الذخر في علم الأصول - ج ١

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٢
الجزء ١ الجزء ٢

موضوعة لتلك المعاني في الشّرائع السابقة ، وفي الكفاية انها تثبت بكليهما باستعمال الشارع بوضع تعيّني فان الوضع كما يحصل بالتصريح بانشائه كذلك يحصل باستعماله في غير ما وضع له ، كما إذا وضع له بلا حقيقة ولا مجاز ، كما لو أردت تسمية ابنك «زيد» فتارة يتصرح بأني جعلت اسم هذا زيدا وأخرى تطلق هذا اللفظ عليه بحيث يفهم انه سمّاه زيدا ، وهذا النحو من الوضع التعيّني ليس به قائل من اللغويين. ثم انه ـ قدس‌سره ـ قال : إن الاستعمال يحتمل كان معناه اللغوي ، ثم ضعف مختاره الأول ، وقال لا مجال للوثوق بكون ثبوتها بالتعيّن بالاستعمال مع احتمال كونه مستعملا في معناه اللغوي وأما وضع التعيين بتصريح الشارع في لسانه ممنوع ، وبلسان تابعيه مكابرة. وذهب صاحب الفصول بطريق الجزم بأنها مستعملة في المعاني اللغوية وهو الأقوى وأيّدناه :

أولا :

بأن الحقائق ومفهومها ، وهكذا ساير ما ذكر في ثبوتها ثابت وموجود بمعانيها وأصولها ، وإن اختلفت باعتبار الكيفيات والحالات وعلى هذا تكون حقيقة لغوية.

وثانيا :

إن القرآن ورد بلفظ عربي ، وقوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) عبّر في قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ)

٦١

... إلخ ، وقوله تعالى : (أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) ، بألفاظها حقايق لغوية لا شرعية. وتظهر الثمرة في لزوم حمل الألفاظ الواقعة في كلام الشارع بلا قرينة على معانيها الشرعية فيما إذا علم تأخّر الاستعمال عن النقل ، وإذا علم تقدّمه عن النقل يستعمل في معناه اللغوي ، ولو شكّ في التقدّم والتأخّر وجهل التأريخ فيتعارضان الأصلين وهو أصالة تأخّر الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخّر الوضع ولا يجري إلا على القول بأصل المثبت ، وإن أخذ من الأصول العقلائية على تأخّر مع الشكّ ، وأصالة عدم النقل ، إنما كانت معبّرة فيما إذا شكّ في أصل النقل لا في تأخّره فلا معارضة ، هذا مع أنه لا يمكن القطع بثبوت الحقيقة الشرعية بقبول التعيين في زمان الشارع ، وكذلك لا يمكن عدمه وحينئذ لا ثمرة بالبحث عنها لعدم إمكان ثبوت الحقيقة الشرعية ، فنقول في المقام يحتاج بيانه بيان أمور :

الأول :

عدم الفرق بين ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه في جريان النزاع بأنه هل ان الشارع استعمل مجازا في أحدهما أو في كل واحد منهما كذلك يمكن أن يجري النزاع في الحقيقة اللغوية أيضا ، فانه يمكن أن يوضع للصحيح أو الأعم منه كما في اللمعة في وضع الطهارة عن بعض الشرّاح.

الثاني :

إن الصحّة بمعنى واحد عند الكل ، وهو التمامية عند الفقهاء

٦٢

تفسيرها باسقاط القضاء ، أو بموافقة شرّع عند المتكلّمين.

الثالث :

إن الأقوال مختلفة ، منها : إن الصلاة أسامي للصحيح الشخصي كما عند الشيخ ، ومنها : إن الصلاة أسامي للأعم ، ومنها : إنها اسم للصحيح الشرعي ، يشمل على صلاة العاجز الغير القادر من إتيانها بتمام الآخر أو الشرائط وفقدانه.

الرابع :

للعبادة أفراد متفاوتة طولا وعرضا من السفر والحضر والصحّة والمرض وغير ذلك ، وليس لفظ الصلاة موضوعة بالاشتراك اللفظي بأن وضع بالوضع الخاص والموضوع له الخاص لخصوصيّة ، ولا من باب العام والموضوع له الخاص بالوضع التعييني بالتصريح ، نعم يمكن استعماله مجازا كثير استعماله في لسانه ولسان تابعة حتى سار حقيقة بوضع تعيّني ومن يدّعى الخصيصة يريد بها هذا المعنى ، ثم انه ذهب الشيخ ـ قدس‌سره ـ الى أن الصلاة أسامى للصحيح الشخصي العالم بالأجزاء والشرائط موضوعة لها واطلاقها على الصحيح الشرعي الفاقد لبعض الأجزاء والشرائط بحسب اختلاف حال المكلّف من جهة الاضطرار ونحوه باطلاق الصلاة عليها بالعناية والتنزيل والادّعاء فيدور الاطلاق اليه مدار اطلاق الشارع عليه فيكون الفاقد بدلا عنها ومسقطا للتكليف ، ولو أغمضنا عمّا ينسب الى الشيخ (رحمه‌الله) وقلنا بالاشتراك المعنوي من باب الوضع العام والموضوع له العام فلا محيص من أن يكون الجامع بين تلك الافراد التي لا تحصى حسب اختلاف

