الذخر في علم الأصول - ج ١

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي

الذخر في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

السيّد أحمد النجفي الأردبيلي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٤٢
الجزء ١ الجزء ٢

في مقام بيان تمام المراد.

وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقيّد يعلم وجوده على وجه الإجمال فلا إطلاق فيه حتى تستلزم تصرّفا فلا تعارض بالتصرّف في المقيّد بحمل أمره على الاستحباب بعد ما كان المراد من المطلق هو المقيّد فيحمل عليه ، فلا حاجة بحمله على الاستحباب وعلى المشهور لا يعارض أيضا بغلبة هذا المجاز على أقرانه وعلى تقدير التساوي فالحكم هو الإجمال على المشهور ولا بدّ من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل عند دوران الأمر بين المطلق والمقيّد من تحكيم البراءة أو الاشتغال على الخلاف المفروض منهم والعجب من المحقق القمّي ـ رحمه‌الله ـ حيث حكم بالبراءة عند دوران الأمر بين المتباينين كالظهر والجمعة ، ويظهر منه الاشتغال في المقام.

ومما ذكرنا يظهر عدّ استقامة ما يحتجّ على الحمل بالاحتياط فانه بعد كونه مختلفا فيه ليس حملا بل هو حمل في العمل كما لا يخفى.

وقد ذهب شيخنا إليها إلى أن وجه الحمل هو اعتبار مفهوم الوصف في قبال المطلق ولذلك أورد عليهم التناقض وهو ليس في محلّه إذ بعد النقض باللقب وعدّ هذا القسم في المثبتين يرد عليه التنافي إنما هو بواسطة اتّحاد التكليف والمفهوم لا يورث التنافي لأن المستفاد منه نفي وجوب الفعل غير محل الوصف وهو لا ينافي وجوبه تخيّرا كما هو قضيّة الأمر بالمطلق ولو سلّم أن المستفاد منه هو نفي سنخ الوجوب مطلقا واللام هو التعارض لكونها ظاهرين.

٥٢١

ولا وجه للترجيح بينهما من دون مرجّح ، ولو التزمنا ثبوت المفهوم صونا لكلام الحكيم عن اللغويّة فيما ذكرنا من أن المستفاد من المفهوم ليس إلا نفي الوجوب العيني يكون أقوى ، وقد فصّلنا ذلك في مباحث المفهوم فراجع.

ثم انه قد عرفت على الانصراف يكون المطلق كالتقيّد اللفظى إذا أمر المولى بالتيمم ينصرف المسح بباطن اليد فلا يصحّ التيمم لو وقع بظاهرها لا في حال الاضطرار فيحتاج في إثبات الحكم بظاهر اليد مع تعذّر المسح بباطنها فيشكل التمسّك بالإطلاق في ظاهر اليد مع تعذّره بباطنها ومع ذلك فقد تراهم يتمسّكون بنفس الإطلاق عند تعذّره بباطنها لإثبات الحكم بظاهر اليد.

فنقول في دفع الإشكال فانّ المطلق ليس بمجمل عندهم بأنهم يعاملون معه معاملة الدليل ، فانّ للاطلاق حالات متعددة فاذا قيّد في حال لا يستلزم تقيّد المطلق بحال آخر فيصحّ التمسّك بالإطلاق في جهة أخرى كأن نقول : انّ المسح في آية التيمم إنما هو محكوم بالإطلاق بالنسبة إلى ما يقع به من الظاهر والباطن وانصرافه إلى أحد فرديه في حالة خاصّة وهي حالة الاختيار لا يقضى انصرافه إلى أحد فرديه في حالة خاصّة وهي حالة لا يقتضي انصرافه إلى الآخر فيصحّ التعويل بالإطلاق فيها كما عرفت في قولك رقبة تارة تلاحظ من جهة الإيمان والكفر ، وأخرى من جهة حال الاضطرار والاختيار وفرضنا أن الرقبة قد قيّدت بالإيمان في أحد الحالين فقط فلا بدّ من الأخذ بالإطلاق في غير تلك الحالة.

٥٢٢

ثم انه يشكل التمسّك بالإطلاق في المقام على القول بالمجاز فانه قد عرفت أنه أخذ السراية والشياع جزءان للموضوع له فيوجب التقيّد مجازيّة المطلق وحينئذ فلا يصحّ التمسّك بالإطلاق على هذا القول في الفرد الغير الشائع بعد تعذّر الفرد الشائع.

