الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

التكليف من أصله ، ووجوب تكليف آخر بالبقية بل هو نظير البياض المنبسط على الجسم المستطيل فانه لا اشكال فى بقاء ذلك البياض عند انعدام بعض الجسم وصيرورته قصير او لا يمكن ان يقال ان ذلك البياض انعدام وحدوث بياض آخر فى بقية الجسم فان ذلك مما يكذبه الوجدان بل هو ذلك البياض غاية الامر انه كان قبل محدودا بحد خاص والآن صار محدودا بحد آخر وذلك واضح والطلب المنبسط على الاجزاء وحينئذ لو كان جزئيه احد الاجزاء مقصورا بحال الاختيار فيكون الطلب بالنسبة الى البقية باقيا الى حاله ، هذا فى مرحله الثبوت. واما فى مرحله الاثبات فان دل الدليل على ان جزئيه الجزء مقصور بحال الاختيار ، او دل على جزئيه المطلقة فهو وإلّا يتصور حينئذ شك فانه بناء على الاول تكون البقية واجبة قطعا وبناء على الثانى لم يجب ايضا قطعا. واما مع عدم دلالة الدليل على احد الوجهين ويثبت الجزئية فى الجملة فيشك فى بقاء الطلب بالنسبة الى اجزاء البقية وحقيقة يشك فى البقاء لما عرفت من انه على تقدير كون جزئيه مقصورة بحال الاختيار يكون الطلب بالنسبة الى الاجزاء الباقية هو ذلك الطلب الثابت قبل تعذر الجزء فيستصحب نفس ذلك الطلب المتعلق بالاجزاء الباقية ، اذ استصحاب الطلب لا يمكن بفرض تعذر بعض الاجزاء فلا بد من استصحاب طلب الاجزاء الباقية.

فان قلت بناء على هذا ينبغى ان لا يفرق الحال بين ان يكون الباقى مطلق الاجزاء ، او بعض الاجزاء فلو فرض انه تعذر جميع اجزاء الصلاة ما عدى التشهد كان اللازم استصحاب وجوب التشهد اذ على

١٦١

تقدير وجوبه يكون هو ذلك الوجوب السابق المتعلق بالتشهد قبل تعذر البقية مع انه لا يمكن الالتزام بذلك ولم يلتزم به احد بل لا بد من ان يكون الباقى هو معظم الاجزاء.

قلت : نعم وان كان وجوب التشهد على تقدير يكون هو الوجوب السابق حقيقة إلّا انه لما كان بنظر العرف وجوب عدم تعذر البقية منه كما فى وجوب البقية وكان الطلب المتعلق به يراه العرف طلبا معينا ضمنيا من غير ان يكون به استقلال وكان وجوبه بعد تعذر البقية وجوبا استقلاليا بحيال ذاته كانت القضية المشكوكة مبانيه للقضية المتيقنة وكان وجوب التشهد فى هذا الحال اى حال تعذر البقية مغايرا بنظر العرف لوجوبه السابق المندك فى حال تمكن البقية وان كان عقلا هو هو وهذا بخلاف ما اذا كان الباقى معظم الاجزاء فان وجوبه فى هذا الحال حتى بنظر العرف يمكن وجوبه السابق ايضا جدا.

ثم ان الشيخ (قده) افاد فى المقام بانه لا فرق فى جريان الاستصحاب بين تعذر الجزء بعد تنجز التكليف كما اذا زالت الشمس متمكنا من جميع الاجزاء ففقد بعضها ، وبين ما اذا تعذر قبل الزوال فالمستصحب هو الوجوب النوعى المنجز على تقدير الشرائط لا الشخصى المتوقف على تحقق الشرائط فلا تعم هنا ونزيده توضيحا فنقول :

تارة يراد استصحاب الشخصى الجزئى وهذا مما لا اشكال فى اعتبار فعليه الخطاب وتنجزه ويكون المجرى للاستصحاب هو المقلد. واخرى يراد استصحاب حكم الكلى الذى يجريه المجتهد وهذا لا يعتبر فيه تنجز الخطاب وفعليته بل يكفى استصحاب التكليف على موضوعه المقدر

١٦٢

وجوده نظير استصحاب نجاسة الماء المتغير الذائل تغيره من قبل نفسه ولكن لا بد من فرض تحقق التكليف بماله من الشرائط وان لم يكن تحقق بالفعل خارجا كما قلناه.

اذا عرفت ذلك فنقول انه لا اشكال فى ان الاستصحاب فيما نحن فيه يكون من وظيفة المجتهد فلا حاجة الى تنجز الحكم وفعليته خارجا إلّا انه لا بد من فرض ثبوته بماله من الشرائط ويجرى الاستصحاب على هذا الفرض وذلك لا يكون إلّا بعد فرض دخول الوقت الذى هو شرط للتكليف وفرض يمكن التكليف لا يمكن من جميع الاجزاء يمكن فرض فعليه او مع عدم دخول الوقت او عدم فرض يمكن التكليف لا يمكن فرض فعليه التكليف لان الحكم يدور مدار موضوعه خارجا وفرضا وحينئذ كان جريان الاستصحاب فى المقام منحصرا بما اذا فرض طرو العجز عن بعض الاجزاء عند فرض تمكنه منه فى الوقت. واما لو فرض العجز من اول الوقت فلا مجال للاستصحاب الا على القول بصحة الاستصحاب التعليقى وقد تقدم منعه ولكن السيد محمد الفشاركى التزم فى المقام بصحة الاستصحاب ولو فرض العجز من اول الامر مع انكاره الاستصحاب التعليقى ويعرف له جدا.

