الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

الاعتباريات ، وعلى كل حال ليس مهمنا استقصاء حال الاعتباريات بل المقصود اثبات المغايرة بينها وبين الانتزاعيات وان لنا امورا اعتبارية امضاء الشارع من دون ان تكون منتزعه من التكليف اثبات فى موردها كما قال الشيخ (قده) بل بنى عليه فى الفقه وجعل الاحكام الوضعية كلها منتزعه من التكليف التى يكون فى موردها. وقد اتعب نفسه الشريفة فى كثير من موارد الوضعيات فى مقام انتزاعها عن التكليف الثابت فى موردها ، مثلا فى مثل لزوم العقد الذى هو من اوضح الوضعيات وجعله منتزعا من مثل حرمه التصرف فى المال حتى بعد الفسخ كما هو مقتضى اطلاق اوفوا بالعقود الشامل بما بعد الفسخ ، وجعل لزوم العقد وعدمه انفساخه بالفسخ منتزعا عن حرمه التصرف ، وهكذا جعل ضمان الصبى لما يتلفه فى حال صغره منتزعا من مثل وجوب اداء قيمة التالف بعد البلوغ ، وكذا الكلام فى سائر الوضعيات.

قال النائينى (قده) : ولا يخفى ان هذا اتعاب للنفس وتعيين بلا ملزم بل فى بعض الموارد مما لا ينحل ذلك ، وليت شعرى ما المانع من ان يكون الزوجية والرقية ونحوها من الاعتباريات العرفية التى بنفسها متعلقه بالجعل فى عالم الاعتبار قد امضاها الشارع ، ويكون التكليف منتزعا عنها لا انها منتزع عن التكليف من ان هذه الاعتباريات متداولة عند العرف والعقلاء وجميع اهل الملل والنحل بل عند من لم ينتزع عليه كالدهرى والحال ليس عندهم الزام وتكليف وشرع ، فالدهرى الملزم بالملكية والزوجية والضمان مع عدم الالتزام بالتكليف من اين ينتزع عنده هذه الأمور وبالجملة الاعتباريات العرفية قد امضاها الشارع بما انها معتبر عند العرف والعقل ، فهى متاصله بالجعل فى عالم الاعتبار كالاحكام التكليفية غايته انها ليست

٦١

تأسيسية بل إمضائية فتحصل ان المجعولات الشرعية على قسمين تكليفيات تأسيسية ، واعتباريات امضائية.

ثم انه ليست المجعولات الشرعية تقسيمها من الاحكام الشخصية الجزئية بل انما هى احكام كلية مرتبه على موضوعاتها على نحو القضايا الحقيقية كجعل الوجوب للحج على البالغ العاقل المستطيع ، وجعل الملكية عند تحقق العقد الكذائى ، والزوجية عن تحقق الكذائى ، وكذا الحال فى سائر التكاليف الاعتباريّة ، فان ما هو المجعول فى الجميع امر كلى مرتب على موضوعه نحو ترتب العرض على معروضه وقد اصطلحوا على تسمية الموضوع فى باب الاعتبارات بالاسباب وفى باب التكاليف بالموضوعات والشرائط ويرجع الى امر واحد فان مرجع السبب الى الموضوع والموضوع الى السبب وكل منهما الى الشرط ويصح التعبير عن كل واحد ، فيقال ان العقد الكذائى موضوع للملكية او شرط لها كما يقال : سبب لها ، وكذا يقال : البالغ العاقل المستطيع موضوع لوجوب الحج كما يقال سبب له وكذا يقال : شرط له والمراد من الجميع هو الشيء الذى رتب المجعول الشرعى عليه على حسب يقتضيه المصلحة ، ومجرد اختلاف السنخ المجعول من كونه تكليفيا او وضعيا لا يوجب اختلاف سنخ الترتب ولا يخفى ان ما اخذه الشارع موضوعا للحكمة قد يكون هو الموضوع عند العرف من دون تصرف شرعى فيه او بزيادة قيدا او شرطا ونقصان كالعقد الذى اخذه موضوعا للملكية وكالسبق والرماية ، وحيازة الشيء وامثال ذلك. وقد يكون من مخترعات الشارع من دون ان يكون عند العرف فى عالم الموضوعية عين ولا اثر كفاضل المئونة الذى اخذه الشارع موضوعا لملك السادات للخمس حيث انه ما كان موضوعا عن العرف

٦٢

لهذا الحكم اصلا وكل منها قد تكون مركبا وقد يكون بسيطا فالمركب مثل العقد الذى يكون مركبا من ايجاب وقبول او بسيط مثل الحيازة وفاضل المئونة.

