الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بحيث يكون مقدار زمان عمره مرددا بين القصير والطويل ، وذلك لانه لا اشكال فى ان مثل الموجود ، والحادث له مقدار من الاستعداد والبقاء فى الزمان بحسب ذاته بحيث لو خلى وطبعه ولم يحصل له عارض لكان باقيا فى الزمان بمقدار استعداده إلّا ان يحصل هناك عائق من بقائه موجب لزواله وحينئذ تارة يعلم مقدار استعداد بقاء الشيء فى عمود الزمان ولكن يحتمل ان يكون قد حدث زمان اوجب رفع ذلك الشيء هذا يكون الشك فى الرافع ، واخرى يشك فى مقدار استعداده فى عمود الزمان وتردده بين الاقل والاكثر ، كتردد عمر البقّ مثلا بين ثلاثة او أربعة ايام ، فهذا يكون من الشك فى المقتضى.

والظاهر ان مراد المنكر لاعتبار الاستصحاب عند الشك فى المقتضى هو هذا المعنى كما يشهد به تمثيليه بالشك فى بقاء البلد المبنى على ساحل البحر ، اذ منشأ الشك فى بقاء البلد انما هو من جهة الشك فى مقدار استعداده للبقاء فى عمود الزمان.

وبالجملة : ضابط الشك فى المقتضى هو ان يرجح الشك فى بقاء الشيء حكما او موضوعا الى الشك فى مقدار بقائه ، كما ان ضابط الشك فى الرافع انما هو بعد احراز مقدار استعداده فى الزمان والشك فى حدوث امر زمانى يوجب رفعه.

واما الفرق بين الرافع والغاية فهو ان الغاية عبارة عن الحدّ المضروب للشيء بحسب الزمان بان يؤخذ زمان خاص قيدا فى بقاء الحكم ، كقوله : صم الى الليل ، وصل الى الزوال.

والحاصل ان الغاية عبارة عن حد الشيء بحسب الزمان والرافع عبارة عن الامر الزمانى الذى يوجب رفع الشيء وحينئذ بين مفهوم الغاية

٢١

والرافع تباينا كليا ، بحيث لا يمكن ان يكون شيء واحد رافعا وغاية لان الغاية ينحصر فى الزمان والرافع فى الزمانى ولو عممنا الغاية للزمانى ، والظاهر يصير بينهما عموما من وجه فيما اذا قيد الحكم بامر زمانى بحيث اخذ غاية آله فان ذلك كما يكون غاية للحكم يكون رافعا ايضا.

تفصيل ذلك ان الاقسام المتصورة فى الشك فى الرافع بعينها يتصور فى الغاية ، فان الشك فى الرافع كما يكون من جهة الشك فى وجود الرافع المعلوم رافعيته كالشك فى وجود بول وقد يكون الشك فى رافعية الموجود من جهة الشبهة الحكمية كالشك فى رافعية المذى ، او الموضوعية كالشك فى بوليه الامر الموجود كذلك الشك فى الغاية قد يكون فى تحقق ما جعل غاية كالشك فى تحقق الزمان او الغروب وقد يكون فى تحقق اصل الغاية ، بمعنى انه هل جعل لهذا الشيء غاية ام لا؟ وقد يكون فى مفهوم ما جعل غاية كالشك فى ان الغروب هل هو استتار القرص ، او ذهاب الحمرة المشرقيّة ، فان كان الشك فى الغاية من جهة الشك فى اصل تحقق الغاية فهو ملحق بالشك فى الرافع ، واما لو كان الشك فى الغاية من جهة الشك فى انه هل جعل للحكم غاية ام لا فهذا يرجع الى الشك فى المقتضى بل هو هو بنفسه لان مرجع الشك فى جعل الغاية للشيء هو الشك فى مقدار استعداد بقاء الشيء بحسب الزمان الذى يكون بهذا الاعتبار من الشك فى المقتضى وكذا الكلام فى القسم الثالث فى مقدار استعداد بقاء الحكم فى زمان الغروب ان كان هو استتار القرص فقد انقضى مقدار استعداد بقاء الحكم ، وان كان هو ذهاب الحمرة فاستعداده بعد بقاق ، فالشك فى مفهوم الغروب يوجب الشك فى مقدار استعداد الحكم.

٢٢

وبما ذكرنا يندفع ما يقال : من ان الشك فى المقتضى والرافع فى الموضوعات الخارجية مما لنا طريق على اثباته ، او مقدار استعداد الحكم فى عمود الزمان مما يمكن العلم به غالبا واما فى الاحكام فمن اين يمكن معرفة مقدار بقاء استعداده حتى يقال : ان هذا من الشك فى المقتضى او الرافع.

وجه الدفع هو ان الاحكام الشرعية مما يمكن معرفة استعداده فى عمود الزمان اذ الحكم اما ان يكون مغيّا بغاية ، واما لا يكون ، وما لم يكن مغيا بغاية فاما يعلم انه اخذ مرسلا بحسب عموم الزمان ولو بمعونة مقدمات الحكمة ، واما ان لا يكون كذلك ، فان كان مرسلا بحسب عموم الزمان فالشك فيه دائما يكون من الشك فى الرافع ، وان لم يكن مرسلا فالشك فيه يكون من الشك فى المقتضى ، وان كان مغيا بغاية ففيه التفصيل المتقدم.