التنبيه الرابع عشر :

لا اشكال فى ان المراد بالشك الذى اخذ موضوعا فى باب الاستصحاب وساير الاصول العملية فى مورد الطرق والامارات هو خلاف اليقين الشامل بالظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق وذلك لان الشك لغة خلاف اليقين فيشمل الظن وغيره بجامع واحد لا خصوص ما يساوى

١٦٣

فيه طرفى الاحتمال بل كل ما ليس بيقين فهو شك كما فى الصحاح ، مضافا الى القرائن التى تدل على ذلك فى أدلة الاصول خصوصا باخبار الاصول خصوصا اخبار الاستصحاب كما يظهر للمتامل على انه قد ذكرنا فى مسألة الجمع بين الحكم الواقعى والظاهرى ان للشك جهتان :

إحداهما كونه وصفا قائما بنفس الشاك كقيام العلم والظن والوهم به.

الثانى كونه غير موصل للواقع وعدم احرازه له كما ان للقطع ايضا جهتان إحداهما كونه صفة قائمة بالنفس الثانية كونه موصلا للواقع ومحرزا له وحيث ان اليقين فى أدلة الاصول انما اخذ موضوعا من جهة الثانية وهل اخذ من حيث الطريقية ، وكونه محرزا كما تقدم فلا محاله ايضا يكون الشك ماخوذا فيها من جهة الثانية اى من حيث كونه موصلا ومحرزا للواقع فان الظاهر من مقابله الشك واليقين هو ذلك وحينئذ يكون كل ما لا يكون موصلا الى الواقع ملحقا بالشك حكما ويقوم مقامه ، وان لم يكن ملحقا به موضوعا فان الظن الذى لم يقم دليل على اعتباره حكم الشك لاشتراكها فى عدم الموصلية وحينئذ لا يحتاج الى دعوى ان الظن الذى لم يقم دليل على اعتباره يكون رفع اليد عن اليقين السابق بسببه نقضا لليقين بالشك من حيث الظن فى اعتبار الظن مع ان فى يده دعوى ما لا يخفى بداهة ان متعلق الشك هو الحجية لا الواقع ومتعلق الظن هو الواقع فكيف يكون ذلك نقضا لليقين بالظن ولا محاله يحتاج الى اثبات كونه ملحقا حكما او موضوعا هذا تمام الكلام فى تنبيهات الاستصحاب.

١٦٤

خاتمه :

يعتبر فى جريان الاستصحاب امور :

الاول ـ بقاء الموضوع بمعنى ان يكون المشكوك فيه هو الذى كان على يقين منه وهذا معنى اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة فان معنى الاتحاد هو اتحاد القضية من حيث الموضوع والمحمول فيكون الاختلاف فى ما بينهما فى مجرد الشك واليقين مثلا لو كان على يقين من وجوب صلاة الصبح وبعد ذلك شك فلا بد من ان يكون متعلق الشك هو بقاء ذلك الوجوب الخاص لا فى وجوب آخر ولا بصلاة اخرى اذا لم يكن وجوب آخر بصلاة اخرى على يقين منه ومن المعلوم ان عدم نقض اليقين بالشك الذى هو مورد التعبد وبناء العقلاء لا يعقل تحققه الا بالاتحاد المذكور ، ولعمرى ان اعتبار ذلك بمكان من الوضوح لا يحتاج معه الى برهان عدم معقولية بقاء العرض بلا موضوع ، او انتقال العرض من موضوع الى موضوع آخر. ولا يخفى عليك انه لا بد من احراز اتحاد المذكور وكون الشخص على يقين منه ولا يكفى الشك فى الاتحاد وإلّا كان التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية كما هو واضح. ثم ان الشك تارة يكون فى المحمولات الأولية من الوجود والعدم واخرى فى المحمولات المترتبة فى القيام والقعود والكتابة وتحريك الاصابع وغير ذلك من المحمولات المترتبة على الوجود على اختلاف فيهما من كون ترتبها على ذلك بلا واسطة ، او مع الواسطة ففى مثل القيام يكون مترتبا على زيد الموجود بلا واسطة فى العروض وفى مثل تحرك الاصابع يكون مترتبا عليه بواسطة الكتابة فان كان الشك فى المحمولات الأولية

