الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

١

هذا كتاب الذخر فى الاستصحاب

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وهو حسبى ونعم الوكيل.

((القول فى الاستصحاب))

وينبغى قبل الشروع فى المقصود من تقديم أمور :

الاول : فى تحديده ، وقد عرف بتعاريف لا تخلو عن الاشكال واسدها ما قيل : ان الاستصحاب ابقاء ما كان فانه عبارة اخرى عن الحكم بأن ما ثبت يدوم ويبقى وهذا ليس باستصحاب قطعا لعدم الاشكال فى دخل اليقين والاحراز السابق فى الاستصحاب غايته لم يؤخذ على وجه الصفتية بل على جهة الطريقية والكاشفية فمجرد كون الشيء سابقا ما لم يتعلق به الاحراز ليس من الاستصحاب ، بل لو كان مفاد الاستصحاب ذلك لكان ذلك حكما واقعيا لا ظاهريا فان مجرد الحكم ببقاء الشيء حكما كان موضوعا ليس من الحكم الظاهرى. وعلى فرض ان يكون حكما ظاهريا من اخذ الشك فى موضوعه فلا اشكال انه ليس مفاد الاخبار ذلك فتعريف الاستصحاب بابقاء ما كان ليس على ما ينبغى.

فالاولى فى تعريفه ان يقال : بانه عبارة عن عدم انتقاض اليقين السابق

٢

من حيث الاثر والجرى بالشك فى البقاء.

وهذا التعريف ينطبق على الاستصحاب على؟؟؟ يخرج عنه الشك فى المقتضى الذى لا نقول باعتباره وقاعده اليقين.

وسيأتى توضيح ذلك كما سيأتى انطباق هذا التعريف على ما يستفاد من الاخبار.

ولا يخفى ان الاستصحاب لو كان عبارة عن حكم الشارع لعدم انتقاض الحالة السابقة من اليقين لكان حمل الحجّية عليه من باب حملها على الجزء الواحد فمعنى قولنا الاستصحاب حجة هو ان الحكم بعدم الانتقاض ثابت اذ لا معنى للبحث عن حجية الحكم الشرعى بعد ثبوته هنا كما لا يخفى.

الامر الثانى :

فى بيان كون البحث عن مسئلة الاستصحاب من المسائل الاصولية او من القواعد الفقهية وبيان المائز بين المسائل الاصولية وبين سائر العلوم والقواعد الفقيهة خلاصة القول فى ذلك هو : انه وان قيل : ان موضوع علم الاصول هو الادلة الاربعة بما هى هى ، او بوصف كونها ادلة إلّا انه قد ذكرنا فى محله عدم الاحتياج الى هذا الالتزام حتى يقع الاشكال فى لزوم خروج بعض المسائل الأصولية عن مثل مسألة حجيه الخبر الواحد لعدم كونها بحثا عن احوال الادلة لكى يتكلف فى ادراجها بما لا يخلو عن التعسف. بل الحرى ان يجعل الموضوع حكما يقع فى طريق استنباط الحكم الشرعى او ما ينتهى العمل عند الخبرة بحيث يكون المبحوث عنه فى علم الاصول هو الجزء الاخير من علة الاستنباط بان يكون كبرى القياس المستنتج عنه الحكم الفرعى

٣

وبهذه الحيثية يمتاز علم الاصول عن بقية العلوم التى لها مدخلية فى الاستنباط كالنحو واللغة ، والصرف ، والرجال لكنها ليست الجزء الاخير من علة الاستنباط ولا تقع مباحثها كبرى للقياس المستنتج للاستصحاب بل انما تقع صغرى لذلك القياس حتى علم الرجال الذى هو ادخل بعد علم الاصول فى الاستنباط فانه ايضا متكفل لتشخيص خبر الثقة عن غيره فان الواقع صغرى لقياس الاستنباط هو خصوص خبر الثقة لا مطلق الخبر فان نتيجة المسائل الاصولية حجية خبر الثقة. وكذا اللغة والصرف ونحوهما فانها متكفلة لتشخيص اللفظ الظاهر وهو يكون صغرى القياس وكبراه حجية الظهور المتكفل لها علم الاصول كما يقال : هذا اللفظ ظاهر ، وكل ظاهر حجة يجب اتباعه ، فهذا الظاهر حجة يجب اتباعه يستنتج منه ما كان اللفظ فيه من الوجوب او غيره من الاحكام الفرعية العملية التكليفية ، او الموضوعية.

وبما ذكرنا يظهر ان ما يبحث فيه فى باب الاوامر والنواهى من ان الامر ظاهر فى الوجوب والنهى ظاهر فى الحرمة ليس داخلا فى علم الاصول وانما هو كالبحث عن ان لفظ الصعيد ظاهر فى مطلق وجه الارض او خصوص التراب فكل ذلك داخل فى المبادى ولا يقع إلّا فى صغرى القياس بخلاف مسائل علم الاصول فانها تكون جزء الاخير من العلة وتقع كبرى قياس الاستنباط.

