الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

يكون باطله من جهة الجهل بالمعوض او منفعة السنة حتى يكون صحيحه من جهة العلم فلم يحرز قابلية المعقود عليه لان يتعلق عليه عقد الإجارة وبأصالة الصحة لا يمكن احراز قابلية المحل كما قدمناه وهكذا الكلام فى المثال الثانى.

تنقيح :

فى ورود هذا الاصل على الاستصحاب قال النائينى (قده) ان عبارة الشيخ (قده) بحسب نسخه الاصل المكتوب بخط الشيخ (قده) كان اسطرا تقرب من خمسة اسطر ثم كتب العلامة الشيرازى هذه العبارة الموجودة الآن وامضاها الشيخ ما كتبه بخطه وادرج ما كتبه الميرزا الشيرازى مكانه وحاصله : ان الكلام فى المقامين :

الاول ـ فى تعارض هذا الاصل مع أصالة الفساد.

الثانى ـ فى تعارضه مع الاستصحاب الموضوعية مثل أصالة عدم البلوغ للبالغ ، وأصالة عدم اختبار المبيع.

اما المقام الاول فالتحقيق فيه تقدم أصالة الصحة على أصالة الفساد لكون مفاد أصالة الفساد هو أصالة عدم انتقال كل من العوضين عمن كان وبقائه فى ملك من كان مالكا له ، ولا اشكال فى ان بقاء كل منهما مالكيه السابقة وانتقاله عنه مسبب عن الشك فى صحه العقد فاذا احرز الصحة بأصالة الصحة لم يبق الشك فى المسبب كما هو القاعدة فى كل شك سببى ومسببى وهذا على تقدير ان يكون الاستصحاب اصلا تعبديا وأصالة الصحة من الظواهر ظاهر جدا وكذا لو كان أصالة الصحة من الاصول التعبدية كحكومة احد الاصلين على الآخر ولو كانا كلاهما تعبديين كما

٢٤١

انه لا اشكال فيه لو كانا كلاهما من الظواهر. نعم يقع الاشكال فيما لو قيل بكون هذا الاصل من الاصول التعبدية ، والاستصحاب من الظواهر. لكن التحقيق هو كون الاستصحاب من الاصول التعبدية كما حقق فى محله واما هذا الاصل فان الالتزام بكون اصلا تعبديا محضا مشكل جدا لما تقدم من كون الدليل على حجيته ليس إلّا الاجماع والاشكال فى تحقق الاجماع على التمسك به فى اثبات شرائط الراجعة الى ناحيه السبب كبلوغ البائع اذا كان وكيلا لا اذا ما كان مالكا فيما تقدم الكلام فيه كما انه لا يمكن الالتزام بكونه من الظواهر بحيث يثبت به اللوازم والملزومات الشرعية على الصحة هذا. اقول مع امكان القول بتقديم هذا الاصل ولو كان اصلا حكميا محضا على الاستصحاب ولو كان من الظواهر وذلك لكونه من الاصل المتعبد فى مورد الدليل.

واما المقام الثانى فحاصل ما افاده انه ان جعلنا هذا الاصل من الظواهر فلا اشكال فى تقديمه على الاستصحاب الموضوعية وان جعلناه من الاصول التعبدية فهل هو مقدم على الاستصحاب او بالعكس ام يتعارضان وجوه ، قال السيد الشيرازى التحقيق هو الاخير وذلك كما فى الكتاب من ان أصالة الصحة يثبت كون العقد الواقع فى الخارج صادرا عن البالغ وأصالة عدم البلوغ تثبت كونه صادرا عن غير البالغ وهما فى مرتبه واحدة من غير ان يكون بينهما سبب شرعى ولا بين الاصلين ولا بين الشكين فيتعارضان هذا وقد اورد عليه فى الكتاب بما لو صححته يتوقف على تمهيد مقدمه وهى ان كلا من مفاد ليس التامة والناقصة اذا كان له اثر يصح استصحابه لترتب الاثر المترتب على الآخر اذا تحقق ذلك فنقول لا مجرى

٢٤٢

لاستصحاب عدم البلوغ فى المقام لان الاثر وهو عدم الانتقال مترتب على عدم صدور العقد عن البالغ الذى هو مفاد الاستصحاب هو عدم كون هذا العقد الخارجى صادرا عن البالغ الذى هو مفاد ليس الناقصة فاثبات اثر ليس التامة باستصحاب ليس الناقصة يكون من الاصل المثبت وهذا بخلاف أصالة الصحة حيث انها تثبت صدور هذا العقد الخارجى من البالغ بنفسه دون توسط واسطة.

ثم ان تنقيح هذا البحث يتم ببيان امور :

الاول ـ ان حجيه هذا الاصل هل هو من باب الظهور لكى يكون من الامارات او من باب التعبد لكى يكون من الاصول المنسوب الى الاكثر كما فى الكتاب (الفرائد) هو الاول والتحقيق هو الآخر وذلك لان المعتبر فى حجيه الشيء من باب الظهور اثبات كونه بنفسه او بنوعه كاشفا عن الشيء الآخر وذلك كاللفظ حيث انه بما هو هو ومن حيث كونه لفظا خلق وكون لبيان المراد فلو طرأ عليه الاجمال لامر خارج عما يكون هو بنفسه كون له كاليد وغير ذلك وهذا هو معنى الكشف النوعى.

