الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

السببى رافع لموضوع الحكم المترتب على الشك المسببى لما عرفت من انه باجراء الاصل السببى يرتفع الشك المسببى بسبب تكفله للتنزيل فى طرف المسبب ايضا فلا يعقل جريان الاصل المسببى حينئذ لانه حكم بلا موضوع ويستحيل ان يكون هو بنفسه حافظا لموضوعه بالحكم المترتب على الشك السببى ويكون فى مرتبه نفس الشك المسببى الذى هو موضوع الحكم المترتب عليه فلا محاله يكون حكمه متأخرا عن رتبة حكم الشك السببى فيستحيل ان يصير معارضا ..

وبعبارة اخرى تعارضه مع الاصل السببى لكى يتحقق موضوع الاصل المسببى حكما يترتب عليه حكمه لكى يكون معارضا مع الاصل السببى وجريان اصل السببى فينهدم موضوعه ومع الانهدام لا تنتهى النوبة الى ثبوت حكمه حتى يصير معارضا واما الكلام من حيث شمول العموم فحاصل التوهم ان الترتب بين الشكين يوجب الترتب بين حكميهما ضرورة امكان ان يكون موضوعين مترتبين معروضا لحكمين فى عرض واحد فاذا لم يكن طولية الموضوعين مستلزما بطولية حكمين فيكون شمول عموم لا تنقض للشك السببى فى مرتبه شموله للشك المسببى.

وقد اجاب عنه فى الكتاب بان الشكين لما كانا فردين من افراد العموم ولو كانا طوليين بالنسبة الى نفسهما لكن يكونا فى عرض واحد فى مشمولية حكم العموم فيكون فرديه الشك السببى من حيث مشموليته لحكم العموم امرا مفروضا وان كان كلام فهو فى الشك المسببى لكن حكم هذا الفرد المفروض الفردية راجع لموضوع الآخر وموجب لهدم الشك المسببى فرفع اليد بما عن حكم الشك المسببى انما هو سبب اجراء الاستصحاب المسببى المفروض اجرائه ورفع

٢٦١

اليد عن حكم الشك السببى انما يكون بلا وجه فيكون تخصيصا للعموم العام من غير مخصص وهذا البيان كما ترى لا يرفع اصل التوهم اذ يمكن للمتوهم ان يقرره بوجه ثان وهو ان يقال مع فرض كون الشكين فى عرض واحد فى شمول الحكم العام يكون خروج الشك المسببى عن ذاتيه العموم متوقفا على اجراء حكم العام فى السببى ومع كونهما فى مرتبه واحدة للشمول لم لا تجعل الشك المسببى مشمولا لحكم العام اولا حتى يكون معارضا مع اجراء حكمه على الشك المسببى ضرورة ان نتيجه ما ذكرتم هو توقف خروج فرديه الشك المسببى عن تحت العموم على اجراء حكم العام على الشك السببى اذ لو لم يجر حكمه على الشك لكان الشك المسببى فردا محققا للعموم فاذا كان خروجه عن فرديه العموم باجراء العام على الشك السببى لا بنفس كون الشك السببى فردا للعام فلو انعكس بان تقدم اجراء حكم العام على الشك المسببى لم يبق مجال لرفع الموضوع فى حكم الشك المسببى باجراء الشك السببى لان الشك المسببى حينئذ موضوع محقق الوجود ترتب عليه حكمه.

والجواب عنه اما اولا : فلان طولية الشكين لا محاله مستلزم لترتب الحكمين بيانه انه ان قضية الحقيقية المسماة بها فى المقام عموم لا تنقض اليقين بالشك بما كانت منحله الى قضايا متعددة بحسب تعدد الموضوعات يكون كل شخص من الشك معروضا لحكم يخصه كان فى العالم شك آخر اولا فالشك السببى معروضا لحكم يخصه كان فى العالم شك آخر اولا مثل اختصاص الشك المسببى بفرد آخر من الحكم فيشكل فيمن تعدد الشكين قضية ان لا تنقض اليقين بهذا الشك المسببى ولا ينقض الشك السببى كما هو شأن كل قضية حقيقية حينئذ نقول تشخيص الشك السببى معلولان

٢٦٢

احدهما تكوينى وهو الشك السببى والآخر تشريعى وهو الحكم العارض فى شخص القضية من المعلوم بداهة علة واحدة يكونان فى مرتبه واحدة بلا تعقل ترتب بينهما لكونهما متلازمين فى معلولهما لعله واحدة فبالضرورة يكون الحكم العارض على الشك السببى فى مرتبه نفس الشك المسببى الذى هو موضوع الحكم المترتب عليه فى القضية التى تكون موضوعها الشك السببى فلا محاله يتأخر الحكم المترتب على الشك المسببى عن الحكم المترتب على الشك السببى فالحكم المترتب على الشك السببى متكفل لهدم موضوع الحكم المترتب على الشك المسببى وناظر الى العائد.