اذا عرفت ما تلوناه من الانقسامات للاستصحاب باعتبار الثلاث فاعلم : ان الاقوى اعتبار الاستصحاب بالنسبة الى الانقسامات اللاحقة له باعتبار المستصحب ، وباعتبار الدليل المثبت له مطلقا فى جميع الأقسام. واما الانقسامات اللاحقة باعتبار الشك فالاقوى اعتباره ايضا بالنسبة الى ما كان منه من الشك فى الرافع وما يلحقه من الشك فى الغاية وعدم اعتباره فيما اذا كان الشك فى المقتضى ، وما يلحقه من الشك فى الغاية.

ويتضح ذلك بذكر الادلة التى اقاموها على الاستصحاب :

فمنها دعوى بناء العقلاء على العمل بالحالة السابقة. وهذه الدعوى فى الجملة مما لا سبيل الى انكاره ، بداهة انه قد استقرت الطريقة العقلائية على الاخذ بالحالة السابقة ، وعدم الاعتناء بالشك اللاحق ، واخذهم بالحالة السابقة من جهة حصول الاطمينان ببقائها ، لا من جهة الاحتمال

٢٣

والرجاء ، اذ كثيرا ما لا يحصل لهم الاطمينان ومع ذلك يمرون على وفق الحالة السابقة.

نعم لا بد فى جميع بناء العقلاء من نية عقلائى بماهية ان عمل العقلائى على الشيء لا يكون بلا موجب وعلى كل حال لا ينبغى انكار قيام سيرة العقلاء وطريقتهم البناء على المتيقن فى الجملة ، والمتيقن فيها هو ما كان الشك فى وجود المقتضى.

ومنها : الاجماع وهو وان نقله من نقله إلّا انه لا يمكن الركون اليه مع كثرة الاقوال.

نعم يمكن ان يقال بتحقق الشهرة او ما يقرب من اجماع على اعتبار خصوص الشك فى الرافع ، فان السيد وان نسب اليه الانكار" لقوله مطلقا" إلّا ان ظاهر تمثيله بالنكاح والالفاظ التى يشك فى وقوع الطلاق بها هو اعتبار الاستصحاب عند الشك فى الرافع ، وان كان يظهر منه اعتبار ذلك لاجل اطلاق ما دل على حلية النكاح للوطى ، لا من اجل الاستصحاب.

ومنها : الاخبار التى هى العمدة. منها مضمرة زرارة التى هى كالمصرحة بعد ما كان مضمرها مثل زرارة الذى لا يروى إلّا من الامام عليه‌السلام قال : قلت له الرجل نيام وهو على وضوء أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء قال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فان نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء وقلت وان حرك فى جنبه شيء وهو لا يعلم. قال (ع) لا حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك امر بين وإلّا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشك ولكن ينقضه بيقين آخر.

والاستدلال بهذه الرواية على اعتبار الاستصحاب فى جميع الابواب

٢٤

بتوقف على ابقاء خصوصية تعلق اليقين بالوضوء ويكون المحمول فى الصغرى وهى قوله" فانه على يقين من وضوئه" نفس اليقين حتى يكون الموضوع فى الكبرى وهى قوله" لا تنقض اليقين بالشك ابدا" هو نفس المتيقن المطلق كما هو شأن جميع الصغريات والكبريات من الشكل الاول ، من جعل موضوع الكبرى محمول الصغرى من دون زيادة ونقيصه.

وحاصل الكلام ان الذى لا بد من تنقيحه هو ان قوله (ع) " من وضوئه" فى قوله فانه على يقين من وضوئه هل هو متعلق باليقين على جهة القيدية حتى يكون اللام فى قوله ولا ينقض اليقين بالشك للعهد ، ويستفاد منه حرمه نقض اليقين بالشك فى خصوص باب الوضوء بعد القطع بالبقاء خصوصية المورد من الشك فى خصوص النوم ، وان تعلقه باليقين لا على جهة القيدية بل انما جيء به من انه طرف اضافه اليقين حيث ان اليقين لا بد له من متعلق يتعلق به كما انه لا بد بشخص قائما به. وقد ذكر الشيخ (قده) ثلاثة احتمالات.

احدها : ان يكون جزاء قوله" وإلّا فإنّه" امر مقدر وهو فلا يجب عليه الوضوء مثلا ، ويكون قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه علمه لهذا الجزاء اقيم مقامه.

ثانيها : ان يكون الجزاء وهو قوله" ولا تنقض اليقين بالشك" ويكون قوله على يقين من وضوئه فيجب البناء على يقين من وضوئه.

ثالثها : ان يكون الجزاء وهو قوله ولا تنقض اليقين بالشك ويكون قوله على يقين من وضوئه قد ذكر توطئه للجواب. ثم زيّف الاحتمالين الاخيرين واختار الوجه الاول ، ولكن قد عرفت انه لا يهمنا البحث عن ذلك وتعين الجزاء وانه هل هو المقدر او لا؟ مع ان ما اختاره عن تقدير

٢٥

الجزاء لا يخلو عن ركاكة فان حكم المورد من عدم وجوب الوضوء بينه الامام عليه‌السلام قبل ذلك عند قول السائل فان حرّك عند جنبه شيء وهو لا يعلم فقال لا : حتى يستيقن ، فان قوله لا معناه لا يجب الوضوء وعليه فلو قدّر جزاء بمثل قوله : فلا يجب عليها الوضوء يلزم التكرار فى بيان حكم المورد مرتين ولا يخفى ركاكته فاحتمال ان يكون الجزاء امرا مقدرا ساقط من أصله كسقوط احتمال الثالث. او احتمال قوله : ولا تنقض اليقين بالشك هو الجزاء بعيد غايته ، ولا يحتمل من اللفظ الا بعد التنبيه عليه فلا يكون اللفظ ظاهرا فيه مع انه على هذا يخرج قوله : " وتنقض اليقين بالشك عن كونه كبرى كليا يستفاد منها حجيه الاستصحاب مطلقا ، بل غاية ما يستفاد منه حرمه نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه ما لا يخفى وعلى هذا يتعين ان يكون قوله فانه على يقين من وضوئه هو الجزاء.

