الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

دليل اعتبار اليد مثلا الذى ليس هو إلّا بغلبة دليل قاعده الفراغ ، وبالجملة دعوى اطلاق أدلة الامارات دون الاصول خاليه من الشاهد ، وكذا دعوى ان الأمارة حاكيه عن اللوازم والملزومات. وبالجملة كما ان دليل اعتبار الاصل لا يدل إلّا على اعتبار مؤداه كذلك دليل الأمارة لا يدل إلّا على اعتبار ما يحكى عنه. وقد عرفت ان ما يحكى الأمارة عنه ليس إلّا نفس مؤداها المطابقى من دون حكاية اللوازم والملزومات. فالانصاف ان الفرق بين الامارات والاصول انما يرجع الى ناحيه الثبوت لا الاثبات ، وان حقيقة المجعول فى باب الامارات حيث كان هو ثبوت الواقعى فالثبوت الواقعى يقتضى ترتب اللازم بخلاف المجعول فى باب الاصول فانه لما كان مجرد البناء العملى والتعبد بالمؤدى عملا كان اللازم الاقتصار على خصوص مورد التعبد العملى ليس إلّا نظير الاصول فى الاحكام الظاهرية من حيث عدم ترتب اللوازم والملزومات الرضا والكشف المحكى على القول به فى الاحكام الواقعية ، مثلا قوله (ع) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب انما يدل على حرمه خصوص العنوان الذى كان فى النسب ، لا ما يلازمه مثلا من العناوين المحرمة فى باب النسب الاخت فاذا تحقق هذا العنوان فى باب الرضاع حرم ايضا. واما اذا لم يتحقق هذا العنوان بل تحقق ما يلازم فانه كاخت الاخت لم يحرم الابناء على عموم المنزلة كذلك فى الكشف الحكمى فى باب الفضولى انما هو ترتب آثار الملكية ، او الزوجية عند الإجازة من زمان العقد فمقابل الكشف الحقيقى الذى هو تحقق نفس الملكية والزوجية ، ومعنى ترتب آثار الملكية والزوجية هو الاقتصار على خصوص الآثار المترتب شرعا على نفس الملكية والزوجية دون الآثار اللازمة كذلك مثلا اذا اجاز الزوج الذى عقد له زوجية فضولا فاللازم عليه

١٢١

هو ترتب الآثار الشرعية المترتب على الزوجة ، من اول زمان العقد كحرمة تزويجها وامثال ذلك ، واما لو فرض انه وطئ هذه المرأة المعقودة فضولا شخص قبل الإجازة فلا يرجم الزانى بدعوى انه زنى بذات البعل اذا لم تكن المرأة قبل الإجازة ذات بعل حقيقة الاعلى القول بالكشف الحقيقى وترتب آثار الزوجية عليها من زمان العقد عند تحقق الإجازة بجعلها ذات بعل حقيقة ، وعلى كل حال فقد ظهر لك وجه امتياز الامارات دون الاصول من دون فرق بين جلى الواسطة وخفيها.

وما يقال : من اعتبار الاصل المثبت مع خفاء الواسطة واضح الفساد ، وذلك لانه ان كان المراد من خفاء الواسطة هو ان العرف يتسامح بعد ما كانت الواسطة حقيقة اثر الذى الواسطة ونفس مؤدى الاصل فهو بديهى الفساد ولا عبرة بالمسامحات العرفية بعد تبين المفهوم. وبالجملة نظر العرف انما يكون متبعا فى نفس المفاهيم ، واما تطبيق المفهوم بالمصداق فهو يدور مدار واقعه والمسامحات العرفية فى ذلك مما لا عبرة لها مثلا فى باب الاوزان نظر العرف انما يتبع فى اصل وزن من الحقه والمن ، والرطل ، وان الحقه عبارة عن كذا وكذا مقداره ، واما انطباق ذلك المقدار على المصاديق الخارجية فالعرف ربما يتسامح ويطلق على الحقه على ما دون ذلك المقدار بقليل ، او ما زاد عنه كذلك ، إلّا ان هذا التسامح مما لا عبرة به بعد تبين معنى الحقه وقولنا ان الموضوع فى باب الاستصحاب انما يؤخذ من العرف فليس المراد هذا المعنى من المسامحة وان ما يراه العرف موضوعا بحسب مسامحة يكون موضوعا فى باب الاستصحاب ، فان هذا ايضا واضح الفساد ، بل المراد من اخذ الموضوع من العرف هو اخذ موضوع الاستصحاب

١٢٢

اى اخذ القضية المتيقنة والمشكوكة من العرف بمعنى ان العرف بحسب ما يراه مناسبة الحكم والموضوع يرى بقاء الموضوع حقيقة ، وان معروض الحكم هو هذا الباقى فى باب الحقيقة لا من باب التسامح ، وياتى تفصيل ذلك ، ففى المثال الذى ذكره الشيخ (قده) لخفاء الواسطة ان فهم العرف من دليل الحكم ان مجرد تماس الجسمين مع وجود رطوبة نجسه فى احدهما موجب للتنجس فنفس استصحاب بقاء الرطوبة فى احدهما مع تحقق المماسات وجدانا ترتب عليه حكم نجاسة الجسم الآخر ، ويكون من صغريات الموضوع المركبة المحرزة بعضها بالوجدان والآخر بالاصل من دون ان يكون هناك واسطة اصلا ، لا خفية ولا جلية ، وان فهم العرف من دليل الحكم ان الموجب للنجسين ليس مجرد الرطوبة بل العبرة هو انتقال الرطوبة النجسة من احدهما الى الآخر ، فباستصحاب بقاء الرطوبة لا يمكن القول بحصول الانتقال والحكم بالتنجيس والانتقال لازم عقلى لبقاء الرطوبة والواسطة جلية فالانصاف ان كل اثر لم يترتب على نفس مؤدى الاصل لا يمكن اثباته بالاصل سواء كانت الواسطة خفية او جلية فاى فرق بين استصحاب بقاء الرطوبة فى الحكم بالتنجيس الملاقى على القول بان المعتبر فى التنجيس هو انتقال الرطوبة من احد النجسين الى الآخر ، وبين استصحاب بقاء الماء المخصوص للحكم بطهارة الثوب المغسول به حيث جعل الثانى من المثبت دون الاول وكذا حال استصحاب بقاء الرطوبة فى الذباب فانه لا يثبت المحل الذى لاقته الذباب إلّا اذا قلنا ان المعتبر فى التنجيس نفس المماس نعم فى الذباب وما شابهه احتمال آخر وهو احتمال عدم تنجس ملاقاته للنجس مما حكى عن بعض. واما ما ذكره من مثال اول الشهر فتنقيح الكلام فيه هو انه تارة بقول ان اول الشيء عبارة عن