واما ثانيا فلانه لو سلمنا من باب تسليم المحال عرضية الحكمين وقلنا بان الحكمين يعرضان الشك فى درجه واحدة لكن نقول مع ذلك يكون حكم الشك السببى رافعا لموضوع الشك المسببى وبيان ذلك انه بعد ما تبين ان كل قضية حمليه تنحل الى قضية شرطيه يكون شرطها عبارة عن موضوع قضية الاولى وتاليها عبارة عن محمولها ومن المعلوم ان حدوث كل حكم كما يكون مشروطا على حدوث موضوعه وبقائه ايضا يكون مشروطا ببقاء موضوعه فكما لا يعقل ان يكون الحكم موجبا لحدوث موضوعه فكذلك لا يكون موجبا لبقائه حينئذ لو فرضنا حدوث الشك المسببى كان فى مرتبه حدوثه حكم الشك السببى وكان فى ظرف حدوث موضوعه محقق الوجود ومسلم الفردية للعموم لكن بحدوث حكم الشك السببى يهدم موضوع شك المسببى فلا يعقل بقائه بعد انهدام موضوعه.

الجهة الثانية : فى ان تقديم الاصل السببى على المسببى هل هو بنحو الحكومة ، او الورود؟

٢٦٣

واعلم ان هذا البحث غير مختص بالمقام بل انما هو بحث سار فى جميع موارد تقديم احد الدليلين حيث تعرضنا فى السابق تفصيلا وقلنا ان المراد من معنى الحكومة بانها عبارة عن كون احد الدليلين بمدلوله اللفظى المتعبد واقعا متعرضا لموضوع دليل الآخر فنقول تقديم احد الدليلين المتعبد على الآخر من اول الامارات اعنى الاقرار الى آخر الاصول وهو الإباحة لا يعقل ان يكون على غير وجه الحكومة فى جميع المراتب لاشتراكها جميعا فى التعبد فالتعبد باحدها من نفس المتعبد به بلا اعتبار ثبوت الواقع المتعبد به بسبب التعبدية يكون كالتعبد بالآخر بلا نظر من احدهما الى الآخر فلا رفع لاحدهما موضوع الآخر بل الواقع التعبد به الثابت باحدهما يكون رافعا لموضوع الآخر فملاحظة الاقرار وحكم الحاكم اذا تعبد بالاقرار بما هو تعبد لا يكون رافعا لموضوع حكم الحاكم بل الواقع الثابت بالاقرار اعنى المتعبد به هو الواقع فالتعبد بالاقرار باعتبار ثبوت الواقع به تعبد لا باعتبار نفسه هو الواقع لموضوع حكم الحاكم او بعد وجوب البناء على ثبوت الاشتغال لا يقوم مجال لحكم الحاكم بالبراءة وكذا بالأمارة بالقياس الى الاصول كما لا يخفى وعلى هذا فيكون تقديم الاصل السببى على المسببى ايضا على وجه الحكومة لكون التعبد بالاصل السببى باعتبار ثبوت التعبد به اعنى تكفله لالغاء الشك المسببى وكون المتعبد به فيه هو البناء على عدم الشك المسببى ووجوب جرى العملى والجرى مع خلاف الحالة السابقة هو المنشأ فى رفع الشك المسببى فيكون التعبد بالاصل السببى لا باعتبار نفس التعبد به بل باعتبار المتعبد به والغاء موضوع الشك المسببى بالتعبد به.

٢٦٤

اما المقام الثانى فيما اذا كان شكان كلاهما سببان عن منشأ ثالث وقد عرفت انه على قسمين حيث ان التنافى بين الاصلين اما يكون ناشئا من العلم الاجمالى واما يكون العلم الاجمالى ناشئا من تنافيه فالكلام فى القسم الاول فنقول : ان المختار عند الشيخ هو عدم الجريان مطلقا سواء كان الاصلان نافيين للتكليف كما اذا علم اجمالا نجاسة احد الكاسين المعلوم طهارتهما سابقا او كانا مشتبهين كما اذا علم اجمالا بطهارة احد الكاسين المعلوم بنجاستها سابقا.

والمختار بين المتأخرين عنه من مثبته وعدمه هو التفصيل بين الاصل المثبت وبين النافى فقالوا فيه بعدم الجريان وقد كان العلامة الشيرازى قد توافق معهم فى رتبة من الزمان لكنه اختار المنع واستدل الشيخ بمختاره فى الكتاب بكون الغاية فى دليل الاستصحاب اعنى قوله بل ينقضه بيقين آخر صادق فى مورد العلم الاجمالى وذلك بعد البناء على كون اليقين المأخوذ فيه هو الاعم من التفصيلى فليس نقض اليقين بالشك لو رفع اليد عن الطهارة المعلومة سابقا فى الإناءين فى المقام بل هو نقض اليقين باليقين.