واما المائز بين المسألة الاصولية والقاعدة الفقهية فمجمله ان القاعدة الفقهية ما كانت متعلقة بالعمل ، بلا واسطة ومعنى تعلقها بالعمل بلا واسطة هو ، انه لا يحتاج استخراج الحكم الجزئى العملى الى ازيد من ضم الصغرى لها كما يقال : هذا الوضوء ضررى وكل وضوء ضررى غير صحيح فهذا الوضوء غير صحيح. او هذا العقد

٤

ضررى وكل عقد ضررى لا يجب الوفاء به بقاعدة الضرر فهذا العقد لا يجب الوفاء به بقاعدة الضرر فيما تعلقت بالعمل بلا واسطة بعد ضم صغراها اليها وهذا بخلاف المسائل الأصولية فانها بنفسها لا يتعلق بالعمل فان مسألة حجية الخبر الواحد لا يستنتج بهذا منها الحكم الجزئى العملى بل المستنتج منها هو الحكم الفقهى الذى لا يقع كبرى للقياس المستنتج منه الحكم الجزئى نعم لو قلنا بحجية الخبر الواحد فى الموضوعات كان البحث عن حجيته فيها من المسائل الفقهية ولا ضير فيه كما سيأتى.

وبالجملة : المائز بين المسألة الاصولية والقاعدة الفقهية هو ان نتيجة المسألة الاصولية انما تكون كبرى كلية فى القياس بحيث لو انضم اليها الصغرى كانت النتيجة الحاصلة منهما حكما كليا كما يقال : ان خبر الواحد قام على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكل خبر قام على وجوب شيء يجب الاخذ به بمقتضى حجية الخبر المستنتج من مسئلة اصولية فيستنتج وجوب الدعاء عن رؤيه الهلال وهو حكم كلى.

واما القاعدة الفقهية فهى بمثابة التى لو انضمت اليها صغراها كانت النتيجة حكما جزئيا عمليا كما عرفت فى مثال الوضوء والعقد الضررى.

ثم انه فرق بين القاعدة الفقهية فان فى كل منها يكون المحمول حكما عمليا فقهيا والتعبير فى المسألة تارة بالقاعدة واخرى بالمسألة الفقهية انما هو لاجل الجرى على اصطلاح الفقهاء وعلى تسمية الحكم الاولى المحمول لموضوعه او متعلقه الخاص المقدر وجوده فالمسألة كمسألة وجوب الزكاة ، وحرمة الخمر والغناء وذلك لتسمية الحكم الحاصل لموضوع خاص بل المشتمل على عدة من الموضوعات المتفرقة التى يجمعها عنوان الحكم الحاوى لها كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، الشاملة لجميع انواع المعارضات

٥

المتفرقة التى كان كل منها معروضا لحكم اولى يخصه كالبيع والصلح والإجارة ونحوها حيث ان لكل منها حكما يخصه بعنوان الاولى كالحلية فى البيع والجواز فى الصلح ونحو ذلك وقاعدة ما يضمن ليست مختصة بشيء منها بل حاوية بجميعها ومنها كانت حلية البيع مسئلة فقهية وما يضمن قاعدة فقهية وكذا الكلام فى قاعدة لا ضرر ، ولا حرج ، والتجاوز ، والفراغ من دون فرق بينها غير ان القاعدة تارة تكون حكما اوليا كقاعدة ما يضمن واخرى حكما ثانويا حاكما على العناوين الاولية كقاعدة لا ضرر وثالثه تكون حكما ظاهريا كقاعدة الفراغ والتجاوز.

اذا عرفت هذا فنقول الحق ان يقال فى باب الاستصحاب وساير الاصول من البراءة والحلية والطهارة ان ما كان منها جاريا فى الشبهات الحكمية تكون من الاصول. وما كان منها جاريا فى الشبهات الموضوعية يكون من القواعد الفقهية. توضيح ذلك ان المستنتج من الاستصحاب فى الشبهات الموضوعية حيث كان حكما عمليا جزئيا وكان اليقين والشك من كل مكلف مقلدا كان او مجتهدا موضوعا للاستصحاب وحرمة النقض المستخرج منه حكم الموضوع المبتلى به الذى لا يكون إلّا جزئيا كان الاستصحاب فى الشبهات الموضوعية من القواعد الفقهية على ما عرفت من الضابط لها من ان المستخرج منها يكون حكما جزئيا عمليا. واما الاستصحاب فى الشبهات الحكمية بحيث كان المستنتج منه حكما كليا وكبرى فقهيا وكان اليقين والشك موجبا لاستنباط حكم كلى كان الاستصحاب داخلا فى المسائل الأصولية على ما اخترناه من الضابط فيها من كون المستخرج منها لا يكون إلّا حكما كليا.

