الذخر في علم الأصول - ج ١

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٢
الجزء ١ الجزء ٢

وهو بصريح لفظه يتضمّن إيجادية المعنى وحصوله لمعنى آخر ويستلزم الأول قصر موطنه بالاستعمال وإلا لم يكن إيجاديا ، والثاني فنائه في ذلك الغير وإلا كان في نفسه كما عرفت ، وفي بعضها الآخر هكذا والحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم ولا فعل ، والأول باعتبار علوّ المضمون وبعده عن أذهان الناقلين وتصوّر أنظارهم في الأغلب عن الوصول إلى مثله أقرب إلى الصدور من الثاني وكلاهما منطبقان على أن الحروف ذوات معاني تحت ألفاظها وليست علائم محضة ، والمعنى تحت لفظ آخر ، أما الأخير فظاهر ، وكذلك الأول أيضا إذ مع الغضّ عن مرجع الضمير المضاف إليه لفظ الغير في كونه هو المعنى لأنه أقرب إليه لأن الحروف المذكورة في صدر الكلام ورجوع حاصل المعنى حينئذ إلى أن الحروف ما أوجد معنى حاصلا في غيره لا أنه ما أوجد معنى للفظ آخر غير لفظه. ولا يخفى صراحيّته في أدائية الحرف إيجادية معناه وانهدام أساس علاميّته بذلك والجمع بين الأمرين جمع بين طرف النقيضين كما تقدّم.

وبالجملة :

فعدم انطباق الحديث المبارك إلا على ما حققناه في غاية الظهور بل البداهة وهو أعلى المعرّفات وأجمعها لجميع الجهات المميّزة للمعنى الحرفي وواضح انطباقا عليه من جميع التعاريف الدائرة في ألسنتهم كيف؟.

وأشهرها وأخصرها وأجمعها للجهات المذكورة هو قولهم : ان

٤١

الحرف ما دلّ على معنى في غيره ، وقد اقتبسوه من كلامه ـ ع ـ وأفسدوه بتبديل كلمة «أوجد» بكلمة «دلّ» ، فخرج به التعريف عن تمامية الانطباق على المعرف وفسد من جهة أخرى ، هل ظهور الدلالة في كون المعنى إخطاريا مبائنا للمعاني الاسمية من هذه الجهة والظاهر أن يكون منشأ ذلك عدم التنبّه لإيجادية المعنى الحرفي إلا قريبا من عصرنا ، ومن هنا لم نقف له على عين ولا أثر في كلمات السابقين إلا عن النائيني ـ قدس‌سره ـ وسيما من اليهم كل أحد بفطرته ما يجار فيه فكره الأدهى.

المقام الثاني :

في تحقيق ان المعاني الحرفية هل هي خاصة أو عامّة؟ وقد اختلفوا فيه على أقوال ثالثها التفكيك في عمومها وخصوصها بين مرحلتي الوضع والاستعمال ، ولا بدّ من تحقيق المقام من تقديم أمور :

الأول :

ان مقتضى ما تقدّم من تقدّم معنى الحرفي بالحصول في موطن الاستعمال لغيره والفناء عن هوية ذاته وإن كان عدم إمكان تصوّره عن الوضع إلا بوجه وبتوسّط المفاهيم الاسمية المنطبقة عليه ، لكن بعد وضوح كفايته فيما يتوقّف عليه الوضع في تحديد هذا المعنى على كل تقدير وبداهة ان كل ما يوجد في موطن الاستعمال بأدائه ، هو الذي وضعت الأداة لإيجاده دون غيره ، وإلا من محض العبث واللغو دون

٤٢

وضع اللفظ لمعناه ، فالتفكيك في عموم المعنى وخصوصه بين المرحلتين مضافا الى ابتنائه على دخل الخصوصيّات اللاحقة من أنحاء الاستعمالات في المستقبل فيه ، وسنوضّح فساده مما لا يرجع الى محصّل بل ولا يليق أن يعدّ في عداد الأقوال كما لا يخفى اللهم الّا أن يرجع الى دعوى عدم انفكاك المعنى الحادث بالأدوات عن اختفائه بالخصوصيّات فيرجع الى القول الثاني كما لا يخفى.

الثاني :

بعد أن تبيّن أن المعاني الحرفيّة هويّات ايجاديّة تنطبق على كل واحد منها عنوان اسمى هو تمام هويّته المغفول عنها عند حدوثه والمقول عليه في جواب ما هو فمرجع البحث عن كليّة تلك المعاني أو جزئيّتها انّما هو الى البحث عن وحدة المعنى الحادث بكل أداة في جميع استعمالاتها وانطباق العنوان المذكور على الجميع بما أنّه واحد أو تعدده بتعددها وانطباق ذكر من العنوان الحادث بكل استعمال من حيث شخصه لا الى البحث عن صلاحيتها للانطباق على ما في الخارج مثلا عن كثيرين أو عدم صلاحيّتها لذلك كما اليه يرجع البحث عن كليّة المفاهيم الاسميّة أو جزئيتها حسب ما عرفت في موضوع هذا البحث في المقام ونعوته عن أصله وبالجملة الجزئيّة والكليّة كنفس انطباق المفهوم على المصداق معاكسة في المقامين كما قد عرفت وبعدا خص ذلك وغير واحد وجعلوا الجزئيّة والكليّة عنها في التعيين عن واد واحد وقد وقع ما وقع من الخلط والاشتباه من ذلك فلا تغفل.