٦٣

أصناف المكلّفين بحسب وضع اللفظ بإزاء جامع حتى يكون الوضع والموضوع له العام فلا محيص عنه بعد إبطال الاشتراك اللفظي ، فان الخصم القائل ببطلانه لعدم وضع الصلاة لمراتب عديدة كثيرة لأنحاء مختلفة وحينئذ يقع الإشكال على تصوير الجامع مطلقا على الصحيحي والاعمى ، وقد قيل في تصويره أنه لا بدّ من أمور أربعة ، فبفقدان واحد منها لا يمكن تصويره :

الأول :

انه لا بدّ أن يكون الجامع قابلا لمتعلّق التكليف بنفسه إذ الجامع إنما هو المسمّى ومعلوم أنه متعلّق التكليف وتلازم بين المتعلّق وبين المسمّى فلا يكون أحدهما متعلّقا للتكليف والآخر بتكليف آخر ، فلا بدّ من أن يكون مرتبة الجامع متحدا مع رتبة المسمّى ، فلو كان رتبة الجامع متأخّرا عن رتبة متعلّق الأمر فلا تكون جامعا فمثل عنوان المطلوب من العناوين ونحوه لا يصحّ أن يكون هو الجامع المسمّى بالصلاة لتأخّر رتبة هذا العنوان عن رتبة المسمّى.

الثاني :

أن لا يكون الجامع متّصفا بالصحّة والفساد لعدم قابليّة الجامع حينئذ بين الافراد الصحيحة بناء عليها فيكون الجامع مركّبا.

٦٤

الثالث :

انه لا بدّ أن يكون بسيطا على وجه لا يكون قابلا للزيادة والنقيصة بناء على الصحيح ، ولو كان مركّبا يتّصف بالصحّة والفساد كما عرفت.

الرابع :

انه لا بدّ أن لا يكون الجامع مفهوما عقليّا لعدم القابلية للجامع ، فان الألفاظ موضوعة بإزاء الحقائق لا بإزاء المفاهيم العقلية ، فلا يصحّ أن يكون اللفظ موضوعا بإزاء مفهوم المطلوب بل بإزاء الواقع الحقيقي ويسأل عنها المسمّى بالصلاة.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم قيل في تصوير الجامع اما من جهة المعلولات كما قيل بأخذ العنوان أو الغرض أو المطلوب ، واما من ناحية العلل ، واما من ناحية الوضع ، فنقول :

أما الأول :

وهو أن الجامع إذا كان من ناحية المعلولات فتكون أفراد الصلاة من الصحيح التام الاختياري والاضطراري الفاقد الجزء والشرط من الافراد المختلفة بالصورة المتباينات مؤثّرات في الجامع الذي هو أثر واحد للمتباينات التي هي علل كثيرة ، وهو أفراد الصلاة مؤثّرات في معلول واحد فيصدر الواحد عن المتعدد ، انه لا يصدر الواحد إلا من واحد. وأيضا ان جهة المباينة بين الأثرين أو الآثار وحدة الأثر الذي تمسك بها بعض لا يجدي من جهة إمكان أثر ما في تمام موارد المتباينات كما

٦٥

في خصال الكفّارات والحال لم يقل بجامع فيها أحد ، ولم يعقل من جهة عدم إمكان قصد القربة التي هي مقدّم بمرتبتين عن الموضوع له في الموضوع.

وأما الثاني :

وهو أنه إذا كان من ناحية العلل ، فلعدم إمكان ناهي الفحشاء في تحت قدرة العبد كما هو الشأن إذا لم يكن أمرا اختياريا وإلا فلا في الأسباب والمسببات التوليدية في إمكان الجامع فلذا لم يكن تعلّق التكليف به فلا يكون موضوعا بل المقام نضير صيرورة الزرع سنبلا والبسر رطبا ، فلا يتعلّق عليه التكليف لعدم كونه اختياريا.