الثانى ـ كون دليل حجه ناظر الى تتميم كشفه بمعنى كونه بلسان تتميم الكشف والغاء احتمال الخلاف لا بلسان التعبد فى طرف الشك فلو لم يكن كذلك فلا يكون من الامارات اذا تحقق ذلك فنقول الامران كلاهما مفقود بالنسبة الى اصل الصحة اما الاول فلان طبع المسلم بما هو هو لا يقتضى صدور الفعل الصحيح كيف واكثرهم يكونون غير مبالين. وكيف يمكن ان يقال كون طبعهم على ذلك مع كون اكثرهم على خلافه. واما الثانى فلان العمدة فى دليل حجيته هو الاجماع العملى ولا يكون دليل

٢٤٣

لفظى حتى يمكن ان يقال بلسان تتميم الكشف ولو كان دليل لفظى فى الجملة فليس له نظرا الى هذه الجهة مع انه لا يثبت حجيه بهذه السعة مع ان الشك فى كون حجيه من باب الظهور كاف بكونه من باب التعبد وذلك لان حيثيته جهة تتميم الكشف امر زائد محتاج الى مئونة زائده مدفوعة بالاصل عند الشك فيهما فيؤخذ بالمتيقن وهو اصل الحجية.

الامر الثانى انه هل هو اصلى حكمى او اصل موضوعى ايضا كالاستصحاب وجهان والمراد من الاصل الحكمى هنا كونه جاريا لاثبات نفس الحكم المشكوك بلا نظر لاحراز موضوعه وذلك كالإباحة حيث انه اذا شك فى غنمية حيوان مردد بين الغنم والثعلب فها هنا اشكالان احدهما كون هذا الحيوان ثعلبا او غنما ، وثانيهما كونه حلالا او حراما وأصالة الإباحة ناظره الى الشك الثانى بلا نظر فى حكم الشك الاول والمراد بالاصل الموضوعى هو احراز الموضوع المترتب عليه الحكم نظير استصحاب عدم التغيير.

والتحقيق فى المقام هو الثانى وذلك لتحقق الاحراز على اجرائه فيما اذا شك فى صحه العقد من جهة الشك فى بلوغ العاقد فمعنى البناء على صحه العقد هو البناء على كون العاقد بالغا وترتيب اثر العقد الصادر من البالغ على العقد الصادر منه هو الصحة.

فان قلت : اجراء هذا. لاحراز الموضوع انما يصح بناء على كون المجعول سببية العقد للنقل والانتقال وهو ممنوع بل يتحقق المجعول هو نفس المسبب اعنى النقل والانتقال عند وجود السبب وذلك كما فى الاحكام التكليفية حيث ان المجعول فى باب الصلاة هو وجوبها عند الدلوك

٢٤٤

للوجوب والاحكام التكليفية كالاحكام الوضعية من هذه الجهة وعلى هذا لا يمكن احراز وجود السبب وذلك لان سببية السبب ليست حينئذ امرا مجعولا حتى يحكم الشارع بها عند الشك فيها بل الحكم بالصحة عند الشك فى وجود السبب حكم بالنباء على وجودها هو المجعول الشرعى تعبدا بلا تكفل له فى اثبات الموضوع ولا يخفى ان حق تحرير هذا السؤال هو ما ذكرناه لا بما وقع فى الكتاب حيث انه اورده بصورة الاعتراض على القول بمعارضه هذا الاصل بالاستصحابات الموضوعية لعدم ربط بهذا المقام.

قلت ما ذكرته من مجعولية سببية العقد حق لا محيص عنه إلّا انه غير موجب لتمحض هذا الدليل فى الحكم دون الموضوع وذلك لما تقدم من ان المعيار فى كون الاصل حكميا هو كونه متكفلا بحيث يشك فى نفس الحكم بها لبنائه على الإباحة والمعيار لكونه موضوعيا هو كونه محرز للموضوع المترتب عليه الحكم كما فى الاستصحاب ولا ربط فى مسألة ذلك الى القول بجعل السببية وعدمه ضرورة انه بناء على عدم الجعل ايضا يصح التعبد بالبناء على وجود الموضوع ليترتب الاثر المترتب عليه شرعا.

الامر الثالث : فى ورود هذا الاصل على الاستصحاب اما بالنسبة الى أصالة الفساد فقد تقدم الكلام فيه ومقتضاه حكومته عليها من غير اشكال واما بالنسبة الى الاستصحاب الموضوعية التحقيق تعارضه معها وتوضيحه : ان من الاصول ما قد يكون حكما محضا فى خصوص الشبهة الموضوعية كأصالة الفساد والذى هو الاصل الاولى فى العقود ، وأصالة الحل فى الاحكام بناء على التحقيق من اختصاصه بالشبهة الموضوعية وذلك كأصالة الصحة او

٢٤٥

فى الشبهة الحكمية او الموضوعية معا وذلك كالاستصحاب اذا عرفت ذلك وعلمت بان اصل الصحة محرز للموضوع عند الشك فى بلوغ العاقد ومعنى البناء على صحه العقد هو البناء على كونه صادرا من البالغ واستصحاب عدم البلوغ يحرز به عدم الموضوع. وبعبارة اخرى مفاد اصل الصحة ابن على هذا الصادر عن البالغ ، ومفاد الاصل الموضوعى ابن على ان هذا الصادر منه العقد ليس ببالغ وهذا محصل بيان المعارضة بين الاصلين.

