الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

احدها ما سأله اولا من العلم التفصيلى بالنجاسة ومحلها ثم نسى وصلى.

ثانيها صورة علم الاجمالى بنجاسة احد الثوبين وصلى فيهما وهذا السؤالان هما اللذان اجاب الامام (ع) عنهما بوجوب الإعادة.

ثالثها ما اذا لم يعلم بالنجاسة وظن ، وقد اجاب (ع) بعدم وجوب الإعادة وقد تقدم ما فيه مفصلا.

رابعها ما اذا التفت الى النجاسة وهو فى اثناء الصلاة ، وهذه الصورة هى التى فصل الامام (ع) بين ما اذا علم النجاسة وشك فى موضع منها ثم راه فى الأثناء فحكم (ع) بنقض الصلاة واعادتها ، وبين ما اذا لم يعلم قبل الصلاة بها رآه فى الاثناء (ع) ثم هذه الصورة ايضا فصل بقرينة قوله لعله شيء اوقع عليك فى اثناء الصلاة ولا ينبغى الخ بين ما اذا احتمل وقوع النجاسة فى الاثناء فليس عليه الإعادة بل يغسلها ويبنى عليه وبين ما اذا لم يحتمل فعليه النقض والإعادة فتكون هذا الصحيحة من جملة الاخبار التى فصلت فى صورة عدم سبق العلم بالنجاسة ، بين علميتها فى الاثناء فعليه الإعادة وبين علمه بها فليس عليه الإعادة وبذلك افتى بعض الأصحاب. وفى الباب أخبار أخر معارضة لذلك دائما على عدم وجوب الإعادة مطلقا ولو علم بها فى الاثناء فلا بد من ملاحظه الاخبار ثم الترجيح.

ومنها صحيحه ثالثه لزرارة واذا لم يدر فى ثلث هو او فى اربع وقد احرز الثلث قام واضاف اليها اخرى ، ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك باليقين ولا يخلط احدهما بالآخر ولكنه ينقض الشك باليقين ويتم على اليقين فيبنى عليه ولا تعتد بالشك فى حال من الحالات وموقع الاستدلال فى هذه الصحيحة انما هو قوله لا ينقض اليقين بالشك.

٤١

وقد اشكل على ذلك بان الركعة فى قوله قام فاضاف اليها اما ان يراد بها ركعة موصوله واما ان يراد بها ركعة مفصولة بتكبير وسلام ، فعلى الأول يكون قوله (ع) لا تنقض اليقين منطبقا على الاستصحاب ، ولكنه مناف لما هو المعلوم من اصول الإماميّة من البناء على الاكثر ، وعلى الثانى يكون المراد من اليقين فى قوله ولا تنقض اليقين بالشك هو اليقين مجعول البراءة قد عبر عن هذا النحو من العمل باليقين فى عده من الاخبار كقوله (ع) اذا شككت فابن على اليقين كما بالسهو تارة وبالوهم اخرى وعلى هذا لا تكون الرواية من أدلة الاستصحاب.

ثم ذكر الشيخ تقريبا آخر للتمسك بالرواية وهو ان الرواية لا بد فيها اما من حملها على التقية وهو مخالف للأصل ، واما من حملها على الاخذ باليقين والاحتياط ، وهو وان كان بعيدا إلّا انه لا محيص عنه هذا. ولكن لا يخفى عليك فى كلامه من النظر.

اما اولا فلان حمل قوله لا تنقض اليقين بالشك على قاعده اليقين والاحتياط مما هو فى غاية البعد بل لا ينبغى المصير اليه فان لفظه انقض مما لا تناسب قاعده اليقين بالشك والاحتياط ، اذ ليس فيها نقض بل انما هو عمل خاص سمى فى بعض الاخبار باليقين واين هذا من قوله لا تنقض اليقين بالشك؟ بل نقض اليقين بالشك ينحصر مورده وغاية استعماله اما بالاستصحاب ، واما بالشك السارى المسمى بقاعدة اليقين.

واما ثانيا فلانه لا محذور فى حمل الرواية على التقية بمعنى كون تطبيق المورد بالاستصحاب كان للتقية وكان قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك محمولا على بيان افاده الحكم الواقعى العام من حرمه نقض اليقين بالشك ووجوب العمل بالاستصحاب ، غايته ان فى خصوص الشك فى عدد الركعات كان حكمه غير الاستصحاب ، فالامام استشهد لحكم فيورد بالاستصحاب يعينه حيث