والجواب عن الإشكال أنه لا فرق بينهما ، والوجه في ذلك انّ المتكلّم بالإطلاق قبل ورود التقيّد يلاحظ الشياع والسراية من الأول ويلاحظ عدم ورود التقيّد والسريان مع كونه في مقام البيان وحينئذ يصحّ التمسّك بالإطلاق على القول بالمجازيّة.

وعلى القول بأن التقيّد لا يوجب مجاز المطلق بالتمسّك بالإطلاق واضح فانه لم يلاحظ السراية والشياع جزءان للموضوع له فانهما خارجان عن الوضع فانه وضع لمعنى اللابشرطيّة من الأول قبل التقيّد على وجه الإهمال وبعد تعذّر القيد لا يعقل أن ينقلب المعنى عمّا كان عليه من الإهمال فلا يوجب القيد من جهة تقيّد الإطلاق في الجهات الآخر حتى لا يصحّ التمسّك بالإطلاق في أفراده الأخر بل انّ التقيّد في جهة أخرى فيمسك بالإطلاق في الجهات الأخر ، فلا وجه للفرق بين المذهبين في ورود الإشكال ودفعه.

نعم ؛ في المقام إشكال آخر وهو أنه يحتمل فيه الفرق بينهما ويظهر منهم في كثير من الموارد باختلاف حكم العاجز والقادر ، فيجب على القادر الإتيان بالسورة ، ويسقط عن العاجز.

فعلى المختار يصحّ التمسّك بالمطلق بالمطلق بضميمة قوله : «الميسور

٥٢٣

لا يسقط بالمعسور» فانّ المطلق هو نفس المعنى وله بيانان :

أحدهما : المقيّد.

وثانيهما : قوله : الميسور بالنسبة إلى الحالين ولا ضير فيه بوجه لعدم اختلاف أحواله وطوريه كما قدّمنا ، فعلى القول بالمشهور من القول بالمجازيّة تكون الصلاة في قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ).

ومستعملة في التقيّد بخصوصها ، فاذا فرضنا تعذّر القيد ، ولا وجه للتمسّك بالإطلاق إثبات الصلاة بدون القيد للعاجز ولو بضميمة الميسور لا يسقط بالمعسور ، فانّ ذلك لا يصلح وجها لتشريع وجوب الميسور بعد تعذّر المقيّد لإرادة وجوبه من الدليل الأول لا يستلزم استعمال المطلق تارة في المقيّد ، وأخرى في المطلق على وجه الترتيب ، فالإطلاق ليس في عرض المقيّد ، بل إنما هو مترتّب على انتفاء المقيّد ، وهذا موقوف على استعمال جديد وإنشاء لفظ آخر غير اللفظ المنشأ وإن قلنا بجواز استعمال اللفظ في المعيّن أيضا لأنهما إنما يكون أحدهما في عرض الآخر على تقدير جوازه.

وقد يظهر مما ذكرنا أيضا عدم الفرق بين الواجب والمستحب في حمل المطلق على المقيّد ، ويظهر الفرق على القول المشهور القائلين بمجازيّة المطلق بالمقيّد لأن ظاهر اللفظ عندهم في تعدد المطلق والمقيد وعدم الاتحاد ، ومعه يتحقق عدم التنافي فلا يقتضي الحمل بخلافه على المختار فانّ الأصل قاض بالاتحاد ومعه يحقق التنافي يقتضي الحمل.

٥٢٤

«البحث الخامس» :

من مباحث المطلق والمقيّد ، فيما إذا كان منفيين سواء كان متعلّق النفي نفس الحكم المتعلّق بهما كقولك : «لا يجب عتق الرقبة» ، و «لا يجب عتق الرقبة المؤمنة» ، أو كان متعلّقا بالمحكوم به لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة مؤمنة على الوجهين لا يحمل المطلق على المقيّد كما عن العلّامة عدم الخلاف ، ودعوى الاجماع كما عن صاحب الزبدة ، ودعوى الاتفاق عليه كما في المعالم ، والوجه في ذلك الحكم عن الطبيعة الواقعة في سياق النفي لا تنافي انتفائه على الفرد ، فانّ باب التأكيد واسع.