وأما الثالث :

فلمّا عرفت سابقا فلعدم إمكان الأفراد مرآتا للعام ، بل المقام عكس ذلك ، فتحصّل أن العنوان لا يمكن أن يكون جامعا ، وبعبارة أخرى ان العلّة إما أن تكون علّة تامّة أو جزء علّة أو معدّا ، وعلى أيّ وجه كان ، امّا أن يكون جزء الأجزاء من العلّة أمرا اختياريا مثل القاء على النار ، أو لم يكن اختياريا فعلى الأول يصحّ أن يتعلّق أمر الأمر به والمسبب ولا فرق حينئذ في التشريعيات أو التكوينيات ، ولا فرق أيضا في هذا بين أن يكون الجزء الأخير أمرا اختياريا والسابق عليه أيضا اختياريا كصعود الدراج المترتّبة ، أو غير اختياري ، أو الكل اختياريا إذا فرض العلل من حيث العرضية إذا اجتمع جماعة إلى إلقاء شيء إلى شيء آخر فعلى الأول وهو أنه إذا كانت العلّة تامّه يكون طوليّا ، والمقدّمة على الآخر

٦٦

تكون معدّا له بحسب المراتب وعلى الثاني يكون الجميع علّة تامّة فيكون كلّ واحد جزء علّة ، وأما إذا لم يكن الجزء الأخير اختياريّا اما أن يكون جزء الأول اختياريا كالزرع أو الوسط كالسقي على أيّ تقدير لا يصحّ تعلّق أمر الآمر بالجزء الأخير من العلّة لعدم كونه تحت القدرة والاختيار فلا يتعلّق عليه التكليف ، وإذا كان أحد جزء من أجزاء العلل غير الأخير تحت قدرة المكلّف واختياره يكون هو الداعي المعروف على الألسنة بعد كون هذا القسم من أفعال التوليد مثل الأول كما إذا تعلّق الأمر بالسبب بكون المسبب عنوانا له مثل إلقاء في النار وان الإلقاء بما أنه إحراق ، وإذا تعلّق الأمر بالمسبب يكون السبب من المقدّمات لكن لا مثل المقدّمات الأخيرة حتى تكون مقدّمية من باب حكم العقل أو غير ذلك بل تكون مقدّمية من حيث هو هو فتكون مقدّمية بالحمل الشائع الصناعي ، ومن ذلك الباب اختلفوا في رفع الخبث ، ورفع الحدث فان رفع الخبث من القسم الأول من جهة تعلّق الأمر تارة على السبب كما في الخبر : «اغسل ثوبك عن بول ما لا يؤكل لحمه» ، وتارة بالمسبب كما في قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) فيستكشف من الموردين تعلّق الأمر بأحدهما عين تعلّقه على الآخر بخلاف رفع الحدث ، وذهب بعض بأن التطهّر في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) ليس أمرا متحصّلا من الغسل معدّا له ، وهو أمر معنوي بيد الله تعالى وبيد ملائكته المقرّبين فيكون من القسم الثاني. وذهب بعض بأن التطهّر أيضا من القسم الأول وهو التوليدية لأنه لا فرق بين الغسل والوضوء ، فقد تعلّق الأمر في الوضوء بالسبب في قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ....) وتعلّق الأمر بها في السبب ، فلا فرق بينهما فيكون من القسم الأول من

٦٧

التوليدية ، فعلى أيّ وجه كانت ، هذا ضابط ملاكات الأوامر تكوينا كان أو تشريعا ، وسيجيء زيادة توضيح في مقدّمة الواجب ، ومما ذكرنا يظهر أنه لا يعقل أن يكون ناهي الفحشاء وغيره جامعا بين الافراد الصحيحة بعد كونه من الأفعال التوليدية ، ليس في الاختيار ، لعدم كون ناهي الفحشاء وغيره تحت اختيار العبد. وقد عرفت عدم صحّة تعلّق الأمر به ، فتحصّل أن الذي تصوّر الجامع بين أفراد الصحيح فقد خلط بين القسمين وفرض الملاكات التي في القسم الثاني من الاعدادية من جملة القسم الأول من التوليدية والحال فرق واضح بين الاعدادية والتوليدية التي جمع في المقام لما ذكرنا مرارا ومضافا إلى ما قالوا : أغمضنا عمّا ذكرنا وقلنا بأن التساوي بين الاعدادية والتوليدية بامكان العنوان قدرا جامعا ، فلا يعقل إجراء البراءة في الأقل والأكثر في المقام مثل الصلاة وغيره ، لأن الشك حينئذ يكون شكّا في العنوان المحصّل ، فلا نعرف أحدا يلتزم في مورد المحصّلة بالبراءة فتحصّل مما ذكرنا كلّها عدم إمكان الجامع في المقام عند الصحيحي أصلا وعند الأعمى بطريق أولى ، أما تصوّر الجامع على القول بالأعمى ، ومنه «المحقق القمّي» : هو المسمّى بالصلاة الشامل بالأركان فقط وغير الأركان فخارج عن المسمّى ، إلا أن الشارع اعتبرها في المأمور به.

