الذخر في علم الأصول - ج ٢

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بالحكم الكلى هو الحكم المنشأ على موضوعاتها المقدرة وجودها على نحو الحقيقة كوجوب الحج على ذلك العنوان ثم ان الشك فى بقاء الحكم الكلى يتصور على وجوه ثلاث :

الاول : الشك فى بقائه من جهة احتمال النسخ كما اذا شك فى ان الحكم الكلى المجعول على موضوعه المقدر وجوده نسخ اولا فيكون المستصحب هو نفس الحكم الكلى المنشأ بناء على المختار عندنا وفاقا للنائينى ، من ان المجعول هو نفس الحكم لا سببية الموضوع له. والحاصل انه سواء قلنا بجعل المسبب او بجعل السبب يكون الاستصحاب فى الاحكام الكلية جاريا نظير ذلك استصحاب الملكية المنشأة فى العقود والعهود التعليقية كملكية الحنطة على تقدير السبق فى باب المسابقة ، وملكية الجعل عند رد الضالة مثلا فى مثل الجعالة ، فان ملكية الحنطة او الجعل فانشاؤها العاقد فى دينك البابين إلّا انه لا ينشأ الملكية المنجزة كالمنشئية فى باب البيع والصلح وغير ذلك من العقود العهدية المنجزية ، بل انشاء الملكية المعلقة على تقدير خاص من السبق ورد الضالة ، فلو شك فى ان عقد المسابقة والجعالة من العقود اللازمة والجائزة ، بمعنى انه لو رجع فى الاثناء قبل تحقق المسابقة ورد الضالة فهل يوجب ذلك فسخ العقد اولا؟ ففى استصحاب تلك المنشأ المعلق كلام. وقد انكر الشيخ (قده) فى مثل هذا الاستصحاب فى اول بحث الخيارات من المكاسب ولكن الظاهر انه لا مجال من انكاره اولا مانع من استصحاب تلك المنشأ بعد فرض تحقق انشائها من العاقد ، وان كان معلقه على موضوع غير محقق كما لا بد من استصحاب الحكم الكلى المنشأ مع عدم تحقق موضوعه خارجا والعجب من الشيخ (قده) حيث انكر استصحابات الملكية المنشأة

١٠١

المعلق فى باب المسابقة مع اعترافه بصحة استصحاب التعليقى فى مثل العنب والزبيب ، وعلى كل حال لا اشكال فى جريان الاستصحاب عند الشك فى النسخ.

الثانى : وهو استصحابات التى يجريها المجتهد فى الشبهات الحكمية كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغيره من قبل نفسه ، وقد تقدم سابقا انه لا يحتاج فى صحه الاستصحاب الى وجود الماء فى الخارج وتغييره بل يكفى فى صحه الاستصحاب فرض وجود الماء المتغير ، وعروض النجاسة عليه وصيرورتها فعليه ويشك فى بقاء تلك النجاسة المفروض فعليتها بفرض وجود لموضوعها عند زوال التغير من قبل نفسه فيستصحب تلك النجاسة لتحقق اركانه من اليقين السابق والشك اللاحق وان لم يكن المتيقن موجودا فعلا فى عالم العين إلّا ان المستصحب هو وجوده العقلى ولو بالفرض ، وهذا بخلاف استصحاب الحكم الكلى المجعول على موضوعاتها المقدرة وجوده عند الانشاء ولا حاجة الى وجوده عند الاستصحاب ، نعم كل من هذين الوجهين لا يخلو المستصحب عن تقدير وتعلق فان المستصحب فى مثل النسخ هو الحكم الكلى المعلق على الموضوع المقدر وجوده ، وفى مثل الماء المتغير المستصحب هو النجاسة الفعلية على فرض وجود الماء المتغير.

الثالث : ان استصحاب الحكم الكلى الذى علق على موضوع مركب ، وقد فرض وجود احد جزئى الموضوع فقط مع تبدل بعض حالاته قبل تحقق الجزء الآخر كالحرمة او النجاسة المعلقة على العنب على تقدير غليانه وفرض وجود العنب بتبدله الى حال الزبيب قبل غليانه ، وهذا هو المعبر عنه بالاستصحاب التعليقى الذى اختلف فى صحته.

١٠٢

وبعبارة اخرى المراد من الاستصحاب التعليقى المتخلف فيه هو الحكم الثابت على تقدير خاص قبل وجود ذلك التقدير كاستصحاب حرمته الثابتة على العنب على تقدير غليانه قبل فرض الغليان عند صيروره العنب زبيبا. والاقوى فى مثل ذلك عدم جريانه وذلك لان الغليان الذى اخذ شرطا فى ثبوت الحرمة على العنب لا بد وان يكون جزء للموضوع ، ويكون الموضوع هو العنب المغلى ، بداهة ان حقيقة الشرطية ترجع الى هذا فلا فرق بين ان يقول : العنب اذا غلى او العنب المغلى ، لان كل شرط يرجع الى الموضوع ، وكل موضوع يرجع الى الشرط ، والمتحصل امر واحد وهو ثبوت الحكم عند تحقق الموضوع بما له من الشرائط والقيود ، فمتى فرض وجود عنب مغلى يعرض له الحرمة والنجاسة لا محاله لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه ، واما قبل وجود الغليان للعنب فلم يتحقق هناك الأجزاء لموضوع المعلوم ان فرض وجود الجزء الموضوع مما لا اثر له مع عدم فرض وجود الجزئية الآخر ، ولو منع حرمته فلا اقل من ان يكون علة لحدوث النجاسة ومع عدم فرض الغليان لا يكون هناك نجاسة حتى يستصحب لانتفاء الشيء عند انتفاء علته وان لم يكن موضوعا. نعم الاثر المترتب على هذه الجزئية هو انه لو انضم اليه الجزء الآخر من الغليان لثبت له الحرمة والنجاسة وهذا المعنى امر عقلى لا معنى لاستصحابه بداهة ان كل موضوع مركب وجد احد جزئيه صدق علمه انه لو انضم اليه الجزء الآخر لكان كذا مع ان هذا القضية اللولائية مما لا يمكن استصحابها اذ هى قطعيّة لا شك فيها ، وان قيل انه قد عرفت فى الاول من الامور المتقدمة انه يعتبر فى الاستصحاب ان يكون المستصحب له نحو وجود وتحقق اما موضوعا لحكم شرعى واما نفس الحكم الشرعى فى المقام المستصحب