١٢٣

وجود الشيء بعدم مثله المسبوق بضده المسبوق بضده بان يكون الاول معنى مركبا من وجود الشيء فى زمان وعدم مثله فى الزمان السابق ، او وجود ضده فى الزمان السابق فباستصحاب عدم هلال شوال او بقاء رمضان يمكن اثبات كون الغد ، اول الشوال فيترتب آثاره الشرعية من الصلاة وغيره من احكام العبد فانه حينئذ يكون من صغريات الموضوع المركب ، المحرز بعضه بالوجدان وبعضه بالاصل ، فان كون الغد من شوال محرز بالوجدان اذ لا يريد رمضان من ثلاثين يوما ، وكون اليوم السابق عليه ليس من شوال ، او كونه من رمضان محرز بالاصل لاصالة عدم اول الشوال او أصالة بقاء رمضان فيثبت كون الغد اول الشوال. واما لو قلنا ان معنى الاول ليس مركبا كما مر بل اول الشيء عبارة عن معنى منتزع عن ذلك المركب وليس هو بنفسه ، فاستصحاب بقاء رمضان او عدم هلال شوال لا يثبت كون الغد اول الشوال الا على القول باصل المثبت او الاثر ترتب على المعنى الانتزاعى على منشأ الانتزاع وقد عرفت ضعف خفاء الواسطة ولكن ايضا لا يعقل ان يكون المعنى الاول مركبا من مفهومين هو الامر العقلائى المجرد من كل خصوصية وواسطة غاية البساطة ان التركيب فى المفهوم لا يعقل ، والموضوع له الالفاظ مؤد لك ذلك المعنى البسيط المجرد فلفظ الاول لا يعقل ان يكون موضوعا الا لامر فارد حتى لفظه سكنجبين لا يمكن ان يكون موضوعا للخل والانگبين ، بل يكون موضوعا للمعنى الحاصل من اجتماع الخل والانگبين.

ثم لا يخفى عليك ان هذا الاشكال لا يختص باول الشهر او ثانيه ، وثالثه ايضا ولا يمكن ان يكون مركبا فلو ترتب حكم اول الشهر او ثانيه وثالثه لا يمكن اثبات ذلك بضم الوجدان بالاصل

١٢٤

فإن قلت : فما الحلية فى الاحكام الشرعية المترتبة على تلك العنوانين كقوله : الصدقة فى اول الشهر كذا وفى ثانيه كذا.

قلت : ان لفظ اول الشهر او ثانيه او ثالثه انما اخذ بالنسبة الى تلك الاحكام على وجه العرفية للموضوعية بمعنى : ان المراد من اول الشهر هو يوم الرؤية واليوم الذى انقضى من الشهر الماضى ثلاثين يوما وهكذا مثلا : المراد من ماش فى ذى الحجة هو انقضاء تمام ايامه من اول ذى الحجة فعند الشك فى الهلال لا يلزم تعقل تلك الاحكام بل بعد الشهر الماضى ثلاثين يوم ويعمل كل يوم فى الشهر الذى هو فيه.

ثم ان المثال الذى ذكره الشيخ من الشك فى الحاجب من أردإ انحاء المثبت بداهة ان المعتبر فى الطهارة ، حدثيّة كانت او خبثية هو غسل البشرة وأصالة عدم الحاجب لا يثبت غسل البشرة كما لا يخفى. وربما يدعى قيام البشرة على عدم الاعتناء بالشك فى الحاجب ، وهن هنا لم يعهد من أحد الفحص عن وجود دم القمل او البق فى بدنه فى حال الغسل عند الشك فى وجوده غالبا بل الفحص من ذلك يعد من الوسوسة هذا ، ولكن بعد فى النفس فى اعتبار هذه السيرة شيء.

بقى الكلام فى الفروع التى ذكرها الشيخ (قده) الذى قد استظهر منها اعتبار اصل المثبت عند الاصحاب منها ما ذكره المحقق (قده) فى الشرائع فى مسألة الشك فى تقدم اسلام الوارث على المورث وعدمه حيث قال : لو اتفق الوارثان على اسلام احد بالمعين فى اول شعبان وللآخر فى غرة رمضان واختلفا وادعى احدهما موته فى شعبان ، والآخر موته فى اثناء رمضان كان المال فيما بينهما نصفين لاصالة بقاء المورث ، ولا يخفى ان جعل