فان قلت : لا مجال للمعارضة بينهما فان اصل الصحة ان يحرز صدور هذا العقد عن البالغ ولكن بالاصل الموضوعى لا يجرى الا كون هذا للعقد صادرا عن غير البالغ وهذا لا يترتب عليه الاثر اعنى عدم المبيع عن البالغ لان هذا الاثر من آثار عدم وجود السبب اعنى عدم صدور العقد عن البالغ لا من آثار صدور العقد عن غير البالغ الذى هو الثابت وبالاصل الموضوعى يثبت عدم بلوغ من صدر عنه العقد وان هذا العقد ليس بصادر عن البالغ ، ولما كان العقد الصادر فى هذا العقد من باب الاتفاق فبإثبات كونه صادرا عن غير البالغ لا بد من ان يثبت عدم صدور العقد عن البالغ الذى هو الموضوع فى عدم تحقق المسبب لكن احراز عدم صدور العقد من البالغ باثبات عدم بلوغ هذا الذى هو الموضوع فى عدم تحقق المسبب لكن احراز عدم صدور العقد من البالغ باثبات عدم بلوغ هذا الذى صدر منه ذلك العقد مبنى على الاصل المثبت لانه اثبات لمفاد ليس التامة باجراء الاصل فى مفاد ليس الناقصة هذا خلاصه الاعتراض على المعارضة الذى اورده فى الكتاب بقوله لكن والتحقيق ان الحمل على الصحيح الذى تقدم انه من تحرير العلامة الشيرازى بهذا المقام لكنه مندفع :

٢٤٦

اما اولا بالنقض بالاصول الموضوعية الجارية فى مقام الفراغ من الاصول الموضوعية الوجودية التى يحرز بها الموضوع فى مقام تحقق المكلف به او العدمية التى يحرز بها عدم الامتثال. فالاول كأصالة بقاء الطهارة وكأصالة عدمها. وبيان النقض ان بقاء التكليف فى الذمة وعدم تحقق الامتثال انما يكون مترتبا على عدم وقوع الصلاة المأمور بها فى الخارج وعدم صدورها من المكلف لا على كون تلك الصلاة التى يأتى بها مع الشك فى الطهارة لا يكون مامورا بها لكن بأصالة عدم انطباقها على المأمور به موجب لاحراز عدم وجود المأمور به الموجب وجوده للامتثال ولما كان احراز عدم وجود المأمور به باثبات كون الصادر غير مأمور به من باب الملازمة الاتفاقية بين عدم صدور فرد آخر وبين صدور هذا الفرد يكون اثباته مبنيا على الاصل المثبت ، وكذا فى استصحاب الطهارة فانه به يحرز كون المأتى به من الصلاة عن الطهارة المترتبة على احراز وجود المأمور به فلازم ما افاده عدم صحه التمسك بالاصول الموضوعية لاحراز عدم القيود الوجودية اصلا كما ترى.

واما ثانيا فبالحل وبيانه يتوقف على تمهيد امور :

الاول ـ ان الاصل الجارى كما يجرى فى مقام احراز الحكم واصل ثبوته كذلك يجرى فى مقام الفراغ واحراز تحقق المأمور به ، او عدم الفراغ واحراز عدم تحققه.

والثانى ـ انه كما يكفى فى صحه الاستصحاب ترتب الاثر على نفس المستصحب كذلك يصح اجرائه باعتبار اثبات الاثر المترتب على نقيضه او نفيه وبعبارة اوضح يكفى فى صحه الاستصحاب اثبات الاثر المترتب على نقيض

٢٤٧

المستصحب لو كان عدميا ، او نفى الاثر المترتب على نقيضه لو كان وجوديا ولا يتوقف جريانه على ترتب الاثر عليه بنفسه.

الثالث : ان مفاد كان التامة نقيض بمفاد ليس التامة ومفاد كان الناقصة نقيض بمفاد كان التامة.

الرابع : ان اصل الصحة يحرز به مفاد كان الناقصة اعنى كون هذا العقد صادرا عن البالغ اذا تحقق ذلك فنفس ترتب الاثر على مفاد كان الناقصة التى يكون هو مفاد اصل الصحة كاف فى احراز الاصل الموضوعى لاحراز مفاد ليس الناقصة لكون نفى مفاد كان الناقصة كافيا فى صحه اجرائه لكونه نقيضه بحكم الامر الثالث وكفاية نفى الامر المترتب على نقيض المستصحب بحكم الامر الثانى وصحه احراز عدم تحقق المامور به فى مقام الفراغ فى الاحكام كاحراز عدم تحقق المسبب باحراز عدم تحقق السبب فى الوصفيات بحكم الامر الاول فلا يحتاج فى صحه استصحاب عدم البلوغ الى احراز عدم صدور العقد عن البالغ بل يكفى فى صحه نفى الاثر المترتب على صدوره المن البالغ وبأصالة عدم البلوغ يجرى عدم الاثر على العقد الصادر عن البالغ فيتحقق التعارض.