اذا عرفت ذلك فاعلم : ان السببية انما تنتزع عن الموضوع والسبب والشرط عند جعل الوجوب او الملكية على موضوعاتها مثلا فان معنى اخذ الشيء موضوعا هو انه عند تحقق الموضوع يتحقق الحكم ويستحيل ان ينفك عنه ، ومن هنا امتنع الشرط المتأخر بعد ما كان الشرط جزء الموضوع فانتزاع السببية عن الموضوع انما هو من جهة استحالة تخلف الحكم عنه فكان كالعلة وان لم يكن تعلقه حقيقة ، وكيف كان فبعد تحقق الجعل من الشارع او من غيره ينتزع السببية على العقد والاستطاعة والدلوك ، فالمجعول الشرعى ليس إلّا السبب ، واما مسببية السبب فليست مجعولة لا بجعل اصلى ، ولا بالتبعية بل انما هى انتزاعية صرفه ليس لها ، بازاء فى عالم من العوالم ، بل لا يمكن تصرف يد الجعل اليها فان السببية عبارة عن الرشح والإفاضة القائمة بذات السبب الموجب تحقق المسبب ، وهذا الترشح والإفاضة لا يمكن ان تناله يد الجعل التشريعى ، وكيف يمكن ان يعطى الدلوك فى عالم التشريع وصف الرشح والإفاضة لوجوب الصلاة الذى فرض كونه هو المجعول الشرعى ، اولا يمكن القول بان وجوب الصلاة ليس مجعولا وبعد جعل الوجوب فاى معنى بجعل الدلوك سببا له واى حاجة الى هذا الجعل وكذا بعد جعل الملكية عند العقل لا حاجة الى جعل السببية العقد لها ، ولا كلام فى الجزئية والشرطية والمانعية بالنسبة الى التكليف والاعتبارات فانه بعده كالعقد الذى اخذ موضوعا للملكية مركبا من

٦٣

الأجزاء والشرائط وعدم الموانع فمن ملاحظه المجعول ينتزع عنه السببية ، ومن ملاحظه كل جزء كالايجاب مثلا ينتزع الجزئية ومن ملاحظه الشرط ينتزع عنه الشرطية ومن ملاحظه المانع ينتزع عنه المانعية كالجعل بالعوض مثلا فظهر ان القول بان السببية ، والجزئية ، والشرطية ، والمانعية فى باب التكاليف والاعتباريات مجعولة اما استقلالا واما تبعا مما لا ينبغى بل ليست هذه الامور انتزاعية من ترتب التكليف على موضوعه او ترتب الاعتبارى الاتصالى عليه.

ومما ذكرنا انقدح الخلل فيما افاده فى الكفاية من جعل السببية والشرطية ، والجزئية والمانعية فى باب التكاليف غير منتزعه فى باب التكليف بل انما هى مجعولة تكوينا بغير جعل ذات السبب والجزء والشرط والمانع تكوينا ، وتكون السببية واخواتها من قبيل لازم الماهيات المجعولة بجعل الماهية ، وعلله بانه يمكن انتزاع سبب الدلوك مثلا عن الوجوب المتأخر عنه وكيف يعقل انتزاع الشيء عما يكون متأخرا عنه ، فسببية الشيء للتكليف لا يكون منتزعه عن التكليف ، بل السببية عبارة عن الخصوصية الذاتية التكوينية القائمة بذات السبب المستدعية لحصول السبب من التكليف والوضع هذا ، ولكن لا يخفى ما فيه فان هذا خلط بين موضوعات التكاليف وبين علل الجعل والتشريع ، فان الخصوصية الذاتية الثابتة فى ذات السبب المجعولة بعين جعله تكوينا انما اقتضت الجعل التشريعى من حيث دخلها فى مناط الحكم والمصلحة التى اقتضت تشريعه ، ومناطات الاحكام طرا ليست مجعولة بجعل شرعى بل هى امور واقعية وتكوينيه وهذا ليس محلا للكلام فى المقام ، بداهة ان التكليف متأخر عنها ومعلول لها فلا يعقل

٦٤

ان يكون منتزعه عنها كما افاده بل محل الكلام هو السببية اللاصقة لموضوعات التكاليف بعد ترتب التكاليف على موضوعاتها المقدرة وجوداتها كما هو شأن القضايا الحقيقية وهذه السببية انما هو منتزعه عن الموضوع بعد جعل التكاليف وامضاء الاعتبارات وترتبها على موضوعاتها واما قبل اخذ الموضوع للتكليف وترتبه عليه لا سببية ولا موضوع ولا شرط بداهة انه قبل جعل وجوب الحج على المنقطع وقبل امضاء الملكية عقيب العقد لا معنى لان يقال ان العقد سبب للملكية والاستطاعة سبب بوجوب الحج بل سببية العقد والاستطاعة انما تنتزع بعد تحقق المجعول الشرعى وترتب التكليف وترتب التكليف والاعتبارى على موضوعه وذلك واضح غايته.

نعم قبل تحقق المجعول الشرعى وجعل التكليف وامضاء الاعتبارى يكون فى العقد والاستطاعة خصوصية ذاتيه تكوينيه اوجبت اخذ العقد والاستطاعة موضوعا لها ، فتكون تلك الخصوصية كسائر دواعى الجعل مقدما فى ترتبه على الجعل إلّا انه قد عرفت ان هذا المعنى من السببية ليست محلا للكلام. وبعبارة اخرى اطلاق السبب على مثل الدلوك والعقد يمكن ان يكون بأحد اعتبارين :

احدهما ـ اعتبار ان فى الدلوك والعقد خصوصية ذاتيه اقتضت جعل الوجوب والملكية عندهما موضوعين للوجوب والملكية ومحل الكلام فى ان السببية منتزعه من التكليف انما هو باعتبار الثانى ومحل الكلام صاحب الكفاية هو الاعتبار الاول هذا كله فى البينة والشرطية والمانعية فى باب التكاليف والاسباب واما الجزئية والشرطية والمانعية فى باب متعلقات التكاليف فهى وان كانت ايضا منتزعه إلّا انهما منتزعه عن تعلق التكليف بعد امور متباينة بالذات متحده بحسب اللحاظ والاعتبار فعند ذلك ينتزع الجزئية للسورة مثلا وشرطيه الطهارة ومانعية الحرير فان الجزئية والشرطية و

