الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بحجية البينة مثلا يقطع بالحكم الظاهرى عند قيامها ويتم الورود ولا يخفى فساد كلتا الدعويين. اما الاولى فلانه مضافا الى استلزامه لعموم المجاز للزوم إرادة الاعتقاد الراجح الشامل للظن المعتبر من اليقين الموجب لعموم المجاز خلاف ظاهر للفظ اليقين فان الظاهر منه هو خصوص الاعتقاد الراجح الذى لا يخيل خلافه فدعوى ان المراد من قوله لا تنقض اليقين بالشك هو نقض الحجة بالحجّة لا يمكن المساعدة عليها مع انه على فرض التسليم الزام بعموم المجاز وخلاف الظاهر انما يستقيم الورود بالنسبة الى خصوص الامارات حيث انه لم يؤخذ الشك فى موضوعها ولا يمكن ان يقال ان الاصل حجه فلا يرفع اليد عن الاصل بالأمارة وحينئذ كما يصح القول بان الاخذ بالأمارة فى مورد الاصل من نقض الحجة بالحجّة كذلك يمكن ان يقال ان رفع اليد عن الأمارة والاخذ بالاستصحاب مثلا يكون من رفع اليد عن الحجة بالحجّة فلا وجه لتقدم الأمارة على الاصل بعد ما كان المراد من اليقين هو الحجة بل يكون من قبيل المتعارضين كما اشار اليه الشيخ (قده) بقوله وإلّا امكن ان يقال : بان مورد الاستصحاب الى قوله ولا يندفع مغالطه هذا الكلام ، وبذلك عن ان الشك لم يؤخذ فى موضوع الأمارة كما اخذ فى موضوع الاستصحاب وحينئذ يصح القول بان الاخذ بالأمارة فى مورد الاستصحاب يكون من نقض اليقين بالحجّة فيدخل فى قوله ولكن انقضه بيقين آخر ولا يصح ان يقال ان رفع اليد عن الأمارة والاخذ بالاستصحاب يكون من رفع اليد عن الحجة لما عرفت من ان دليل حجيه الأمارة لم يكن مقيدا لشيء فتخصيص حجيتها اذا لم يكن استصحاب على خلافها يكون بلا موجب

١٨١

وهذا التقريب وان كان يوجب رفع المغالطة التى ذكرها الشيخ (قده) إلّا انه مختص بالامارات. واما الاصول فبعضها من بعض فالمغالطة بعد باقية بحاله لاخذ الشك فى موضوع الاصول مطلقا وحينئذ يمكن ان يقال انه لا وجه لرفع اليد عن البراءة بالاستصحاب بل يمكن العكس ايضا لان كلا منهما مقيد بالشك وعدم قيام الحجة على الخلاف واما فساد دعوى الثانية فلان الحكم الظاهرى ليس حكما فى قبال الحكم الواقعى بل هو عبارة عن مؤديات الطرق والامارات وتسميته ظاهريا من جهة اعتبار تلك الطرق والامارات والغاء احتمال مخالفتها للواقع الحاكية عنه ، فان اريد عن الحكم الظاهرى مؤديات الطرق والامارات فهو مما لا يقطع به ولم يحصل اليقين بالمؤدى فكيف يقال بابقاء اليقين على ظاهره والتصرف فى المتعلق وان اريد من الحكم الظاهرى المقطوع به اعتبار تلك الطرق وحجيتها فهذا مما لا يتعلق الشك به ، وليس المراد من نقض اليقين بالشك ولكن انقضه بيقين آخر نقض اليقين بالحجّة بالشك فيها ولكن ينقضه باليقين بحجه اخرى بل المراد عن متعلق اليقين ليس إلّا الاحكام الواقعية وموضوعاتها فدعوى عن ان المراد من متعلق اليقين الاعم من الحكم الواقعى والظاهرى مما لا يمكن المساعدة عليها.

الثالث ـ دعوى ان اليقين فى كلا طرفى الثبوت والبقاء انما اخذ موضوعا على وجه الطريقية والكاشفية لا الصفتية وقد تقدم فى مبحث القطع ان الوجه فى قيام الطرق والامارات مقام القطع المأخوذ على وجه الطريقية هو انه وان كان ظاهر دليل اعتبار القطع اعتبار الكشف الوجدانى والاحراز إلّا انه بعد العلم بان القطع لم يعتبر الا من جهة الوسطية فى