٤٢

مذهب العامه ذلك وحمل الرواية على ذلك مما لا يلزم منه محذور اصلا ، وكم له نظير من الرواية كقوله (ع) بعد السؤال اللعين فى مسألة الإفطار فى اليوم الذى شهدوا بأنه يوم عيد ، فقال (ع) ذلك الى امام المسلمين ان صام صمنا معه وان افطر افطرنا معه فان الإمام (ع) انما قال ذلك تقية مخافة ان يضرب عنقه كما صرح بذلك بعد انقضاء المجلس ، ولكن مع ذلك يحمل قوله ، ذلك الى امام المسلمين على بيان الحكم الواقعى من اعتبار حكم الحاكم فى باب الهلال ولا استدل بذلك على ذلك فليكن الصحيحة فيما نحن فيه من هذا القبيل وعلى كل حال الذى يقتضيه النظر فى معنى الصحيحة هو ان قوله (ع) قام واضاف اليها اخرى وان كان ظاهرا بدوا فى ركعة الموصولة إلّا ان قوله لا يدخل الشك باليقين ولا يخلط احدهما بالآخر يهدم هذا الظهور ويجعله ظاهرا فى الركعة المفصولة لان ظاهر قوله لا يدخل الشك باليقين هو لا يدخل الركعة المشكوكة بالمتيقنة ولا يخلط احدهما بالآخر ومعنى ذلك هو انه لا يأتى بها موصولة فان الوصل يوجب ادخال المشكوك بالمتيقن فكان الامام عليه‌السلام اراد ان يتبين إرادة حكم المسألة على طريق الكفاية والإشارة حتى لا ينافى التقية فان أدّت بلفظ يكون ظاهرا فى الركعة الموصولة عقبه ببيان يفهم منه الركعة المفصولة ولذا قنع زرارة بما اجابه الامام (ع) ولم يسأل ان الركعة موصولة او مفصولة هذا بحسب ما يتعلق بقوله (ع) قام فاضاف مع قوله ولا يدخل الشك ... الخ. اماما يتعلق بقوله ولا ينقض اليقين ... الخ. اى فالذى يقتضيه النظر هو حمله على معناه الظاهرى فيه من الاستصحاب من دون تصرف. وما يتوهم من ان حمله على معناه وجب البناء بلا اتيان الركعة موصولة وهو مناف لاصول الإمامية. فاسد ، اذا منشأ التوهم هو الخيل تخيل الغاء الشارع الاستصحاب

٤٣

بالكليّة فى باب الصلاة عن الشك فى عدد الركعات مع ان الأمر ليس كذلك اذ حكم الشارع فى باب الشك فى عدد الركعات من البناء على الاكثر واتيان بركعة مفصولة بتكبير وسلام مستقل لا تنافى الاستصحاب او مفاد الاستصحاب عند الشك فى ذلك وليس إلّا البناء على عدم فعل الصلاة يعنى الركعة الرابعة وعدم جواز الاقتضاء ما بيده من الركعة وهذا المعنى بعينه موجود عن الشك فى الركعات غايته انه لو لم يحكم الشارع بوجوب فعل الركعة مفصولة كان مقتضى اطلاق الاستصحاب هو فعلها موصوله ولكن حكم الشارع بفعلها مفصولة اوجب تقييد ذلك بالاطلاق بل يمكن ان يقال ان حكم الشارع باتيان الركعة مفصولة لا ينافى الاستصحاب بوجه من الوجوه وغير موجب لتقييد اطلاقه فانه بعد ما كان الحكم الواقعى للشاك فى عدد الركعات هو فعل المشكوك مفصولا سواء كانت فى الواقع صلاته تامة او ناقصة وكان زيادة التكبير والسلام مغتفرة كان استصحاب عدم فعل الركعة الرابعة وعدم نقض اليقين بالعدم بالشك فى فعلها جار من دون ان يكون ذلك منافيا للحكم الواقعى المجعول للشاك من فعل المشكوك منفصلا فان الاستصحاب انما هو لو ثبت آثار اليقين السابق على المشكوك واما كون الآثار ما هو ، فليس ذلك من شأن الاستصحاب تعيينه فلو فرض ان اثر الشك فى الركعات واقعا هو فعل المشكوك مفصولة فاين يتحقق المنافاة بين هذا الحكم وبين استصحاب عدم فعل الرابعة.

وبعبارة اخرى مقتضى الاستصحاب عدم فعل الرابعة هو فعلها اما كيفية فعلها فهو يدور مدار واقعه من الجعل الشرعى فاذا كان الجعل الشرعى الواقعى عند الشك فى عدم الركعات هو فعلها مفصولة فلا يكون ذلك موجبا للتصرف فى استصحاب عدم فعل الركعة الرابعة ولا اطلاقه ولا

٤٤

يلزم منه عول الاستصحاب من باب الشك فى عدد الركعات واجد بقوله (ع) فى الصحيحة لا ينقض اليقين بالشك محمول على معناه من الاستصحاب وتكون من الأدلّة العامه على اعتباره.

ومنها رواية محمد بن مسلم عن ابى عبد الله (ع) قال : قال امير المؤمنين (ع) من كان على يقين فشك فليمض على يقينه فان الشك لا ينقض اليقين ،.

وقد اشكل الشيخ (قده) على الاستدلال ، بانها ظاهره فى اختلاف زمان اليقين والشك بقرينة لفظ كان وذلك بمنى على ان فى الاستصحاب لا يعتبر اختلاف فى زمان الشك واليقين بل المعتبر انما هو اختلاف زمان المتيقن والمشكوك وان اتحد زمان الشك واليقين ، بل وان تاخر زمان اليقين عن الشك والذى يعتبر فيه اختلاف زمان الشك واليقين انما هو قاعده اليقين.

ولكن لا يخفى ما فيه فان الضابط فى قاعده اليقين اختلاف زمان اليقين والشك مع وحده متعلقهما ، كما اذا اختص بعدالة زيد فى يوم الجمعة وشك فى يوم السبت بعدالة يوم الجمعة من غير فرق اخذ زمان اليقين قيدا للعدالة مكثرا لها حتى يكون عدالة زيد فى يوم الجمعة مغايرا بعدالته فى يوم السبت واخذ الزمان ظرفا لها ولا يعتبر فى قاعده اليقين لحاظ الزمان قيدا كما يظهر من الشيخ (قده) فى المقام بل الذى يعتبر فى قاعده اليقين هو وحده متعلق الشك واليقين مع اختلاف زمانهما وسراية الشك لليقين. هذا ضابط قاعده اليقين والاستصحاب.