أقول :

والحق انّ المنفيين إذا كان المطلق منهما باقيا على الإطلاق بعدم مجازيّته بالتقيّد ، فانّ الوضع كما عرفت نفس المعنى بلا لحاظ السراية ، فلازم الحمل للتنافي بينهما كما عرفت في المثبتين بلا فرق بين المقامين بوجه من الوجوه ولا حمل على المشهور وبعدم التنافي لعدم بقاء الإطلاق على إطلاقه لمجازيّته بالتقييد ، فانّ السراية ملحوظة في وضعه ، فاطلاقه مرتفع به.

ومما ذكرنا يظهر أن المتيقّن لا يلزم رجوعهما إلى العموم والخصوص دائما كما زعمه جماعة بارتكاب التخصيص في العموم أهو من طرح اختصاص الحكم الخاص المستفاد من التقيّد ، فانّ المطلق الواقع في سياق النفي يجب أن يكون مقيّدا للعموم ، لأن انتفاء جميع أفراده ، فيلزم التنافي بينهما ، فاللازم الحمل.

٥٢٥

وفيه :

انه قد عرفت فيما تقدّم أن نفس الماهيّة مع قطع النظر عمّا يلحقها من الطواري مما يتساوى فيه الوجود والعدم والنفي والإثبات.

نعم ؛ عند المشهور يختلف فيه الوجود والعدم فان وقعت في حيّز الوجود في الإثبات يقتضي عموم البدلي وإن وقعت في حيّز النفي يقتضي عموم الشمولي.

ودعوى : الماهيّة في حيّز النفي يلزم أن يكون واردا في مقام البيان كما يساعده العرف ، فنتيجة قول المشهور أو أن دليل الحكمة تقتضي ذلك فيقع في مورد البيان بواسطة فاسد فانّ ذلك يتمّ فيما إذا تجرّد المطلق عن ورود المقيّد ، فلا يجري فيه دليل الحكمة كما هو كذلك في الإثبات أيضا فتدبّر ، ولا ملازمة دائمة في الدائميّة في كون الواقع في حيّز النفي أن يكون واردا في مقام البيان والعرف بخلافه.

«البحث السادس» :

فيما إذا كان مختلفين ، بأن كان المطلق مثبتا والمقيّد منفيّا ، فامّا أن يكون واردا على الحكم كقولك : «يجب عتق الرقبة ولا يجب عتق الرقبة المؤمنة» ولو استظهرنا أن الوجوب المنفي هو مطلق الوجوب الشامل للوجوب العيني والتحريمي الشرعي والعقلي فلا بدّ من التقيّد وإلا فلا وجه على التقيّد.

وأما أن يكون واردا على المحكوم به كقولك : «يجب عتق الرقبة ،

٥٢٦

ويجب عدم عتق الرقبة المؤمنة» ، وإذا كان النفي والإثبات مستفادين من نفس الحكم كقولك : «اعتق رقبة ولا تعتق رقبة مؤمنة» ، وفي المثالين الآخرين لا فرق بين كون العموم والخصوص فيهما بين الفعلين أو بين المتعلّقين كما فيما نحن فيه.

وإن قلنا بأن النهي يقتضي الفساد فلا بدّ من التقييد لدلالته على عدم حصول المطلق بالإتيان بالمقيّد فيقدّم عدم إتيان المقيّد على ما أفاده الأمر بالمطلق لأن عدم الإتيان بالمقيّد بيان للأمر بالمطلق وإن قلنا بأنّ النفي لا يقتضي الفساد ، فعلى القول بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي يجب التقيّد ، وعلى القول بالجواز لا وجه على التقيّد فالعمل بالمقيّد لامتثال الأمر بالمطلق إلا أنه كان عاصيا من حيث انّ المقيّد كونه منهيّا عنه لم يذهب إليه من قال بجوازه.

ولعلّه ما تخيّله بعض المجوّزين من أن الجواز العقلي لا ينافي التقيّد العرفي ، وقد عرفت فساده بما لا مزيد في محلّه.

ومما ذكرنا يظهر اختلافهم في مسألة النهي واتّفاقهم حسب أنّ الكلام في المقام بعد الفراغ عن اقتضاء الفساد ، فالكلام هنا في إثبات الصغرى للمقام فتدبّر.