٦٥

المانعية فى باب التكاليف والاسباب انما ينتزع عن ترتب التكليف والمسبب الذى مجعول شرعى على موضوعه المركب من عدة امور كالعقد المركب من الايجاب والقبول وغيرهما وفى باب متعلقات التكاليف انما انتزع عن تعلق التكليف بعده امور لها وحده اعتبارية ، فتحصل ان مثل السببية والشرطية ، والمانعية مما لا تناله يد الجعل لا أصالة ولا تبعا ، بل انما هى انتزاعية صرفه وليس لها ما بحذاء فى وعاء من الأوعية سواء فى ذلك المسببية التكوينية المنتزعة عن العلة الثابتة فى عالم الاعتبار ، والسببية فى باب موضوعات التكاليف ، او موضوعات الاعتباريات الإمضائية. وكذا الحال فى الجزئية واخواتها.

ثم انه ربما عد من الاحكام لوضعية الصحة ، والفساد ولا يخفى ان الصحة والفساد يطلقان على معنيين :

احدهما كون الشيء على ما ينبغى أن يكون صحيحا بمعنى انه واجد للخصوصية التى حقه ان يكون واجدا لها ، ويقابله الفساد ، وهو ما كان فاقدا لتلك الخصوصية ، كما يقال : ان هذا الشيء على ما ينبغى ان يكون ان يقال هذا فعل صحيح او فاسد منتزعان من مقام ذات الشيء قبل تعلق الامر به ، فيقال : الصلاة صحيحه يعنى واجد الخصوصية التى ينبغى ان تكون. ويحتمل ان المراد من قوله (ع) فاسده فى صحيحه ابن بكير فالصلاة فى شعره ووبره وصوفه وروثه وألبانه وكل شيء منه فاسد الرواية ، هو هذا المعنى اى غير مشتمله على الخصوصية التى ينبغى ان يكون عليها.

ثانيها : مطابقه بما تعلق الامر به وهذا المعنى من الصحة والفساد انما ينتزعان عن الشيء بعد تعلق الامر به ، ومن عد الصحة والفساد من الاحكام الوضعية اراد بهما معنى الثانى ، بداهة انهما بمعنى الاول ليسا

٦٦

من الاحكام الشرعية الوضعية ولا منتزعان عنهما بل انهما ينتزعان من الامر الواقعى التكوينى كما لا يخفى.

وقد عد من الاحكام الوضعية ايضا الطهارة والنجاسة وقد جعلها الشيخ من الامور الواقعية التى كشف عنهما الشارع ، ولم يعلم ان مراد الشيخ (قده) من الامور الواقعية التى كشف عنهما الشارع ما ذا؟ فان اراد ان الشيء الذى حكم الشارع بكونه طاهرا او نجسا فيه خصوصية واقعية ، وقذارة او نظافة معنوية اوجبت الحكم بذلك فهذا لا يختص بالطهارة والنجاسة بل جميع موضوعات الاحكام ومتعلقاتها من هذا القبيل اى فيها خصوصية اوجبت اخذه موضوعا ومتعلقا ، ومن هنا قيل : ان الواجبات الشرعية الطاف فى الواجبات العقلية ، وان اراد ان اصل الطهارة والنجاسة من الامور الواقعية فهذا يكذبه الوجدان ، بداهة ان الطهارة بمعنى النظافة والقذارة بمعنى النجاسة من الاعتباريات العرفية كما يشاهد استقذار العرف من الاشياء ، وعدم استقذاره عن البعض ، غاية الامر ان الشارع قد اضاف اليها بعض المصاديق كنجاسة الخمر مع انه مما لا يستقذر منه العرف إلّا ان هذا لا يوجب ان يخرج الطهارة والنجاسة عن الاعتباريات العرفية ، فان الشارع كثيرا ما يخطئ العرف فى المصداق مع كون المفهوم عرفيا ، والحاصل انه لم يظهر معنى كون الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية التى كشف الشارع عنها ولم نجد فرقا بين الطهارة والنجاسة ، وبين الزوجية والملكية فان لنا امور ثلاثة :

احدها الطهارة والنجاسة الكليان.

ثانيها : الشيء الذى يكون معروضا وموضوعا لهما من مثل الكلب والنمر.

٦٧

ثالثها : حكم الشارع بوجوب الاجتناب عنها وعدمها ، اما الاول فيهما كسائر الاعتباريات والمفاهيم الكلية العرفية كالملكية والزوجية. واما الثانى ، فهو من مصاديق ذلك المفهوم ، غاية الامر ان تطبيق المفهوم على المصداق تارة مما يدركه العرف ، واخرى لا يدركه كعدم ادراك العرف ان العقد الكذائى يكون موضوعا للملكية والشارع ينص بذلك ويبينه. واما الثالث : كحكم الشارع بجواز التصرف فى الملك وحرمه اكل المال بالباطل نعم فرق بين الطهارة والنجاسة وسائر الاعتباريات العرفية ، وقد عد ايضا من الاحكام الوضعية الرخصة والعزيمه ، والظاهر ان المراد من الرخصة المشروعية والعزيمه عدم المشروعية وكون المشروعية وعدمه من الاحكام الوضعية محل تأمل.