والحاصل ان فى كل من الاستصحاب وقاعده اليقين جهة عموم ، وجهة خصوص بعد تباينهما باعتبار وحدة المتعلق وتعدده ، حيث يعتبر فى

٤٥

الاستصحاب فالعموم بصورتى اختلاف زمان اليقين والشك إلّا ان الغالب فى موارد الاستصحاب هو سبق زمان اليقين على زمان الشك. واما جهة خصوصية فلا اعتبار اخذ الزمان ظرفا فيه. واما جهة عموم القاعدة فلعمومها بصورتى اخذ الزمان ظرفا او قيدا ، واما جهة خصوصها فلا اعتبار اختلاف زمان اليقين والشك فيها.

اذا عرفت ذلك فقد ظهر لك ان الرواية تنطبق على الاستصحاب من دون ان يكون لها ظهورا فى القاعدة ، والتعبير بها بمضى زمان اليقين انما هو لكونه الغالب فى الاستصحاب كما تقدم ، بل يمكن ان يقال بظهور الرواية فى خصوص الاستصحاب بقرينة قوله فليمض على يقينه فان ظاهره هو المضى على اليقين مع فرض وجوده وهذا لا ينطبق على القاعدة لانعدام اليقين فيها.

ومنها مكاتبه على بن محمد قاسانى قال كتبت اليه وانا بالمدينة عن اليوم الذى يشك فيه انه من رمضان هل يصام ام لا فكتب (ع) اليقين لا يدخله الشك ، صم للرؤية وافطر للرؤية هذه الرواية قد جعلها الشيخ من اظهر روايات الباب ويشكل بان خصوص على اعتبار اليقين بدخوله وان صومه وافطاره اما يكون للرؤية او للشهادة فمن المحكى جدا ان يكون المراد من اليقين فى الرواية اليقين بدخول شهر رمضان لا يقين بشعبان فتكون الرواية اجنبيا عن باب الاستصحاب.

انه قد استدل للاستصحاب بمثل قوله (ع) : ((كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام وكل شيء ... الخ)) بتقريب ان الغاية يدل على استمرار طهارة الشيء وحليته الى زمان العلم بالقذارة والحرمة فيتحد مفاده مع مفاد قوله (ع) لا ينقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر وقد اختلف

٤٦

كلمات القوم فى مقدار دلالة مثل هذه الاخبار. منهم صاحب الفصول قال : بدلالة قوله كل شيء ... الخ. على اعتبار قاعده الطهارة والحلية واستصحابها معا. ومنهم صاحب الكفاية قال بدلالة الصدر على الحكم الواقعى وقاعده الطهارة معا. والذيل على الاستصحاب. والاقوى انه لا يدل إلّا على قاعده الطهارة والحلية وبيان ذلك : هو ان الشيء اما ان يراد به العنوان الأولى المعروض للحكم الواقعى الأولى كالحجر والشجر والمدر وغير ذلك من الاشياء الخارجية ، وحينئذ يكون حمل طاهر او حلال عليه لبيان حكمه الواقعى فيكون مفاده كل موجود فى الدنيا محكوم واقعا بالطهارة الواقعية والحلية ، ويكون من العمومات المخصصة كقوله تعالى أحل لكم ما وراء ذلك او ما فى الارض جميعا واما ان يراد به الشيء المشكوك حكمه بما انه مشكوك الحكم بمعنى ان يراد من كل شيء مشكوك الطهارة والحلية وحينئذ يكون حمل الطاهر والحلال عليه لبيان حكمه الظاهرى فيكون مفاده مفاد ان كل مشكوك الطهارة والحلية محكوم ظاهرا بالطهارة والحلية ووجه كون الحكم فيه ظاهريا هو اخذ الشك فى موضوعه ولا يمكن من الشيء الأعم من الشيء بما هو هو وبما انه مشكوك الحكم لتأخر رتبة الشيء بما انه مشكوك الحكم عن نفس الشيء لتأخر رتبة الحكم عن نفس الشيء لتأخر رتبة الحكم الظاهرى عن الحكم الواقعى.

وبالجملة لا يمكن ان يراد من الشيء الاعم من موضوع حكم الواقعى وموضوع الحكم الظاهرى لتأخر رتبته عنه كما انه لا يمكن ان يراد من المحمول وهو قوله طاهر وحلال الأعم من الحكم الواقعى والظاهرى لتأخر رتبته فلا بد ان يراد من الموضوع وهو الشيء اما الشيء بعنوانه الاولى ، واما الشيء بما انه مشكوك الطهارة والحلية كما انه لا بد ان يراد من المحمول

٤٧

ايضا احد الحكمين.

ثم ان صدر الرواية مع قطع النظر عن الذيل يكون ظاهرا فى الحكم الواقعى المجعول للاشياء هو الطهارة والحلية فيكون مساقه مساق الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية كقوله : أحل لكم ما فى الارض جميعا ولكن بعد مزيله بقوله (ع) حتى تعلم انه قذرا وحرام لا بد من ان يكون المراد من الصدر هو الطهارة والحلية الظاهرية ، ويلزم ان يكون المراد من الشيء الشيء بانه مشكوك الطهارة والحلية ، وذلك لان الغاية سواء جعلناه غاية للحكم او غاية للموضوع لا يكون غاية للحكم الواقعى ولا الموضوعة ، اذ ليس للحكم الواقعى معنى يعلم بالقذارة والحرمة ولان موضوعه بذلك ، بل غاية الموضوع الواقعى هو تبدله وانقلابه الى عنوان آخر كغليان العصير وحلية الخمر ، ويلزمه تبدل الحكم الواقعى. والحاصل ان غاية الحكم هو انقضاء عمره بحسب الجعل الشرعى كالليل فى الصوم ، وتبدل موضوعه وانقلابه عما هو عليه كغليان العصير وامثال ذلك ، واما العلم بضد الحكم او ضد الموضوع فليس غاية للحكم ولا الموضوع ، ومثل قوله حتى يعلم انه قذرا او حرام لا يصح ان يكون غاية للحكم الواقعى إلّا بتكلف والتأويل بان يكون اخذ العلم فى الغاية بمحض الطريقية الى ما هو الغالب فى الحقيقة من دون ان يكون له دخل فى ذلك اصلا واخذ القذارة والحرمة كناية عن انقلاب الموضوع حتى يكون المعنى فى كل شيء لك طاهر او حلال واقعا الى ان يتقذر او يتنجس او الى ان يصير حراما بالغليان مثلا او انقلاب الطاهر الواقعى الى النجس انما يكون بتقذره كانقلاب الحلال الواقعى الى الحرام انما يكون فى العصير مثلا بالغليان وفى الخمر بالحليّة كما ترى تكلف ركيك فى الرواية لا يمكن المصير اليه الا مع ضيق الخناق ، وهو بخلاف