١٠٣

لا موضوع لحكم شرعى ، واما عدم كونه واضحا فواضح اذا لقائل بالاستصحاب التعليقى انما يريد استصحاب الحكم المعلق لا الموضوع ، واما عدم كونه حكما شرعيا فلان الحكم الشرعى هو عبارة عن الحرمة والنجاسة المترتبة على العنب المغلى وهذا مما لا شك فيه بل هو قطعى البقاء وإلّا كان من الشك فى النسخ ولم يفرض ايضا وجود العنب المغلى العارض عليه وصف النجاسة الفعلية ، ويشك فى بقاء النجاسة عند بعض تبدلات حالات العنب المغلى كما اذا شك فى انه يعتبر نجاسة العنب المغلى ان لا يذهب ثلثاه او لا يعتبر فان مثل هذا ايضا لا مجال لانكار استصحاب النجاسة. هذا كله خلاف الفرض فان المفروض هو وجود العنب فقط قبل فرض غليانه ، ولقائل ان يقول اى نجاسة كانت ثابتا على العنب قبل غليانه حتى يستصحب او اى حرمه كانت قبل ذلك حتى يجرى الاستصحاب فيها.

وما يقال انه عند فرض وجود العنب قبل الغليان وان لم يكن معروضا للنجاسة الفعلية لعدم تحقق شرطها إلّا انه معروض النجاسة التقديرية بمعنى ان لصدق العنب الآن قبل تحقق غليانه انه نجس فعلا على تقدير غليانه وهذا المعنى من النجاسة التقديرية يكفى فى استصحابها عند صيروره العنب زبيبا بعد ما كان وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع عرفا لا من مقوماته ، نعم عدم فرض الغليان يكون مانعا عن استصحاب النجاسة الفعلية.

قلنا قد عرفت ان كل شرط يرجع بالأخرة الى موضوع فليس معنى قولك ان العنب معروض النجاسة على تقدير الغليان سوى ان النجاسة مترتبة على العنب المغلى ، واختلاف العبارة والتعبير لا يوجب اختلاف الواقع فاذا فرض

١٠٤

ان الموضوع هو العنب المغلى فقيل فرض الغليان لم يكن معروضا لحكم النجاسة اصلا وقولك يصدق عليه انه نجس على تقدير الغليان فهو ليس إلّا عبارة عن انه لو انضم اليه الغليان يعرض عليه وصف النجاسة وقد عرفت ان القضية اللولائية عقلية صرفه لازم جعل الحكم على الموضوع المركب وقد وجد بعض اجزائه والزبيبية من حالات الموضوع عرفا لا من مقدماته فهو اجنبى عما نحن فيه بصدده فان اعتبار كون المشكوك بين المتيقن عرفا ، واتحاد القضيتين انما هو فى مرحله البقاء بعد الفراغ عن مرحله الثبوت والحدوث ، وبعبارة اخرى قضية اخذ الموضوع من العرف انما هو باعتبار قضية لا تنقض بمعنى ان الموضوع فى قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك انما يؤخذ من العرف وانه يعتبر ان يكون القضية المشكوكة عرفا عين القضية المتيقنة وليس معنى اخذ الموضوع من العرف وإلّا كان ذلك تمسكا بالدليل لا بالاستصحاب مثلا لو قام دليل على نجاسة الحطب فيما اخذ موضوعا فى الدليل ليس إلّا الحطب ولا يشمل الفحم قطعا لان الفحم غير الحطب حتى عند العرف ولا يتوهم ان قوله حطب الى صيرورته فحما لان العرف بمناسبة الحكم والموضوع يرى ان معروض النجاسة هو ذات الحطب المحفوظة فى حال الفحمية لا ما يسمى حطبا نعم كان التسمية بالحطب علة لحدوث النجاسة على الذات فيحكم ببقائها عند انتفاء التسمية ببركة الاستصحاب وقوله لا تنقض اليقين بالشك ومع قطع النظر عن الاستصحاب تكون نجاسة الفحم مشكوكة الحدوث مغايره الفحم مع ما اخذ فى لسان الدليل من اخذ الحطب فى الموضوع. وحاصل الكلام ان اخذ موضوع الدليل عن العرف أمر واخذ موضوع الاستصحاب من العرف امر آخر لا ربط لاحدهما بالآخر فان معنى اخذ موضوع الدليل من العرف هو اخذ مقدار شمول الدليل بمصاديق موضوعه من العرف مثل لو شك فى القصب مثلا حطب او