١٨٢

الاثبات والمحرزية من دون دخل لصفتيه القطع يكون فى الحقيقة الموضوع هو العنوان الكلى ومطلق الكاشف والمحرز وما يقع وسطا للاثبات من دون دخل الاحراز الوجداني بل كان ذكر اليقين فى لسان الدليل من باب انه اخذ مصاديق الكاشف والمحرز ومن هنا قلنا بقيام الطرق والامارات والاصول المحرزة مقام القطع الطريقى بنفس أدلة اعتبارها من دون التماس دليل آخر يدل على القيام ولو كان الموضوع هو الكاشف للعلم الوجدانى الحقيقى على ما هو ظاهر لفظ اليقين لما امكن القول بقيامها مقامه بنفس أدلة اعتبارها لان غاية ما يثبت دليل اعتبارها هو تتميم الكشف والغلفاء احتمال خلافها وذلك لا يجعلها محرزة وكاشفة وجدانا اذ لا يجمع الاحراز الوجدانى مع قيام احتمال الخلاف فى النفس ولو كان هناك الف دليل على اعتبارها. وبالجملة قيام الأمارة مقام القطع الطريقى بنفس أدلة حجيتها لا يكون بجعل الموضوع عنوانا كليا ينطبق على مطلق الكاشف التام وحينئذ نقول ان بنفس دليل اعتبار الأمارة يوجد مصداق آخر للكاشف والمحرز وتكون وارده على الاستصحاب ورافعة لموضوعه لانه يكون من صغريات نقض اليقين باليقين بمعنى الكاشف والمحرز كما هو المبنى وبذلك يظهر ايضا ورود الاصول المحرز على غيرها بعد البناء على قيامها مقام القطع الطريقى وهذا الوجه احسن وجه لتقريب ورود الامارات على الاصول ، وورود الاصول المحرزة على غيرها ولكن مع ذلك لم يوفيه السيد (قده) لان الامارات انما تقوم مقام القطع الطريقى باعتبار تكليفها لاثبات متعلقاتها كما فى الاصول المحرزة ولذلك لا يقوم الاصول الغير المحرزة مقامه لعدم تكليفها لاثبات الواقع لكون المجعول فيها مجرد بناء العملى على احد طرفى الشك من دون البناء على انه هو الواقع. وضابط الورود

١٨٣

الورود هو ان يكون احد الدليلين رافعا لموضوع الآخر بنفس التعبد مع قطع النظر عن ثبوت التعبد ومن هناك كانت الاصول الغير المحرزة وارده على قبح العقاب بلا بيان ، ورافعية الأمارة لموضوع الاستصحاب انما هو باعتبار ثبوت التعبد به لا بنفس المتعبد فالأمارة بعد اعتبارها وقيامها واثباتها لمتعلقها تكون رافعه لموضوع الاستصحاب ، ومعلوم ان نتيجه كل حكومة هى الوقف لعناية رفع الموضوع كما يكون عناية رفع الحكم تكون النتيجة تخصيصا. ثم انه قد يشتبه التى بين كونه أمارة او اصلا لعدم العلم بجهة اعتباره وان اعتبره من جهة الكاشفية او غيره لا من تلك الجهة وذلك كما فى اليد ، وكما فى قاعدتى الفراغ والتجاوز حيث قد عرفت ان كل أمارة تكون حاكمة على الاستصحاب فلا بد من تنقيح الحال فيما اشتبه حاله من حيث كونه أمارة او غير أمارة فنقول فيما اشتبه حاله اليد التى يحكم فى مورد بالملكية والاشكال فى اعتبار اليد فى الجملة ويحكم لصاحبها بالملكية من غير فرق بين يد المسلم والكافر نعم فى خصوص اللحوم وما يتعلق بها اذا كان فى يد الكافر لا يحكم له بالملكية ، اما من حيث كون يد الكافر أمارة الميتة كما قيل واما أصالة عدم التذكية والميتة او غير المذكى بل للملكية ولكن هذا يختص بما كان له نفس سائله واما فى غيره فحاله حال سائر الاموال يحكم بالملكية لصاحب اليد مطلقا ولو كان كافرا وهذا مما لا اشكال فيه انما الاشكال فى كونها أمارة او اصلا والظاهر ان يكون أمارة لان اعتبار اليد انه كان عليه يميل الناس وجرى على ذلك ايديهم حيث تعاملون مع صاحب اليد معامله المالك ويترتبون عليها آثار الملك ومعلوم ان عمل الناس على ذلك ليس لاجل

١٨٤

التعبد فى طريقه العقلاء بل لاجل كشف اليد نوعها الملكية اذ الغالب فى مواردها كون صاحبه مالكا وهذه الغلبة هى التى اوجب كشف اليد عن الملكية ومعلوم ان العقلاء انما يعاملون مع اليد معامله الكشف كسائر الكواشف العقلائية وما دل على اعتبار اليد من الشارع يكون امضاء لما عليه الناس ، وقوله فى بعض الروايات : وإلّا لما قام للمسلمين سوق" ليس فيه جهة دلالة كونها اصلا عمليا بل انما هو بيان لحكم امضاء العقلاء وانه لو لم يعتبر عملهم لاختل نظام المسلمين ، وبالجملة ملاحظه عمل العقلاء فى باب اليد مع أدلة اعتبارها يوجب قوة كونها أمارة لا اصلا وعليه لا اشكال فى حكومتها على الاستصحاب مع انه لو فرض اصلا عمليا يكون مقدما على الاستصحاب لورودها مورده غالبا. فلو قدم الاستصحاب يلزم محذور التعلل فى الاخبار عن لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق فلا محيص عن القول بحكومة اليد على الاستصحاب فى الجملة لا مطلقا وتفصيل ذلك هو انه تارة يكون حال اليد معلوما من كونها يد عاديه ، او يد أمانة او عاريه او غير ذلك. واخرى يكون حال اليد مجهولا. ثم ما كان حال اليد مجهولا فتارة يكون متعلق اليد من المال فى السابق ملكا واخرى يكون المال وقفا بمعنى انه تارة يكون المال ملكا لاحد ثم تراه فى يد آخر وحملنا علمنا انتقاله اليه بوجه صحيح واخرى يكون المال وقفا ونراه فى يد من يدعى الملكية واحتملنا عروض احد مجوزات البيع للوقف فيبيعها واليد فهذه اقسام ثلاثة ينبغى البحث عنها.

