الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فى خصوص باب الصلاة الشك فى الجزء منزلة الكل فاطلق على الجزء اسم الشيء بلحاظ السابق على التركيب وجعله من مصاديق الشك فى الشيء تعبدا ، او تنزيلا الذى يدل على هذا التنزيل من الاخبار بعد الالتفات الى الشك فى اجزاء الصلاة كرواية زرارة وعليه يرتفع الاشكال الخمس المتقدمة ، اذ بعد ما كان المراد من الشيء فى قوله انما الشك فى شيء لم تجزه انما هو مطلق الشيء مركبا كان او غير مركب ولم يعم جزء المركب بما هو هو ولم يكن الجزء فى هذا اللحاظ شيئا بل شيئية الجزء بالتنزيل والتعبد ، فلم يستعمل الشيء فى الجزء والكل معا حتى يقال : انه لا يصح اطلاق الشيء عليه فى مرتبه واحدة. وكذا المراد من الشك فى وجود الشيء والشك فى قاعده الفراغ انما هو فى وجود الكل وان كان فى وجود الكل مسببا عن الشك فى وجود جزء او شرط لا محاله فلم يكن المراد من الشك فى الشيء الا الشك فى وجوده بمفاد كان التامة فالاشكال الاول والثانى ارتفعا ، وكذا اشكال التناقض والتهافت اذ الشك فى الحمد مثلا فى الاثناء وان صدق انه شك فى شيء لم تجزه بعد إلّا انه بعد ما كان الشك فى الشيء مسببا عن الشك فى الحمد وقد حكم الشارع بمقتضى قاعده التجاوز انه قرء الحمد فلا يبقى حينئذ مجال تثبت بقاعدة الفراغ لا عادة الحمد وكذا المراد من التجاوز هو التجاوز عن محل المشكوك حينئذ قاعده الفراغ ايضا يكون التجاوز عن محل المشكوك لما عرفت من ان الشك فى قاعده الفراغ ايضا يكون باعتبار الشك فى الجزء غايته ان التجاوز عن محل الحمد تارة يكون بالركوع واخرى يكون بعد الصلاة ، وكذا يكون الشك فى الجزء والشك فى الكل كلتا صورتى الشك فى الجزء والشك فى الكل انما يكون متعلقا بنفس الجزء إلّا انه عند الشك فى الكل يكون الكل

٢٠١

ظرفا للشك فجميع الاشكالات الخمس حينئذ يرتفع مع الالتزام بكبرى واحده ولا حاجة الى تعدد الكبرى وترتب على وحدة الكبرى ثمرات ربما نأتى الإشارة اليها.

المقام الثالث : فى معنى التجاوز ان التجاوز عن الاجزاء المشكوكة انما يكون بالتجاوز عن محلها لا عن نفسها لان المعروض الشك فى وجودها فلا يعقل التجاوز عن نفسها فلا بد ان يكون التجاوز عن الجزء المشكوك بالتجاوز عن محله على نحو الحذف والتقدير.

أقول : لا حاجة الى الحذف والتقدير اذ بعده لوحظ الشك فى الجزئية ، منزلة الشك فى الكل ولوحظ الجزء بلحاظ السابق من التكاليف شيئا مستقلا بحيال ذاته تنزيلا كان نسبه التجاوز عن الجزء المشكوك اليه على الحقيقة تنزيلا على ما يراه السكاكى فى باب الاستعارة ويكون قد نزل التجاوز عن المحل منزلة التجاوز عن نفسه فاضيف التجاوز اليه وعلى كل حال المراد من المحل المنزل او المحذوف هو المحل المضروب للجزء شرعا حسب ما دل عليه دليل ترتب الاجزاء ولا عبرة بالمحل العادى اصلا فى الشيء من المقامات ، وان كان ربما حكى عن بعض الاعلام اعتياد فى بعض الموارد كالشك فى التطهير والاستبراء وبعد التجاوز عن محلها وكالشك فى غسل الجانب الايسر عن اعتبار غسله عقيب الأيمن بلا فصل إلّا ان الظاهر ان فتح باب المحل العادى يوجب تأسيس فقه جديد مع انه لم يكن منه عين ولا اثر فى الاخبار.

ثم انه يعتبر فى قاعده الفراغ ان يكون منشأ الشك ما عدا الجزء الاخير اذ لا يعتبر فى قاعده الفراغ ان يكون منشأ الشك ما عدا الجزء