١٦٥

فلا بد من اخذ الموضوع معرى من الوجود والعدم اذ بدون ذلك لا يعقل الشك. بداهة انه لا يمكن الشك ، فوجود زيد الموجود بوصف كونه موجودا او زيد المعدوم بوصف كونه معدوما فى حال الشك بل لا بد فرض زيد فى الحال معرى عن الوجود والعدم وبحاله من التقرر الذهنى فيستصحب تارة وجوده ان كان مسبوقا واخرى عدمه ان كان مسبوقا وبقاء الموضوع واقعا. وان كان الشك فى المحمولات المترتبة بالشك تارة يكون مسببا عن الشك فى بقاء الموضوع كالشك فى مطهرية الماء من جهة الشك فى بقاء اطلاقه ، واخرى لا يكون مسببا عن ذلك بل كان كل من الشك فى الموضوع والمحمول سببا عن امر آخر كالشك فى حياة زيد وعدالته بمعنى ان يكون الشك فى عدالته لاجل الشك فى حياته بل على فرض ثبوته كانت العدالة لا لاجل الشك فى حياته بل على فرض ثبوته كانت العدالة مشكوكة ايضا فان كان الشك فى المحمول مسببا عن الشك فى الموضوع فهذا مما لا اشكال فى صحه استصحاب الموضوع ويترتب المحمول عليه بذاك الاستصحاب من دون ان يكون له حاجة الى احراز الاستصحاب فى نفس المحمول بل لا مجرى لاستصحاب هذا موافقا كان او مخالفا فان الاصل السببى راجع بموضوع الاصل المسببى. واما اذا لم يكن الشك فى المحمول مسببا عن الشك فى الموضوع فهذا هو محل الكلام من حيث اجراء الاصل فى الموضوع لا يكفى فى ترتب المحمول لبقاء الشك فى المحمول على حاله لعدم كون الشك فيه مسببا عنه واجراء الاصل فى المحمول ايضا لا يمكن فى الشك فى موضوعه واجراء الاستصحاب فى كل منهما ايضا لا ينفع فان استصحاب الحياة ان كان جاريا من حيث الآثار المترتبة على نفس الحياة

١٦٦

إلّا انه من حيث ترتب العدالة عليه لا يجرى لان ترتب العدالة على الحياة لم يكن شرعيا بل هو امر عقلى بداهة ان العدالة عقلا لا يمكن تحققها بدون الحياة فالحياة لا هو موضوع شرعى للعدالة ولا جزء الموضوع لها وحاصل الكلام ان الشك فى الموضوع والمحمول من غير جهة الشك فى الموضوع يتصور على وجهين :

احدهما كون الموضوع بماله دخل شرعا فى ترتب المحمول عليه لاجل الاطلاق فى عاصمية الكر ، فان تحقق عقلا على كون الماء مطلقا بل يمكن تحققه مع اضافه الماء إلّا ان الشارع اعتبر الاطلاق فى الكر كما اعتبره فى رافعية الحدث والخبث ولو كان كل من اطلاق الماء وكريته مشكوكة فلا مانع من استصحاب كل من الاطلاق والكريه ويترتب على الاستصحاب الاطلاق كما يجدى فى الآثار المترتبة على نفسه من كونه رافعا للحدث والخبث كذلك يجدى فى دخله فى الكريه فان دخله فى ذلك يكون شرعيا حسب الفرض وهذا المقدار من الدخل بشرعى فى صحه الاستصحاب وبعبارة اخرى قد يكون احد اجزاء المركب مما له دخل شرعا فى تحقق الجزء الآخر مضافا الى كونه جزء لموضوع الحكم الشرعى ، واخرى لا يكون الجزء مما له دخل فى تحقق الجزء الآخر شرعا ، بل كان له دخل فى ذلك عقلا ، وان كان كونه جزء لموضوع الحكم الشرعى شرعيا هذا ، ولكن لا يخفى عليك ان دخل الاطلاق فى الكريه لا معنى له سوى دخله فى عاصمية الكريه ، وهذا عبارة اخرى عن جعل الاطلاق جزء الموضوع الحكم الشرعى من العاصمية فتأمل جدا.

وثانيهما ـ كون الموضوع مما لا دخل له شرعا فى ترتب المجعول

١٦٧

عليه ، بل كانت المدخلية عقلية صرفا كمدخلية الحياة فى العدالة فان دخلها فى ذلك لا تكون شرعيا بل عقليا لعدم امكان تحقق العدالة بدون الحياة عقلا فاستصحاب الحياة من حيث دخله فى العدالة فيما لا يمكن ، وان امكن من حيث الآثار المترتبة على نفس الحياة فالاشكال انما فى هذا القسم الخاصة هذا. ولكن الاتصاف مما لا اشكال فيه ايضا فانه بعد كون الاثر الشرعى من جواز التقليد مثلا مترتب على الحى العادل فلا بد من احراز هذا الموضوع فى جواز التقليد كما يكفى ايضا بعضه بالوجدان والآخر بالاصل فاستصحاب الكل من الحياة والعدالة مما لا مانع عنه نعم استصحاب عدالة الحى مما لا يمكن لان المفروض الشك فى حياته. واما استصحاب العدالة على تقدير الحياة فلا محذور فيه باستصحاب الحياة ايضا يلتئم تمام ما هو الموضوع لجواز التقييد ولم يبق لنا هنا جهة شك فيها وقد تقدم ان الضابط فى اجزاء الموضوع بتمام اجزائه بالاستصحاب او بعضه به ، وبعضه بالوجدان هو ، ان يتم من ضم الاستصحابين او ضم الوجدان بالاستصحاب تمام ما هو الموضوع للاثر ، والمقام يكون كذلك.