هذا إذا كان المطلق مغلوط المطلق مثبتا والمقيّد منفيّا ، وأما إذا كان المطلق منفيّا والمقيّد مثبتا بأن يقال : لا تعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة ، أو يقال : لا يجب عتق رقبة ، فان حملنا المنفي على الإهمال لا حمل ولا تقيّد لعدم ما يقتضي به وإن حملنا على الشياع والسراية ،

٥٢٧

فاللازم التقيّد لأنه حينئذ بمنزلة العموم والخصوص لكنّه خارج عن المقام كما عرفت تفصيله في المنفيين ، ثم انه لا فرق في هذا المقام بين ذكر السبب وعدمه وبين تعدده ووحدته ، كما أشرنا إليه إجمالا في بعضها.

«البحث السابع» :

من مباحث المطلق والمقيّد ، قد عرفت حكم المطلق والمقيّد الواردين في مقام بيان الحكم التكليفي وأحكمه في مقام بيان الأحكام الوضعيّة وهو إما مثبتين وإما منفيين أو مختلفين أيضا.

أما الأول ولو قيل : البيع سبب والبيع العربي سبب لا يحمل المطلق على المقيّد كما هو الظاهر منهم يحمل على مشروعيّة المطلق والمقيّد معا بل لا يكتفي بذلك ، ويقال بأن السبب كل واحد من أفراده البيع على وجه العموم الاستغراقي ، فيطالب بالفرق بين الأحكام التكليفيّة ، وغيرها من حيث الحمل فيها وعدمه في الوضعيّة ثم الحمل على المختار.

فالإشكال ظاهر الورود حيث انّ اللفظ لا دلالة فيه على شيء سوى المعنى القابل لاتحاد التبدّلات ، ولا دلالة فيه على شيء من تلك الأنحاء ، فاثبات العموم موقوف على دليل آخر من عقل أو نقل ، وأما على المشهور فلأن غاية ما يلزم من اللفظ والوضع هو العموم البدلي فيستفاد منه سببه فرد واحد على سبيل التخيير دون العموم الاستغراقي والجواب : انه قد علمت في بيان وضع المطلق الشياع والسريان

٥٢٨

ليسا جزءان للموضوع له على المختار سواء كان معنى اللفظ نكرة أو اسم جنس لا بدّ من إثباتهما إلى التماس دليل آخر غير اللفظ وهو موقوف على أمرين :

أحدهما : انتفاء ما يوجب التقيّد داخلا أو خارجا.

الثاني : كون المطلق واردا في مقام البيان لتمام المراد.

وإذا انتفى الأمرين وهو التقيّد وعدم كونه في مقام البيان لا وجه للأخذ بالإطلاق ، وحينئذ إن استظهرنا عدم ورود المطلق في مقام البيان لا وجه لعدم الحمل ، ولا نقول به ، ولا ضير فيه.

وإذا استظهرنا وروده في مقام البيان ، فالفرق إنما جاء من خصوص الحكم ، فالمحمول فانّ المحمولات مختلفة جدّا ، فتارة يكون ثبوت للموضوع على وجه التخيّر مقيّدا في مقام البيان كالوجوب فاثباته لما هو محمول له كالصلاة على وجه التخيير مما لا غائلة فيه ولا إشكال فيه في كونه مقيّدا ، كما يظهر بالرجوع إلى العرف ، وتارة يكون ثبوته له على وجه العموم مقيّدا ، وعلى وجه التخيّر لا يكون مقيّدا في مقام البيان وهو ينافي كونه في مقام البيان والإفادة ، فيصرف بحكم العادة والعقل إلى العموم مثل السببيّة والمانعيّة ونحوها من الأمور التي لا وجه للاخبار بثبوتها على وجه التخيّر والإجمال في مقام البيان من غير فرق في ذلك بين المذهبين لأن العموم الاستغراقي غير معنى اللفظ على المشهور أيضا.