وظاهر عبارته (قدس‌سره) يوهم ان المانع عن جريان الاصلين فى المقامين انما هو قصور الدليل لشموله لهما فى مقام الاثبات وبعبارة اخرى عدم النقض للشمول مع امكان اجزائها فى مقام الثبوت فاورد عليه الآخرون بالمنع عن عدم الشمول وذلك لان اليقين المأخوذ فى قوله «لا تنقض اليقين بل انقضه بيقين آخر مثله» بقرينة الضمير المذكور قوله بل ينقضه الراجع الى اليقين السابق انما هو اليقين المتعلق بما تعلق به اليقين السابق ومن

٢٦٥

المعلوم ان مورد العلم الاجمالى اليقين الاجمالى اللاحق ما تعلق به اليقين اذ اليقين السابق كان متعلقا بطهارة هذا الكأس وذلك الكأس واليقين اللاحق متعلق بنجاسة احدهما المردد بكل واحد منهما بعينه فى حال العلم الاجمالى مشكوك فرفع اليد عن اليقين بطهارة كل منهما نقض لليقين بالشك لا باليقين هذا مضافا الى انه لو تم صح مما كان هذا الذيل مذكورا فيه كدليل الاستصحاب لا فيما لم يكن مذيلا به كدليل قاعده الفراغ والتجاوز وأصالة الصحة ولازم ذلك التفصيل بين الاستصحاب وغيره وهو قد لا يقول بهذا ، هذا على مختارهم من التفصيل.

اما عدم الجريان فيما كان الاصل بينما لعدم المانع مع وجود المقتضى وهذا الذى اورده الشيخ (قدس‌سره) وان كان حقا لا محيص عنه وذلك لامكان اثبات الجريان باثبات المقتضى فى مقام الاثبات لو ثبت امكان جريانها فى مرحله الثبوت لكن الشاهد فى امكانه فى تلك المرحلة فالحق هو المختار للشيخ كما عليه العلامة الشيرازى وذلك لا لعدم اقتضاء الاستصحاب لجريانه فى مقام الاثبات بل بمكان امتناع اجرائه مع العام الاجمالى بالانتقاض فى مرحله الثبوت.

وتوضيح ذلك انك قد عرفت مرارا ان الاصول على قسمين احدهما : ما لا يكون متكفلا للتنزيل.

والثانى ما يكون كذلك والفارق بين القسمين بعد اشتراكهما فى اخذ الشك موضوعا لهما ان الاصول التنزيلية هى التى يكون المجعول فيها بلسان الغاء ذلك وذلك الشك الذى قد اخذ موضوعا له وذلك كالاستصحاب حيث انه عند الشك فى طهارة الماء المعلوم نجاسته يكون مجعول دليله هو البناء على عدم الشك ووجوب العمل طبق اليقين السابق

٢٦٦

والجرى على وفقه وهذا بخلاف الاصول الغير المتكفلة للتنزيل كالإباحة حيث ان مفادها ليس البناء على عدم الشك فى الحلية بل انا هى تثبت الحلية فى ظرف الشك بها فمع اباحه المشكوك هو اباحته بوصف كونه مشكوكا وفى طرف الشك فى حكمه لا بمعنى على انه ليس بحرام ووجوب العمل على طبق اليقين عليه وهذا ظاهر جدا واذا ظهر ذلك هذا التفضيل الذى ذكره ان يصح فى الاصول الغير المتكفلة للتنزيل مثل أصالة الإباحة فى الكاسين المعلوم حرمه احدهما فانه لو فرض اصل مثبت للتكليف فى مثله لا يكون مانع عن جريانه فى كلا الطرفين لما ذكر ومن عدم استلزام جريانه فى الطرفين مخالفه عليه وحفظ الشك فى كلا الطرفين لكون الثابت بهما هو الحكم الذى هو مدلول الاصل فى ظرف حفظ الشك بلا تنزيل له منزلة العدم وبلا تكفل دليله لالغائه وذلك كأصالة الحرمة فى المال والفروج فاذا شك فى حرمه امرأتين يقطع بكون إحداهما محرما له يقال بحرمه النظر الى كليهما.

واما الاصول المتكفلة للتنزيل كالاستصحاب وأصالة الصحة وقاعده الفراغ والتجاوز فالتحقيق عدم جريانها مطلقا إلّا ان تصوير المثبت فى غير الاستصحاب من الثلاثة الأخر مشكل بل معلوم العدم.

والحاصل اما عدم جريان النافى فلمحذورين احدهما : محذور مشترك بينه وبين الاصول المتكفلة للتنزيل وهو استلزام المخالفة العملية.

وثانيهما : بالاصول المتكفلة للتنزيل لان البناء فى باب الاستصحاب ليس عبارة عن نفس الالتزام العملى على بقاء الحالة السابقة حتى يمكن تحققه مع العلم بالخلاف بل المراد به هو التعبد بالبقاء وتنزيل الشك فيه منزلة

٢٦٧

العدم والالتزام على ان الواقع الآن موجود كما كان ولا يخفى ان هذا المعنى مع العلم بعدم البقاء غير معقول ضرورة استحالة ان يقال للعالم بالانتقاض ابن على البقاء واقعا.

نعم يمكن حضور البقاء بالقلب ولو مع القطع بالخلاف لكن صرف قصور البقاء وحضوره فى القلب ليس مدلول الاستصحاب فالعالم بنجاسة الكاسين مع علمه بتبدل احدهما الى الطهارة يستحيل ان يصير متعبدا بنجاستهما معا لعلمه بعد بقائهما معا. وهذا بخلاف الاصول الغير التنزيلية حيث قد عرفت انها لمكان انه لا يكون فيها تنزيل ولا بناء على بقاء الواقع بل مفاد المثبت منها جعل تحريم ظاهرى فى ظرف الشك فى الحرمة المفروض تحققه فى كلا الطرفين ويكون اجرائها فى كلا الطرفين بمكان من الامكان لتحقق موضوعها وهو الشك وانخفاظ البراءة الحكم الظاهرى فيها.