٤٣

ذلك ولا تغفل.

الثالث :

انه بعد ما تبيّن ما هو المتنازع فيه المقام من جزئية المعاني أو كلّيتها ، فلا يخفى أن منشأ النزاع هو تقوّم تلك المعاني بما أنها هو تخصصها بالخصوصيات اللاحقة من جهة الإيجادية وكونها حاصلة في غيرها ولغيرها ، ولا إشكال ولا خفاء في خروج نفس الخصوصيات المذكورة عن حقيقة المعنى ، وإنما الإشكال والخلاف في دخول التقيّد بها أو خروجه عن تلك الحقيقة ، ومرجعه إلى أنه بعد الفراغ عن كون المعنى متقوّما بحصول مفهوم آخر حصول العرض لمحلّه ولو كونه إيجاديا تحدث في موطن الاستعمال بأداته فهل التصوّر بوجهه حال الوضع والموضوعية تلك الأدوات الإيجادية ، كذلك هو عبارة عن إيجاد ما يوجد بكل استعمال من الخصوصية الحاصلة فيما هو متخصص بها بما هي حاصلة فيه كي يتعدد المعنى بتعدد الاستعمال بتباين ما هو حاصل فيه أداة وأن كان المعنى متقوّما كما ذكرنا بالحصول في غيره ولغيره وكان إيجاديا يوجد بهويته في موطن الاستعمالات التركيبية بأدائه لكن حيث لا خفاء في أن الخصوصية الخارجية الحاصلة في استعمال أداتها في طيّ التركيب خاص لمفهوم بخصوصه ، كقولنا : سرت من البصرة إلى الكوفة ، وقولنا : يا زيد ـ مثلا ـ هي بعينها الحاصلة هنا في طيّ تركيب آخر لمفهوم آخر كقولنا : رجعت من الكوفة إلى البصرة ، أو قولنا : يا عمرو ـ مثلا ـ ويرجع إنكار ذلك إلى مكابرة الضرورة ، فلا مجال حينئذ لإنكار

٤٤

أن المعنى الحادث بالأداة في جميع استعمالاتها هو خصوصية متحدة بالحقيقة حاصلة لجميع ما تخصص بها بما هي حاصلة بعينها للآخر ولا سبيل إلى دعوى المغايرة بحسب السنخ والحقيقة كما في الحاصل من الأداتين ، فحينئذ ينحصر ما يصلح موجبا للمصير إلى المغايرة الحادثة بكل استعمال لما تحدث بالآخر فيما ذكر من الأمرين إذ لا ثالث في البين ، وليس شيء منها صالحا لذلك ، أما تقوّم المعنى بالحصول في غيره ولغيره فلعدم صلاحيته لذلك ظاهر إذ بعد أن تبيّن مما قدّمناه أن المعاني الحرفية هي في عالم المفاهيم أعراض لاحقة بما ينضمّ إليه في التراكيب الاستعمالية بلحوق الأعراض العينيّة لموضوعاتها وانها جارية مجرى تلك المقولات فما يكون به أعراضا حاصلة لغيرها وفي غيرها فلا جرم يكون تقوّمها بذلك أيضا بعينه من سنخ تقوّم تلك المقولات بذلك ومن جزئياته ، وكما أنه لا يرجع التقوّم المذكور في باب الأعراض العينية إلا إلى مرحلة تحصّلاتها الخارجية من حيث أنها لا يعقل لها تحصّل بغير ذلك لا إلى مرحلة تعين هوياتها وتقوّم ذواتها بذلك بما هي بياض أو سواد غير ذلك كي يباين حقايق الأعراض بتعدد محاله ، ويكون بياض أحد الجسمين مباينا لبياض جسم آخر فيما يكون به بياضا ونحو ذلك فكذلك في المقام أيضا حذو النعل بالنعل فتدبّر جيّدا ، فانه غاية ما يقتضيه تقوّم الخصوصية الربطية وغيرها بالحصول في التراكيب الاستعمالية بالحصول لمفهوم آخر إنما هي عدم إمكان تحققها بما هي تلك الخصوصية إلا كذلك ، لا اناطة كونها في حدّ ذاتها تلك الخصوصية بذلك وبينها من البون البعيد ما لا يخفى.

٤٥

وبالجملة :

فليس التقوّم المذكور من شيء من البابين راجعا إلى مرحلة تعيّن ذات العارض وتقوّم هويته بذلك وإنما مرجعه فيهما جميعا إلى مرحلة الحصول والتحقق من جهة واحدة وبملاك واحد مطّرد هو عدم الاستقلال في التحصّل والافتقار في ذلك إلى الحصول في شيء آخر وكون التحصّل المذكور راجعا في أحدهما إلى تقرر في عالم العين وفي الآخر تحصّلا في المفهومية من حيث أنها هي المناسب له وموطنه اللائق به هو الذي أوجب الوهم والخلط بين المرحلتين وأخفى ما بينهما من البون البعيد فلا تغفل.