١٠٥

ليس بحطب فالمرجع فى ذلك هو العرف واين هذا من اخذ موضوع الاستصحاب من العرف فان معنى ذلك هو اتحاد قضية مشكوكة مع المتيقنة عرفا فظهر ان دعوى كون وصف العنبية والزبيبية من حالات الموضوع لا يرتبط بالمقام فان هذه الدعوى انما تنفع بعد تعيين المستصحب والمتيقن السابق وكلامنا فى الاستصحاب التعليقى فى تعيين المستصحب وان المتيقن السابق ما هو حتى يستصحب فى حال الزبيبية ، وقد عرفت فى حال العنبية قبل فرض الغليان لم يثبت بعد حرمه ولا نجاسة حتى تستصحب الحرمة والنجاسة المقدر ليس معنى ثانوى انه لو انضم اليه وصف الغليان لثبت وصف النجاسة وعرض عليه الحرمة وتقدم ان هذه القضية اللولائية مضافا الى كونها عقلية محضة مقطوعه البقاء فلا شك فى بقائها حتى يستصحب فيقع حينئذ نجاسة الزبيب بعد الغليان مشكوكة الحدوث اذا لم يكن هو مشمولا للدليل حتى يثبت نجاسته بالدليل لان الدليل لم يتكفل سوى نجاسة العنب بعد الغليان لا الزبيب بعده والزبيب عن العنب كمغايرة الفحم مع الحطب ولم تكن النجاسة مشمولة لدليل الاستصحاب ايضا حتى يثبت نجاستها بالاستصحاب لعدم يقين ووجود سابق حتى يستصحب حاصل الكلام ان الشك فى بقاء نجاسة العنب اذا غلى بعد ارجاع الشرط الى الموضوع كما لا محيص عنه يتصور على قسمين من دون ان يكون له ثالث.

الاول الشك فى نسخ هذا الحكم عن العنب. الثانى الشك فى بقاء نجاسته بعد فرض فعليتها بفرض وجود موضوعها من العنب والغليان لاصل الشك فى اعتبار بعض الخصوصيات فى بقائها كالشك فى بقائها الى ذهاب الثلثين مثلا وكل من هذين الوجهين خارج عن محل الكلام فى الاستصحاب التعليقى هذا كله اذا اريد استصحاب نفس النجاسة. واما اذا اريد استصحاب

١٠٦

الملازمة اى سببية الغليان للنجاسة فهى وان كانت محققه قبل وجود الغليان وكان انقلاب العنب الى الزبيب منشأ للشك فى بقاء الملازمة إلّا انه قد عرفت فيما تقدم عند البحث عن الاحكام الوضعية ، ان الملازمة والسبب ليسا مجعولة ولا قابله للجعل ، بل المجعول ليس إلّا نفس السبب وهو الحكم الشرعى كما اوضحنا فاستصحاب الملازمة ايضا لا يجرى كما عرفت من اعتبار كون المستصحب اما حكما شرعيا او موضوعا لحكم شرعى ، والسببية والملازمة لا حكم الا موضوعا لحكم شرعى.

والعجب من الشيخ (قده) حيث شد النكير على من قال بجعل السببية والملازمة ومع ذلك جرى فى المقام على خلاف ذلك ، وقال بجريان استصحاب الملازمة على ما يظهر من كلامه (قده) ومع ان الملازمة المدعى على تقدير جعلها فانها هو بين تمام الموضوع والحكم لاجزائه والملازمة بين تمام الموضوع والحكم لا يمكن الشك فى بقائها الا من جهة النسخ. فتحصل مما ذكرناه ان الاستصحاب التعليقى مثل الصلاة والقول بصحتها عند وقوعها فى لباس المشكوك بدعوى انه قبل لبسه وهو اللباس لو صلى كانت صلاته صحيحه فيستصحب هذه الصحة التقديرية الى حال اللبس المشكوك ويقال بصحتها ، وهكذا من الموارد التى ستعرف الالتزام بها هذا كله مضافا الى ما فى خصوص مثال العنب والزبيب من المناقشة فى الموضوع بداهة ان الذى ينجس بالغليان هو ماء العنب لا جرمه دماء العنب قطعا عدم عند صيرورته زبيبا والباقى فى الحالين ليس إلّا الجرم والزبيب لا يغلى إلّا اذا البست ماء جديد عند من الخارج هذا تمام الكلام فى الاستصحاب التعليقى.

ثم انه على تقدير جريان الاستصحاب التعليقى يقع الكلام فى ان

١٠٧

استصحاب الحلية الفعلية الثابت فى العنب والزبيب ، قبل الغليان يكون محكوما بذلك الاستصحاب التعليقى او معارضا له ، او لا حكومة ، او لا معارضه بل يجريان معا من دون ان يكون بينهما مزاحمة ومعارضه وجوب :

اما وجه عدم المعارضة فلان حلية الفعلية الثابتة فى العنب قبل عروض وصف الزبيبية له كانت يقينا بعدم الغليان لان اخذ الغليان قيدا للنجاسة والحرمة يلزمه عدمه قيدا للطهارة والحلية لان التفصيل قاطع للشركه وحينئذ لا بد من استصحاب الفعلية بما لها من الغاية وهذا كما ترى لا تعارض استصحاب الحرمة والنجاسة التقديرية ، لاختلاف موضوع الاستصحابين ولازم ذلك هو انه عند تحقق الغليان الذى يكون غاية للحلية قيدا للنجاسة يكون الثابت بالفعل النجاسة والحرمة ليس إلّا محصول غاية للحلية ، وقيدا للنجاسة.