والتحقيق ان يقال : ان ذكر من وضوئه لمحض الموردية وما كان اليقين مضافا اليه فى الخارج حينئذ من باب عدم معقولية تحقق اليقين فى الخارج ، من دون ان يكون مضافا الى شيء ، اذ العلم من الصفات الحقيقية ذات اضافه لا يعقل تحققه من دون ان يكون مضافا الى شخص خاص وقائما به من دون متعلق الى شيء فتأخير قوله من وضوئه على يقين كتقديمه عليه لا يستفاد منه ازيد من كونه طرف الإضافة من دون ان يكون له دخل اصلا بل ولا يحتمل المدخلية حتى يقال : ان الاحتمالات يوجب سقوط الاستدلال ايضا وعدم امكان استفادة الكبرى الكلية لأجل احتفاف الكلام للقرينة. لما عرفت من انه لا ينبغى ان يحتمل ان ذكره من وضوئه لبيان افاده ان له دخل فى المحمول حتى يكون قيدا له ، فانه لو كان لصدور بيان افاده دخله فيه لكان يحتاج الى بيان ازيد من ذلك مضافا الى ان مناسبة الحكم والموضوع

٢٦

وذكر لفظ النقض يقتضى ان يكون لخصوصية تعلق اليقين بالوضوء دخل فى الحكم مضافا الى ان الظاهر من قوله (ع) فانه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشك ابدا هو تقرير لما هو المرتكز عند العقلاء على الاخذ بالحالة السابقة.

وبالجملة لا ينبغى الشك فى استفادة الكبرى الكلية من هذه الصحيحة وحجيه الاستصحاب مطلقا.

ثم انه ربما اشكل على الرواية بأن غاية ما يستفاد منها هو سلب العموم لا عموم السلب فلا يدل على ان كل فرد من افراد اليقين لا ينقض بالشك ، بل مجموع افراد اليقين لا ينقض بالشك.

وهذا لا ينافى نقض بعض الافراد ، فلا دلالة فيها على اعتبار الاستصحاب مطلقا.

وفيه : ان سلب العموم انما يصح اذا كان السلب وارد اعلى نفس العموم لان ملاحظه العموم لأن يلاحظ العموم معنا اسميا مثل (لفظه كل) ويرد عليه النفى ، وهذا انما يكون فيما اذا كان أداة العموم مثل لفظه كل وما يناسبها ، واما مثل الجمع المحلى باللام ، وكذا المفرد المحلى باللام ، والنكرة الواقعة فى سياق النفى والنهى فلا يمكن ان يكون السلب فيها واردا على العموم حتى يكون مفاده سلب العموم ، اما فى النكرة فواضح حيث ان العموم انما يستفاد فيها من النفى حيث ان نفى الطبيعة لا يتحقق إلّا بنفى جميع افرادها فلا عموم هناك حتى يرد النفى عليه ، بل مرتبه العموم متاخره عن مرتبه ورود النفى فلا يعقل ان يرد النفى على ما هو متأخر عنه. وكذلك الكلام فى المفرد المحلى باللام فان العموم فيه ربما يستفاد منه بعد ورود الحكم عليه ايجابا او سلبا بمعونة مقدمات الحكمة ، حيث ان

٢٧

الحكم على الكلى الطبيعى يقتضى السريان والشياع فيما يمكن انطباق الكلى عليه ، اذ المفرد المحلى باللام لم يكن هو بعينه موضوعا للعموم حتى يمكن ان يرد الحكم ثبوتا او سلبا على العموم ففى مثل لا تكرم رجلا ، او لا تكرم الرجل ، او لا تنقض اليقين لا يعقل ان يكون المراد منه سلب العموم ، بل لا محيص من إرادة عموم السلب. نعم فى مثل الجمع المحلى باللام يعقل ذلك حيث انه موضوع للعموم مع قطع النظر عن ورود الحكم عليه ويمكن ان يرد السلب او الايجاب على نفس العموم ولكن حيث ان أداة العموم فيه يكون مرآتا بملاحظة نفس العام بما له من المصاديق المقدرة وجوداتها.

والحاصل ان اللام فى الجمع انما يكون موضوعه بمعنى حرفى مرآتا ، بملاحظة المصاديق ، والعموم انما يستفاد منها فلا يمكن ان يرد الحكم عليه بما عرفت : من ان ورود الحكم على العموم لا بد وأن يلاحظ فى العموم معنا اسميا ، فالسلب فى الجمع المحلى باللام ايضا لا يمكن. نعم فى مثل لفظه كل وما شابهها مما يكون معانيها اسميه يمكن ان يدعى ظهور السلب فيها بسلب العموم حيث ان السلب يرد على نفس كل.