٢٠٢

الذى به يتحقق الفراغ ولكن الظاهر عدم الحاجة الى ذلك اما فى باب الصلاة فلانه عند الشك فى التسليم تجرى قاعده التجاوز فيه على بعض الوجوه وتفصيل ذلك هو ان الشك فى التسليم تارة يكون فى حال الاشتغال بالتعقيب واخرى لا يكون كذلك وعلى الثانى فاما ان يكون الشك بعد فعل ما ينافى الصلاة عمدا وسهوا كالحدث واخرى يكون بعد فعل ما ينافى عمدا كالتكلم. وثالثا لا هذا ، ولا ذاك كما اذا كان ساكتا وشك فى التسليم مع عدم تخلل السكوت الطويل الماحى للصورة وإلّا كان من القسم المبطل ، فان كان من قسم المبطل فان الشك فى حال التعقيب فلا يبعد ان يكون ذلك من التجاوز عن محل التسليم شرعا قبل التعقيب ومجرد كون التعقيب خارجا عن الصلاة لا يضر بعد ما كان من ملحقات الصلاة كما كان خروج الاذان والإقامة عن الصلاة غير ضائر بجريان قاعده التجاوز فيها كما صرح بذلك من الاخبار ، وليس إلّا لاجل كونها من متعلقات الصلاة ومقدماتها فيكن التعقيب كذلك. واما اذا شك قبل ما ينافى الصلاة عمدا وسهوا فالتحقيق فيه انه وان لم يكن ما ينافيه الصلاة كذلك محل شرعى بل هو من المنافيات والمبطلات إلّا انه بعد ما كان تحليلها التسليم وكان الحكم الشرعى اعم من التكليفى والوضعى هو عدم وقوع المنافى فى الاثناء قبل التسليم كان ذلك بمنزلة المحل وكانه جعل الشارع محل التسليم قبل فعل المنافى فكان التسليم فى التسليم بعد فعل المنافى من الشك بعد المحل وبذلك يمكن ان يقال ايضا ان فعل المنافى العمدى دون السهوى يكون كذلك اذ عدم منافاته السهوى لا ينافى ان يكون المحل له هو التسليم وكان محل الكلام شرعا قبل السلام مطلقا فانه لا يخلو عن الاشكال.

٢٠٣

نعم لو شك فى التسليم وهو ساكت قبل ذلك كله كان من الشك فى المحل ولزمه فعل التسليم هذا كله لو شك فى الجزء الاخير فى باب الصلاة واما لو شك فى الجزء الاخير فى غير باب الصلاة فقاعدة التجاوز مما لا مماس بها فيه على ما عرفت من اختصاصها بباب الصلاة فلا بد من التشبث بذيل قاعده الفراغ وهو بمكان من الامكان خصوصا فى باب الوضوء ، وتفصيله هو لو شك فى المسح فى الوضوء فلا يخلو اما ان يكون شكه قبل جفاف البلل من الاعضاء واما ان يكون بعده فان كان قبله فلا شبهه فى انه يلزم المسح مع عدم تخلل الفصل الطويل الهادم للموالاة ، واما لو كان بعده كان اللازم عدم الاعتناء به لصدق المضى فيه فيندرج تحت قوله : كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو واعاده الوضوء فى الفرض ينافى المضى على الوضوء. واما لو كان الشك فى الجزء الاخير فى غير باب الوضوء مما كان الاعتبار بالشك غير موجب لاعادة المركب بل كان موجبا لاعادة نفس الجزء كالشك فى غسل جانب الايسر فى باب غسل الترتيبى ففى هذا قال بعض بالمحل العادى وقد عرفت ان المحل العادى مما لا عبرة فى شيء من المقامات خصوصا فى قاعده الفراغ الذى لم يعتبر فيه لا شرعا ولا عادة هذا ولكن يمكن ان يقال انه ليس فى الاخبار لفظه الفراغ حتى يقال ان المعتبر فى تحققه عدم كون الشك فى الجزء الاخير بل فى الاخبار هو المضى عن الشيء والتجاوز منه فالامر يدور مدار صدق المضى ولا يبعد ان يدور الصدق مدار فعل معظم الاجزاء اذا كان من عادته الموالات وعدم الفصل بين الاجزاء. والحاصل انه لا يعتبر فى صدق المضى عن الشيء العلم باتيان الجزء الاخير بل لو اتى بالجزء الاخير مع عدم اتيانه معظم

٢٠٤

الاجزاء لم يصدق المضى والتجاوز بالصدق يدور مدار فعل معظم الاجزاء.

المقام الرابع : فى اعتبار الدخول فى الغير وظاهر جملة من الاخبار اعتباره وظاهر جملة اخرى الاطلاق وعدم اعتباره ومن هنا وقع الكلام فى اعتباره وعدم اعتباره ، ومبنى الوجهين هو حمل المطلق على المقيد ، او حمل الضد على الغالب والاخذ بالاطلاق. وربما يناقش فى اصل الاطلاق لانصرافه الى الغالب من حصول الشك بعد الدخول فى الغير فينزل الاطلاق مورد الغالب فحينئذ يدور الامر بين حمل القيد على الغالب واخراجه عن كونه احتراز يا نظير" وربائبكم اللاتى فى حجوركم" فلا يعتبر الدخول فى الغير ، وبين حمل المطلق على الغالب من الدخول فى الغير فيلغوا الاطلاق وهذا يمكن الخدشة فى ذلك :

اما اولا فبان مجرد كون القيد غالبيا لا يوجب اخراجه عن الاحترازية بعد ما كان الظاهر فى القيدية والاصل فيه هو الاحترازية الا مع القرينة كما فى ربائبكم اللاتى فى حجوركم وفتح هذا الباب يوجب الغاء غالب القيود.

اما ثانيا فبأن غايته فيما يمكن المساعدة عليه هو كون الغالب فى الوجود حصول الشك بعد الدخول فى الغير وهذه الغلبة لا يوجب الانصراف وحمل الاطلاق على فرد الغالب فان العلة فى الوجود مما لا عبرة بها ، لم يوجب التفكيك فى الصدق على ما بين فى محله من انحاء الانصراف.