وحاصل الكلام ان الاستصحاب فى الموضوعات دليل على الحكم الجزئى وان كان تحقق اليقين والشك فى كل موضوع شرطا لجريان الاستصحاب

٦

ومن هنا كان للمقلد اجراء الاستصحاب والبقاء على يقينه السابق فى الموضوعات غايته انه فى اجراء الاستصحاب والبناء على يقينه السابق لا بد وان يرجع الى فتوى المجتهد باعتبار الاستصحاب فى الموضوعات وليس للمفتى الا الفتوى بذلك بان يقول : كل من كان على يقين من طهارته وشك مثلا فليبق على يقينه السابق فلا بد من اخذ اليقين والشك العارض للمقلد موضوعا لفتواه لوجوب البناء على اليقين السابق من دون ان يكون ليقين المفتى وشكه دخل فى الوجوب فاعتبار الاستصحاب فى الموضوعات كاعتبار قاعده الفراغ والتجاوز فكما ان شك المقلد بعد الفراغ والتجاوز موضوع لفتوى المفتى بعدم الاعتناء بالشك وليس له إلّا الفتوى بان كل من شك فى الركوع مثلا او بعد الصلاة بعد تجاوز محله فلا يعتنى بشكه فكذلك الحال فى الاستصحاب فى الموضوعات وكما ان قاعدة التجاوز قاعدة فقهية فكذلك الاستصحاب فى الموضوعات وهذا بخلاف الاستصحاب فى الشبهات الحكمية فان متعلق الشك فيها انما هو الحكم المجعول على الموضوعات المقدرة وجودها كالشك فى نجاسة الماء المتغير اذا زال تغيره من قبل نفسه ولا يتوقف تحقق الشك فيه على تحقق موضوعه كما كان الامر فى الاستصحاب الموضوعى كذلك بل الشك فيه ثابت وان لم يكن هناك فى الدنيا ولا عرض له تغيير ومع ذلك يشك فى بقاء نجاسة الماء المتغير الزائل تغييره من قبل نفسه على تقدير وجوده فمتعلق الشك فى الشبهات الحكمية انما هو الحكم الكلى ، والمستنتج من الاستصحاب فيها هو هذا الحكم الكلى ومن هنا لم يكن ليقين المقلد وشكه دخل فى جريان الاستصحاب فيها وكان يقين المفتى وشكه هو الموضوع وله الصغرى باصل النتيجة وهى نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه والمقلد يقلده على اخذ هذه

٧

النتيجة وليس للمفتى اذ يفتى بانه اذا شككت فى نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه فابن على النجاسة ولا معنى لفتواه بذلك اذ ربما لا يكون المقلد شاكا فى ذلك ومع ذلك حكم مثل هذا الماء هو النجاسة بحكم المفتى وحيث كانت نتيجة الاستصحاب فى الشبهات الحكمية هو الحكم الكلى كان الاستصحاب فيها من المسائل الاصولية لا من القواعد الفقهية على ما عرفت من المائز بينها ولا تستبعد انه كيف يكون الاستصحاب فى الموضوعات قاعدة فقهية وفى الشبهات الحكمية مسئلة اصولية مع ان الدليل الدال على اعتباره واحد وهو قوله عليه‌السلام ، " لا تنقض اليقين بالشك" وذلك لانه بعد ما كان عموم قوله" لا تنقض اليقين بالشك" منحلا الى قضايا متعددة حيث تعدد افراد اليقين فلا بعد فى اختلاف النتيجة حسب اختلاف المقدمات وتكون نتيجة اعتبار الاستصحاب فى الشبهات الحكمية امرا ونتيجة اعتباره فى الشبهات الموضوعية امرا آخرا ولا يلزم منه استعمال اللفظ فى المعنيين كما لا يخفى. ومما ذكرنا ظهر الحال فى سائر الاصول اما الشبهات الموضوعية والحكمية كأصالة البراءة واصالة الحل والطهارة بناء على شمولها للشبهات الحكمية وان كل اصل جاء فى الشبهات الحكمية يكون من المسائل الاصولية وكل اصل جاء فى الشبهات الموضوعية يكون من القواعد الفقهية. بل وكذلك الحال فى الطرق والامارات ايضا فان الظواهر فى الموضوعات الخارجية كالوصايا والاوقاف والاقارير تكون من القواعد الفقهية وفى الاحكام تكون من المسائل الاصولية وكذلك فى الخبر الواحد بناء على اعتباره فى الموضوعات ومما ذكرنا ظهر موقع النظر فى كلام الشيخ (قده) ، من الاستصحاب فى الاحكام عبارة عن نفس الحكم والدليل عليه قوله" لا تنقض اليقين بالشك" فيكون الاستصحاب حينئذ قاعده فقهية وجه النظر ان

٨

الاستصحاب انما يكون مدركا للحكم لا انه بنفسه حكم شرعى واى ربط بين عدم نقض اليقين بالشك الذى هو مفاد الاستصحاب وبين نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه بل قد عرفت ان الاستصحاب فى الاحكام انما هو مدرك للحكم الكلى من نجاسة الماء لا انه هو هو فتأمل جيدا.

