ويجرى الاستصحاب فيه.

واما القسم الثانى فلا يجرى الاستصحاب فيه لانه يكون من القسم الثانى من القسم الثالث ، وقد تقدم ان فى مثله هذا لا يجرى الاستصحاب. ثم ان الشيخ (قده) قد اطلق فيه القول بعدم جريان الاستصحاب عند التقييد الزمانى بزمان حاكما اذا اوجب الجلوس الى زمان زوال ففى بعد الزوال لو شك فى وجوب الجلوس لا يجرى الاستصحاب ولكن ذلك على اطلاقه ممنوع اذا التقييد فى الزمان يمكن ان يكون على وجه الطريقية بحيث لو كان الجلوس فيما بعد الزوال واجبا ايضا كان هو ذلك الوجوب قبل الزوال حكما او موضوعا ويمكن ان يكون على وجه التقييدية مكثرا للموضوع فيكون الجلوس فى ما بعد الزوال مغايرا للجلوس فيما قبله وهذا نظير ما سيأتى من المحقق الثانى (قده) فى مثله الرجوع الى عموم العام او استصحاب حكم المخصص فان اخذ على وجه التقييدية فالمرجع هو العموم ، وبالجملة مجرد اخذ الزمان فى

٩٢

لسان الدليل لا يلازم القيدية بل يمكن اخذه على وجه الظرفية ايضا ، فان اخذ على وجه الظرفية فالاستصحاب يجرى فيه ، وان اخذ على وجه القيدية لا يجرى الاستصحاب.

بقى الكلام فيما افاده الفاضل النراقى من استصحاب الوجود مع استصحاب العدم الازلى فى خصوص الاحكام وحاصل ما افاده على ما ذكره الشيخ (قده) هو انه لو علم بوجوب الجلوس فى يوم الجمعة الى الزوال وشك فى وجوبه ما بعد الزوال فيستصحب حينئذ الوجوب الثابت قبل الزوال ، ويعارض باستصحاب عدم الوجوب الازلى الثابت قبل الامر بالجلوس من يوم الجمعة ، فانه قبل الامر بذلك لكان يوم الجمعة وقبله ، وبعده باقيا على عدم الوجوب الازلى والقدر المتيقن من انتقاض العدم هو ما قبل الزوال فيكون ما بعده باقيا على عدمه الازلى بالاستصحاب فيقع التعارض بين استصحاب الوجوب والعدم. ثم اورد على نفسه بان الشك فى بقاء العدم ليس متصلا بيقينه بفصله باليقين بالوجوب الثابت قبل الزوال ، واجاب عن ذلك بانا نفرض الشك فى الوجوب بعد الزوال يوم الجمعة بتحققه فى يوم الخميس فيصل زمان الشك فى الوجوب بزمان اليقين بالعدم وفى يوم الخميس لم ينتقض العدم بالوجود ، ثم اجرى ما ذكره من تعارض الاستصحابين فى مثل وجوب الصوم اذا عرض مرض وشك فى بقاء وجوب الصوم معه فيعارض وجوب الصوم الثابت قبل عروض المرض مثلا باستصحاب عدم وجوب الصوم الثابت قبل الامر بالصوم ، وهكذا لو شك فى بقاء الطهارة بعد خروج المذى ، او بقاء النجاسة بعد الغسل مرة فيعارض فى الاول استصحاب بقاء الطهارة باستصحاب عدم جعل الشارع الوضوء وغير ذلك.

٩٣

وقد اورد الشيخ بما حاصله : ان فى مثل الجلوس الى الزوال ان اخذ الزمان ظرفا للحكم او الموضوع يجرى الاستصحاب ولا معنى لاستصحاب عدم الازلى لانتقاض العدم الى الوجود المطلق اى الغير المقيد بزمان خاص ، وان اخذ الزمان قيدا يجرى استصحاب العدم ، لانه بناء على التقييد يكون الوجوب على تقدير ثبوته بعد الزوال مغايرا للوجوب الثابت قبل الزوال والمفروض الشك فى ثبوته بعد الزوال فيستصحب عدمه لان انتقاض عدم وجوب المقيد لا يلازم انتقاض المطلق والاصل عدم الانتقاض ، هذا حاصل ما افاده الشيخ (قده). بقوله اما اولا قال النائينى (قده) للنظر فيما افاده مجال فان الظاهر عدم جريان استصحاب العدم الازلى حتى اذا اخذ الزمان قيدا وذلك لان عدم وجوب الجلوس بعد الزوال بقيد كونه بعد الزوال كوجوب الجلوس بعده لا يمكن ان يتقدم الزوال اذ العدم المضاف اليه كالوجوب المضاف اليه لا يكون له تحقق الا وجود الزمان المضاف اليه فلا يمكن ان يقال ان عدم وجوب الجلوس فى يوم السبت مثلا كان متحققا فى يوم الجمعة إذ لا يعقل ان يتقدم الشيء وجودا كان او عدما عن زمان الذى اخذ الزمان ظرفا له ، والحاصل ان العدم الازلى هو العدم المطلق الذى يكون كل حادث مسبوقا به ، واما العدم المقيد بشيء زمانا كان او بزمانى فلا يكون ازليا بل قوامه بوجود ما قيد به ، والعدم الذى يراد به استصحابه فى المثال المتقدم انما هو العدم المقيد بما بعد الزوال كما هو المفروض اذ لو قطع النظر من القيد ولحاظ العدم المطلق كان ذلك مقطوع الانتقاض للعلم بانتقاضه الى الوجود قبل الزوال فلا يمكن لحاظ العدم المطلق واستصحابه بل لا بد من لحاظه مقيدا بما بعد الزوال كالوجود المقيد به لا يمكن له تحقق قبل الزوال