وأما كونه إيجاديا توجد بهويته في طيّ التراكيب الاستعمالية ، فعدم صلاحيته لذلك أظهر ، إذ ليس البحث في هذه الجهة إلا من جزئيات البحث عن وجود الطبيعي وان متعلّق الإيجاد ومفروض الوجود هل هو نفس الطبيعة التي هي تمام الذاتي أو القدر المشترك المحفوظ في جميع أفرادها ، والمشخّصات الفردية راجعة بها مساوقة لوجوداتها في رتبة واحدة ملازما بكل منها للآخر وان تشخّص الطبيعة مقدّم رتبة على وجوداتها ومعروضها هو الماهيّة المتشخّصة ، أو أنه لا هذا ولا ذاك وإنما الموجود الخارجي هو نفس الاشخاص بما هي متمايزة متباينة ، وليس الطبيعي إلا مجرّد انتزاع غير متحصّل ولا متأصّل ، وإذ قد تبيّن في محلّه كما عليه المحققون من انحصار الوجه في الأول وعدم رجوع الآخرين إلى محصّل ، فلا محال للتشبّث في دعوى خصوصية المعاني الحرفية بديل إيجاديتها ، كما صنعه غير واحد ممن يرى وجود

٤٦

الطبيعي من أوضح المباني ، كما هو كذلك ، وهل الخروج عن مثل هذا المبنى في حصول المقام إلا غفلة واضحة.

ويشبه أن يكون عليه المحقق الشريف على إحداث القول بالجزئية في المقام وإن لم ينحصر في عباراته ، حتى أجدد النظر فيها ، هو ذهابه في تلك المسألة إلى وجود الأشخاص بما هي متباينة وانتزاعية الطبيعة عنها ، كما هو ظاهر المحقق التفتازاني وغيره ممن هو طبقهم ، فيرجع دعوى تخصيص المعنى بما هو حاصل فيه إلى دعوى تشخّصه به ، ويكون تخصيصه بالذكر لكونه من المشخّصات المطّردة اللازمة لذات المعنى ويستقيم على هذا المعنى ، وإلا فعدم تقوّم العرض في حقيقته وذاته أو كون المقام من جزئياته ، مما لا يليق بالاختفاء على مثله ، وقد وافقه فيما اختاره في المقام من لا يوافق في ذلك المعنى غفلة من الانتباه على كل حال.

فقد اتّضح مما حررناه أن البحث عن جزئية المعنى وكلّيته ، إنما هو بهذا الاعتبار ، وان مرجع القول بجزئيّته ، إنما هو إلى أن الحادث بكل واحد من الاستعمالات هو شخص خاص من المعنى ، متقوّم بما هو حاصل فيه ، مغاير بهذا الاعتبار لما يحدث باستعمال آخر في مفهوم آخر ومرجع ما هو المختار عندنا من كلّيته ، إنما هو إلى أن الحادث بكل استعمال والحاصل بكل مفهوم هو بعينه الحادث في الآخر واللاحق للآخر من غير دخل بشيء من خصوصيّة المحل ولا غيرها من الخصوصيّات اللاحقة في أنحاء الاستعمالات في حقيقة المعنى لا وضعا ولا استعمالا وان كانت اما مقوّمة لتحصله على حدّ تقوم كل عرض بذلك أو مشخّصة بوجوده على حد

٤٧

تشخّص كل متحصّل خارجي من أيّ مقولة كان بما لا ينفكّ عنه وجوده وغير خفيّ أنه على القول الأول يكون كل شخص في المعنى كبياض جسم خاص بما هو بياضه عبارة عن تشخّص نفسه ولا ينطبق عنوان ذاته الّا على نفس ذاته كما هو مناط كون الشيء جزئيّا حقيقيّا ولا مساس له على هذا القول بباب الجزئي الإضافي أصلا.

وأما على ما هو التحقيق عندنا وفاقا للنائيني ـ قدس‌سره ـ كلّيته ، فهو وإن كان نفس المعنى حينئذ كلّيا غير متقوّم في حدّ مفهوميّته بالخصوصيات المختصّة به كما أوضحناه ، لكن حيث ان المفاهيم الاسمية المنطبقة على آحاد تلك المعاني لمفهوم الربط والإضافة والنسبة مثلا إلى النسبيات ، وكذلك النداء والإشارة والخطاب وغير ذلك من العناوين الخاصة الصادقة على غير النسبيات ، إنما تكون منطبقة عليها بما يجمعها نفس ذلك الجامع ، فهذا الاعتبار بكون كل نوع عن المعنى الموضوعة له أداة خاصة جزئيا إضافيا يكون منوعه جزئيا من جزئيات ذلك العنوان وكلّيا بالنسبة إلى آحاد ما يوجد منه في آحاد الاستعمالات كما لا يخفى.

وأما البحث عن كلّيته وجزئيته باعتبار أنه هل ينطبق على ما في عالم العين في كثيرين أم لا؟.