فان قلت : محصل ما ذكرت امتناع جريان الاصلين فى كلا الطرفين معا لكن امتناعه لا يستلزم امتناع جريانه فى الواحد المردد منهما فانه يصح ان يقال : الفرد المردد من الكاسين مما يعلم بنجاسته سابقا والآن مشكوك فيستصحب بقاء نجاسته.

قلت : جريان الاصل فى الفرد المردد فاسد ثبوتا واثباتا فلان العموم المأخوذ فى دليل الاستصحاب مأخوذ على نحو القضية الحقيقية والقضية الحقيقية يشمل ما كان كل من افراد العام واقعا بحيث كل فرد واقعى تحقق منه فى الخارج يختص له حكم لا يشمل غير ذلك الفرد والفرد المردد او عنوان احدهما ليس من افراد العام ضرورة ان صدق العام على افراده يكون فى عرض واحد وصدق هذا المفهوم على هذا وذلك يكون على

٢٦٨

البدل فلا يكون من افراد العام بل هو مفهوم انتزاعى منتزع عن افراد العام ويكون فى طول افراده من هذا يظهر امتناع شمول العام له ثبوتا ايضا اذ هو متأخر عن مرتبه افراد العام وحكم العام لا يشمل إلّا ما كان من افراده لا ما هو متأخر عن مرتبه افراده وكان منتزعا من افراده.

فان قلت : فلم لا يجوزون شمول العموم لكل واحد منها على البدل كالمتزاحمين قلنا : قياس المقام بباب المتزاحمين فاسد لان باب المتزاحمين للخطاب التعينى لكل واحد منهما موجود ولكن بمكان عجز المكلف عن الجمع بينهما يحكم بلزوم امتثال كل فى طرف ترك امتثال الآخر فيكون نتيجه التحير لان خطاب التعينى انقلب لمكان عجز المكلف عن الجمع بينهما بخلاف المقام فانه مع العلم بانتفاء الحالة السابقة فى احد الطرفين لا يبقى ملاك الاخذ بالعموم فى كليهما حتى يكون البالغ عن اخذه فيها هو العجز عن الجمع بل لا يكون احدهما ذا ملاك واقعا نعم مثال التزاحم انما يصح فيما لو وقع التزاحم بين ابقاء مستصحبى الحياة لكنه تزاحم فى المستصحبين والكلام انما هو فى تزاحم المستصحبين.

واما الجواب عن توهم تنظير المقام بالعام الذى خرج عن تحته فرد واقعا مع تردده عندنا بان العام مردد واقعا بين الفردين فاذا لم يكن العمل بها لمكان التعذر عقلا وجب الرجوع الى التخيير دون المقام كما فى الكتاب فمدفوع بان العام الخارج عن تحته فرد مردد هو باب المقام بعينه ففى مثله لا يمكن التمسك بالعام لاثبات حكم احد الفردين تخييرا وان كان بينهما فرقا فى طريق الامتناع حيث ان امتناع التخيير فى المقام انما هو من جهة عدم بقاء العموم فى عمومه فى كلا الطرفين لكون المانع عن

٢٦٩

الجمع بينهما عجز المكلف فى باب الفرد الخارج مردد الفردين هو فزد ورود العام بالنسبة الى فردين من قبيل العارض الحجة واللاحجة ومن المعلوم ان القائل بالتخيير بناء على السببية انما يقولا به فى تعارض الحجتين كما لا يخفى.

ثم لا يخفى ان احتمال التخيير عنه تعارض الاصلين على القول بالسببيّة فى باب الاصول ممنوع فى الامارات فضلا عن الاصول وتوضيح ذلك على نحو الاجمال هو ان المراد بالسببيّة هو الالتزام بالمصلحة السلوكى التداركى وبالطريقيّة هاهنا هو عدم التزام بتلك المصلحة وانما قلنا بالمصلحة السلوكى التداركى لان غاية ما يمكن الالتزام بالمصلحة على تقدير لزوم التزام به هو ذلك وإلّا لزم المنشأ فى الالتزام بها فى الامارات على تقدير التزام بها الا هو شبهه لزوم تصويب مصلحة الواقع بجعل الامارات مع التمكن من الوصول الى الواقع بالعلم فمن لم يمكنه الفرار عن تلك الشبهة فيقع لزوما بالالتزام بالمصلحة لئلا تفوت مصلحة الواقع بجعل الامارات وبالمصلحة لئلا يلزم التصويب ومن يك فى فسخه فى تلك الشبهة فلا يكون ملزوما بذلك الالتزام بل يقول بالطريقيّة المحضة.

ثم لو قيل فى الامارات بلزوم مصلحة السلوكى فهل يقال بلزومها فى الاصول بدعوى ان جعل الاصول مع امكان الاحتياط ايضا موجب لتصويب الواقع بلا تدارك فيكون جعلها مع امكان الاحتياط نظر جعل الامارات مع امكان العلم او يقال بثبوت الفرق بينهما وانه لو قيل فى باب الامارات بلزوم مصلحة التزام بالمصلحة لا يجب الالتزام بها فى جعل الاصول.