ثم انه لا فرق فيما ذكرنا من الاستصحاب فى الاحكام بكونه من المسائل الاصولية وفى الموضوعات من القواعد الفقهية بين ان نقول باعتباره من باب التعبد والاخبار او نقول باعتباره من باب الظن النوعى وبناء العقلاء على ما سيأتى. توضيح ذلك ان اليقين السابق والشك اللاحق المقيد بالظن النوعى ان تعلق بالاحكام يكون من المسائل الاصولية ، وان تعلق بالموضوعات يكون من القواعد الفقهية نظير قاعدة اليقين وسيأتى توضيحه فى اواخر الاستصحاب.

الامر الثالث :

لا اشكال فى تقابل كل من قاعدة المقتضى ، والمانع ، وقاعدة اليقين ، وقاعدة الاستصحاب من الآخر تقابل التباين وليس ما يكون بمفهومه جامعا بين كل واحد منهن من الآخر وذلك لان متعلق الشك واليقين فى قاعدة المقتضى والمانع يختلف فان اليقين فيها انما تعلق بوجود المقتضى والشك بوجود المانع فلا يمكن ان يتعلق الشك بعين ما تعلق به اليقين كما هو كذلك فى قاعدتى اليقين والاستصحاب على ما سيأتى بيانه والحاصل ان المراد من الشك واليقين فى قاعدتى المقتضى ، والمانع انما هو اليقين بوجود مقتضى الشيء وبماله من الشرائط والاجزاء التى لها دخل فى تأثيره كالعلم بوجود النار المماسة بينها وبين الشيء التى هى من

٩

الشرائط فى تأثير النار ثم يشك فى وجود ما يكون مانعا عن تأثير المقتضى بحيث يزاحم اثره كالشك فى وجود الرطوبة الغالبة فى الجسم الذى مسته النار فاختلف متعلق اليقين والشك وكان ما تعلق به اليقين امرا مغايرا بما تعلق به الشك ولا يعقل ان يرد الشك بيقين ما ورد عليه يقين لانه فى زمان يكون اليقين بوجود المقتضى ثابتا ويجمع فى قاعدة المقتضى والمانع زمان اليقين والشك والمتيقن والمشكوك كما لا يخفى. وهذا بخلاف قاعدة اليقين وقاعدة الاستصحاب فانه يعتبر فى كل منها اتحاد متعلق الشك واليقين بان يتعلق الشك بعين ما يتعلق به اليقين.

نعم بين قاعدة اليقين والاستصحاب فرق من جهة اخرى به يقع التباين بينهما وهو انه يعتبر فى قاعدة اليقين ان يختلف زمان الشك واليقين مع وحدة زمان المتيقن والمشكوك كما اذا حصل اليقين فى يوم الجمعة بعدالة زيد فيها ثم شك فى يوم السبت بعدالته يوم الجمعة الذى كان متعلقا لليقين بحيث يكون شكه موجبا لارتفاع يقينه الذى كان حاصلا له فى يوم الجمعة وهادما له. ومن هنا سميت القاعدة بالشك السارى فان شكه يوم السبت يسرى الى يقينه فى يوم الجمعة وموجبا لهدمه وزواله وهذا بخلاف الاستصحاب فانه يعتبر فيه اختلاف زمان المتيقن والمشكوك وان اتحد زمان والشك كما اذا تيقن فى يوم السبت بعدالة زيد فى يوم الجمعة وشك ايضا فى يوم السبت بعدالته فى يوم السبت فالاختلاف الزمانى فى قاعدة اليقين انما يكون بالنسبة الى نفس اليقين والشك مع اتحاد الزمانى بالنسبة الى المتيقن والمشكوك من دون اعتباره زمان الشك واليقين. بعبارة اخرى الزمان فى قاعدة اليقين يلاحظ على وجه القيدية ، ويكون متعلق الشك فيها هو الشك بوصف تقيده بزمان كالشك فى عدالة زيد يوم الجمعة بقيد كونها

١٠

يوم الجمعة التى تعلق بها اليقين ولاجل ذلك يهدم الشك اللاحق اليقين السابق من جهة ان اليقين تعلق بالشيء فى زمان والشك قد تعلق به بوصف ذلك الزمان وهذا بخلاف الاستصحاب ، فان الزمان فيه انما يكون ظرفا للمتيقن والشك انما يتعلق باعتبار بقائه.

وبعبارة ثالثه : اليقين فى قاعدة اليقين انما يؤخذ موضوعا وفى الاستصحاب يؤخذ مرآتا للمتيقن هذا لكن سيأتى فى المباحث الآتية انه لا يعتبر اخذ الزمان فى القاعدة على وجه القيدية بل القاعدة اعم من ذلك نعم يعتبر فى الاستصحاب اخذ الزمان ظرفا لا غير. فالمتحصل ان التقابل بين هذه الثلاث تقابل التباين ولا يجمعها عنوان واحد وسيأتى من الشيخ (قده) عدم اعتبار الاستصحاب عند الشك فى المقتضى لا يراد به المقتضى فى باب المقتضى والمانع بل بينهما بون بعيد ، فان المقتضى فى باب المقتضى والمانع يكون على احد الوجوه الثلاثة :