٤٨

من غير تكلف بماهية ان كل موضوع لحكم ظاهرى انما يكون معنى بعدم انكشاف الخلاف.

وحاصل الكلام ان مثل قوله (ع) كل شيء طاهر وكل شيء حرام لا يتحمل إلّا لمعنى فارد وذلك المعنى الفارد بحيث يقتضيه ظاهر اللفظ من غير تأويل ليس هو إلّا قاعده الطهارة والحل ، ولو اغمضنا النظر عن الظاهر وارتكبنا التأويل فلا بد من حمله على بيان الحكم الواقعى بالاستصحاب مما لا يمكن ان يستفاد منه اصلا. ودعوى ان الاستصحاب انما يستفاد من كلمة حتى حيث انها تدل على استمرار الحكم الى ما بعدها من العلم بالقذارة والحرمة فيصير حاصل المعنى ان كل شيء طاهر واقعا او طاهر الى ان تعلم الخلاف فيتحد مفاده مع مفاد قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر فان عدم نقضه بالشك ليس إلّا عبارة عن استمرار اليقين فى زمان الشك الى زمان العلم بالخلاف ففساده غنى عن البيان فان تقدير ليستمر الطهارة مما لا شاهد عليه وكلمة حتى لا تدل على ذلك فان غاية ما يمكن تسليمه هو ان كلمة حتى تدل على استمرار تلك الحكم المذكور فى الصور وهو قوله طاهر واما اخذ تلك الطهارة مفروغا عنها والحكم باستمرار الطهارة الى زمان العلم بالخلاف كما هو مبنى استفادة الاستصحاب من الرواية مما لا شاهد عليه. وبالجملة استفادة الاستصحاب من مقدمه مطلوبه وان كان يستقيم إلّا انه لا قرينة على تلك المقدمة كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام فى اخبار الاستصحاب وقد عرفت ان عمدتها الاخبار الثلاثة المروية عن زرارة ، ودلالتها على اعتبار الاستصحاب دون قاعده اليقين واضحة فان موردها لا ينطبق على قاعده اليقين اذا عرفت ذلك فيصح الكلام فى مقدار دلالتها وانها هل تدل على اعتبار الاستصحاب مطلقا

٤٩

حتى مع الشك فى المقتضى ولا وقد عرفت انه ليس المراد من المقتضى فى المقام ما هو ترشح منه وجود الشى لان الشك فى المقتضى بهذا المعنى ملازم للشك فى وجود الشى ومورد الكلام فى الاستصحاب انما هو الشك فى البقاء بعد الفراغ عن اصل وجوده وتحققه فى للخارج ، ومع ذلك ، الشك فى البقاء ثاره يكون من باب الشك فى المقتضى ، واخرى يكون من باب الشك فى الرافع فيعلم منه انه ليس المراد من المقتضى ما يكون من اجراء العلة بل المراد من المقتضى فى المقام مقدار استعداد الشى حكما كان او موضوعا فى عموم الزمان فان هذا هو الذى يمكن العلم به تارة والشك فيه اخرى ، ففى مثل الصوم علم مقدار استعداد بقائه بحسب الزمان وهو الغروب الذى جعل غاية له ، وكذا اخبار الحيوان الذى علم ان امده الى ثلثه ايام ومثل اخيار الغبن مثلا يشك فى مقدار استعداد بقائه فى عمود الزمان ، وكذا الكلام فى الموضوعات الخارجية ففى مثل الفرس يعلم بمقدار استعداد بقائه فى الزمان كخمسين سنة وفى البق يشك ، واما ضابط الشك فى الرافع. هو الشك فى حدوث زمان يوجب رفع الشيء فى اثناء الزمان باستعداد بقائه فى سلسلة الزمان. وبما ذكرنا من الضابط فى الشك فى المقتضى والشك فى الرافع يظهر الخلل فى كلمات جملة من الاعلام حيث يورد ودون على الشيخ (قده) فى جملة من المسائل الفقهية خصوصا فى باب المعاملات التى اجرى الشيخ (قده) فيها الاستصحاب بان هذا الاستصحاب يكون الشك فى المقتضى وهو لا يقول به فان الايراد بذلك عليه انما نشأ من اجراء الشيخ الاستصحاب فيها يكون من الشك فى المقتضى مع ان الاثر ليس كذلك بل جميع هذا الموارد من الشك فى الرافع على ما تقدم من الضابطة فيه حتى ان الشك فى انتقاض التيمم