وما قيل : من استصحاب الحياة من حيث دخله فى العدالة لا يمكن ، اتضح فساده فانه لا حاجة الى اثبات هذه المدخلية ، ومما لا اثر لها فى جواز التقييد بل الذى تحتاج اليه هو استصحاب الحياة من حيث كونه جزء للموضوع ، واستصحاب العدالة من حيث كونها جزء الأخر ومراد الشيخ (قده) من استصحاب العدالة على تقدير الحياة هو هذا المعنى اى استصحاب نفس العدالة لا عدالة الحى وسيجد القضية فى

١٦٨

كل من استصحاب العدالة والحياة فان المشكوك فيه فى استصحاب الحياة هو الذى قد تعلق اليقين به سابقا ، وكذا المشكوك فيه فى استصحاب العدالة هو الذى تعلق اليقين سابقا. بداهة ان المتعلق سابقا كما مثلنا زيدا فزيد كان سابقا متيقن الحياة ومتيقن العدالة والآن يشك فى بقاء كل منهما ومجرد كون زيد الحى متعلقا لليقين بالعدالة لا يمنع من استصحاب العدالة ولا مع الشك فى حياته اذ ليس المقصود استصحاب عدالة الحى بل المقصود استصحاب العدالة على تقدير الحياة فتأمل.

ثم لا يخفى عليك ان ما ذكرنا من الشك فى المحمول ان كان مسببا عن الشك فى الموضوع كان الاصل فى ناحيه الموضوع جاريا ويثبت به المحمول انما هو بعد العلم بالموضوع بحدوده وقيوده وكان الشك متمحضا فى ناحيه البقاء. واما لو كان الشك فى المحمولات مسببا عن الشك فى الموضوع لا من ناحيه بقاء الموضوع بل الشك فى نفس الموضوع وتردده بين ما هو باق قطعا وما هو مرتفع لذلك كما اذا شك فى موضوع النجاسة والمفروض فيها هل هو الكلب بصورته النوعية الزائلة عند صيرورته ملحا او ان الموضوع هو الكلب بمادته الهيولائية المحفوظة عند صيرورتها ملحا فلا مجال فى مثل هذا الاستصحاب المحمول ، ولا استصحاب الموضوع اذا صار الكلب ملحا. اما عدم جريان استصحاب المحمول اى النجاسة فللشك فى موضوعه لاحتمال ان يكون الموضوع هو الكلب بصورته النوعية. واما عدم استصحاب الموضوع فان استصحاب الموضوع بوصف كونه موضوعا فهذا عبارة اخرى عن استصحاب الحكم كما

١٦٩

لا يخفى. وان اريد استصحاب ذات الموضوع فالمفروض ان ما كان سابقا قد ارتفع قطعا لعدم بقاء الكلب بصورته النوعية بعد صيرورته ملحا ، وما هو موجود الآن لم يكن موجودا سابقا فاين المستصحب فى المقام.

بقى الكلام فى ان الحاكم بالاتحاد المذكور اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة ، هل هو العقل او الدليل او العرف. اعلم ان الاستصحاب اما ان يكون موضوعا ، او حكما ، والكلام فى اتحاد انما هو الاستصحاب الحكمى واما الاستصحاب الموضوعى فلا يتفاوت سواء كان الاتحاد بنظر العقل او العرف. نعم فى بعض الاستصحابات الموضوعية يختلف الموضوع فيها بين العقل والعرف كاستصحاب الكريه هذا وكان استصحاب الليل والنهار حيث اعتبر بقاء الموضوع فى الاستصحاب وقع الكلام من انه كيف يجامع بقاء الموضوع مع انتفاء بعض الخصوصيات عنه ومن هنا وقع البحث ان العبرة فى بقاء الموضوع مع انتفاء بعض الخصوصيات عنه. ومن هنا وقع البحث ان المعتبر فى البقاء هو العقل ، او الدليل ، او العرف.

وقبل بيان ذلك لا بد من تقديم امور :

الاول ـ ان الكلام فى المقام فى خصوص الاحكام الشرعية المستكشفة من المستقلات العقلية بقاعدة الملازمة مناطاتها بل يكون من التعبديات المحضة التى ينحصر طريق معرفتها الى التعبد الشرعى.

الثانى ـ لا اشكال فى ان الالفاظ موضوعة لمعانيها الواقعية لنفس الأمرية والمعتبر فى معرفة تلك المعانى وتشخيص مفاهيم الالفاظ انما هو العرف العام سواء وافق عرف اللغة او خالفه ، ومن هنا قالوا انه لو تعارض عرف اللغة مع عرف العام فى مفهوم اللفظ فالمتبع هو العرف لا اللغة

١٧٠

الثالث ـ لا عبرة بالمسامحات العرفية فى شيء من الابواب ولا يرجع اليه فى تشخيص المصاديق بعد اخذ المفهوم منه ، مثل اطلاق الكر ، او الحقه على الناقص عن وزنه الواقعى.