أقول :

يحتمل أن يكون منشأ التوهّم في قوله : «لا تعاد الصلاة إلا من خمسة».

٦٨

وفيه :

انه مخصوص في صورة النسيان.

وأيضا يصدق المسمّى بفقدان الأركان كما انه لا يصدق مع الوجدان في بعض الأحيان ، وإن أراد منه خصوص الأركان جميعا في حال الاختيار يلزم عدم صدق الصلاة على صلاة من لم يتمكّن من الأركان تامّة ، وإن أراد منه خصوص الأركان بجميع مراتبها ، وغيرها أما خارج عنها عند وجودها ، وأما داخل له ، فعلى الأول : يلزم إطلاق الصلاة على تامّة الأجزاء والشرائط مجازا من باب إطلاق لفظ الموضوع للجزء للكل ، وهو كما ترى ، وعلى الثاني : يلزم عند الوجود داخلا على المسمّى ، وعند عدمها خارجا عنه ، ويلزم إشكال كون الشيء داخلا تارة في الماهيّة وخارجا عنها أخرى مع اختلافها ، ولو توهّم كونه من قبيل التشكيك من حيث الشدّة والضعف مثل السواد الضعيف والشديد ، وفيه : ان التشكيك إنما يتصوّر في البسيط كالسواد ، لا مختلفي الحقيقة كالصلاة.

ومنها :

الصلاة موضوعة لمعظم الأجزاء.

وفيه :

اما أن يكون هذا موضوعا لمفهوم المعظم ، واما أن يكون موضوعا للحقيقة الواقعية لها.

٦٩

أما الأول : فان المفاهيم التي لا موطن لها إلا بالعقل ولا يصحّ له الوضع.

وأما الثاني : فان المعظم يختلف باختلاف حالات المكلّفين ، يكون معظما بالنسبة إلى بعض المكلّفين وغير معظم بالنسبة إلى البعض الآخر ، فيعود الإشكال وهو : كون الشيء داخلا عند وجوده وخارجا عند عدمه ، وإطلاقها على التامّة الكاملة بالمجاز بعلاقة الكل والجزء ، هل يحتمل أن تكون موضوعة لمعظم الأجزاء ، فتكون من قبيل الكلّي في المعين «كصاع من صبرة» ، فالصلاة إذا كانت موضوعة لمعظمها من الأجزاء «كصاع من صبرة» فلا يصير تبادل المعظم كثرة وقلّة بحسب اختلاف الحالات.

وفيه :

ان عدم كونه محفوظا مع اختلاف حالات المكلّفين يكون في غاية الإشكال.

ثم ان للنزاع بين الصحيحي والأعمى ثمرتين ، فعلى الصحيحي عدم جريان البراءة عند الشك. في الأجزاء لكونه في المحقق والحصول ، ولا يمكن التمسّك باطلاقات الصلاة ، والزكاة ، وغيرها من جهة عدم العلم بثبوت الحقيقة الشرعية من ألفاظ الصلاة وغيرها من ألفاظ العبادات بخلافه على الأعمى فيتمسّك بالإطلاقات وذلك في صحيحة حمّاد ؛ باطلاقات قوله : «إنما الصلاة ذكر ودعاء وركوع وسجود ، وليس فيها شيء من كلام الآدميين» ، فينفي جزئية المشكوكة لعدم التقييد بالمشكوك

٧٠

أو فرض أنها وارد في مقام البيان لمعنى الصلاة أما إذا كان واردا في بيان ما هو المأمور به فيتمسّك أيضا على الأعمى فينتفي جزئية المشكوك لعدم التقيّد به فلا يتمسّك على الصحيحي بالإطلاقات لاحتمال كون المشكوك دخيلا في الصلاة فالمورد يكون جريان قاعدة الاحتياط على الصحيحي والبراءة على الأعمى.

وبالجملة :

فلا يتمسّك بإطلاقات الصلاة في صحيحة «حمّاد» ، ولو فرض كون الصلاة اسما لذلك الجامع على الصحيحي لكونه كاشفا في الحصول على القولين إلا أن يكون في مقام البيان ، فيصحّ التمسّك على الأعمى.