التحقيق هو الثانى وذلك لان الاحتياط فى غير مورد حكم العقل

٢٧٠

بلزومه فى موارد العلم الاجمالى وغيره جعله الشارع طريقا بجعل آخر متمم لجعل الاول من جهة أهمية مصلحة الواقع الموجب لحفظه على كل تقدير المحتاج حفظه كذلك الى جعل آخر متمم لجعل الاولى كما فى موارد الدماء والفروج لا يكون طريقا عقليا ولا شرعيا لكى يكون جعل الاصل فى مقابله موجبا لتصويب الواقع اذ المفروض عدم كون الواقع مترتبة موجبه لجعل الاحتياط كما فى الشبهات البدوية وليس ورائه وزان العلم لكى يكون جعل الاصل موجبا لتصويب مصلحة ولو لا جعله لكان متداركا بالاحتياط فحينئذ لا موجب للالتزام بسببه فى باب الاصول اصلا بناء على لزوم التزام لها فى الامارات واما بناء على عدم لزومه فى الامارات ايضا فالامر واضح وهذا هو المراد ومما يكرر فى الكتاب من ابتناء التخيير على السببية واذا تحقق ذلك فنقول ثبوت التخيير فى الاستصحابين المتعارضين غير معقول لان القاعدة فى المتعارضين بناء على الطريقية هو التساقط لا التخيير ولا يمكن اثباته بالاخبار العلاجية لكونها مورد الامارات مع ما عرفت من كون المورد من قبيل تعارض الحجة واللاحجة الغير الجارى فيه اخبار التخيير حتى فى مورد الامارات فظهر سقوط توهم التخيير رأسا واما توهم ترجيح احد الاصلين على الآخر فساقط لان ما يتوهم من الترجيح به اما يكون اصلا فى مرتبه احد الاصلين بان يكون مع احد الاستصحابين اصل آخر ، واما ان يكون أمارة معتبره واما غير معتبره وشيء منها لا يعقل ان يكون مرجحا ، اما الاصل فلانه لمكان كونه اصلا تعبديا فى مرتبه متاخره من الشك بلا لحاظ شيئية إراءته فيه عن الواقع وجهه حكايته عنه فيكون كالاصل المرجح عند نفسه بلا ضرورة موجبه لتقويه لان الأقوائية انما يحصل بسبب انضمام امر الى آخر

٢٧١

متقوم لبحث الإراءة عن الواقع والمفروض الغاء جهة الحكاية فى المقوى والمتقوى معا بل يكون كلاهما تعبد ان جعلا فى ظرف الشك ولو فرض الف تعبد مع احد الاصلين يكون حالها معها كحاله مع عدمها فى كونه تعبد ثابتا فى ظرف الشك ولا يعقل ان يكون حيث تعبده اقوى وهذا ظاهر جدا.

اما الامارات المعتبرة فحيث انها من الظنون النوعية ويكون رتبتها قبل الشك فلا يعقل ان يكون متقوما للاصل ، واما الامارات الغير المعتبرة مثل عد افعال الصلاة بالحث للفرار عن الوقوع فى الشك الموضوع بقاعدة الفراغ فلا يخلو اما ان يحصل بها الفراغ عن الشك او يقع معها فى الشك وعلى كلا التقديرين فلا يعقل ان يكون معاضدا للأصل. اما على تقدير عدم حصول الشك فلا موضع للاصل لكى يكون معاضدا بتلك الأمارة ، واما على حصول الشك فيكون موضوع الشك متحققا فحينئذ يكون وجود تلك الأمارة كعدمها اذ الفرض منها عدم حصول الشك والمفروض عدم ترتب ذكر العرض عليها لحصول الشك معها فما يكون متساوى الوجود والعدم كيف يعقل ان يكون منشأ لترجيح الاصل كما هو واضح.

ثم اعلم ان الشيخ (قدس‌سره) ذكر قسمين آخرين فى المقام احدهما مسألة من توضأ بالمائع المردد بين البول والماء.

والآخر مسألة المتمم والمتمم ، وحكم فى الثانى بجريان الاصلين ثم تساقطهما بسبب قيام الاجماع على اتحاد حكم الماء الذى يجمعه سطح واحد من الطهارة والنجاسة وحكم فى الاول بجريانهما من دون تساقط وحاصل الفرق بين الاقسام الثلاثة عدم الجريان فى القسم الاول المتقدم و

٢٧٢

هو اذا علم اجمالا نجاسة احد الكأسين المعلوم طهارتهما سابقا وبالعكس وجريانهما مع تساقطهما بالمعارضة فى القسم الثانى وعدم سقوطهما فى الثالث اصلا لشمول قوله : «ولا تنقض اليقين بالشك» لكل واحد من اليقين والشك المتعلق بكل واحد من الاطراف.