الاول ـ ما اذا كان حال اليد معلوما بان كانت اليد قبل ذلك يد عاريه او اجاره والآن يدعى الملكية فهذا مما لا ينبغى الاشكال فى عدم

١٨٥

اعتبار اليد واستصحاب حال اليد فحكم عليها فيكون ذو اليد هو المدعى وعليه الاثبات. بداهة ان الأمارة انما هى اليد المجهولة الحال واستصحاب حالها يخرج عن كونها مجهول الحال. وبعبارة اخرى اليد المرسلة وبلا عنوان هى التى يكون أمارة للملك والاستصحاب بمدلوله المطابقى يهدم اساسها ويخرجها عن اللاعنوانية ويجعلها مقيدة ومعنونه بعنوان الإجارة او العارية مثلا فالاستصحاب مخرج لليد من موضوعها ولا يمكن العكس بان يقال ان اليد أمارة على الملك وانها يد مالكيه وتوجب رفع موضوع الاستصحاب لان موضوع الاستصحاب كون اليد يد عاريه يقتضى أمارة اليد كونها يد مالكيه فلا وجه لتقدم الاستصحاب عليه وحكومتها على الاستصحاب وذلك لما عرفت من ان موضوع اليد هو ما اذا لم يعلم حالها والاستصحاب يوجب تعيين حالها وبعبارة اخرى اليد انما تثبت كون اليد عاديه بعد اثباتها للملكية حيث لازم كون ذو اليد مالكا كونه غير عاديه ، واثبات الأمارة للوازم انما هو بعد اثباتها للملزوم والاستصحاب يمنع عن اثبات الملزوم لما عرفت من ان اليد ليس مجرد استيلاء الخارجى الذى لم يعلم حاله فلا بد ان يكون هناك استيلاء مجهول الحال ، والاستصحاب الموضوعى محرز لحال الاستيلاء وقد حكى الاجماع على ذلك يعنى قبول السجلات والاوراق والاجارات اذا كانت معتبره وينتزع المال عن يد مدعى الملكية اذا كان عند الطرف ورقة الاستيجار عليه لكون المدعى كانت فى السابق يد اجاره كما عليه عمل العلماء اذ لو لم يكن الانتزاع المال عن يده وجه مع احتمال انتقاله له بعد الإجارة. والقسم الثانى هو ما جهل حال اليد وكان ما تعلق اليد به من

١٨٦

المال ملكا فى السابق لغير ذى اليد وقفا وهذا هو المتيقن من اعتبار اليد وحكومتها على الاستصحاب بقاء الملك على ملك مالكه الاول وذلك لتحقق موضوع اليد فان موضوعها ليس إلّا الاستيلاء على مال له لم يعلم كونه بحق ، او بغير حق واستصحاب بقاء الملكية لا يثبت كونه بغير حق الا بلازمه العقلى وليس ذلك مورد نفس الاستصحاب بالمطابقة وبالجملة أمارية اليد للملكية يوجب رفع موضوع الاستصحاب هو الشك فى بقاء الملكية السابقة واليد يوجب رفع هذا الشك ونقول ان المال ملك لذى اليد وليس باقيا على الملكية السابقة لا يمكن العكس بان يقال ان مقتضى استصحاب الملكية السابقة يوجب رفع موضوع اليد ويثبت كون اليد على مال الغير وذلك لان الاستصحاب لا يعين حال اليد وان هذا اليد يد على ملك الغير لما فى القسم الاول بل اقصى ما يثبت الاستصحاب هو كون المال بعد باقيا على ملكه السابق ويلزم عقلا كون اليد يد على ملك الغير والمفروض ان مقتضى أمارة اليد كون المال ملكا لصاحبها فهى بمدلولها المطابقى يرفع موضوع الاستصحاب. والحاصل ان النسبة بين اليد والاستصحاب هى النسبة بين كل حاكم ومحكوم والقرينة وذيها كما لا يخفى.

ثم ان صاحب اليد ان لم يكن الا مدعيا يدعى ملكية المال الذى فى يده فهذا مما لا اشكال فى ترتب آثار الملكية لصاحبها والمعاملة معامله المالك وان كان فى مقابله من يدعى الملكية. فتارة يكون المستند فى الملكية المدعى السابقة على اليد هو علم الحاكم بان المال كان فى السابق لمن يدعى الملكية إلّا ان مع ان المال الآن فى يد غيره. واخرى يكون