اذا عرفت ذلك فيقع الاشكال فيما افاده الشيخ (قده) فى المقام من الترديد بين كون الحاكم ببقاء الموضوع هو العقل ، او الدليل ، او العرف اما اولا : فلانه لا معنى لاخذ الموضوع من العقل فان الرجوع الى العقل انما يستقيم فى مستقلاته. واما فى الموضوعات الشرعية فلا سبيل للعقل اليها وليس مناطات الاحكام الشرعية بيد العقل فما معنى اخذ موضوع الحكم الشرعى من العقل.

واما ثانيا فما معنى جعل موضوع العلم مقابلا للموضوع العرفى مع ان موضوع الدليل يرجع فى مفهومه ومعناه الى العرف كما تقدم. وليس معنى الموضوع الذى اخذ فى لسان الدليل امرا مغايرا بما يفهمه العرف فلا معنى لجعل موضوع العرفى مقابلا لموضوع الدليل. وان اريد من الموضوع العرفى ما يتسامح فيه العرف ويراه موضوعا مع انه ليس موضوعا حقيقة فقد عرفت فساده. ولكن الظاهر انه لا وقع لهذا الاشكال فانه بعد ما عرفت من ان الشك فى الحكم لا يمكن ليتطرق الا عند انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، او وجود بعض الخصوصيات فيستقيم حينئذ مقابله كل من العقل والدليل والعرف وذلك لان معنى اخذ الموضوع من العقل هو ان يكون الموضوع فى حال الشك فى الحكم هو الموضوع فى حال اليقين به عقلا وليس معنى اخذ الموضوع اخذ موضوع الحكم من العقل حتى يقال انه لا سبيل للعقل الى معرفة موضوعات الاحكام بل

١٧١

معنى اخذ الموضوع من العقل هو ان يكون الباقى عند الشك عين الثابت عند اليقين عقلا وحقيقة ويكون هو هو واقعا وحينئذ لا يجرى الاستصحاب الا عند الشك فى الرافع والغاية. اما عدم جريانه فى غيرهما فلان انتفاء كل خصوصية عن الموضوع الذى اوجب الشك فى بقاء الحكم يحمل عقلا ان يكون لها دخلا فى الموضوع فتكون من قيوده فيشك فى بقاء الموضوع حينئذ فقد عرفت انه لا بد من القطع ببقاء الموضوع فى باب الاستصحاب. والحاصل ان انتفاء بعض الخصوصيات عن الموضوع الذى قد عرفت انه لا محيص عنه فى تطرق الشك فى الحكم لا يوجب القطع بارتفاع الموضوع عقلا كما توهمه ظاهر عبارة الشيخ (قده) فى المقام. وكيف يوجب القطع بارتفاع الموضوع مع احتمال ان يكون تلك الخصوصية المتيقنة من علل ثبوت الحكم للموضوع حدوثا لا بقاء لا من مقومات الموضوع وقيوده ومع هذا الاحتمال لا يقطع بارتفاع الموضوع ، وحيث لا سبيل الى معرفة كون تلك الخصوصيات من العلل او من قيود الموضوع فلا مجال بكون انتفاء تلك الخصوصية موجبا للشك فى بقاء الموضوع ومعه لا يجرى الاستصحاب. وبالجملة انتفاء بعض خصوصيات الموضوع فى المستقلات العقلية ما كان يوجب القطع بارتفاع الموضوع كما تقدم تفصيله مما ظهر فى موضوعات الاحكام الشرعية. واما جريانه فى الشك فى الرافع والغاية فلان الموضوع فيها فى حال الشك هو الموضوع فى حال اليقين حقيقة وعقلا وذلك لان عدم الرافع لا يمكن ان يكون من قيود الموضوع وحدوده لان رافع الشى هو معدمه يستحيل ان يكون الشى مقيدا بما يكون معدما له وحينئذ لا يرجع الشك فى رافعية الموجود او وجود الرافع الى الشك فى الموضوع ولو بالدقّة العقلية وكذلك لو

١٧٢

كان الشك من جهة الغاية على ما عرفت معناها من انه عبارة عن الزمان الذى ينتهى به عمر الحكم ولما كان مبنى الاستصحاب على الغاء الخصوصية الزمانية فالشك فى الحكم لاجل الشك فى الغاية لا يرجع الى الشك فى الموضوع ايضا لعدم كون الزمان قيدا للموضوع بل هو ظرف لوجوده.

ثم لا يخفى ان المراد بالرافع فى المقام هو ما يقابل المانع لا ما يقابل المقتضى فان الرافع يستعمل فى معنيين :

احدهما : ما يقابل المانع فانه عبارة عن امر وجودى يوجب رفع الشيء بعد حدوثه بخلاف المانع فانه عبارة عن امر وجودى يوجب منع المقتضى فى رشحه ومانع عن حدوث المقتضى بالفتح ووجوده.

وثانيهما : ما يقابل المقتضى وهو امر زمانى وجوديا كان او عدميا يوجب منع تأثير المقتضى عن اقتضائه فى مرحله البقاء وان لم يكن سابقا عنه فى مرحله الحدوث ، فالرافع الذى يكون مقابل المقتضى يكون اهم من الرافع فى مقابل المانع لاختصاص الثانى بامر وجودى دون الاول. وبذلك يندفع ما ربما يتوهم من انه لو بنيتم بناء عن العقل على جريان الاستصحاب عند الشك فى الرافع والغاية ولم يبق مورد جريان استصحاب فيه بناء على اخذ الموضوع من الدليل والعرف لان كل ما يكون شكا فى الرافع والغاية فلا محال يكون شكا فى المقتضى وانتم لا تقولون بحجية الاستصحاب فى الشك فى المقتضى ويرتفع ثمرة الترديد بين اخذ الموضوع من العقل ، او الدليل ، او العرف.