وهذا هو المتصل من الفرق بين الاقسام الثلاثة المذكورة ولا يخفى ان هذا التقسيم فى القسمين الاولين متين بناء على ما سلكه فى امتناع اجراء الاصلين فى القسم الاول ومرجع القسمين حينئذ بعد اشتراكهما فى جريان الاصلين هو ان عدم الجريان فى القسم الاول انما هو لمكان عدم المقتضى بالجريان وعدم التفصيل بجريان وجود العلم الاجمالى وانتقاض الحالة السابقة به وفى القسم الثانى لمكان وجود المانع عن الجريان وهو الاجماع على اتحاد حكم الماءين اعنى المتمم والمتمم فى الطهارة والنجاسة وإلّا فاليقين السابق فى كل منهما بالنقض باليقين بل هو منقوض بالشك واما على ما سلكناه من كون اليقين فى القسم الاول ايضا انتقض اليقين بالشك وذلك لما اوضحنا سببا سبيله من ان المعلوم بالاجمال ليس كل واحد من الإناءين بل الكلى القابل للانطباق على واحد منها على البدل الذى هو امر انتزاعى منها ومفهوم ذهنى لا يكون مصداقا للعلم ولا من افراده ، ومن المعلوم ان متعلق اليقين التفصيلى السابق انما هو كل واحد من الإناءين ولا يكون بعد العلم الاجمالى كل واحد منها الا متعلقا للشك فاليقين فى كل واحد منها ينتقض بالشك لا باليقين الاجمالى بعدم ارتباط متعلق اليقين بالعلم الاجمالى بمتعلق اليقين بل العلة هى عدم انخفاظ رتبة الحكم الظاهرى التنزيلى مع العام الاجمالى بالانتقاض دون الحكم الظاهرى

٢٧٣

الغير المتكفل للتنزيل على حسب ما تقدم شرحه تفصيلا فهذا القسم بالقسمين الاولين لا موقع له اصلا ضرورة ان المنشأ فى عدم الجريان فى القسم الثانى بعينه هو المنشأ فى القسم الاول بلا تفاوت بينهما غاية الامر يكون العلم الاجمالى بانتقاض احد الجانبين اعنى نجاسة هذا الاناء او ذاك الاناء ليست ابتدائيا ناشئا عن منشأ خارجى.

وفى القسم الثالث هو الاجماع باتحاد حكم الماءين لكن الاجماع يحصل القطع بانه بعد صيروره الماءين متحدا لو بقى المتمم على نجاسته لصار المتمم بالكسر على طهارته لصار المتمم بالفتح طاهر التحصيل القطع بانتقاض احدى الحالتين اما نجاسة المتمم بالفتح واما طهارة المتمم بالكسر ومع هذا العلم الاجمالى لا يكون رتبة الحكم الظاهرى التنزيلى محفوظة فيتحقق فيه ملاك امتناع الجريان بعين الملاك المتحقق فى القسم الاول بلا بقائه اصلا ثم لازم ما سلكه (قدس‌سره) هو صحه الجرى فى القسم الثانى اعنى مسألة التوضؤ بالماء المردد بين الماء والبول بناء على ما افاده بعض الاساطين من ان الملازمة بين الشيئين واقعا لا يمنع عن جريان الاصلين معا فيهما لان التلازم الواقعى لا يستلزم التلازم فى مرحله الظاهرى التفكيك فى الاحكام الظاهرى فوق حد الاحصاء كما فى جميع الموارد والاصول الثلاثة كانت اللوازم والملزومات العقلية والعادية الغير الثابتة بسبب جريان الاصل مع ملزوماتها ولوازمها موضوعا لاثر شرعى كما فى الحياة وإنبات اللحية اذا كان للانبات اثر شرعى حيث انه بما لم يثبت باستصحاب الحياة نبات اللحية لكان الاصل جاريا فى الانبات مع القطع العادى بانه لو كان حيا لنبت لحيته يثبت لحيته لما كان حيا فكذا فى المثال المذكور القطع

٢٧٤

الاجمالى حاصل بانه لو كان المائع ماء لا ارتفع الحدث به ولو كان بولا لنجس البدن به لحصول احد الامرين اجمالا معلوم ، اما ارتفاع الحدث او نجاسة البدن لكن لما كان نقض كل واحد من اليقين بطهارة البدن او الحدث بالشك لا باليقين من جهة عدم استلزام الملازمة بينهما واقعا والملازمة بينهما ظاهرا صح جريان الاصل معا دون محذور اما على مبنى النّائينيّ (قدس‌سره) فمقتضى ما ذهب اليه من الملاك لعدم الجريان فى القسمين هو امتناع الجريان فهذا القسم ايضا ذلك لوضوح تحقق العلم الاجمالى بانتقاض احدى الحالتين للعلم الوجدانى بانه لو كان الحدث باقيا لكان البدن نجسا ولو كان البدن ظاهرا لكان الحدث مرتفعا فسيجيء ما تقدم من ان التعبد ببقاء الامرين الذين يعلم بعدم بقاء احدهما جمعا غير معقول ولازم ذلك امتناع الجريان فى اللوازم والملزومات والملازمات الغير الشرعية اذا كان لها اثر شرعى مع انه لا ينبغى الاشكال فى جريانه فيها وهذا الاشكال عويص يرد على ما سلكناه فى امتناع لاجل ذلك يتوقف على بيان الفرق بين الاصول والامارات فنقول المجعول فى الامارات هو التعبد لثبوت مؤدياتها وهو الواقع نفسه لا لاثر شرعى المترتب عليه واما الحاجة فى التعبد ثبوته الى الاثر لمكان خروج الجعل من اللغوية لا ان المجعول فيها نفس الاثر ووجوب ترتب اثر الواقع وبهذا لما كان المجعول فيها هو ثبوت التعبد مؤدياتها الذى عبارة عن الواقع يترتب عليه جميع آثاره الشرعية ولو كانت بالف واسطة كانت الوسائط عقلية او عاديه او شرعيه ويكون مثبتاتها حجه وهذا بخلاف الاصول حتى التنزيلى منها حيث ان المجعول فيها ليس نفس التعبد بثبوت مؤدياتها بل المعقول انما هو التعبد بالاثر ففى