أما ثمرة الثانية :

وقيل بعدم الفرق في الأصول العملية بين القولين في الرجوع إلى البراءة والاشتغال عند فقدان الأصول اللفظية ، والتحقيق التفصيل بينهما ، فعلى الصحيحي مورد جريان قاعدة الاشتغال من جهة كونه بسيطا ، والشك فيه شكّ في الحصول.

وعلى القول بالأعمى جريان قاعدة البراءة للقطع بصدق اللفظ على القاعدة ، فيكون الشكّ في اعتبار أمر زائد عليه شكّا في القيد ، فيرجع إلى أصالة الإطلاق فهذا على طريقة القوم.

٧١

وأما المختار :

وفاقا للشيخ الأنصاري وغيره من الأساتيد ، ان الصلاة موضوعة للصلاة الكامل الاختياري التام الأجزاء والشرائط ، وغيرها بدل عنها من الصلاة الصحيحة الفاقدة الجزء والشرط المشروعة ، فيتعلّق التكليف باتيان نفس الأجزاء ، فيكون من موارد جريان قاعدة البراءة عند الشك في أجزائها والثمرة بينهما يرجع بالأصول العملية لا بالإطلاقات ولكن في الكفاية بعكس ذلك فانه ـ قدس‌سره ـ يتمسّك بالإطلاقات بأنه لا يقيّد الإطلاق بالجزء المشكوك عن الشك في الأجزاء ، أما المعاملات : الظاهر من كلام الشهيد في القواعد لا يطلق على الفساد إلا الحج فان وضع ألفاظها للصحيح وينسب إليه عدم الفرق بين العبادات والمعاملات وعلى ذلك عدم جواز التمسّك بالمطلقات في باب المعاملات ونفي ما شكّ في اعتباره كالماضوية واعتبار العربية ، ولازم قوله التمسّك بالاحتياط مع انه جرت السيرة التمسّك بالإطلاقات في باب المعاملات.

وفي دفع هذا الإشكال ان قلنا ، الوضع في ألفاظ المعاملات للأسباب كالبيع وكسائر العقود فيتمسّك بالمطلقات فيما تجري قاعدة البراءة فيما شكّ فيه إذا كان وضعه للصحيحة ، حيث انها أمور عرفية عقلائية ، فهي ليست بمجعولة للشارع إنما هو ممض للفعل العقلائي إما أن يكون الامضاء منه راجعا الى الأسباب وامّا أن يكون راجعا الى المسببات إن قلنا انّ ألفاظ المعاملات موضوعة للمسببات فيكون المراد من البيع هو السبب فيكون المسبب البيع بمعنى اسم المصدر ، والشكّ في الحصول فتجري حينئذ قاعدة الاحتياط ، فالمطلقات في هذا الباب تكون واردة في مقام إمضاء

٧٢

المسببات كتجارة عن تراض ، ونحوه إلا قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الظاهر منه إمضاء للأسباب.

ورد بأنه أيضا إمضاء للمسببات لأن السبب هو الإيجاب والقبول آنيّ الحصول بخلاف المسببات ولها ثبوت وبقاء ، فلا يمكن التمسّك بمطلقات أصلا في المعاملات فيكون المورد قاعدة الاحتياط.

فان قلت :

ان إمضاء السبب إمضاء للمسبب وإلا يكون لغوا ، فيكون المورد للتمسّك باطلاق الألفاظ.

قلت :

انه لا ملازمة بينهما كما يظهر من صاحب المكاسب الميل إليها اما اللغوية فلا يلزم منها بل يقتضي إمضائه في الجملة فلا يتمسّك باطلاق المعاملة. هذا ، بل التحقيق في حلّ الإشكال كما اختاره بعض الأساتيد ، ان باب العقود والإيقاعات ليست من باب الأسباب والمسببات ، وان أطلق ذلك بل إنما هي من باب إيجاد بالآلة ، والفرق بين باب الأسباب والمسببات وبين الإيجاد بالآلة هو أن المسبب في باب الأسباب لم يكن بنفسه فعلا اختياريا للفاعل بحيث. يتعلّق به إرادة أولا بالذات مثل الفعل الاختياري للفاعل والمتعلّق به الإرادة هو السبب ويلزمه حصول المسبب قهرا وهو الإحراق بعد إلقائه بخلاف باب الإيجاد بالآلة كالكتابة ، والخط الموجود بالقلم الصادر باختيار الفاعل وإرادته