ويمكن ارجاعها الى الاحكام التكليفية فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الاحكام الشرعية ، اما أن يكون تأسيسيا وهى التكاليف ، واما امضائيا وهى الاعتبارات العرفية وان القسمان كل منهما متأصلان فى الجعل ولكل منهما موضوعات رتب الحكم الشرعى عليهما على نحو القضايا الحقيقية.

ثم ان الموضوعات تارة تكون وبسيطا واخرى مركبا الى آخر ما ذكرنا فى المقام.

((تنبيهات))

التنبيه الاول :

قد عرفت فيما تقدم ان اليقين فى الاستصحاب مأخوذ على وجه الطريقية والمرآتية لمتعلقه لا للموضوعية والصفتية وحينئذ يقوم مقامه كل ما كان محرزا

٦٨

لمتعلقه من أمارة او اصل تنزيلى بناء على ما هو التحقيق من قيام الطرق والامارات والاصول المحرزة مقام القطع الطريقى ، فلا فرق فى المستصحب بين ان يكون ثابتا سابقا بالقطع واليقين الوجدانى او بالأمارة المعتبرة الشرعية ، او بالاصل المحرز ولا نحتاج فى الاستصحاب الى ازيد من كون الاستصحاب موضوعا كان او حكما محرزا سابقا. واما كون الاجزاء لا بد ان يكون باليقين الوجدانى مما لا وجه له ، فلو قامت الأمارة على حكم او موضوع ذى حكم وبعد ذلك شك فى بقائه فيستصحب نفس ذلك الحكم والموضوع بلا اشكال.

نعم من قال بعدم قيام الطرق والاصول والامارات مقام القطع الطريقى اشكل عليه جريان الاستصحاب فى موارد ثبوت المستصحب بها زعما منه انه لا يقين بثبوت المستصحب بل ولا شك لانه على تقدير لم يثبت فلم يتحقق ركنى الاستصحاب. وقد تكلف فى جريان الاستصحاب فى موارد الطرق والامارات بما لا يخلو عن ركاكة كما لا يخفى. وحاصله ان مفاد الاستصحاب ليس إلّا ابقاء الشيء لا ثبوته واذا كان ابقاء الشيء على تقدير ثبوته ذا اثر شرعى يجرى الاستصحاب فيه ويترتب على بقائه ذلك الاثر وان لم يحرز ثبوته فى السابق ، فان احراز الثبوت فيما نحتاج اليه فى ترتب آثار الثبوت ، واما الآثار المترتبة على البقاء على تقدير الثبوت فمما لا نحتاج فى ترتبها الى احراز الثبوت ، والمستصحب فى موارد الطرق والامارات وان لم يكن محرزا لثبوت الدال فى بقائه بما هو كذلك اى بما انه غير محرز لثبوت اثر شرعى فلا مانع من استصحابه بعد ما كان مفاد الاستصحاب بقاء الشيء لا ثبوته وانت خبير بما فيه من التكلف ، وله فى المقام حاشية على الكفاية قد افاد فيها ما هو هو بمكان من الغرابة فراجع ، وعلى كل حال بناء على المختار من قيام

٦٩

الطرق والامارات والاصول المحرزة مقام القطع الطريقى لا فرق فى جريان الاستصحاب بين ان يكون المستصحب محرزا بالوجدان او بالتعبد. نعم يقع الاشكال فى الاصول الغير المحرزة كقاعدة الطهارة والحل وغيرهما ، فانه لا معنى لقيامها مقام القطع الطريقى بعد ما لم يكن فيها جهة احراز ويشكل الامر فى جريان الاستصحاب فى المستصحب الثابت ، مثل قاعده الحل والطهارة لعدم احراز المستصحب لا بالوجدان ولا بالاصل ، فلو كان المستصحب سابقا محكوما بالطهارة لاجل قاعده الطهارة سواء كان من جهة الشبهة الحكمية او الموضوعية ، وبعد ذلك شك فى ورود النجس عليه من دم او بول لا يكون مجال لاستصحاب الطهارة السابقة الثابتة بقاعدة الطهارة. نعم استصحاب عدم ورود المتنجس مما لا مانع عنه اذا كان ذا اثر شرعى ، لكنه يندفع بان اليقين يمكن اخذه على احدى وجوه ثلاثة : من جهة الصفتية وهذا مما لا يقوم مقامه شيء من الطرق والامارات والاصول التنزيلية. ومن جهة الطريقية وهذا مما يقوم مقامه الامارات والاصول التنزيلية لا غير. ومن جهة المنجزية والمعذرية وهذا مما يقوم مقامه كل شيء حتى الاصول الغير المحرزة ، ولا يبعد ان يكون اليقين فى باب الاستصحاب ماخوذا على هذا الوجه ، ولكن الانصاف عدم صحه التمسك بالاستصحاب بلا احراز بقاعدة الطهارة الثابتة بالقاعدة ، وذلك لان بناء العملى على الطهارة المجعولة بقاعدة الطهارة يكون مستمرا الى زمان العلم بالنجاسة ففى كل ان يكون الشيء محكوما بالطهارة بمقتضى القاعدة ولا معنى لاستصحابها عند الشك فى ورود النجس عليها.