كما هو الظاهر من مثل لا تأكل كل رمان فى البستان وتضرب كل عالم اذا فسد.

ومنها : مضمرة اخرى لزرارة قال :

قلت له اصاب ثوبى دم رعاف او غيره او شيء من المنى فعلمت اثره الى ان أصيب له الماء حضرت الصلاة ونسيت ان بثوبى شيئا من المنى وصليت ثم انى ذكرت بعد ذلك قال (ع) تعيد الصلاة وتغسله قلت : فان لم يكن رأيت موضعه وعلمت انه اصابه فطلبته ولم اقدر عليه فلما صليت وجدته قال

٢٨

عليه‌السلام تغسله وتعيد قلت وان ظننت انه اصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت ولم ار شيئا فصليت فيه فرأيت فيه قال (ع) تغسله ولا تعيد. قلت : لم ذلك قال (ع) : لانك كنت على يقين من طهارتك وشككت وليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. قلت فانى قد علمت انه قد اصابه فلم ادر اين هو فاغسله قال : تغسل من ثوبك الناحية التى ترى انه قد اصابها حتى تكون على يقين من طهارتك. قلت : فهل على ان شككت انه اصابه شيء ان انظر فيه قال : لا ولكنك انما تريد ان تذهب بالشك الذى وقع من نفسك قلت : ان رأيته فى ثوبى وانا فى الصلاة. قال : تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت فى موضع منه ثم رأيته وان لم تشك ثم رأيت رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة لانك لا تدرى لعله اوقع عليك فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك الحديث.

هذه الصحيحة مشتمله على عده من الاحكام منها صحه الاستصحاب بناء على ان يكون المراد من اليقين فى قوله لانك كنت على يقين من طهارتك هو اليقين بها قبل ظن الإصابة لا اليقين الحاصل من الفحص بعد الظن بالإصابة وإلّا كانت الرواية منطبقة على قاعده اليقين لا الاستصحاب إلّا ان ذلك خلاف الظاهر خصوصا مع فرض الراوى حصول اليقين بالطهارة بالفحص بعد ظن الإصابة بل فرضه انما هو لم ير شيئا بعد النظر وعدم الرؤية اعم من حصول اليقين بالعدم كما لا يخفى. انما الاشكال فى تطبيق التعليل على المورد ، وحاصله انه كيف يصح التعليل لعدم وجوب الإعادة بعدم العلم بوقوع الصلاة مع النجاسة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك ... الخ.

مع ان الإعادة حينئذ لا تكون من نقض اليقين بالشك بل نقض اليقين باليقين نعم يصح التعليل بذلك بلحاظ حال قبل الشروع فى الصلاة حيث انه بمجرد الظن بالنجاسة مع عدم تيقنها لو لم يشرع فى الصلاة لكان ذلك

٢٩

عن نقض اليقين بالطهارة بالشك فيها ، واما بلحاظ قبل فعل الصلاة والعلم بوقوعها فى النجاسة فلا يصح التعليل بذلك لعدم وجوب الإعادة.

وينبغى قبل التعرض لدفع الاشكال وكيفية تطبيق التعليل على مورده ، من بيان كيفية اعتبار الطهارة عن النجاسة الخبثيه فى الصلاة وان ما هو شرط فى الصلاة ما ذا؟ فاعلم : انه قد استفاضت الاخبار بان من علم بالنجاسة فنسى وصلى تجب الإعادة عليه ، ومن لم يعلم بها لم تجب وان انكشف بعد ذلك وقوع الصلاة مع النجاسة ، وبمضمونها افتى الاصحاب وان كان يظهر من بعض الاخبار خلاف ذلك وانه يجب الإعادة مطلقا إلّا انه لم يعمل بها المشهور وهو مما لا اشكال فيه ولكن ينبغى ان يعلم كيفية اخذ العلم وعدم العلم موضوعا يوجب الإعادة وعدمه فان العلم المأخوذ فى الموضوع يمكن اخذه على احد وجوه الثلاث.

الاول ان يؤخذ على وجه الصفتية بان يكون العلم بالنجاسة بما هو صفة خاصه قائمة بالعالم موضوعا لوجوب الإعادة ولازم اخذه بهذه الوجه عدم قيام شيء من الطرق والاصول المحرزة وغير المحرزة كما حررناه فى محله.

الثانى ان يؤخذ على وجه الطريقية بما هو محرز بان يكون العلم بالنجاسة هو محرز فى الواقع وطريق اليه موضوعا لوجوب الإعادة لازم ذلك اخذه على هذا الوجه قيام الطرق وخصوص الاصول المحرزة مقامه.

الثالث : ان يؤخذ على وجه المنجزية بان يكون العلم بالنجاسة منجزا للاحكام ، من وجوب الاجتناب اكلا وشربا موضوعا لوجوب الإعادة ولازم ذلك قيام كل ما يكون منجزا للواقع مقامه من غير فرق بين الطرق والاصول المحرزة وغيره الاشتراك الكل فى كونها منجزه للواقع عند المصادفة وعليه لا بد من الإعادة عند تنجز النجاسة بمنجز بل لازم اخذ العلم على وجه المنجزية

٣٠

موضوعا لوجوب الإعادة لزوم الإعادة عند الشك فى النجاسة ايضا مع عدم رافع له من عقل او شرع ، لان الاحكام منجز بنفس الشك فيها إلّا ان يثبت له مزيل من الاستصحاب والطهارة.