٧٣

بخلاف السبب كالإلقاء إلى النار ، وانه وإن كان السبب فعلا اختياريا لكن الإحراق ليس باختيار الفاعل بل يحصل قهرا والعقود والإيقاعات من باب ما يوجد بالآلة كالنجاريّ والبنّائي ، وكالخط وأمثال ذلك ، فليست من قبيل السبب والمسبب حتى يترتّب عليه قهرا فالبيع وأمثاله من قبيل انه فعل اختيار للفاعل ومتعلّق باختياره ، فكل ما كان إيجاديا كالبيع هو بنظر العرف مندرج تحت إطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، فيكون العقد بغير العربي مصداقا لإيجاد البيع بنظر العرف فيدخل تحت قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) فيشمل إطلاق حلّية البيع بذلك ، وهكذا سائر الأدلّة فيرتفع الإشكال ، وهو الرجوع إلى قاعدة الاحتياط في باب المعاملات ، مع ان القوم إلى البراءة ، وقد ظهر مما ذكرنا أن منشأ الإشكال هو تخيّل كون المنشأ بالعقود من قبيل المسببات التوليدية ، فيشكل فيه من جهة أن إمضاء المسبب لا يلازم إمضاء السبب والحال ان الأمر ليس كذلك فتأمّل جيّدا.

السادس :

في المشتق انه قبل الشروع في البحث لا بدّ من تصوّره وتعيين ما هو المعروف عندهم ، وهو انه بعد الاتفاق بأنه حقيقة في الحال ومجاز في الاستقبال ، اختلفوا في أنه هل هو حقيقة في منقضي عنه المبدأ أو مجاز على قولين ، أما كونه حقيقة في الحال ، فان قيام العرض بمحلّه فعليّ ، وصدور العنوان عليه حقيقي ، وأما كونه مجازا في الاستقبال فان المشتقّ عنوان حاصل من قيام العرض بمحلّه ، وهو في المستقبل بلا

٧٤

حصول ، وليس بمتلبّس بمحلّه ، فلا يصدق العنوان حقيقة ، وأما في منقضي عنه المبدا وصحّة استعماله فيه متّفق عليه ، وأما كونه حقيقة أو مجازا خلافيّ وتحقيق ذلك يستدعي ذكر أمور ، بأنه هل يمكن استعماله في منقضي عنه المبدا بطريق الحقيقة أو المجاز أو لا يمكن أصلا فلا بدّ أن يعلم موارد جريان النزاع فيه.

الأول :

ان المعتبر في جريان النزاع عندهم لا بدّ أن تكون المباينة بين الذات والمبدا ، ولا بدّ بقاء الذات والصورة النوعية بعد مضيّ المبدا فعلى ذلك لا يصحّ استعمال الجوامد في منقضي عنه المبدا ، فلا يقال : بالتراب هذا الإنسان بعد مضيّه وتبدّله بالتراب لعدم بقاء صورة الإنسانية وذات الإنسان ، فلا يجري النزاع بأنه هل هذا حقيقة أو مجاز فيما انقضى عنه المبدا ، فلا يقال بالتراب : هذا إنسان بعلاقة ما مضى بأنه كان إنسانا لعدم العلاقة المصححة للمجازية في الجوامد لعدم جامع محفوظ فيه بين حالة الوجود والعدم ، فلا يعقل بينهما علاقة ، فالمبدأ هو الإنسانية للانسان ، فبعد تبدّله بالتراب لا يبقى ذات بخلاف المشتق فان العلاقة المصححة مجوزة لاستعماله في المنقضي لإمكان جريان النزاع فيه بأنه بعده هل هذا حقيقة أو مجاز فيما انقضى عنه.

الثاني :

انه ليس المشتق عبارة عن اسم الفاعل والمفعول وساير الصيغ المعروفة ، كاسم الزمان والمكان حتى يكون المتنازع فيه هذا كما قيل ، بل

٧٥

كل مفهوم جار على الذات ولم يكن المحمول ذاتيّا كالجوامد «كهذا حجر» أو «هذا إنسان» ونحو ذلك ، أو لم يكن المحمول منتزعا عن مقام الذات كهذا واجب ، وكهذا ممكن ، وإن كان في الأخيرين منافسة لكونهما مشتقّا ولكن قد عرفت عدم جريان النزاع فيما لم يكن الذات باقيا بانقضاء المبدا والأعراض لكونها في غيرها ولغيرها ، فوجوداتها النفسية هي بعينها الرابطية يصلح أن يلاحظ باعتبارين ويكون معرضه باعتبار الأول يعني بشرط لا مباينا لموضوعه وعرضا غير محمول وباعتبار الثاني يعني إذا لوحظ لا بشرط متحدا معه وعرضا مقولا لا يجري النزاع فيه بخلافه على الأول لمباينة المبدا بالذات وانه آب عن الحمل.