ثم ان الدخول فى الغير فى قاعده التجاوز مما لا بد منه لعدم صدق التجاوز عن الجزء بدون ذلك بداهة انه لو كان بعد فى محل المشكوك لم

٢٠٥

يتحقق التجاوز عنه فاشتبه الدخول فى الغير فى قاعده التجاوز مما لا بد منه ، واما فى قاعده الفراغ فسيأتى البحث فيه.

ثم قد اختلف كلمات الاعلام فى ضابط الغير الذى يعتبر الدخول فيه فى قاعده التجاوز فقيل بمطلق الغير سواء كان من اجزاء الصلاة او مقدماتها من الهوى والنهوض وسواء كان جزء مستقلا او جزء الجزء حتى لو شك فى اول السورة وهو فى آخرها بل لو شك فى اول الآية وهو فى آخرها لم يلتفت الى شكه لانه دخل فى غيره وحيث ان الأخذ بعموم الغير بهذه المثابة مما لا يستقيم لدلالة رواية اسماعيل على خلافه اذ فيها وان شك فى السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه وقد جاوزه ، الخ اذ لو كان الغير مطلق الغير لما كان وجه للتحديد بعد القيام لان النهوض الى القيام اقرب الى المشكوك من القيام ويصدق على النهوض انه غير السجود فالتحديد بالقيام ينافى العموم بالنسبة الى الغير لزم صاحب هذا القول بان رواية اسماعيل يكون مخصصه لعموم الغير ويكون النهوض الى القيام خارجا عنه ولما كان الالتزام بالتخصيص فى غاية المسامحة بداهة ان قوله بعد ذلك كل شيء شك فيه وقد جاوزه ، الخ وما سبق لبيان كبرى كلية انما افاده عليه‌السلام من الصغرى فيكون قوله (ع) شك فى السجود بعد ما قام من صغريات تلك الكبرى فلا يمكن اجرائه عن تلك الكبرى. قال بعض الاعاظم بخروج المقدمات عن عموم الغير وعدم شموله مثل الهوى والنهوض مع بقاء عمومه بالنسبة الى ما سوى ذلك من اجزاء الصلاة واجزاء جزئها. وقيل ان الضابط ، الغير هى الاجزاء والعناوين المستقلة فلا يشمل المقدمات واجزاء الاجزاء بل مقصور بالاجزاء المستقلة والعناوين

٢٠٦

الأصلية الذى رسم بكل منها باب على حده عد تدوين كتاب الصلاة لقولهم" باب تكبيره الاحرام ، باب الركوع ونحوها هذا هو المختار. والقول الاول هو المحكى عن الجواهر ، والثانى محكى عن الشيخ (قده) الذى يدل على المختار هو ما تقدم من ان دخول اجزاء الصلاة فى عموم الشيء ان يكون بعناية التنزيل ولحاظ الاجزاء بلحاظ السابق على التركيب والمرتبة السابقة على التأليف او فى تلك المرتبة جزء جزء من اجزاء الصلاة واجزاء اجزائها من الآيات والكلمات بل الحروف شيئا مستقلا فى مقابل الكل فدخول الاجزاء فى عموم الشيء فى مقابل دخول الكل فيه انما يكون بالعناية والتنزيل ولحاظها مستقلا باللحاظ السابق على التركيب وحينئذ لا بد من لحاظ تلك العناية والتنزيل فانها على اى تلك الغلبة لوحظت هل وردت على الكلمات والآيات او الاجزاء المستقلة بالترتب والمتاصل بالجعل.

وبعبارة اخرى لا بد من ملاحظه مصب العموم الشيء واطلاقه الغير وان مصبه هل هو الحروف والكلمات ، والآيات او الاجزاء المستقلة وحيث ان الدليل على تنزيل الاجزاء منزلة الكل وجعلها شيئا فى قبال جعل الكل شيئا ولحاظها فى مرتبه سابقه على التأليف ليس إلّا رواية زرارة واسماعيل بن جابر وفيها عد الاجزاء المستقلة بالترتب المتأصلة بالجعل فلا بد من الاقتضاء فى عموم الشيء واطلاق الغير وعلى مثل هذه الاجزاء وهى التى صارت مورد العناية التنزيل فيكون المراد بالغير هو الجزء المترتب على الشكوك بحسب ما جعل له من المحل ولا محيص عن القول بخروج الكلمات والآيات وكذا مثل النهوض والهوى من المقدمات التى لا تأصل لها بالجعل ولو شك فى اول السورة وهو فى آخرها كان عليه

٢٠٧

الإعادة ولم يدل بعد فى غير المشكوكة فيه وكذا لو شك فى الركوع بعد الهوى قبل الوصول الى السجود وفى السجود بعد النهوض قبل الانتصاب الى القيام كان عليه الركوع والسجود عدم تجاوز محلها. وينبغى التنبيه على امور :

الاول : وقد عرفت ان مقتضى رواية اسماعيل وزرارة خروج المقدمات من الهوى والنهوض عن عموم التجاوز إلّا انه ورد فى بعض الروايات انه لو شك فى الركوع يعد ماهوى الى السجود ولم يلتفت ويعيد الى الركوع وهذا بظاهره ينافى خروج المقدمات عن القاعدة.