٩٤

حتى يستصحب ، بل العبرة بتحققه انما هو بتحقق الزوال فاذا صار بعد الزوال ولم يتحقق وجوب فيه ففى الساعة الثانية يمكن ان يستصحب عدم الوجوب الثابت لعدم الزوال اذا شك فى بقائه ، واما اذا كان الشك حاصلا من اول الزوال فلا مجال لاستصحاب العدم للمقيد بل لا محيص فى الرجوع الى البراءة او الاشتغال ، نعم الجعل الشرعى وعدم الجعل يكون سابقا على الزوال ، اذ الجعل خفيف المئونة فيمكن جعل وجوب الجلوس يوم الخميس او بعد الزوال قبل الخميس والزوال بل ربما يقال بانه لا بد من سبق الجعل ولو آناً ما ، ولعل مراد الشيخ (قده) من جريان استصحاب العدم ، او اخذ الزمان قيدا هو استصحاب عدم الجعل لا عدم المجعول ، بداهة ان الجعل الشرعى يكون مسبوقا بالعدم ، من دون فرق بين اخذ الزمان ظرفا او قيدا إلّا ان استصحاب عدم الجعل فيما لا اثر له ، ولا نعنى عن الشيء الذى يترتب عليه الاثر هو عدم المجعول من الوجوب والحرمة لا عدم الجعل وباستصحاب عدم الجعل لا يمكن ان يثبت عدم المجعول الا على القول باصل المثبت هذا كله مضافا الى ما عرفته سابقا فى مباحث الاقل والاكثر من عدم جريان الاستصحاب حال العقل مطلقا لان عدم الازلى ليس إلّا حكمية ولا حرجية ، وهذا المعنى بعد وجود المكلف قبل بلوغه قطعا انتقض ولو الى الإباحة والاحرجية والإباحة بعد وجود المكلف فراجع ، وكان الشيخ (قده) فى المقام جرى على خلاف مسلكه من عدم جريان الاستصحاب حال العقل هذا كله فيما ذكر من مثال وجوب الجلوس. واما ما ذكر من مثال الصوم بتعارض الاستصحابين ففيه اولا لا بد من فرض الصحة والمرض من الحالات التى يجب عليه الصوم لا من مقوماته حتى يكون جريان الاستصحاب بوجوب الصوم عند الشك

٩٥

فى عروض المرض المسوغ للافطار وإلّا فلا يمكن استصحاب الوجوب للشك فى الموضوع بداهة انه لو كان المريض والصحيح موضوعان يجب مع احدهما الصوم وعلى الآخر الافطار كالمسافر والحاضر ، فالشك فى عروض المرض المسوغ للافطار شك فى بقاء الموضوع ، ولا يجرى استصحاب الحكم. ودعوى كون الصحة والمرض من الحالات لا من المقومات واضحة الفساد. وثانيا من عدم جريان الاستصحاب عدم الوجوب بالتقريب المتقدم واما ما ذكر من مثال الوضوء والمذى والنجاسة والغسل مرة ففيه مضافا الى ما تقدم لا يخفى ما فى المثال ، بداهة ان مرتبه جعل المذى رافعا او غير رافع متأخرة عن مرتبه جعل الموضوعات سببا للطهارة فلا يعقل اخذه قيدا فى سببية الوضوء فتأمل.