هذا هو الوجه في فهم العرف من الخطابات المذكورة العموم أيضا ، ومنه يظهر الوجه في الثاني ، وهو المتيقّن في إفادة العموم فانّ

٥٢٩

المطلق الوارد في مقام البيان إذا تعلّق به النفي يفيد العموم كما إذا قيل : «لا تضرب» إذ التخيّر فيه لا فائدة فيه ، كما لا يخفى ، فعند التحقيق لا يختلف الحكم في المقامات المذكورة نظرا إلى اللفظ ، وإن اختلف بحسب حكم العقل من حيث الإفادة وعدمها في بعض دون بعض آخر.

وأما المختلفين فان كان النفي مطلقا فلا بدّ من التخصيص ، وإن كان المطلق مثبتا فلا بدّ من التقييد غاية الأمر يؤكّد الانصراف ولا ضير فيه.

(فوائد):

«الأولى» : انه إذا قال : «صلّ بالستر» بأن جعل المطلق بشرط شيء فيما ورد في مقام بيان الحكم الوضعي ثم جعل مقيّدا بشرط كالستر بغير الحرير فيها فبنى اشتراط كل منهما ، فلو لم يتمكّن من تحصيل المقيّد بحسب الأخذ بالشرط المطلق وليس ذلك من الحمل كما لا يخفى.

«الثانية» : إذا ورد مطلق ومقيّد بالفرد النادر مطلقا كقولك : «أعتق رقبة ذا دين» ، فهل يحمل المطلق على الفرد النادر مطلقا أو لا يحمل مطلقا أو التفصيل بين المنفيين والمثبتين وجوه إتيان الفرد النادر وكره هل يصلح لأن يستكشف منه ملاحظة المتكلّم مطلقا على وجه الإهمال مطلقا فيحمل أو لا يصلح لذلك نظرا لظهور المطلق في الشائع

٥٣٠

فالنادر خارج عن مدلوله ، فلا ينافي ثبوت الحكم له أو يثبت في المثبتين دون المنفيين لرجوعه فيهما إلى العموم ، فلا ينافي نفي الحكم عن فرد من أفراده والأوجه أن يقال : إن استظهرنا ورود المطلق في مقام البيان فلا وجه للحمل في المثبتين لأن ذلك يقتضي بالانصراف وبعد الانصراف لا ينافي ثبوت الحكم للفرد النادر ، فلا تعارض بينهما بخلاف ما إذا لم يكن المقيّد من النادر ، فانه على تقدير وروده في مقام البيان يتعارضان مع احتمال أن يكون بيان الفرد النادر علامة لملاحظة المتكلّم المطلق على وجه العموم أيضا نظير استثناء الفرد النادر دليل على العموم.

نعم ؛ ورود المقيّد في المقام ليس دليلا على عدم وروده في مقام البيان ، كما انه دليل عليه في غيره لئلا يلزم البداء ، وإن لم يستظهر فلا مانع من الحمل بل هو في محلّه لأنّ الفرد النادر ليس خارجا عن حقيقة المطلق فحمل أن يكون المراد من المطلق في الواقع وكذلك الكلام في المنفيين ، وأما المختلفين كما عرفت.

«الثالثة» : إذا ورد المطلق مقيّدان مستوعبان كأن يقال : «أعتق رقبة مؤمنة ، وأعتق رقبة كافرة» فهل يحكم بالإطلاق نظرا إلى تساويهما أو نظرا إلى إثباتهما للمطلق على وجه الإطلاق أو التخيّر من المقيّدين نظرا إلى العلم بالتقيّد مع التردد فيهما من دون ترجيح بينهما ، فلا بدّ من التخيّر أو يتوقّف نظرا إلى إجمال الدليل بواسطة تعارض البيانين وجوه الأوجه التخيّر إذ لا وجه للتساقط كما قرر في

٥٣١

محلّه من أن التعارض لا يوجب التساقط ، ولا يكون كل منهما بيانا لقضاء العرف بالحمل ، ولا وجه للاجمال أيضا لعدم إطلاق أدلّة التخيّر في المتعارضين الشامل للمقام أيضا كما هو ظاهر.

«الرابعة» : كلّما تقدّم من أحكام العام والخاص من جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وتخصيص المنطوق بالمفهوم مخالفا وموافقا ، وأحكام العام المخصص بالحمل مفهوما ومصداقا ، والمنفصل والمتّصل يجري في المطلق والمقيّد لاتّحاد الوجه في المقامين من دون تفاوت.