وقد حكى عن بعض حمل قوله : " بعد ما سجد" فى رواية اسماعيل على الهوى للسجود ولا يخفى بعده والاولى ان يقال بانه لا معارضه بين الاخبار فان الهوى له مراتب اذ من مبدإ النصوص الى الوصول الى حد الساجد كله يكون هويا فحينئذ يحمل الهوى على آخر مرتبه التى به يتحقق السجود ولا يلزم شيء سوى تقييد اطلاق الهوى وحمله على المرتبة الأخيرة ولا يخفى اقربية هذا الوجه.

الامر الثانى : مقتضى ما ذكرنا من ان المراد بالغير الذى يعتبر الدخول فيه هو الجزء المترتب على المشكوك بحسب ما قرر له الشارع من المحل هو انه لو شك فى السجود وهو فى التشهد ، او شك فى الحمد وهو فى السورة لم يلتفت ولكن مقتضى رواية زرارة واسماعيل عدم جريان قاعده التجاوز فيهما او جعل الغير عن الشك فى السجود وهو فى القيام ولم يذكر التشهد فيهما ، وكذا جعل الغير عند الشك فى القراءة وهو الركوع ولم يذكر السورة هذا ، ويمكن ان يقال انه (ع) فى مقام بيان الركوع والسجود من ركعة الاولى وادرج الشك فى اجزاء سائر الركعات

٢٠٨

ومنها التشهد فى الكبرى الكلية التى ذكرناها بعد ذلك من قوله" كل شيء جاوزته ، الخ.

فعدم ذكر للتشهد انما هو لاندراجه تحت الكلية المذكورة واما السورة بالنسبة الى الحمد فيمكن ان يقال اندراجها تحت الكلية وعدم ذكرها فى الرواية لاجل الاندراج إلّا ان المسأله لا يخلو عن الاشكال.

الامر الثالث : مقتضى ما ذكرنا من معنى الغير عدم الفرق بين الاجزاء الواجبة والمستحبة فلو دخل فى جزء مستحب مترتب على المشكوك كان مندرجا فى عموم القاعدة بل لو لم يكن المستحب من اجزاء الصلاة كالقنوت كان مندرجا تحت القاعدة ويدل على شمول القاعدة للمستحبات ادراج الاذان والإقامة فى الرواية كما فى رواية زرارة مع انهما من المستحبات الخارجية فيما يشك باستصحاب الداخلية فيهما.

الامر الرابع : لو شك فى التشهد بعد ما قام فهو وان خلت النصوص عن التصريح به إلّا انه مندرج فى العموم.

الامر الخامس : لو كان الهوى من القيام الى الركوع من المقدمات كما قال به بعض كان مقتضى القاعدة الرجوع الى السورة ما لم يصل الى حد الركوع كما يدل عليه رواية اسماعيل من قوله : بعد ما سجد حيث ان ظاهره اعتبار تحقق الجزء المترتب على المشكوك ، وكذا قوله بعد ما ركع فى رواية زرارة ، وان كان ذلك لا يخلو عن كلام.

واما لو قلنا ان الهوى من القيام الى الركوع ليس من المقدمات

٢٠٩

كما بينا فى محله فاللازم عدم الرجوع الى السورة لو شك فيها بعد ماهوى ولم يصل الى حد الركوع لصدق انه دخل فى الغير المترتب هذا كله فى الغير المعتبر فى قاعده التجاوز.

واما فى قاعده الفراغ فيعتبر ايضا الدخول فى الغير كما عرفت من تقييد بعض الاخبار بذلك إلّا انه الغير المعتبر فى قاعده الفراغ مطلقا الغير بحيث يكون الشخص فى حاله اخرى مغاير الحالة لحاله الاشتغال بالعبادة كما صرح بذلك فى بعض اخبار الوضوء.

نعم مجرد السكوت وعدم الاشتغال بالعبادة ربما لا يعد حاله اخرى مغايره بل يعتبر الاشتغال بامر وجودى.

ومن هنا يظهر ان اعتبار الدخول فى الغير فى قاعده الفراغ شرط خارجى اعتبره الشارع تعبدا وليس محققا بصدق الفراغ كما كان محققا لصدق التجاوز.

المقام السادس : فى جريان قاعده الفراغ والتجاوز فى الشروط اعلم ان الشروط على انحاء ثلاث :

منها ما كان شرطا للصلاة فى حال الاجزاء كالطهور والستر ، والاستقبال وغير ذلك.

ومنها ما كان شرطا لنفس الجزء وهذا ايضا يكون على وجهين :

الاول ـ ما كان شرطا له عقلا بمعنى انه يكون به قوام الجزء وتحققه

٢١٠

خارجا بحيث لا يصدق الفاقد للشرط عنوان الجزء كالموالاة بين الحروف فى الكلمة حيث ان عدم الموالات لا يمكن تحقق الكلمة خارجا.