١٨٧

المستند اليه بان تشهرت أصله بان هذا المال كان ملكا للمدعى. وثالثه يكون المستند هو اقرار ذى اليد بان اعترف ذى اليد بان المال كان قبل ذلك ملكا للمدعى ولكن اشتريته منه ، فان كان مستند الملكية السابقة هو علم الحاكم فلا اشكال فى اعتبار ذى اليد وعدم انتزاعه من يده وعلى المدعى اثبات دعواه وليس للحاكم استصحاب بقاء ملكية السابقة على ما عرفت من حكومة اليد على الاستصحاب. واما لو كان المستند هو البينة فقد حكى اختلاف كلمات الاعلام فى الاخذ بمقتضى البينة وانتزاع المال من يد صاحبها مطلقا ، وحكى عن آخر اعتبارها اذا ضم المشاهد ان الى شهادتهما بالملكية المسابقة بانا لا نعلم مزيلها اشهادا ببقاء الملكية السابقة بمقتضى الاستصحاب هذا ولكن الظاهر حكم البينة حكم علم الحاكم مما لا اثر لها فى مقابل اليد سواء شهدا بالملك السابق مطلقا او ضما الى شهادتهما عدم العلم بالمزيل او استصحاب ملكية السابقة وشهدا بالملكية الفعلية فان البينة لا يزيد حكمها عن علم الحاكم. فكما ان علم الحاكم لا اعتبار به فى مقابل اليد فكذلك البينة وضم عدم العلم بالمزيل مما لا اثر له كما ان شهادتهما بالملك الفعلى بمقتضى الاستصحاب مما لا اثر لها اذ استصحاب الشاهد لا يزيد استصحاب الحاكم نفسه بل لو شهد الشاهد بالملكية الفعلية بمقتضى الاستصحاب كان مدلسا لانه اعمل الاستصحاب فى مورد ليس محله وكان محكوما باليد.

وما قيل من جواز الشهادة بالاستصحاب انما هو فى غير مورد اليد كما اذا كان المال بيد ثالث لا يدرى لمن هو فادعى احد كونه له وانكر آخر وادعاه بنفسه وكان فى السابق ملكا لاحدهما ففى مثل هذا قيل بجواز

١٨٨

الشهادة بالاستصحاب بالملكية الفعلية واما لو كان المستند هو الاقرار فالمحكى عن المشهور انتزاع المال من ذى اليد واعطائه للمقر له وعلى ذى اليد اثبات الانتقال ومن ان حكم الانتقال حكم البينة وعلم الحاكم من عدم انتزاع المال من ذى اليد والحكم له. ثم ان مورد الكلام فيما اذا اقر ذو اليد بكون المال كان فى السابق ملكا لمدعى الورثة. واما لو اقر بانه كان فى السابق ملكا لغيره فلا اثر لاقراره ولا يرفع اليد عن المال بهذا الاقرار لم يتعلق بالمدعى فكان وجوده كعدمه والاقوى ما عليه المشهور من الفرق بين الاقرار وعلم الحاكم والبينة وذلك لان باقراره ينقلب الدعوى ويصير المدعى منكرا والمنكر مدعيا فانه عند اقراره بان المال كان للمدعى اما ان يضم الى اقراره دعوى الاشتراء والانتقال منه اليه واما لا يضم الى اقراره ذلك بل ادعى الملكية الفعلية او اقراره بان المال كان للمدعى ودعواه الملكية الفعلية مع انضمام دعوى الانتقال عنه اليه يكون من التناقض اذ يمكن خروج المال من احد الى احد بدون الانتقال باسبابه فدعوى الملكية الفعلية يكون مناقضا لاقراره ومقتضى اخذه باقراره عدم سماعه الدعوى. واما لو انضم لاقراره دعوى الانتقال باسبابه فيصير حينئذ مدعيا والمدعى منكرا لانكاره الانتقال ومقتضى عموم" البينة للمدعى واليمين على من انكر" اقامه معنى اليد البينة وبالجملة القاعدة التى مهدنا فى محله لتشخيص المدعى والمنكر يوجب كون ذى اليد مدعيا وحاصل تلك القاعدة هو ان المدعى من اذا ترك ورفع اليد عن دعواه ترك الى يرفع الدعوى من البين ويكون الاصل العموم عليه فى المسأله لو لا الدعوى على طرف المقابل فكل من وافق قوله ذلك الاصل يكون هو المنكر وفى المقام لا اشكال فى انه لو ترك ذى اليد فدعواه الانتقال بعد اقراره ارتفعت

١٨٩

الخصومة وكان المعول فى المسأله بعد الاقرار هو أصالة عدم الانتقال ، وليس التعويل على اليد بما عرفت من ان اليد مع اقراره مما لا اثر لها مع عدم دعوى الانتقال يكون قوله مخالفا بما عليه المعول.

فان قلت : اقرار ذى اليد بكون المال كان فى السابق ملكا للمدعى لا يزيد حكمه عن الواقع فلو علم واقعا انه كان قبل ذلك ملكا للمدعى لا يسقط اليد عن الأمارية ولا ينتزع المال من يده ولا يصير ذلك مدعيا فليكن فى الاقرار كذلك.

قلت : انقلاب الدعوى ليس من آثار الواقع بل من آثار نفس الاقرار حيث ان المراد مأخوذ باقراره فالأخذ بالاقرار امر آخر ومن هنا يؤخذ باقراره من العلم بمخالفته للواقع كما اذا اقر للعين لاثنين على التعاقب. ثم انه ربما يتوهم المنافاة بين ما ذكرنا من انقلاب الدعوى فى صورة الاقرار وبين ما ورد فى محاجة على عليه‌السلام مع ابى بكر على ما روى عن الصحاح مرسلا ممن عنه عليه‌السلام ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال لابى بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله فى المسلمين قال لا قال (ع) : فان كان فى يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة. قال : اياك كنت اسأل على ما تدعيه. قال (ع) : فاذا كان فى يدى شيء فادعى فيه المسلمون تسألنى البينة على ما فى يدى وقد ملكته فى حياة رسول الله (ص) وبعده ولم تسأل امير المؤمنين على ما اذا ادعوا على كما سألتنى البينة على ما ادعيت عليهم الخبر.