فان قلت : الاثر انما يترتب على نفى صدور هذا العقد عن البالغ لو قلنا بجعل السببية لان نفى صدوره عن البالغ حينئذ عبارة عن نفى السببية فى نفى النقل ، واما بناء على عدم مجعولية السببية وان المجعول عبارة عن المسبب عند تحقق سببه فلا يصح استصحاب عدم البلوغ لان الترتب عليه وهو صدور هذا العقد من غير البالغ ليس عن الامور المجعولة التى يكون امرا وضعها ورفعها بيد الشارع.

٢٤٨

قلت : هذا السؤال وان كان فى الكتاب مذكورا فى المقام لكن تحريره ان يحرز فى طى الامر الثانى من الامور الثلاثة التى ذكره من كفاية نفى الاثر المترتب على نقيضه اعنى صدور العقد عن البالغ فظهر من جميع ما ذكره ان التحقيق معارضه اصل الصحة من الاستصحاب.

تنقيح : فى أصالة الصحة فى الاقوال والاعتقادات ومجمل القول فى الاول انه لا يخلو عن صور :

الاولى : ان الشك فى ان المتكلم هل متكلم بالغيبة ، او بغيرها ولا ينبغى الاشكال حينئذ فى حمل قوله على الصحة.

الثانية : ان يقطع بانه مغتاب ولكن يشك فى غيبته محرمة او مسوغة وهذا ايضا يحتمل على الصحيح بمعنى البناء على ان له مجوز لكن بالنسبة الى المتكلم لا يجوز للحامل سماعها بالنسبة الى الحامل لان الحمل على الصحة لا يثبت كونها من افراد المسوغة يترتب عليه الجواز ، وأصالة الصحة فى فعل المتكلم لا يثبت الصحة فى فعل المخاطب كما هو واضح الثالثة : ان شك فى ان المتكلم اراد المعنى ام لا الظاهر من الكتاب ان هذه الصورة ايضا مجرى اصل الصحة ولكن التحقيق خلافه لعدم ربط المقام بذلك الاصل لوجود الاصل العقلائى وهو بناء العقلاء على ان كل متكلم لو شك فى كونه هازلا او لاغيا او ساهيا على عدم تلك الامور والبناء على كونه فى مقام إرادة المعنى.

الرابعة : ان يكون الشك فى كون التكلم منعقدا بما يقيد من المعنى بعد احراز كونه فى مقام افاده المعنى المذكور فى الكتاب ايضا انه مجرى لاصل الصحة لكن التحقيق خروجه ايضا عن مجراه وذلك لوجود الاصل

٢٤٩

العقلائى لا بمعنى بناء العقلاء على الحمل على معتقده بل بمعنى بنائهم على الحمل عن الابناء بما فى الضمير ولازم انباء عما فى ضميره هو ادراك ما فى ضميره فبنائهم على الحمل بكونه مخبرا عما فى ضميره مستلزم للحمل على ادراكه ما فى ضميره فيلزم حمل معتقده بالملازمة.

الخامسة : ان يكون الشك فى مطابقه خبره مع الواقع وهذا داخل فى حجيه خبر الواحد ولا دليل على حجيته على نحو الاطلاق والمتيقن من حجيته بالدليل انما هو فى الاحكام سواء كان فى نقل الاخبار او نقل الفتوى كان يخبر المجتهد بفتواه مع امكان ان يكون الثانى من صغريات قاعده من ملك هذا ولو ثبت لحجيته عموم او اطلاق كلى يشمل الموضوعات ايضا يوجب الخروج عنه بدليل المخصص وهو ذيل رواية مسعدة وفيها : الاشياء كلها على هذا حتى يستيقن او يقوم به البينة واما الاعتقادات فقد يكون الشك فى ان المسلم هل يكون بما يجب عليه الاعتقادات ام لا؟ وقد يقطع بعدم اعتقاده بما يجب عليه الاعتقاد كما اذا علم انه منكر للمعاد الجسمانى ولكن يشك فى ان انكاره هل هو شبهه وقعت فى ذهنه حتى لا يكون بانكاره مرتدا ام لا وفى كلا الشكين يجرى اصل الصحة فيبنى على وجود الاعتقاد الصحيح منه فى الاول وعلى كون ذلك الاعتقاد الفاسد بشبهه فى الثانى كما هو واضح.