١٢٥

هذا من المثبت يبتنى على ان يكون الارث مترتبا على موت المورث عن وارث مسلم ، بأن يكون الموضوع للارث الإضافة الحاصلة من اجتماع الوارث وحياة المورث فى زمان المورث فى حال كون الوارث مسلما ، ومعلوم ان استصحاب حياة المورث الى زمان اسلام الوارث لا يثبت تلك الإضافة وهى الموت عن وارث مسلم الا على القول باصل المثبت واما لو قلنا : ان موضوع الارث مركب عن اسلام الوارث وحياة المورث فى زمان دون دخل لتلك الإضافة ، فالاصل لا يكون مثبتا لان اسلام الوارث يكون محرزا بالوجدان ولا يجرى فيه الاصل للعلم بتاريخه وحياة الموت محرزا بالاصل ، فمن ضم الوجدان الى الاصل يتم تمام الموضوع للارث ويتم ما ذكره المحقق وغيره من تنصيف المال بينهما ، ولو فرض العلم بتاريخ موت المورث والشك فى اسلام الوارث ينعكس الأمر ويمنع عن الارث ويأتى التنبيه الآتى فى صورة الجهل وتاريخهما ولا يمكن نسبه اعتبار الاصل المثبت الى المحقق ، ومن قال بمقاله فى المثال.

ومنها : ما حكى عن التحرير ، من انه لو اختلف الولى والجانى فى سراية الجناية فقال الولى ان المجنى عليه مات بالسراية وقال الجانى بل مات بسبب آخر من شرب السم وغيره او ادعى ان المجنى عليه كان ميتا قبل الجناية ففى الضمان وعدمه وجهان ، من أصالة عدم الضمان ، ومن استصحاب حياة المجنى عليه الساقط بين عليه والمستصحب هو بنفسه حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعى وبين ان يكون نقيضه وبعبارة اخرى تارة تكون العناية الصحيحة للاستصحاب هو نفس الحكم واخرى نقيضه كاستصحاب وجود المانع حيث انه لم يترتب اثر شرعى على وجود المانع بل على عدمه حيث ان المأمور به هو الشيء المشتمل على عدم المانع الا ذلك لا يمنع عن استصحاب وجود المانع لانها ترتب عدم تحقق المأمور به وكذا الحال

١٢٦

لو كان المستصحب امرا عدميا ايضا تارة يكون بعناية نفسه كاستصحاب عدم المانع واخرى بعناية نقيضه كاستصحاب عدم الوجوب وان لم يكن مجعولا شرعيا إلّا ان جعل الوجوب وان لم يكن مجعولا شرعيا إلّا ان جعل الوجوب يكفى فى صحه استصحاب عدمه ولا يتوهم كونه من المثبت من غير فرق بين الوجود والعدم مترتبا عليه ولو بعناية نقيضه.

التنبيه التاسع :

لا فرق فى جريان الاستصحاب بين ان يكون المستصحب مشكوك الارتفاع فى جزء من الزمان مع القطع بارتفاعه بعد ذلك كما لو قطع بموت زيد فى يوم الجمعة وشك فى موته يوم الخميس فلا اشكال فى جريان الاستصحاب فى حياته فى يوم الخميس ، كما اذا لم يقطع بموت يوم الجمعة ، وكان موته مشكوكا رأسا نعم استصحاب حياته فى يوم الخميس لا يثبت حدوث موته يوم الجمعة لان ذلك من لوازم العقلية لبقاء حياته فى يوم الخميس ، وكذلك لا يثبت بقاء الحياة قبل الجمعة فان عنوان القبلية ايضا من لوازم العقلية لبقاء حياته يوم الخميس. وحاصل الكلام ان الاستصحاب ليس عبارة عن جر المستصحب فى زمان المشكوك بقائه والحكم فى ثبوته فى ذلك الزمان وذلك لا يكون إلّا بأخذ المستصحب يعرف من الزمان تاركا للزمان ظرفا لبقائه اذ لو اخذ المستصحب مقيدا بالزمان يكون القضية المشكوكة مغايرا للقضية المتيقنة كما لا يخفى وكل اثر شرعى رتب على نفس ثبوت المستصحب فى الزمان الذى شك فى ثبوته يكون الاستصحاب مثبتا له وما عدا ذلك لا يمكنه الاستصحاب اذا عرفت ذلك فنقول لا اشكال فى ان الاصل عند الشك فى كل حادث وعدمه سواء شك فى اصل الحدوث او تأخر الحدوث ولكن تارة يلاحظ تأخر الحادث بالنسبة الى نفس اجزاء الزمان كما اذا شك فى موت زيد يوم الخميس مع القطع بموته يوم الجمعة ينقل الاصل بقاء حياته فى يوم

١٢٧

الخميس او عدم موته فيه ويترتب عليه كل اثر شرعى يترتب على نفس حياته فى الخميس او عدم موته فيه ، ولا يذهب بذلك حدوث موته يوم الجمعة ولا موته بعد يوم الخميس ولا حياته قبل يوم الجمعة لان هذه كلها من لوازم العقلية لثبوت الحياة فى يوم الخميس لان القبلية والبعدية والحدوث من العناوين الانتزاعية التى لم يكن لها بانفسها حاله سابقه حتى يجرى الاصل فيها ومع منشأ انتزاعها ، فالاصل انما يجرى فيه لا فيها ، والمفروض ان اجراء الاصل فيه لا ينفع فى اثباتها ، وان شئت قلت انها لا تكون مفاد كان الناقصة الذى لا يجرى الاصل فيه. واخرى يلاحظ بالنسبة الى حادث آخر كما اذا علم باسلام الوارث وموت المورث ولكن شك فى تقدم كل منهما على الآخر مع العلم بالتقدم والتأخر ، او مع عدم العلم بذلك ، بأن احتمل التقارن ، وهذا تارة يكون مع الجهل بتاريخهما ، واخرى مع العلم بتاريخ احدهما اذا علم ان اسلام الوارث كان فى يوم الخميس ولكن شك فى تقدم موت المورث عنه ، او تأخره ، وقبل بيان حكم القسمين ينبغى ان يعلم ان التوصيف واخذ احد الشيئين وصفا للآخر على نحو كان الناقصة ونعتيتها انما يكون بالنسبة الى العرض ومحله حيث ان العرض وصف لمحله والمحل موصوف به ففى مثل هذا اخذ العرض والوصف بمفاد كان الناقصة وليسيتها مما يمكن اخذه بمفاد كان التامة وليسيتها من حيث ان العرض موجود لنفسه ، وان كان وجوده لنفسه عين وجوده لموضوعه فيمكن لحاظه على وجه المصدرية لمبدا الاشتقاق ، وبشرط لا بان يلاحظ وجوده لنفسه فيكون عرضا محموليا ومفاد كان التامة وليسيتها ويمكن ايضا لحاظه تبعا ولا بشرط بأن يلاحظ وجوده لغيره فيكون عرضا نعتيا ويكون مفاد كان الناقصة وليسيتها ، واما فى عدا العرض