نعم ؛ ينبغي استثناء مقدار التخصص من بين الأحكام المذكورة في باب العام والخاص فانّ ذلك لا يجري في المطلق والمقيّد ، فانّ التقيّد مما لا حدّ له عندهم لجوازه في أيّ مرتبة من المراتب قليلا وكثيرا ، ولعلّه مما لا كلام فيه أيضا عندهم ولا إشكال فيه أيضا لمساعدة العرف على جوازه حتى إلى الواحد كما يظهر من مطاوي المحاورات العرفيّة.

هذا تمام الكلام فيما أوردناه من مباحث المطلق والمقيّد وفاقا لبعض أعاظم الفن ، ولله الحمد ، وله المنّة علينا.

٥٣٢

«الأمر السادس : في المجمل والمبين» :

وتحقيقه في طيّ أمور :

(الأول) :

المجمل لغة كما عن أهلها المجموع مأخوذ من : أجملت الحساب إذا جمعته ، وفي الاصطلاح بأنه لم يتّضح دلالته فكأنه مجمع الاحتمالات ، والمجمل خلاف المبين ، وهو في اللغة ما له الظهور.

فالمجمل على قسمين :

أحدهما : ما عرفت.

والآخر : ما له ظاهر لم يرده المتكلّم كما في العام المخصص واقعا مع عدم العلم به على القول بجواز تأخير البيان عن وقت الخطاب كما هو الحق.

والمطلق عند عدم ذكر المقيّد ، فان أرادوا بذلك أنه من المجمل فيما لو علم بوقوعه على هذا الوجه من المتكلّم كان ذلك حقّا لا مناص عنه.

فانّا إذا علمنا أن المتكلّم إنما لاحظ المطلق لا على وجه السراية فمن أراده مجمل لإجماله ، كما إذا علم التخصيص ولم يعلم بخصوصه.

هذا هو الذي قلناه في المباحث المتقدّمة بسراية إجمال المخصص إلى العام ، وإن أرادوا أنه مع عدم العلم من المجمل فمما لا يرى وجه بل

٥٣٣

هو محكوم بالبيان إلى ظهور القيد ، وبعد ظهور القيد ينكشف كونه واقعا على وجه الإجمال ، نعم ؛ يشكل ذلك فيما إذا قلنا باعتبار الأصول لا من جهة الظنّ بل تعبّدا إذ عند عدم الحاجة لا يترتّب على كلام أثر شرعيّ حتى تؤخذ بالأصل ، ويحكم بكونه مبيّنا بخلاف الظنّ فانّ وجوده لا يناط بترتّب الأثر كما لا يخفى على المشهور.

(الثاني) :

لا إجمال في آية السرقة ، وهي قوله تعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، والمراد من القطع الإبانة ، يصدق على جميع مراتب اليد جميع مراتب اليد حقيقة ، وخصوص مراتبه خاصّة وإرادتها بالدليل ، فلا يوجب الإجمال ولو كان فيها إجمال إنما جاء من قبل أمر آخر لا بواسطة نفس الآية ، فليس في الآية إجمال لكونها مبيّنا وظاهرا في معناه ، وهو قطع اليد من أيّ مرتبة كان.

(الثالث) :

الأقرب انّ التحليل والتحريم المضافين إلى الأعيان كقوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) لا يلازم الإجمال ، وقيل بالملازمة ، وأخرى بالبيان مطلقا ، واستدلّ القائل بالملازمة بأن إضافة الحل والحرمة إلى نفس العين ليست إضافة حقيقية لامتناع تعلّقها بها بل إنما هي إضافة لملابسة بين الحل والعين باعتبار الفعل المعلّق بها ابتداء وحيث أن ذلك مما لا دليل على تعيينه

٥٣٤

تعدده في نفسه يصير مجملا لا ظاهرا فيه.

واستدلّ القائل بالبيان بأن حذف المتعلّق يفيد العموم بعد أن الأصل في كل كلام حمله على البيان والإفادة نظير المطلق الوارد بلا قيد.

والجواب عن الأول : فعل الربط بينهما ظاهر عند أهل الاستعمال ، كما هو كذلك في أغلب الموارد التي يتعاطونه أهل العرف في محاوراتهم الأكل في المأكول واللبس في الملبوس والشرب في المشروب ونحوها.