٧٠

التنبيه الثانى :

لا فرق بين المستصحب ان يكون شخصيا او كليا كما لا فرق فى الخارج الشخصى بين ان يكون معينا او مرددا وتفصيل ذلك هو : انه تارة يعلم بوجود فرد معين فى الخارج حكما كان او موضوعا كما اذا علم بوجوب صلاة الظهر او وجود زيد فى الدار ، فلا اشكال فى جريان استصحاب ذلك الفرد عند الشك فى بقائه كما لا اشكال فى جريان الاستصحاب الكلى الموجود فى ضمن ذلك الفرد ، لان العلم بوجود الفرد يلازم العلم بوجود الكلى فى ضمنه فلا مانع عن استصحاب كل منهما وترتب آثار بقاء كل منهما ، واخرى يعلم بوجود فرد مردد كما اذا علم بوجوب احدى الصلاتين من الظهر او الجمعة ، او وقوع احد الحدثين من الاصغر او الاكبر او وجود احد الحيوانين من البق او الفيل ، وبعد ذلك لو شك فى بقاء الفرد وارتفاعه. بان ما قيل كل فعل من الظهر والجمعة ، او كل من الوضوء او الغسل ، او موت كل من البق والفيل قبل انتهاء عمر احدهما ففى مثل المقام ايضا لا اشكال فى جريان استصحاب بقاء ذلك الفرد بهويته وتشخصه ، ومجرد تردده بين الشخصين لا يمنع من استصحاب شخصه بما له من الترديد ، ففى الأمثلة يلزم فعل الظهر والجمعة وكل من الوضوء والغسل والحكم ببقاء كل من البق والفيل كما لم يحصل له الشك وبعد باق على علمه الاجمالى غاية الامر الجمع بين المحتملات تارة يكون لاجل العلم بوجوده واخرى يكون لاستصحاب وجوده هذا اذا شك فى بقاء المتيقن لاجل الجمع بين المحتملات اى شك فى فعله ما يقتضه العلم الاجمالى من الجمع بين المحتملات وما اذا كان الشك فى بقاء المتقن لاجل العلم بفعل بعض

٧١

المحتملات وترك الآخر وانها عمل البعض وبقى الآخر كما اذا صلى الظهر فقط او توضأ فقط او انقضى عمرا لبق عن ثلاثة ايام مثلا ففى جريان استصحاب بقاء الشخص المردد اشكال اقربه العدم اذ ليس منشأ توهم جريان استصحاب الشخص سوى انه عند فعل الظهر مثلا يصدق انه شاك فى بقاء ذلك الشخص من الوجوب المردد وتعلقه بالظهر الواجب لاحتمال تعلقه بالظهر فيكون مرتفعا كاحتمال تعلقه بالجمعة فيكون باقيا وحينئذ لا مانع من استصحابه كما اذا احتمل فعل كل من الجمعة والظهر هذا. ولا يخفى ما فيه فان معنى استصحاب الشخص فيما اذا كان المتيقن مرددا هو استصحابه بما له من الترديد والتقدير ففى مثال الجمعة والظهر ، واستصحاب الشخص المردد معناه ان ذلك الشخص من الوجوب باق على تقدير سواء تعلق بالظهر او الجمعة فان معنى استصحاب الشخص المردد ، هو هذا ، ولا يمكن جريان الاستصحاب بحال فيما اذا فعل الظهر مثلا لعدم امكان جريانه على كل تقدير سواء كان هذا ، او ذلك للقطع بعدم بقائه على تقدير ان يكون هو الظهر لخروجها عن مورد الابتلاء بفعلها فلا معنى بفعلها ثانيا ، مع ان لازم شخص المردد على ما هو عليه من الترديد هو فعلها ثانيا هذا مضافا الى ان الشك فى المقام ليس فى بقاء ما حدث بل فى حدوث ما هو باق فان حقيقة الشك فيما نحن فيه يرجع الى وجوب الجمعة الباقية التى يفعلها هل هو الحادث حتى يكون باقيا ، او ان الحادث وجوب الظهر الساقط بفعلها فالشك لا يرجع الى بقاء ما حدث حتى يكون مورد الاستصحاب بل راجع الى حدوث ما هو باق فيكون خارجا عن مورد الاستصحاب. نعم الاستصحاب الكلى لا مانع منه فيما اذا كان هناك اثر شرعى يترتب على وجود الكلى لان الشك فى بقاء ما حدث.

٧٢

ثم ان استصحاب الكلى على اقسام :

الاول : ما تقدم من الاستصحاب الكلى المتحقق فى ضمن فرد معين كاستصحاب الحيوان فى الدار عند العلم بتحققه فى ضمن فرد معين كزيد وشك فى بقائه من جهة الشك فى بقاء زيد وهذا لا شبهه فيه.