١٢٨

ومحله فلا يمكن التوصيف فيه فالتوصيف على نحو مفاد كان التامة والناقصة لا غير ، من غير فرق بين ان يكون الشيئان جوهرين ، او عرضين لموضوع واحد ، او لموضوعين ، او جوهر وعرض على ما اوضحناه فى محله اذ لا يمكن اخذ الشيئين وصفا وعرضا لشيء آخر اجنبى فلا يمكن اخذ اسلام الوارث وصفا ونعتا لحياة المورث وموته وبالعكس لان اسلام الوارث نعت للوارث قائم به وكذا موت المورث وحياته نعت للمورث وقائم به ولا معنى لقيام الشى بغير محله اذ لا ربط لاحدهما بالآخر لتباينهما ، ولا يكون بين المتباينين رابطه سواء اجتماعهما فى زمان فاول رابطه يوجد بين المتباينين هما الاجتماع فى الزمان وبعد ذلك يتولد منه امور لا يجمعهما جامع من التقدم والتأخر والتقارن والقبلية ، والبعدية والجامعة وهى كون احد الشيئين فى حال الآخر وغير ذلك من الامور الانتزاعية وحيث قد عرفت فيما تقدم من الامور الانتزاعية لا يكون هى بنفسها مجرى الاصل ولا يمكن اثباتها بالاصل الجارى فى منشأ انتزاعها ايضا. اذا عرفت ذلك فنقول ان ملاحظه احد الحادثين بالنسبة الى حادث آخر فاما ان يعلم تاريخ احدهما ، او لا يعلم ، فان علم تاريخ احدهما فان الاصل بالنسبة الى معلوم التاريخ ساقط من أصله للعلم بتاريخ حدوثه فلا يتطرق اليه الشك حتى يجرى الاستصحاب فيه فلو علم ان اسلام الوارث كان فى صبيحه الخميس قبل يوم الخميس كان الاسلام معلوم العدم ، وفى يوم الخميس وما بعده يكون معلوم الوجود ليس هناك زمان يشك فى اسلامه حتى يستصحب وقد عرفت ان حقيقة الاستصحاب ليس إلّا جر المستصحب فى زمان الشك والحكم بتحققه فى ذلك الزمان فالاصل فى طرف معلوم التاريخ ساقط من اصل. وحاصل ما يقال العلم باحدهما وان

١٢٩

كان يوجب عدم تطرق الشك فيه بالإضافة الى اجزاء الزمان إلّا انه يتطرق الشك فيه بالإضافة الى زمان الحادث الآخر للشك فى تقدمه عليه او تأخره وبهذا الاعتبار يجرى الاصل فيه ففساده غنى عن البيان لانه ان اريد من لحاظه بالإضافة الى زمان آخر اخذ زمان الآخر موضوعا له على وجه التعبدية بمعنى لحاظه فى زمان الآخر فهذا مما لا يمكن ان يجرى الاصل اذ لم يكن حينئذ حاله سابقه لانه متى لم يكن فى زمان الآخر حتى يستصحب اللهم إلّا ان يراد احراز الاصل بالنسبة الى المجموع على مفاد كان التامة فيقال ان الوجود فى زمان الآخر لم يكن فالآن كما كان فيجرى الاصل فيه ، ولو سلم من المعارضة ولعل هذا مراد من قال بان الاثر لو كان وجود احدهما ينحو خاص من التقدم والتأخر والتقارن للآخر دلالة بنحو آخر فتأمل وان اريد من لحاظه بالإضافة الى زمان الآخر لحاظ زمان الآخر على جهة المعرفية والطريقية فهذا عبارة اخرى من لحاظه بالإضافة الى نفس اجزاء الزمان الذى قد عرفت انه لا يتطرق اليه الشك مع العلم بتاريخه فمعلوم التاريخ لا يكون مجرى الاصل. نعم الاصل يجرى فى ذلك الحادث الآخر المجهول التاريخ ولكن لا يثبت بالاصل سوى تحققه فى زمان الآخر ولا يثبت به عنوان آخر متولد من تحققه فى ذلك الزمان فيقال فى المثال : الاصل عدم موت المورث فى يوم الخميس الذى هو زمان اسلام الوارث ولا يثبت بذلك موته بعد يوم الخميس فلو كان الارث مترتبا على بقاء حياة المورث الى زمان الوارث قرب المسلم حينئذ وإلّا فلا واما لو كان كلاهما مجهولى التاريخ فمقتضى ما ذكرنا هو جريان الاصل فى كل منهما فيقال فى المثال المتقدم الاصل عدم اسلام الوارث فى زمان موت المورث والاصل عدم موت المورث فى زمان اسلام الوارث ويتساقطان