اما الكلام فى القرعة اعلم ان تنقيح البحث فى القرعة وبيان نظرها مع الاصول الأربعة يتوقف على تنقيح مقدار دلالة دليلها فنقول لا ينبغى التوهم فى جواز الاقراء فى الشبهات الحكمية الكلية مثل موارد الشك فى الحلية والحرمة والوجوب والبراءة ولم يعهد من احد التمسك بها فى

٢٥٠

تعيين شرب التتن عند الشك فيه وذلك من جهة عدم الدليل على اعتبارها فيها وبيان ذلك ان لفظه مشكل الواردة فى دليل اعتبارها اعنى قوله القرعة مشكل لا يشمل موارد الشبهة الحكمية لكونه من الاشكال بمعنى الشكل المعتبر فيه ان يكون الشيء المحتمل مشاكل وبعبارة اخرى يكون له صورة مشاكله يراد الامر بينه ومن صوره لمشاكله له وينبغى التوهم ايضا فى جوازه فى الشبهات البدوية ايضا وذلك لخروج مواردها بحسب دليل اعتبارها من موارد الشبهات البدوية الموضوعية لعدم تحقق معنى المشكل وفيها بمعنى عدم صورة مشاكل المحتمل حتى يكون تردد الامر بينه ومشاكله لكى يصدق المشكل ومعلوم ان موارد البراءة من عقلها ونقلها والاستصحاب انما هى فى شبهات البدوية من الحكمية والموضوعية ففى شيء من مورد الأصلين لا مجال بتوهم جريان القرعة حتى يبعث عن كونها معارضا مع البراءة والاستصحاب لعدم سبيل لجريانها فى مجراهما مع قطع النظر عن جريهما حتى يتبين الامر الى ملاحظه النسبة بينها ويظهر ان موردها ينحصر بمورد العلم الاجمالى والاحتياط ثم ان المستفاد من دليل اعتبارها عدم اختصاصها بما كان واقع مجهول غير معين او بما لم يكن كذلك بل المستفاد منه هى اعتبارها فى الاعم من المبهم والمجهول اما عدم اختصاصها بالمجهول فللقطع بجواز الاقراع فى القسمة ، ومن طلق احدى زوجته الاربع ، والوثنى الذى اسلم على اكثر من اربع حيث انه لا واقع فى تلك الموارد لكى يتعين بالقرعة بل ما هو الواقع فى القسمة وغيره وهو الامر الكلى المبهم والمشخص ولا الكلى بالقرعة. واما عدم اختصاصها بالمبهم للقطع بجوازه فى قطيع الغنم التى وقعت فيها

٢٥١

الموطوءة وصارت مشتبهة بين افرادها كما هو مورد الرواية فثبت انها يعم كلا المقامين ولا يتوهم عدم صدق المشكل فى المبهم بتوهم عدم صدق مشاكل لعدم الواقع قبل القرعة وذلك لصدق المشكل من جهة قابلية انطباق المبهم على كل واحد من الاطراف فيكون كل طرف مشاكلته مع طرف الآخر.

ثم ان مقتضى دليل اعتبارها هو كونه معتبره مما لا بد منها بحيث يحتاج الى معين او رفع الابهام الا مما لم يكن ضرورة فى التعيين او رفع الابهام ولا يكون فى بقائها محذور عقلا ولا شرعا فلا يكون موردا للقرعة وما استبعدناه من دليلها من حيث اعتبار الضرورة عقلا او شرعا فى رفع الابهام او التعيين انما هو باعتبار دلالة سياق دليلها من جملة القرعة لكل مشكل وإلّا فمفردات تلك القضية من لفظه القرعة او مشكل لا دلالة على اعتبار ذلك اصلا كما لا يخفى ودلالة الجملة عليه مما لا يكون قابلا للانكار وللانظار حيث يعلم بداهة انه فى غير مورد الحاجة الى القسمة ليس للحاكم اجبار احد الشريكين عليها لكن يقرع بينهما وكذلك فى طلاق احدى الزوجات انما يقرع فيما احتاج اليها ولو شرعا.

ثم ان كل مورد العلم الاجمالى فيما ليس يجب فيه الاحتياط عقلا بل انما هو وجوبه فيما اذا لم يكن من الاحتياط محذور عقلى او شرعى ففى موارد الماليات يمكن دعوى تحقق المحذور حيث انه لا يعقل ولا يستقل العقل بطرح قطيع غنم ولاجل وجود موطوءة مرددة بين افرادها او بطرح خابيات من السمن من وجود خابية نجسه فيها بل مثل هذه مما يحكم بالحاجة الى التعيين وانه لا بد فيها من تعيين فقد جعلت القرعة فى

٢٥٢

تلك الموارد المحتاجة الى التعيين ولا يجب فيه الاحتياط فلا ينتهى امره الى المعاوضة بينها وبين الاحتياط اذ ما يجب فيه الاحتياط لا سبيل الى القرعة بعدم الحاجة الى التعيين وما يكون محلا للقرعة للحاجة الى اليقين لا سبيل فيه الى الاحتياط لوجود المحذور فى الاحتياط عقلا وشرعا فتحصل مما ذكرناه من ان المستفاد من دليل القرعة هو اعتبار الأمرين فى مجراها :

الاول ـ ان يكون غير شبهات البدوية من الحكمية والموضوعية وباشتراط هذا الامر يخرج موارد البراءة والاستصحاب عن مورد جريانها.