القسم الثانى : استصحاب الكلى المتحقق فى ضمن احد الفردين المقطوع ارتفاع احدهما وبقاء الآخر هذا كما فى جميع موارد العلم الاجمالى عند سقوط احد اطرافه وخروجه عن مورد الابتلاء مع بقائه على ما كان عليه كما اذا علم بوجوب احدى الصلاتين من الظهر والجمعة مع فعله الظهر او وقع احد الحدثين من الاصغر والاكبر مع فعل ما يوجب الاصغر من الوضوء ، او وجود الحيوانين المردد بين قصير العمر وطويله مع انتهاء زمان عمر القصير يجرى الاستصحاب إلّا اذا كان الشك فى المقتضى كما فى مثال الحيوان بناء على المختار لوجود المقتضى وفقد المانع ، اما الاول فللعلم بوجود قدر المشترك من الوجوب والحدث والحيوان ، ان قلنا فى السابق عدم استصحاب الكلى فى مثل وجوب الظهر والجمعة لعدم الاثر وسيأتى زيادة توضيح وتردد الكلى بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مقطوع البقاء ولا يضر بالعلم بوجود الكلى والشك فى بقائه ، غاية الامر ان منشأ الشك فى بقاء الكلى يختلف ، فتارة يكون لاحتمال امتثاله كما فى مثال الظهر والجمعة واخرى يكون من جهة الشك فى وجود رافعه كما فى الحدث ثالثا يكون من جهة الشك فى انقضاء عمره واستعداده كما فى الحيوان وبالجملة لا اشكال بعد العلم يتحقق الكلى والقدر المشترك والشك فى بقائه. وتوهم ان اليقين لم يتعلق بوجود الكلى بحيال ذاته من حيث هو اولا وجود له كذلك بل انما تعلق بحصة منه المتحققة بالخصوصيّة الذاتية

٧٣

المفروض ان تلك الخصوصية اى الحصة ان كانت فى ضمن الفرد فهى ايضا مشكوكة الحدوث فاين المتيقن السابق المشكوك فى البقاء حتى يستصحب فاسد وذلك لانه اشكال فى وجود الكلى فى الخارج ، غاية الامر انه لا بما هو هو بل فى ضمن الافراد وليس لامر امرا انتزاعيا صرفا وتعلق القطع بوجود فرد مردد يلازم تعلقه بوجود القدر لمشترك بينهما فقد تعلق القطع بوجود الكلى والقدر المشترك فى الخارج ، والآن يشك فى بقائه من جهة احتمال ان وجوده كان فى ضمن الفرد الباقى نعم لو قلنا بعدم وجود الكلى فى الخارج وكان امرا انتزاعيا صرفا كلان القول لعدم جريان الاستصحاب مجالا ، اولا وجود للانتزاعى الا منشأ الانتزاع والمفروض ان ما كان منشأ الانتزاع الكلى المردد بين ما يكون مقطوع الارتفاع وما يكون مشكوك الحدوث إلّا ان انتزاعية الكلى فاسد جدا. واما عدم المانع فلان ما تخيل كونه مانعا من ان الشك فى وجود القدر المشترك سبب عن الشك فى حدوث الباقى ، وبعد جريان أصالة عدم حدوثه يرتفع موضوع الشك المسببى ولا يبقى مجال لاستصحابه ليس بمانع.

اما اولا فلان الشك فى بقاء القدر المشترك وارتفاعه ليس مسببا عن الشك فى حدوث الباقى وعدم حدوثه بل ارتفاعه سبب عن حدوث ذلك الفرد المقطوع ارتفاعه.

واما ثانيا فلانه ليس كل اصل جار فى الشك السببى يكون رافعا وحاكما على الاصل المسببى بل حكومة الاصل على السببى يعتبر فيه قيود ثلاثة.

احدها ـ ان يكون بين الشكين ترتبا ، بان يكون احد الشكين علة وسببا للشك الآخر كعلية الشك فى طهارة الملاقى بالفتح للشك فى طهارة الملاقى بالكسر.

٧٤

ثانيها ـ ان يكون الترتب ترتبا شرعيا لا عقليا ولا عاديا كما فى ترتب الثوب النجس المغسول على طهارة الماء المغسول به حيث ان طهارة الماء يكون لاجل حكم الشارع بطهارة ما يغسل بالماء الطاهر.

ثالثها ـ ان يكون الاصل الجارى فى الشك ملغيا ورافعا للشك السببى كما فى المثال ، حيث ان قاعده الطهارة واستصحابها فى الماء المغسول به يكون رافعا للشك فى طهارة الثوب المغسول نجاسته ، فلو لم يكن بين الشكين ترتب وعليه المعلولية بل كان مجرد التلازم كاستلزام الشك فى استقبال القبلة للشك فى استدبار الجدى لما كان بين الاصلين حاكميه ومحكوميه ، وكذا لو كان بينهما ترتب ولكن لم يكن ذلك ترتبا شرعيا كترتب الشك فى الاحراق للشك فى الالقاء ، او كان الترتب شرعا ولكن كان الاصل الجارى فى السبب غير ملغيا للشك المسببى كما فى الشك فى كون اللباس من اجزاء الحيوان المحلل الاكل او محرمه فان جريان أصالة حلية الحيوان لا يرفع الشك فى جواز الصلاة فيه سببا مرتبا شرعا بحلية الحيوان وحرمته. والسر فى ذلك هو : ان أصالة الحل انما منقح بالنسبة الى جواز اكله واستعماله ولا يثبت كون الحيوان من الانواع المحلّلة الذى ينفع فى جواز الصلاة هو هذا المعنى لا مجرد حلية الاكل كما اوضحنا ذلك فى السابق فى لباس المشكوك فمع كون الشك فى جواز الصلاة فيه سببا شرعا عن حليته وحرمته كان الاصل الجارى غير رافع للشك المسببى بل هو باق على حاله.