١٣٠

وحينئذ لا يثبت التقارن

وربما قيل ان الاصل فى مجهولى التاريخ لا يجرى اصلا وعلل ذلك بعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين توضيح فساد هذا التعليل يحتاج الى بسط فى الكلام فنقول : اتصال زمان الشك بزمان اليقين ليس من الأمور الواقعية التى يتطرق الشبهة فيها بحيث يشك فى اتصال زمان شكه بزمان يقينه بل هو من الامور الوجدانية التى تعرف ، فكل متيقن وشاك من دون ان يقع فيه شبهه بداهة ان الامور الوجدانية يمتنع بالوجدان فكل شاك ومتيقن يعرف ان شكه متصل يقينه وغير متصل فليس هو من الامور الواقعية حتى يتطرق الشبهة فيها ويقال بعدم جريان الاستصحاب فى مورد الشبهة ، لانه من التمسك بالعموم فى الشبهات المصداقية فان ذلك كله واضح الفساد كما لا يخفى.

ثم ان معنى اتصال زمان الشك بزمان اليقين هو ان لا يتخلل بين زمان اليقين وزمان الشك يقين بالخلاف بحيث ينقض اليقين الاول بالخلاف ثم يطرأ الشك ولا يعقل من اتصال زمان اليقين بالشك دعوى ذلك ومن هنا قلنا ان الاتصال امر وجدانى لا يتطرق الشبهة فيه كما اذا علم بوجوب الجلوس من الصبح الى الزوال وشك فى وجوبه بعده فانه انفصل بين اليقين السابق وهو عدم وجوب الجلوس الذى كان قبل الصبح المعبر عنه بالعدم الازلى وبين الشك فى الوجوب بالنسبة الى ما بعد الزوال بيقين آخر بالخلاف وهو اليقين بالوجوب من الصبح الى الزوال. وهذه القطعة عن الزمان وهى ما بين الصبح والزوال قد عدمت بين اليقين بالعدم الازلى الذى كان قبل الصبح وبين الشك فى بقائه الذى حصل بعد الزوال. ومن

١٣١

هنا قلنا بعدم جريان استصحاب بقاء ذلك العدم الازلى بالنسبة الى ما بعد الزوال لانتقاض اليقين السابق باليقين بالخلاف كما اوضحنا فى ما تقدم ففى مثل هذا المثال يكون عدم اتصال زمان اليقين بزمان الشك واضحا وفى بعض الأمثلة ربما يكون عدم الاتصال بهذا الموضوع ولا بأس بذكر مثال يكون جامعا بين ما هو واضح الاتصال وما هو واضح الانفصال وما ليس بذلك الموضوع وهو انه : لو كان الإناءين نجسين تفصيلا ثم علم طهارة احدهما فهذا العلم الطارى تارة يكون من اول حدوثه كما اذا علم بطهارة احدهما لا على اليقين بأن علم بوقوع مطر فى احد الإناءين واخرى يطرأ عليه الاحتمال بعد ما كان تفصيليا وهذا ايضا يكون على قسمين فانه تارة يعلم تفصيلا بطهارة الاناء الخاص الممتاز عن الآخر امتيازا تفصيلا كما اذا كان الإناءين فى منظر منه ووقع مطر فى احدهما المعين ثم بعد ذلك اشتبها وطرأ على علم تفصيلى بطهارة الاناء الخاص الاجمالى وصار بعد ذلك يعلم اجمالا بطهارة احدهما واخرى لا يكون العلم التفصيلى بهذه المثابة بل فيه شائبة الاجمالى ايضا وذلك كما اذا كان احد الإناءين فى الطرف الشرقى من البيت والاناء الآخر فى الطرف الغربى منه وعلم تفصيلا ان فى خصوص الاناء الذى فى طرف الشرقى قد اصابه المطر ولكن لم يكن الاناء فى منظر منه حتى يعرف الاناء الواقع فى الطرف الشرقى وغيرها عن الواقع فى الطرف الغربى ثم بعد ذلك اجتمع الاناء ان فى مكان واحد ولم يعلم الشرقى عن الغربى فهذا القسم متوسط بين الاول والثانى ويمتاز عن الاول بأن العلم بطهارة احدهما فى القسم الاول كان اجماليا محضا ويمتاز عن الثانى ايضا بان فى القسم الثانى كان يعلمه الاناء الواقع فى الطرف الشرقى تفصيلا باوصافه فى هذا القسم

١٣٢

لا يعلم بهذه المثابة اذا عرفت الفرق بين هذه الاقسام فاعلم : انه لا شبهه فى اتصال زمان اليقين والشك فى القسم الاول ، والعلم الاجمالى فى الحادث صار سببا فى بقاء نجاسة كل منهما او مع عدم العلم الاجمالى بطهارة احدهما كان كل منهما بما هو متيقن النجاسة ومن هنا كان استصحاب النجاسة فى كل منهما جاريا غاية الامر يتساقطان بالتعارض بناء على ما هو المختار عندنا من جريان الاستصحاب فى اطراف العلم الاجمالى وسقوطه بالتعارض مطلقا سواء كان الاصل الجارى فى الاطراف مثبتا للتكليف او نافيا له. وبالجملة لا اظن احدا يتوهم فى هذا القسم انفصال زمان الشك عن زمان اليقين ، أو لم يتيقن على كل واحد من الإناءين زمان لم يكن ذلك الزمان اليقين بالنجاسة ، فان الشك فيها بل قبل حدوث العلم الاجمالى كان زمان اليقين بالنجاسة وعند حدوثه صار زمان الشك بالنجاسة بما هو واضح.