٥٠

لأجل وجدان الماء فى اثناء الصلاة او زوال المرض يكون من الشك فى الرافع على الضابط المتقدم ، مع انه من اوضح مصاديق الشك فى المقتضى بالمعنى الذى تخيلوه الذى اوجب فتح باب الاشكال على الشيخ (قده) نعم ظاهر كلام الشيخ عند التكلم فى استدلال المانعين لحجية الاستصحاب يعطى ان مثال التيمم ليس من باب الشك فى الرافع ، بل هو من الشك فى المقتضى على ما يظهر من بعض او من باب الشك فى الموضوع حيث ان المكلف بالطهارة الترابية هو فاقد الماء ، وعند وجدانه فى اثناء الصلاة يشك فى كونه فاقدا لما فيكون من الشك فى الموضوع على ما يظهر من صدر كلامه فراجع (ولكن الظاهر ان مثال التيمم يكون من الشك فى الرافع لا من الشك فى المقتضى لما تقدم من ان الشك فى المقتضى ينحصر مورده بما اذا رجع الشك فى مقدار بقاء الشى فى عمود الزمان ، والتيمم ليس من هذا القبيل فان الطهارة الترابية اذا حدث يبقى الى ان يحدث مزيلها من الزمانيات كوجدان الماء قبل الصلاة ووجدانه اثنائها يصير منشأ الشك فى كونها مزيلا فيكون وجدانه فى اثنائها نظير خروج الذى مثلا الذى يشك فى ناقصيته وذلك واضح واما عدم كونها من الشك فى الموضوع فلانه لم يؤخذ بلسان الأدلة واجد الماء وفاقده موضوعا بل الموضوع هو افراد المكلفين يكون وجدانه وفقدانه شرطا لتكليفهم بالطهارة الترابية او المائية كما هو ظاهر الآية الشريفة ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) ... الخ. حيث ان المخاطب هو المؤمنون باشخاصهم فالشك فى انتقاض التيمم ضد وجدان الماء فى اثناء الصلاة لا يكون من الشك فى الموضوع بل من الشك فى الحكم مع حفظ الموضوع الذى هو المكلف وقياس ما نحن فيه بالماء المتغير مع الفارق ، وينحصر الشك فى المقتضى بما ان الشك فى الغاية الزمانية

٥١

وهذا ايضا ليس على جميع الوجوه بل على بعض الوجوه كما تقدم تفصيله. واما عدم اعتباره عند الشك فى المقتضى فلعدم الغاية المصححة لورود النص عليه حتى يكون مشمولا للانتقاض.

وتوضيح ذلك هو انه لا اشكال فى ان تعلق النقض باليقين فى هذه الاخبار ليس بغاية المتيقن بما يكون المراد من عدم النقض اليقين بالشك عدم نقض المتقين ، وما كان على يقين منه وان كان يوهم ذلك ظاهر كلام الشيخ فى المقام ، بداهة انه لا معنى لاطلاق اليقين وإرادة المتيقن منه ، فان الاستعمال على هذا الوجه ركيك جدا لو لم نقل بانه غلط ، من جهة عدم العلاقة المصححة لاطلاق اليقين او بالعكس وذلك بمكان من الوضوح لا يكاد يخفى على مثل الشيخ (قده) فلا بد ان يكون مراده غير ذلك وان كان بعيدا عن ظاهر عبارته بل النقض انما يرد على نفس اليقين ، والمراد من عدم نقض اليقين عدم نقضه بنفسه لكن لا بما هو هو وصفه قائمة بنفس المتيقن بالكسر ، بداهة انه بنفسه منقض بنفس الشك فلا معنى بالنهى عن نقضه وكذا ليس المراد عدم نقض آثار اليقين واحكامه فان ذلك ليس المراد قطعا على تقدير ثبوت اثر فى الشريعة مترتبا على نفس اليقين بما هو صفة ، بداهة ان ذلك اجنبى عن باب الاستصحاب ، مع ان الأخبار وارده لبيان افاده الحجية فمتعلق النقض باليقين لا بد ان لا يكون بعناية نفسه بما هو هو وصفه قائمة بالنفس ، بل تعلق النقض باليقين بما له من الجرى العملى والبناء عليه والحركة مع طبقه وورود النقض على اليقين دون العلم والقطع وغير ذلك من الفاظ المترادفة بما هو لاجل ذلك اى بما فى اليقين من الجرى العملى ، بمعنى ان استعمال اليقين انما هو من جهة ما يقتضيه من الجرى العملى على طبقه ، وهذا بخلاف العلم والقطع فانهما انما يستفاد فى مقابل الظن والشك والترديد. من هنا لم يعهد الى الآن ورود النقض

٥٢

على العلم او القطع فى كلامه وخطبه وروايته ولم يسمع لا ينقض العلم مثلا وحاصل الكلام فى انه لم يؤخذ اليقين فى قوله لا ينقض اليقين بالشك على جهة الموضوعية بل اخذ على جهة الطريقية المتعلقة وان كان حكما او لاحكام متعلقه ان كان موضوعا وإلّا لا معنى لان يقال انقض او لا تنقض بعد اندفاعه بالشك وجدانا وتكوينا فورود النقض على اليقين انما هو باعتبار المتيقن ، لا اقول ان لفظه يقين فى الاخبار استعير للمتقين كما يوهم ظاهر عبارة الشيخ ، بل اقول ان العناية المصححة لورود النقض على اليقين انما يلحقه من ناحيه المتيقن باعتبار ما يقتضيه من الجرى عليه والمشى على طبقه. ثم ان المجعول فى باب الاستصحاب ليس هو بقاء ما كان على قطع النظر عن كون التشخيص محرزا لما كان فان يكون مفاد اخبار لا تنقض هو ان ما ثبت يدوم وما كان باق فان ذلك ضرورى البطلان ولو كان مفاد الأخبار ذلك لكان ذلك حكما واقعيان لا حكما ظاهريا ولما كان وجه الاخذ اليقين والشك فيه بل فيه بل المجعول فى باب الاستصحاب هو ابقاء الاحراز بما له من الجرى العملى الذى كان يقتضى الاحراز فتكون مفاد اخبار لا تنقض هو ان المجرى العملى الذى كان يقتضيه احراز باق وليس لك نقضه وان ذال ـ احرازك بالشك لا انه ليس ينبغى ان ترفع اليد عما كان يقتضيه احرازك ـ بواسطة الشك ، فان ذلك لازم اخذ الاحراز على جهة الطريقية اذا عرفت ذلك ظهر لك ان اخبار الباب مقصورة بما اذا كان اليقين السابق مقتضيا لجرى العمل على وفقه بحيث لو لم يحدث ما يشك فى بقاء المتقين لكان الجرى العملى باقيا الى آخر الدهر والحد الذى ضرب له شرعا ان كان له حد محدود وبعبارة اوضح يعتبر فى الاستصحاب ان يكون اليقين قد تعلق فى ان حدوثه بالزمان الذى يشك فيه بقاء المتيقن من جهة حدوث الامر الزمانى