وتظهر الثمرة بين العلم على وجه الطريقية او المنجزية انه لو علم اجمالا بنجاسة احد الثوبين ثم غفل عن ذلك وصلى فى كل ثوب صلاة وبعد ذلك تبين نجاسة كلا الثوبين فان لازم اخذ العلم على وجه المنجزية هو اعاده كلا الصلاتين لانه بنفس العلم الاجمالى قد ينجز عليه النجاسة فى كل من الثوبين ولازم اخذ العلم على وجه الطريقية هو عدم لزوم اعاده الصلاتين لان العلم الاجمالى انما كان طريقا الى نجاسة احد الثوبين فيكون احدى الصلاتين واقعة فى النجس من دون طريق اليه فيقع الاشكال فى الإعادة لان العلم الاجمالى الاول لم يتعلق. فتأمل.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان العلم المأخوذ فى لسان الأدلّة موضوعا لوجوب الإعادة يحتمل اخذه على احد الوجهين الآخرين فلا يحتمل اخذه على وجه الصفتية كما لا يخفى وعلى كلا الاحتمالين يستقيم التعليل الوارد فى الرواية ، فانه بناء على كون العلم مأخوذا على وجه التنجزية يكون التعليل لبيان افاده ان النجاسة لم يكن لها منجزه فلا موجب للاعادة وذلك ينبغى على ان يكون العلة مجموع قوله : لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ، لا خصوص قوله وليس ينبغى ... الخ. وبعبارة اخرى ان يكون العلة المجموع من المورد والاستصحاب ، لا خصوص الاستصحاب فانه بناء على هذا يكون قوله (ع) : «لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت» لبيان افاده انك لم تكن عالما بالنجاسة تفصيلا او اجمالا كما هو المفروض فى صدر الرواية ، بل كنت متيقنا بالطهارة وشاكا

٣١

فى النجاسة ويكون قوله : وليس ينبغى لك ... الخ. لبيان افاده ان شككت هذا معنى بحكم الاستصحاب فالنجاسة غير منجز عليك لا بالعلم لعدم علمك بها بل كان علمك بالطهارة ، ولا بالشك لانك وان كنت شاكا فيها وكان الشك بها موجبا لوجوب الإعادة حيث ان بنفس الشك تنجز عليك احكامه إلّا ان شكك هذا ملغى بمقتضى الاستصحاب ، وعدم نقض اليقين بالشك ، فلا موجب للاعادة ، والتعليل بذلك لعدم وجوب الإعادة بناء على اخذ العلم على وجه المنجزية يكون فى محله.

واما بناء على ان يكون العلة هى خصوص قوله (ع) : لا ينبغى لك الخ ويكون قوله لانك كنت على يقين من طهارتك فشككت جيء به توطئه بما هى العلة فحسن التعليل لا يتوقف على اخذ العلم على جهة المنجزية بل التعليل يحسن ، وان كان العلم مأخوذا على جهة الطريقية فان التعليل لو كان هو خصوص الاستصحاب فيكون مفاد الرواية انه لا يجب عليك الإعادة لانك كنت مستصحب الطهارة اى لاحراز الطهارة بالاستصحاب فيكون المقام من منصوص العلة الذى يستفاد منه الكبرى الكلية وهو كلها كان محرزا للطهارة لا يجب عليه الإعادة.

وحاصل الكلام انه سواء قلنا ان الشرط فى عدم وجوب الإعادة هو عدم العلم بالنجاسة والشك المستقر او قلنا بان الشرط هو احراز الطهارة فيستقيم التعليل.

نعم بناء على هذا الوجه وهو كون التعليل مسوقا لبيان افاده الكبرى الكلية من شرطيه احراز الطهارة ربما يقع التعارض بينهما وبين ما دل على كفاية عدم العلم بالنجاسة فى عدم وجوب الإعادة كما استفاضت فيه الروايات فان لازم ذلك هو عدم الحاجة الى احراز الطهارة بل يكفى عدم العلم

٣٢

بالنجاسة فيصح صلاة الغافل كما ورد من صحه صلاة من كان فى ثوبه عذره انسان او سنور ، او كلب وهو لا يعلم سواء كان العلم مأخوذا على وجه الطريقية ، او على وجه التنجزية ، فانه لو كان للطريقية فغايته قيام كل طريق محرز للنجاسة مقامه وهذا لا ربط له بشرطية احراز الطهارة إلّا ان يكون التعليل بذلك من باب انه من مصاديق عدم العلم بالنجاسة ولازم شرطيه الاحراز هو عدم كفاية ذلك فى بطلان صلاة الغافل. إلّا ان يقال ان الاحراز انما يكون شرطا عند الالتفات الى الطهارة والنجاسة لا مطلقا. فيصح صلاة الغافل ايضا ، ومع ذلك لا يمكن القول بشرطية احراز الطهارة ولو مع الالتفات اليها فانه لا اشكال فى صحه صلاة من صلى بقاعدة الطهارة عند الشك فيها مع ان القاعدة لم يكن محرزا للطهارة او ليست من الاصول المحرزة.

إلّا ان يقال ان الشرط اعم من احراز الطهارة الواقعية والظاهرية هذا بخلاف ما اذا قلنا بان العلم مأخوذ على جهة التنجز فانه خال عن هذا الاشكال طرا فيصح صلاة الغافل ، ومن صلى بقاعدة الطهارة بلا تكلف لعدم منجزية النجاسة بالنسبة اليها.