الثانى ما كان شرطا له شرعا من دون ان يتوقف عليه عقلا كالجهر والاخفات بناء على احد الوجهين من كونهما شرطا شرعيا للقراءة لانهما شرط للصلاة فى حال القراءة كما ربما يدل عليه قوله لا تجهر بصلاتك ومحل الكلام فى المقام هو ما كان شرطا للصلاة فى حال الاجزاء كالطهور والاستقبال ، واما القسمان الآخران فسيأتى الكلام فيهما فى المقام الآتى وينبغى قبل التعرض لحكم الشروط عن تمهيد مقدمه : وهى ان قاعده التجاوز فى مورد جريانها ان تكون محرزة للمشكوك والبناء على حصوله وتحققه خارجا فانها لو لم يكن من الامارات فلا اقل من كونها من الاصول المحرزة وتكون حكمها حكم الاستصحاب فكما ان الاستصحاب موجب للبناء على تحقق المستصحب ووجوده خارجا ويترتب جميع آثار الوجود فكذلك قاعده التجاوز فى مورد جريانها موجبه للبناء على حصول المشكوك وترتيب جميع آثار وجوده وهذا بخلاف قاعده الفراغ فانها لا توجب الا صحه العمل والفراغ عنه وبراءة الذمة منه من دون ان يقتضى وقوع جزء المشكوك الذى اوجب الشك فى الفراغ بل اقصى ما يقتضيه صحه العمل كما لا يخفى اذا عرفت ذلك فنقول : لو شك فيما يكون شرطا للصلاة فى حال الاجزاء فتارة يكون الشرط مما له محل شرعى كما لا يبعد ان تكون الطهارة الحدثية كذلك حيث يستفاد من قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ) ، الخ ان محل الطهارة قبل الصلاة واخرى لا يكون للشرط محل شرعى كالاستقبال والستر اذ لم يجعل الشارع محل الاستقبال قبل الصلاة بل المجعول الشرعى هو اعتبار

٢١١

الاستقبال حال الاجزاء غاية الامر انه يتوقف حصول الاستقبال عقلا قبل الصلاة من باب المقدمة فيقع التكبير قبل الاستقبال. ثم ان الشك فى الشرط فى كلا الفرضين تارة يكون فى الاثناء فهذا مما لا ينبغى الاشكال فى جريان قاعده التجاوز فيه فيكون محرزا بشرط ويترتب عليه جميع آثار الوجودية للشرط كما عرفت فيما مهدناه فى المقدمة فلو شك فى الوضوء بعد ما دخل فى الصلاة مضى على صلاته وكان بحكم قاعده التجاوز متوضأ كما لو كان مستصحب الطهارة وحينئذ يجوز له اتمام الصلاة بل فعل كلما يكون مشروطا بالطهارة ولا يلزم اعاده الوضوء حتى بالنسبة الى الصلاة الاخرى لانه احرز الوضوء بمقتضى قاعده التجاوز. ودعوى ان قاعده التجاوز انما تجرى بالنسبة الى خصوص الاجزاء واضحة الفساد. اذ ارتباط الوضوء بالصلاة ليس باضعف من ارتباط الاذان والإقامة بها بل هو اقوى منها كما لا يخفى. وكذا الكلام لو شك فى الظهر وهو فى العصر فان فعل الظهر شرط لصحة العصر ومحلها الشرعى قبل فعل العصر كما يدل عليه قوله (ع) إلّا ان هذه قبل هذه وسائر أدلة الوقت فيجرى قاعده التجاوز يحرز بها نفس الشرط عن فعل صلاة الظهر بعد ذلك كما لو احرز قبل الظهر باصل آخر غير قاعده التجاوز.

ودعوى ان قاعده التجاوز انما يجرى بالنسبة الى حيثيّة ترتب العصر على الظهر وكونها شرطا لصحتها من حيث عدم وجوب العدول منها اليها وليست هى جارية بالنسبة الى فعل نفس صلاة الظهر حتى لا يحتاج الى فعلها بعد ذلك واضحة الفساد لان حيثيّة الترتيب انما يكون مصححه لجريان قاعده التجاوز فى نفس صلاة الظهر التى هى شرط لصحة العصر

٢١٢

اذ لو لا تلك الحيثية لما كان محلا شرعيا للشرط ويكون حينئذ محالا لقاعدة التجاوز كما سيأتى فى الشروط التى لم يكن لها محل شرعى ، والحيثية انما يحتاج اليها لانها مصححه لاصل من جريان القاعدة ولكن القاعدة انما يجرى بالنسبة الى ذات الشرط الذى هو فعل الظهر فيكون له محرزا لها. ودعوى ان القاعدة انما يجرى بالنسبة الى اجزاء العمل وشروطه وبالنسبة الى جملة العمل الذى يشك فلا يجرى ايضا واضحة الفساد ، اذ لو كان العمل بجملته شرطا شرعيا لعمل آخر كما للشرط محل شرعى ايضا كانت قاعده التجاوز جاريا لا محاله ولا موجب لتخصيص بخصوص الاجزاء والشرائط التى لم يكن متعلقا للتكليف النفسى بل كل عمل بسيطا كان او مركبا كان شرطا لعمل آخر وكان المحل المقدر شرعا للشرط قبل ذلك المشروط يكون مجرى القاعدة ويترتب عليه جميع الآثار الشرعية المترتبة على الاجزاء والشرائط فلا يجب عليه فعل الظهر لو شك فى الظهر ولا الوضوء لو شك فيه وهو فى الصلاة وجاء له فعل كل مشروط بالوضوء كما لو شك فى الاذان وهو فى الإقامة كما يحرز له فعل الصلاة التى قام لها بلا أذان جاز فعل الصلاة الاخرى المترتب عليها بلا أذان اذا كان من موارد الاكتفاء باذان الصلاة الاولى ولا يمكن ان يقال ان قاعده التجاوز انما يثبت الاذان لخصوص الصلاة التى شك فيه فى حال الإقامة هذا كله اذا حصل الشك فى اثناء العمل ، واما اذا حصل الشك بعد الفراغ من العمل فكذلك ايضا فيما كان للشرط محل شرعى كما هو مفروض البحث فان الفراغ من العمل لا يمنع عن جريان قاعده التجاوز ولا مجال لقاعدة الفراغ وانه مسبب عن الشك فى وجود الشرط ، وبعد جريان قاعده التجاوز بالنسبة الى الشك لا يبقى