٥٣

حتى تكون اليقين عند حدوثه اقتضى الجرى العملى فى زمان الشك لكن يصح ان يقال لا تنقض يقينك بحسب اقتضاه الجرى العملى بواسطة الشك ، اذ لو لم يتعلق اليقين ولو فى آن ما بالزمان الذى يشك فيه لما كان له اقتضاء للجرى العملى فى ذلك الزمان لتعبية الجرى العملى لليقين فاذا لم يتعلق اليقين بما له من الجرى فى زمان الشك لما كان محلا لقوله لا تنقض اليقين لان اليقين بنفسه منتقض ، بمعنى انه ليس له اقتضاء الجرى العملى فى ذلك الزمان حتى يقال لا تنقض يقينك بما له من الجرى بالشك فلم يحصل فى الغاية المصححة لورود النقض على اليقين فلا بد لاجل رعاية عناية النقض من تعلق اليقين بزمان للشك ولو آناً ما وهذا المعنى مفقود فى الشك المقتضى بخلاف الشك فى الرافع اما فقدانه فى الشك فى المقتضى فواضح لان الشك فى الشك فى المقتضى ملازم لليقين عند حدوثه فان من اول الامر يشك فى بقاء المتيقن فيما بعد العناية المعلوم بقائه فهى مثلا لو شك فى الحيوان الكذائى كالبق مثلا عمره بحسب عمود الزمان يدور بين ثلثه ايام او أربعة ، فهو من اول الامر شاك فى بقائه فى اليوم الرابع ولم يتعلق به اليقين فى آن من الآنات وما اقتضى بيقينه الجرى العملى فى يوم الرابع فى حال من الحالات. وحاصل الكلام : ان ما قلنا من الضابط الصحيح بعناية ورود النقض على اليقين من انه لا بد من تعلق اليقين بماله من الجرى العملى بزمان الذى يقع الشك فيه فلا يصح ان يقال لا تنقض يقينك بالشك طبقت فى الشك فى المقتضى لعدم تعلق اليقين بعد تعلق اليقين به بخلاف الشك فى الرافع فان اليقين فيه قد تعلق عند حدوثه بالزمان الذى يشك فيه واقتضى ايضا الجرى العملى فى ذلك الزمان بحيث لو لم يحدث ذلك الزمان الذى اوجب الشك فيه فى بقاء ذلك المتيقن لكان الجرى العملى باقيا على

٥٤

حاله بحسب بقاء ما يقتضيه من اليقين ، فصح ان يقال بعد حدوث ذلك الزمانى والشك فى بقاء المتيقن ، بانه لا تنقض يقينك بذلك تكوينا إلّا ان ـ حرمه العملى لا تنقضه وليس مفاد لا تنقض مجرد التكليف بعدم النقض بل معناه ان يقينك غير منقوض ، غايته انه لا بما هو هو حتى يلزم الكذب بل بما اقتضاه من الأفراد هذا المعنى عند الشك فى الرافع يحمل على احسنه بخلاف الشك فى المقتضى كما اوضحناه.

لا يقال ان ما دل على اعتبار الاستصحاب غير منحصر باخبار لا تنقض بل مثل قوله من كان على يقين فشك فليمض على يقينه مما يدل على اعتبار الاستصحاب ، مع انه ليس فيه لفظ النقض فعموم اليقين يقتضى عدم الفرق بين الشك فى المقتضى والشك فى الرافع.

لانا نقول ان ظاهر الرواية تأخر زمان الشك عن زمان اليقين ونحن وان لم نعتبر ذلك فى الاستصحاب إلّا ان الرواية ظاهرة فى ذلك وتأخر الشك انما يكون فى الشك فى الرافع لما عرفت ، من ان الشك فى الشك فى المقتضى لازم اليقين فى اول حدوثه ، ومما يؤيد ذلك قوله عليه‌السلام فى ذيل بعض الاخبار ولكن انقضه بيقين مثله ، بداهة عدم صدق اليقين باليقين فيما لو علم من اول الامر ان الحيوان لا يعيش ازيد من أربعة ايام.

ثم لا يخفى عليك انه لا يمكن رفع اليد عن ظهور لا تنقض فى الشك فى الرافع بظهور عموم اليقين للأعم من متعلقه بما له اقتضاء الاستمرار بحسب الزمان وما ليس له اقتضاء ذلك لأظهرية لا تنقض عن ظهور اليقين فى الاعم.