فقد عرفت أنه لا موضوع لهذا البحث أصلا ، كيف؟ ، وقد اتّضح فيما تقدّم أن الانطباق على ما هو متحصّل في موطنه المناسب له من العين الخارجي مثلا ، أو غير ذلك ، إنما هو شأن المفاهيم الاستقلالية

٤٨

المعرّاة عن كل متحصّل فانها بهذا الاعتبار هي الصالحة للتقرر في أيّ وعاء والانطباق على كل متحصّل امّا اذا لوحظت في وعاء خاص من الذهن مثلا أو غير ذلك ، فلا يعقل لها انطباق على غيرها إذ هي بما أنها متحصّلة هناك فرد خاص وجزئي حقيقي لا يعقل أن ينطبق إلا على نفس ذاته ، فكيف بما هو متقوّم في ذاته بأن يكون حاصلا في موطن الاستعمال عرضا لمفهوم آخر ، وهل يعقل لمثله الحصول في غير موطنه أو القيام لغير محلّه أو الانطباق على غير نفسه أم هل يتصوّر أن ينطبق على الخارجيات ولا يحمل ، لا هو عليها ولا عوارضها عليه ، كما هو شأن المفاهيم الخارجية مع مصاديقها أو ينفكّ عن الاستقلال في المفهومية مع ذلك. وتقدّم من أن للنسبة جهة من النفس الأمرية فقد عرفت أن مرجعه إنما هو مطابقة ما يوجد من مصاديقها في موطن الاستعمال رابطا بين المفاهيم ، لما هو في نفس الأمر بين الحقائق أو لمخالفته له ، ولا مساس له بباب الصدق والانطباق الراجع إلى الاتحاد الموجب لصحّة الحمل أصلا ، وإنما ينطبق على كل منها عنوان الإضافة والربط والنسبة مثلا ، إذا لوحظ شيئا في نفسه ، وإن كان يخرج بذلك عمّا هو عليه كما عرفت. ثم لا يذهب عليك أنه يلزم حينئذ أن يكون لحوق هذه الخصوصية التي لا موطن لها إلا الاستعمال كلحوق وصف الكلّية التي لا موطن لها إلا العقل موجبا لعدم انطباق متعلّقاتها على الخارجيات ، واندراجها بذلك في كلّيات العقليات ، كما قد أفيد ، كيف؟ ، وقد عرفت أن مناط عدم انطباق الكلّي العقلي على ما في الخارج هو أنه مفروض التحصّل في موطن العقل وفردا عقليّا من الطبيعة فلا يعقل أن ينطبق بما هو متحصّل هناك على فرد آخر هو متحصّل في

٤٩

موطن آخر ، ولا عبرة لنفس العارض في ذلك أصلا ضرورة أن تقوّمه بما هو عارض كذائي بالحصول في موطن خاص مما لا يعقل أن يسري إلى المعروض من حيث نفسه بل قد يكون نفس الانطباق الخارجي موجبا لعروض وصف غير خارجي من جهة الانطباق المذكور باعتباره فان الطبيعي بما هو صالح لأن ينطبق على ما في الخارج من كثيرين ، وهو الذي تعرضه الكلّية عند العقل من جهة نفس صلاحيته لذلك ، وكذلك الجزئي الخارجي بما أنه لا ينطبق عنوان ذاته في الخارج إلا على شخص ذاته هو الذي تفرضه الجزئية كذلك ، وواضح أنه لا يعقل أن يكون عروض شيء منها بالاعتبار المذكور موجبا لخروج شيء من العناوين عمّا هو عليه في نفسه من صلاحيّة الانطباق على ما في الخارج بأحد الوجهين والّا لزم أن يكون معلول الشيء علّة عدمه ، وقد ينعكس الأمر ويكون لحوق خصوصيّة غير طارية موجبا للانطباق المذكور ، كما في مثل المقام حسبما عرفته ، من صلاحيّة نفس المتعلّقات بما هي مفاهيم إفرادية لأن تكون خارجيّة تنطبق على الخارجيات تارة ، أو ذهنيّة أو عقليّة أو غير ذلك ، مما لا تنطبق الّا على أنفسها وأخرى معرّاة عن كل تحصّل تنطبق على كل متحصّل في أيّ وعاء ثالثة وان الخصوصيات اللاحقة في التراكيب الاستعمالية هي المعيّنة بكل واحد من تلك الاعتبارات ففي القضايا الخارجية وما يجري مجراها حيث انها هي المعيّنة كذلك في التوجّه بهذا الاعتبار للانطباق المذكور دون المانعة عنه كما لا يخفى ، وهذا تمام الكلام في المقام الثاني ، وانك إذا تأمّلت حريّا فيما حررناه في المقامين ، اتّضح لك ما وقع من الخلط والاشتباه من جهات شتّى لغير واحد من الأساطين في كل من الأمرين فلا نطيل ، ونختم الفائدة بالتنبيه على أمور :

٥٠

الأول :