التنبيه الخامس :

قد تقدم سابقا انه لا فرق فى الاستصحاب بين ان يكون الدليل على ثبوت المستصحب هو العقل ، او الشرع واستشكل الشيخ فى جريان الاستصحاب اذا كان الدليل هو العقل وقد عرفت ضعفه ، ونزيد فى المقام وضوحا وحاصله ان المستصحب اذا ثبت من طريق حكم العقل بقاعدة الملازمة فشك فى بقائه فتارة يكون الشك فى بقاء الحكم ، واخرى فى بقاء الموضوع ، بمعنى ان الشك فى بقاء الحكم الشرعى المستكشف من حكم العقل تارة يكون لاجل الشك فى بقاء نفس الحكم من جهة الشك فى غايته ورافعه واخرى يكون الشك فى موضوعه لاجل انتفاء بعض الخصوصيات التى يحتمل دخلها فى الموضوع فان الشك فى بقاء الحكم لاجل انتفاء بعض الخصوصيات التى كالشيء واجدا له او مع بقاء الشيء على ما كان عليه من الخصوصيات لا يمكن ان يتطرق الشك

٩٦

فيه والعقل لا يستقل بشيء الا بعد تبين الموضوع لديه بتمام ما له الدخل من الخصوصيات ولازم ذلك عدم تعقل الشيء فى نفس الحكم فاذا لم يتطرق الشك فى بقاء الحكم العقلى فلا شك فى بقاء الحكم الشرعى المستكشف منه اذ الحكم الشرعى مانع للحكم العقلى فلا مجال للاستصحاب واضحة الفساد. اما اولا فلان دعوى ان كل خصوصية اخذت فى موضوع حكم العقل فلا بد ان يكون لها دخل فى مناط حكمه فممنوعة ، ومن الممكن ان لا يكون لها دخل فى مناطه وانما كان حكمه على الواجد لها من باب قدر المتيقن كما يحكم بقبح الكذب الضار الغير النافع ، لكن حكمه بقبحه على هذا الوجه من باب انه المتيقن فيما هو مناط القبح من احتمال ثبوت المناط ايضا عن انتفاء بعض الخصوصيات فيكون العقل شاكا فى القبح عند تحقق النفع مثلا وثانيا : ان دخل كل خصوصية فى مناط الحكم انما يضر فقد انها لو اريد استصحاب حكم العقل للقطع بارتفاع موضوعه وكذلك يضر باستصحاب الحكم الشرعى المستكشف اذا كان العبرة ببقاء الموضوع فى باب الاستصحاب بنظر العقل ، إلّا ان الظاهر ان كلا منهما خلاف الفرض ، او ليس المقصود استصحاب حكم العقل من الحسن والقبح وكذلك العبرة فى بقاء الموضوع بنظر العقل ، بل العبرة انما هو بنظر العرف وحينئذ فمن المحتمل ان يكون تلك الخصوصية التى كان لها دخل فى نظر العقل دخلا فى بقاء الموضوع بنظر العرف فلا مانع من جريان الاستصحاب ، وعلى كل حال ينبغى تحرير الكلام فى الشك فى الموضوع فى المستقلات العقلية على وجه يكون ضابطا فى جميع المستقلات العقلية فنقول : الاحكام العقلية على قسمين وقبل ذكرهما ينبغى تمهيد مقدمه وهى ان كل مورد يكون حكم العقل بقبح شيء او حسنه فلا بد من ان

٩٧

يكون له حكم فى صورة الشك ، او الظن بالموضوع الذى حكم فى حسنه ، او قبحه ولا يمكن ان يكون ساكتا فى تلك الصورة ، او يحكم على خلاف ما حكم به اولا بل اذا استقل بقبح شيء فيستقل ايضا بقبح الاقدام على ما لا يؤمن على ذلك الشيء ، وهذا بخلاف الاحكام الشرعية فان للشارع ان يجعل فى صورة الشك فى الموضوع حكما مخالفا ايضا بما حكم به اولا ، كما ان له ان يجعل حكما موافقا له كما جعل أصالة الاحتياط فى باب الدماء. والسر فى ذلك هو ان الاحكام الشرعية حيث كانت تابعة للمصالح والمفاسد يختلف حالها بحسب الأهمية كما هو واضح ، واما الاحكام العقلية فليس الامر كذلك بل فى كل مورد استقل العقل بقبح شيء استقل ايضا بقبح الاقدام فى صورة الشك فى الموضوع لان حكم العقل بالقبح انما يكون مطلقا اذا عرفت ذلك فنقول : ان المستقلات العقلية على قسمين : الاول ما كان له حكم واحد لمناط واحد يعم صورة العلم بالموضوع ، والشك والظن والوهم ، وذلك كما فى حكمه بقبح التشريع ، حيث ان قبح التدين والاسناد بما لا يعلم التدين به من قبل الشارع لا يختص بحال دون حال.