وجه المنافاة انه (ع) اعترض على ابى بكر انه كيف يطالب البينة من فاطمه مع كونها ذى اليد وكان فدك فى تصرفها مع انها قد اقرت بان

١٩٠

فدك كان فى السابق ملكا لرسول الله (ص) وقد نحله اياها فلو كان الاقرار موجبا لانقلاب الدعوى وصيروره ذى اليد مدعيا لكان مطالبه ابى بكر البينة منها فى محله ولما توجه عليه اعتراض امير المؤمنين (ع) ولا بد من تتميم وجه المنافاة بما حكى عن قاضى القضاة فى مقام رفع الاعتراض عن ابى بكر فى مطالبه البينة من الزهراء (ع) بما حاصله انه بعد تسليم ان ما تركه النبى (ص) يكون فيئا للمسلمين ولم ينقل الى ورثته بمقتضى ما رواه عن من قوله" نحن معاشر الانبياء لا نورث شيئا ... الخ" وحيث كان ابو بكر ولى المسلمين ويكون المسلمون هم الوارثون لتركه النبى (ص) فحينئذ يرجع اقرار فاطمه (ع) بان فدك كان لرسول الله (ص) وقد نحله اياها الى اقراره بان فدك كان لمورث المسلمين وقد تقدم انه لو اقر ذو اليد بان المال كان لمورث المدعى وانقلب منه الى انقلب الدعوى فيكون الزهراء مدعيه ويدها ساقطة باقرارها ولكن لا يخفى عليك ان رواية الصحاح لا تنافى ما ذكره المشهور. وتوضيحه يتوقف على تمهيد مقدمه وهى ان الملكية عبارة عن الإضافة الحاصلة بين المالك والمملوك وللملكية طرفان طرف المالك وطرف المملوك وتارة تبدل الإضافة من طرف المالك من دون ان يحدث فى المملوك خلل بل حيثيّة اتصال الإضافة الى المالك ينقطع ويتصل بمالك آخر واخرى يتبدل الإضافة من طرف المملوك وانقطاع تلك الحيثية. وثالثه يتبدل اصل الإضافة بكلا طرفيها.

اما الاول فكالارث فان التبديل فيه انما يكون من طرف المالك حيث ان الوارث يقوم مقامه فى الملك مع بقاء المملوك على حاله وحيثيّة المالك اليه ينقطع بالموت وتصل تلك الإضافة الخاصة التى كانت بين الموروث و

١٩١

المملوك بالوارث.

واما الثانى ـ فكالعقود والمعاوضات التى اوقعها المالك فان التبديل فيها انما من طرف المملوك حيث يقوم العوض مقامه مع بقاء المالك على حاله.

واما الثالث ـ فكالوصية حيث ان اصل الإضافة بكلا طرفيه ينقطع ويحدث هناك اضافه اخرى بين المال والموصى له. اذا عرفت ذلك فنقول ان مالكيه المسلمين بما تركه النبى (ص) على فرض عدم انتقاله الى وارثه والاخذ بما رواه كذبا من قوله : نحن معاشر الانبياء. الرواية ليس إلّا كمالكية الموصى له وليس كمالكية الوارث حيث ان فى مالكيه الوارث لا يحتاج الى ازيد من مالكيه المورث للمال فى ايام حياته آناً ما مع عدم العلم بالمزيل فى ايام حياته فان الوارث يكفى الملك من مورثه بمجرد ثبوت مالكيه المورث له واما مالكيه المسلمين لما تركه النبى (ص) فلا يكفى فيه مجرد ثبوت الملك آناً ما للنبى (ص) فى زمان حياته بل لا بد من العلم بانه تركه النبى (ص) ومات عنه كما انه يعتبر فى مالكيه الموصى له ذلك فلو اوصى بشيء للموصى له وكان المال فى زمان حياة الموصى فى يد ثالث وادعى ذو اليد بعد موت الموصى بانه ملكه للمال الموصى به فى زمان حياته فلا ينبغى التوهم فى ان اقراره بانه كان المال فى السابق ملكا للموصى الا كاقرار ذو اليد بان المال كان فى السابق للثالث الاجنبى فى انه لا مساس له بالمدعى ولا ينقلب به الدعوى بل لا بد من مطالبه الموصى له بالبيّنة على ان الوصى لم ينتقل المال ودعوى ابى بكر بان فدك بكون للمسلمين لدعوى الموصى له بان المال لم ينتقل عن تلك الموصى فى ايام حياته ولا بد لابى بكر من اثبات

١٩٢

كون فدك تركه النبى (ص) ومات عنه ولم ينحله الى الزهراء (ع) ودعوى ان المسلمين لو كانوا وارثين للنبى واقرار الزهراء (ع) ويكون اقرار للمسلمين واضح الفساد. هذا تمام الكلام فى اليد اذا كان متعلقها الملك السابق. واما لو كان متعلقها الوقف السابق فهل يلحق بصورة العلم بحال اليد من كونها عاريه التى قد عرفت عدم اعتبار ذلك او انه يلحق بصورة الملكية السابقة التى قد عرفت عدم اعتبار ذلك.