٢٧٥

مثل حياة زيد لو قامت عليه الأمارة يكون مفاد دليل اعتبارها التعبد بنفس الحياة لو اجرى فيه الاصل يكون الثابت به التعبد ببقاء اثره وجرى العمل على طبق حياته فلا يجرى فى لوازمه وملزوماته ولو كان الاصل محرزا واصلا تنزيليا فى اطراف العلم الاجمالى مطلقا سواء كان موردها نفى التكليف المعلوم بالاجمال ولم يلزم من جريانها مخالفه عمليه او كان مؤداها ثبوت التكليف المعلوم بالاجمال ولم يلزم من جريانها مخالفه عمليه فان التعبد ببقاء الواقع فى كل واحد من اطراف العلم الاجمالى ينافى علم الوجدانى بعدم بقاء الواقع فى احدهما وكيف يعقل الحكم ببقاء النجاسة مثلا فى كل واحد من الإناءين مع العلم بطهارة احدهما ومجرد انه لا يلزم من الاستصحاب مخالفه عمليه لا يقتضى صحه التعبد ببقاء النجاسة فى كل منهما فان الجمع فى التعبد ببقاء مؤدى الاستصحاب يناقض العلم الوجدانى بالخلاف وهذا بخلاف الاصول الغير المحرزة فانه لما كان المجعول فيها تطبيق العمل على احد طرفى الشك فلا مانع من التعبد بها فى اطراف العلم الاجمالى اذا لم يكن منها مخالفه عمليه وبذلك يظهر ان المانع من جريان الاصول المحرزة فى اطراف العلم الاجمالى انما هو عدم قابلية المجعول فيها لا يعم جميع الاطراف لا لقصور أدلة اعتبارها لشمول قوله لا تنقض اليقين بالشك لكل واحد من اليقين والشك المتعلق بكل واحد من الاطراف.

٢٧٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الكلام فى التعادل والتراجيح ، والبحث فيها من امور :

احدها : ان البحث هل هو اصولى او فقهى والحق انه اصولى لتنازل التعريف له وهو الكبرى فى كل مسألة يقع فى طريق الاستنباط فهو مسألة اصوليه انضم اليها صغراه فالبحث عن مسألة التعادل والتراجح ينتج نتيجه الفقه وكذلك مع قطع النظر عن التعريف فعلى ذلك كلا يكون المسألة اصوليه بالنسبة الى تعريف الذى عرفه المحقق القمى وغيره من ان يكون البحث عن كيفية الدليل بعد الفراغ عن دليليه الدليل واما ما قيل بكون المسألة من المبادى فلا يرجع الى محصل اصلا.

الثانى : معنى التعارض لغة من العرض بمعنى الاظهار. وفى الاصطلاح عبارة عن تنافى الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما ولذا لو تنافيا مدلولى الدليلين على وجه التناقض فانه يحصل اولا وبالذات فى مدلول الدليلين ويلحق ثانيا وبالعرض على الدليل وهو اعم بالمطابقة او بالالتزام فاذا حصل التعارض بين المدلولين فلا محاله يحصل بين الدليلين مطلقا والمعتبر فى تحقق التعارض امور ثلاثة :

احدها : الحجة فى المدلولين بحيث لو لا المعارضة لكان كل واحد منهما حجه واللازم اذا لم يكن كل واحد منهما حجه واشتبه الحجة باللاحجة فلا يصدق معنى المعارضة.

والثانى : ان يكون المدلان متعارضان فى الثبوت وإلّا لم يكن من

٢٧٧

المتعارضين.