المقتضى والمانع فى التكوينيات كاقتضاء النار الحرارة ومانعية الرطوبة والمقتضى والمانع المستفاد من الاطلاقات والعمومات الواردة لبيان الاحكام الشرعية ، كاستفادة كون الملاقاة مقتضية للنجاسة والكرية ثابته. واستفادة كون العلم فى قوله اكرم العلماء مقتضيا للاكرام والفسق مانعا فى قوله لا تكرم الفساق. والمقتضى والمانع فى باب المصالح والمفاسد وملاكات الاحكام ولم تحرز هذه الوجوه فى كلام من قال باعتبار قاعدة المقتضى والمانع وان نظره من اى واحد من هذه الوجوه فيحتمل ان يكون مراده الاول بمعنى انه لو احرز المقتضى التكوينى وشك فى ثبوت المانع من تأثيره فلا يعتنى باحتمال المانع بل يبتنى على تأثير المقتضى ما لم يقطع بالمانع. ويحتمل ان يكون مراده الثانى بمعنى انه لو احرز المقتضى المستفاد من

١١

ولا يعتنى باحتمال الكريه ويحتمل ان يكون مراده بالثالث ولو احرز وبمعنى انه لو احرز ما يكون ملاكا للحكم والمصلحة المقتضية له وشك فى وجود المانع كما اذا شك عن تشريع الحكم على طبق المقتضى.

فلا يعتنى على تشريع الحكم على طبق الملاك ما لم يقطع بتحقق المانع فهذه هى الوجوه المحتملة فى باب المقتضى والمانع ولم يعلم من القائل باعتباره ، انه فى جميع هذه الوجوه الثلاثة او يقول فى خصوص التكوينيات او فيها وما يستفاد من العمومات ثم يقع الكلام معه فى طريق استفادة المقتضى والمانع فى باب الملاكات وعلى كل حال المراد من المقتضى فى قاعدة المقتضى والمانع هو هذه الوجوه الثلاثة او احدها والمراد من المقتضى فى كلام الشيخ (قده) الذى قال بعدم اعتبار الاستصحاب عند الشك فى المقتضى معنى آخر اجنبى عن هذه الوجوه الثلاثة وليس جامع فيما بينهم وحينئذ لا بد من اختصاص الاخبار الواردة فى الباب باحدى هذه القواعد ولا يمكن ان يعم الجميع وسيأتى ان الاخبار لا ينطبق الاعلى الاستصحاب.

الامر الرابع :

يعتبر فى موضوع الاستصحاب امور ثلاثة : الاول اجتماع اليقين والشك فى الزمان سواء كان مبدأ حدوث اليقين قبل زمان الشك او كان مبدأ حدوثه فى زمان الشك بل ولو حدث اليقين بعد الشك ولكن على وجه كان متعلق اليقين سابقا كما اذا شك فى يوم الجمعة بعدالة زيد فيها وفى يوم السبت تيقن بعدالته يوم الخميس واستمر شكه فى يوم الجمعة الى يوم السبت الذى

١٢

هو ظرف حدوث يقينه بحيث اجتمع الشك واليقين فى يوم السبت وبالجملة المعتبر هو اجتماعهما فى الزمان سواء كان مبدأ حدوثها واحدا ام متعددا.

الثانى : ان يكون زمان المتيقن سابقا على زمان الشك بان يتعلق الشك ببقاء ما كان متيقن التحقق فيما قبل فلو انعكس الامر بان كان زمان المتيقن لاحقا على زمان الشك بأن تعلق الشك فى مبدإ حدوث ما هو متيقن التحقق الآن كان ذلك من الاستصحاب القهقرى. لا نقول باعتباره على ما يأتى بيانه.

الثالث : فعليه الشك واليقين ولا يكفى الشك واليقين التقديرى. اما وجه اجتماع اليقين والشك فى زمان فقد عرفته فيما تقدم من الفرق بين الاستصحاب وقاعده اليقين ، وان الشك واليقين اذا لم يجتمعا فى زمان يكون ذلك من قاعده اليقين ويخرج عن موضوع الاستصحاب واما اعتبار وجه زمان المتيقن على زمان الشك فلان هذا هو الذى يدل عليه اخبار الباب ، اذ معنى عدم نقض اليقين بالشك بعدم انتقاض اليقين بنقض الشك تكوينا وجدانا هو عدم رفع اليد عن المتيقن السابق بمجرد الشك والبناء عليه وهذا معنى لا يمكن إلّا مع سبق المتيقن اذ مع سبق الشك لا معنى لان يقال : " لا تنقض اليقين بالشك" فان الشك فى مبدإ الحدوث لا ربط له بالنقض الحاصل الآن به عدم البناء على حدوث المتيقن من قبل ليس نقضا له بالشك بل الامر فى الاستصحاب القهقرى كذلك بالعكس اى نقض الشك باليقين على تقدير ان يكون نقض الشك باليقين معنى محصل. وبالجملة مفاد الاخبار اجنبى عن الاستصحاب القهقرى. اما اعتبار فعليه الشك فلانه مضافا الى ظهور لفظ الشك فى ذلك بداهة ظهور كل لفظ فى معناه الحقيقى فان الانسان ظاهر فيما كان انسانا بالفعل كذلك لفظ الشجر و