اذا عرفت ذلك فنقول فيما نحن فيه انه على فرض كونه ان يكون الشك فى البقاء وارتفاع القدر المشترك مسببا عن الشك فى حدوث الباقى إلّا ان هذا الترتب لا يكون شرعيا ، بداهة ان ارتفاع الكلى بارتفاع الفرد الموجود

٧٥

فى ضمنه عقلى لا شرعى ، فجريان أصالة عدم حدوث الفرد الباقى لا يثبت ارتفاع الكلى الا على القول بالاصل المثبت. ثم انه على فرض ان يكون الترتب فى بعض المقامات شرعيا كما فى ترتب الحدث على الجنابة بل فى جميع مجعولات الشرعية ، فى التأسيسية والإمضائية حيث ان ترتبها على موضوعاتها واسبابها انما يكون شرعا على ما تقدم فى جعل الاحكام الوضعية إلّا ان الاصل فى ناحيه السبب لما كان ساقطا لمعارضته أصالة عدم حدوث الجنابة فى مثال الحدث بأصالة عدم حدوث ما يوجب الحدث الاصغر من البول وغيره من النواقض كان الاصل فى طرف المسبب جاريا.

وتوهم عدم جريان الاصل فى ناحيه السبب الحدث بالاصغر بفعل ما يوجب رفعه على تقدير حدوث الوضوء كما هو المفروض فيبقى أصالة عدم حدوث ما يوجب الحدث الاكبر من الجنابة سليمة عن المعارض ويوجب الشك المسببى من بقاء القدر المشترك بناء على تسليم السببية والمسببية وكونها شرعيه كما هو محل الكلام فاسد ، بداهة بمجرد العلم بوجود احد الفردين يتساقط الاصلان من الفردين بالنسبة الى آثار كل منهما التى تكون طرفا للعلم الاجمالى والاصل الساقط لا يجرى بخروج الطرف الآخر عن مورد الابتلاء فهو كفقدان احد الاطراف بعد العلم الاجمالى فكما ان فقدان احد الإناءين بعد العلم بنجاسة احدهما لا يوجب جريان الاصل فى الاناء الباقى فكذلك فعل ما يوجب رفع الحدث الاصغر لا يوجب جريان الاصل فيما يوجب الحدث الاكبر فاذا سقط الاصل فى ناحيه السبب يبقى الاصل فى ناحيه المسبب بلا مزاحم. فظهر انه لا مانع من استصحاب بقاء الكلى والقدر المشترك مع ثبوت المقتضى له على ما عرفت.

٧٦

وينبغى ان يعلم ان استصحاب الكلى والقدر المشترك انما يبقى بالنسبة الى خصوص الآثار المترتبة على الكلى لو كان هناك اثر مترتب عليه شرعا كما فى مثال الحدث حيث ان حرمه مس المصحف مترتب على الاثر من الاصغر والاكبر.

واما لو كان الاثر مترتبا على احد الخصوصيتين ولم يكن هو بنفسه طرفا للعلم كان استصحاب عدم حدوث تلك الخصوصية بالنسبة الى نفى خصوصية ذلك الاثر جاريا وذلك كما فى جواز الدخول فى المسجد فان حرمه الدخول فى المسجد من آثار خصوص الجنابة حيث لم يعلم حدوثها والاصل عدمها فيجوز له الدخول فى المسجد هذا فى مثال الحدث ، واما مثال البق والفيل فهو من الشك فى المقتضى الذى لا يجرى الاستصحاب فيه على المختار. واما فى مثال وجوب الظهر والجمعة لا يجرى الاستصحاب لعدم اثر شرعى مترتب على القدر المشترك ، وبقاء اشتغال الذمة ليس من الآثار الشرعية ، ولزوم تحصيل الفراغ من الاحكام العقلية المترتبة على نفس الشك بالفراغ ، فلو اريد من استصحاب قدر المشترك ترتب مثل هذا الاثر يرجع الى احراز ما هو محرز بالوجدان بالتعبد وقد تقدم البحث عن ذلك فى مبحث الاقل والاكثر.

ثم لا يخفى ان ما ذكرنا من جريان الاستصحاب الكلى فى قسم الثانى انما هو فيما اذا كان نفس الكلى بحقيقته وهويته مرددا بين ما هو مقطوع الارتفاع وما هو مشكوك الحدوث كما فى الحدث المردد ، واما لو كان نفس المتيقن لا ترديد فيه بل الترديد فى محله الذى وجد فيه فجريان الاستصحاب لا يخلو عن اشكال وذلك كما لو علم بوجود حيوان خاص كالفرس

٧٧

مثلا فى الدار لكن تردد بين كونه فى شرق الدار او غربها او فى ساير جوانبها ثم خرب احدى جوانب الدار التى يحتمل وجوده فيه بحيث لو كان الحيوان فى ذلك الجانب ليهلك بسبب هدمه ففى مثل هذا لا يمكن بالاستصحاب لبقاء الحيوان فى الدار ، وذلك لان المتيقن السابق انما هو وجود الحيوان فى مجموع الدار وبعد انعدام المجموع بهدم انعدام بعض جوانب الدار فينعدم اساس تيقن السابق اذ قوام متيقن السابق انما هو بالمجموع بحيث لو لم يكن الدار" ذات جوانب اربع" لما علم بوجود الحيوان والحاصل ان المتيقن السابق اذا كان شخصيا جزئيا من دون ترديد فيه وكان محله مرددا بين الزائل والباقى فها هنا لا يكون من القسم الثانى من الاستصحاب الكلى بل يكون من قبيل الكلى فى المعين الذى لا يجرى الاستصحاب فيه ، فلو علم اجمالا بان ما بين هذه الدراهم العشرة درهم مال زيد فتلف احدى الدراهم لو شك فى ان درهم التالف هو درهم زيد او غيره فلا مجال لاستصحاب بقاء درهم زيد لان المتيقن السابق انما هو مجموع العشرة من حيث المجموع وعند تلف احدى العشرة ينهدم اساس المتيقن السابق.