واما القسم الثانى وهو ما اذا طرأ على العلم الاجمالى بعد ما كان تفصيلا امتياز متعلقه عن ما عداه امتيازا تفصيليا فواضح انه من انفصال زمان اليقين بزمان الشك بداهة ان العلم التفصيلى بطهارة احد الإناءين المعين اوجب قطع اليقين بنحاسة ما تيقن بطهارته وانقضى وعلى ذلك الاناء زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة وإلّا زمان الشك فيها ثم بعد ذلك لو طرأ على العلم التفصيلى الاجمالى فهذا الاجمالى الطارى على العلم وان اوجب الشك فى نجاسة كل من الإناءين واحتمال ان يكون هو الذى علم تفصيلا بطهارته إلّا ان الشك فى نجاسة كل منهما لا يمكن ان يكون متصلا زمانه بزمان اليقين بنجاسة لان المفروض انه قد انقضى على احد الإناءين زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة ولا زمان الشك فيها ومع ذلك كيف يقال : ان زمان الشك

١٣٣

فى كل منهما يكون متصلا بزمان اليقين وهل هى الا دعوى فى مقابل الوجدان ففى مثال هذا لم يكن لاحد ان يلتزم بجريان الاستصحاب فى كل من الإناءين لان كل اناء يريد الاصل فيه يحتمل ان يكون هذا الاناء الذى يتقن بطهارته سابقا فيكون قد انفصل زمان الشك عن زمان اليقين.

واما القسم الثالث فعدم اتصال زمان بزمان اليقين وان لم يكن بذلك المثابة إلّا انه عند التأمل يكون من انفصال زمان الشك عن اليقين ، بداهة انه فى زمان العلم باصابة المطر على الاناء الشرقى قد انتقض اليقين بالنجاسة والشك الحاصل فيه بعد انما نشأ من الخلط واجتماع الإناءين فى مكان واحد وحينئذ حكمه حكم القسم الثانى طابق النعل بالنعل ولا يجرى فيه الاستصحاب ، ومنه يطهر عدم جريان الاستصحاب فى الدم المردد بين كونه من المسفوح وبين المتخلف ، او المراد بين كونه من البق او من بدن الانسان بناء على نجاسة الدم فى الباطن قبل الذبح ، فانه ربما توهم جريان استصحاب النجاسة السابقة من الذبح ومضغ البق ، ولكن الاقوى عدم جريان الاستصحاب فيه وانه من القسم الثالث الذى قد عرفت انفصال زمان الشك عن زمان اليقين فيه وذلك لان الدم الذى كان فى باطن الحيوان والانسان كان كله بجميع قطراته محكوما بالنجاسة بناء على القول بنجاسة الدم فى الباطن ، ثم فى زمان الذبح والخروج عن الباطن قد طهر بعضه يقينا وهو خصوص الدم المتخلف منه او الذى مضغه البق وبقى بعضه الآخر على نجاسته وهو المقطوع الذى خرج عن البدن ثم بعد ذلك وقع الاشتباه وحصل الشك فى نجاسة هذا الدم الخاص وانه من المسفوح او من المتخلف او من الذى مضغه البق او الذى

١٣٤

خرج عن البدن فزمان الشك فى النجاسة متأخر عن زمان العلم بطهارة بعض الدم بداهة ان زمان الشك متأخر عن زمان الذبح والخروج اذ لا يعقل تطرق الشك فى ان الذبح فى آن لخروج فيكون حينئذ قد انفصل بين زمان اليقين بالنجاسة وهو زمان كون الدم فى الباطن وبين زمان الشك فيها وهو زمان الخلط والاشتباه بزمان العلم بطهارة البعض فتوهم ان لشك فيما نحن فيه يكون من القسم الاول وانه متصل بزمان يقينه واضح الفساد. بل ما نحن فيه اما ان يكون من القسم الثانى ويكون المتخلف ممتازا عنده فى زمان الذبح وكان معرفه شخصيته وبعد ذلك حصل الخلط واشتبه المتخلف والمسفوح ، واما ان يكون من القسم الثالث اذا لم يكن ممتازا عنده بمعرفة شخصية كما هو الغالب ، ومما ذكرنا ظهر فساد ما ذكره السيد (قده) فى العروة من جريان الاستصحاب فى جميع الاقسام الثلاثة المتقدمة وان الحق عدم جريان الاستصحاب فى شيء منها ولكن لا يكون عدم جريانه فيها بملاك واحد بل فى القسم الاول من جهة سقوطه بالمعاوضة وفى القسم الثانى والثالث من جهة عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين اذا عرفت الضابط فنقول :

اذا علم بوجود حادثين وشك فى تقدم كل منهما على الآخر مع الجهل بتاريخهما تارة يمكن اجتماع الحادثين وشك فى تقدم كل منهما على الآخر مع الجهل بتاريخهما وتارة يمكن اجتماع الحادثين فى الزمان غاية الامر انه علم بالتقدم والتأخر كاسلام الوارث وموت المورث وكبيع الراهن ورجوع المرتهن ممن اذن له واخرى لا يمكن اجتماعهما فى الزمان كالوضوء والحدث اذ علم لكل واحد منهما وشك فى المتقدم والمتأخر وكذا فى الطهارة والنجاسة الخبثية ومقتضى ما ذكرنا ان الاصل فى كل منهما جار اذا كان فى كل منهما

١٣٥

فى اثر.