انه بعد ما تبيّن أن مناط كون المعنى حرفيّا غير مستقل بالمفهومية هو كونه خصوصية إيجادية توجد بغيرها في موطن الاستعمال بأدائية ألفاظها كذلك ، فلا يخفى أن الخصوصية المذكورة ، تكون تارة تمام ما وضع لإيجادها ، وأخرى كالجزئية بحيث ينحل المعنى مع ما هو عليه من البساطة كما عرفت إلى جزءين أحدهما مستقل بالمفهومية حاصل في نفسه ولنفسه والآخر هو تلك الخصوصية الحاصلة لذلك الجزء المستقل في الموطن المذكور ، والمأخوذة قيدا في المعنى كالجزء مثلا والشرط ، وإن كانت بالشرط أشبه وغير خفيّ أن ما كان من قبيل الأول فالألفاظ الموضوعة لإيجادها في التراكيب المذكورة هي الحروف والأدوات المختصّة وليس لاستعمالها جهة إخطارية أصلا ، وإن كانت للنسبيّات جهة من النفس الأمرية ، حسبما استوفينا الكلام في ذلك بخلاف ما هو من قبيل الثاني إذ بعد تركيب المعنى تركيبا عقليّا مما ذكر من الجزءين فلا جرم يكون استعمال لفظه فيه جزئه الاستقلالي الذي هو ركن المعنى ومعروض تلك الخصوصية إخطاريا كما عرفت انه الشأن من أشباهه ، وبالنسبة إلى تحققه بالخصوصيات المذكورة إيجاديا لها فيه بأدائية نفس لفظه لذلك كما في القسم الثالث. وإلى هذا يرجع ما ذكروه من تضمّن الأفعال وجملة من الأسماء كالمبهمات الثلاثة والأسماء والأفعال والشرط والاستفهام وغير ذلك لمعاني الحروف وغلبة جهة الحرفية عليها من حيث الاعراب والبناء وعدم تمكّنها من الاسميّة

٥١

بهذا الاعتبار وذلك بالنسبة إلى الأفعال ظاهر حسب ما عرفت من انها ذات مادة مستقلّة بالمفهوميّة وهيئة موضوعة لنسبة تلك المادة ، اما الى معروضها القائمة هي به كما في الهيئات المبنيّة للفاعل أو إلى غيره مما يلابسه في طرفه النسبة كالمبنيّة لغيره وأيّاما كانت فالهيئة موضوعة كسائر أدوات النسبة لإيجاد ربط حاصل في موطن الاستعمال ، لأحد طرفيها بالآخر ، أما حكاية من كونه في نفس الأمر كذلك أو إفاضة لوجوده النفس الأمري بذلك أو نعتا مثلا لمن يتوجّه إليه الخطاب على ذلك ، ومع كل تقدير فقد عرفت أن المعاني النسبية بأسرها حرفيّة غير مستقلّة بالمفهومية وأما أسماء أفعال فحيث أن كلا منها موضوع بوضع واحد شخصي بمعنى حدثي مساوق لما هو من مبادي الاشتقاق متعلقا لنسبة خاصة هي مفاد هيئة الماضي مثلا أو الأمر منهيّ بهذين الاعتبارين جار مجرى أحد الفعلين يقتضي مثله ويعمل عمله متعدّيا كان ما يساوقه أم لازما وبالاعتبار الآخر اسم جامد يتضمّن معنا حرفيّا هو النسبة وقد يجرّد عنها ويستعمل في نفس المعنى الحدثي المجرّد عن الانتساب فيجري حينئذ مجرى اسم المصدر مثلا ويكون اسما محضا ويقع مفعولا مطلقا لما يساوقه في المعنى ومنه قوله سبحانه وتعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) ، وأما المهمّات الثلاثة فتضمّنها معنى الحروف إنما هو باعتبار انحلال معانيها إلى الذات المتخصصة بخصوصيات خاصة توجد لها عند الاستعمال بأدائية ألفاظها وهي من الضمير واسم الإشارة عبارة عن كون تلك الذات معتبرة عند نفس ذاتها بلفظ «أنا» مثلا أو متوجّها إليها الخطاب بقول «أنت» ونحوه أو متعلّقة للاشارة الغيابية إليها أو الحضورية بقول : «هو ، وهذا» وفروعهما وفي الموصول عبارة

٥٢

عن خصوصية الاتصاف بما يقتضيه من الصلة ومرجعه إلى دخل النسبة الناقضية التعبّدية الحاصلة عن التراكيب التقييدي في نفس معنى التقيّد وضعا واستعمالا وتفترق بذلك عن مجرّد الاتصاف والتقيّد الغير المأخوذ في نفس التقيّد الحاصل من التراكيب التوصيفية مثلا أو الإضافي ونحو ذلك وغير خفيّ أن الجزء الأول من معاني المبهمات وهو نفس الذات التي عرفت أنه ركن المعنى ومحل خصوصيّة المذكورة مستقل في المفهومية حاصل لنفسه والجزء الثاني خصوصية حاصلة في موطن الاستعمال بأدائية نفس لفظه كما عرفت ، انه الضابط في كون المعنى حرفيّا ، وكذلك الحال في أسماء الشرط والاستفهام أيضا ، فانها تشارك إن الشرطيّة وهمزة الاستفهام مثلا في الأدائيّة لايجاد مصداق التعليق والاستفهام الفاني عن نفسه في موطن الاستعمال وتفارقها ان محلّه التحصّل والفاني هويّة الخارج عن معنى الأداتين بخلافه في تلك الأسماء فانها ركن المعنى فيها ، والخصوصية ضمنية توجد باستعمال لفظة فانية فيه ، وبهذا تمتاز عن جميع ما يتضمّن عن معاني الحروف عن نفس الحروف. وفيما شرحنا من ذلك غنا وكفاية عن تشريح البواقي ، وقد انقدح بذلك أنّ الضابط تضمّن المذكور هو تخصيص المعنى بما هو معنى هذا اللفظ بالخصوصية الكذائية الحاصلة بنفس لفظه سواء كانت هي صالحة لأن توجد بأداة خاصة لمفهوم أجنبي أيضا كالشرط والاستفهام مثلا ، لم تكن صالحة للتحصّل إلا على وجه التضمّن المذكور ، كالتكلّم والإشارة والتعيّن بالصلة وما أشبه ذلك.