وإن أريد الملازمة بمعنى أن نفس التركيب مع قطع النظر عن ظهور خارجي يقتضي الإجمال ، فهو حق.

وإن أريد أن الواقع على الإجمال في جميع موارد التركيب فهو فاسد ، لكن الإنصاف أنه لم يظهر من القائل بالإجمال غير الشق الأول من الترديد.

وعلى الثاني : بأن حذف المتعلّق إنما يفيد العموم بعد البيان في الجملة بواسطة إحرازه أو كان الكلام من الموضوع والمحمول ، وأما عند عدم إحرازها كذكر الفعل بدون الفاعل أو العكس فلا شكّ في إجماله كما نحن بصدده.

فالمضاف إليه هو الفاعل ، والموضوع في هذا التركيب وأصالة البيان لا تجري بعد العلم بالإجمال عرفا فلا يقاس ذلك.

٥٣٥

ويظهر أن وجه الإفادة في امتثال هذه التراكيب في مورد إفادتها ليس وضعا جديدا للهيئة التركيبيّة لعدم الحاجة إليه والأصل عدمه بل يكفي في ذلك ملاحظة صحّة الإضافة بواسطة ارتباط حاصل من الحكم والعين من جهة ما هو منسوب إلى الطرفين كالأكل في : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) فانّ له تعلّقا بالحل من حيث اتصافه فيه وبين العين من حيث تعلّقه بها فيضاف الحل بما هو متعلّق لمتعلّقه مجازا في الإضافة والإسناد كما يشهد بما ذكرنا أن الذهن إنما يلتفت إلى هذا المذهب بعد الالتفات إلى عدم تعقّل سلوك سبيل يقتضيه الوضع من ارتباط الحكم العين بلا واسطة ، وهذا ظاهر ، وإن زعم بعض الأجلّة تبعا للمحكيّ عن الشيخ الطوسي والعلّامة خلاف ذلك.

«البحث الرابع» :

في المجمل والمبين في إطلاق قوله : «لا صلاة إلا بطهور» ، ومن موارد مثل هذا التركيب حيث انه لا يخلو من وجوه ، وصالح لأن يراد به الوجوه العديدة من أداة النفي في التراكيب التي سيذكر اختلف على أقوال ثلاثة :

قول بالبيان ، وقول بالإجمال ، وقول بالتفصيل بين الأسماء الشرعيّة واللغوية التي لها أحكام متعددة.

فالإجمال في الثاني والبيان في الأول ، ومثل الأول بقوله : «لا إقرار لمن أقرّ بنفسه على الزنا» ، وقوله : «لا غيبة لفاسق».

٥٣٦

وأما الوجوه التي صالح لأن يراد ، وهي تارة يستعمل إرادة النفي في نفي الذات والحقيقة ، فيكون مفاد كلمة لا مفاد لفظ العدم إذا وقع محمولا بنفسه كقولك : «زيد معدوم» ، وهنا ذهب جماعة إلى عدم احتياجه إلى الخبر كما تقدّم في كلمة : «لا إله إلا الله» في كلمة التوحيد.

ثم انّ المنفي قد يكون مجرّد الذات من دون عنوان ، وقد يكون الذات باعتبار عنوانه الملحوظة في الكلام كقوله : «لا صغيرة مع الإصرار» فانّ النفي هو عنوان الصغيرة.

فالمنفي يمكن اعتباره على وجه المحموليّة إن لوحظ المنفي هو الذات المعنون من حيث أنه معنون ، ويمكن اعتبار عدم النفي على وجه الربط من حيث انّ ذلك راجع إلى انتفاء الوصف العنواني عن الذات ، فانّ التوصيف مسبوق بالحمل قطعا كما هو ظاهر لا سترة عليه ، وتارة يستعمل في نفي الصفة عن الذات فيكون مفادّها مفادّ العدم إذا كان رابطا ، وتلك الصفة مختلفة جدّا ، فتارة صحّة ما تعلّق به المنفي كقوله : «لا صلاة إلا بطهور» بناء على عدم حمل النفي فيه على نفي الذات تتكوّن عدم المحمولي وحمله على نفي الصفة يكون عدم النفي كما يراه جماعة فيكون المراد هو عدم مطابقته الصلاة بدون الطهارة لما هو المأمور به حقيقة.