ودعوى اخذ العلم موضوعا على وجه التنجز ليست بجعل التعبد بل يمكن ان يجعل نفس هذه الصحيحة قرينة على ذلك وما ورد فى بعض الروايات عن ميسر قال قلت لابى عبد الله (ع) آمر الجارية فتغسل ثوبى من المنى فلا تبالغ فى غسله فاصلى فيه فاذا هو يابس. قال (ع) : اعد صلاتك اما انك لو كنت غسلت لم يكن عليك شيء فانه لو كان عدم العلم بالنجاسة المنجزة موضوعا لعدم وجوب الإعادة لكان اللازم عدم الإعادة مطلقا فى مفروض السؤال فى الرواية ولو كانت الجارية غسلت الثوب او بعد تغسيل الجارية واجبارها بالتطهير لم يكن النجاسة منجزه عليه ، لاصالة الصحة فى

٣٣

فعلها واعتبار قول ذى اليد ، فلا موجب للاعادة ، والعلم السابق على تطهير الجارية مما لا اثر له بعد قيام الحجة الشرعية على خلافه مع انه لو كان العلم السابق موجبا للاعادة ولو مع قيام الحجة على خلافه لما كان وجه للتفرقة بين تغسيل الجارية وبين تغسيله بنفسه ، حيث حكم الامام (ع) بالإعادة فى الاول وعدم الإعادة فى الثانى مع اشتراكها فى العلم السابق هذا.

ولكن منافات هذه الرواية بما ذكرنا امر وحسن التعليل امر آخر ، فان التعليل يحسن بما ذكرناه على كل حال ، وان كان هذه الرواية مضمونا منافيه لمضمون الصحيحة مع انه يمكن ان يقال : بعدم المنافاة بينهما لانه عند تطهير الجارية العلم السابق للنجاسة لم يرتفع اثره بالنسبة الى الإعادة بمجرد اخبار الجارية بالتطهير مع عدم العلم به وان ارتفع اثره بالنسبة الى جواز الدخول فى الصلاة منجزا لاحكام النجاسة عليه بمجرد العلم به ، وقيام الحجة على خلافه لا يقتضى ازيد من المقدورية المعلومة فلا موجب لعدم الإعادة وهذا بخلاف ما اذا باشر بنفسه التطهير ، فانه هو بمباشرته يعلم بزوال النجاسة ويبدل علمه بالنجاسة الى علمه بالطهارة ويرتفع اثر علمه السابق بعد انقلابه مع ان هذه الرواية منافية على كل حال ولو كان العلم للطريقية مع ان اخذ العلم فى الاخبار لا تخلو عن احدهما ثم انه ربما قيل : بان حسن التعليل بذلك انما هو لاقتضاء امر الظاهرى الاجزاء فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها وقد اشكل الشيخ (قده) على ذلك بما حاصله ان ظاهر التعليل هو ان يكون العلة لعدم وجوب الإعادة كون الإعادة نقضا لليقين بالشك لو كان التعليل بلحاظ اقتضاء الامر الظاهر للأجزاء لكان الانسب ،

٣٤

بل المتيقن هو تعليل عدم الإعادة بكون الامر الظاهرى مقتضيا للاجزاء لا لكونها نقضا للمتيقن بالشك. هذا ، ولكن الأنصاف ان الأشكال بذلك مما لا يستقيم فانه بعد فرض كون العلة هو نفس الاستصحاب وعدم نقض اليقين بالشك لا المجموع من المورد والاستصحاب كما استظهرناه سابقا والمفروض ان التعليل بذلك بعد انكشاف وقوع الصلاة فى النجس مما لا يحسن بضم كبرى آخرى كلية تستفاد من نفس الدليل بدلالة الاقتضاء بحيث يكون عدم الإعادة فى المورد من صغريات تلك الكبرى المنكشفة من التقليل بدلالة الاقتضاء كما يكون من شرطيه احراز الطهارة كما تقدم ، ويترتب عليها عدم الإعادة كذلك يمكن ان يكون الكبرى اقتضاء الامر الظاهرى الاجزاء ويترتب عليها ايضا عدم الإعادة.

والحاصل ان حسن التعليل بالاستصحاب يتوقف على انضمام كبرى آخرى اليه بكون تلك الكبرى هى العلة فى الحقيقة لعدم الإعادة فان تعليل عدم الإعادة بعد انكشاف الخلاف حيث كان الصلاة مستصحب الطهارة فى ذلك الحال لا يخلو : اما لاجل ان يكون الشرط هو احراز الطهارة واما الاقتضاء الأمر الظاهرى. الاجزاء : فالاولى ان يجاب عمن قال بان التعليل فى الرواية بذلك انما هو لاقتضاء الامر الظاهرى الأجزاء بانه لا ينحصر حسن التعليل ايضا بالقول بان الشرط هو احراز الطهارة اذ بعد ما كان لا محيص من استفادة كبرى اخرى بها يتم حسن التعليل فالكبرى المستفادة كما يمكن ان يكون هى اقتضاء الامر الظاهرى الأجزاء كذلك يمكن ان يكون هى شرطيه الاحراز فيتعين الأول دون الثانى بلا معين ، فتكون الصحيحة من هذه الجهة مجملة.