الثانى : ما كان له حكم على الموضوع الواقعى ، وحكم آخر طريقى فى صورة الظن والشك كما فى حكمه بقبح اكل مال الناس فان القبح العقلى هو اكل مال الناس اى ما كان مال الناس واقعا فحكمه فى صورة الشك انما يكون بمحض الاحتياط ، نظير الاحتياط الشرعى فى باب الفروج والدماء ولا يبعد ان يكون حكمه بقبح الضرر من قبيل القسم الاول ، وكيف كان يكون حكمه من قبيل القسم الاول ، والاصول المحرزة كالاستصحاب يكون جاريا وحاكما على حكم العقل الطريقى ، سواء كان الاصل موافقا او مخالفا لان الاصل المحرز

٩٨

يكون مؤمنا ويحكم هذا ليس بمال الناس ويرتفع بذلك موضوع حكم العقل بلزوم التحرز بما لا يؤمن من الموضوع فى اكل مال الناس. واما اذا لم يكن هناك اصل موضوعى ، ووصلت النوبة الى أصالة البراءة. والحل فالحكم العقلى طريقى بلزوم التحرز يكون مقدما على مثل أصالة الحل والبراءة لانه لم يكن حكم العقلى حاكما فلا اقل من كونه مخصصا لان أصالة الحل والبراءة تكون موردها اعم من الحكم العقلى الثابت فى خصوص المستقلات العقلية ، وقد تقدم البحث عن ذلك فى مبحث الاشتغال.

التنبيه السادس :

ربما قيل باعتبار الاستصحاب التعليقى وتنقيح البحث فى ذلك يستدعى رسم امور :

الاول لا اشكال فى انه يعتبر فى الاستصحاب الوجودى ان يكون المستصحب له تحقق وثبوت ووجود فى وعاء من الأوعية المناسب له من العين ، او الاعتبار ، ولا معنى لاستصحاب ما لا وجود له وذلك واضح وكذا يعتبر فى الاستصحاب ان يكون المستصحب اما موضوعا للحكم الشرعى ، واما نفس الحكم الشرعى ، وهذا هو الذى يمكن التعبد الشرعى ببقائه ، فلو لم يكن المستصحب حكما شرعيا ولا موضوعا ذا حكم فلا معنى لاستصحابه وذلك واضح.

الثانى ان الحكم الشرعى الوارد على عنوان خاص كالإباحة الواردة على الحنطة مثلا اما ان يعلم بوروده عليه بماله من المراتب والتبدلات بمعنى ان الحكم انما يثبت على الحقيقة من دون ان يكون للوصف العنوانى والتسمية

٩٩

دخل فى ثبوته ، وان اخذ الوصف موضوعا فى ظاهر الدليل كما ان الإباحة ثابته على حقيقة الحنطة المحفوظة عن صيرورتها دقيقا وعجينا خبزا ، واما ان يعلم بوروده على نفس العنوان بان يكون للوصف والتسمية دخل فى ثبوته واما ان يشك ولم يعلم بانه وارد على احد النحوين ، لا اشكال فى الاول والثانى فان الاول يجب التعدى عما اخذ موضوعا فى ظاهر الدليل الى غير ذلك مما صدق عليه تلك الحقيقة ، وفى الثانى يجب الاقتصار على ما اخذ فى ظاهر الدليل ، وبذلك يجمع بين قولهم الاحكام لا يدور ومدار الاسماء وقولهم الاحكام تدور مدارها. واما لثالث وهو ما شك فى ورود الحكم على الحقيقة او على المسماة ، فان كانت المراتب المتبادلة يعد عن العرف مبانيه بحيث كان المأخوذ فى ظاهر الدليل موضوعا يعد فى العرف مبانيا وموضوعا آخر بما تبدل اليه فلا اشكال ايضا فى لزوم الاقتصار على ما اخذ موضوعا فى ظاهر الدليل وان لم يكن المراتب المتبادلة مباينا غير قابل يعد تلك المراتب من حالات الموضوع فهى محل الاستصحاب ويكون الاستصحاب فى مثله جاريا ولا ينحصر مورد الاستصحاب بهذا بل لو فرض ورود الحكم على المسمى بالحنطة وكان تبدل بعضها لانها لا تضر بالتسمية عرفا كما لا تضر ببقاء الحقيقة ولكن لم يكن هناك اطلاقات يتمسك به ، بل كان الدليل لبيا او لفظيا فان فى مثل هذا ايضا المرجع هو الاستصحاب بل هذا اولى مما لا يصدق عليه التسمية مع الوجه العرفية.

الثالث المستصحب اذا كان حكما شرعيا فاما ان يكون جزئيا او كليا والمراد من الحكم الجزئى هو الحكم الثابت لموضوع بعد تحققه خارجا الذى يكون الحكم بذلك فعليا كوجوب الحج الثابت على هذا المستطيع والمراد

١٠٠