الثالث :

إن المشتق عبارة عن وصف جار على الذات قيامه بموضوعه من دون أن يكون للزمان مدخلية في حقيقته.

الرابع :

إن المشتق المتنازع فيه ليس عبارة عن العرض والعرضي كما ذهب إليه «صاحب الكفاية» ، إلا أن يكون المراد الغير المتعارف فان التعبير عن خارج المحمول بالعرض ، وعن المحمول بالضميمة بالعرضي خلاف المشهور بل المشهور الذي هو داخل في المتنازع فيه عبارة عن وصف مباين للذات محمول عليه متحد معه.

فالمشتق ينطبق على التصرّفات التامّة كاسم الفاعل والمفعول

٧٦

والصفة المشبهة ، واسم الزمان والمكان ، واسم الآلة ، وغيرها التي من التصرّفات التسعة التي مفاهيمها منتزعات من الذات بأنحاء التلبّسات وجرت الصفات على الذات المحمول عليه متحد مع الذات المأخوذ اللابشرط ينطبق أيضا على التصرّفات الناقصة وهو أسماء الأفعال وغيره من الذات التي يجري عليه الوصف بذلك المعنى الأخير كالزوجية والحرّية والرقّية كما في بعض الجوامد لها مصادر جعلية إذا كانت من العرضيات فيمضي المبدا لا يبقى الذات فيمكن جريان النزاع فيه كما إذا كانت اعتباريا التي كانت لها ما بإزاء في الخارج كالمحمولات بالضميمة بلحاظ أحد الأعراض بمحلّها ، وإن كان بمقولة الإضافة والنسبة أو كان من الانتزاعيات التي كانت خارج المحمول العارض بالذات ، وهو ما كان المحمول أمرا خارجيّا عن الذات ولكن من مقتضيات الذات «كهذا واجب» و «هذا ممكن» التي ليس بإزائه شيء في الخارج وعلم مما ذكرنا أن الأمور الانتزاعية كلّها من قبيل الخارج المحمول بحيث لا يكون لها ما بإزاء في الخارج كعلّية العلّة ومعلوليّة المعلول ، فان الموجود الخارجي هو نفس العلّة والمعلول لا علّية العلّة ومعلوليّة المعلول ، فانها منتزعة عن مقام الذات فبمضيّ العلّية والمعلوليّة لا بقاء للعلّة والمعلول حتى يمكن جريان النزاع فيهما ، وعلى مبنى «صاحب الكفاية» جريانها في الانتزاعيات بخلاف الاعتباريات فيمكن جريان النزاع فيها ، فان كلّها من المحمولات بالضميمة التي قيام أحد المقولات بموضوعاتها كقيام العلم بالعالم من مقولة الكيف والكون للجسم وأمثال ذلك سوى مقولات الإضافة لعدم بقاء الذات فانها من خارج المحمول ولا مانع من أن تكون الملكية والزوجية والرقّيّة ونحوها من الاعتبارات

٧٧

العرفية وأمضاها الشارع وإن لم يكون من المحمولات بالضميمة وعلى كل حال داخل في المتنازع فيه كما يشهد عن الإيضاح في باب الرضا في مسألة من كان له زوجتان كبيرتان أرضعتا زوجته الصغيرة تحرم المرضعة الأولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين ، وأما المرضعة الأخيرة ففي تحريمها خلاف فاش من كون المشتق حقيقة في المنقضي عنه المبدا أم لا لأنها خارجة عن الزوجية ، بارضاع الكبيرة الأولى فلا يصدق لكبيرة الثانية أمّ الزوجة بل يقال انها أمّ من كانت زوجة له في السابق ، ولو قلنا بأن المشتق حقيقة في من قضى عنه المبدا تحرم المرضعة الثانية أيضا لانطباق أمّ الزوجة عليها حقيقة ثم ان المعبّر في المشتق المتنازع فيه بقاء الذات مع انقضاء المبدا فان الذات في اسم الفاعل وغيره من التصرّفات باق مع مضيّ الضرب منه وكذلك ساير المشتق ، وعلى ذلك قد يشكل في اسم الزمان فان الذات بنفسه ينقضي وينصرم فليس الذات فيه باقيا فكيف يجري النزاع بأنه هل هو حقيقة ومجاز ، وحلّه هو أن الوضع فيه لمفهوم عام لا لشخصي حتى ينقضي وينصرم ، فالمفهوم عام باق مع انقضاء المبدا كما في مقتل الحسين ـ عليه‌السلام ـ فانه عبارة عن يوم العاشر من المحرّم فان المقتل باق ويتجدد في كل سنة ، وقد انقضى عنه المبدا والقتل.