٢١٣

مجال لقاعدة الفراغ لارتفاع موضوعها ، وذلك لان موضوع الفراغ هو الشك فى صحه العمل والمفروض ان الشك فى الصحة سبب عن الشك فى ترك الشرط بعد احراز الشرط ، ببركة قاعده التجاوز لا يبقى الشك فى صحه العمل لا يجرى فيه قاعده الفراغ. وتوهم اختصاص قاعده الشك فى اثناء العمل ضعيف اذ الضابط فى جريان قاعده التجاوز هو ان يكون الشك فى امر جاوز محله وقد دخل فى غيره المترتب عليه شرعا من غير فرق بين ان يكون ذلك الغير متصلا بالمشكوك او منفصلا عنه فكما انه لا فرق فى جريان القاعدتين فيما اذا شك فى الحمد وهو فى السورة وبين ما اذا شك فى الحمد وهو فى السلام وحينئذ لو شك فى فعل الظهر بعد الفراغ عن صلاة العصر لا يجب عليه فعل الظهر بعد الفراغ عن صلاة العصر لا يجب عليه فعل الظهر ، واما اذا لم يكن للشرط محل مقرر شرعا كالستر والاستقبال وامثال ذلك فتارة يقع الشك فى اثناء العمل واخرى يقع بعد العمل فان كان فى اثناء العمل فلا محال لقاعدة التجاوز لان المفروض عدم تقرر محل شرعى للشرط حتى يصدق التجاوز عنه ، والمحل العادى قد عرفت ما فيه. واما قاعده الفراغ فلعدم الفراغ من العمل بعد ، ومنه يظهر ضعف ما نقل من المدارك من الشك فى الشروط عند الدخول فى المشروط والكون على هيئة الداخل حكمه حكم الشك فى الاجزاء فى عدم الالتفات فلا اعتبار بالشك فى الوقت والقبلة واللباس والطهارة وامثالها بعد الدخول فى الغاية والمشروط ووجه هو انه كان بناء جريان قاعده التجاوز فقد عرفت اختصاص مجراها بما اذا كان للمشكوك محل مقرر شرعى وان كان بنائه على جريان قاعده الفراغ فالمفروض انه بعد لم يفرغ من العمل.

٢١٤

ولو قيل انه يكفى فى جريان قاعده الفراغ عن كل عمل ولو كان ذلك العمل جزء العمل فمع ضعفه فى نفسه لا اثر له فى المقام لانه وان فرض جريان القاعدة بالنسبة الى ما فعله من الاجزاء إلّا انه لا مجرى لها بالنسبة الى الاجزاء اللاحقة لعدم الفراغ عنها فلا بد من احراز الشرط فيها ، واما اذا حصل بعد الفراغ فقاعدة الفراغ تجرى وتثبت صحه العمل إلّا انها حيث لم يكن كقاعدة التجاوز محرزة لذات الشرط كان اللازم عليه احراز الشرط بالنسبة الى اعمال اللاحقة المشروطة به. ومن جميع ما ذكرنا يظهر المناقشة فيما افاده الشيخ فى المقام فراجع.

الامر السابع : قال الشيخ (قده) : ان الشك فى صحه الشيء السابق به لعنوان حكمه حكم الشك فى الاتيان بل هو هو يرجع الشك فى وجود الصحيح ومحل الكلام فى المقام ما لا يرجع فيه الشك فى ترك بعض ما يعتبر فى الصحة وهذا الكلام منه (قده) لا يخلو عن اشكال اما اولا فلان قوله ومحل الكلام فى المقام ما لا يرجع فيه الشك فى ترك بعض ما يعتبر فى الصحة بظاهره لا يستقيم اذ الكلام فى المقام المتقدم كله كان مما يرجع الشك فيه الى الشك ففى ترك بعض ما يعتبر فى الصحة اذ الذى يعتبر فى الصحة ليس إلّا الشروط وقدم تقدم البحث عنها. واما ثانيا فلانه لم يعلم المراد من قوله ومحل الكلام فى المقام ، الخ. وانه هل إرادة عدم جريان القاعدة فيما اذا رجع الشك فيه الى الشك فى ترك بعض ما يعتبر فى الصحة إرادة جريان القاعدة فيه. واما ثالثا فلانه لم يبين وجه كون الالحاق بالخلو عن الاشكال وبالملحق حتى يكون فى الحاقه الاشكال ، وكيف كان فالمهم بيان اصل المطلب فنقول قد عرفت فى المقام المتقدم ان الشروط

٢١٥

على اقسام اثلاث :

الاول ـ ما كان شرطا للصلاة فى حال الاجزاء كالطهارة والاستقبال.