وربما قيل بعدم جريان الاصل فى شيء من هذه الامور وذلك بعدم احراز اتصال زمان الشك فى كل منهما بزمان اليقين وحاصل ما افاده وجها لذلك هو زمان اليقين لعدم كل منهما اما ما كان قبل العلم بحدوث كل منهما ، وزمان الشك انما هو بعد زمان العلم بحدوث كل منهما فتحصل هنا أزمنة ثلاثة زمان عدم كل منهما ، وزمان حدوث احدهما ، وزمان حدوث الآخر الذى هو زمان الشك فى تقدم كل منهما على الآخر وتأخره عنه مثلا لو فرض فى يوم الخميس لم يكن بيع الراهن ولا رجوع المرتهن ثم علمنا فى يوم الجمعة بوقوع احدهما من البيع والرجوع وفى يوم السبت علمنا بوقوع الآخر وشككنا فى تقدم البيع حتى لا يكون الرجوع اثرا وتقدم الرجوع ولا يكون للبيع اثر فكل من البيع والرجوع وان كان فى يوم السبت الذى هو ظرف وقوع الآخر مشكوك ويجرى فى كل منهما من هذه الجهة ويحكم باستمرار عدم البيع والرجوع من يوم الخميس الذى هو زمان اليقين لعدم كل منهما الى يوم السبت الذى هو زمان العلم بوقوع كل منهما إلّا ان كلا منهما فى زمان الآخر لا يجرى لعدم احراز اتصال زمان الشك فى كل منهما كذلك بزمان يقينه ، اذ يحتمل ان يكون قد انفصل بعدم البيع الذى كان يوم الخميس وبين زمان شد وهو زمان العلم بوقوع كل منهما اذ يحتمل ان يكون البيع واقعا قبل الرجوع والرجوع واقعا بعد فيكون البيع واقعا قبل زمان الشك فيه وهو زمان الرجوع فيكون للبيع فاصلا بين زمان شكه وزمان يقينه وكذلك حال الرجوع.

وبعبارة اوضح عدم البيع الى زمان الرجوع ان ينفصل شكه بيقينه اذا

١٣٦

كان الموجود فى يوم الجمعة هو الرجوع ، واما اذا كان الموجود فيها هو البيع فعدم البيع الى زمان الرجوع لا مجال له لانفصال يقينه من زمان شكه حيث لم يحرز ما هو الواقع فى يوم الجمعة فلم يحرز اتصال زمان يقينه بزمان شكه هذا حاصل ما افاده (قده). والذى ظهر من كلامه هو اخذ زمان الآخر قيدا للمستصحب لا معرفا وظرفا لانه سلم جريان الاستصحاب من كل منهما بالنسبة الى نفس اجزاء الزمان وبناء على حد الزمان الآخر معرف وظرف يكون زمان الآخر ظرفا من اخذ اجزاء الزمان الذى سلم جريان الاستصحاب فيه بالنسبة اليه. وبالجملة لازم تسليمه جريان الاستصحاب بالإضافة الى نفس الزمان هو جريان الاستصحاب ايضا بالإضافة الى زمان الآخر اذا اخذ الزمان على جهة الظرفية والمعرفية. نعم لو اخذ الزمان على وجه القيدية والموضوعية فالاستصحاب فما لا مجال له ، لا من جهة اتصال زمان الشك بزمان اليقين بل لاجل عدم تحقق الحالة السابقة كما تقدم الإشارة اليه بداهة ان عدم البيع المقيد بكونه فى زمان الرجوع وكذا عدم الرجوع المقيد بكونه فى زمان البيع غير متيقن سابقا فكيف يستصحب وحاصل الكلام ان المنع عن جريان الاستصحاب عدم كل من الحادثين فى زمان الآخر ان كان لاجل اخذ الزمان الآخر قيدا للمستصحب والمنع فى محله لكن لا بما افاده وجها لذلك من عدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين بل لاجل عدم الحالة السابقة وان الاصل اخذ الزمان ليس ظرفا للمستصحب فلا وجه للمنع عن جريان الاستصحاب بداهة تحقق اركانه فى كل من الحادثين والشك فى كل منهما متصل بنفسه بداهة ان من بعد يوم الخميس الذى هو ظرف المتيقن بعد الوقوع فيه يكون وقوع البيع مشكوكا فى جميع الآنات الى زمان العلم بوقوعه وهو يوم السبت ومن جملة الآنات التى يشك وقوع

١٣٧

البيع ان رجوع المرتهن بمعنى دونه فان ذلك الآن كسائر الآنات التى تكون بين الخميس وبين يوم السبت وكما ان استصحاب عدم وقوع البيع فى الآنات التى تكون بين يوم الخميس وبين يوم السبت مما لا مانع عنه وكذلك استصحاب عدم وقوع البيع فى آن رجوع المرتهن مما لا مانع عنه وكما ان الشك فى وقوع البيع فى تلك الآنات متصل بزمان يقينه وجدانا فكذلك وقوع البيع فى آن رجوع المرتهن متصل بزمان يقينه وجدانا ، وكذلك الكلام فى عدم الرجوع فالشك فى كل من البيع والرجوع فى زمان الآخر متصل بيقينه وجدانا وقد عرفت سابقا ان اتصال زمان الشك باليقين امر وجدانى لا يتطرق اليه الشبهة وان ضابطه انفصال زمان من اليقين بالخلاف بينهما ، ومن المعلوم عدم تخلل اليقين بوقوع البيع بين يوم الخميس وبين رجوع المرتهن وإلّا لما وقع الشك فيه. وكذا لم يتخلل اليقين بوقوع الرجوع بين الخميس وبين زمان وقوع البيع ، ومع عدم تخلل اليقين يكون الشك متصلا فلا بأس بجريان الاستصحاب فيها فيسقطان بالتعارض فحينئذ يكون من القسم الاول من الاقسام الثلاثة المتقدمة وهو ما اذا علم اجمالا ببقاء الحالة السابقة فى احد الطرفين وفى ما نحن فيه يكون العلم الاجمالى بوقوع احدهما فى زمان الآخر هذا ولكن لا يخفى عليك ان ما قلناه من عدم جريان الاصل فى معلوم التاريخ انما هو فيما اذا كان الشك راجعا الى مرحله الحدوث لا مرحله البقاء بمعنى ان المفروض فى المسألة انما هو الشك فى حدوث كل منهما فى زمان الآخر كمسألة المتعارضين واما اذا كان الشك راجعا الى مرحله البقاء فالاصل فى معلوم التاريخ ايضا يجرى ويسقط بالمعارضة كما اذا علم انه تطهر فى اول الشمس وعلم ايضا بصدور حدث منه فشك فى تقدمه على الوضوء او تأخره ففى مثل هذا الاصل بالنسبة الى كل من الوضوء والحدث يجرى الاستصحاب