١٣

الحجر بالفعل ونحوها ولا وقع للاتفاق بان الجوامد حقيقة فى خصوص الذات المتصفة بالمبدإ المعبر عنه بمعنى المصدر كانسانية الانسان ، وحجرية الحجر وشجرية الشجر ونحوها فيما يكون به الشيء شيئا ، وإن اطلاق الحجر فيما انقضى عنه الحجرية او لم يتلبس مجاز وان وقع الخلاف فى المشتقات بالنسبة الى خصوص ما انقضى عنه اما بالنسبة الى ما لم يتلبس فحكمها حكم الجوامد فى الاتفاق على مجازيتها ولفظ الشك وان كان مصدر الشاك إلّا انه من الجوامد ، ويعتبر فى صدقه من ثبوت وصف الشكية له بالفعل. وبالجملة ظهور لفظ الشك فى الفعل مما لا ينبغى انكاره وان حقيقة الحكم المجعول فى باب الطرق والامارات والاصول المحرزة وغيرها لا يكاد يتحقق الا بفعلية الشك والعلم بالحكم او الحجية المجعولة فى باب الطرق لا يمكن تحقق حقيقتها واثرها ونتيجتها من مجرد قاطعية العدم إلّا بالعلم بها حكما او موضوعا وان كان اصل انشاء الحجية لا يتوقف على العلم للزوم الدور إلّا ان الذى لا يتوقف العلم عليه مجرد الانشاء. واما تحقق المنشأ حقيقة انما هو بالعلم وبالالتفات الى موضوعه وبذلك تمتاز الاحكام الواقعية عن الاحكام الظاهرية ، فان تحقق حقيقة المجعول فى الاحكام الواقعية لا يتوقف على العلم بها ولا بموضوعه بل يتوقف على تحقق الموضوع خارجا ولو مع جهل المكلف به وهذا بخلاف الاحكام الظاهرية فان حقيقتها وواقع المجعول فيها لا يكاد يتحقق إلّا بالعلم بها وبموضوعاتها بداهة ان معنى جعل الشيء طريقا هو جعله محرزا او اعطائه صفة الاحراز بعد ما كان فاقدا لها تكوينا وليس كالقطع الذى يكون محرزا بداهة من المعلوم ان كون الشيء محرزا يتوقف على العلم بالطريق موضوعا وحكما. وحاصل الكلام : ان كون الشيء حكما ظاهريا مراتبه عن الطريق

١٤

والاصول المحرزة ، وغير المحرزة يتوقف على العلم بالحكم من حجيه الخبر والاستصحاب ، وأصالة الحل مثلا والعلم بالموضوع وعدمه لا يكون هناك حكم ظاهرى حقيقة بل الثابت حينئذ مجرد الانشاء الذى لا اثر له نظير تحقق الوجوب كما فى طلب العالى من السافل وبالجملة الطريقية المجعولة فى الامارات والبناء العملى المحرز المجعول فى الاستصحاب وغير المحرز المجعول فى غيره لا يتحقق إلّا بالعلم بالحكم والموضوع. ثم ان الثمرة فى اعتبار الشك الفعلى فيما اذا تيقن بالحدث وصلى غافلا وبعد الفراغ منها شك فى وضوئه قبل الصلاة فبناء على اعتبار الشك الفعلى صحت صلاته بقاعدة الفراغ ولا اثر للاستصحاب الجارى بعد الصلاة الا بالنسبة الى الصلاة المقبلة واما بناء على الشك التقديرى فمقتضى القاعدة بطلان صلاته لانه صلى محدثا بحكم الاستصحاب كما اذا دخل فى الصلاة من اول الامر شاكا.

الامر الخامس :

فى الانقسامات اللاحقة للاستصحاب باعتبار المستصحب والدليل الدال على ترتبه والمشكوك فيه اما اقسامه باعتبار المستصحب فهى ان المستصحب تارة يكون امرا وجوديا واخرى عدميا وعلى كلا التقديرين فاما ان يكون المستصحب حكما ، او موضوعا ذا حكم ، وعلى تقدير كونه حكما فاما ان يكون حكما كليا واما ان يكون حكما جزئيا. وعلى التقادير فاما ان يكون تكليفيا او وضعيا واقسامه باعتبار الدليل فهى ان الدال على المتيقن اما ان يكون اجماعا او عقلا ، واما ان يكون من الكتاب او من السنة. واما اقسامه باعتبار المشكوك فيه فالشك اما يكون فى المقتضى بالمعنى الذى سيأتى بيانه واما ان يكون فى الرافع وعلى الثانى اما ان يكون الشك فى وجود الرافع ،