الثاني :

انك قد عرفت مما حررناه أن انقسام المعنى إلى الاسمي الحاصل

٥٣

لنفسه والحرفي المتحصّل لغيره ، وإن كان انقساما إلى الوجهين والتقابل بينهما تقابل الضدّين لكن حيث انه لا ثالث للأصلين ولا واسطة في البين فلا ينفكّ عدم كل منهما حينئذ عن وجود الآخر لا محالة ويجري التقابل المذكور بالاخرة إلى تقابل النقيضين ، ويشكل الأمر فيما صنعوه من عدّ الفعل قسيما للاسم والحرف مع انه ليس إلا كغيره كما ينحل معناه إلى جزء اسمي وآخر حرفي ، وواضح أن مجرّد تضمّن المذكور مما لا يوجب حدوث واسطة بين النوعين وتولّد نوع آخر في مقابل الأصلين إذ ليس هو باعتبار كل من جزئيه إلا من أحدهما ، ويشكل الأمر فيما صنعوه من عدّ الفعل قسما آخر قسيما للنوعين لأن التنويع إلى الثلاثة إن كان باعتبار بساطة المعنى وتركّبه تكثر الأنواع حينئذ وكان نوع مما يتضمّن معنا من معاني الحروف نوعا برأسه ، وإلا فما الموجب لامتياز الفعل في ذلك عن البواقي ، وهل هو الّا كأحدها؟ وهل النسبة التي تتضمّنها الأفعال كغيرها من المعاني الحرفيّة التي بتضمّنها غيرها وهل الأفعال الّا كأسمائها في تضمّن النسبة ، ويمكن دفعه بالمقابلة المذكورة ليس لمجرّد تركيب المعنى مما ذكر من الجزءين فانّما هي لمكان توسّطه من جهة جزئيّة الاسمي الحاصل لنفسه من الاستقلال بالمفهوميّة وعدمه بين الأمرين وتميّزه عن أحدهما من هذه الجهة بوقوعه مسندا دونه وعن الآخر ، فعدم صلاحيّته للاسناد اليه وتقدّم مفهومه بالاسناد الى غيره.

وتوضيح ذلك :

انك قد عرفت مما قدّمناه أن الجزء الاسمي الحاصل لنفسه والمتحصّل غيره له من معاني الأفعال إنما هو موادها المتحصّلة في

٥٤

المفهومية في ضمن هيئاتها ، وقد حقق في محلّه : ان مبادئ الاشتقاق ليست بين المصادر المقتضية لعمل الأفعال مثلا ولا أسمائها الغير المقتضية لذلك بما لها من الصور الخاصة الحافظة لمعانيها الحدثيّة محفوظة في جميع المباني ، وإنما هي نفس المواد المعرّاة عن كل صورة متحصّلة والجارية من الهيئات الموجبة لتحصّلها في المفهومية مجرى الهيولى من الصور الجوهرية وكما انه لا تحصّل في عالم العين إلا بورود تلك الصور عليها ، وأما بنفسها فليست إلا قوّة محضة فلذا لا تحصل لتلك المواد أيضا في المفهومية إلا بورود الهيئات المذكورة عليها ، وفي ضمنها باعتبار معانيها النوعية ، واما بنفسها فليس لها حظّ من ذلك إلا بمجرّد الشأنية ومحض قوّة هيولائية ولمكان ان هيئات الأفعال بما هي أدوات لنسبة تلك المواد إلى موضوعاتها أو سائر ملابساتها الموجبة لتحصّلها في المفهومية وخروجها عن محض القوّة والشأنيّة إلى الفعلية في ذلك فيكون تحصّل ما عرفت انه الجزء الاسمي من معاني الأفعال حينئذ في عرض ورود النسبة عليه ، وفي طيّ التراكيب لا بما هو مفهوم إفرادي بحيال ذاته كما عرفت انه الشأن في المفاهيم الاسمية المستقلّة جامدة كانت أم مشتقّة ، ويتوقّف كل من تحصّله لنفسه ، وانتسابه إلى غيره على الآخر توقّفا معيّا ، وتتقوّم هويّة المفهومية بالانتساب المذكور وعدم صلاحيّته للاسناد إليه من هذه الجهة ، ويتوسّط في الاستقلال وعدمه بين الإسم والحرف بهذا الاعتبار فتشارك مفهوم الاستقلالية الاسمية بأنها عند التحصّل تكون حاصلة في نفسها لنفسها متحصّلا بغيرها ، وهو النسبة لها ، والحرفية بعدم التحصّل إلا في موطن الاستعمال التركيبي ، والافتقار إلى الغير في ذلك ، وتمتاز

٥٥

بذلك عن الهيئات الاشتقاقية الاسمية المعرّاة معانيها عن النسبة مطلقا حتى الناقصة المتقدّمة بناء على ما هو التحقيق فيها من بساطة معانيها ، كما حقق في محلّه ، وعن أسماء الأفعال بأنها وإن شاركت الأفعال في الدلالة على المعنى الحدثي المتضمّن لأحد النسبتين ، لكنها مضافا إلى ما تقدّم من إمكان تجرّدها عن النسبة.