وبعبارة اخرى هل اليد على الوقف يوجب سقوط استصحاب الوقفية كسقوط استصحاب الملكية السابقة او لا فيه وجهان : من ان الوقفية السابقة مما لا عبرة بها بعد احتمال طرو مسوغات بيع الوقف حتى يدخل فيما لو علم حال اليد بل العلم بالوقفية السابقة ليس إلّا كالعلم بالملكية السابقة مما لا اثر له فى مقابل اليد وهذا الوجه هو الذى اختاره صاحب العروة فى ملحقاته. ومن ان اليد انما يكون أمارة على الملكية فى المال الذى طبعه قابلا للنقل والانتقال فعلا ولم يكن واقعا محبوسا عن السير والانتقال ، وان لم يكن ان يعرضه ما يخرج عن الحبس والوقوف إلّا ان امكان عروض ذلك لا يجعل الوقف قابلا بالفعل للسير والنقل. وبعبارة اخرى انما يكون أمارة على ان المال انتقل من مالكه الاول الى ذى اليد باحد اسباب انتقال من دون تعيين سبب خاص وهذا انما يكون بعد الفراغ عن قابلية المال فى نفسه للانتقال ، والوقف ليس كذلك فلان الانتقال فيه انما يكون بعد طرو القابلية وعروض المسوغ وبعد ذلك ينتقل الى الغير ، وأمارة اليد انما يكون متكفلة للجهة الثانية وهى الانتقال الى الغير.

١٩٣

واما الجهة الاولى فلا تكون اليد متكفلة لها فحينئذ يكون جهة الاولى من قبيل الموضوع للجهة الثانية وحينئذ يكون استصحاب عدم عروض مسوغ البيع موجبا لسقوط اليد عن الأمارية.

فان قلت : اليد أمارة على الانتقال ولازم الانتقال عروض مسوغه والأمارة تثبت اللوازم والملزومات كما هو الشأن فى كل أمارة.

قلت ليس المقام من اللوازم والملزومات حتى يقال بحجية الأمارة فى اثباتها بل قابلية الانتقال وعروض المسوغ يكون موضوعا لأمارة اليد لما عرفت من ان اليد انما يكون أمارة على ملك المال القابل للانتقال بالفعل ولا يمكن اليد متكفلة للقابلية كما لو شك فى اصل المالية وان هذا الذى فى اليد خمر او خل مع حاله السابقة خمرا. قيل يمكن ان يقال : ان اليد أمارة على الملك ويتوسط اثباتها اللوازم يكون ما فى اليد خلا وان الخمر انقلب اليه.

فان قلت ما الفرق بين وقف الاراضى المفتوحة عنوة حيث قلتم وما فى يده من الاراضى المفتوحة عنوة وادعى الملكية تفريده عليها ولا يجرى استصحاب بقائها على الحالة السابقة.

قلت : الاراضى المفتوحة عنوة ملك المسلمين وقابلية للنقل غاية الامر ان المتصدى لذلك هو تولى العام حيث ما يرى من المصلحة النوعية وهذا بخلاف الوقف فانه ولو قلنا انه ملك للموقوف عليهم إلّا ان المال محبوس فعلا ويقبل النقل والانتقال كذلك.

فان قلت ليس عدم قابلية الوقف للنقل والانتقال باعظم من عدم قابلية الحرية لو لم يكن الحر اعظم ومع ذلك قد وردت عدة من الرواية على

١٩٤

ان دعوى الحرية مع كونه تحت اليد لا يسمع ، والحكم بالرقيّة بمقتضى اليد كما فى رواية مسعدة.

قلت : الاصل فى الانسان وان كان الحرية إلّا انه اذا لم يكن تحت يد احد فليس الاصل فيه الحرية إلّا اذا كان مسبوقا بالحريّة والمال كان فى المقام مسبوقا بالوقفية فقياس الرقية بالحريّة انما يستقيم اذا كان الشخص مسبوقا للحرية وفرضنا انه يمكن عروض سبب الرقية له فهل يمكن الالتزام بان اليد فى مثل هذا أمارة الملكية وانقلاب الحر رق يفيد جريان استصحاب الحرية.

ومما اشتبه حاله من حيث كونه أمارة او اصلا قاعده الفراغ والتجاوز والكلام فيها فى مقامات الا :

الاول : فى مدركها وهو الاخبار الواردة على ذلك منها : رواية زرارة عن الصادق (ع) وفيه رجل شك فى الاذان وقد دخل فى الإقامة قال (ع) : يمضى قلت : رجل شك فى الاذان والإقامة وقد كبر. قال (ع) : يمضى قلت رجل شك فى التكبيرة وقد قرء قال يمضى قلت : رجل شك فى القراءة وقد ركع. قال (ع) : يمضى قلت رجل شك فى الركوع وقد سجد قال (ع) : يمضى على صلاته ثم قال (ع) : يا زرارة اذا خرجت من شيء ودخلت فى شيء آخر فشكك ليس بشيء.

ومنها رواية اسماعيل بن جابر قال قال ابو جعفر (ع) : ان شك فى الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك فى السجود بعد ما قام فليمض كل شيء شك فيه بعد ما جاوز ودخل فى غيره فليمض.

ومنها موثقة ابن بكير عن الباقر (ع) : كلما شككت فيه مما قد مضى

١٩٥

فامضه كما هو.