١٥

او يكون فى رافعية الموجود من جهة الشبهة الموضوعية فهذه مجمل الاقسام وقد وقع الخلاف فى اعتبار الاستصحاب فى جميع هذه الصور ويظهر من الشيخ (قده) ، عدم اعتبار الاستصحاب اذا كان دليل المستصحب العقل. وقبل التعرض لما افاده (قده) ، ينبغى ان يعلم انه لا بد فى الاستصحاب من اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة بداهة ان اليقين لشيء والشك فى شيء آخر لا يكون من الاستصحاب وعليه يبقى سؤال منشأ الشك انه مع هذا الاتحاد كيف يحصل الشك والجواب ان منشأ الشك انما هو انتفاء بعض الخصوصيات التى يكون ركنا وقواما فى الموضوع عرفا ولكن مع ذلك يحتمل ثبوتا دخلها فى مناط الحكم ويحتمل عدم دخلها فيه بل كان لها دخل فى العلم بالحكم بمعنى انه من باب الاتفاق حصل العلم بالحكم فى مورد ثبوت تلك الخصوصية من دون ان يكون فى الخصوصية دخل فى مناطه ثم على تقدير احتمال دخلها فيه يحتمل ايضا ان يكون لها دخل فى حدوثه وبقائه. ويحتمل ان يكون دخل فى حدوث المناط فقط فلاجل هذه الاحتمالات حصل الشك فى الحكم.

اذا عرفت ذلك فنقول : يظهر من الشيخ فى المقام وغيره عدم جريان الاستصحاب فيما اذا كان الدليل العقل وحاصل ما افاده فى تقريبه هو ان الاحكام العقلية كلها مبينة مفصله بداهة ان العقل لا يحكم بقبح شيء وحسنه الا بعد الالتفات الى موضوعه بماله من القيود والخصوصيات فكل قيد اخذه العقل فى موضوع حكمه فلا بد ان يكون لذلك القيد والخصوصية دخل فى موضوع حكمه وعليه لا يمكن الشك فى بقاء الحكم للعقل وما يتبعه من الحكم الشرعى بقاعدة الملازمة الا من جهة الشك فى بقاء الموضوع وقد عرفت انه يعتبر فى جريان الاستصحاب من اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة بحسب

١٦

الموضوع والمحمول ويكون الشك راجعا الى غير ناحيه الشك فى الموضوع وبالجملة المستصحب اذا كان حكما شرعيا مستفادا ، من حكم العقل بقاعدة الملازمة يجرى فيه الاستصحاب من جهة الشك فى بقائه وانما يستند الى الشك فى بقاء الموضوع مع انه يعتبر فى الاستصحابات الحكمية العلم ببقاء الموضوع. ويمكن تقريبه بوجه آخر وهو ان يقال بعد امتناع الاهمال فى موضوع حكم العقل ببداهة انه لا يحكم بشيء الا بعد العلم به تفصيلا فلا بد من ان يكون لكل خصوصية اخذت فى موضوع حكم العقل دخلا فيما هو مناط حكمه ، ومن المعلوم ان ما هو موضوع للحكم الشرعى المستفاد بقاعدة الملازمة هو موضوع حكم العقل ولا يمكن ان يكون دائره موضوع حكم الشرعى او شيء من دائره موضوع حكم العقل بعد ما كان مستفادا من حكمه ولا يكون كل خصوصية اخذت فى موضوع حكم العقل مأخوذة لا محاله فى موضوع حكم الشرع هذا غاية ما يمكن فى تقريب عدم جريان الاستصحاب ولا يخفى ما فيه : اما اولا فلان دعوى ان كل خصوصية اخذت فى موضوع حكم العقل لا بد ان يكون لها دخلا فى مناط حكمه ممنوعة بداهة انه ربما لا يدرك العقل مدخلية كل خصوصية اخذها فى موضوع حكمه بل يكون اخذها فى الموضوع من باب ان الموضوع المستعمل على تلك الخصوصيات هو المتيقن فى اشتماله على المناط مع امكان ان لا يكون لها ، دخل فى المناط واقعا مثلا : العقل يحكم بقبح الكذب الضار الذى له نفع للكاذب وغيره ولكن حكمه بذلك يمكن ان يكون لاجل ادراكه دخل فى جميع الخصوصيات من المضرة وعدم النفع له وللغير فى قبح الكذب فيؤخذ هذه الخصوصيات قيدا فى الموضوع ويمكن ان يكون حكمه بذلك من اجل ان الكذب المشتمل على هذه الخصوصيات هو المتيقن فى قبحه مع احتمال ان لا يكون لعدم النفع دخلا فى المناط فيكون

١٧

العقل هو الشاك فى ذلك او ليس من شأن العقل ادراك الواقعيات على ما هى عليها اذ كثير اما يكون العقل شاكا فيما له الدخل فى القبح ولكن مع ذلك يحكم على الشيء الواجد الجميع ما يحتمل دخله فى القبح بقبحه من باب القدر المتيقن فيكون وزان حكم الشرع المستفاد من حكم العقل وزان حكم الشرعى المستفاد من الكتاب والسنة كما ان انتفاع بعض الخصوصيات من المتيقن لا يضر بجريان الاستصحاب فكذلك انتفاء بعض الخصوصيات المتيقن المستفاد من حكم العقل.