فقد عرفت أن كل واحد منها موضوع بوضع واحد شخصي لمعنى متحصّل حدثي متعلّقا لنسبة خاصة هي مفاد أحد الشيئين ، فليست هي من هذه الجهة إلا كسائر ما تتضمّن معاني الحروف ، وإن جرت من جهة اقتضاء العمل وعدم صلاحيتها للاسناد إليها مجرى أحد الفعلين وهذا بخلاف نفس الأفعال ، فان الجهة الموضوعة أداة للنسبة هي الموجبة لتحصّل معانيها الحدثية كما عرفت.

وبالجملة :

فعدم تحصّل معنى الفعلي باعتبار نفس الجزئية الاسمي الحاصل لنفسه إلا بورود النسبة إلى غيره عليه ، لا بما هو مفهوم بحيال ذاته وكونه قوّة محضة في حدّ ذاته هو الذي أوجب توسّطه في الاستقلال وعدمه بين الأمرين وبهذا الاعتبار عدّ ثالث النوعين متوسّطا بين القسمين لا لمجرّد تركيب معناه من الجزءين ، ولعلّك إذا تأمّلت حريّا فيما حققناه في المقام وجدته شرطا وتفسيرا لما في حديث أبي الأسود الدؤلي تأسيسا لعلم النحو والمنتهى إليه بتثليث الأقسام. وقد عرفت فيه الفعل بعد أن جعله واسطة بين قسميه بقوله ـ عليه‌السلام ـ :

٥٦

«والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى» فان الظاهر من «المسمّى» بقرينة سبق ذكرها في الجملة السابقة الواردة لتعريف الإسم وظهور وحدة المراد منه في الجملتين هو نفس معنى اللفظ بما هو لائق بأن يحضر ويظهر بلفظه ، كما ان الظاهر من الإنباء فيها معنى واحد هو إظهار المعنى وإخطاره بما هو معنى اللفظ وإفادة تصوّره بلفظه لا إظهار معنى تركيبي وإخطار معنى تصديقي كما في الجمل الخبرية ، فتتعيّن حركة المسمّى حينئذ ، في أن يراد بها حركة المعنى بما هو معنى اللفظ من جهة التحصّل في المفهوميّة في مقابل سكونه من هذه الجهة ومرجعها الى الخروج عن كونه مفهوما بالقوّة الى كونه بالفعل كذلك كما هو الشأن في استعمال هذين اللفظين باعتبار القوّة والفعل لغة أو عرفا هي تتخيّل فيها الاشتراك اللفظى بين المعنيين وان كان الأظهر هو الاشتراك المعنوى من جهة أعمية حاق المعنى عن الحسّى والمعنوى ، وكيف كان فالأظهر هو اشتراك المعنوى من جهة أعمية حاق المعنى عن الحسّ والمعنى.

فحاصل ما يعطيه الحديث المبارك عاما استظهر هو تقسّم اللفظ باعتبار معناه الى ما يكون استعماله فيه اظهار أو احضارا له بما هو متحصّل في المفهوميّة المعبّر عنها فى لسان العصمة بالمسمّى من حيث نفسه وهو الاسم وما يكون استعماله فيه اظهارا أو احضارا له على جهة الخروج من قوّة المفهومية إلى الفعلية فيها بلا سبق تحصّل له من حيث نفسه كما في القسم الأول وهو الفعل وما يكون استعماله إيجاديا للمعنى في غيره وهو الحروف ولا حقا في تماميّة انطباق التعاريف المذكورة على معرفتها طردا وعكسا ، كما شرحناه ، وهذا بخلاف ما لو فسّرنا حركة المسمّى بخروج مبدأ الاشتقاق من القوّة إلى الفعل ولكن لا باعتبار التحصّل في المفهومية كما استظهرناه بل باعتبار الحدوث والتحقيق