وجه الدفع هو ان المراد من الرافع فى المقام هو ما يقابل المانع لا ما يقابل المقتضى ففى مثل الشك فى النجاسة عند زوال تغيير الماء من قبل نفسه لا يكون من الشك فى الرافع بالمعنى الذى نحن فيه ، وان

١٧٣

كان من الشك فى الرافع فى مقابل المقتضى ، فلو بنينا على اخذ الموضوع من العقل لا يجرى الاستصحاب لاحتمال ان يكون وصف التغيير قيدا للموضوع ومن هذا الاحتمال يكون شكا فى الموضوع وهذا بخلاف ما اخذ الموضوع من الدليل ، او العرف فان الاستصحاب يجرى كما سيأتى هذا كله فى اخذ الموضوع من العقل واما معنى اخذه من الدليل فليس المراد منه اخذ مفهوم الموضوع من الدليل حتى يقال ان مفهوم الموضوع انما يرجع فيه الى العرف ولا معنى للرجوع الى الدليل فى تعيين مفهوم الموضوع بل لما كان بمعنى الاستصحاب على ما عرفت هو كون الخصوصية المنتفية يكون عللا لحدوث الحكم لا من قيود موضوعه كان المرجع فى معرفة ذلك هو دليل الحكم وحينئذ يفرق بين ما اذا كان بلسان الدليل الماء المتغير نجس او ان الماء النجس اذا تغير ففى الاول سيظهر منه كون المتغير قيدا للموضوع فلو زال زال التغير من قبل نفسه فلا مجال للاستصحاب لارتفاع الموضوع ، وفى الثانى يظهر منه العلية فالموضوع هو ذات الماء والتغير علة لعروض النجاسة عليه والاستصحاب يجرى وان يستفاد من الدليل شيء من الامرين لا مجال للاستصحاب للشك فى الموضوع. واما مع اخذ الموضوع من العرف فهو باعتبار ما يفهمونه من خطاب لا تنقض اليقين بالشك فان فى اى مورد يصدق النقض. وتفصيل ذلك هو انه لا اشكال فى ان الالفاظ موضوعة للمعانى الواقعية ولكن تلك المعانى الواقعية تارة تكون معلومه لدى العرف بالتفصيل بما لها من الواقع ، واخرى يكون معلومه لديهم كذلك بل يكون لديهم اجمالا حيث ما ارتكز فى آذانهم ولا اقل يحصل لهم الشك فى صدق المعنى

١٧٤

المرتكز فى ذهنهم على شيء مثلا الماء من الالفاظ الموضوعة للمعانى الواقعية وما كان ماء واقعا ولكن حيث لا يكون لديهم ذلك المفهوم معلوما تفصيلا بل كان المرتكز عندهم اجمالا لا هو الجسم المائع الرطب السيال ومعلوم ان هذا المعنى للماء تقريبى لا تحقيقى وإلّا فلا يشك العرف فى صدق الماء المرتكز على المخلوط بقليل من التراب ، وقد يشك فى صدقه على الماء المخلوط بالتراب بحيث يكون العرف بنفسه مترددا حينئذ كلما كان معلوما فيما بيننا فلا يرجع الى العرف فى تعيين المصاديق ولا عبرة بمسامحاتهم وان كان المفهوم مجملا فلا بد من الرجوع اليهم فى الصدق هذا كله فى المعانى الافرادى ، اما الجمل التركيبية فلا بد من الرجوع الى العرف اذا المتبع فى ذلك هو الظهور وتعيين الظهور فى الجمل وما هو مستفاد منه هو موكول الى العرف. وحاصل الكلام ان الفرق بين الالفاظ المفردة والجمل التركيبية هو ان المرجع فى مفاهيم الالفاظ المفردة هو العرف لا فى المصداق اما جمل التركيبية فان المرجع هو المستفاد منها بحسب ظهوراتها النوعية حيث انه يفهم العرف منها ومن المعلوم ان العرف قد تختلف فى نظرهم وبيان ذلك هو انه لا اشكال ان العناوين فى موضوعات الاحكام مختلفه فى نظر العرف فرب عنوان يكون فى نظر العرف من مقومات موضوع الحكم ويرى بحسب مناسبة الموضوع والحكم ان الحكم يدور مدار هذا العنوان وذلك كقوله : اعط الفقير الزكاة ، وقلد المجتهد الحى وامثال ذلك فان مناسبة الحكم والموضوع يقتضى ان يكون عنوان الحياة والاجتهاد هو الموضوع لجواز التقليد فلو تبدل الفقير الى الغني او مات المجتهد ، او زال عنه اجتهاده يرى لعرف