ومنها موثقة ابن ابى يعفور : اذا شككت فى شيء من الوضوء وقد دخلت فى غيره فشكك ليس بشيء انما الشك فيما اذا كنت فى شيء لم تجزه وغير ذلك مما يظهر منها القاعدة الكلية فى هذا الباب.

المقام الثانى : لا اشكال فى تقدم القاعدة على الاستصحاب سواء قلنا بكونها من الامارات او من الاصول. اما بناء على الأمارية لحكومتها على الاستصحاب ، واما بناء على الأصلية فلكونها اخص مطلقا من الاستصحاب لانه قل مورد لم يكن الاستصحاب على خلاف القاعدة وحينئذ لا يهمنا البحث عن كونها من الأمارة ، او من الاصول ، وان كان البناء على الأمارية ليس البعد لما فيها من الكاشفية فان الغالب هو الجرى على وفق الأمارة فاذا تعلق الأمارة بفعل مركب فى اجزاء وبنى على اتيان كل جزء فى محله المضروب له كان الطالب هو فعل ذلك الاجزاء فى محالها والجرى على ما تعلقت به الإرادة وان لم يلتفت تفصيلا الى كل جزء فى محله لم يكن قاصدا له كذلك بل كان مغفولا عنه فى محله وإلّا انه مع ذلك يأتيه قهرا عليه جريا على الإرادة السابقة فى اول الشروع فى العمل فالإرادة الحاصلة عند الشروع تعلقت بالاتيان بالاجزاء المركبة كل فى محله هى التى توجب وقوعه فى محله غالبا وان لم يتعلق الى كل جزء فى محله إرادة مستقلة فان الإرادة الأزلية حيث كانت ثابته فى الخزانة كان الشخص مقهورا على الجرى على وفقها ما لم يحدث إرادة اخرى مضادة للارادة الأولية فالغالب عند تعلق الإرادة بفعل المركب هو الاتيان وكل جزء فى محله وللشارع انه اعتبر هذه العلية وعمم كشفها كما يدل عليه قوله فى بعض اخبار الوضوء" هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك" وقد تقدم

١٩٦

انه لا يعتبر فى كون الشيء أمارة سوى ان تكون فيه جهة كشف بداهة ، وان يكون الشارع اعتبره من تلك الجهة وهذان الركنان ثابتان فى قاعده التجاوز والفراغ وعليه يستقيم الحكومة : بل يظهر من الشيخ (قده) امكان حكومة القاعدة على الاستصحاب حتى بناء على كونها من الاصول حيث قال : قبل التعرض لحكومة اليد على الاستصحاب سطريا ويعلم عدم كونه ناظرا الى الواقع وكاشفا عنه وانه من الفوئد التعبدية لكن يختص حكومته مع ذلك على الاستصحاب ... الخ. فراجع العبارة فالذى يظهر من عبارته (قده) هو امكان تصرف الحكومة بالاصول التنزيلية بعضها مع بعض بان يكون التنزيلين رافعا لموضوع التنزيل الآخر إلّا انه لم يبين الوجه والذى ينبغى ان يقال فى وجهه ان موضوع الاستصحاب هو الشك فى البقاء والشك فى البقاء مسبب عن حدوث ما يوجب رفع البقاء مثل قاعده الفراغ ، وأصالة الصحة فى عمل الغير ، وكذا قاعده اليد بناء على كونها من الاصول يجرى فى ناحيه السبب وهو ذلك الحادث وبعد حكم الشارع بالحدوث يرتفع موضوع الشك فى البقاء.

المقام الثالث : فيما يستفاد من الاخبار : اعلم انه قد وقع الكلام فى ان قاعده التجاوز والفراغ هل قاعده واحدة او ان كل واحدة منهما قاعده مستقلة لا ربط لاحداهما بالاخرى إحداهما مضروبة للشك فى الاجزاء فى اثناء العمل والاخرى للشك فى صحه العمل بعد الفراغ عنه. والذى يظهر من كلام الشيخ (قده) هو الاول وان قاعده التجاوز والفراغ يجمعها كبرى واحدة وهى عبارة عن عدم التفات الى الشك فى الشيء بعد التجاوز سواء كان الشك متعلقا الى وجود الشيء او الى صحته لان الشك فى الصحة

١٩٧

يرجع الى وجود الصحيح فالجامع بين القاعدتين هو الشك فى الوجود غاية الامر فى قاعده التجاوز تكون متعلقا باصل الوجود وفى قاعده الفراغ متعلقا بوجود الصحيح وهذا المقدار من الاختلاف لا يوجب الاختلاف فى الكبرى بل انما هو من الاختلاف فى موارد الصغريات هذا ولكن يرد عليه اولا ان الشك فى قاعده التجاوز انما يتعلق باصل الوجود بمفاد كان التامة وفى قاعده الفراغ بصحة الموجود بمفاد كان الناقصة ولا جامع بينهما لكى يجمعهما كبرى واحدة ، واما ما افاده (قده) من رجوع الشك فى قاعده الفراغ ايضا الى الشك فى الوجود غاية الامر الى الشك فى وجود الصحيح مما لا يستقيم فان المهم انما هو اثبات صحه الموجود ولا وجود للصحيح ، واثبات صحه الموجود بوجود الصحيح لا يمكن إلّا على القول بالاصل المثبت لانه لا يترتب على وجود الصلاة الصحيحة صحه هذه الصلاة الموجودة الا على القول باصل المثبت.