واما وجه المعارضة فلان بعد غليان ، العصير الزبيبى يشك فى بقاء الطهارة والحلية الثابتتان له قبل الغليان فيستصحب تلك الحلية ويكون معارضا لحكم النجاسة القطعية الذى هى لازم استصحاب النجاسة التعليقية ، وليس بين الشك فى الطهارة والنجاسة سببية ولا مسببية ، بداهة ان لازم الشك فى بقاء النجاسة هو الشك فى بقاء الحلية كما ان لازم الشك فى بقاء الحلية هو الشك فى بقاء النجاسة ان كانا متلازمان ، من دون ان يكون بينهما سببية ومسببية.

واما وجه كون الاستصحاب التعليقى للنجاسة حاكما على استصحاب الطهارة والحلية فلان الشك فى الحلية الفعلية بعد الغليان ان لم يكن مسببه عن الشك فى النجاسة الفعلية بعده بل كان متلازمين إلّا انه مسبب عن الشك فى ان النجاسة المجعولة على العنب اذا غلى هل هى مجعولة عليه

١٠٨

على نحو جميع مراتبه حتى مرتبه الزبيبية او انه مجعولة على نحو لا تعم تلك المرتبة ، فلو اجرينا الاستصحاب التعليقى ، وقلنا بان النجاسة ثابته له فى جميع مراتبه ولو ببركة الاستصحاب يرفع موضوع الشك فى الإباحة ولا يبقى مجال لها. والحاصل ان الشك فى الطهارة والنجاسة الفعلية بعد الغليان وان كانا متلازمين من دون ان يكون بينهما ترتب إلّا ان كلا منهما مسبب عن الشك فى كيفية الجعل على العنب ، وانه هل المجعول من النجاسة على نحو يعم مرتبه الزبيبية ، او لا تعم فببركة الاستصحاب التعليقى يقال انه يعم فلا يبقى مجال للشك المسببى من الإباحة وهذا الوجه هو الاقوى ، وان كان لا يخلو عن المناقشة مثل الاولين. اما الوجه الاول فلان الحلية المستصحبة التى وقع الكلام فيها انما هى الحلية قبل الغليان وهى حلية الزبيب لا حلية حال العنب حتى يقال انها معنى بعدم الغليان وقد حصلت غايتها بل تمام الكلام فى استصحاب حلية الزبيب الى ما بعد غليانه وحلية الزبيب لم يعلم كونها معنى وإلّا لما وقع الشك فيها وبالجملة الكلام فى ان حلية الزبيب هل هى مغيا بالغليان او غير مغيا ، ويراد باستصحاب الحلية اثبات عدم كونها مغيا وان بعد ما فيه بعد غليان الزبيب فيقع التعارض بين استصحاب الحلية وبين استصحاب الحرمة الفعلية المسببية لنجاسة الزبيب بعد الغليان فدعوى عدم التعارض بينهما مما لا يمكن المساعدة عليها ومنشأ الخلط هو تخيل ان المراد استصحاب الحلية فى حال العنب التى كانت مغيا بعدم الغليان. واما الوجه الثانى فلان المعارضة بين الاستصحابين فرع اتحاد رتبتها وذلك انما يكون فيما اذا لم يكن بين الشكين ترتب السببية والمسببية ، وفى المقام ليس الامر كذلك ، بداهة ان الشك فى الحلية بعد الغليان انما ينشأ من

١٠٩

الشك فى كيفية النجاسة على العنب المغلى وانه هل يعم جميع المراتب أو لا ولا يمكن القول بالعكس فان الشك فى كيفية جعل النجاسة المسبب لم ينشأ من الشك فى حلية الزبيب كما لا يخفى والحاصل ان بعد غليان الزبيب وان كان الشك فى حليته وحرمته ، او طهارته ونجاسته فى عرض واحد إلّا ان الشك فى الحلية انما هو مسبب عن كيفية تلك النجاسة المعلقة بالسببيّة والمسببية ، ربما يلاحظ بالنسبة الى الشك فى الحلية الفعلية مع الشك فى النجاسة التعليقية لا نجاسته القطعية حتى يقال انهما فى عرض واحد اما الوجه الثالث فلان كل شك سببى ومسببى لا يكون الاصل الجارى فى السبب منهما حاكما على الاصل الجارى فى المسبب بل يعتبر ان يكون السبب من آثاره الشرعية المترتبة على المسبب وذلك ، كترتب طهارة الثوب على طهارة الماء ، وفى المقام ليست الحلية مرتبه على عدم النجاسة ولا عدم الحلية مرتبا على النجاسة شرعا بل لازم عقلى النجاسة هو عدم الطهارة لمكان المضادة بينهما. والحاصل انه يعتبر فى كل شك سببى ومسببى ان يكون احد طرفى المشكوك من الوجود والعدم مترتبا شرعيا على المسبب من الآثار الشرعية له ففى مثل الثوب والماء وان لم يكن نجاسة الثوب مترتبا على الماء ولا من آثارها بل نجاسة الثوب تدور مدار بقائها عليها من النجاسة السابقة إلّا ان طهارة الثوب يترتب شرعا على طهارة الماء ، ورافعا للشك فى نجاسة الثوب المغسول به ، واما فى المقام ليس الامر كذلك لان الشك فى حلية الزبيب وحرمته بعد الغليان وان كان مسببا عن امر مجعول شرعى وهو كيفية جعل الشارع نجاسة العنب وحرمته إلّا ان الحلية وجودا وعدما ليست من الآثار الشرعية المترتبة شرعا على حرمته وكذا حال الطهارة بل لمكان المضادة بين الحلية والحرمة ،

١١٠

والطهارة والنجاسة كان اللازم جعل النجاسة وحرمه العنب بجميع مراتبه هو عدم الحلية والطهارة عقلا وإلّا لزم اجتماع الضدين فاثبات عدم الحلية والطهارة باستصحاب النجاسة يكون من اصل المثبت. والحاصل ان فى الشك السببى والمسببى يعتبر قيود ثلاثة :

الاول ان يكون بين الشكين ترتب العلية والمعلولية لا مجرد التلازم.