١٧٥

انقلاب الموضوع السابق الى موضوع لاحق وارتفاع الحكم بارتفاع الموضوع فلا يثبت مع ذلك جواز اعطائه الزكاة او التقليد يكون فى نظر العرف من ثبوت موضوع آخر مباين للموضوع السابق ، ورب عنوان فى نظر العرف من الوسائط الثبوتية لثبوت الحكم لموضوعه كما فى التغير ورب عنوان يكون العرف شاكا فى كونه من المقومات ، او من العلل وذلك كما فى عنوان الضرر مثلا : لو ورد ان حكم الضررى من لزوم العقد مثلا مرفوع فيشك ان عنوان الضرر من المقومات حتى يرتفع جواز العقد عند ارتفاع الضرر بالتمكن من الفسخ فلم يفسخ فليس له الفسخ بعد ذلك ويكون الخيار على الفور ، او ان عنوان الضرر من العلل فمع ارتفاعه بالتمكن من الفسخ يكون الحكم باقيا فله الفسخ بعد ذلك. اذا عرفت ذلك ظهر لك موارد صدق النقض وعدمه فان العنوان بحسب مرتكز فى ذهن العرف مناسبة الحكم والموضوع ان كان مقوما فلا مجال للاستصحاب لعدم صدق نقض اليقين بالشك ، وان كان فى نظر العرف من العلل فالاستصحاب يجرى فان شك فلا يجرى الاستصحاب.

الامر الثانى : مما يعتبر فى الاستصحاب هو ان يكون اليقين محفوظا فى حال الشك بمعنى ان يكون الشخص فى حال الشك بوجود المستصحب فى السابق حتى يكون شكه فى البقاء فلو كان شكه فى نفس حدوث ما تيقنه سابقا لم يكن هذا من الاستصحاب بل كان من الشك السارى وقد تقدم الكلام فيه تفصيلا.

الأمر الثالث : مما يعتبر فى الاستصحاب ان يكون المستصحب مشكوك البقاء بمعنى ان لا يكون كل من بقاء المستصحب وارتفاعه محرزا فلو كان بقاء المستصحب

١٧٦

محرزا وارتفاعه محرزا لم يجرى الاستصحاب من غير فرق بين الاحراز بالوجدان او التعبد الحاصل من الطرق والامارات وهذا مما لا اشكال فيه انما الاشكال فى وجه تقدم الطرق والامارات على الاستصحاب وان التقدم هل يكون للورود او الحكومة او التخصيص ولا بد من بيان معنى التخصيص ، والورود ، والحكومة فنقول :

الورود يشارك التخصيص فى النتيجة كما يشارك الحكومة مع التخصيص إلّا ان التخصيص عبارة عن خروج المورد بذاته تكوينا بلا عناية التعبد كخروج الجاهل عن العالم والفاقد للمال عن المستطيع فان فى هذه الموارد يكون الخروج تكوينا بخلاف الورود فان الخروج وان كان ايضا تكوينا حقيقة إلّا انه بعناية التعبد الشرعى كخروج المستطيع المالك للزاد والراحلة عن كونه مستطيعا بأدلّة وجوب الخمس والزكاة فانه بعد ورود التعبد من الشارع من كون الخمس للسادات وعشره للفقراء يخرج الشخص عن كونه مالكا للزاد والراحلة حقيقة وان لم يكن خارجا مع قطع النظر عن أدلة الخمس والزكاة كخروج الشبهة عن كون العقاب عليها من غير بيان بالتعبد بالطرق والاصول الشرعية. واما معنى الحكومة فربما يتوهم انها عبارة عن كون احد الدليلين شارحا لدليل الآخر بمدلوله اللفظى ومفسرا بما اريد منه وكان منشأ توهم هذا المعنى للحكومة هو ما ذكره الشيخ (قده) فى مبحث التعادل والتراجيح حيث قال : وضابط الحكومة ان يكون احد الدليلين بمدلوله اللفظى متعرضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض افراد موضوعه فيكون مبينا لمقدار مدلوله ، ومن هنا اشكل بعض عليه فى كثير من الموارد حيث قال فيها بحكومة احد الدليلين على الآخر بانه ليس

١٧٧

احد الدليلين شارحا للدليل الآخر ومفسرا له فكيف يكون حاكما هذا ، ولكن الظاهر ان تفسير الحكومة بهذا المعنى مما لا وجه له وليس هذا المعنى مراد الشيخ قطعا من عبارته المتقدمة بقرينة ما ذكره بعد ذلك من الأمثلة للحكومة التى ليس فى شيء منها تفسير احد الدليلين للآخر ولا شرح بل يظهر من الشيخ (قده) فى ذلك المبحث جريان الحكومة فى اللبيات التى ليس هناك لفظ حتى يمكن ان يكون شارحا ومفسرا فانه قال : قد تقدم ما قلناه.