الخامس :

إن المراد من الحال في قولهم إن المشتق حقيقة في حال التلبّس وحال فعليّة المبدا وتحققه لا حال النطق المقابل للزمان الماضي والاستقبال فيصحّ أن يقال : زيد ضارب وإن كان ماضيا أو مستقبلا بالنسبة

٧٨

إلى زمان النطق مثل أن يقال : زيد كان ضاربا أو سيكون ضاربا غدا فلا ترد الإشكالات المتوهّمة في النحو بالتنافي.

ومنها : لزوم التنافي بين القول بأن المراد من الحال حال النطق وبين القول بأن الأسماء مطلقا لا تدلّ على الزمان سواء كانت من المشتقات أو الجوامد.

ومنها : لزوم التنافي بين القول بأن اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال وإن كان بمعنى الماضي لا يعمل ، وبين القول بأن الزمان ليس مأخوذا في مدلول الأسماء مطلقا مشتقّا كان أو جامدا لعدم كون المراد من الحال والاستقبال في قولهم يعمل عمل فعله حال النطق والاستقبال بل المراد من الحال حال التلبّس بالمبدإ سواء كان في زمان الماضي أو الحال أو الاستقبال ، ولو سلّمنا أن المراد منه حال النطق ولا نسلّم بأنه بالوضع بل بمقارنته بالسين وسوف وكان كقوله : كان قائما ، أو سوف قائما ، وقولهم : إن الجملة الخبرية ظاهرة في تحقق مخبرية في زمان النطق لأجل ظهورها فيه إذا كان مطلقا وغير مقترن بالسين وسوف وكان ولا منافات بين قولهم بعدم دلالة الأسماء على الزمان وبين قولهم : اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال والاستقبال يعمل عمل الفعل ، وقولهم : إن الجملة الخبرية ظاهرة في تحقق المخبرية في زمان النطق ، فان ظهور الجملة إنما يكون لمكان الإطلاق وعدم اقترانها بالرابط الزماني.

ومنها : عدم المنافاة أيضا بين قول الشيخ والفارابي فان كلا

٧٩

منهما غير مربوط بمحل النزاع ، فان كلامهما ان المحمول الذي يكون بالضرورة والإمكان والفعلية ، هل يصحّ حمله على موضوع لم يتلبّس بالوصف العنواني في زمان من الأزمنة إلا أنه ممكن التلبّس أو أنه لا يصحّ إلا إذا تلبّس به في أحد الأزمنة ، فان الموضوع في قولنا : «كل كاتب متحرّك الأصابع» هو ما يمكن أن يكون كاتبا وإن لم يصدر منه الكتابة في زمان على رأي فارابي أو ما يتحقق منه الكتابة في أحد الأزمنة على رأي الشيخ وهذا كما ترى بعدم الربط فيما نحن فيه ، وهو المشتق حقيقة في حال التلبّس ومجاز في الاستقبال ، ومختلف فيه فيما انقضى عنه المبدا كلاهما راجع إلى صحّة الحمل في القضية إمكانا ، المقابل للامتناع.

السادس :

انه هل النزاع في المشتق فيما انقضى عنه المبدا راجع إلى استعمال اللفظ في معناه الحقيقي أو المجازي بالعلاقة أو غلطا أو أنه راجع إلى التطبيق مع الانطباق يتّصف بالصدق وعدمه بالكذب ولا يتّصف بالحقيقة والمجاز فاذا انطبق مفهوم المشتق في ما انقضى عنه المبدا فيكون صادقا فيكون من مصاديقه الواقعي وإلا فيكون كاذبا ، ربما قيل بأن النزاع راجع إلى الثاني ، والتطبيق موقوف على معرفة الموضوع له للمشتق ، والكلام بعد في أصل المفهوم وما وضع له ، فكيف يكون في الصدق والتطبيق مع انه صدق المفهوم الكلّي على مصاديقه أمر واقعي تكويني دائر مدار الوجود والعدم ، فلا معنى لرجوع النزاع فيه إليه ، فلو علم معنى أن منقضى عنه المبدا من مصاديق الواقعي ، فصدقه تكويني وإلا فلا يصدق له ، فرجوع النزاع يكون إلى الأول بلا إشكال ، ورجوعه إلى

٨٠