الثانى ـ ان يكون فيما يحتاج الى التعيين عقلا او شرعا وبهذا الشرط يخرج ما يجب فيه الاحتياط عن مجراها ولا يخفى انه اذا كان المستفاد من دليلها هو جميعا فى غير مورد البراءة والاستصحاب. وبذلك يظهر ان دلالتها لا يكون موقوفا بكثره التخصيص ولا محتاجا بالجر بعمل الاصحاب بل الموارد التى لم يعملوا بها تكون خارجة من مجراها موضوعا لا انها خارجة بالتخصيص. نعم قد يحتاج الى العمل بها احراز مصب العموم.

وتوضيح ذلك انه بعد ما عرفت ان محل جريان القرعة انما هو فيما اذا احتاج الى التعيين ولم يكن به الا الاحتياج من الاحتراز قد يكون احتياج المورد الى التعيين بينا فى نفسه كما فيما اذا احتملت الأمة المشتركة بين الثلاثة عنهم فى طهر واحد حيث ان لزوم احراز كون الولد من اى واحد منهم معلوما مبينا ، وقد يكون مخفيا غير مبين فى نفسه ففى الاول يجرى القرعة من غير احتياج الى الجبر اصلا وفى الثانى يحتاج الى

٢٥٣

عمل الاصحاب لكن الحاجة اليه لا لاجل جبر ضعف مدركها الحاصل من كثرة التخصيص بل من جهة احراز ان المورد هل هو مصب لعمومها او خارج عن عمومها بالتخصيص بغير هذا قاعده الميسور فان مرورها هو ما كان الميسور معدودا من مراتب المعسور وهو قد يكون معلوما بنفسه وقد يكون غير معلوم فعلى الاول يتمسك بالقاعدة ولو لم يعمل بها فيه ، وفى الثانى يحتاج الى العمل لاحراز كونها من مراتب المعسور ثم لا يخفى ان تعين القرعة الا ما يكون فيما اذا كان مرددا بين المتباينين وهذا مما لا ينبغى انكاره وانما الكلام فى تشخيص موارد القرعة والاحتياط والتنجز بعد اشتراك تلك الأمثلة فى كون مواردها المتباينين فنقول مجمل القول فى اعتبار موارد الاحتياط وكما لم يكن كذلك ما كان راجعا الى حق مالى او كان الاحتياط فيه ضرر مثل ما لو علم باشتغال الذمة الى غيره مثلا ولم يكن للتخلص منهم ولو بالصلح ونحو ذلك مع عدم الحاجة الى احراز الواقع فهو مجرى التخيير فكلما لم يكن مجرى الاحتياط مع الحاجة الى الاحراز فهو مورد القرعة فمرتبة مورد القرعة متأخرة عن مرتبه مورد التخيير كما ان مرتبه التخيير متأخرة عن مرتبه مورد الاحتياط.

الكلام فى تعارض الاستصحاب مع الاصول الثلاثة : اعنى البراءة ، والإباحة ، والاحتياط والتخيير. ولا اشكال فى وروده على العقلى منها كالبراءة العقلية والتخيير والاحتياط. واما الكلام فى الشرعى كالبراءة الشرعية وانما يقال معارضتها مع الاستصحاب وذلك يكون الشك الواحد مجرى لها فاذا شك فى حلية ما كان مسبوقا بالحرمة فهذا الشك الواحد مورد الحكم بالحليّة والاستصحاب ولا يكون فى البين اكثر من

٢٥٤

شك واحد حتى يقال بكون احدهما مسببا عن الآخر فكانه توهم ان مورد حكومة احد الاصلين على الآخر منحصر بما يكون الشك اكثر من واحد مع ترتب الشبهة بينهما وهو فاسد وذلك لعدم انحصار حكومة احد الاصلين على الآخر بما ذكر. وتوضيح ذلك ان كل اصل متكفل للتنزيل بحيث يكون فيه جهة احراز وكان من الاصول المحرزة يكون حاكما على الاصل الغير المتكفل للتنزيل دون البراءة لكونه قائما مقام العلم الطريقى من اعتبار مرتبه ثالثه. وتفصيل ذلك ان للعلم الطريقى خواص ثلاث :

احدها ـ صفة قائمة بالنفس وثانيها كونه منشأ لانكشاف المعلوم وملزوماته وملازماته وثالثها ترتب العمل عليه ولزوم الجرى على وفقه فهو من حيث درجه الاولى لا يقوم مقامه شيء من الامارات او الاصول ومن حيث درجه الثانية يقوم مقامه الامارات دون الاصول لكون المجعول فى باب الامارات هو مؤدياتها بلسان الثبوت الواقعى ومن حيث درجه الثالثة يقوم مقامه الاصول المحرزة لكون المجعول فيها هو الجرى العملى على طبق العلم وباعتبار درجه الثالثة من العلم تكون مقدما على ما لا تنزيل فيه اصلا بل المجعول هو الحكم التعبدى فى ظرف استتار الواقع والشك فيه بلا لحاظ تنزيل فيه فلا اشكال ان أصالة البراءة من هذا القبيل ثم الانحصار فى الحكومة فيما اذا كان الشك واحدا بل يكون احد الاصلين متكفلا للتنزيل دون الآخر بل يجرى الحكومة فيما كان الاصلان كلاهما متكفلا للتنزيل لكن كان مرتبه التنزيل فى احدهما اسبق من مرتبه التنزيل للآخر كما فى مثل قاعده التجاوز والفراغ بالنسبة الى الاستصحاب.