ثم ان ما ذكرناه من الورود والحكومة جار فى الاصول اللفظية ايضا فان أصالة الحقيقة والعموم ... الخ. فان حكومة المخصص اللفظى مثل أصالة الحقيقة والعموم التى هى من الاصول العقلائية لا ينطبق على ما توهم معنى الحكومة اذ أصالة الحقيقة والعموم ليسا من الالفاظ حتى يكون المخصص شارحا ومفسرا بها والحاصل ان الحكومة بمعنى الشرح والتفسير لا ينطبق على شيء من الأدلّة اذ ليس فى الأدلّة ما يكون مفسرا لدليل الآخر. ولو اريد من التفسير كون احد الدليلين مبينا للمراد من الدليل الآخر كمسببية القرينة بما اريد من ذى القرينة ففيه انه وان كان صحيحا لكن لا ينحصر الحكومة لذلك بل لو افاد احد الدليلين بمؤدى مفاد نتيجه تقييد المطلقات وتخصيص العمومات لكان ايضا حاكما على دليل الآخر مع انه لا يرجع نتيجه التقييد والتخصيص الى ان المراد من اللفظ المطلق والعام كمبينه يرمى كما اريد من لفظ الاسد فليس مفاد التقييد والتخصيص الى بيان ما اريد من لفظ المطلق والعام بل نتيجه التقييد والتخصيص بيان الموضوع النفس الامرى وما تعلقت به

١٧٨

الإرادة الواقعية فلو كانت هذه النتيجة مفاد دليل لفظى يدل عليه بمدلوله اللفظى كان حاكما على دليل العام والمطلق مع انه ليس مبنيا بما اريد من لفظ العام فالاولى فى تفسير الحكومة ما اشرنا اليه من ان الدليل ان كان بمؤداه متكفلا بما هو نتيجه تحكيم القرينة على ذيها والمقيد على المطلق والخاص على العام فذلك الدليل يكون حاكما على الدليل الآخر. وبعبارة اخرى الحكومة هى تصرف احد الدليلين فى عقد وضع الآخر او عقد حمله ، او كان الدليل معدما لما هو الموضوع لدليل الآخر فى عالم التشريع وهادما له عن صفحه الوجود وكان الدليل مبنيا لكمية سعة المحمول وضيقه فالحكومة على اقسام ثلاثة.

احدها ما كان دليل الحاكم متعرضا لعقد وضع دليل المحكوم على وجه يكون مبينا للكمية سعته وضيقه كما اذا ورد عقيب قوله اكرم العلماء زيد ليس بعالم او عالم. وبعبارة اخرى دليل الحكم انما تكفل لبيان شيء لا يكون دليل المحكوم متكفلا له معارضه قوله اكرم العلماء لانه لا يمكن ان يتكفل عالميه زيد وعدمه بل مفاده قضية شرطيه وانه اذا كان زيد عالما فيجب اكرامه ودليل الحاكم ينفى تحقيق الموضوع والشرط وحاصل الكلام ان احد الدليلين لو كان متكفلا لعقد وضع الآخر بادخال ما لم يكن داخلا فيه ، او باخراج ما كان داخلا فيه يكون ذلك الدليل حاكما عليه وبذلك يفرق التخصيص عن الحكومة بعد اشتراكهما فى كون كل منهما يكون الخروج حكميا لا موضوعيا حقيقة كما فى الورود إلّا ان التخصيص يكون اخراجا للحكم عن بعض افراد الموضوع كقوله اكرم العلماء ولا تكرم زيد العالم ، وفى الحكومة يكون اخراجا للحكم باخراج

١٧٩

بعض افراد موضوعه.

ثانيها ما كان دليل الحاكم راجعا الى التصرف فى الموضوع ايضا لكن لا على وجه التكفل بسعة الموضوع وضيقه وان كان يلزمه ذلك بل يكون احد الدليلين معدما للموضوع الآخر تشريعا بواسطة اثبات متعلق الشك وذلك كما فى حاكمية الامارات على الاصول وذلك لان لسان دليل الأمارة ليس إلّا بواسطة للاثبات وتتميم الكشف والاحراز على ما اوضحنا فى محله من ان الحجية والطريقية بنفسها قابله لان تنالها يد الجعل التشريعى وان الطريقية ليس إلّا عبارة عن المحرزية والغاء الشارع فى عالم الشارعية لاحتمال الخلاف فى نفس من قام عنده الطريق وجعل الشخص محرزا ومنكشفا الواقع لديه باعتبار ما اثبته الطريق من متعلقه فيكون دليل حجيه الأمارة معدما للشك الموجود فى موضوع الاصول لكن لا اعداما حقيقيا حتى يكون ورود ابل اعداما تشريعيا.

ثالثها ، هو ما اذا كان الدليل الحاكم متكفلا لبيان عقد الحمل كأدلة نفى الضرر والعسر الحاكمة على الأدلّة الأولية المتكفلة لبيان الاحكام على ما اوضحناه فى محله.

اذا عرفت الطرق بين الحكومة والورود فاعلم ان تقدم الأمارة على الاصول لا يكون إلّا للحكومة لا الورود وذلك لعدم ارتفاع الشك وجدانا بسبب قيام الأمارة على خلاف الاصول فدعوى لا يستقيم إلّا بامور : الاول دعوى ان المراد من اليقين والشك الماخوذ فى موضوع الاستصحاب هو الحجية واللاحجية الثانى دعوى ان المراد من اليقين هو اليقين الوجدانى إلّا ان متعلق اليقين يكون اعم من الحكم الواقعى والظاهرى وبعد القطع

١٨٠