١٣٨

فى مرحله البقاء وان علم بتاريخ الوضوء فحينئذ يتعارضان فيسقطان بالمعارضة ، والقول بان الشك فى بقاء الوضوء والحدث ليس متصلا بيقينه قد عرفت ضعفه كما ان استصحاب عدم الحدث الى زمان الوضوء لا يثبت وقوع الحدث بعد الوضوء وما لم يثبت ذلك لا يكون اثرا لهذا الاستصحاب ، والسر فى ذلك واضح لان الآثار مرتب على الناقضية ورفع احد للحالين الحالة السابقة ومع عدم اثبات وقوع الحدث بعد الوضوء ولا يثبت الناقضية والرافعية ، ويكون الاصل حينئذ بالنسبة الى كل منهما فى مرحله البقاء جاريا ويسقط بالمعارضة غاية الامر انه بالنسبة الى الوضوء يكون الاستصحاب شخصيا من حيث الزمان وبالنسبة الى الحدث يكون كليا كما لا يخفى وهذا لا يصلح فارقا فظهر ان اجراء الاصل فى معلوم التاريخ فى مثل المقام لا يصح دليلا لاجراء الاصل فى معلوم التاريخ بالنسبة الى الحادثين الذى يشك فى تقدم كل منهما على الآخر ويقاس احدهما على الآخر وجعل الكل من واد واحد كما يظهر من الشيخ (قده) مما لا وجه له.

ثم ان الطهارة والنجاسة الخبثيه كالطهارة الحدثية فيما ذكرناه من جريان الاصل فى معلوم التاريخ ومعارضته بمجهول التاريخ مثلا لو علم يغسل الثوب النجس فى زمانين كان احدهما طاهرا والآخر نجسا فاستصحاب بقاء كل من طهارة الثوب ونجاسته يجرى ويسقط بالتعارض من غير فرق بين ان يكون الماء ان قليلين او كثيرين مختلفين اولا. غاية الامر انه لو كان الماء ان قليلين فاستصحاب النجاسة يكون شخصيا من حيث الزمان فاستصحاب الطهارة ، كلى لو كان كرين فاستصحاب كل من الطهارة والنجاسة كلى.

توضيح ذلك هو انه لو غسل الثوب بماءين قليلين فحال ملاقاته للماء الثانى

١٣٩

للماء الثانى الباقى قبل انفصال الغسالة عنه يعلم تفصيلا بنجاسة الثوب اما بنجاسة الماء الاول ، واما بنجاسة الماء الثانى فزمان ملاقاته للماء الثانى يعلم تفصيلا ولم يعلم بعد ذلك بوقوع تطهير عليه لاحتمال ان يكون الماء الاول هو الطاهر فيستصحب تلك النجاسة المعلومة بالتفصيل من حيث نفسها ومن حيث تاريخها ويعلم تفصيلا ايضا بوقوع مطهر على الثوب غاية الامر انه من حيث الزمان فمحل ولكن احتمال الطهارة من حيث الزمان لا ينافى العلم بها تفصيلا ، وحيث لم يعلم زوال تلك الطهارة ايضا لاحتمال ان يكون الماء الثانى هو الطاهر فيستصحب الطهارة ايضا ويعارض استصحاب النجاسة هذا اذا كان الثوب نجسا من اول الامر وكذا الكلام اذا كان الثوب طاهرا. وما يتوهم من عدم جريان استصحاب الطهارة اذا كانت الحالة السابقة للثوب الطهارة لان الطهارة السابقة قطعا ارتفع بملاقات النجس وطهارة اخرى مشكوك الحدوث لاحتمال ان يكون الماء الاول هو الطاهر والثانى نجس فيكون من القسم الاول من القسم الثالث من اقسام الكلى بل هو أسوأ حالا منه ، لان القسم الاول من ذلك القسم انما كان عبارة عن احتمال حدوث فرد مقارن لارتفاع فرد آخر كاحتمال وجود عمرو مقارن لموت زيد ، وفيما نحن فيه ليس الامر كذلك لعدم احتمال وجود فرد آخر من الطهارة مقارنا لارتفاع الطهارة السابقة لان ارتفاع الطهارة السابقة اما ان يكون بالماء الاول على تقدير ان يكون هو النجس ، واما ان يكون بالماء الثانى على تقدير ان يكون هو النجس فلو كان الماء الاول هو النجس فقد ارتفعت الطهارة السابقة ويتخلل بين ارتفاع الطهارة وحدوث الطهارة الاخرى زمان الغسل بين الغسلتين ، وان كان الماء الثانى هو النجس فزمان ارتفاع الطهارة السابقة هو زمان ملاق للماء الثانى ، وبعده لا يحتمل حدوث طهارة اخرى وعلى كل تقدير لا يحتمل

١٤٠