وتوضيح ذلك ان الشك الواحد لو كان له مرتبتان كان إحداهما

٢٥٥

اسبق من الآخر فكان كلتا المرتبتين مجرى الاصل يكون الاصل فى المرتبة السابقة منه متقدما وحاكما على الاصل فى المرتبة الآخر فنقول مورد الاستصحاب هو الشك فى البقاء باعتبار مرتبه استقرار الشك حيث اعتبر فيه عدم نقض اليقين السابق بالشك فى البقاء والمعتبر فى الشك الناقض انما هو قرار الشك وبقائه لكى يمكن ان يكون فى ظرف حفظه وقراره ناقضا اى موجبا لرفع اليد عن المجرى العملى طبق اليقين لكى يصح النهى عن النقض بسببه وهذا المعنى لا يصح اعتباره فى مرتبه حدوث الشك او ظرف اعتبار كونه ناقضا انما هو فى ظرف الفراغ عن وجوده وهو حال قراره وبقائه لا حدوثه فظهر ان مرتبه الشك فى الاستصحاب انما هو ظرف البقاء والاستقرار وهذا بخلاف الشك المعتبر فى قاعده التجاوز والفراغ وأصالة الصحة حيث ان المعتبر منه فيها هو الشك باعتبار حدوث ما فى قاعده التجاوز والفراغ فلان نفس الشك فى اتيان المشكوك فيه يحكم بان الاتيان بحيث يكون نفس الشك بحدوثه كافيا فى الحكم بلا اعتبار مئونة بقاء الشك فى الحكم او لم يدل دليلها على اعتبار حال البقاء كما كان دليل الاستصحاب دالا عليه وكذا أصالة الصحة حيث ان نفس الشك فى الصحة كان فى اجراء الاصل بمعنى ظهور بقاء الشك فيها فى الجريان ضرورة ان اعتبار بقاء الشك امر زائد على اعتبار اصل حدوثه فيكون احراز اعتباره متوقفا على دليل محرز له زائدا عما يدل على اعتبار الحدوث وهذا الدليل يتم فى قاعده التجاوز والفراغ وأصالة الصحة ومن المعلوم تقدم مرتبه الحدوث عن مرتبه البقاء فمع جريان الاصل فى المرتبة الاولى لا تصل النوبة الى اجرائه فى المرتبة الثانية وان كان كلا الاصلين متكفلا

٢٥٦

للتنزيل ومن الاصول المحرزة لكن الوجه فى التقديم هو تقدم مرتبه احدهما على مرتبه الآخر فظهر مما ذكرناه تقديم الاستصحاب على البراءة والحل كتقدم قاعده التجاوز والفراغ والصحة على الاستصحاب.

ثم ان للشيخ (قدس‌سره) فى تقديم الاستصحاب على أصالة البراءة اذا كان مدركها قوله ((كل شيء مطلق حتى يرد فيه النهى)) كلام لا يخلو عن خلل ناش عن الخلط بين المعنيين المستفادين من الحديث من لفظه ((شيء)) وتوضيحه ان الحديث الشريف يحتمل معنيين :

احدهما : ان يكون المراد من الشيء بعناوينها الأولية بعنوان كونها مشكوك الحكم من المطلق هو الترخيص الواقع ومن ورود النهى هو النهى الصادر عن الله تعالى النازل به الجبرئيل فعلى هذا المعنى يدل على الإباحة الواقعية للأشياء قبل ورود النهى فيها فيكون من الأدلّة الاجتهادية نظير قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ).

وثانيهما : ان يكون المراد من الشيء هو الشى المشكوك ومن المطلق هو الترخيص الظاهرى ومن ورود النهى هو ثبوته بالفحص فيكون دليلا على الإباحة الظاهرية فعلى المعنى الاول يكون حاكما على الاستصحاب لحكومة كل أمارة على الاصل وعلى الثانى يكون الاستصحاب حاكما عليه وهو (قدس‌سره) قد خلط بين المعنيين حيث قال فى تضعيف الدعوى الاول لثانيه التى ذكرها فى ورود الاستصحاب على البراءة بما حاصله ان معنى الغاية فى كل شيء مطلق ورود النهى عن الشيء بعنوانه الخاص ونهى الاستصحاب نهيا عنه بعنوان كونه مشكوك الحكم فورود النهى فى نفى الإباحة الى آخره ...

٢٥٧

ولا يخفى ان كون الغاية فى كل شيء مطلق هو النهى عن الشيء بعنوانه الخاص مطابق للمعنى الاول وان يكون النهى واقعا وقد عرفت انه يكون حينئذ من الأدلّة الاجتهادية المتقدمة على الاستصحاب الكلام فى تعارض الاستصحابين : فليعلم ان الاقسام المتصورة فى المقام وان كانت كثيرة إلّا ان الثمرة منحصرة فى امرين : الاول ان يكون الشك فى احدهما مسببا عن الشك فى الآخر.