الثانى ان يكون ذلك الترتب شرعيا لا عقليا بمعنى ان يكون الشك فى ناحيه المسبب ناشئا عن انه مجعول شرعى سواء كان من آثاره الشرعية ايضا كما فى الشبهات المفهومية كما فى المقام ايضا حيث ان الشك فى نجاسة العصير الزبيبى انما يكون لاجل الشبهة المفهومية.

الثالث ان يكون الاصل الجارى فى ناحيه السبب رافعا للشك المسببى لا مثل أصالة الحل بالنسبة الى المشكوك فى حليته وحرمته حيث ان أصالة الحل لا يثبت كون المشكوك من الانواع المحلّلة بل انما يثبت جواز اكله ، والقيود الثلاثة كلها فى المقام موجودة وبالجملة كان منشأ الاشكال فى المقام هو الخلط بين الاصل الجارى فى الشبهة الموضوعية ، وبين الاصل الجارى فى الشبهة الحكمية ، فان فى الشبهة الموضوعية لما كانت الكبرى معلومة وكان الشك فى المصداق الخارجى كان المعتبر فى الشك السببى والمسببى ان يكون احد طرفى المسبب من الآثار الشرعية المترتبة على السبب حتى يكون الاصل السببى رافعا لموضوع الشك المسببى كما فى مثال الثوب والماء اذ لو لم يكن اصل فى طرف المسبب من الآثار الشرعية المترتبة على السبب لم يكن اصل السببى رافعا للشك المسببى وموجبا لانطباقه على الكبرى الكلية المعلومة فالاستصحاب الجارى فى الشك السببى فى الشبهة الموضوعية اما يكون موجبا لانطباق السبب على الكبرى الكلية المعلومة فى الثبوت الكبرى الكلية وهى

١١١

ان كل مغسول الماء طاهر معلوم من الدليل اجتهادى آخر غير أدلة الاستصحاب واستصحاب طهارة الماء انما يوجب انطباق الثوب المغسول وجدانا على تلك الكبرى وانه غسل بماء طاهر فالغسل بالوجدان وطهارة الماء بالاصل فيرفع الشك فى طهارة الثوب واما الشبهات الحلية فليس الأمر كذلك اذ الكبرى الكلية انما تستفاد من نفس الاستصحاب وليس هناك كبرى كلية معلومه من الخارج حتى نحتاج فى حكومة الاصل السببى ان تكون موجبا لانطباق المسبب على الكبرى الكلية الشرعية. وبعبارة اخرى الشك فى المسبب فى الشبهة الموضوعية انما يكون اثرا شرعيا للمسبب بدليل آخر واما فى الشبهة الحكمية فالمسبب انما يصير اثرا شرعيا للسبب بنفس الاستصحاب من غير حاجة الى دليل آخر من الخارج كما فيما نحن فيه فان حكم الزبيب لم يكن معلوما من الخارج كمعلومية حكم الثوب المغسول بالماء الطاهر ، بل نفس استصحاب حكم العنب التعليقى موجب لمعلومية حكم الزبيب المغلى ويكون موجبا لرفع الشك فى حليته وطهارته ، اذ معنى استصحاب الحرمة والنجاسة هو ذلك وليس هذا من الاصل المثبت ، اذ ليس معنى استصحاب حرمه الشيء ونجاسته سوى انه ليس بحلال وطاهر ، والغاء احتمالها كما هو الشأن فى جميع الاستصحابات حيث ان معنى استصحاب الشيء هو الغاء احتمال خلافه ، فالشك فى حلية الزبيب المغلى ، وكذا طهارته ونجاسته يرتفع باستصحاب النجاسة والحرمة المعلقة المسبب ذلك على العنب بجميع مراتبه ومنها حال الزبيبية. وان شئت قلت : ان عدم طهارة الزبيب المغلى وحليته ترتب مع الاعم من النجاسة ، والحرمة الواقعية او النجاسة والحرمة الثابتة بالاستصحاب والحاصل ان ارتفاع احد الضدين وان كان لازما عقليا لوجود الآخر

١١٢

إلّا ان هذا اذا لم يكن عدم احدهما على الأعم من وجود الآخر واقعا او ظاهرا كما فى المقام حيث ان عدم الحلية والطهارة من لوازم الاعم من الحرمة والنجاسة الواقعية ، او الحرمة والنجاسة الظاهرية ، اذ لو لم يترتب على استصحاب الحرمة والنجاسة عدم الطهارة والحرمة التعليقية لكان ذلك هو التعليقية لصحة الاستصحاب التعليقى اذ لا معنى بصحته الا ذلك كما لا يخفى.