وثانيا : سلمنا ان كل خصوصية اخذها العقل فى موضوع حكمه تكون قيدا فى موضوعه ولها دخل فى مناط حكمه إلّا ان اخذ العقل الخصوصية قيدا لموضوع حكمه لا يلزم ثبوته تقييد الموضوع بتلك الخصوصية فان غاية ما يدرك العقل هو ان خصوصية الضرر او عدم النفع لها دخل فى قبح الكذب لكن من الممكن ثبوتا ان يكون القبح دائما بما لا يكون من الكذب الضار واخذ الشيء قيدا فى موضوع العقل لا يلازم المفهوم بحيث ينحل قضية حكم العقل بقبح الكذب الضار الى قضيتين ثبوتية وهى حكمه بقبح الكذب الضار وسلبية وهى حكمه بعدم قبح الكذب الضار اذ من الممكن ان يكون لخصوصية الضرر دخلا فى نظر العقل بقبح الكذب ولكن لم يكن لها فى الواقع دخل غايته عند انتفاء.

١٨

فى بيان تفسير المقتضى والمانع

الضرر ينتفى موضوع حكم العقل ولكن انتفاء موضوعه لا يلازم انتفاء موضوع حكم الشرع بحرمه الكذب الضار بعد ما كان بنظر العرف مناسبة الحكم والموضوع ، فان الحرمة قائمة مدار الكذب لا بوصف العنوانى بين عنوان المضر كقيام النجاسة بنظر العرف بذات المتغير او بذات الخمر من دون دخل لوصف التغير والاسكار فيها بحيث لو زال عنهما الوصفان يحتاج بقاء النجاسة ببقاء الموضوع منها ومعروضا كما انه ربما يكون للوصف بنظر العرف بمناسبة الحكم والموضوع دخل فى موضوع الحكم كالحياة والاجتهاد فى المقلد ، والفقر للفقير ، ولا يرى الفقير اذ اصار غنيا ، او مات المقلد او زال عنه الاجتهاد ، وانعدام الموضوع وارتفاعه. بحيث لو حكم الشارع بجواز اعطاء الزكاة بمن زال عنه الفقر كان ذلك بنظر العرف من تسريه الحكم من الموضوع الى موضوع آخر.

وما يقال من ان موضوع حكم الشرع هو حكم العقل ارتفاعه بارتفاع موضوعه ينبغى القطع بارتفاع حكم الشرع فاسد ، فان طريق انكشاف حكم الشرعى وان كان هو حكم العقل إلّا انه بعد ما احتملنا ان يكون الموضوع الواقعى للقبح هو الاعم من الواجد للخصوصية والفاقد لها وان لم يدرك العقل سوى قبح الواجد ، وهذا يوجب الشك فى بقاء الحكم الشرعى فيستصحب ، فتأمل.

واما الانقسامات اللاحقة باعتبار الشك فقد عرفت ان الشك فى بقاء الحكم اما ان يكون من جهة الشك فى المقتضى واما ان يكون فى الرافع ، واما ان يكون فى الغاية.

١٩

اما الشك فى المقتضى فقد نقل الشيخ (قده) عن المحقق الخوانسارى عدم اعتبار الاستصحاب عند الشك فيه ومنعه (قده) عن ذلك. وينبغى اولا ، بيان معنى الشك فى المقتضى وما يقابله من الشك فى الرافع حتى يتضح حقيقة الحال.

فنقول : انما يفسر المقتضى بالمناط والمصلحة التى اقتضت تشريع الحكم وحينئذ يكون الشك فى الحكم من جهة الشك فى المقتضى ، اى الشك من جهة ثبوت المصلحة ويكون الشك فى الرافع حصول الشك فيما يمنع عن تأثير تلك المصلحة مع العلم بثبوتها عند انتفاء الخصوصية. وانما يفسر المقتضى بالمقتضيات الشرعية فى باب الاسباب والمسببات كما يقال : الوضوء مقتض لرفع الحدث ، ولكن الظاهر انه ليس مراد المحقق من عدم اعتبار الاستصحاب عند الشك المقتضى هو هذا المعنى من المقتضى ، فان القول بعدم اعتبار الاستصحاب عند الشك فى المقتضى بهذين التفسيرين يساوق القول بعدم اعتبار الاستصحاب مطلقا. اذ احراز وجود مناط الحكم والمصلحة عند انتفاء الخصوصية ، او احراز بقاء المقتضيات الشرعية فى باب الاسباب والمسببات مما لا سبيل لها. ولا يمكننا اقامه البرهان عليه ، والعلم بذلك مستحيل عادة ، وباى طريق يمكن اثبات ان الوضوء مقتض للصلاة حتى مع وجود المذى ، او ان النكاح مقتض للعلقة حتى مع قول الزوج فانت خلية او برية. فلو فسرنا الشك فى المقتضى باحد التفسيرين لكان اللازم دخول المثالين فى الشك فى المقتضى ، وعدم اعتبار الاستصحاب فيه مع انهما من اوضح مصاديق الشك فى الرافع.

والتحقيق ان يقال : ان مرادهم من المقتضى معنى آخر وهو انه قد يكون الشك فى مقدار استعداد بقاء الحكم والموضوع فى عمود الزمان

٢٠