نعم لو احتمل تلف مجموع العشرة كان لاستصحاب بقاء العشرة التى فيها درهم زيد مجال. ومنه يظهر الجواب عن الشبهة العبائية وبيانه : انه لو علم اجمالا بنجاسة احد طرفى العباء من الاسفل والاعلى ثم طهر احد طرفيها المعين كالاسفل مثلا فيشك فى بقاء نجاسة العباء يجرى استصحاب بقائها فيها ويلزمه حينئذ نجاسة ما يلاقى مجموع العباء لان يلاقى مستصحب النجاسة نجس مع ان اللازم باطل بالضرورة ، بداهة انه لو لاقى شيء للطرف الاعلى من العباء المشكوك الطهارة والنجاسة لم يحكم بنجاسته

٧٨

لعدم نجاسة ملاقى احد طرفى الشبهة ، والمفروض ان الطرف الاسفل من العباء مقطوع الطهارة ، بالتطهير فملاقيه ايضا لم يكن نجسا ، ومع ذلك يصدق على الشيء الملاقى انه لاقى مستصحب النجاسة ، هذا بالنسبة الى الملاقى ، وكذا الحال بالنسبة الى العباء مثلا لو طهر احد طرفى العباء المعين قبل العلم الاجمالى بنجاسة احد طرفيها وبعد ذلك حصل العلم الاجمالى فمقتضى قواعد العلم الاجمالى ان هذا العلم الاجمالى مما لا اثر له ولا يوجب التنجيز لخروج احد طرفيه من الطرف الاسفل المقطوع الطهارة من قابلية توجه التكليف بالاجتناب عنه والتطهر مع ان من شرائط تأثير العلم الاجمالى ان يكون التكليف على كل تقدير متوجها الى المكلف ومنجزا عليه.

ومن المثال لو كانت النجاسة المعلومة بالاجمال واقعه فى طرف الاسفل الذى طهر قبل العلم لما كان التكليف بالاجتناب عنها ثابتا بالفعل فلا علم بالتكليف على تقدير فالمثال نظير ما اذا اريق احد الإناءين قبل العلم الاجمالى بنجاسة احدهما ، فاذا لم يكن العلم الاجمالى فى المثال منجزا كانت الصلاة فى مثل هذا العباء صحيحه مع جريان استصحاب النجاسة وصدق الصلاة فى مستصحب النجاسة هذا.

ومما ذكرنا يظهر عدم جريان استصحاب النجاسة فى العباء فلا موجب لنجاسة الملاقى فى الفرض الاول وعدم صحه الصلاة فيها فى الفرض الثانى ، وذلك لان نجاسة الواقعية فى العباء انما كانت نجاسة جزئيه شخصيه معلومه بالتفصيل كالدرهم مثلا من دون ترديد فيها وانما الترديد كان فى محل النجاسة من الطرف الاسفل والاعلى ، والمتيقن السابق من النجاسة كان قائما لمجموع العباء بمعنى ان المتيقن السابق انما هو نجاسة جزء من مجموع العباء

٧٩

لا من الاسفل والاعلى بحيث لو كان بوصف المجموعية دخل فى المتيقن السابق ، وعند تطهير الطرف الاسفل مثلا ينهدم اساس المتيقن السابق فتطهير احد طرفى العباء كتخريب احدى جوانب الدار فى المثال المتقدم.

وبالجملة جعل مثال العباء من قبيل القسم الثانى من الاستصحاب الكلى انما هو فيما اذا كان نفس المتيقن السابق مرددا بين الزائل والباقى لا محاله. نعم لو شك فى ان النجاسة الواقعية فى العباء هل هى الدم او البول كان بعد غسلها مرة واحدة مورد الاستصحاب بقاء نجاستها بناء على اعتبار التعدد فى نجاسته وحينئذ يكون من القسم الثانى من الاستصحاب الكلى.

القسم الثالث ـ من الاستصحاب الكلى هو ما اذا كان الشك فى بقائه من جهة الشك فى قيام فرد خاص آخر مقام ذلك الخاص الذى كان الكلى فى ضمنه بعدم للقطع بارتفاع ما كان الكلى فى ضمنه وهذا على اقسام ثلاثة :

الاول ـ ما اذا كان الشك حدوث فرد آخر مقارنا بوجود فرد معلوم حدوثه كما اذا علم بوجود زيد فى الدار واحتمل ايضا بوجود عمر معه ثم مات زيد

الثانى ـ احتمال حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد الاول من الكلى.

الثالث ـ ما اذا شك فى حدوث فرد المعلوم حدوثه وارتفاعه الى فرد آخر لانعدام شيء وحدوث شيء آخر كما اذا شك فى تبدل سواد الشديد الى مرتبه الضعيف او بالعكس بعد العلم بزوال مرتبه التى كان السواد واجدا له ، او شك فى تبدل كثير الشك الى مرتبه اخرى منه بعد العلم بزوال المرتبة التى كان واجدا لها ، فهذه جملة الاقسام الثلاثة المتصورة فى

٨٠