التنبيه السابع :

التنبيه السابع قد عرفت فيما تقدم انه لا ينبغى الاشكال فى جريان استصحاب الحكم عند الشك فى النسخ لان الحكم الشرعى انما هو مجعول على موضوعه المقدر وجوده على نحو القضايا الحقيقية وليست الاحكام الشرعية عبارة عن القضايا الشخصية جزئيه ، بحيث يكون هناك انشاءات متعددة حسب تعدد المكلفين فى الخارج بحيث يكون يريد مثلا انشاء يخصه ، وهكذا فان ذلك ضرورى البطلان بل ليس الحكم الشرعى إلّا عبارة عما ينشأ الموضوع العام المقدر وجوده كانشاء وجوب الحج على البالغ العاقل المستطيع ، فان اخذ العنوان الكلى موضوعا لوجوب الحج وانشاء وجوبه على ذلك بما انه مرآة لما يوجد من مصاديقه فى الخارج ، فزيد المستطيع انما يجب عليه الحج لكونه من مصاديق ذلك العنوان الذى اخذ موضوعا لوجوب الحج من دون ان يكون هناك خطاب يخص بزيد وحينئذ لو شك فى بقاء وجوب الحج على البالغ العاقل المستطيع من جهة احتمال نسخه فلا اشكال فى صحه استصحابه من دون فرق بين ان يكون الحكم لبقائه من احكام هذه الشريعة او من احكام الشرائع السابقة ، وكان منشأ اشكال بعض فى عدم جريان استصحاب الشرائع السابقة لاجل اختلاف

١١٣

الموضوع وهو تخيل ان الاحكام الشرعية انما هى عبارة عن قضايا جزئيه شخصيه ، او الاختلاف فى الموضوع يمكن دعواه على هذا التقدير ، بداهة انه بناء عليه يكون زيد غير عمرو وعمرو غير بكر. واما بناء على ما قلناه من ان الاحكام الشرعية انما هى عبارة عن قضايا كلية على نهج القضايا الحقيقية فلا يمكن دعوى اختلاف الموضوع حينئذ لان الموجود فى هذه الشريعة مع الموجود فى الشريعة السابقة يشترك فى الانطباق على العنوان العام الذى اخذ موضوعا للحكم الثابت فى الشريعة السابقة ، فاذا شك فى نسخ ذلك الحكم فيستصحب بلا مانع لتحقق اركان الاستصحاب كاستصحاب الحكم الثابت فى هذه الشريعة طابق النعل بالنعل ، مع انه لو بنى على ذلك المبنى الفاسد من جعل الاحكام الشرعية قضايا شخصيه لما كان وجه فى التفرقة بين الشك فى نسخ حكم هذه الشريعة او حكم الشريعة السابقة لتحقق اختلاف الموضوع فى كلا المقامين كما لا يخفى. ومن تقريب ما اورده الشيخ (قده) فى المقام من الجواب عن الاشكال بالنقض بتقرير انا نفرض كون الشخص مدركا للشريعتين ويتم فى الباقى بضرورة اشتراك التكليف بينه وبين غيره من المؤدين فى زمان وما يوجد فان بعد ذلك ظاهره فساد. بداهة ان الضرورة انما قامت على الاشتراك فى التكاليف الواقعية لا التكاليف الظاهرية المستفادة من الاستصحاب فان الحكم المستفاد من الاستصحاب انما يختص بمن يجرى فى حقه الاستصحاب فمن كان على يقين فشك ولا يتعدى على غيره ممن لم يكن بهذه المثابة.

ثم انه ربما يمنع عن جريان استصحاب الاحكام الثابتة فى الشريعة السابقة بالعلم الاجمالى بطرو النسخ فيها وان لم نقل بنسخ جميعها كما ربما يدعى ذلك لاشتهار كون هذه الشريعة ناسخه للشرائع السابقة إلّا ان

١١٤

هذه الدعوى لا يمكن المساعدة عليها فانه ليس معنى نسخ هذه الشريعة ان كل حكم ثابت فى الشريعة السابقة يكون منسوخا بهذه الشريعة كيف مع بقاء كثير من احكام الشرائع السابقة فى هذه الشريعة كما فى قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بل معنى نسخ هذه الشريعة هى ان الشرائع السابقة لم يبق حالها من الاحكام. وبعبارة اخرى نسخ مجموعها لا يعلم اجمالا بنسخ بعضها او اغلبها ، والعلم الاجمالى يمنع عن جريان هذا الاستصحاب هذا ، ولكن لا يمكن دعوى انحلال العلم الاجمالى بالظفر بمقدار من الموارد المنسوخة تكون بقدر المعلوم بالاجمال فيكون فى غيره من الشبهة البدوية ، ولكن الظاهر انه لا جدوى لاستصحاب حكم الشريعة السابقة على فرض بقاء ذلك ، فهو انما يكون بامضاء شارع هذه الشريعة المطهرة كما يظهر من قوله (ع) ما من شيء يقربكم الى الجنة ... الخ. فمع عدم العلم بالامضاء لا جدوى باستصحابه فتأمل جيدا

التنبيه الثامن :

قد اشتهر بين المتأخرين القول بعدم اعتبار اصل المثبت من الاصول دون الامارات وتنقيح البحث يستدعى بيان ما يمتاز به الامارات عن الاصول وبيان الفرق بين المجعول بالأمارة وبين المجعول فى الاصول فنقول : امتياز الامارات عن الاصول بأمرين :

الأول ـ اخذ الشك فى موضوع الاصول دون الامارات فان فى الاصول اخذ الشك موضوعا سواء كانت فى الاصول التنزيلية او غير التنزيلية ، وهذا بخلاف الامارات فان فى الامارات لم يؤخذ الشك موضوعا يقال مثلا فى مثل