ودعوى ان من لوازم الشرعية السابقة المستصحبة فان الصلاة هو

٣٥

الاجزاء وعدم الإعادة فالاجزاء انما هو من لوازم المجعول من الطهارة المستصحبة وعليه لا يحتاج فى حسن التعليل الى استفادة الكبرى الكلية من اقتضاء الامر الظاهرى الاجزاء حتى يقال بان الرواية مجملة من هذه الجهة ، بل لاستصحاب الطهارة عند الشك فيها لوازمه الشرعية. منها جواز الدخول فى الصلاة ، منها عدم الإعادة عند انكشاف الخلاف ، فتعليل عدم الإعادة بالاستصحاب يكون فى محله لان من لوازمه عدم الإعادة ولا يتوقف حسنه على استفادة كبرى كلية اخرى فاسده جدا ، فان الاجزاء انما هو من لوازم العقلية على اقسامه من اجزاء المأمور به بالأمر الواقعى عن امره واجزاء المأمور به بالأمر الظاهرى عن امره. واجزاء المامور به بالامر الظاهرى عن الامر الواقعى مع عدم انكشاف الخلاف بما يثبته بان الاجزاء فى القسمين الأولين من اللوازم العقلية لنفس المجعول ، بداهة ان من لوازم المجعول الواقعى او الظاهرى هو الأجزاء وسقوط الأمر عقلا. واما القسم الاخير وهو اجزاء الماتى به بالامر الظاهرى عن الامر الواقعى انما هو من نفس الجعل الظاهرى عقلا ، فان دلالة الاقتضاء مقتض باكتفاء الشارع بالصلاة مع استصحاب الطهارة ، مع عدم انكشاف الخلاف وإلّا لم يكن معنا لجعله الاستصحاب وكان لغوا والعقل حاكم بان من لوازم جعل الشارع حجيه الاستصحاب هو الاكتفاء به بالماتى به بالاستصحاب ، لكن حكم العقل بذلك تابع لبقائه الجعل الشرعى فما دام الجعل الشرعى من الاستصحاب بوجود الحكم العقل بالاجزاء ايضا موجود. فاذا ارتفع الاستصحاب بانكشاف الخلاف كما فى مورد الرواية وارتفع حكم العقل بالأجزاء قهرا. وبعبارة اخرى حكم العقل بالأجزاء ظاهرى تابع لبقاء الحكم الظاهرى الشرعى ويدور مداره ، فالاجزاء بعد انكشاف الخلاف لا يمكن تطبيقه على القاعدة.

٣٦

ولا يمكن ان يكون من لوازم الشرعية للمستصحب ، فلو ثبت اجزاء فى مورد الرواية فلا بد من ان يكون ذلك بدليل آخر غير الأدلة المتكفلة للاحكام الظاهرية ، وبالأخرة يرجع الى انه لا بد من استفادة كبرى لاقتضاء الظاهرى للأجزاء فى حسن التعليل.

ثم انه بعد ما عرفت من تسالم الفقهاء على عدم وجوب الإعادة عند انكشاف وقوع الصلاة فى النجس وهو الذى استفاضت به النصوص يقع الكلام فى طريق الجمع بينهما وبين الأدلّة التى اعتبر الطهارة شرطا للصلاة فان اشتراط الطهارة الواقعة مطلقا سواء علم بالنجاسة او لم يعلم ، ولازم ذلك بطلان الصلاة عند وقوعها مع النجاسة ، ووجوب الإعادة بل قضائها مطلقا مع ان الروايات فى الباب ناطقة بعدم وجوب الإعادة ، فكيف يجمع بينهما وقد ذكر لوجه الجمع وجوه :

الاول ما حكى عن بعض من انه فى هذا للمورد قد اخذ العلم بالنجاسة وغير المأكول شرطا ومع عدم العلم ليست الطهارة والمأكولية شرطا واقعيا.

الثانى ما نسب الى بعض آخر من ان الشرط هو احراز الطهارة بوجه عن الالتفات اليها. او يقال ان الشرط اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية المحرزة. والفرق بين هذا الوجه وسابقه هو ، انه بناء على هذا الوجه لا بد من احراز الطهارة بوجه من الاستصحاب وقاعده الطهارة ولا يكفى الشك فيها مع عدم المزيل ، وهذا بخلاف الوجه السابق فانه يكون فى صحته اى العمل مجرد عدم العلم بالنجاسة ، ولا يحتاج الى احراز الطهارة فلا بنى احد على عدم حجيه الاستصحاب وقاعده الطهارة فيها كان اللازم بناء على الوجه الاول صحه الصلاة وبناء على الوجه الثانى بطلانها.

٣٧

وربما تطهر الثمرة بين الوجهين ايضا فيما لو صلى فى بعض الاطراف المعلوم نجاسته بالاجمال غفله ، فبناء على كفاية عدم العلم بالنجاسة صحت صلاته ، لانه حين الصلاة لم يعلم نجاسته ذلك البعض ، والعلم السابق لم يتعلق به بخصوصه بل تعلق بما يكون مرددا بينه وبين غيره ، واما بناء على الآخر بطلت صلاته لعدم احراز الطهارة ، فتأمل.

هذا ، ولكن الظاهر انه لا يمكن الالتزام بكل من الوجهين فلا ينطبق عليه فتاوى الاصحاب.

اما الوجه الاول فلتسالم الاصحاب ظاهرا على انه لا بد من احراز الطهارة بوجه عن الالتفات اليهما ، ولذا علل الامام (ع) فى الرواية بالاستصحاب ، ومن هنا تمسك بعض من قال بالصحة بالمثال المتقدم بقاعدة الفراغ.