الثانى ان يكون الشكان كلاهما مسببا عن منشأ واحد وهذا الثانى يتصور على نحوين : احدهما ان يكون التنافى بين الاصلين ناشئا عن العلم الاجمالى بحيث لولاه لا يكون بين الاصلين فى نفسه منافاة وذلك كاستصحاب طهارة كل واحد من الإناءين مع علم الاجمالى بنجاسته احدهما ضرورة وضوح صحه جريان الاصل فى كليهما لو لا العلم الاجمالى بنجاسة احدهما.

وثانيهما ان يكون العلم الاجمالى بعدم جريان احدهما ناشئا عن تنافيهما فى نفسه لو لا المنافى لم يكن علم اجمالى بعدم جريان احدهما وذلك كأصالة العموم فى العامين من وجه لما كان مستحيلا فى نفسه من حيث استحالة الجمع بين إرادة اكرام الفاسق العالم وعدم ارادته معا فمن نفس التنافى بين الاصلين يحصل العلم الاجمالى بعدم إرادة احدهما. ومما ذكرنا يظهر سقوط كون مورد العامين من وجه من قبيل ما كان كل واحد من الشكين مسببا عن الآخر بتوهم ان الشك فى احراز عموم اكرم العلماء مسبب عن الشك فى اجراء عموم لا تكرم الفساق وبالعكس وجه السقوط ، ان الشك فى كليهما ناش عن منشأ واحد وهو استحالة تحقق

٢٥٨

كلتا الارادتين فى نفس الامر معافا لكلام هاهنا يقع فى المقامين : احدهما فى حكم الاصل المسببى.

الثانى : فى حكم ما كان الشكين ناشئا عن منشأ واحد سواء كان هو العلم الاجمالى او السببية. اما المقام الاول فيقع الكلام فى جهات :

الاولى فى تحرير موضوع البحث الثانية فى وجه تقديم اصل السببى على الاصل المسببى.

الثالثة : ان تقديمه باللسان العلمى هل هو على نحو الحكومة او الورود.

اما الجهة الاولى : هو انه يعتبر فى موضوع البحث امران احدهما ان يكون السبب بين الشكين شرعيه بمعنى كون ترتب المسبب على سببه ترتبا شرعيا نظير ترتب الشك فى طهارة الثوب المغسول بالماء المستصحب الطهارة.

وثانيهما : ان يكون الاصل الجارى فى الشك السببى بنفسه متكفلا لرفع الشك فى طرف السبب بسبب تكفل التنزيل فى طرف الشك المسببى بما فى المثال المتقدم.

واما الجهة الثانية فيعلم به تقديم الاصل السببى من نفس تحرير محل البحث ضرورة ان بعد وضوح محل البحث يظهر انه مع جريان الاصل السببى يرتفع موضوع الاصل المسببى حيث تكفل اصل السببى برفع الشك المسببى والبناء على احد طرفى ما شك فيه بالتنزيل ومعه لا يبقى مجال لجريان الاصل المسببى. ومنشأ توهم تعارض اصل السببى مع المسببى ليس إلّا كونهما تحت عموم واحد (وهو لا تنقض اليقين بالشك) كالاستصحابين

٢٥٩

لان شمول العموم بالنسبة الى الفردين فى عرض واحد فلا وجه للقول بشموله اولا للشك السببى حتى يرتفع به الشك المسببى بل يكون شموله لكليهما فى عرض واحد بخلاف ما اذا كانا مختلفين من حيث الدليل مثل استصحاب الحلية فلم يتوهم احد فى تشكيك تقديم الاستصحاب على أصالة الحلية.

ولا يخفى سقوط هذا التوهم لعدم الفرق بين القسم الاول والثانى من جهة الوضوح والخفاء فنقول حينئذ تارة يقع البحث عن وجه تقديم الاصل السببى لبا واخرى فى وجه تقديم شمول العموم له مع كونه عموما واحدا.

اما الكلام فى الاول فلا اشكال فى ان كل قضية حقيقة يكون المحمول الثابت لموضوعه ولو مأخوذا فى ظاهر القضية هل على نحو الحلية منحلا الى قضية شرطيه يكون موضوع القضية للحملية شرطا لها ومحمولا تاليا لها فمرجع اكرم العلماء الى انه لو وجد العالم فاكرمه ومن المعلوم ان كل حكم انما يثبت لموضوعه فى ظرف تحققه ولا يعقل ان يكون منشأ لثبوت غيره اذ هو يتوقف فى تقرره الى موضوعه فلا يعقل ان يكون من مبادى تقرير موضوعه للزوم تقدم الشى على نفسه من مرتبه وهذا ظاهر من وضوح انحلال كل قضية حمليه حقيقية الى قضية شرطيه فحينئذ نقول حكم الاستصحاب فى السببى متأخر عن الشك (كتاخر حكم الشك المسببى عن شكه اذا الشكان موضوعان للحكمين فمع لا تنقض يجب انحلاله الى حكمين بالنظر الى كل واحد من الشكين هو انه لو وجد الشك السببى فلا ينقض اليقين به ولو وجد الشك المسببى فلا ينقضه به وبكلا الحكمين لا يعقل ان يكونا متكفلين لموضوعها بل انما يكونا ثابتين فى طرف تحققهما لكن ترتب الحكم الثابت للشك

٢٦٠