١١٥

قوله (ع) العمرى ثقة فما ادى اليك عنى فعنى يؤدى ... الخ. ثم يحتمل الشك موضوعا لاعتبار قول العمرى ، نعم الشك فى باب الامارات يكون موردا من باب انه لا معنى لجعل شيء طريقا ومحرزا للواقع بالنسبة الى من كان عالما وواصلا الى الواقع بعلمه سواء وقع علمه الواقع غايته انه لا كشفا تاما بحيث لا يحتمل الخلاف ، بل كشفا ناقصا بماله احتمال الخلاف وهذه الجهة اى جهة الكشف والاحراز الناقص انما يكون ذاتيا للامارة من دون ان يكون بجعل جاعل فهى من هذه الجهة كالعلم حكما ، وان جهة الاحراز التام يكون فى العلم ذاتيا له من دون ان يكون بجعل جاعل فكذلك جهة الكشف والاحراز الناقص فى الامارات الغير العلميه مع قطع النظر عن التعبد بها ، غاية الامر ان التعبد انما يكون موجبا لتتميم كشفها واكمال احرازها ، فظهر مما ذكرنا ان التعبد بالأمارة سواء الغاء احتمال الخلاف فى عالم التشريع وان كان بعد ثابتا فى عالم التكوين الا منافات بين الغاء التشريعى ، والثبوت التكوينى فليس معنى قوله (ع) صدق العادل سوى تصديق ما اخبر به العادل بالكشف عنه ، والبناء على انه واقع ولا يعتنى باحتمال الخلاف ، وبعبارة أخرى المجعول فى باب الأمارة هو الجهة الثانية من العلم الطريقى وهى جهة المحرزية ، فان العلم بالشيء يقتضى اولا حصول صورة الشيء الذى نفس العالم وهذه الصورة هى التى يقال فى تعريف العلم : بانه الصورة الحاصلة ويتوسط تلك الصورة بكون الشخص محرزا للمعلوم منكشفا لديه.

ثم ان ذلك الاحراز والانكشاف يقتضى الجرى العملى على ما يقتضيه ، مثلا اذا علمنا بوجود اسد فى الطريق يجتمع فيه جهات ثلاثة ، من الصورة الحاصلة ، والاحتراز والفرار هذا حال العلم والامارات فتشترك مع العلم

١١٦

فى الجهتين الاخيرتين من الاحراز والجرى بما يقتضيه ، وتفارق العلم من الجهة الاولى كما لا يخفى كما ان المجعول فى الاصول على ما يأتى بيانه هو البناء العملى ، لا اقول انه يعتبر فى الامارات ان يكون هناك اثر عملى ، اذ يعتبر فى الامارات ان يكون هناك اثر عملى اذ لو لم يكن اثر عملى لكان التعبد لغوا بل لا بد فى التعبد بالأمارة من ان يكون لها اثر عملى صونا لكلام الحكيم عن اللغوية إلّا ان ذلك لا يلازم ان يكون المجعول فى باب الامارات هو النبأ العملى ، بل ليس المجعول فيها الا البناء على صحه ما تحكى الأمارة عنوانه هو الواقع ، واما المجعول فى باب الاصول فهو ليس إلّا لبناء العملى اذ ليس فى الاصول جهة كشف واحراز على فرض ان يكون جهة كشف واحراز كما فى الاستصحاب بناء على افاده الظن فليس اعتبارها لاجل ذلك بل جهة الكشف والاحراز ملغاة فى مقام التعبد بها ومن يدخل الاستصحاب نباء على اعتباره من باب الظن فى الامارات ، وانما يكون اصلا عمليا اذا لم يكن اعتباره لذلك بل كان جهة افادته الظن فى مقام التعبد ، والحاصل المجعول فى باب الاصول المحرزة هو الجهة الثالثة فى العلم الطريقى وهو العمل على وفق ما يقتضيه العلم مثلا الفرار من الاسد عند العلم به ومن هنا قلنا فى تعريف الاستصحاب انه عبارة عن عدم نقض الحالة السابقة من حيث الاثر والجرى العملى.

فظهر مما ذكرنا ان حقيقة المجعول فى باب الامارات هو المحرزية والمثبتية بما يحكى عنه الأمارة ويلزمه بناء العملى المجعول فى باب الاصول هو نفس البناء العملى من دون ان يكون هناك كشف واحراز واثبات بل لازم اخذ الشك فى موضوعها هو ذلك ، ومن ذلك ظهر سر اعتبارية الامارات دون

١١٧

الاصول فان الأمارة بعد ما كان من شأنها اثبات الواقع واحراز ما يحكى عنه ، وأدلة اعتبارها انما قلت على اعتبار ما يحكى الأمارة عنه فيكون المحرز بالأمارة كالمحرز بالعلم وبعد احراز الواقع بها يكون اثباتها اللوازم والملزمات على قواعد سلسلة العلل والمعلولات ، واللوازم والملزومات مثلا لو قامت الأمارة على حيات زيد من دون ان يكون لها حكاية لاثبات لحيته ولكن حيث كان قيام الأمارة لضميمة اعتبارها موجبا لاحراز الحيات وعدم الاعتبار باحتمال الخلاف كان اثبات اللحية واللوازم المترتبة على الاثبات من العلة والعادة الشرعية من باب ان الحياة الثابتة يلازم انبات اللحية ملازم اثر كذا وكذا لو فرض الوسائط الى الف ، فان المفروض ان كلها واقعة من سلسلة معلولات الحياة ولوازمها ، وبعد ترتب الحياة كل ذلك ترتب لاستحالة تخلف المعلول عن علته واللازم عن ملزومه وهذا بخلاف الاصول فانه لما كان المجعول بالاصول هو التعبد بمؤداه عملا والبناء العملى عليه كان لازم الاقتضاء على نفس مؤداه ، ان كان مؤداه حكما شرعيا او اثرا مؤداه ان كان غير ذلك من الموضوعات الخارجية لا يجوز التعدى عنه الى اللوازم العادية والعقلية ولا على لوازم الشرعية المترتبة على المؤدى بتوسط تلك اللوازم العقلية ولا عاديه ولا على ملزوم المؤدى او ما يلازمه ان كان شرعيا لان المفروض ان الذى وقع موردا للتعبد العملى هو نفس المؤدى لا غير فلا يمكن اثبات لازمه مثلا ، ولو استصحب حياة فيما هو مؤدى الاستصحاب ليس حياة زيد ، والمفروض ان المجعول بالاستصحاب هو البناء العملى على حياة زيد بلحاظ العمل على آثاره الشرعى من حرمه تزويج زوجته ، وتقسيم امواله وغير ذلك من الآثار الشرعية المترتبة على حياة زيد اذ لا معنى للتعبد ببقاء حياة زيد سواء ذلك ، واما انبات