والثالث : التنافى فى الاثبات ان لا يكون قابلا للعلاج وجمعا عرفيا وإلّا فلا يكون من باب المتعارضين ويدخل على ابواب الحاكم والمحكوم والمطلق والمقيد. وبالجملة اذا فرضنا لهما جامعا وهو عدم كونه علاجا بينهما عرفا فى مقام الاثبات وهو شرط عدمى شامل لجميع ما له علاج التوافق بحمل احدهما الى الحاكم والآخر الى المحكوم وغير ذلك ولا يحتاج الى شروط كثيرة فيه بان نقول من شرائط التعارض ان لا يكون حاكما ومحكوما ومطلقا ومقيدا وواردا ومورودا وعاما وخاصا وسببا ومسببا بان يكون كل واحد شرطا على حدة ، هل ان الشروط المذكورة منها مناف فى مقام الثبوت ام ليس بمناف اقول : ليس لبعض افراده الآخر تناف على مبنى وعدمه على مبنى آخر كما فى الاطلاق والتقييد والعسر والحرج والأمثلة المذكورة على مبنى هادم لموضوع المقيد على مبنى مقيد وعلى الاول فلا يكون فى مقام الثبوت مدلولان متنافيان وعلى الثانى فيكون بينهما تناف فيكون اعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة اذا كان نافيا او مثبتا على القول على صرف الوجود كما ذا قال اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة وحينئذ شموله على صورة المقيد يلزم التنافى فيكون مفاده اعتق رقبة كافرة لا تعتق رقبة كافرة وامثال ذلك من باب التعارض بناء على شرطيه العدمى الذى اخذنا اخيرا من الامور لقولنا ان لا يكون قابلا للعلاج كما اوضحنا عليك وان المبانى فيه ثلاثة :

احدها : ان التعارض بحسب الثبوت يكون التنافى باعتبار المدلول وبحسب جعل الشارع الاحكام المضادة فى موضوع واحد وهذا المبنى مفرق بين التعارض والتزاحم فيكون مورد التعارض فى مقام الثبوت والواقع بحسب جعل الشارع والتزاحم بحسب الاثبات وفى مقام التحير والعمل

٢٧٨

لعدم قدرة المكلف من امتثالهما كما فى الامر بإزالة النجاسة عن المسجد اتيان الصلاة فى زمان واحد مع ضيق الوقت فيكون التعارض راجعا الى الشارع والتزاحم الى المكلف.

وثانيها : يكون تنافى الدليلين فى موضوع واحد فيلزم من تنافيهم وتعاندهما فى عرض واحد (فحينئذ) يخرج ما كان التنافى بينهما فى طول كالتخصيص والتخصص والسببى والمسببى والحكومة والورود وغير ذلك وهذا المعنى لصاحب الكفاية (قدس‌سره) ويمكن ان نقول على مبنى ثالث بان نقول ان لكل واحد من المبنيان لهما مدخلية.

ثم انه لا بد من التعارض امور أربعة : اثنان منها وجوديان واثنان منها عدميان.

الاول ان يكون التنافى والتضاد بحسب المدلول من الدليلين فى مقام الثبوت.

والثانى يكون فى مقام الاثبات وهو تناف الدليلين بحيث ليس على نحو الا اعرضا على العرف وفق بينهما بالتصرف فى خصوص احدهما مثل ادلة العسر والحرج والضرر.

والثالث : ان الخبرين من المتعارضين حجتين الرابع : لو فقد واحد من الامور فلا يكون الخبرين من المتعارضين.

ثم ان التنافى فى مقام الاثبات بحسب الدليلين مستلزم التنافى بحسب المدلول دون العكس لان الحاكم والمحكوم مطلق ليس بمعنى الاعم حتى يشمل الاطلاق والتقييد وغيره موضوع لمتعلقهما وعلى مبنى الشيخ يكون التضاد حقيقيا حتى فى مرتبه تنافى الدليلين اذا تعلقهما على صلاة

٢٧٩

الجمعة والظهر ليحصل التنافى فى رتبة الدليلين ايضا واما على المبنى الآخر يكون التنافى مرضيا كما ذهب اليه صاحب الكفاية (قدس‌سره) فان مبناه ان التنافى فى مرحله الاثبات فلا بد فى صورة التعارض ان يكون الموضوع والدليل متحدا اما على وجه التنافى او بوجه التلازم ومثل ذلك فى تقريرات النّائينيّ (قدس‌سره) بوجوب صلوه الجمعة والظهر مع انه قدس‌سره قال ان الخبر اذ اورد فى باب الديات والآخر فى باب الوضوء اذا علم بكذب احدهما يكون خارجا من باب التعارض فكيف يكون موضوع الدليلين فى الظهر والجمعة متحدا وكان الخبرين متعددا وما الفرق بينهما قلنا ان الموضوع فى صلوه الجمعة وجوب احد المدلولين فهو واحد غاية الامر ان دليل وجوب الظهر يقول هو ذلك وأدلة وجوب الجمعة يقول هو ذلك كل واحد من الدليلين فى تعين وجوب الواقعى فلا يتعدد الموضوع بخلافه فى الخبرين فانه متعدد فيكون الاول من باب التعارض والثانى من باب ترجيح الخبرين والاول ليس من باب الخبرين فيكون الثانى خارجا عن باب التعارض.

والحاصل يكون التعارض حقيقة اذا كان متعلق الدليلين متحدا فيكون التعارض مجازا اذا كان متعلقهما متعددا كالإناءين اذا كان حاله السابقة فيهما طهارة مع العلم اجمالا بطرو النجاسة لاحدهما فيخرج عن باب التعارض اما المخالفة القطعية بجريان الاستصحاب فيها او يكون مختصا فانه مع وجود العلم لا موضوع للاصل فان الأدلّة الاجتهادية مقدم على الاصول كالعلم والعلمى.

٢٨٠