الثانى ـ ما كان شرطا لنفس الجزء بمعنى انه به يكون قوام الجزء عقلا كالموالاة فى حروف الكلمة حيث انه يصدق على الحروف الغير المتوالية انها كلمة.

الثالث ـ ما كان شرطا شرعيا للجزء لا مما يتقوم عقلا وذلك كالجهر والاخفات فى القراءة على احد الوجهين. والمتكفل لبيان حكم الشك فى القسم الاول من الشروط هو المقام المتقدم. واما هذا المقام فهو متكفل لحكم الشك فى القسمين الاخيرين من الشروط واما القسم الاول منها فقد ينبغى الاشكال فى جريان قاعده التجاوز فيه بداهة ان الشك فى تحقق الموالات بين حروف الكلمة يرجع الى الشك فى وجود الكلمة وشان قاعده التجاوز اثبات الوجود والموالات بين الكلمات والآيات فهى مما لا يتوقف عليها صدق الكلام لا صدق الفاتحة مثلا عقلا بل هى مما يعتبر شرعا سواء فى ذلك الموالات القابل للفصل الطويل الماحى للصورة المتقابل لما يكون عرفا بالتتابع بناء على اعتباره ايضا زائدا على الماحى للصورة كما هو قول جماعة فالموالات بين الكلمات والآيات بكلا معنييها انما يكون من الشروط الشرعية لا العقلائية. ومن هنا فرق آخر بين الموالات فى حروف الكلمة وبين الموالات فى الكلمات والآيات وهو ان الموالات فى حروف الكلمة انما يكون شرطا النفس الكلمة وهذا بخلاف الموات بين الكلمات والآيات فانها شرط للصلاة فى حال القراءة فتكون وزان هذه الموالات وزان الطهارة والاستقبال ومما ذكرنا يظهر ما فى كلام الشيخ (قده) من عطف الموالات المعتبرة فى الكلمات والآيات على الموالات المعتبرة فى حروف الكلمة بما عرفت من الفرق بين

٢١٦

المعطوف والمعطوف اليه ولاجل هذا الفرق يختلف حكمها فى ما نحن فيه اذ موالات المعتبرة فى حروف الكلمة يكون مجرى لقاعدة التجاوز عند الشك فيها. واما الموالات المعتبرة فى الكلمات فلا مجال للقاعدة فيها اذ الموالات فيها بالمعنى المقابل لمحو الصورة يكون قولنا موجبا للبطلان سهوا وعمدا والشك فيها يكون شكا فى عروض المبطل يكون من صغريات مسألة الشك فى عروض المبطل من حيث جريان استصحاب الصحة وعدم جريانه اذا كان الشك فى عروض القاطع على ما تقدم من الكلام فيه فى مسألة استصحاب صحه الاجزاء السابقة والموالات بالمعنى التتابع العرفى وان كان فواتها سهوا غير موجب للبطلان إلّا انه لا اثر لقاعدة التجاوز فيها عند الشك اذ القطع بفواتها سهوا لا يوجب شيئا بعد فوات محلها فضلا عن الشك فيها اذا المفروض انها شرط للصلاة فى حال الكلمات فبمجرد القراءة الكلمات يفوت محلها ، او العود على الكلمات لتدارك الموالات يوجب زيادة الكلمات عمدا وهو مبطل فظهر عطف الموالات فى كلمات الآية على الموالات فى حرف الكلمة.

واما القسم الثالث من الشروط وهو ما كان شرطا شرعيا لنفس الجزء فلم نعثر له على مثال سوى الجهر والاخفات والبحث عنها. قليل الجدوى لورود الرواية باغتفار نسيانهما ولو مع التذكر قبل الركوع.

الامر الثامن : الشك الحاصل فى قاعده الفراغ والتجاوز قد يكون مع التفاته الى كيفية العمل وصورة وقوعه المعتبر فيه من الاجزاء والشرائط وما هو ينبغى ان يقع عليه ثم بعد العمل طرأ الشك فى وقوعه على ما ينبغى وقوع العمل عليه لاحتمال ترك جزء او شرط نسيانا ، او عمدا وهذا هو المتيقن

٢١٧

من جريان قاعده التجاوز والفراغ اذا كان عن نسيان. واما احتمال العمد فيأتى حكمه بعد ذلك وقد يكون وقوع العمل كذلك من دون ان يكون ملتفتا الى ما ينبغى وقوع العمل عليه حين العمل بل عمل عملا واحتمل مصادفته مع الواقع من غير اختبار بحيث لو كان حين العمل ملتفتا لكان شاكا ايضا فى صحته ومطابقته للمامور به كما اذا توجه الى جهة وصلى من دون ان يحرز كونها هى القبلة بل كان غافلا عن ذلك ثم بعد ذلك شك فى وقوع صلاته الى القبلة وكما فى الجاهل المقصر ، او عمل عملا بلا تقليد ثم بعد ذلك شك فى مطابقه عمله لفتوى الفقيه الذى يجب الرجوع اليه الآن وهذا ايضا يتصور على وجهين :

احدهما ـ انه الآن وهو آن الشك والفراغ من العمل لا يدرى صورة العمل وكيفية وقوعه بمعنى انه لم يعلم الجهة التى صلى عليها وانها أية جهة من الجهات كانت او انه لم يعلم صلى مع المشكوك اولا.