١١٨

لحيته فهو ليس بنفسه مؤدى الاصل وانما هو لازم عادى ببقاء الحياة ، والاستصحاب لم يثبت الحياة بل اقتضائه هو الانبات على ما يقتضيه الحياة انبات لحيته ليس بنفسه يقتضيه الحياة بل هو امر واقعى يلازم عادة الحياة فاذا لم يكن نفس نبات اللحية ، عملا يقتضيه الحياة فاستصحاب الحياة لا يوجب انباته بل استصحاب الحياة انما يثبت كل ما يقتضيه الحياة من العمل فاذا لم يكن انبات اللحية باستصحاب الحياة لا يمكن اثبات لوازمه الشرعية المترتبة على اثبات اللحية ، او بعد ما لم يكن نفس انبات اللحية موردا للاصل ولم يقع هو موردا للتعبد فلا وجه للتعبد العملى بلوازمه الشرعية لوجوب التصدق مثلا.

فان قلت ان انبات اللحية اثر للحياة ووجوب التصدق اثر انبات اللحية واثر الاثر اثر فصح وجوب التصدق باستصحاب الحياة قلت ان اثر الاثر انما يكون فى التكوينيات حيث ان المعلول معلول وهذا لا ربط له بالشرعيات. المبتنية على كيفية الجعل ومقدار التعبد ، وبعد ما اوضحنا ان نفس انبات اللحية لم يتفق موردا للتعبد ، ووجوب التصدق ولم يترتب شرعا على الحياة تكون قولك اثر الاثر اثر لا معنى له فى المقام نعم لو كانت سلسلة العلل والمعلومات كلها شرعيه صح ان يقال : ان اثر الاثر اثر كما سيأتى ، والكلام فى المقام انما هو فيما تخلل بين تلك امر تكوينى غير شرعى ، هذا كله فى الواسطة العقلية ، والعادية وما يترتب اليها من الآثار الشرعية ، وكذا الكلام فى ملزوم مؤدى الاصل او ما يلازمه شرعا كان او غيره فان البناء العملى على اللازم لا ربط له بالبناء العملى على ملزومها وتلازمه ، مثلا لو فرض ان جواز الصلاة فى الجلد من لوازم حلية اكل الحيوان والرخصة فيه ، بان يكون

١١٩

حلية الاكل والرخصة فيه سببا وعلة لجواز الصلاة فى جلده ، واثبات جواز الصلاة فى الجلد بالاصل من الاصول فلا يمكن اثبات حلية اكله والرخصة فيه سبب قيام الاصل بجواز الصلاة فيه لا التعبد ، عملا لجواز الصلاة لا يوجب التعبد العملى بحلية اكله ، وكذا الحال فى الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة فان استصحاب بقاء نجاسة الثوب لا يثبت نجاسة الماء المغسول به هذا حال الملزوم وكذا حال اللازم ، مثلا لو قلنا فى المثال المتقدم لان جواز الصلاة وحلية الاكل كلاهما متلازمان ومسببان عن كون الحيوان مسوخا ، او ذا مخلب وناب كما قوينا ذلك فى موضع آخر فاجراء الاصل فى ناحيه جواز الصلاة لا يثبت حلية الاكل وكذلك اجراء الاصل فى ناحيه الاكل ، لا يثبت جواز الصلاة لان التعبد عملا بأخذ المتلازمين لا يلازم التعبد بالآخر.

ومما ذكرنا ظهر فساد دعوى اختلاف الأمارة للاصول فى اعتبار مثبتاتها دونها انما هو لاجل دلالة دليل اعتبارها على ذلك ، دون أدلة الاصول ، فالاختلاف انما هو فى ناحيه الدليل حيث ان اطلاق أدلة اعتبار الأمارة يقتضى ترتب اللوازم والملزومات بخلاف أدلة الاصول حيث انه لا اطلاق يقتضى ذلك ، وتقريب هذا الاختلاف بينهما انما هو لاجل حكاية الأمارة عن اللوازم والملزومات وأدلة اعتبارها انما يدل على اعتبارها بما انها حاكيه من ذلك دون الاصول حيث ان اللوازم والملزومات ليست مؤدى الاصل ودليل الاعتبار انما دل على مؤداه فقط. والانصاف انه لا سبيل الى كل من هاتين الدعويين اما الاولى فلان أدلة اعتبار الامارات ليست باقوى من أدلة اعتبار الاصول ، واى دليل يكون اقوى من قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك ام كيف يقاوم

١٢٠