واما الوجه الثانى فلعدم قيام دليل على ان الشرط فى الصلاة هو الاعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، بل الأدلة على قسمين : قسم بظاهره شرطيه الطهارة الواقعية ، وقسم ما اعتبر العلم بالنجاسة فى موضوع وجوب الإعادة طريقيا او منجزا ، فالقول بان الشرط هو احراز الطهارة بلا دليل كما اختاره النائينى (قده).

الثالث ان يكون الاجزاء فى هذه الموارد من باب القناعة من المأمور به الواقعى بما يقع امتثالا له ، بان يكون الفعل الواقعى بعنوان الامتثال للواقع بدلا عن الواقع المأمور به وقائما بمصلحة فى هذا الحال. والفرض المطلوب منه ، فيكون الشارع قد اكتفى بالصلاة فى غير المأكول والنجس الحاكى بها بداعى امتثال الامر الصلاتى وقع بها عن الصلاة فى المأكول. والظاهر لا يرد على هذا الوجه شيء مما اوردناه سابقا على الوجهين ،

٣٨

بداهة انه لا بد من احراز الطهارة بوجه عند الشك فيها حتى يكفى ايقاع الصلاة فى النجس مع عدم علمه بها.

فان قلت الماتى به فى حال الجهل كالصلاة فى غير المأكول والنجس اما ان يكون مشتملا على مصلحة الواقع او لا؟ فان كان مشتملا عليها فلا بد من الأمر به تخييرا لا للأمر بالصلاة فى المأكول والطهارة مغنيا. وان لم يكن مشتملا عليه فلا وجه للإفتاء ان الشارع به مع تمكنه من تحصيل المصلحة الواقعية عند انكشاف الخلاف.

قلت دليل الاجزاء يكشف كشفا انيا عن اشتمال الماتى به فى حال الجهل على المصلحة إلّا ان مصلحته انما يكون فى طول مصلحة الواقع ، ومع هذا لا يمكن الأمر به تخييرا كما لا يخفى.

والحاصل انه لا يمكن القول ببقاء المأمور به الواقعى على مصلحة حتى فى هذا الحال فان ذلك يلزم اطلاق الأمر به ومعه يمتنع الأجزاء ، بل لا بد من ان يكون مقيدا بغير هذا الحال ولكن لا على هذا التقييد اللحاظى اذا التقييد اللحاظى فى مثل المقام ممتنع فان الاطلاق او التقييد اللحاظى بالنسبة الى الانقسامات اللاحقة للشيء السابقة على الاوامر ، واما الانقسامات اللاحقة له بعد وجوده كالقربة وامثاله فيما لا يمكن فيه الاطلاق والتقيد اللحاظى ، بل لا بد من نتيجه الاطلاق او نتيجه التقييد ، ومعنى نتيجه الاطلاق والتقييد هو ان المصلحة والغرض الباعث على الامر اما ان لا ـ يختص حصوله بتقدير خاص من التقادير اللاحقة للأمر بعد وهذا وجوده منتجة ذلك الإطلاق ، فاما ان يختص بتقدير خاص كفعله بقصد القربة وهذا

٣٩

نتيجه التقييد ، وذلك بعد عدم امكان الاطلاق والتقييد اللحاظى والمقام بعد ما كان السابق به انما اشتمل على المصلحة من حيث وقوعه امتثالا للواقع فالتقييد اللحاظى لا يمكن لان مرتبه امتثال الشيء متأخر عن وجوده والاطلاق اللحاظى ايضا لا يمكن لعين ما ذكرناه فى التقييد اللحاظى ، ونتيجه الاطلاق ايضا قد ثبت امتناعه فى المقام لعدم معقولية الاجزاء ، فلا بد من نتيجه التقييد. نعم التقييد اللحاظى بالنسبة الى ما هو من قيود الموضوع وحالاته وكان ذلك جهل المكلف به بمكان من الامكان ، اذ لا مانع من ان يقال : كل من كان جاهلا بالنجاسة او غير المأكولية فليصل معها ، او يقال ايها الجاهل بالنجاسة صل ولو وقعت صلاتك مع النجاسة ، ولا يقاس ذلك بتكليف الناسى للجزء حيث قلنا لا يمكن تكليفه بالناقص بدليل يخصه ، كان يقال ايها الناسى للسورة مثلا صل بلا سورة فان تكليفه بذلك يوجب خروجه عن عنوان الناسى بمجرد التفاته الى كونه ناسيا ، وهذا بخلاف الجاهل بالنجاسة على ان تكليفه بذلك يرجع الى الوجه الاول ، من كون العلم بالنجاسة اخذ قيد الشرطية الطهارة وقد عرفت فساده اما بناء على وجه الثالث الذى اخترناه وفاقا. للنائينى (قده) من ان الاجزاء من باب القناعة عن الواقع بما وقع امتثالا له فقد عرفت انه لا بد فيه من نتيجه التقييد.

والحاصل ان المقام نظير المورد التى قام الدليل فيها على الاجزاء موارد تبدل رأى المجتهد فى خصوص العبادات بناء على الاجزاء فيها كما ادعى على ذلك الاجماع وغيره.

ثم اعلم ان الصحيحة قد اشتملت على عده صور من وقوع الصلاة مع النجاسة.

٤٠