٥٧

الخارجي فانه ينتقض طرده بخروج الإنشائيات أجمع وعكسه بالانطباق على كل قضية جزئية تنبئ عن الحدوث من التحقق المذكور ولم يكن له مساس بمعاني الأفعال من حيث نفس مفاهيمها الافرادية كما لا يخفى ، هذا مضافا الى ظهوره وحدة المراد بالمسمّى في الجملتين يمنع عن حمله حينئذ على خصوص مبدأ الاشتقاق ، ويرجع التخصيص المذكور إلى بعض الاقتراح والتحكّم ويلزم من إبقاء عمومه صدق التعريف على كل ما ينبئ عن تحقق أيّ واحد من المسمّيات في وعائه المناسب له كما لا يخفى. ولو فسّرنا الحركة بما يقابل السكون الحسّي والمسمّى بالذات الصادرة هي منه أفسدنا الحديث المبارك بالسوء من سابقه لانطباق تعريف الإسم حينئذ على ما يعبّر عنه في العنوان الأدبيّة باسم العين وفي العلوم العقلية بالجواهر ، وتعريف الفعل على ما يعبّر عنه بالحدث واسم المعنى في أحد الاصطلاحين ، وبالعرض في الآخر ، ولكن لا مطلقا بل بمعناه الخاص الراجع إلى مقولة الفعل المصطلح بل الأخص المقابل للسكون دون غيره ينطبق على مصادر بعض الأفعال دون جميعها ودون نفس الأفعال أجمع. فتدبّر جيّدا لعلّك تقدر على حلّ الإشكال البعض بأوجه مما وفقناه وتهدى في فهم الحديث المبارك إلى أوضح مما اهتدينا إن شاء الله تعالى.

الثالث :

إن مقتضى ما حققناه من عدم تحصّل المعاني الحرفية إلا في موطن الاستعمال ، وعدم صلاحيتها على كل من القولين بعمومها أو

٥٨

خصوصها للانطباق إلا على نفس ذواتها دون شيء آخر متحصّل في أيّ وعاء ، كما هو شأن المفاهيم مع مصاديقها ، وإن كانت هي عدم تصوّر إطلاقها ولا تقيّد من حيث أنفسها ، ولكن لا مكان انها جزئيات حقيقية كي يبتني على أحد القولين دون الآخر حسبما عرفت من أنها بمعزل على كل منها من الانطباق المذكور ، بلا جدوى بعمومها في ذلك ، ولا دخل لها لخصوصياتها في عدمه ولا لمكان فنائها المنافي بكل لحاظ كي يرجع إلى مجرّد وجود المانع عن الإطلاق والتقيّد اللحاظي دون الذاتي الراجع إلى عدم خلوّ الأمر في نفس الأمر وهو التقسّمات الأوليّة عن الأمرين وإن امتنع لحاظه كما بالنسبة الى انقسامات المترتّبة على الخطابات الممتنع لحاظها فيها وهو تقسيمات ثانوية إطلاقا وتقييدا على ما حرر في محلّه ، وإنما هو لمكان انتفاء الموضوع وعدم المقتضى لذلك ولو فرض إمكان لحاظه لما عرفت من جريانها مجرى الحقائق والهويات دون المفاهيم المنطبقة عليها كي تكون كنفس تلك المفاهيم قابلة للاطلاق والتقييد أخرى ، ولكن لا يخفى أن غاية ما يقتضيه ذلك إنما هو انتفاء موضوع كل من الإطلاق والتقييد اللحاظي الذاتي بالنسبة إلى المعاني الحرفية من حيث هي معاني أدائية دون معان راجع إطلاقها إلى إرسال المعاني التركيبية المتحصّلة عن انضمام المعاني الافرادية على ما يقتضيه نفس تلك التراكيب وتقيّده إلى الاقتران بما يصير عمّا يقتضيه لو خلّي ونفسه ، وإلى هذا يرجع ما يذكرونه في أبواب العقود من أن إطلاق العقد يقتضي السلامة عن العيب مثلا أو التسليم أو نقد البلد وغير ذلك ، فان مرجع هذا الإطلاق إلى عدم الاقتران بما يوجب صرف العقد عمّا يقتضيه لو خلّي

٥٩

وطبعه ولو قرن بذلك كان تقيّد الذات ومنه التقيّد بأداة الشرط مثلا ، فانها موضوعة لتقييد جملة بجملة بمعنى أن الجهة الجزئية في مثل قولنا إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مثلا لو خليت على حسب ما تقتضيها نفس تراكيبها كان ذلك عبارة عن إطلاقها بالنسبة إلى حالتي وجود الشرط الذي هو طلوع الشمس وعدمه ، وكان مقتضى هذا الإطلاق هو ثبوت موادها في كلتا الحالتين وتقييدها بالجملة الشرطية الجارية من الجزائية مجرى الموضوع في الجملتين ونحوها تقيّد قصر المؤدّى بصورة وجود الشرط ويهدم الإطلاق المذكور ومرجع إطلاق وجوب الواجب بالنسبة إلى ما عدى المقدّمة الوجوبية واشتراطه بالنسبة إليها أيضا ذلك لا إطلاق نفس هيئة الأمر تارة وتقييدها أخرى ، حسبما عرفت من عدم صلاحيّة الهيئة بنفسها ، ومع قطع النظر عن تعلّقها بالمادّة كذلك وإن كانت طبعا للجمعة وفي ضمنها متّصفة بالعرض والمجاز بذلك ، وتمام الكلام في ذلك موكول بمحلّه ، والحمد لله أولا وآخرا والصلاة على سيّدنا أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

الرابع :

في ثبوت الحقيقة الشرعية :

اختلف على أقوال ، قيل ثبوتها بوضع تعيّني ، وقيل بوضع تعييني ، وقيل استعمل الشارع الألفاظ في معانيها اللغوية ، وكانت

٦٠