وثانيها انه الآن ان الفراغ من العمل والشك يدرى صورة العمل وكيفية وقوعه وان الجهة التى صلى عليها هى هذه الجهة الخاصة غاية الامر انه لا يعلم انها هى القبلة. وقد يكون شكه فى وقوع العمل على وجه مسبوق يشك قبل العمل وكان هذا الشك محكوما بحكم مخالف لحكم قاعده الفراغ والتجاوز من استصحاب او قاعده الاحتياط وهذا يتصور ايضا على وجهين :

احدهما ـ انه كان قبل العمل شاكا كما فى الحديث وكان حكمه استصحاب الحدث وبعد ذلك غفل وصلى ثم شك فى الحدث ولكن يحتمل انه توضأ قبل الصلاة بعد استصحاب الحدث.

٢١٨

ثانيهما انه لم يحتمل الوضوء بعد الاستصحاب ولكن بعد الفراغ يشك فى الحدث من جهة احتمال مخالفه استصحابه للواقع وكذا الحال فيما اذا تطهر باحد اطراف الشبهة المحصورة غفله. وقد يكون شكه بعد العمل مسبوقا بشك موافق بحكم الشك بعد الفراغ كما اذا كان المستصحب بطهارة او قامت البينة عليها وبعد الصلاة زالت البينة مثلا وهذا ايضا يتصور على وجهين احدهما اذا علم بفسق الشاهد ولكن يحتمل مطابقه قوله للواقع. وثانيهما ما اذا شك فى عدالة البينة فيحتمل ان يكون عادلا ينبغى الاعتماد عليها ولكن يحتمل مصادفة وقوعها للواقع فهذه جملة اقسام الشك الواقع بعد الفراغ والتجاوز.

اما القسم الاول ـ فقد عرفت انه المتيقن بشمول اخبار الباب له اذا احتمل الترك نسيانا وفى حكم هذا القسم الوجه الاول من القسم الثالث وهو ما اذا كان مستصحب الحدث قبل الصلاة ولكن احتمل الوضوء بداهة ان استصحاب الحدث لا يزيد حكمه عن العلم بالحدث فكما انه لو كان عالما بالحدث وشك بعد الفراغ منه من جهة احتمال الوضوء قبلها كان مورد قاعده الفراغ والتجاوز. فكذلك لو كان مستصحب الحدث مع احتمال الوضوء بعد ذلك ـ واما الوجه الاخير من القسم الثالث وهو ما اذا لم يحتمل الوضوء بعد استصحاب الحدث ينبغى القطع بخروجه عن مجرى القاعدة وان حكى عن بعض جريانها فيه ايضا وذلك لانه باستصحاب الحدث يكون فى حكم العالم به فهو كمن صلى عالما بالحدث. وبالجملة قاعده الفراغ انما يكون حاكمة على الاستصحاب الجارى بعد الفراغ. واما الاستصحاب الجارى قبل العمل فلا يمكن حكومتها عليه اذ لا مجال للقاعدة قبل العمل

٢١٩

واما جريانها فى الوجه الاول فليس من جهة حكومتها على الاستصحاب الجارى قبل العمل بل حيث احتمل بعد العمل ان يكون متوضأ قبل ولا مانع لهذا الاحتمال لاستصحاب حكم المستصحب فيرجع الامر بالأخرة الى حكومة القاعدة على الاستصحاب الجارى بعد العمل واين هذا اذا لم يحتمل الوضوء بعد الاستصحاب الذى كان قبل العمل.

والحاصل انه حيث قد يتنجز عليه قبل الصلاة حكم الحدث بمقتضى الاستصحاب ولم يحتمل بعد ذلك ما يوجب رفع حكم الحدث عنه كانت القاعدة فى مثل هذا ساقطة. ومجرد احتمال مخالفه الاستصحاب للواقع مما لا يغنى عن شيء بعد ما كان الواجب عليه الغاء هذا الاحتمال. بقى حكم القسم الثانى بكلا وجهيه والرابع. اما الوجه الاول منه هو ما اذا لم يدرى بعد الفراغ عن كيفية وقوع العمل وانه الى اى جهة صلى فمقتضى اطلاق قوله كلما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو شمول القاعدة له ولكن مقتضى التعليل وهو قوله حين يتوضأ اذكر منه حين يشك صورة شمول القاعدة له لان المفروض انه دخل فى العمل عن جهل وغفله ولم تكن هو حين العمل اذكر منه حين يشك إلّا ان يقال بانه بنى على استفادة العلية من قوله حين العمل اذكر ، الخ وانه كبرى كلية لا علة للتشريع وحكمه الجعل بخال لا يخلو عن اشكال لقوه احتمال ان يكون التعليل بالأذكرية من باب الغالب واما الوجه الثانى من القسم الثانى وهو ما ذكرنا صورة العمل محفوظة كما اذا صلى الى جهة معينه ويشك فى كونها هى القبلة او اغتسل او توضأ مع علمه بعدم تحريك خاتمه ويشك فى وصول الماء تحته فهو مشترك فى الحكم مع القسم الرابع بكلا وجهيه ولا بد قبل بيان الحكم من تمهيد مقدمه وهى ان الموضوع فى قاعده الفراغ والتجاوز انما هو

٢٢٠