فان قلت المهم فى المقام الخروج عن عهده التكليف وهو وجود الصلاة الصحيحة من المكلف ولا يثبت حاجة الى اثبات صحه هذا الموجود التى صلاها فليكن الشك فى صحه هذه الصلاة باقيا بعد اثبات ان المكلف صلى صلاة صحيحه.

قلت : نعم وان كان المهم هو اثبات وجود الصحيح إلّا ان قاعده الفراغ لا تختص بذلك بل هى قاعده مضروبة لاثبات صحه الموجود وان لم يكن فى باب التكاليف كباب العقود والايقاعات ونحوهما حيث ان المهم فيهما اثبات صحه العقد الموجود لا وجود العقد الصحيح اذ لا اثر له دائما ولا اثر مترتب على صحه العقد الموجود.

١٩٨

وثانيا : ان متعلق الشك فى قاعده التجاوز انما هى الاجزاء وفى قاعده الفراغ هو الكل ولفظ الشيء فى قوله انما الشك فى شيء لم تجزه لا يمكن ان يعم الكل والجزء فى مرتبه واحدة اذ لحاظا الجزء بحياله وبما انه شيء لا بد وان يكون فى مرتبه سابقه على تأليف المركب منه ومن غيره او فى مرتبه التأليف لا يمكن ان يكون شيئا فى مقابل الكل بحيث يكون الجزء شيئا والكل شيئا آخر بل ليس هناك إلّا شيء واحد وهو كل الذى عبارة اخرى عن الاجزاء وشيئيته كل جزء مندكة فى شيئية الكل وغير ملحوظة بحيالها بل فانية فيه ففى رتبة لحاظ الكل شيئا آخر ، بل لا بد من لحاظ الجزء شيئا بحياله من لحاظه فى المرتبة السابقة عن التاليف او فى تلك المرتبة يكون الجزء شيئا بداهة وبحياله رتبة شيئية الشيء مغايره شيئيته بكل لا يمكن ان يجمعها لفظ الشيء الوارد فى الاخبار ، ولا بد ان يراد من لفظ الشيء اما المجرد فيكون مختصا بقاعدة التجاوز ، واما الكل فيكون مختصا بقاعدة الفراغ فلا يجمعها كبرى واحدة.

وثالثا : يلزم التهافت والتناقص لو كان مثل قوله (ع): " انما الشك فى شيء لم تجزه" شاملا للكل والجزء فانه لو شك فى الحمد مثلا وهو فى الركوع فلحاظ الجزء الذى هو الحمد يصدق التجاوز فلا يجب العود اليه. وبلحاظ الكل الذى هو الصلاة يصدق عدم التجاوز لانه بعد فى الاثناء فيجب العود اليه وهذا كما ترى مناقضه.

ورابعا : ان التجاوز فى قاعده التجاوز انما هو التجاوز عن محل الجزء المشكوك عن نفسه لكون الشك فى وجوده ، وفى قاعده الفراغ انما هو التجاوز عن نفس الكل لا عن محله فلا يمكن ان يجمعهما كبرى واحدة.

١٩٩

وخامسا ان متعلق الشك فى قاعده التجاوز انما هو نفس الجزء ففى قاعده الفراغ ليس الكل بنفسه متعلقا للشك ، او وجود الكل محرزا وانما الكل ظرف للشك ومحل له ، ولمكان الاشكالات التزم بعض بتعدد القاعدتين وجعل مثل رواية زرارة ، واسماعيل بن المسئول فيهما عن اجزاء الصلاة دليلا على قاعده التجاوز ولذا اختصت بباب الصلاة ، ولا يتعدى منها الى سائر الابواب فانه وان كان قوله فى الاولى اذا خرجت من شيء الخ. والثانية كل شيء شك فيه ، الخ يعم فى حد نفسه اجزاء سائر المركبات إلّا ان سبق السؤال من خصوص اجزاء الصلاة يوجب من ظهور الذيل فى العموم ، ومن هنا لم يعمل الاصحاب بقاعدة التجاوز الا فى خصوص اجزاء الصلاة وجعل مثل موثقة ابن بكير وابن ابى يعقوب دليلا على قاعده الفراغ التى يعم جميع الابواب كما عليه الفقهاء ، ومع تعدد القاعدتين يرتفع الاشكالات ولكن يمكن الجمع بين القاعدتين واحدة غاية الامر ان قاعده الفراغ تكون صغرى لكبرى تكوينا. وقاعده التجاوز تكون صغرى فيها بالتعبد والتنزيل لان ملاحظه مجموع الاخبار الواردة فى الباب والتأمل فيها حق التأمل يشرف القطع بان الشارع لم يفيدنا القاعدة واحدة ولم يضرب للشك فى الشيء الا قاعده فارده وهى ان الشك فى الشيء بعد التجاوز عنه مما يمضى به ولا يلتفت اليه ويعم ذلك جميع الاشياء فكلما يطلق عليه لفظ الشيء. وبالجملة الذى يظهر من الاخبار بعد التأمل فيها ان الشارع فى مقام بيان اعطاء قاعده كلية وهى عدم التفات الى الشك فى وجود الشيء اى شيء كان ، ومن اى باب كان ، وفى هذه المرتبة وان لم يتمكن لحاظه شيئا إلّا انه بلحاظ آخر تنزل الشارع

٢٠٠