تارة يراد به نفي المشروعيّة مثل لا جماعة في النافلة فيكون المراد هو عدم تعلّق طلب الشارع بالجماعة في النافلة ويغاير الأول بالاعتبار ،

٥٣٧

وقد يراد به نفي الفضيلة كقوله : «لا صلاة لجار المسجد» أو في الكمال كقوله : «لا صلاة بحاقن» ، ويفارق بأن النفي للفضيلة لا ينافي الإباحة في جميع العبادات بخلاف نفي الكمال فانه يضادّ الكراهة المغيّر في العبادة ، وقد يراد به نفي الوجوب كقوله : «لا اعادة إلا في خمس» ونفي جميع الآثار الشرعيّة أو بعضها على اختلافات المقامات كقوله : «لا رضاع بعد فطام» ـ فصال عن الأم ـ ، ولا يتم بعد احتلام ولا عمل إلا بالنيّة ، إلى غير ذلك من موارد الاستعمال.

(والتحقيق):

انّ هذا التركيب لا يقتضي الإجمال إذ لو قلنا باستفادة العدم المحمولي من الأداة أو قلنا بالاستفادة منها خصوص نفي الوجود لأن ساير المحمولات كالعلّة الظاهرة من الأداة فلا إشكال في عدم الإجمال ، وإن قلنا بأنّ المستفاد منها هي نفي المحمول ، ولو كان غير الوجود ، ولا وجه لدعوى ظهورها في نفي المحمول الوجودي ، فان علمنا بانتفاء الذات فلا إجمال قطعا ، وإن علمنا بقاء الذات فالعرف يساعد على نفي جميع آثاره.

ولعل ذلك ناش من ظهور الأداة في نفي المحمول الوجودي دون ساير المحمولات ، وبعد تعذّره للقطع ببقائه فالأقرب هو نفي جميع الآثار دونه في القرب نفي معظم الآثار وهو الصحّة في العبادات والفائدة في غيرها ثم نفي التماميّة ، فالناقص كالمعدوم ، ثم نفي الكمال فانه أبعد وعند الشكّ يحمل على نفي الوجود على تقدير ظهورها في

٥٣٨

نفسه خاصّة.

احتجّ القائل بالبيان مطلقا أن الفعل المنفي اما في العبادات وإما في غيرها ، والأول إما موضوعة للصحيحة لا إجمال لإمكان الحمل على نفي الذات واما موضوعة للأعم فيحمل على أقرب المجازات وهو نفي الصحة ، وأما الثاني : فيحمل على نفي الفائدة لأنه أقرب ، هذا اذا لم نقل بثبوت وضع ثانوي لهذا التركيب لنفي الفائدة فالأمر أظهر.

أقول : قد يمكن على القول بالأعم على نفي الذات بوجه آخر وهو تنزيل الفعل الفاقد لذلك الجزء منزلة العدم مبالغة في الاعتبار بشأن ذلك الجزء أو الشرط ، وبذلك يظهر وجه آخر لعدم لزوم مجاز في ذلك التركيب على تقدير حملها على نفي الصفات فانّ التصرّف في أمر عقليّ ، ونظيره في غير المقام قوله ـ عليه‌السلام ـ : «المؤمن إذا وعد وفى» و «المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه» ، فانه مشعر بعدم إيمان من لا يفي بالوعد وعدم إسلام من لم يسلم المسلمون منه لكنّه محمول على ادّعاء نفي الإيمان والإسلام عند التخلّف والايذاء ، ومن هنا يظهر أنه على القول بالأعم لا ينحصر وجه المبالغة في الاعتبار بما لا يعدّ الفعل صحيحا لولاه بل يحتمل أن يكون وجه التنزيل هو فقد الكمال في قوله : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد». واحتجّ القائل بالاجمال بما مرّ من صلاحيّة التزام الكتب الموجودة المذكورة المحتملة.

هذا تمام الكلام فيما أردناه من مباحث المجمل والمبين.

وعلى الله التوكّل ، وبه الاعتصام ، والحمد لله ربّ العالمين ، وهو خير معين ، وختمت الكتاب المسمّى بالذخر بيديّ الأحقر أحمد بن محمد بن حمزة الموسوي النجفي الأردبيلي عفى الله عنهم.

٥٣٩
٥٤٠