ثم انه قد عرفت انه لا فرق فى الشك فى الرافع بين ان يكون الشك فى وجود الرافع وبين ان يكون فى رافعية الموجود باقسامه من الشبهة

٥٥

الحكمية والموضوعية والمفهومية فان اطلاق لا تنقض يشمل جميع هذه الاقسام بعد صدق النقض عليها ، وقد خالف فيه المحقق السبزوارى (قده) على ما حكى عنه ، حيث قال بعدم حجيه الاستصحاب عند الشك فى رافعية الموجود باقسامه ، وعلله بما حاصله انه عند الشك فى رافعية الموجود لا يكون هنا نقض لليقين بالشك ، لان الشك فى المذى مثلا فى الشبهة الحكمية كان حاصلا من اول العلم برافعية الطهارة للحدث ، ومع ذلك لا يكون ناقضا لذلك العلم ، وكذا الشك فى زوال النجاسة عند زوال التغير من قبل نفسه كان حاصلا من اول العلم بنجاسة الماء المتغير ، مع انه لم يكن فيه نقض لليقين بالشك بل نقض لليقين باليقين بما شك فى الرافعية ، اذا لو كان ذلك نقضا لليقين بالشك لكان اللازم تحقق النقض من اول الامر لثبوت الشك من اول الامر.

ولكن لا يخفى عليك ما فيه فان وجود المذى ، وزوال التغير من قبل نفسه خارجان لحصول الشك ببقاء الطهارة الذين يتحققهما خارجا موجب لارتباط هذا الشك باليقين وصدق نقضه به وان كان قبل تحقق الذى وزوال التغير خارجا لم يكن ربط بين ذلك الشك واليقين ، ولم يصدق النقض به لان يقينه قد تعلق بزوال التغير وهذا الشك لم يصدق عليه النقض ما لم يتحقق هنا ماء متغير وبعد ذلك يزول تغيره من قبل نفسه الذى به يحصل الشك فى بقاء النجاسة وضد وجود ذلك بتحقيق معنى النقض ويكون رفع اليد عن النجاسة المتيقنة بذلك ناقضا لليقين بالشك وليس ذلك نقضا لليقين باليقين ، اذ ليس كل يقين ناقض بكل يقين ، بل نقض اليقين باليقين انما هو فيما اذا كان يقين الثانى قد تعلق بخلاف ما

٥٦

يقينا بخلاف ما تعلق به اليقين الاول من الطهارة والنجاسة المتغيرة ولم يكن هذا اليقين نقضا لذلك اليقين ، بل انما يكون هذا اليقين واسطة لحصول الشك الذى به يحصل النقض هذا فى الشبهات الحكمية.

واما فى الشبهات الموضوعية فمن اول حدود الشك يرتبط باليقين ويكون نقضا له كما لا يخفى. وكيف كان اطلاق لا تنقض يشمل جميع صور الشك فى الرافع لشموله لجميع الاقسام اللاحقة للمستصحب من كونه حكما او موضوعا ، جزئيا وكليا ، وجوديا او عدميا ، تكليفيا او وضعيا ، ولا يهمنا التعرض للاقوال واطاله الكلام فى ضعفهما نعم فى المقام ربط الكلام فى بيان الحكم الوضعى من الاقسام المائز بينه وبين الحكم التكليفى ، وبيان ان الحكم الوضعى يجمع اقسامه فيما تناله يد الجعل اولا فنقول : ربما قيل بانحصار الاحكام الوضعية فى السببية والشرطية والمانعية. وربما قيل بالثلاثة مع الزيادة اضافه العلية والانقلابية. وربما قيل بانها تسعه بزيادة الصحة والفساد ، والعزيمه والرخصة ، وفى مقابل هذا القول قول بكونها غير محصورة ، بل كلما ليس بتكليف فهو وضع سواء كان له دخل فى التكليف او فى متعلقه وموضوعه او لا حتى قيل بان الماهيات المخترعة الشرعية كالصلاة والصوم ، والحج والجهاد وغيره من الاحكام الوضعية. وقد شنع على هذا القول بان اطلاق الحكم الوضعى على مثل الصلاة والصوم مما لا معنى له ، بداهة انه ليس من مقوله الحكم وكذا سائر الماهيات المخترعة ويمكن دفعه بانه ليس المراد ان الصلاة بما هى هى مثل الحكم وضعى ، بل حيث كانت مركبه من عدة اجزاء وشروط وموانع وكانت الجزئية والشرطية ، والمانعية من الاحكام الوضعية ، فبهذا الاعتبار صارت الصلاة من الاحكام

٥٧

الظاهر انه ليست الاحكام الوضعية بتلك المثابة بحيث ينحصر فى ثلاثة او خمسة او تسعة ولا بهذه المثابة بحيث تكون غير محصورة ، حتى عد بعض القضاوة والولاية منها فانه بناء على هذا التعميم كان ينبغى عد الإمامة والنبوة ايضا منها مع انهما ليسا من الاحكام الوضعية قطعا. والسر فى ذلك هو ان الحكم ما كان مجعولا للشارع فى عالم الشرعية وبما انه شارع ويكون له تعلق بعمل المكلفين واقعا لهم ومثل القضاء والولاية مما هو من شئون الرئاسية العامه والسلطنة المطلقة الثابتة للامام والنبى (ص) ليس لها تعلق وربط بعمل المكلفين.

فكيف كان ينبغى ان يجعل ضابطا وهو ان يقال : المجعولات الشرعية اما تاسيسية واما اعتبارات إمضائية ، وليعلم ان كلا او منارا فى المقام انما هو بعد الفراغ عن ان لنا مجعولات شرعيه قد تعلق بها إرادة الشارع وكراهته لا انه لم يكن هناك مجعول شرعى اصلا بل الذى يكون هو العلم بالصلاح والفساد على الوجه الاتم والنظام الاكمل كما حكى احتمال ذلك عن بعض ، والتزامه به فان ذلك مع فساده فى نفسه بحيث لا يمكن الالتزام به ، وكيف ذلك مع اشتمال الكتاب العزيز والسنة النبوية على جملة الاحكام ، ويمكن ان يكون تلك الاحكام كلها اخبارا عن العلم بالصلاح ، وكيف يمكن حمل اقيموا الصلاة يكون الكلام بعد الفراغ عن ان فى الشريعة احكام وارادت وكراهات ، ولو بالنسبة الى بعض النبوى والولوى وان لم يكن فى المبدا الاعلى إلّا العلم بالصلاح والفساد لكن بعد ان ادعى الى النبى والزم الى الولى (ع) ينقدح فى نفسه المباركة الإرادة والكراهة ينشئ الاحكام على طبقها كما ذهب اليه صاحب الكفاية (قده) حيث قال فى المبدا الاعلى الإرادة ، ولا كراهة بل ليس إلّا العلم بالصلاح والفساد ، والإرادة والكراهة

٥٨

ينقدح فى نفسه النبوية والولوية ونحن وان نساعده على ذلك فان ما تخيل مانعا عن تحقق الإرادة والكراهة فى مبدإ الاعلى من انه يكون محلا للحوادث وهو محال فاسد عندنا بمنع استلزام تحققها فى المبدإ الاعلى صيرورته محلا للحوادث كما حقق فى محله.

وكيف كان بعد النبأ على ان لنا مجعولا شرعيا نقول المجعولات الشرعية اما تاسيسات الشارع من دون ان يكون فى العرف ذلك والعقلاء ، لها عين واثر وهى الاحكام الخمسة ، واما اعتبارات إمضائية ، وهى ما كانت متداولة عن العرف التى عليها يدور معاشهم ونظامهم كالملكية ، والزوجية والحرية والرقية والطلاق وغير ذلك من الاعتبارات امر فيه التى امضاء الشارع بزيادة بعض القيود ، ونقصان بعض آخر ، وليس المراد من الاعتباريات الانتزاعيات وان كان كثيرا يشتبهان ، ويستعمل كل منهما مقام الآخر إلّا ان الانتزاعيات غير الاعتباريات ما كان لها تاصيل فى وعاء الاعتبارات وان لم يكن لها تاصل فى وعاء العين ، وليس كل ما لا يكون له تاصل من عالم الاعتبارات فهو داخل فى الانتزاعيات ، بل عالم الاعتبارات عالم مغاير لعالم الاعيان ومقابل له. والحاصل ان المراد بالاعتبارى هو الشى الذى اعتبره من بيده الاعتبار ومن ينفذ اعتباره ، بحيث لو علم الشيء بنفس اعتباره يكون ما بازاء فى ذلك العالم كاعتبار السلطان للجك وبروات وجعله فيما يباع ويشترى به كالذهب والفضة والمتاع وقيمته له ، وكذا اعتبار السكة الذاتية فان بنفس اعتباره البرات والسكة بتحقق ذلك المعنى القائم بها من القيمة بحسب ما دل مقدار من الذهب والفضة ، بخلاف الانتزاعيات مخضه ليس لها بالحد فى عالم الاعتبار من العوالم ولا يحقق لها بل المتحقق هو منشأ الانتزاع من دون فرق بين ان يكون منشأ الانتزاع ثابتا

٥٩

عالم الأعيان ، او ثابتا فى عالم الاعتبار. اذ لا يختص الانتزاع بعالم الاعيان الخارجية فان مثل السبب والشرط ينتزع من الامر الاعتبارى سببية العقد من الملكية الاعتباريّة التى اعتبرها المعتبر عند تحقق العقد ، ومن هذا الاعتبار ينتزع مسببية العقد لها كما سيأتى إن شاء الله.

وبالجملة الامور الانتزاعية كلها من قبيل الخارج المحمول بحيث لا يكون لها ما بإزاء كعلية العلة ، فان الموجود فى الخارج هو نفس العلة والمعلول لا عليه العلة ومعلولية المعلول بخلاف الاعتباريات فان لها تحقق وثبوت ومن هنا يمكن ان يقال ان الاعتباريات كلها من المحمولات بالضميمة الذى ملاكه قيام احدى المقولات بموضوعاتها كقيام العلم الذى هو من مقوله الكيف بالعالم والكون بالجسم ، وامثال ذلك سوى مقوله الإضافة فانها من خارج المحمول مثلا مثل الجدة التى هى احدى المقولات عبارة عن واجدية الشيء ، واعلى مراتب الوجدان هو واجدية الله تعالى للسماوات والارضين وما بينهما فان حقيقة الواجدية هو ذلك واى واجدية اقوى من واجدية العلة لمعلولها الذى هو مرتبه عن وجودها ، وكذا واجدية النفس بمن يوجدها من الصور العلميه وبالجملة واجدية العلة لمعلولها من اقوى مراتب الوجدان واضعفها مرتبه واجدية الانسان لتعمم وكالتقمص ، وحصر الواجدية على مثل ذلك انما هو من قصور النظر فاذا كانت الجدة عبارة عن الواجدية تارة تكون واجدية حقيقة ، واخرى واجدية اعتبارية يعتبرها المعبر كواجدية الشخص بما يملكه ، وان لم يكن ، يكون مالكا له حاضرا عنده موجودا لديه بل كان فى اقصى بلد الهند فانه بعد اعتبار كون ذلك ملكا لشخص يكون الشخص واجدا له غايته انه لا يكون واجدية خارجيه عينيه بل اعتبارية ، وكذا ايضا فى سائر

٦٠